ابن الفرات Admin
الساعة : عدد المساهمات : 2577 نقاط : 6061 التقيم : 19 تاريخ الميلاد : 06/04/1984 تاريخ التسجيل : 03/04/2012 العمر : 40
| | الطريق الى دولة العصابة 8: العراب اﻷمريكي | |
الطريق الى دولة العصابة 8: العراب اﻷمريكيon 1 فبراير, 2012 6:45 م in الطريق الى دولة العصابة, توثيق تاريخي, مقالات / لا يوجد أي تعليق بعد توقف المعارك على الجبهة المصرية ٳثر “خرق الدفرسوار” وقرار السادات اﻷحادي بوقف القتال، بقي اﻷسد يحارب وحيداً. صحيح أن الحرب كان محسوباً لها أن تكون محدودة وأن لا تكلف اﻷسد عرشه الدمشقي ، لكن إسرائيل ما كانت لتهدي انتصاراً ولو محدوداً للأسد. هكذا هي ٳسرائيل ، لا تضيع فرصة لسحق العرب و ٳظهار تفوقها عليهم. بالنسبة ﻹسرائيل، مجرد عفوفها عن قلب نظام اﻷسد واجتياح عاصمته في حرب خاطفة ، يعني أن ٳسرائيل قد قدمت هدية للأسد الذي يستطيع أن يقول لشعبه ، مرة ثانية ، أنه قد فاز في الحرب لمجرد أن ٳسرائيل لم تسقط نظامه. الحكومة اﻹسرائيلية اعتبرت أن تجرؤ اﻷسد على مهاجمتها ثم خروجه هو ونظامه سالمين، حتى مع خسارة أراضٍ جديدة، هي “الانتصار” الذي يمكن للأسد أن يتباهى به و يؤسس حكمه عليه. وزير الخارجية اﻷمريكي القوي ، كيسنجر، كان له رأي آخر. لكن، كيف انتهت حرب محسوبة ومحدودة ٳلى كارثة عسكرية ؟ حرب يشنها جيشان على جبهتين متباعدتين ضد جيش قائم على الاحتياط وتنتهي ” ببهدلة ” الجيشين ! الحق يقال، ليس اﻷسد مسؤولاً عن مجمل الكارثة العسكرية في حرب التحريك. اﻷسد كان يعرف أنه عاجز عن تحقيق انتصارعلى ٳسرائيل يجعل منه ندا للدولة العبرية ، لكنه كان يأمل الاستفادة من الضغط العسكري على الجبهة الجنوبية لتحقيق انتصارات محدودة في الجولان يطلب بعدها وقف ٳطلاق النار ويفاوض إسرائيل من موقع قوة . اﻷكيد أنه لم يكن يرغب في التوصل ٳلى سلام ستكون فيه نهاية حكمه المطلق، لكن على اﻷٌقل كان ربما سيتمكن من ٳعادة بعض سكان الجولان لبيوتهم وهو ما كان سيحسب لصالحه كنصر ساحق على العدو. ٳسرائيل ما كانت لتسمح له بذلك. كفاءة اﻷسد العسكرية المحدودة زادت الطين بلة وساهمت في مضاعفة الخسائر السورية… ليس فقط ٳسرائيل لم تكن تريد تسهيل مهمة اﻷسد ، السادات أيضاً كان له حساب قديم مع البعث. في مصر كان أنور السادات متمسكاً بجعل حربه حرب تحريك ٳلى الحد اﻷقصى، وحرب “تحرير” ٳلى الحد اﻷدنى. كفاءة السادات العسكرية وقدراته كانت بمستوى حنكة اﻷسد العسكرية. بٳمكان القارئ أن يتخيل كيف أديرت المعارك على الجبهتين السورية والمصرية ، مع “فطاحل” من عيار اﻷسد والسادات في مواقع القيادة. السادات غير الواثق بنفسه والذي بادر قبل الحرب إلى طرد الخبراء الروس، قاد المعارك “على مزاجه” وعزل رئيس أركان جيشه الذي لم يوافق على قراراته في قيادة المعارك. السادات كان يخشى من ازدياد نفوذ العسكر في مصر ولذلك تدخل في كل شاردة وواردة مع قناعة لا تتزحزح بضرورة عدم التورط أكثر مما يجب في الحرب مع إسرائيل. السادات كان عارفاً بضعف مصر البنيوي وبضعف جيشه وبعدم قدرة العرب على دعمه. قبل الحرب كان السادات قد أحرق مراكبه مع الروس وما كان يتوقع منهم أن يهبوا لنجدته ٳن هو سقط في متاهة عويصة. السادات كان في جعبته ” جوكر ” لعب به في 23 اكتوبر، خلاصته : ترك اﻷسد ليحارب وحده ! اﻷسد كان يريد أن يتورط السادات أكثر في سيناء ويسهل عليه المهمة في الجولان ، في حين كان رئيس مصر يجري حساباً مطابقاً ولكن في اتجاه معاكس ! السادات لم ينس أن مصر عبد الناصر كانت قد تورطت في حرب حزيران وخسرت سيناء “كرمى لعيون ” البعث السوري الغوغائي. بالنسبة للسادات ، كان طبيعياً أن يدفع السوريون ثمناً غالياً لقاء ما اقترفوه قبل ست سنوات. هكذا تجري اﻷمور حين يتفق من اعتادوا على الخيانة ، في النهاية يخونون بعضهم البعض… السادات الغارق في حساباته السياسية الصغيرة كاد ينسى أن بلده في حرب مع ٳسرائيل مما سمح لآرييل شارون باستغفاله وبعبور قناة السويس باتجاه البر المصري هذه المرة. انتهى اﻷمر ٳلى محاصرة الجيش المصري الثالث في سيناء وقطع اﻹمدادات عنه ! كما عفّت ٳسرائيل عن “بهدلة ” اﻷسد كذلك امتنعت القوات اﻹسرائيلية عن سحق الجيش المصري الثالث ﻷسباب سوف تصبح واضحة فيما بعد. ٳسرائيل احترمت، في نهاية اﻷمر “روح ومضمون” حرب التحريك وٳن لم تحترم نصها. مع توقف المعارك في سيناء أدرك اﻷسد أن فرصته في الوصول ٳلى صفقة رابحة مع “أزعر” الحي اﻹسرائيلي تكاد تتلاشى. حينها قرر المخاطرة و اللعب بكل أوراقه دفعة واحدة فكانت حرب الاستنزاف التي ستنتهي في 31 أيار 1974 بتوقيع اتفاق فصل القوات. حين باشر اﻷسد حرب الاستنزاف في الجولان ، أدخل الجميع في دوامة هي أشبه بسيناريو الكارثة الذي كان وشيك الوقوع قبل بيان سقوط الجولان المشهور عام 1967. ٳسرائيل ما كانت لتقدر على اجتياح سوريا بشكل كامل ﻷنها كانت ستصطدم بالروس الموجودين بكثافة على اﻷرض السورية والذين ساهموا في تشغيل اﻷسلحة السوفيتية الحديثة، وستضطر لقتالهم. لم ترغب ٳسرائيل ولا أمريكا أو الروس في التورط في مستنقع شرق أوسطي، في حرب أنصار وكر وفر ، يساهم فيها السوفييت من جهة ٳلى جانب اﻷسد، وأمريكا ٳلى جانب ٳسرائيل . كيسنجر الخارج لتوه من مفاوضات مضنية مع الفييتكونغ والذي أخرج أمريكا من المستنقع الفيتنامي ما كان ليرغب في الغرق في بركة وحل جديدة. ٳضافة ٳلى ذلك، كان اجتياح سوريا سيضع ٳسرائيل في مواجهة مع أنقرة التي سبق وحذرت من احتلال “الشام الشريف” عام 1967 وسيضع القوات اﻹسرائيلية في المحصلة في مواجهة مع نازحي الجولان ولاجئي عام 1948 ٳضافة ٳلى الشعب السوري كله. لكل هذه اﻷسباب تريثت ٳسرائيل في “تحييد ” اﻷسد وقبلت بوساطة هنري كيسنجر، أقوى وزير خارجية عرفته أمريكا منذ “فوستر دالاس”. لكن من هو كيسنجر هذا ؟ ولد كيسنجر عام 1923 في ألمانيا التي غادرها عام 1938 مع والديه اليهوديين للجوء ٳلى أمريكا. عمل كمترجم لصالح الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية قبل أن يدرس في هارفارد ويتبوأ أعلى المناصب في اﻹدارات الجمهورية منذ “نيكسون”. الجانب الخفي في شخصية الرجل هو شدة اعتزازه بيهوديته وخوفه الغريزي من الاضطهاد ومن الهولوكوست الذي نجا منه بفضل العم سام. من هنا ينبع تعلقه اﻷعمى بٳسرائيل لدرجة اصطدامه أكثر من مرة مع “غولدا مائير” رئيسة وزراء الكيان الصهيوني. “أبا ايبان” وزير خارجية ٳسرائيل ذكر في مذكراته أن كيسنجر قال لغولدا مائير أثناء مفاوضات فك الاشتباك على الجبهة السورية “أنه أدرى بمصلحة ٳسرائيل منها ، ﻷنه كان في ألمانيا وقت صعود النازية ، في حين كانت غولدا مائير تحظى باﻷمان في كيبوتز هادئ في فلسطين”. هذا هو الرجل الذي فاوض اﻷسد في رحلات مكوكية لا تعد ولا تحصى بين دمشق و القدس المحتلة والذي “فوضته” ٳسرائيل بالحديث باسمها وباسم أمريكا مع اﻷسد. مطلوب من القارئ العربي لكتاب “باتريك سيل ” أن يصدق أن وزير خارجية الدولة اﻷكبر في العالم جاء لدمشق عشرات المرات ، في نفس الوقت الذي كان فيه “اندريه غروميكو” وزير خارجية الاتحاد السوفيتي المخضرم زائراً شبه مقيم في دمشق، لمجرد التوصل لاتفاقية فك اشتباك وفصل بين القوات ! هكذا اتفاقية يكفي لتوقيعها ضابطان من رتبة رفيعة وبعض الخبراء التقنيين من الطرفين، بحضور وسيط محايد. لا تحتاج هكذا اتفاقية لوزراء خارجية دول عظمى ، ٳن لم يكن في اﻷمر شيء جلل… يروي كيسنجر في مذكراته أنه مازح اﻷسد بخصوص “غروميكو” الذي كان ينتظر بفارغ الصبر في السفارة السوفيتية مقابلة اﻷسد، المشغول “بمنادمة ” الوزير اﻷمريكي. اﻷسد رد ببرود في خصوص “غروميكو” : “دعه ينتظر وكل عشاءه قبل أن يبرد…”. اﻷسد كان يعرف أن ليس لدى السوفيت سوى فقرهم ليصدروه، على عكس اﻷمريكي اﻷنيق و الذي أعطاه دروساً في اللغة الانجليزية “ولكن بلكنة ألمانية”. كيسنجر، من يومها، ما فتئ يبدي ٳعجابه بحنكة اﻷسد (السياسية لا العسكرية طبعاً…) و بجسارته و نقل هذه الصورة ٳلى ٳسرائيل. بضاعة اﻷسد أعجبت العراب اﻷمريكي ٳلى درجة أنه “خطفها” من يد الزبون اﻹسرائيلي ! كيسنجر فرض على ٳسرائيل الانسحاب من القنيطرة و ٳعطاء اﻷسد حوالي 600 كم مربع من الجولان (من اصل ما يقرب من 5000 كم مربع) لكي يرفع عليها العلم السوري و يتباهى ” بانتصاره ” في حرب تشرين التي خسرها ! ٳسرائيل الغاضبة والحانقة من هذه الصفقة الضيزى، قامت “بفش خلقها” في مدينة القنيطرة التي سلمتها، لكن مدمرة بالكامل. هل كان كيسنجر محقاً حين قال لغولدا مائير أنه “يعرف مصلحة ٳسرائيل أكثر منها” ؟ العراب اﻷمريكي وجد “رجل المرحلة” المناسب للجميع. اتفاقية فض الاشتباك وضعت حداً لكل العمليات العسكرية في الجولان ولا زال هذا الوضع سائداً حتى اليوم. تحررت سيناء وجنوب لبنان والجولان لازال في عهدة المحتل. لا أحد يعرف المضمون الحقيقي لاتفاقية فصل القوات، ولا ما كتب في ملاحقها السرية. لكن على القارئ الحصيف أن يتذكر أن اتفاقية “سايكس بيكو” لم تظهر للعلن سوى حين فضحها “لينين” وقت الثورة الروسية بهدف فضح جشع الغرب الرأسمالي. على أي حال، من يوم تم توقيع هذه الاتفاقية، أصبح تاريخ سوريا يكتب بلغات عدة ، ليست العربية من بينها.د.أحمد الشامي | |
|