مهند الاحمد مشرف عام
الساعة : عدد المساهمات : 644 نقاط : 1611 التقيم : 11 وسام : تاريخ الميلاد : 05/03/1990 تاريخ التسجيل : 06/04/2012 العمر : 34 الاقامة : سوريا العمل/الترفيه : نجار عادي
| | الهيمنة على المدينة» لروزي: السياسة وراء انهيار المباني الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٢ «ان الشخصيات والأحداث ال | |
الهيمنة على المدينة» لروزي: السياسة وراء انهيار المبانيالجمعة ١٨ مايو ٢٠١٢«ان الشخصيات والأحداث المقدمة في هذا الفيلم هي من نسج الخيال، لكن الواقع الاجتماعي الذي أنتجها حقيقي وصادق». بهذه العبارات اختتم المخرج الإيطالي فرانشيسكو روزي في العام 1963 واحداً من أبرز افلامه وأكثرها حدة في النقد الاجتماعي والسياسي الذي كان يتقنه، وجعله جوهر القسم الأعظم من افلامه. فرانشيسكو روزي يبدو اليوم منسياً الى حد ما، بعدما شغل اهل السينما ومتفرجيها في شكل صاخب طوال سنوات الستين والسبعين، يوم كان يرى عدد من كبار الفنانين والمبدعين ان الإبداع والشأن الاجتماعي - السياسي، امران لا يمكن الفصل بينهما. الفيلم الذي نتحدث عنه هنا هو «الهيمنة على المدينة»، الذي آل روزي على نفسه من خلاله ان يمعن في اعتبار السينما مكاناً لصراع الآراء والأفكار، من منطلقات سياسية وأخلاقية في الوقت نفسه. > فيلم «الهيمنة على المدينة» قد لا يكون - وهو ما يؤكده المخرج في اي حال - منطلقاً من حدث حقيقي بعينه، لكننا قادرون اينما وجّهنا أنظارنا في مدن هذا العالم، على اكتشاف عشرات الحوادث الشبيهة بحدثه الرئيس، ويمكننا انطلاقاً من هنا، ان نجد انفسنا امام تحليلات واستنتاجات، تنطلق من الحدث مهما كان جوهره تقنياً، وتصبّ في خانة السياسة. الحدث الأساس هنا هو تداعي بناية تبعاً لأشغال تقام من حولها: انه حدث عادي يجرى في أي مكان، وفي اي مدينة. لكنه بالنسبة الى روزي، واقع يرتبط ارتباطاً مباشراً بالسياسة. كيف؟ انه يقول لنا كيف من خلال هذا الفيلم المتقشف والجريء، الذي كان من نتائج ظهوره، ان نبّه الناس، في بلده - ايطاليا - وفي انحاء اخرى كثيرة من العالم ايضاً، الى ذلك الارتباط العميق بين السياسة والصفقات، بين العمران والإيديولوجيا. وهنا، لئلا نمعن في التحليل والاستنتاج قبل ان نعرف ما هي الحكاية، لنطل على الحكاية اولاً. > تدور هذه «الحكاية» حول حدث بسيط للوهلة الأولى: نحن هنا في مدينة نابولي، في الزمن الراهن - بداية سنوات الستين، لكنه زمن مفتوح على كل راهن مماثل - والشخصية المحورية هنا هي شخصية مقاول البناء ادواردو نوتولا، الذي، الى جانب أشغاله العمرانية الكثيرة، يشغل ايضاً مقعداً في مجلس النواب عن حزب يميني. وهو يعرف كيف يوائم تماماً بين نشاطه السياسي وصفقاته العمرانية، ويمكننا ان نخمّن، على ضوء تجارب عدة مماثلة في بلدان عدة مماثلة، كيف يتمكن السيد نوتولا هذا، من ان يوظف علاقاته السياسية من اجل الحصول على صفقات وإنجاح مشاريعه ومقاولاته العمرانية. في البداية تبدو أشغال نوتولا مزدهرة، وتسير اموره من حسن الى أحسن في ظل حكم يميني على شكله. ولكن ذات يوم تحصل الكارثة: ينهار مبنى ضخم من مباني هذا المقاول/النائب بسبب أشغال تجرى فيه ومن حوله. وعلى الفور، في وقت كان اليمين الحاكم يسعى الى لفلفة القضية، يسعى المجلس البلدي الى المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق... غير ان اصدقاء النائب نوتولا يميّعون الأمور ويطيلون امد التحقيق بغية نسفه من أساسه حفاظاً على مصالحهم ومصالح حليفهم. وهم يفلحون لوهلة في هذا، لكنهم لا يبدون في نهاية الأمر قادرين على منع الفضيحة نفسها من ان تندلع. فهناك صحافة وهناك رأي عام، وهناك قوى يسارية قررت ألا تسكت عن هذا الموضوع، ليس لأنه حدث هذه المرة، بل لأنه يتكرر حدوثاً، وصار جزءاً اساسياً من منظومة سياسية - عقارية. ويشتد ضغط القوى اليسارية ما يؤدي في نهاية الأمر الى اجراء انتخابات جديدة. ويرشح السيد نوتولا نفسه في الانتخابات عن مقعد تابع لتيار الوسط، لكنه يلقى دعماً واضحاً وصريحاً من اليمين، وتكون النتيجة انه يفوز بمقعده من جديد، وتصبح الانتخابات والاحتجاج عليها هي القضية في الوقت الذي يتمكن نوتولا ورفاقه من طمس القضية الحقيقية، قضية الفساد العمراني القائم على أسس العلاقات السياسية. وهكذا في وقت ينتهي الفيلم على اليسار وهو يضج صاخباً في احتجاجه على الانتخابات، يتمكن نوتولا من ان يعود الى مقاولاته ومشاريعه وكأن شيئاً لم يكن. > حين عرض الفيلم وأثار ضجة، قيل لروزي ان النهاية سوداوية محبطة، فكان جوابه منطقياً وبسيطاً: «لو جعلت النهاية انتصاراً للمحتجين، سأكون خرجت عن دور الفن الذي هو طرح الإشكاليات لا إيجاد الحلول لها. لأن حل المعضلة على الشاشة امر يخدع ويوحي الى الجمهور بأن الحل هناك على هذه الشاشة. انا على العكس اقول ان الحل على الأرض في الحياة نفسها، وأي محاولة لإيجاد الحلول في الفيلم ستكون مجرد تنفيس». وهذا كان دأب فرانشيسكو روزي في معظم افلامه، هو الذي عالج في هذه الأفلام بعض اهم المسائل الشائكة التي طرحت على الرأي العام الإيطالي خلال تلك الحقبة. > أما في شأن روزي الذي بدأ حياته الفنية والسياسية، مساعداً لفيسكونتي في فيلمه «الأرض تهتز» الذي أطلق الواقعية الإيطالية الجديدة في العام 1942، فكانت السينما مكاناً يمكن التحقيق والبحث السياسيين ان ينطلقا منه، ولكن لا يمكنهما الوصول إليه والاكتفاء به. وهو برهن على هذا في افلام حملت عناوين مثل: «سلفاتوري جوليانو» و «قضية ماتي» و «لاكي لوتشيانو» و «الرجال الضد» و «جثث مختارة»، وهي كلها افلام عالج فيها القضايا السياسية، لا سيما ارتباط المافيا باليمين والسياسة والصفقات. ونذكر في هذا المجال فيلمه «قضية ماتي» الذي عالج فيه حكاية اغتيال الثري الإيطالي ماتي الذي جابه الاحتكارات النفطية الكبرى حين راح يبني علاقات مباشرة مع البلدان العربية - والعالمثالثية - المنتجة للنفط، تفيد المنتج والمستهلك من دون وساطة تلك الاحتكارات، ما جعله يدفع الثمن. في مثل هذه الأفلام عرف روزي كيف يطرح في زمنه مشكلات شائكة مجابهاً أعتى العصابات وأعتى ضروب الفساد. اما فيلمه «الهيمنة على المدينة» فهو يعد الأقسى والأوضح في مجابهته عالم «البيزنس» المرتبط بالسياسة، من خلال موضوع يبدو للوهلة الأولى عادياً. لكن الفيلم يأتي ليكشف سياسته، بل كيف انه يدخل في لب السياسة ويشكل خلفيتها. وللوصول الى توضيح هذا لم يكن روزي ليبالي كثيراً بأن يصل حتى الى استخدام «النجوم» بغية جذب المتفرجين الى افلامه... إذ نراه هنا في هذا الفيلم، مثلا، يسند الدور الأساس الى نجم هوليوودي كبير هو رود ستيغر. اما الأهم فهو الأسلوب السينمائي الذي اتبعه روزي، حتى ان الفيلم يبدو لديه وكأنه عمل وثائقي، وكأن الأحداث صوّرت ميدانياً، وقد طالب ممثليه بأن يقتربوا أقصى ما يمكنهم من الصورة المعهودة للشخصيات التي يؤدونها، حتى ولو دفع ذلك الشخصيات الى أن تبدو نمطية. وبالنسبة الى روزي كان المهم هو الفاعلية التي تحرك الجمهور وتدفعه الى الإحساس بأنه معني بما يحصل. > ولد فرانشيسكو روزي في نابولي 1922، وبدأ حياته كاتباً وصحافياً ومن هنا حسّ التحقيق الميداني لديه - ثم، من خلال انخراطه في النضال ضد فاشية موسوليني، وجد في السينما اداة طيعة للنضال. وهكذا بعد مهن سينمائية متنوعة بدأ الإخراج في 1958 بفيلم «التحدي»، ليحقق بعد ذلك افلامه التي كان يكتبها بنفسه. وكانت ذروة نشاطه في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، لكنه يبدو الآن منسياً الى حد ما. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
| |
|