منتدى دير الزور
عزيزي الزائر الكريم .. زيارتك لنا أسعدتنا كثيراً .. و لكن لن تكتمل سعادتنا إلا بانضمامك لأسرتنا .. لذا نرجوا منك الضغط على زر التسجيل التالي من فضلك
واملىء حقول التسجيل ،ملاحة ضع بريد صحيحا لتفعيل عضويتك من بريدك الشخصي
بعد التسجيل تصلك رسالة بريدية على بريدك الشخصي تجد فيها تعليمات تفعيل العضوية
وشكرا
مع تحيات ادارة منتديات دير الزور
منتدى دير الزور
عزيزي الزائر الكريم .. زيارتك لنا أسعدتنا كثيراً .. و لكن لن تكتمل سعادتنا إلا بانضمامك لأسرتنا .. لذا نرجوا منك الضغط على زر التسجيل التالي من فضلك
واملىء حقول التسجيل ،ملاحة ضع بريد صحيحا لتفعيل عضويتك من بريدك الشخصي
بعد التسجيل تصلك رسالة بريدية على بريدك الشخصي تجد فيها تعليمات تفعيل العضوية
وشكرا
مع تحيات ادارة منتديات دير الزور
منتدى دير الزور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لا للظلم لا لسرقة أحلام الشعب السوري لا لسرقة خيرات الشعب السوري لا لسرقة عرق الشعب السوري لا لسرقة دماء الشعب السوري لا لحكم الأسرة الواحدة لا لآل الأسد الحرية لشعبنا العظيم و النصر لثورتنا المجيدة المصدر : منتديات دير الزور: https://2et2.yoo7.com
 
الرئيسيةمجلة الديرأحدث الصورالتسجيلدخولمجلة الديرزخرف نيمك الخاص بالفيس بوكأضف موقع

مساحة اعلانية
مساحة اعلانية Check Google Page Rank منتديات دير الزور 3 بيج رنك

 

  الصحابة ومكانتهم عند المسلمين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الاسمر
ديري نشيط
ديري نشيط
الاسمر


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 217
نقاط : 576
التقيم : 23
تاريخ الميلاد : 14/06/1990
تاريخ التسجيل : 10/05/2012
العمر : 33

 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الصحابة ومكانتهم عند المسلمين    الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 07, 2012 9:44 am


التصنيـف العـام > اعرف نبيك صلى الله عليه وسلم
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Paper بيانات الكتاب ..
العنوان الصحابة ومكانتهم عند المسلمين
المؤلف محمود عيدان أحمد الدليمي
نبذة عن الكتاب
تاريخ الإضافة 23-5-1428
عدد القراء 21455
رابط القراءة  الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Msword << اضغط هنا >>
رابط التحميل  الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Zip << اضغط هنا >>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الاسمر
ديري نشيط
ديري نشيط
الاسمر


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 217
نقاط : 576
التقيم : 23
تاريخ الميلاد : 14/06/1990
تاريخ التسجيل : 10/05/2012
العمر : 33

 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابة ومكانتهم عند المسلمين    الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 07, 2012 9:46 am

الصحابة
ومكانتهم عند المسلمين

رسالة مقدمة إلى مجلس كلية العلوم الإسلامية
لنيل درجة الماجستير في العلوم الإسلامية

الطالب
محمود عيدان أحمد الدليمي

تحت إشراف
الدكتور حارث سليمان الضاري

1413 هـ- 1993 م























































رَبَّنَا لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ


الإهداء
أهدي هذه الرسالة إلى مَن تعهداني بأسباب الرعاية
أمي وأبي




المقـدمة













مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فما له من هاد.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام المتقين وقائد الغر المحجلين الذي بُعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الذين اهتدوا بهديه, فكانوا أعلام الهدى , المنار المقتدى.
أما بعد:
فقد تعرض الجيل الأول من المسلمين إلى محن قاسية وتحملوا أعباء كبيرة من أجل التمكين لهذا الدين القيّم في الأرض, فخرجوا من قلب الجزيرة العربية إلى العالم أجمع يحملون لهم الدواء الناجع لما كانت تعانيه الإنسانية من ضياع وتمزق. يحملون السلام العالمي الذي طالما حلم به الفلاسفة والحكماء, وقدموه للدنيا بأسرها وعلى وجوههم علامات الرضا, غير عابئين بما ضحوا في سبيل ذلك من دمائهم وأموالهم واغترابهم. فنالوا بهذه التضحيات الجسام الثواب الجزيل من الله تعالى والحب العظيم من رسول الله , وأصبحوا نبراس الأمة الإسلامية ومثالها الفذ مَن أجبهم أحب الله ورسوله ومن أبغضهم أبغض الله ورسوله.
غير إن كثيراً ممن استحوذ عليهم الشيطان, وممن نذروا أنفسهم للنيل من هذا الدين العظيم لم يرق لهم هذا التكريم لصحابة رسول الله  وكانوا يعلمون أنهم يمثلون سور الدين, وأن الطعن فيهم هو السبيل الموصلة إلى هدمه دون ضوضاء, فأخذوا يشوهون صورتهم في أعين الناس, ويبثون آراءهم المنحرفة في صحابة رسول الله .
لهذا كله حق على كل مسلم غيور أن في كل زمان ومكان أن يدافع عن تلك النخبة الطاهرة الذين لولا جهادهم وإخلاصهم وأمانتهم لما نعمنا بنعمة الإسلام, وأن يساهم ولو بشيء يسير في إبراز دورهم الهام في حفظ الشريعة وتعاليم الدين, لأننا مدينون لهم بكل شيء, فحبهم قربى إلى الله, والذود عنهم ذود عن حياض الدين, ولاشيء أوجب على المسلم في حياته من ذلك.
وهذا ما دفعني إلى أن أكتب رسالتي في هذا الموضوع وأن أسميها " الصحابة ومكانتهم عند المسلمين" سائلا المولى تعالى أن يجعلها في صحيفة عملي يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم.

وقد جاءت رسالتي على بابين وخاتمة.
فالباب الأول – عقدته في الصحابة- جاء مشتملاً على ثلاثة فصول:
الفصل الأول في التعريف بالصحابة رضي الله عنهم, وذكرت فيه تعريف الصحابي لغة واصطلاحاً, وطبقات الصحابة, وعددهم والطرق التي يُعرف بها الصحابي.
أما الفصل الثاني فقد عقدته لبيان عدالتهم رضي الله عنهم وبينت فيه عدالتهم من خلال القران الكريم, والسنة النبوية وأقوال علماء الأمة وسلفها الصالح, ثم من خلال سيرتهم وأحوالهم العطرة.
والفصل الثالث, تحدثت فيه عن اختلافات الصحابة فتكلمت عن أسباب الاختلاف بين الناس عموماً, ثم بين الصحابة وأنواع الاختلافات التي وقعت بين الصحابة, وعن الآثار الناجمة عن تلك الاختلافات وأخيرا موقف علماء الأمة من اختلافهم.
أما الباب الثاني الذي عقدته لبيان مكانتهم فقد جاء مشتملاً على ستة فصول:
الفصل الأول: تحدثت فيه عن مكانة الصحابة عند الشيعة الإمامية. وذكرت فيه أيضاً نشأتهم وآراءهم وفرقهم.
الفصل الثاني: تكلمت فيه عن الإسماعيلية تعريفها ونشأتها وآرائها وموقفها من الصحابة ومكانتهم لديها, وأتيت فيه بشيء من جهود العلماء في مقاومة ضلالها.
الفصل الثالث: تحدثت فيه عن الزيدية وما قامت به من محاولات لتصحيح منهج التشيع وبينت فيه موقفهم من صحابة رسول الله  بعد أن ذكرت فرقهم.
الفصل الرابع: تحدثت فيه عن الخوارج وأسباب ظهورهم وصفاتهم وفرقهم وأرائهم ثم عن مكانة الصحابة عندهم.
الفصل الخامس: تحدثت فيه عن أهل السنة والجماعة وذكرت تعريفهم وأصنافهم وموقفهم من الصحابة وحكم من تجاوز عليهم عندهم بسب أو لعن أو اكفار.
الفصل السادس: عقدته في بيان النتائج الضارة للطعن في الصحابة رضي الله عنهم, وبينت فيه أن الطعن ينجم عنه الطعن في صحة نقل القرآن الكريم, والطعن في صحة نقل السنة النبوية, وتكذيب القرآن والسنة في نصوص كثيرة بعينها, وكذلك ينجم عنه الطعن في شخص الرسول  وأخيراً تصوير الإسلام ديناً بعيداً عن التطبيق العملي.


أما الخاتمة فقد تحدثت فيها عن النتائج التي خرجت بها من دراستي هذه.
ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل للدكتور حارث سليمان الضاري لتفضله بالإشراف على رسالتي المتواضعة هذه ولما قدمه لي من ملاحظات أثناء كتابتي لها, التي كانت نعم العون لي. كما أتقدم بالشكر لكل من مد يد المساعدة وأشكر أسرة مكتبة كلية العلوم الإسلامية لما قدموه لي من تعاون وأسرة مكتبة التأميم المركزية فجزاهم الله عني ألف خير.
وأخيراً... فهذا جهد بذلته فإن أصبت فبعون من الله وفضل وإن أخفقت فإنما أنا بشر. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




















الباب الأول
الفصل الأول
التعريف بالصحابة

• من هو الصحابي
• طبقات الصحابة 
• عدد الصحابة 
• طرق معرفة الصحابي









أولاً:- مَن هو الصحابي؟
الصحابي لغة مشتق من الصحبة, وهي المعاشرة, جاء في لسان العرب: صحبه يصحبه صُحبة بالضم وصحابة بالفتح, وصاحَبَه عاشَرَه ... والصاحب المُعاشر( ).
وقال صاحب المصباح المنير: والأصل في هذا الإطلاق -أي إطلاق اسم الصحبة من حيث اللغة- لمن حصل له رؤية ومجالسة. ووراء ذلك شروط للأصوليين. ويطلق مجازاً على من تمذهب بمذهب من مذاهب الأئمة, فيقال: أصحاب الشافعي, وأصحاب أبي حنيفة( ), وكل شيءٍ لائم شيئاً فقد استصحبه( ).
ولا يشترط في إطلاق اسم الصحبة لغة, أن تكون الملازمة بين الشيئين طويلة الأمد, أو الملابسة بينهما عميقة, لأنها اسم مشتق من فعل, والأسماء المشتقة من الأفعال يصح أن تطلق بمجرد صدور الفعل, ولا علاقة لها بمقدار تحقق ذلك الفعل في الشخص.
فكما أن قولك: ضارب وهو اسم مشتق من الفعل (ضرب) يصح أن يطلق بمجرد صدور الضرب من شخص ما دون النظر إلى مقدار هذا الضرب, كذلك يصح أن يطلق اسم الصحابي أو الصاحب على كل من صحب غيره مهما كان مقدار الصحبة. لهذا قال صاحب الرياض المستطابةSadيطلق اسم الصحبة في اللغة على الشيئين إذا كان بينهما ملابسة وان قلّت أو مناسبة أو ملابسة من بعض الوجوه)( ).
أما تعريف الصحاب من حيث الاصطلاح فقد اختلف العلماء في حدّه على أقوال (فالمعروف عند المحدثين أنه كل مسلم رأى رسول الله  )( ), وقال ابن حجر: (هو من لقي النبي  مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة على الأصح)( ).
غير أن (منهم من بالغ فكان لا يعد من الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية كما جاء عن عاصم الأحول حيث قال: رأى عبدالله بن سرجس رسول الله  غير انه لم يكن له صحبة, هذا مع كون عاصم قد روى عن عبدالله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن وأكثرها من رواية عاصم عنه, ومنها قوله: إن النبي  استغفر له. فهذا يوضح رأي عاصم في الصحابي بأنه من صحب الصحبة العرفية( ).
(وكذا روى عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد من الصحابة إلا من أقام مع النبي  سنة فصاعداً أو غزا معه غزوة فصاعداً)( ).
ومنهم من اشترط أن يكون حين اجتماعه بهF بالغاً , وهو مردود أيضاً لأنه يخرج أمثال الحسين بن علي ونحوه من أحداث الصحابة( ) وروي عن بعض أصحاب الأصول في تعريفهم للصحابي (أنه من طالت مجالسته عن طريق التتبع)( ) قال ابن حجر: (والعمل على خلاف هذا القول وأنهم اتفقوا على عدّ جمع من الصحابة لم يجتمعوا بالنبي  إلا في حجة الوداع)( ).
ولعل أرجح التعاريف وأجمعها ما اختاره ابن حجر إذ قال: (وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي  مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو عنه ومن غزا معه أو لم يغز معه ومن رآه ولو لم يجالسه, ومن لم يره لعارض كالعمى)( ).
وهذا الذي صححه ابن حجر نسَبَه كثير من العلماء إلى الإمام البخاريT. وأثبت ابن حجر أن البخاري تابع فيه شيخه علي بن المديني T حيث قال: (وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني فقرأت في المستخرج لأبي قاسم بن منده بسنده إلى أحمد بن يسار الحافظ المروزي قال: سمعت أحمد بن عتيك يقول: قال علي بن المديني: من صحب النبي  ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي )( ).
وأرى أن هذا التعريف الذي ذكره ابن حجر هو أرجح التعاريف لما يلي:
أولاً: لأنه يتماشى مع المدلول اللغوي لكلمة الصحبة, ولا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره إلا عند وجود مقتضى لذلك من نص أو مانع, لا وجود لشيء من ذلك كله.
ثانياً: لأنه قول جهابذة السنة وعلماء الأمة ممن لا يعدل قولهم قول غيرهم ممن خالفهم.
ثالثاً: لأن التوسع في إطلاق الصحبة يرى فيه العلماء وجهاً من وجوه الثناء على رسول الله  وتقديراً لمكانته  حق قدرها, قال ابن الصلاح: (بلغنا عن أبي المظفر السمعاني المروزي أنه قال: أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابة على كل من روى عنه حديثاً أو كلمة ويتوسعون حتى يعدوا من رآه رؤية من الصحابة, وهذا لشرف منزلة النبي  أعطوا كل من رآه حكم الصحبة)( ).
رابعاً: إن الأقوال الأخرى غير جامعة لكل من تشرف بلقاء النبي  أو رآه ولو مرة, لأنها اشترطت طول المجالسة أو الغزو معه أو الرواية عنه  وهذه الأمور لم تتحقق لكثير ممن وصفوا بالصحبة, كالعميان والأحداث من الصحابة .
ثم إن الصحبة تكريم من الله لجماعة من البشر اختارهم سبحانه ليكونوا معية رسول الله  والنقلة لكل أحداث عصر النبوة. كما إن الجرح والتعديل بتطبيقهم لقواعد النقد العلمي الصحيح لم يعثروا على ما يمكن أن يكون مخلاً بعدالة أي شخص ثبت أنه رأى أو لقي النبي  مسلماً ومات على الإسلام.

ثانياً: طبقات الصحابة
حينما نقول أن كل من رأى النبي  مؤمناً به ومات على الإيمان فان له شرف الصحبة, وما يلزم منها من العدالة ودخولهم الجنة بوعد الله تعالى لهم بقوله:  لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ) فليس معنى هذا أن الصحابة كلهم على مرتبة واحدة, بل هم على طبقات ودرجات, حددها عدل الله سبحانه وتعالى. إذ فيهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار, وفيهم من تلوهم وتبعوهم بإحسان, فكان لابد أن يتفاوتوا في الفضل والمرتبة والزلفى عند الله تعالى, لذلك رتبهم العلماء الذين اعتنوا بهم إلى طبقات, وقد اختلفوا في ترتيب تلك الطبقات باعتبارات مختلفة.
فقسمهم ابن سعد في طبقاته على حسب القدم والمشاهد إلى خمس طبقات, هي( ):
الأولـى : البدريون من المهاجرين.
الثانيـة : البدريون من الأنصار.
الثالثـة : الذين لم يشهدوا بدراً ولهم إسلام قديم.
الرابعـة: الذين أسلموا قبل الفتح.
الخامسة : الذين أسلموا بعد الفتح.

ورتبهم الحاكم إلى اثنتي عشرة طبقة( ) وهي كالآتي:
الأولى: قوم أسلموا بمكة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم.
الثانية: أصحاب دار الندوة.
الثالثة: المهاجرون إلى الحبشة.
الرابعة: الذين بايعوا النبي  عند العقبة.
الخامسة: أصحاب العقبة الثانية.
السادسة: أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله  وهو بقباء قبل أن يدخل المدينة ويبني المسجد.
السابعة: أهل بدر الذين قال رسول الله  فيهم: (( لعل الله أطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم))( ).
الثامنة: المهاجرون الذين هاجروا بين بدر والحديبية.
التاسعة: أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله تعالى فيهم قوله  لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا  ( ).
العاشرة: المهاجرة بين الحديبية والفتح, منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبو هريرة( ).
الحادية عشرة: الذين أسلموا يوم الفتح وهم جماعة من قريش.
الثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوا رسول الله  يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرهما.

والناظر في تقسيم الحاكم يرى أنه قائم على السبق في دخول الإسلام بغض النظر عن أية عوامل أخرى, بخلاف ما جرى عليه ابن سعد في طبقاته من اعتماده المشاهد والسبق إلى الإسلام معاً, فعنده أن المهاجر البدري أعلى رتبة من الأنصاري البدري باعتبار عامل السبق, ومن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار فهو أعلى رتبة ممن لم يشهدها وإن كان إسلامه قديماً, وهو بهذا يكون أميز من مخالفيه في تقديرنا.
هذا الترتيب والمفاضلة بين الصحابة  على سبيل الإجمال، أما على سبيل الأفراد لكل منهم فقد ذهب جمهور علماء أهل السنة إلى أن أفضل الناس بعد رسول الله  أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر ثم أهل أحد ثم أهل بيعة الرضوان وممن لهم مزية من أهل العقبتين من الأنصار والسابقين الأولين( ).

ثالثاً: عدد الصحابة
لاشك أن حصر عدد الصحابة أمر متعذر لأمور, منها: أن الرسول  عاش يدعو إلى دين الله ثلاثة وعشرين عاما, وقد أسلم في هذه الفترة خلق كثير بلا شك, فمنهم من كان يقيم معه ومنهم من يرجع إلى الجهة التي جاء منها, ومعرفة من أعلن إسلامه أمام الرسول  ومن أسلم دون أن يلتقي به أمر في غاية الصعوبة.
لذا فإن من كتب في هذا المجال, فإنما كتب على سبيل التقريب لا التحديد فيما نظن.
فقد روي عن أبي زرعة الرازي قوله: (توفي رسول الله  ومن رآه ومن سمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية)( ).
وأخرج الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: (خرج رسول الله  لعشر مضين من رمضان, وصام الناس معه, حتى إذا كانوا بالكديد أفطر, ثم مضى في عشرة آلاف من المسلمين) وكان ذلك عام الفتح( ).
وقال ابن حجر: (ثبت عن سفيان الثوري فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه قال: من قدّم علياً على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفاً مات رسول الله  وهو عنهم راض( )- يعني الذين توفوا في خلافة أبي بكر وعمر-.
من خلال هذه الآثار يتبين لنا أن أصحاب رسول الله  كانوا من الكثرة بحيث أن الرواة الذين سمعوا من رسول الله  يزيدون على مائة ألف.
ومع هذا فإن التاريخ لم يحفظ لنا عشر ما ذكره أبو زرعة من الرواة. وقد قام الدكتور أكرم ضياء العمري بدراسة استقرائية في كتب معرفة الصحابة وتوصل إلى هذه النتيجة( ).
إن أوسع كتب معرفة الصحابة هو كتاب الإصابة لابن حجر حيث بلغت ترجماته(9477) ترجمة ممن عرفوا بأسمائهم و (1268) ترجمة ممن عرفوا بكناهم و (1522) ترجمة امرأة.
وليس كل من أوردهم ابن حجر في الإصابة قد ثبتت صحبتهم, فقد ذكر في مقدمة كتابه أنه تناول فيه أربعة أقسام, وهي:
الأول: من وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره سواء أكانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة, أو وقع ذكره على الصحبة بأي طريق كان.
الثاني: فيمن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي  لبعض الصحابة من الرجال والنساء ممن مات  وهم دون سن التمييز, لغلبة الظن أنه  رآهم.
الثالث: فيمن ذكر في الكتب المتقدمة عليه من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يرد خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي  ولا رأوه, سواء أسلموا في حياته أم لا, وهؤلاء ليسوا صحابة بالاتفاق.
الرابع: فيمن ذكر في الكتب المتقدمة أنه صحابي على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك( ).

رابعاً: طرق معرفة الصحابي

للعلماء في معرفة الصحابة رضي الله عنهم طرق يعرفونه بها, ويمكن إجمال هذه الطرق بما يلي:
الأولى: الخبر المتواتر, كصحبة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
الثانية: الخبر المستفيض أو المشهور: وهو الخبر الذي لم يصل إلى حد التواتر.
الثالثة: إخبار بعض الصحابة أنه صحابي.
الرابعة: شهادة ثقات التابعين في حقه بكونه صحابياً.
الخامسة: إخباره عن نفسه بصحبته لرسول الله بعد أن ثبتت عدالته عند علماء الجرح والتعديل( ).
فإذا ما ثبتت للشخص صحبة بأية طريقة من هذه الطرق فهو صحابي ويجب تعديله, واعتبار أقواله ومروياته دون عرضها على ميزان الجرح والتعديل.



الباب الأول
الفصل الثاني
عدالة الصحابة


• تعريف العدالة
• بم فضل الصحابة  على غيرهم
• عدالة الصحابة  في القران الكريم
• عدالة الصحابة  في السنة النبوية
• عدالة الصحابة  في أقوال السلف الصالح
• عدالة الصحابة  من خلال أحوالهم وسيرتهم العطرة

قبل أن نخوض في إثبات عدالة الصحابة رضي الله عنهم من خلال الكتاب والسنة وآراء العلماء, أرى من المناسب أن نتحدث عن معنى العدالة من حيث اللغة والاصطلاح وتوضيح الفرق بينها وبين العصمة ثم نتحدث عن الأشياء التي بها فُضّل الصحابة على غيرهم, بالله التوفيق.
أولاً:- تعريف العدالة
العدالة في اللغة مشتقة من العدل ضد الجور... ورجل عدل أي رضا ومقنع في الشهادة. وتعديل الشيء تقويمه .. وتعديل الشهود أن تقول أنهم عدول( ).
والعدالة في الاصطلاح عرفها ابن حجر بقولهSad إنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى. والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة)( ) ولعل هذا التعريف هو المختار عند علماء الحديث.
فالعدالة بهذا المنظور لا تعني أن يكون الإنسان معصوماً, ونحن لا نريد أن نصل بالصحابة إلى مرتبة العصمة, إذ لا يجوز لنا أن ندعيها لغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وقد فهم العلماء هذه الحقيقة, فقد روى الخطيب البغدادي بسنده إلى إمام التابعين سعي بن المسيب أنه قال: (ليس من شريف ولا عالم ولا ذي سلطان إلا وفيه عيب, لابد , لكن من الناس مّن لا تُذكر عيوبه. من كان فضله أكثر من نقصه, وهب نقصه لفضله)( ).
فإذا صدر من أحد الصحابة ذنب, فلا يعني هذا خروجه من دائرة العدالة لأن مقومات العدالة لا تنص على عدم إتيان الذنوب, كما تنص العصمة على ذلك( ). فكل من كان مسلماَ بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق, سالماً من خوارم المروءة فهو جدير بتعديل المعدلين( ), ولا يضره بعد ذلك أن تكون له هنّات وزلات, فالزلة لا تسقط بها العدالة كما نص على ذلك أبو حاتم الرازي( ).


ثانياً: بمَ فُضّل الصحابة على غيرهم.
لا شك أن علماء الأمة عليهم رضوان الله تعالى كانوا عالمين أن الصحابة يمتازون عن غيرهم بأمور استحقوا بها أن يسجل الله سبحانه وتعالى تعديلهم في الذكر الحكيم ليبقى في صدور المؤمنين وعلى أطراف ألسنتهم ما دامت السموات والأرض.
ومن أجل أن نتعرف على الأمور التي استحق بها الصحابة رضي الله عنهم هذه المنزلة, يجدر بنا أن نتعرف أولاً على الأسس التي يتفاضل العاملون بموجبها في أعمالهم بشكل عام, ثم نتعرف على نصيب الصحابة من تلك الأسس لكي نكون على بينة من أمرنا. ومن أجــل أن لا يظن ظان أن العلماء ربما بالغوا حينما قالوا بتعديل الصحابة رضوان الله عليهم وتفضيلهم على مَن سواهم.

وجوه التفاضل بين الناس
لقد رد ابن حزم رحمه الله أسباب التفاضل بين العاملين إلى سبعة أوجه:
(الوجه الأول:- الماهية, وهي أن تكون الفروض في أعمال أحدهما موافاة كلها, ويكون الآخر يضيع بعض الفروض وله نوافل...
الوجه الثاني:- الكمية وهي العرض, فان يكون أحدهما يقصد بعمله وجه الله لا يمزج به شيئاً البتة ويكون الآخر يساويه في جميع عمله, إلا أنه ربما مزج بعمله شيئاً من حب الترقي في الدنيا, وأن يستدفع بذلك الأذى عن نفسه.
الوجه الثالث:- الكيفية, فان يكون أحدهما يوفي عمله جميع حقــوقه ورتبه لا منتقصاً و لا مزيداً ويكون الآخر ربما انتقص بعض رتب ذلك العمل وسننه, وان لم يعطل منه فرضاً.
الوجه الرابع:- الكم, فان يستويا في أداء الفرض, ويكون الآخر أكثر نوافل, فيفضله هذا بكثرة عدد نوافله.
الوجه الخامس: الزمان, فكمن عمل في صدر الإسلام, أو في عام المجاعة, أو في وقت نازلة بالمسلمين, وعمل غيره بعد قوة المسلمين أو في زمن رخاء وأمن...
الوجه السادس:المكان, كصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة, فهما أفضل من ألف صلاة فيما عداهما...
الوجه السابع:- الإضافة, فركعة من نبي أو معه, أو صدقة من نبي, أو صدقة معه, أو ذكر من نبي أو ذكر معه, أو سائر أعمال البر منه ومعه: فقليل ذلك أفضل من كثير الأعمال بعده)( ). (أ.هـ)
هذه هي وجوه التفاضل بين الناس ولننظر الآن ما نصيب الصحابة رضوان الله عليهم من هذه الوجوه.
إذا دققنا النظر في الوجوه التي ذكــرناها آنفاً, جدنا أن الوجه الخامس والوجه السابع لا يشارك الصحابة فيه أحد البتة. فهم الذين آمنوا حين كفر الناس, وهم الذين أنفقوا حين بخل الناس, وهم الذين جاهدوا حينما كانوا قلة يخافون أن يتخطفهم الناس فما زادهم ذلك إلا إيماناً. ومن أجل هذا قال رسول الله  Sad لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه)( ).
وقال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( )
قال ابن حزم معلقاً على هذه الآية الكريمة: (وهذا في الصحابة فيما بينهم فكيف لمن بعدهم معهم رضي الله عنهم)( ). هذا بالنسبة للوجه الخامس.
أما الوجه السابع من وجوه التفاضل وهو الإضافة: فان الصحابة رضي الله عنهم وحدهم الذين كانت أعمالهم مقترنة مع رسول الله , صلاتهم وحجهم وجهادهم وسائر عباداتهم, وفي هذا منزلة وشرف تتطلع إليه الأعناق ولا يناله إلا من آتاه الله حظاً عظيماً, لذا فإن أي عمل يقوم به الصحابي بعد رسول الله  لا يوازي شيئاً من عمل البر الذي عمله ذلك الصحابي نفسه مع رسول الله . وكذلك يمتاز الصحابة عن غيرهم ممن جاء بعدهم بإيمانهم العميق وإخلاصهم العمل لله سبحانه وتعالى, وهو الوجه الثاني من وجوه التفاضل التي ذكرناها آنفاً, وفي هذا الصدد يقول ابن تيمية محتجاً لرأي عبدالله بن المبارك وأحمد بن حنبل في تفضيل كل فرد في الصحابة على كل فرد ممن جاء بعدهم: (ومن حجة هؤلاء: أن أعمال التابعين وإن كانت أكثر وعدل عمر بن عبدالعزيز أظهر من عدل معاوية  وهو أزهد من معاوية لكن الفضائل عند الله بحقائق الإيمان الذي في القلوب, وقد قال النبي  لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه, قالوا: نحن نعلم أن أعمال بعض من بعدهم أكثر من أعمال بعضهم, لكن من أين نعلم أن ما في قلبه من الإيمان أعظم مما في قلب ذلك الصحابي ... وقال أبو بكر بن عياش: ما سبقهم الصديق بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه) ( ) ثم هم لم يقصرا فيما تبقى من وجوه التفاضل فقد كانوا حريصين على أن يتمثلوا برسول الله  في كل صغيرة وكبيرة من شؤون حياتهم, فما أجدرهم أن ينالوا ما نالوا وما أجدرنا باحترامهم وإنزالهم المنزلة التي رضيها لهم رب العالمين.
وفوق كل هذا فالصحابة رضي الله عنهم هم نقلة السنة النبوية والشهود على الرسالة السماوية, وهم الذين نذروا أنفسهم في سبيل نشر هذه الرسالة التي امتزجت بها دماؤهم وأرواحهم مما يوجب لهم فضلا عظيما على كل من جاء بعدهم, لأن الله تعالى جعلهم سبباً في هداية غيرهم, مما يدخلهم في قوله  Sad من علّم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل)( ).
وقوله  Sadمن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجروه شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) ( ).

ثالثاً: عدالة الصحابة في القران الكريم:
القرآن هو كتاب الله, كلمته الهادية لأهل الأرض, وهو المقياس الذي يتفاضل الناس في دينهم بمدى تمسكهم بتعاليمه واهتدائهم بهديه, فلا يعد مؤمناً-بإجماع الأمة- من يرى جواز مخالفته لقوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( ), إذن فلا يسع المسلم بأي حالٍ من الأحوال إلا أن يسلم قلبه ولبه لله تعالى في كل ما ورد من تشريعات سواء أكانت بنص الكتاب أم على لسان رسول الله  .
وقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن الصحابة الكرام مشتملة على مكارم كثيرة منحها الله تعالى لهم, بما قدموا من أموالهم وأنفسهم في سبيل نصرة دين الله .
وهذه الآيات من الكثرة والصراحة بحيث لا يستطيع أحد معها أن ينال من صحابي إلا من كان ناقص الإيمان, مريض القلب والعياذ بالله تعالى.
فمن هذه الآيات قوله تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ( ) و قوله تعالى:  كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ( ) وأكثر العلماء على أن المراد بهذه الآية هم المخاطبون عند نزول الوحي وهم صحابة رسول الله  كما نص على ذلك الخطيب وابن حجر( ).
ومنها قوله تعالى:  وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( ).
ومنها قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ( ) وقوله تعالى:  لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا  ( ) و قوله تعالى:  لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ=(Cool وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ = 9 وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ( ).
ولو لم يأت ذكر الصحابة في القرآن الكريم إلا في هذه الآيات الثلاث لكانت كافية لهم في الدنيا والآخرة, كافية لمن يأتي بعدهم في اتخاذ الموقف النبيل تجاه من أكرمه الله تعالى اقراراً بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ويمنعه عمن يشاء.
والمؤمن الحق حين يرى قافلة الإيمان تمضي عليه أن يبذل جهده ليكون في الطليعة فإن لم ينل ذلك فلا أقل من أن يتمنى أن يصل إلى مرتبتهم وأن يلقى الله ومحبتهم في قلبه, وينزع الغل والحسد والبغضاء لركب المؤمنين الأوائل.
و قوله تعالى:  تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ  ( )
و قوله تعالى:  الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( )
وقال جل شأنه في حق المهاجرين: فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ( ).
ويقول تعالى شاهداً لهم بالإيمان الحق: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ( ).
ثم يذكر الله تعالى بشارته لعامة الصحابة  المنفق منهم قبل الفتح والمنفق بعده فيقول جل ذكره: : لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( ).
و قال تعالى: : إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ( ).
وقد ذكر تعالى الصحابة  في مواضع كثيرة قارناً ذكرهم بذكر رسول الله  وفي هذا تشريف لهم أيما تشريف, وقد بلغت هذه الآيات من الكثرة ما يطول بنا ذكرها, لذا سنكتفي بذكر طرف منها فإن فيه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
من هذه الآيات قوله تعالى:  إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ( ).
و قوله تعالى:  إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ( ).
و قوله تعالى:  وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ  ( ).
و قوله تعالى:  لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  ( ).
و قوله تعالى:  وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ( ).
و قوله تعالى:  بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا  ( ).
و قوله تعالى:  إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ( ).
و قوله تعالى في هجرة الرسول  :  يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمِْ ( ).
هذا بالنسبة للصحابة  بشكل عام من دون أن نتبع الآيات التي وردت في أشخاص بعينهم لأن ذلك سيطول بنا.
ولا يفوتنا أن نذكر تعديل الله تعالى لزوجات رسول الله  حيث يقول تعالى:  النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ( ).
ويقول أيضاً :  يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ( ).
فإذا كانت نساء النبي  اكتسبن هذه الخصوصية بحكم معاشرتهن لرسول الله  , فإن الصحابة  بحكم جهادهم وكفاحهم مع رسول الله  قد اكتسبوا خصوصية ترتفع بهم عن مستوى جميع من سواهم, وهذا كله راجع إلى منزلة النبي  عند الله , تلك المنزلة التي بلغت أن أقسم تعالى بعمره  حيث قال:  لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ( ), وأن نوّه بأخلاقه الرفيعة فقال:  وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( ).
وبعد هذه الآيات المباركات لا أظن مسلماً يعتز بإسلامه وإيمانه يستطيع أن يطلق للعنان لينال من تلك المقامات الرفيعة التي اختارها الله تعالى لتكون الشاهد على كتابه, إذ بهم أوصل الله دينه إلينا فهم معية رسول الله  يسوؤه ما يسوؤهم ويسره ما يسرهم, وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده باذلين أنفسهم وأموالهم غير مكترثين بذلك.
وهذه الآيات ملزمة لكل المسلمين باتخاذ موقف سليم تجاه الصحابة الكرام لأن الله تعالى يقول:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ  ( ).
والله سبحانه وتعالى قد عدّلهم وأمرنا بنزع الغل من صدورنا عن المؤمنين الذين سبقونا بالإيمان, فلا يسعنا بعد هذا أن نزنهم كما نشاء, أو كما تهوى أنفسنا إن كنّا صادقين في دعوانا بأنا مسلمون منقادون لأمر الله جل جلاله ومعتزون بكتابه ومهتدون بهدي نبيه .

رابعاً : عدالة الصحابة  في السنة النبوية
لقد اشتملت السنة النبوية على أحاديث كثيرة تشهد بفضل الصحابة  وتنص على احترامهم وإكبارهم, والأحاديث التي تتحدث عن الصحابة  على نوعين: الأول يذكر الصحابة  بشكل عام دونما تخصيص والنوع الثاني يمثل خصوصيات لبعض إفراد الصحابة  المحيطين برسول الله  أو الذين لهم مواقف معلومة أو صفات معينة.
ولا يسعنا في هذه الرسالة أن نتصدى لجميع تلك الأحاديث لأنها كما قلنا آنفاً كثيرة جداً إلى حد أن صنّف العلماء الأوائل فيها مصنفات كبيرة, فقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل في كتابه (فضائل الصحابة ) ما يقارب الألفي حديث من تلك النصوص, لكننا سنكتفي بذكر طرف يسير منها, فإن مَن لا يكتفي بالقليل ولا يذعن لرسول الله  من خلال ما صح عنه منها لن يجدِ معه الكثير مهما بلغ عدده.
ومن تلك النصوص قوله  فيما رواه أبو سعيد الخدري  : (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)( ).
وعنه  أيضاً قال: قال رسول الله  Sad يأتي على الناس زمان فيغزو فئام( ) من الناس فيقولون هل فيكم من صاحب رسول الله  ؟ فيقولون نعم فيفتح لهم, ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله ؟ فيقولون نعم فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله  فيقولون نعم فيفتح لهم) ( ).
وعن أبي بردة عن أبيه قال: قال النبي  : (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون, وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) ( ).
وعن عمران بن حصين  قال: قال رسول الله  ( خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم إن بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن)( ).
وعن عبدالله بن مسعود  أن النبي  قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)( ).
وعن ابن عباس  قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: خرج علينا رسول الله  فقال: اللهم ارحم خلفائي, قلنا يا رسول الله  ومن خلفاؤك؟ قال الذين يأتون من بعدي يرون أحاديثي وسنتي ويعلمونها للناس)( ).
وعن بريدة  قال: قال رسول الله  : (ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بُعث قائداً ونوراً لهم يوم القيامة)( ).
وعن جابر  قال: قال رسول الله  : (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)( ).
وعن عبدالله بن مغفل المزني  قال: قال رسول الله  : (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم بعدي غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم, ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه)( ).
وعن عبدالله بن أبي أوفى  قال: شكى عبدالرحمن بن عوف خالد بن الوليد فقال  : لم تؤذِ رجلاً من أهل بدر؟ لو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله, فقال: يا رسول الله يقعون فيّ فأرد عليهم فقال رسول الله  لا تؤذوا خالد فإنه سيف من سيوف الله صبه على الكفار) ( ).
هذا طرف من الأحاديث الكثيرة التي تشير إلى مكانة الصحابة  عند الله تبارك وتعالى وعند نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
وهذه الأحاديث منها ما هو صحيح متفق على صحته كما رأيت ومنها ما هو حسن موافق لماء جاء في كتاب الله العزيز في بيان مكانة الصحابة  ومد الله تعالى لهم وإكرامه إياهم وثناؤه عليهم.

خامساً : عدالة الصحابة  في أقوال علماء الأمة وسلفها الصالح:
بعد أن عرضنا جانباً من الآيات القرآنية الكريمة التي شهدت للصحابة  بحسن السريرة وعلو المنزلة وثنينا بعد ذلك بطائفة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تمجد الصحابة  , أرى من المناسب أن نقتبس بعض الأنوار من خلال الأقوال الكثيرة لعلماء الأمة وسلفها الصالح التي قيلت بحق الصحابة , لنعلم كيف كان سلف الأمة وعلماؤها يتعاملون مع النصوص النبوية إذا وردت في مسألة من المسائل.
فقد روى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: (لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام احدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره)( ).
وعن نسير بن ذعلوق قال: سمعت ابن عمر يقول: ( لاتسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادة أحدكم أربعن سنة)( ).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( لا تسبوا أصحاب محمد فان الله عز وجل قد أمر بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون)( ).
وعن ميمون بن مهران قال: (ثلاث ارفضوهن: سب أصحاب محمد  والنظر في النجوم والنظر في القدر)( ).
وعن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى انه قال: (من طعن في أصحاب رسول الله  فهو صاحب هوى)( ).
وقال الإمام أبو زرعة الرازي : (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله  فاعلم أنه زنديق, لأن الرسول  عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله  وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهو زنادقة)( ).
وقال النووي في التقريب: (الصحابة  كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به)( ).
وقال ابن حجر: (اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة)( ).
وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب: (فهم خير القرون وخير أمة أخرجت للناس ثبتت عدالتهم جميعهم بثناء الله عز وجل ورسوله  )( ).
وقد كان سلفنا الصالح على درجة كبيرة من احترام الصحابة  وتقديرهم حتى أنهم عدوا من طعن في أي صحابي مرتكباً لأكبر الفواحش والكبائر, فهذا الإمام النووي يقول بهذا الصدد: (واعلم أن سب الصحابة  حرام من فواحش المحرمات ... )
ويقول في موضع آخر: ( وسب أحدهم من المعاصي الكبائر)( ).
وقد بلغ من إنكارهم أنهم كانوا يرون تعزير من يقع فيهم كما هو رأي الجمهور( ).
بل إن الإمام مالكاً رحمه الله يرى قتل من قال بضلال أحد من الصحابة( ). وقال القاضي أبو يعلى) مَن قذف عائشة مما برأها الله منه كفر بلا خلاف وحكى الإجماع على هذا غير واحد) ( ).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما موضحاً دور الصحابة  وجهادهم في نشر الإسلام وإرساء دعائمه: ( إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه خص نبيه محمدا  بصحبة آثروه على الأنفس والأموال وبذلوا النفوس دونه في كل حال ووصفهم في كتابه فقال: رحماء بينهم فقاموا بمعالم الدين وناصحوا الاجتهاد للمسلمين حتى تهذبت طرقه وأسبابه وظهرت آلاء الله واستقر دينه, ووضحت أعلامه وأذل الله بهم الشرك وأزال رؤوسه ومحا دعائمه وصارت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية والأرواح الطاهرة العالية, فقد كانوا في الحياة أولياء وكانوا بعد الموت أحياء وكانوا لعباد الله نصحاء وصلوا إلى الآخرة قبل إن يصلوا إليها وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها) ( )
فإذا كان ابن عباس رضوان الله عليه- وهو من هو بين الصحابة - ينظر إليهم بعين الإجلال هذه ويحتفظ لهم في قلبه بهذه المنزلة الرفيعة فما أحرانا نحن بأن نحترمهم ونتولاهم ونتقرب إلى الله بحبهم. وقد أدرك هذه الحقيقة شيخ من شيوخ الزيدية في اليمن وهو الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة وهو من علماء القرن السابع نقل ذلك عنه عالم الزيدية في القرن التاسع عشر السيد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الاسمر
ديري نشيط
ديري نشيط
الاسمر


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 217
نقاط : 576
التقيم : 23
تاريخ الميلاد : 14/06/1990
تاريخ التسجيل : 10/05/2012
العمر : 33

 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابة ومكانتهم عند المسلمين    الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 07, 2012 9:48 am

عمرو بن إبراهيم بن المرتضى الوزير (757- 840) في كتابه (الروض الباسم) ( ) فذكر طبقة الدهماء من الصحابة  وعوامهم فقال: ( إن أكثرهم تساهلاً في أمر الدين ممن يتجاسر على الإقدام على الكبائر لاسيما معصية الزنا... وذلك دليل خفة الإيمان ونقصان الديانة لكنا نظرنا في حالهم فوجدناهم فعلوا ما لا يفعله من المتأخرين إلا أهل الورع الشحيح والخوف العظيم, ومن يضرب بصلاحه المثل, ويتقرب بحبه إلى الله عز وجل وذلك أنهم بذلوا أرواحهم في مرضاة رب العالمين وليس يفعل ذلك إلا من يحق له منصب الإمامة من أهل التقوى واليقين) ( ).
أي أن أقل الصحابة  تمسكاً بهدي الإسلام ممن قد يقعون في حدود الله وسرعان ما يستيقظ ضميرهم فيعترفون ولو كان في اعترافهم ذهاب حياتهم مما يرفعهم إلى استحقاق منصب الإمامة, فكيف بكبار الصحابة  الذين طهرهم الله من كل الأدران الخبيثة إنهم شريحة يصعب على البشر تصورهم.
وهاهو سيدنا علي بن أبي طالب  يذكر أصحاب رسول الله  يذكر أصحاب رسول الله  مقارناً بينهم وبين شيعته فيقول: ( لقد رأيت أصحاب محمد  فما رأيت أحداً يشبههم منكم! لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الحجر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجوهم اذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء الثواب)( ).
ويقول أيضاً في حقهم مقارناً بينهم وبين شيعته آسفاً على ذهابهم: ( أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرءوا القرآن فأحكموه وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً وصفاً صفاً بعض هلك وبعض نجا ولا يبشرون بالأحياء و لا]يُعزون عن الموتى, مره العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ذبل الشفاه من الدعاء صفر الألوان من السهر, على وجوههم غبرة الخاشعين أولئك خواص الذاهبون فحق لنا أن نظمأ اليهم ونفض الأيدي على فراقهم.)( ).
وقد ذكر الشيخ إحسان آلهي ظهير أن المجلسي روى في كتابه "حياة القلوب" عن الآلوسي رواية موثوقة( ) عن علي رضي الله عنه أنه قال لأصحابه: ( أوصيكم في أصحاب رسول الله  , لا تسبوهم فإنهم أصحاب نبيكم وهم أصحابه الذين لم يبتدعوا في الدين شيئاً ولم يقروا صاحب بدعة, نعم أوصاني رسول الله  في هؤلاء...)( ).
ولا شك أن شهادةً مثل شهادة علي بن أبي طالب  لها طعم خاص وثقل مميز خصوصاً اذا كان الرواة لها ممن يطلقون ألسنتهم لتنال من الصحابة الكرام  , ثم يدعون بعد ذلك تمسكهم بهدي أهل البيت رضوان الله عليهم. ولا نريد أن ننقل المزيد من أقوال السلف في حق الصحابة ففيما نقلناه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
هذه هي منزلة الصحابة عند علماء الأمة, وهم لم ينالوها بكسبهم وإنما هي هبة من الله وفضل حباهم بها واصفاهم لها.
و لاشك أن العلماء لم ينطلقوا من فراغ في تكريمهم لكل من صح أن يطلق عليه اسم الصحبة, فهم بهذا يكونون قد اقتدوا بالصــحابة أنفسهم, فإنهم كانوا يرون أن للصحبة فضلاً لا يعد له فضل.
قال ابن حجر: ( وقد كان تعظيم الصحابة ولو كان اجتماعهم به  قليلاً , مقرراً عند الخلفاء الراشدين وغيرهم, فمن ذلك قرأت في كتاب (أخبار الخوارج) تأليف محمد بن قدامة المروزي بخط بعض من سمعه منه في سنة سبع وأربعين ومائتين قال: حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا زهير وهو الجعفي عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي قال كنت عند أبي سعيد الخدري ... قال: كنا عنده وهو متكئ فذكرنا علياً ومعاوية, فتناول رجل معاوية فاستوى أبو سعيد الخدري جالساً ثم قال: كنا ننزل رفاقاً مع رسول الله  فكنا في رفقة فيها أبو بكر فنزلنا على أبيات وفيهم امرأة حبلى ومعنا رجل من أهل البادية فقال للمرأة الحامل أيسرك أن تلدي غلاماً, قالت نعم, قال: إن أعطيتني شاةً ولدت غلاماً, فأعطته فسجع لها اسجاعاً ثم عمد إلى الشاة فذبحها و طبخها وجلسنا نأكل منها ومعنا أبو بكر فلما علم بالقصة قام فتقيأ كل شي أكل, قال ثم رأيت ذلك البدوي أتي به عمر بن الخطاب وقد هجا الأنصار, فقال لهم عمر: لولا أن له صحبة من رسول الله  ما أدري ما نال فيها لكفيتكموه ولكن له صحبة من رسول الله ) ( ).
وقال ابن كثير: (قال الزبير بن بكار: حدثني أخي هارون بن أبي بكر عن يحيى بن إبراهيم عن سليمان بن محمد عن يحيى بن عروة عن عمه عن عبدالله بن عروة قال: أقحمت السنة بني جعدة فدخل على عبدالله بن الزبير المسجد الحرام فأنشده هذه الأبيات:
حكيت لنا الصــــديق لما وليتها وعثمان والفــاروق فارتاح معدم
وسويت بين الناس في الحق فاستووا فعاد صبــاحاً حـالك اليوم مظلم
أتاك أبو ليلى يجـوب به الرجـــا دجا الليــل جواب الفلاة غشعشم
لتـجير منــه جـــائيا غدرت به صروف الليالي والزمان المصمصم
فقال ابن الزبير: هون عليك أبا ليلى فإن الشعر أهون رسائلك عندنا... ولكن لك في مال الله حقان: حق لرؤيتك رسول الله  وحق لشركتك أهل الإسلام في فيئهم) ( ).
أرأيت كيف جعل عمر الصحبة مانعاً من إنزال العقوبة في مستحقها وجعلها ابن الزبير سبباً في استحقاق سهم آخر من مال المسلمين؟.

عدالة الصحابة  من خلال سيرتهم وأحوالهم العطرة:
بعد أن أتينا على الجوانب الثلاثة الماضية من أدلة عدالة الصحابة  رأيت أن أختم هذا الفصل بذكر طرف من شمائلهم العظيمة وأخلاقهم الرفيعة وحرصهم على التمسك الكامل لمنهج رسول الله  وعزوفهم عن الفتن وتمكن المحبة في قلوبهم وغير ذلك مما يشكل دليلاً قوياً من أدلة عدالتهم رضوان الله عليهم ونبراساً وضاءً للأمة الإسلامية تستضيء به على مر العصور إذا ما اشتدت دياجير الظلام يوما.

• اقتداؤهم المطلق بالرسول 
لقد كان الصحابة يعلمون أن رسول الله  إنما أرسل بشيراً نذيراً فكانوا يتمثلون به في كل أحوالهم فـ( قد ثبت أن النبي  كان يحث أمته على التمسك بسنته ويحذرهم من مخالفتها وأن الصحابة  كانوا يمتثلون أمره في ذلك ويقتدون به ويتبعونه في جميع أقواله وأفعاله وسائر أحواله ويعتبرون أن كل ما يصدر منه فهو حجة يلزمهم إتباعها) ( ). مع أن قدرة الصحابة على الاستنباط من كتاب الله مباشرة اكبر من قدرات من جاء بعدهم بحكم تمكنهم من صهوة اللغة أيما تمكن, لكنهم كانوا عالمين أن القرآن الكريم لا يستقيم فهمه إلا من خلال صنوه – السنة النبوية-.
وقد وردت الآثار الكثيرة بهذا الشأن وسنورد بعضها فيما يلي:
 فهذا عمر بن الخطاب  يقول مخاطباً الحجر الأسود: ( والله إني لأعلم أنك حجر ولو لم أر حبيبي  قبلك أو استلمك ما استلمتك ولا قبلتك) ( ).
 وعن علي بن ربيعة قال: رأيت علياً أتي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله فلما استوى عليها قال: الحمد لله. سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم حمد الله ثلاثاً ثم كبر ثلاثاً ثم قال سبحانك لا اله إلا أنت قد ظلمت نفسي فاغفر لي. ثم ضحك. فقلت ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله  فعل مثل ما فعلت ثم ضحك فقلت لم تضحك يا رسول الله  ؟ قال: تعجب الرب من عبده إذا قال اغفر لي , ويقول علم عبدي انه لا يغفر الذنوب غيري)( ).
 وعن مجاهد قال: كنا مع ابن عمر في سفر فمر بمكان فحاد عنه فسئل لم فعلت؟ قال: رأيت رسول الله  فعل هذا ففعلت)( ).
وقد بلغ من تمسك الصحابة  بالنسبة النبوية أنهم كانوا ينكرون أشد الإنكار على من لا يعمل بها وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم أو عشيرتهم. ولا شك في ذلك فهم الذين فارقوا المال والولد في سبيل الدين.
 من ذلك ما روي عن عبدالله بن مغفل أنه كان جالساً والى جنبه أبن اخ له فخذف فنهاه وقال ان رسول الله  نهى عنها وقال إنها لا تصيد صيداً ولا تنكيء عدواً وإنها تكسر السن وتفقأ العين. قال فعاد ابن اخيه يخذف. فقال: أحدثك أن رسول الله  نهى عنها ثم عدت تخذف لا أكلمك أبداً) ( ).
 وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: أتخذ النبي  خاتماً من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب. فقال النبي  إني اتخذت خاتماً من ذهب, فنبذه فقال: إني لن ألبسه أبدأ. فنبذ الناس خواتيمهم( ).
 روى ابن عبدالبر عن عبدالله بن رواحة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله  يقول: اجلسوا, فجلس في الطريق فمر به رسول الله  فقال: ما شأنك؟ فقال سمعتك تقول: أجلسوا, فجلست فقال له النبي  : زادك الله طاعة( ).
بل إن بعض الصحابة  أو من كان يعيش معهم من المخضرمين ممن لا يذكرهم التاريخ لأنهم لم يكونوا يطلبون الذكر والمباهاة في الدنيا من وراء إعمالهم – أقول أن منهم من كان على درجة كبيرة من التمسك بهدي رسول الله  حتى شهد لهم كبار الصحابة  في ذلك. فقد ذكر الذهبي في ترجمته لعمرو بن الأسود أن عمر بن الخطاب قال في حقه : من أحب أن ينظر إلى هدي رسول الله  فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود( ) فمن يعرف عمراً هذا في التاريخ مع أنه كان على هذه الدرجة من السلوك الحسن, أن عدم شهرته تدل على أن المجتمع حينذاك كان بمجموعه على مثل هذه الدرجة الرفيعة فلو كان سلوكه فريداً بين أقرانه لكان من المشهورين منهم .
من خلال هذه الآثار التي أوردناها نستطيع أن نقول كما كانت السنة النبوية بمجموعها بياناً وتفسيراً للقران فان الصحابة  كانوا بمجوعهم يمثلون حياة الرسول  بحكم اقتداءهم به, فأي إغفال لجانب من حياة الصحابة  هو إغفال لجانب من حياة رسول الله  لأنه قد بلغ من اهتداءهم به  أنهم كانوا يفعلون ما يفعل ويتركون ما يترك دون أن يعلموا لذلك سبباً أو يسألوه عن علته أو حكمه( ).
فكن النبي  مثلهم الأعلى وقدوتهم المثلى , كانت أعمالهم صورة لأعماله وأحوالهم مظهراً لأحواله فكان احترامهم احتراماً له والتعريض بهم تعريض به  بل اعتراض على أقواله الآمرة باحترامهم ومودتهم.

• خلو نفوسهم من العداوة والبغضاء
لا شك أن الصحابة  بشر عاشوا حياتهم كما عاش غيرهم يفرحون ويحزنون ويختلفون مع غيرهم في وجهات النظر لكنهم اختلفوا عن غيرهم في أن ما كان بينهم لم يصل إلى أن يحقد بعضهم على بعض, فكانوا قدوة لمن بعدهم في كل شيء : في سلمهم وحربهم , في جدهم ومرحهم , في رضاهم وغضبهم لأن الله أختارهم وجعلهم في موضع القدوة. والدارس لتاريخ الصحابة الكرام  ممن لا يرضى لنفسه أن يصطاد في الماء العكر يعرف هذه الحقيقة جيداً , فهذا سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما سمع بعض جنوده يسبون أهل الشام أبان معركة صفين على الرغم مما جرى بينه وبين أهل الشام الذين يقودهم معاوية قال: لا تسبوا أهل الشام فإن بها الأبدال فإن بها الأبدال( ).
( وأن علياً لما دار بين القتلى رأى طلحة بن عبيدالله فجعل يمسح التراب عن وجهه وقال: رحمة الله عليك أبا محمد, يعز علي أن أراك مجدولاً تحت نجوم السماء ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري, والله لوددت أني كنت مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة( )).
ثم قال ابن كثير( ): وروي من غير وجه أنه قال: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله فيهم: ونزعنا ما في صدروهم من غل أخواناً على سرر متقابلين( )).
صحيح أن عدداً يسيراً من الصحابة  ربما قاتل بعضهم بعضاً لكن قتالهم كان من اجتهاد واعتقاد وتحر للحق وعزم على التمسك به. وهم يعلمون هذه الحقيقة لهذا لم يكن يقع بعضهم ببعض, بل كانوا على الرغم من هذا الخلاف على مودة عظيمة واحترام لا يتصوره كثير من الناس.
وقد روى سعيد بن المسيب أن رجلاً كان يقع في طلحة والزبير وعثمان وعلي رضي الله عنهم فجعل سعد ينهاه ويقول: لا تقع في إخواني فأبى ,فقام فصلى ركعتين ثم قال: اللهم إن كان سخطاً لك فيما يقول فأرني اليوم فيه آية وأجعله للناس عبرة. فخرج الرجل فاذا ببختي يشق الناس فأخذه بالبلاط فوضعه بين كركرته والبلاط فسحقه حتى قتله. قال سعيد بن المسيب: فإني رأيت الناس يتبعون سعداً ويقولون: هنيئاً لك أبا اسحق أجيبت دعوتك( ).
( ولما قتل ابن جرموز الزبير بن العوام احتز رأسه وذهب به إلى علي ورأى أن ذلك يحصل به حظوة عنده فاستأذن فقال علي: لا تأذنوا له وبشروه بالنار)( ).
وكان الصحابة  على جانب كبير من الاتزان في الحكم على الأشياء فهم لا يبحثون عن الزلة لكي يسقطوا صاحبها من معيار العدالة.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبدالمتعال الصعيدي" ( الا ليت الناس يتعظون بما كان عليه السلف الصالح من ذلك التسامح الديني, فهذا قدامة يرتكب هذا الخطاً الظاهر (حينما شرب الخمر متأولاً) وينكر حكماً معلوما من الدين بالضرورة فلا يتخذ أحد ذلك وسيلة للتشهير عليه في دينه, بل يراعى له حسن قصده في ذلك الخطأ ويبقى له دينه سالماً لا يطعن عليه أحد ثم يكون هو الذي يغضب على عمر ويهجره, فيكون عمر هو الذي يسعى إلى استرضائه ومصالحته. إلا ليت الناس يتعظون بما كان عليه السلف الصالح من الاعتدال في دينهم فلا يميلون فيه إلى تفريط أو إفراط بل يأخذ قدامة بالحد من غير تفريط في دينهم ولا يضيق صدرهم بتأويله الخاطئ... ألا ليتنا نعرف ما كان لهذا الأثر فيما امتاز به عصرهم من الصراحة في الدين والصراحة في الرأي. وأن هذا وصل بهم إلى تلك القوة والعظمة, ووصل بهم إلى حد الكمال الذي قدر له( ).
وعن أنس بن مالك  قال: كنا جلوسا مع رسول الله  فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة, فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال النبي  مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي  مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى فلما قام النبي  تبعه عبدالله بن عمرو فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً فان رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم , قال أنس فكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعارّ تقلب على فرشه ذكر الله عز وجل حتى صلاة الفجر, قال عبدالله: غير أني لم اسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أحتقر عمله قلت: يا عبدالله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله  يقول لك ثلاث مرات يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن أوى إليك فانظر ما عملك فاقتدي بك فلم أرك كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله  ؟ قال: ما هو إلا ما رأيت فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً و لا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك( ).
بهذه القلوب الصافية وبهذه العزائم الصادقة في البحث عن وسائل الفلاح استحق الصحابة  تلك المنزلة الرفيعة.

• ابتعاد جمهور الصحابة  عن الفتنة:
على الرغم مما حدث بين الصحابة من فتن منذ أن قتل سيدنا عثمان بن عفان  إلى أن تولى الخلافة معاوية بن أبي سفيان , أقول : على الرغم من كل ذلك بقي جمهور الصحابة محباً للعافية بعيدا ًعن خوض غمار الفتنة, فلم يشترك في قتل سيدنا عثمان من الصحابة أحد كما هو رأي جمهور العلماء ومن أضطر للولوج فيها إنما كان رائده الاجتهاد في طلب الحق وحرصه على تثبيت أركانه وإن أدى ذلك إلى أن تفيض روحه في سبيله.
جاء في المنتقى من منهاج الاعتدال: وجمهور الصحابة وساداتهم تأخروا عن الفتنة. روى أبو أيوب السختياني عن ابن سيرين قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله  عشرة آلاف فما خف لها منهم مائة, بل لم يبلغوا ثلاثين. وقال منصور بن عبدالرحمن: قال الشعبي: لم يشهد الجمل من أصحاب النبي  غير علي وعمار وطلحة والزبير, فإن جاءوا بخامس فانا كذاب – كأنه عنى من المهاجرين السابقين ( وهذا الاستدراك للذهبي) وقال عبدالله بن أحمد حدثنا أبي, حدثنا أمية بن خالد قال قيل لشعبة إن أبا شيبة روى عن الحكم عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلاً. قال أبو شيبة كذب والله , ذاكرنا الحكم ما وجدنا شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت , قلت ( القائل هو الذهبي) هذا النفي يدل على قلة من حضرها( ).
ويقول ابن كثير بصدد قتل عثمان  : ( ولما وقع هذا الأمر عظمه الناس جداً ولزم كثير من الناس بيوتهم)( ).
وعن عار بن سعد أن أخاه انطلق إلى سعد في غنم له خارج المدينة فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فلما أتاه قال: يا أبت أرضيت أن تكون اعرابياً في غنمك والناس يتنازعون الملك بالمدينة؟ فضرب سعد صدر عمر وقال: اسكت فاني سمعت رسول الله  يقول: (( إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي))( ).
ولما أشار بعض الصحابة  على عثمان بقتل هؤلاء الخارجين قال: (ان رحى الفتنة دائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها)( ).

• خلوهم من الكذب
وللصحابة رضوان الله عليهم ميزة أخرى لم يكونوا ليفرطوا فيها وكان لها أثر كبير في حفظ السنة النبوية المطهرة, فقد كانوا صادقين في كل شؤونهم لا يكذبون مهما كانت الظروف مما جعل بعضهم يحدث عن بعض من دون أن يختلج في نفوسهم هاجس تكذيب بعضهم بعضا.
فعن البراء بن عازب  قال: ( ليس كلنا كان يسمع حديث النبي  فقد كانت لنا صنعة وأشغال ولكن كان الناس لا يكذبون فيحدث الشاهد الغائب)( ).
وروي عن قتادة أن انس  حدث بحديث فقال رجل: أسمعت هذا من رسول الله  ؟ قال نعم أو حدثني من لم يكذب , والله ما كنا نكذب ولاكنا ندري ما الكذب( ).
فما يراد لكي يُعدل الرجل أكثر من حرص مطلق على السنة النبوية وقلب خالٍ تماماً من الأمراض والأهواء وصدق ليس له نظير, وكل هذه الصفات كانت قائمة في الصحابة  على أكمل وجه وأحسنه. ولو أردنا أن نتعرض لصفات الخير كلها لما وسعنا المجال ففقد كانوا يشدون الرحال أياماً وأسابيع وراء حديث يبلغهم عن رسول الله  لكي يسمعوه ممن سمعه من رسول الله  مباشرة وكانوا يبذلون أموالهم وأرواحهم في سبيل الله راضية نفوسهم بذلك, أفلا يستحقون أن يكونوا عدولاً بعد كل هذا؟.
وبعد أن تعرضنا لأدلة عدالة الصحابة من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة ومن خلال سيرتهم وسجاياهم هل يسع أحداً بعد كل هذا أن يتناول الصحابة بلسانه وقلمه مدعياً النزاهة والمنهجية العلمية ولست أدري منذ متى كانت المنهجية قائمة على السباب والطعن الفاحش من غير بيان ولا برهان. إننا لكي ندعي الالتزام بمنهج الإسلام يجب أن نكون عالمين أن (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) ( ) وأن المسلم يجب أن يلتمس لأخيه العذر مهما كان الذي بدر منه ما لم يكن كفراً بواحاً.
وفي هذا الصدد يقول ابن تيمية رحمه الله : (فإن باب الإحسان إلى الناس والعفو عنهم مقدم على باب الإساءة والانتقام ... فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة فإذا كان هذا في حق آحاد الناس فالصحابة أولى أن يسلك بهم هذا فخطأ المجتهد في الإحسان إليهم بالدعاء والثناء عليهم والذب عنهم خير من خطئه في الإساءة إليهم باللعن والذم والطعن وما شجر بينهم غايته أن يكون ذنباً والذنوب مغفورة بأسباب متعددة هم أحق بها ممن بعدهم. وما نجد أحداً يقدح فيهم إلا ويعظم من هو دونهم ولا نجد أحداً يعظم شيئاً من زلاتهم إلا وهو يغض عما هو أكبر من ذلك من زلات غيرهم وهذا من أعظم الجهل والظلم) ( ).











الباب الأول
الفصل الثالث
اختلاف الصحابة


• تمهيد
• اسباب اختلاف الصحابة
• موقف علماء الأمة من اختلاف الصحابة 
• الآثار الناتجة عن اختلاف الصحابة










تمهيد
إن دراسة الاختلافات التي جرت بين الصحابة - لاسيما السياسية منها- على جانب كبير من الصعوبة ويتطلب الكثير من الجهود للوقوف على الحقائق المتعلقة بها أو الاقتراب على الأقل. وتأتي هذه الصعوبة من كون أن عامة الاختلافات السياسية التي وقعت بين الصحابة كان أهل البيت يمثلون أحد طرفيها, مما جعل القضية بمرور الزمن تأخذ طابع التحزب في عيون أشياعهم وفي عيون كثير من العامة , فتدخلت عواطف الناس في الحكم على الأشياء وأصبح كل من يقف في وجه أهل البيت أو تهاون في مناصرتهم -بغض النظر عن دوافعه ودواعيه- مجرماً يستحق السباب والشتم واللوم والتقريع. بينما أصبح الذين شايعوا أهل البيت على درجة كبيرة من الحظوة لدى الكثير من أبناء الأجيال اللاحقة.
وجرى كثير من المؤرخين على هذا المنوال. يقول الدكتور أحمد شلبي في أثناء كلامه على تاريخ الدولة الأموية: (لقد تحالفت ظروف كثيرة على الحط من شأن الأمويين بقصد أو بدون قصد وتكاد المراجع التي بين أيدينا تخلو خلواً تاماً من كلمة مدح أو ثناء على أكثر خلفاء هذه الدولة, أما عبارات القذف والطعن فقد أسهبت فيها كتب كثيرة واقتصدت كتب أخرى, وكان أسرها من اكتفى باللوم والتقريع)( ). والسبب الحقيقي لهذا الغمط والغبن هو وقوف بعضهم أمام أهل البيت في يوم من الأيام في حين إن الحضارة الإسلامية عاشت عهداً ذهبياً أبان الحكم الأموي يشهد على ذلك صروح الحضارة في دمشق والأندلس وغيرها.
ما أريد أن أقوله هو أن النصوص التاريخية التي بين أيدينا تعجز إن تعطي لنا صورة صادقة للواقع أو تقارب ما كانت عليه الحياة, وبالتالي لا يجوز لأحد يتحرى الحق والصواب أن يسلم لكل ما ورد في كتب المؤرخين لكي يرسم صورة المجتمع الذي تتحدث عنه وعن أحداثه وأهم قضاياه.
نعم إن روايات الإخباريين على درجة كبيرة من الأهمية لا يجوز إغفالها ولكن في الوقت نفسه لا يجوز أن تأخذ كمسلمات وإنما يُنظر إلى إليها كمادة يستخرج منها تاريخنا بعد النقد والتمحيص, فـ(دراسة التاريخ لا تكون صحيحة إلا بتعليل الحوادث)( ).
وقد بلغت بعض الروايات حداً فظيعاً من الاستهتار بالقيم وتصوير المجتمع الإسلامي الأول بأبشع ما يتصوره العقل, فمثلاً:-
يقول ابن الأثير: (قال عمر بن سبيئة( ) حج يزيد في حياة أبيه فلما بلغ المدينة جلس على شراب له فاستأذن عليه ابن عباس والحسين فقال: إن ابن عباس إذا وجد ريح الشراب عرفه, فحجبه وأذن للحسين فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب فقال: لله در طيبك ما أطيبه فما هذا؟ قال هو طيب يصنع بالشام ثم دعا بالقدح فشربه ثم دعا بآخر فقال: اسق أبا عبدالله , فقال الحسين: عليك شرابك أيها المرء لا عين عليك مني فقال يزيد:
إلا يا صاح للعجـب دعوتك ذا ولم تجـب
إلى الفتيات والشهوا ت والصهباء والطرب
وباطيــــة مكللة عليها ســادة العرب
وفيهن التي تبلــت فـــؤادك ثم لم تتب
فنهض الحسين وقال: بل فؤادك يا ابن معاوية تبلت)( ).
إن مثل هذه النصوص لا تسيء إلى يزيد والحسين فحسب بل تسيء إلى المجتمع الإسلامي آنذاك بعمومه, لأن مجاهرة يزيد بشرب الخمر في موسم الحج وفي مدينة رسول الله  وبحضرة الحسين  استهتار فظيع بأمور الدين وتعاليمه يضعنا بين أمرين لا ثالث لهما, أما أن نصدق هذه الرواية ونؤمن بمقتضاها وهو أنه لم يكن لتعاليم الدين سلطان على النفوس ولم يكن هناك مجتمع يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولم يكن هذا القرن ثاني خير القرون التي أخبر عنها رسول الله  , وأما أن نحكم بأن هذه الرواية موضوعة ابتدعها أناس يتطلعون إلى يوم يلعن فيه آخر هذه الأمة أولها, وتزول تلك الروابط الإيمانية التي تشد بنيان الأمة وتقوي وحدتها, ومما لا مجال للشك فيه أن من يرى في الدولة الإسلامية في عهدها الأموي أو في عهدها العباسي خصوماً ألداء لأهل بيت النبوة لا تجوز شهادته على تلك الدولة إذ ليس من العدل أن يكون الخصم هو الحكم أو يكون الحكم متحيزاً إلى فئة ما. والناظر في كتب التأريخ الإسلامي يرى أن الكثير منها وقع أصحابها تحت تأثير العواطف والميول الشخصية إلى آل البيت بحكم ما لهم من مكانة سامية في قلوب المسلمين. ومن لم يكن واقعاً تحت تأثير تلك العواطف والميول فإنه واقع تحت تأثير الخط العام لكتابة التأريخ, وهو الاهتمام بمآثر أهل البيت والإغضاء من شأن مخالفيهم. فان كان للمسعودي والدينوري واليعقوبي وابن أعثم الكوفي وابن الطقطقا ميول علوية لا يخفونها( ) فإن الطبري وابن الأثير والسيوطي لم يستطيعوا أن يتخلصوا من ضغط هذا التيار. إذ أن نسبة كبيرة من تاريخ الطبري مروية عن أبي مخنف لوط بن يحيى وعن محمد بن عمر الواقدي.
أما أبو مخنف فقد قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: (إخباري تالف لا يوثق به تركه أبو حاتم وغيره)( ).
وقال ابن تيمية في معرض كلامه على حجية الأخبار التي يوردها من يتعرضون للبحث عما يسمونه بمثالب الصحابة: (كما أنهم جهلة بالمنقولات وإنما عمدتهم على تواريخ منقطعة الإسناد وكثير منها من وضع المعروفين بالكذب فيعتمدون نقل أبي مخنف لوط بن يحيى وهشام بن الكلبي)( ).
وأما محمد بن عمر الواقدي (فهو لا يتورع بإظهار الصحابة  بمظهر المتآمرين على عثمان)( ) وقد جرحه علماء الجرح والتعديل وحذروا الناس من الأخذ بحديثه , فقد اتهمه النسائي والشافعي بالكذب والبخاري ينص على عدم الأخذ بحديثه. في حين أن الذهبي قال : استقر الإجماع على وهن الواقدي( ).
ولا شك أن من هذه حالته وهذه ميوله وعواطفه تكون دراسته انتقائية في أحسن الأحوال, فيأخذ ما يوافقه ويلاءم هواه ومذهبه ويترك كل ما لا يوافق ذلك. وقد لاحظ اثر تلك العواطف والميول على بعض الإخباريين بعض الباحثين من غير المسلمين أيضاً, فقد ذكر المستشرق فلهاوزن أن أبا مخنف لم يستطع أن يتجرد تماماً من عواطفه (وقد أغفل في بعض الأحيان شيئاً مما لا يعجبه, كإغفاله مثلاً أن عقيل بن أبي طالب كان في موقعة صفين يحارب في صفوف أعداء أخيه علي بن أبي طالب)( ).
فإذا كان تاريخ الطبري الذي يعد من خيرة كتب التاريخ الإسلامي على هذا المستوى فما بالك بالكتب الأخرى التي تعد عالة على تاريخ الطبري. ومما زاد من صعوبة اكتناه الحقائق لتاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية هو انه لم يتم أو بالأصح لم تبدأ مرحلة التدوين في التاريخ الإسلامي إلا في أواخر الدولة الأموية, ثم انتقلت الخلافة إلى بني العباس فلم يكونوا حريصين على إظهار بني أمية بمظهرهم الحقيقي كما كان بعض الناس على عهدهم (يتملقون الحكام بتشويه محاسن بني أمية)( ).
وقد فهم المستشرق فلهاوزن هذه الحقيقة جيداً حين قال: (أما روح هذا المأثور الشامي فيستطيع الإنسان أن يعرفه أحسن معرفة إذا رجع إلى كتب التاريخ النصرانية خصوصاً كتاب الصلة لتاريخ ايزيدور فالأمويون في هذه الكتب النصرانية يظهرون في ضوء آخر مغاير كل المغايرة في الكتب الأخرى, وهو يظهرون على صورة أحسن بكثير من الصورة التي اعتدنا أن نراهم عليها. أما في كتب التاريخ العربي فقد كانت الكلمة الأخيرة لأعدائهم وقد ألحق ذلك بتاريخهم ضرراً كبيراً)( ).
لا أقصد من سوقي لكلام فلهاوزن حول التواريخ النصرانية أن نعتمد عليها في دراسة قضايانا الإسلامية وإنما قصدت فقط أن ظاهرة التحيز وعدم الدقة التي اتسمت بها كثير من نقولنا التاريخية قد لاحظها غيرنا لذا فالحاجة إلى مراجعة علمية نقدية واسعة لتاريخنا الإسلامي وإخضاعه لقوانين الرواية المعتمدة لدى علماء الحديث, لأن تمحيص تراثنا التاريخي لا يقل أهمية عن تمحيص الآثار النبوية.
وقد وعى المحققون من العلماء هذه المسألة وخاصة ما يتعلق منها بالرعيل الأول من المسلمين فقسموا المثالب المنقولة عنهم والمنسوبة إليهم إلى قسمين لا ثالث لهما:
فقد قال ابن تيمية: (إن ما نقل عن الصحابة من المثالب فهو نوعان أحدهما ما هو كذب (ويشمل):
أ‌- أما كذب كله.
ب‌- وأما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطعن, وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب يرويها الكذابون المعروفون بالكذب, مثل أبي مخنف لوط بن يحيى ومثل هشام بن محمد السائب الكلبي وأمثالهما من الكذابين...
والنوع الثاني: ما هو صدق وأكثر هذه الأمور فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوباً وتجعلها من موارد الاجتهاد)( ) و لا أريد أن اظلم التاريخ الإسلامي كله أو أجرده من مقومات النقد العلمي كلها.
فقد كانت البلاد الإسلامية تحتوي على أربع مدارس تاريخية كبرى لكل مدرسة مميزاتها وسماتها تبعاً للبيئات التي نشأت فيها, وتبعاً لسلوكيات أفرادها, فقد كانت هناك مدرسة المدينة ومدرسة الكوفة ومدرسة البصرة ومدرسة بغداد, وقد عقد الدكتور خليل إبراهيم السامرائي مقارنة بين مدرسة المدينة من ناحية ومدرستي الكوفة والبصرة من ناحية أخرى فكانت النتيجة كما يلي:
أولاً: اهتمام مدرسة المدينة بالمواضيع الدينية كالسير والمغازي والتراجم , أما المدرستان الأخريان فكان اهتمامهما بالمواضيع الدنيوية, كأيام العرب والأنساب والحروب والقصص التاريخية.
ثانياً: اهتمام مدرسة المدينة بالإسناد على غرار دراسة الحديث, بينما اقتصرت المدرستان الأخريان على المتن دون السند غالباً.
ثالثاً: كانت مدرسة المدينة تعتمد تثبيت تاريخ الحوادث وتأكيده, بينما لا نجد هذا في مدرستي البصرة والكوفة إلا في الحروب والوقائع وأخيراً كان الاتجاه الإسلامي هو الغالب على مدرسة المدينة بينما غلب الاتجاه القبلي المحلي على المدرستين الأخيرتين)( ).
أما المدرسة الرابعة أعني مدرسة بغداد فقد كان (الطابع العالمي هو السائد على دراساتها... وذلك على أثر الازدهار الحضاري الذي رافق مختلف شؤون الحياة لدى العرب)( ).
إذن فالأمة الإسلامية لم تخل من رجال, ولم تخل من مدارس كانت تعتمد المنهج العلمي الرصين في دراساتها, لكن والحق يقال أن المنهج العلمي لم يعتمد في كل المدارس التاريخية أو في كل النقول التاريخية بدقة مما أدى إلى ما نراه من الروايات المضطربة والأخبار المبالغ فيها مدحاً أو ذماً وكذلك المكذوبة وما أكثرها.
وليت مدارس الكوفة والبصرة وبغداد تابعت مدرسة المدينة في إيرادها لأسانيد رواياتها التاريخية, فأعانتنا بذلك على التأكد من صحة تلك الروايات وخلصت تأريخنا من كثير من الروايات المكذوبة والمدسوسة فيه, للتشويش على سيرة بعض سلفنا الصالح ولتشويه تأريخ أمتنا بشكل عام.
ولا يعني هذا أن عدم إسناد تلك الروايات يسبغ عليها صفة القبول ويفيها من النظر فيها أو البحث عن صحتها ودرجتها فكثير منها يشهد أسلوبها ومضمونها بعدم صحتها لمخالفتها لواقع عصرها أو لصريح العقل أو لنص كتاب أو سنة صحيحة.
إذن فالنتيجة التي نخرج بها من هذا التمهيد هي: إن التزوير والتحريف وإعطاء المسائل أكبر من حجمها أو ما يسمى بالتضخيم إن صح التعبير كل ذلك قد وقع في التاريخ الإسلامي فلا بد لنا من التيقظ والحذر عند تناولنا لدراسة موضوع ما.
وأود أن أختم هذا التمهيد بذكر أصناف المزورين في التأريخ الإسلامي وهم:
أولاً: الزنادقة الذين حملهم على الوضع الاستخفاف بالدين والتلبيس على المسلمين.
ثانياً: أصحاب الأهواء والبدع وضعوا الأحاديث نصرة لمذاهبهم أو ثلباً لمخالفيهم.
ثالثاً: قوم اتخذوا الوضع صناعة وتسوقاً( ).
وكان بعضهم على درجة كبيرة من النظر البعيد فهم لا يأملون نتائج عاجلة لما يصنعون, فقد الخطيب البغدادي إن : (هارون الرشيد سأل أحد الزنادقة الشعوبيين في عصره قبل أن يضرب عنقه أمام الحاضرين: لماذا يتخذ الزنادقة خطتهم في البداية مع إتباعهم تعليمهم كراهية الصحابة  والطعن فيهم؟ فقال ذلك الزنديق: إنا نريد الطعن على الناقلة فإذا بطلت الناقلة أو شك أن يبطل المنقول)( ).
بعد كل ما تقدم نستطيع أن نقول ما قاله الدكتور محمود إسماعيل من انه (يتعين على الباحث المعاصر أن يعمل العقل في روايات السلف ويخضعها للمنهج النقدي... وان يتبع المنهج المقارن في استخلاص الحقيقة التاريخية من الروايات المتعددة المتباينة, وهو منهج احتذاه المحدثون القدامى فيما عرف " بالجرح والتعديل" وعملية التحقيق هذه لا تتم بمعزل عن الإلمام الكامل بحياة المؤرخين القدامى والوقوف على اتجاهاتهم الفكرية وأوضاعهم الطبقية التي تشكل المنظور التاريخي لكل منهم, وهي التي تترك بصماتها فيما يكتبون)( ).


أسباب اختلاف الصحابة  :
قبل الخوض في بيان أسباب اختلاف الصحابة لابد لنا من معرفة أسباب الاختلاف بين الناس عموماً, فالصحابة يخضعون لما يخضع له الناس من مؤثرات تحدد ميولهم واتجاهاتهم فيما يعرض لهم في حياتهم, فإذا ما عرفنا هذه الأسباب سهل علينا الأمر في معرفة أسباب اختلاف الصحابة .

أسباب الاختلاف بين الناس
منذ قديم الزمان والناس يختلفون على الحقائق, أو ما يعرض لهم من أمور كانوا يريدون أن يصلوا إلى كنهها, وقد أرجع العلماء هذه الاختلافات إلى أسباب عديدة نجمل أهمها فيما يلي:

أولاً: غموض الموضوع في ذاته
فإذا كان الموضوع غامضاً في ذاته, فإنه سيكون داعياً إلى تعدد الآراء واختلاف وجهات النظر فيه , كل ينطبق من فهمه وتصوراته له, وربما أصاب كل واحد منهم جزء من الموضوع فيكون الحق في جميعها وليس في آحادها, وربما كانوا متفقين في آرائهم إلا أن أحدهم لم يفهم وجهة نظر الآخر فيصورهم هذا الجهل بنيات بعضهم بعضاً بصورة الخصماء وما هم بخصماء على الحقيقة ولذلك كان سقراط يقول: إذا عرف موضع النزاع بطل كل نزاع)( ).

ثانياً: اختلاف الرغبات والشهوات والأمزجة
خلق الله الإنسان وهو يسعى إلى أن يرضي نداء شهواته ورغباته ويجهد في أن يصور الحقائق متوافقة مع مزاجه ورغباته , وبما أن هذه الرغبات والشهوات مختلفة بين الناس بالضرورة لأنها تخضع لكل ما ألم به في حياته سواء كان في أسرته أو محيطه العام فإن حكمهم على الأشياء سيكون مختلفاً إذا ما أرادوا أن يرضوا رغباتهم وأمزجتهم.
بيد أن خضوع الإنسان لهذه الشهوات والرغبات والأمزجة وإن كان قاسماً مشتركاً بين الناس إلى حدٍ ما فانا لا نستطيع أن ندّعي أن الناس يخضعون لن بنفس المقدار, إذ أن فيهم من يستطيع أن يتجرد عن ميوله الخاصة إلى حد بعيد ما لم يكن لها صل بالحكم على حقائق الأشياء وفيهم من يكون خضوعه لها خضوعا شبه تام. وعلى هذا فلا أرى وجهاً لتعميم الشيخ محمد أبي زهرة حيث يقول: (فالرغبة إذن تستولي على مقياس الحسن والقبح في الأشياء والأفكار)( ).
فإطلاق القول هكذا بلا تقييد فيه ظلم للحقيقة وأهلها, نعم إن الرغبة قد تستولي على ذوي النفس الضعيفة والنظر القصير, لكنها تقف عاجزة أمام ذوي البصائر والعزائم الذين يقولون الحق وإن كان مراً. والذين يشهدون بالحق ولو على أنفسهم لأن الرغبة في جمع المال مثلاً لا تجعل السرقة حسنة حتى عند المجرمين.

ثالثاً: التعصب في تقليد السابقين:
ومن الأسباب التي تؤدي إلى اختلاف الناس في حكمهم على الأشياء التعصب لآراء تلقوها عن السابقين اكتسبت بمرور الزمن قداسة كبيرة دفعتهم إلى تبني هذه الأفكار بأي ثمن حتى إن اضطرهم الأمر إلى اصطناع الحجج لكي يظهروا ما تعصبوا له بمظهر الحقيقة, فكان بعض المتعصبين لا يتورعون عن الكذب على رسول الله  من أجل نصرة مذاهبهم , وعن هؤلاء المتعصبين يقول ابن عراق الكناني: ( أصحاب الأهواء والبدع وضعوا أحاديث نصرة لمذاهبهم أو ثلباً لمخالفيهم , روى أبن أبي حاتم في مقدمة كتاب الجرح والتعديل عن شيخ من الخوارج أنه كان يقول بعد ما تاب: أنظروا عمن تأخذون فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرنا له حديثاً)( ).

رابعاً: اختلاف المدارك والقدرات العقلية:
يتميز كل إنسان عن غيره بمداركه الخاصة وقدراته التي يتسم بها, تبعاً لما وهب من فطنة وذكاء, وما مر به من تجارب في حياته فإذا اختلفت المدارك والقدرات التي هي وسائل الإنسان في حكمه على الأشياء فمن الطبيعي أن تأتي الأحكام مختلفة تبعاً لذلك التفاوت العقلي. فمن الناس من يكون إدراكه نافداً إلى حقيقة الأشياء ومنهم من يذهب به الوهم بعيداً فيعشو عن الحقيقة والصواب. وبالتالي يزيد من الاختلاف ويبعد عن الائتلاف. هذه جملة من الأسباب التي تؤدي إلى الاختلاف بين الناس في حكمهم على الأشياء تناولناها على وجه السرعة لتكون مدخلاً لدراسة أسباب الاختلاف بين الصحابة  .

أسباب اختلاف الصحابة 
بعد أن تعرفنا على الأسباب التي تؤدي إلى الاختلاف في وجهات النظر بين الناس في موضوع ما, أصبح الآن يسيراً علينا أن ندرس الأسباب التي أدت إلى اختلاف الصحابة, ولكن قبل هذا علينا أن نعرف أنواع الاختلافات التي وقعت بين الصحابة  .
وجملة الاختلافات بين المسلمين أما أن تكون :-
• اختلافاً في الأمور العقائدية.
• أو في الأمور الفقهية.
• أو في الأمور السياسية.
وقد وقع بين الصحابة  من هذه الاختلافات نوعان:-
الأول: اختلاف في الأمور الفقهية.
الثاني: اختلاف في الأمور السياسية.
أما الاختلاف في المسائل العقائدية فلم يقع بين الصحابة  منه شيء لأن الصحابة  (كانوا يكرهون البحث والجدل في الأمور العقائدية , ويرون أنه لا سبيل إلى تقرير شيء منها إلا بالوحي. بينما كانوا لا يتحرجون من النظر والاجتهاد في الشرائع العملية) ( ) بل إن البحث في هذه الأمور _أي العقائدية- (بدأ يظهر في أواخر القرن الأول الهجري) ( ) حيث لم يبق وجود لصحابة رسول الله  ورضي الله عنهم.
ولكل من النوعين السابقين من أنواع الاختلاف أسباب أدت إلى وقوعه بين الصحابة .
فمن الأسباب التي أدت إلى وقوع الاختلافات الفقهية بين الصحابة  كما ذكر الشيخ عبدالوهاب خلاف( ) ما يلي:
اولاً: إن أكثر نصوص الحكام في القرآن والسنة الصحيحة ليست قطعية الدلالة على المراد منها,بل هي ظنية الدلالة في الغالب, وكما تحتمل أن تدل على معنى تحتمل أن تدل على معنى آخر بسبب أن في النص لفظاً مشتركاً لغة بين معنيين أو أكثر, أو أن فيه لفظاً عاماً يحتمل التخصيص , أو لفظاً مطلقاً يحتمل التقييد. فكل مشرع يفهم منه حسبما ترجح عنده من القرائن ووجهات النظر.
ثانياً: إن السنة النبوية لم يتم تدوينها في عهد الصحابة  , ولم يكن أحد من الصحابة  حافظاً للسنة كلها, مما كان يضطر بعضهم في كثير من الأحيان إلى أن يتراجع عن فتواه التي أفتى بها بعد أن علم من النصوص الواردة في المسألة ما لم يكن قد علمه من قبل, ولعل هذا السبب (أعني عدم تدوين السنة) كان وراء رد بعضهم لبعض الأخبار لاعتقاد السامع أن ما معه من نصوص في المسألة قد يكون ناسخاً لما مع الصحابي الآخر أو مخصصاً له أو غير ذلك ولا دخل للراوي نفسه من حيث العدالة كما توهم السايس حين قال: (إنهم كانوا يردون الحديث لضعف ثقتهم بالراوي)( ) , فلو كان الأمر كما قال رحمه الله لما قبل حديث من دره الصحابة  ولو مرة, ولما تجرأ علماء الجرح والتعديل على تعديل من جرحه الصحابة  .
ثالثاً: اختلاف البيئات التي يعيش فيها الصحابة  كان له الأثر الكبير في اختلاف الأحكام التي تصدر عنهم فما يطرأ لعبدالله بن عمر في المدينة غير ما يطرأ لمعاوية بن أبي سفيان في الشام وهو غير ما يطرأ لعبدالله بن مسعود في الكوفة, لأن الأحداث وليدة البيئة فيجب أن تكون الحلول ملائمة لها وفق ما تحتمله النصوص ويتطلبه النظر الصحيح.
رابعاً: لما كانت النصوص القرآنية والنصوص النبوية محدودة في حين إن مفردات الحياة غير متناهية فان ذلك اوجب على فقهاء الصحابة  أن يعملوا رأيهم في استنباط الأحكام الشرعية لهذه النصوص المتجددة . وكان لابد لهم من أن يختلفوا تبعا لقدراتهم العقلية ومواهبهم في استشفاف الأمور وحملها على مقتضى النصوص التشريعية الثابتة.
هذه هي جملة الأسباب التي أدت إلى اختلاف الصحابة  في الأمور الفقهية.
أما الأسباب التي أدت إلى الاختلافات السياسية بين الصحابة  فيمكن ردها إلى سببين:
سبب قريب: وهو محاولة معرفتهم من هو أحق بالخلافة.
وكانت بداية هذا الاختلاف عقب وفاة الرسول , فقد ظن الأنصار أنهم أولى بهذا الأمر من غيرهم, فقالوا نحن الذين آوينا ونصرنا وبنا اعز الله دينه فلا يكون هذا الأمر إلا فينا, وقال المهاجرون نحن السابقون الأولون أسلمنا ونحن قلة وتركنا المال والولد في سبيل نصرة الإسلام فنحن أحق به من غيرنا, ثم اختلف المهاجرون على أنفسهم فقال أغلبهم سوى بني هاشم إن الخلافة في قريش دون أن يخصوا بيتاً دون آخر ( لأنها قبيلة النبي  ولأنها أفضل القبائل ومن السهل أن يخضع لها جميع العرب إذ لو انتخب الخليفة من قبيلة أخرى لقامت القبائل ينافس بعضها بعضاً)( ).
بينما ذهب بنو هاشم إلى أن الخلافة لا تكون إلا فيهم لقرابتهم من رسول الله  .
السبب الثاني وهو السبب البعيد, وهو:
صحوة العصبية العربية, فقد جاء الإسلام والعرب تطحنهم حروب دامية تغذيها عصبية عمياء, فأباد الله هذه الحروب بأن أطفأ داعي العصبية وجعلها من عبية( ) الجاهلية ودعاهم إلى التمسك بشيء جديد لا يمت إليها بصلة على أساسه يكون التفاضل والتفاخر وهو تقوى الله سبحانه وتعالى, قال تعالى:  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ( ) فجعل تقوى الله تقوم مقام الاعتزاز بالآباء والأجداد والنسب العلي.
بل إن الرسول  اخرج من يدعو إلى عصبية عن حظيرة الإيمان , فعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله  : ( من قاتل تحت راية عمية يدعو إلى عصبية أو يغضب لعصبية فقتلته جاهلية)( ).
فاختفت هذه العصبية طوال عهد رسول الله  وأبي بكر وعمر وشطراً من خلافة عثمان, فلما قُتل  نشطت هذه العصبية من جديد ودبت الحياة فيها( ).
ويبدو أن سبب حياة هذه العصبية بعد رقادها هو أن الجيل الجديد الذي نشأ بعد الصحابة كانت لديهم أطماع سياسية كبيرة, ولم يكن من السهل أن يرضخوا لسلطان خليفة ما, فكان كثير منهم يرى أنه جدير بالخلافة, وأن ليس فيه من الغضاضة ما يجعله يخرج من الساحة معلناً ولاءه لمن يختاره المسلمون, وكان لكل واحد من هؤلاء أتباع كثيرون يدفعونه إلى ذلك فكان أن اجتمعت في نفوسهم الرغبة وتأييد الناس, مما أدى إلى ظهور العصبية من جديد.
وهناك سبب آخر يمكن إضافته وهو محاولتهم معرفة طبيعة الحكم وشروط الخلافة بعد رسول الله  .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الاسمر
ديري نشيط
ديري نشيط
الاسمر


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 217
نقاط : 576
التقيم : 23
تاريخ الميلاد : 14/06/1990
تاريخ التسجيل : 10/05/2012
العمر : 33

 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابة ومكانتهم عند المسلمين    الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 07, 2012 9:48 am

موقف علماء الأمة من اختلاف الصحابة 
يختلف موقف العلماء إزاء اختلافات الصحابة  بتنوع هذه الاختلافات تبعاً للفائدة المتوخاة من تلك الاختلافات.

أولاً: موقفهم من الاختلافات الفقهية:-
أجمع المسلمون على أن قول الصحابي في المسائل التي لا مجال فيها للاجتهاد حجة لأنه محمول على السماع من النبي  وكذلك اتفقوا على الأخذ بقول الصحابي إذا شاع ولم يعرف له مخالف. لأنه من باب الإجماع السكوتي( ). وليس هذا محل كلامنا, إنما نحن بصدد التعرف إلى موقف العلماء من اختلافات الصحابة  فيما بينهم في المسائل الفقهية.
فقد ذهب الإمام مالك وأحمد في أحد قوليه والشافعي في قوله القديم وأكثر الحنفية إلى اعتبار قول الصحابي حجة مقدمة على القياس.
بينما ذهبت الظاهرية والإمامية وأكثر الزيدية وأحمد في أحد قوليه والشافعي في الجديد من أقواله إلى عدم اعتبار مذهب الصحابي حجة( ).
وما نسب إلى الإمام الشافعي والإمام أحمد من عدم اعتبار قول الصحابي حجة لا يثبت أمام النقد كما ذكر الدكتور هاشم جميل إذ قال: ( لكني رأيت في كتاب الأم للشافعي وهو الحاوي على مذهبه الجديد أن الشافعي يحتج بمذهب الصحابي الذي لا يعرف له مخالف, وعند اختلاف أقوالهم يأخذ منها )
ثم يعمم المسألة على الأئمة الأربعة فيقول: ( فان الذي يبدو لي أن الغالب على الأئمة الأربعة هو عدم الخروج على أقوال الصحابة , فهم لا يخرجون عنها إلا نادراً)( ).
أما ابن حزم فمع أنه(يعد الأخذ بقول الصحابي من غير حجة من السنة النبوية تقليداً غير جائز في دين الله تعالى... نجده كثير الذكر لأقوال الصحابة  بل إن كتبه الفقهية سواء كانت في الفروع أم كانت في الأصول تزخر بأقوال الصحابة, وإذا قلنا إنها تشتمل على اكبر مجموعة تحوي أقوال الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عنهم لم نكن مبالغين)( ).
اذن فجمهور العلماء يرون أن أقوال الصحابة  سنة متبعة, وأن أقوالهم ليست كأقوال سواهم لقربهم من عهد التنزيل وتورعهم من التقول بالباطل في دين الله تعالى.


ثانياً: موقفهم من الاختلافات السياسية:
ولعلمائنا موقف نبيل تجاه الاختلافات السياسية التي وقعت بين الصحابة  والتي أدت إلى سفك دماء بعضهم بعضاً, فقد صرح كثير من أئمة العلم بأن المسلم الحق يتحتم عليه أن يكف يده ولسانه وخواطر قلبه عما وقع بينهم من الاختلافات.
قال ابن حجر الهيتمي: (صرح أئمتنا وغيرهم في الأصول بأنه يجب الإمساك عما جرى بين الصحابة)( ).
وليس معنى هذا أن نغفل كل اختلاف وقع بين الصحابة , بل المقصود أن لا نتخذ تلك الخلافات سلماً يرتقي عليه من يريد أن يطعن في الصحابة ( ). وقد ذكر عن الشافعي أنه قال: (أخذت أحكام البغاة والخوارج من مقاتلة على لأهل الجمل وصفين وللخوارج)( ).
فمن يذكر شيئاً مما وقع بينهم ليستخرج حكماً شرعياً ليس كمن يذكره ليستدل به على عيب من وقع له ذلك وصولاً إلى إسقاط ولايته وإغواء العوام على سبهم وثلبهم متوسلين إلى ذلك بما وجدوه من روايات مكذوبة أو مبالغ فيها.
فليس من مصلحتنا أن نبحث عن الهفوات والعورات في تأريخنا فنكون كالتي نكثت غزلها بعد أن أحكمته. بل إن مصلحتنا تقضي( أن نحاول استقصاء الحكم والعبر لا أن ننصب أنفسنا قضاة وسلاطين ونجرح هذا ونقدح هذا ولسنا خيراً منهم ولا مثلهم كما لسنا مسئولين عما كانوا يفعلون)( ).
قال الله تعالى:  تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ) فالله حسبهم ومولاهم وهو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.




الآثار الناجمة عن اختلاف الصحابة  :
لقد كان للاختلافات التي وقعت بين الصحابة  نتائج وآثار لمستها الأجيال اللاحقة ويمكن القول: إن الآثار الناجمة من الاختلافات الفقهية كانت آثاراً ايجابية جلبت الخير للمسلمين, وأما الآثار التي نجمت عن الخلافات السياسية فهي وإن لم تخل من جوانب ايجابية إلا أنها شكلت نواة وأساساً لانقسامات شهدتها الأمة الإسلامية ولا زالت. ويمكن إجمال هذه النتائج بما يلي:
أولاً: تمخض عنها شرح قانوني لنصوص الأحكام من الكتاب والسنة, فبحكم صحبتهم لرسول الله  ومعاصرتهم لعهد التنزيل وتمكنهم البارع في اللغة , استطاع الصحابة  أن يقدموا للأجيال اللاحقة نموذجاً لنصوص الكتاب والسنة وفي كيفية تطبيقها على مفردات حياتهم المستجدة, فكانت تفسيراتهم تلك تعد (أوثق مرجع لتفسيرها وبيان إجمالها ووجوه تطبيقها)( ).
ثانياً: نتج عنها ثروة فقهية كبيرة يستطيع الفقهاء من خلالها أن يتحركوا ضمن دائرة أوسع , لكي يواكبوا حركة الحياة, فيختار الفقيه منها ما يلائم مستجدات الحياة. وتتميز فتاوى الصحابة  هذه – لاسيما التي صدرت أبان الخلافة الراشدة- بكونها تستند إلى قاعدة جماهيرية كبيرة من الصحابة .لأنهم كثيراً ما كانوا يجتمعون لتقرير حكم شرعي في مسألة ما. مما يعطي هذا الحكم الصادر قوة كبيرة, لأنه يمثل إجماع غالبية الصحابة .
وقد كان كثير من المحدثين ينظرون إلى آراء الصحابة  وفتاواهم على أنها جزء من السنة النبوية, فكانوا لا يتحرجون من (أن يدونوا فتاوى الصحابة  في مختلف أبواب الأحكام مع السنة)( ).
ثالثاً: والنتيجة الثالثة الناجمة عن اختلاف الصحابة  هي (انقسام الأمة انقساماً بدأ سياسياً بشأن الخلافة والخليفة, وانقلب دينياً ذا أثر خطير في التشريع, وذلك أنه بعد أن قتل عثمان بن عفان  وبويع بالخلافة لعلي بن أبي طالب  ونازعه( ) عليها معاوية بن أبي سفيان واشتعلت الحرب بين الفريقين وانتهت إلى تحكيم الحكمين الذي نتج عنه انقسام المسلمين إلى أحزاب ثلاثة, الخوارج والشيعة وأهل السنة والجماعة , وهم جمهور الأمة)( ).
وقد استفاد الفقهاء من هذه الخلافات والانقسامات فوائد عدة, ويأتي في طليعتها استنباط أحكام البغاة وقتال المرتدين والمخالفين وما إلى ذلك من أحكام.


















الباب الثاني
مكانة الصحابة عند المسلمين


الفصل الأول

مكانة الصحابة عنـــد
الشيعة الإمامية















تعريف عام بالشيعة
الشيعة لغة : الأتباع والأنصار( ), واصطلاحاً: هم الذين شايعوا عليا ً على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته, نصاً ووصيةً أما جلياً أو خفياً واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من ولده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره, أو تقيةً من عنده( ).
وقد نشأ ما يمكن أن يسمى بالبذور الأولى للشيعة بعد وفاة رسول الله  حيث رأى بعض الصحابة أن علياً أولى بالخلافة من غيره بسبب قرابته من رسول الله  , ومن هؤلاء جابر بن عبدالله الأنصاري وحذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري رضي الله عنهم.
غير إن هذه الفكرة كانت بسيطة للغاية (وتتلخص في انه لا نص على الخليفة, فترك الأمر لإعمال الرأي, فالأنصار كان رأيهم أنهم أولى بها, والمهاجرون كذلك وأصحاب علي( ) إلى أن الخلافة ميراث, ولم يرد من طريق صحيح أن علياً ذكر نصاً من آية أو حديث يفيد أن رسول الله  عينه للخلافة)( ).
ولم يستمر التشيع على هذا المنوال, فقد تطور إلى ما هو عليه الآن من القول بتعيين الإمام والقول بالرجعة وعصمة الأئمة والقول بالولاء لهم والبراءة من غيرهم وغير ذلك مما هم عليه اليوم.
ويمكن إرجاع هذا التطور المفاجئ في ظاهرة التشيع إلى سببين رئيسين:
أولهما: تعاطف الناس مع أهل البيت بسبب قرابتهم من رسول الله  وبسبب ما لحقهم من جراء مطالبتهم بالخلافة.
وثانيهما: تظاهر كثير من الساخطين على الإسلام بالدخول فيه بعدما زالت دولهم رغبة في التشكيك فيه والكيد لأهله. يقول المقريزي: (كان الفرس في سعة من الملك وعلو اليد, وكانوا يعدون العرب أقل الأمم خطراً فلما زالت دولة الفرس على يد العرب تعاظم لديهم الأمر وتضاعفت المصيبة وراموا الكيد للإسلام, فرأوا أن الكيد له بالحيلة أنجع فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم علي ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى( ).
ويرى بعض الباحثين أن لليهود نصيباً وافراً في نشر المبادئ الغالية في صفوف المسلمين وخاصة أهل التشيع, فادعوا أن عبدالله بن سبأ كان من اليهود ثم أسلم وأصبح من دعاة التشيع وأنه أشاع القول في زمانه : (إن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة, ويتعين القائم بتعيينها, بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام, ولا يجوز لنبي إغفالها ولا تفويضها إلى الأمة بل يجب عليه تعيين الإمام لهم. ويكون معصوماً من الكبائر والصغائر, وأن علياً  هو الذي عينه صلوات الله وسلامه عليه)( ).
غير إن كثيراً من علماء الإمامية ســيما المعاصرين منهم يرون أن هذا محض ادعاء لا تؤيده البراهين. فقد ذهب مرتضى العسكري إلى أن ابن سبأ ما هو إلا أسطورة ابتدعها سيف بن عمر( ). وأنه لم يكن له وجود في الحقيقة وإنما اختلق من أجل تشويه أصالة المذهب الإمامي( ).
ويمكن القول أن مما أدى إلى تطور التشيع كذلك هو أن الذين دخلوا في الإسلام من أصحاب الديانات السابقة حتى وإن كانوا مخلصين في إسلامهم لم يستطيعوا أن يتجردوا من معتقداتهم القديمة تماما, فنقلوا كثيراً من المفاهيم التي كانت سائدة لديهم إلى الإسلام, وبمرور الزمن اكتسبت تلك المفاهيم قداسة في نظر معتنقيها وأصبحت في نظرهم جزءاً لا يتجزأ من الإسلام , مثل نظرية الحق الآلهي التي كانت سائدة عند الفرس.
قال الأستاذ أحمد أمين: (ومما كان يتصل بعقائد الفرس وكان له أثر في بعض المسلمين, أنهم كانوا ينظرون إلى ملوكهم كأنهم كائنات آلهية, اصطفاهم الله للحكم بين الناس وخصهم بالسيادة وأيدهم بروح من عنده لفهم ظل الله في أرضه أقامهم على مصالح عباده وليس للناس قبلهم حقوق, وللملوك على الناس السمع والطاعة)( ).
وقال بروكلمان( ): ( إن التشيع الذي بدأ أول ما بدأ حزباً سلالياً خالصاً انضوى تحت لوائه أكثر الذين دخلوا الإسلام بقصد المناضلة ضد السيادة العربية وكان في كثير من الأحيان يستخدمه الانتهازيون الذين لا ذمة فيهم ولا ذمام لتحقيق أهدافهم الأنانية الصرفة المناهضة للحومة)( ).

أهم فرق الشيعة
اختلف العلماء في تصنيف فرق الشيعة إلى مذاهب شتى, فقد ذكر الشهرستاني( )أن الشيعة خمس فرق: الكيسانية والزيدية والإمامية والغلاة والإسماعيلية وتحت كل فرقة فرق عديدة يصل مجموعها زهاء الثمانين فرقة.
في حين عدهم أبو الحسن الأشعري( ) ثلاثة أصناف وهم : الغالية والرافضة والزيدية, بينما صنفهم محمود شكري الآلوسي( ) في مختصر التحفة إلى أربعة فرق وهم: الشيعة الأولى أو الشيعة المخلصون والشيعة التفضيلية والشيعة السبئية والشيعة الغلاة.
ويبدو لي أن هذه التقسيمات فيها كثير من المطاطية وعدم الانضباط لأنها لم تعتمد على أسس ثابتة, حيث أصبح أسم الشيعة فضفاضاً يدخل فيه الأتقياء من الصحابة والتابعين فيسمون شيعة, ويدخل فيه المارقون عن الإسلام ويسمون شيعة أيضاً , وفي هذا حيف كبير للحقيقة وطلابها. لذا أرى أن يخرج من صفوف الشيعة الصحابة الذين رأوا أن علياً أحق بالخلافة من غيره, لأنهم حينما رأوا رأيهم هذا لم يخطر بالهم شي مما أصبح فيا بعد من ضرورات التشيع.
وبهذا يمكن تقسيم الشيعة إلى ثلاث فرق رئيسة:-
الفرقة الأولى: الشيعة التفضيلية: وهم الذين يفضلون علياً على سائر إخوانه من الصحابة الكرام  من دون أن ينتقصوا أحداً منهم كالزيدية ومن سار سيرتهم.
الفرقة الثانية: الشيعة التبرئية, وهم الذين يتولون علياً وبنيه من غير تأليه لهم ويتبرءون ممن سواهم وتمثلهم الإمامية الاثنا عشرية ومن وافقها.
الفرقة الثالثة: الشيعة الغلاة, وهم الذين ارتفعوا بالأئمة إلى مرتبة الألوهية وهم الاسماعيليون ومن سار على منوالهم من فرق الباطنية.
وتجتمع فرق الشيعة على نقاط معينة لا يحولون عنها يمكن إجمالها فيما يلي( ):
أولاً : القول بوجوب التعيين والتنصيص في الإمامة.
ثانياً: القول بعصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الصغائر والكبائر ويخالفهم في هذا الزيدية.
ثالثاً: القول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً إلا في حال التقية وتخالفهم الزيدية في هذه الفقرة أيضاً.
وهذه النقاط التي ذكرناها تمثل الأصول المذهبية لدى الشيعة, فكل من لا يقول بإحدى هذه العقائد خارج من دائرة التشيع.
وعلى هذا الأساس سنتحدث عن مكانة الصحابة  لدى ثلاث من فرق الشيعة المعاصرة في ثلاثة فصل تمثل كل فرقة منها اتجاهاً معيناً.

مكانة الصحابة  عند الشيعة الإمامية
لابد لنا قبل أن نعرف نظرة الشيعة الإمامية إلى الصحابة  أن نلم إلمامة بسيطة بمصطلح "الشيعة الإمامية" .
يقول الشهرستاني في تعريف الشيعة الإمامية : (هم القائلون بإمامة علي  بعد النبي  نصًا ظاهراً وتعييناً صادقاً من غير تعريض بالوصف, بل أشار إليه بالعين )( ) وعلى هذا فكل من لم ير التعيين قد ثبت بالنص فهو ليس إمامياً.
وقد قسم أبو المظفر الاسفراييني( ) الشيعة الإمامية إلى خمس عشرة فرقة وهم:
الكاملية( ), المحمدية( ) , الباقرية( ), الناووسية( ), الشمطية( ), العمارية( ), الاسماعيلية( ), الموسوية( ), المباركية( ), القطعية( ), الهشامية( ) أو الحكمية, الهشامية( ) (أو الجواليقية), الزرارية( ), اليونسية( ), الشيطانية( ).
بيد أن هذا المصطلح قد اقتصر بمرور الزمن على فرقتين بارزتين من تلك الفرق وهما الإمامية القطعية "الاثنا عشرية" والإمامية الإسماعيلية( ).
ثم أخذت الإسماعيلية تستقل شيئاً فشيئاً في عقائدها وتصوراتها فلم تعد شعبة من شعبتي الإمامية , وأصبحت الساحة خالية للشيعة الأثني عشرية وأصبح أسم الإمامية علماً عليها كما يقوله المرحوم محمود شكري الآلوسي في تعريفه للشيعة الاثني عشرية: (وهذه هي المتبادرة عند الاطلاق في لفظ الإمامية وهم القائلون بإمامة علي الرضا بعد أبيه موسى الكاظم, ثم بإمامة ابنه محمد التقي المعروف بالجواد ثم بإمامة ابنه على التقي المعروف بالهادي , ثم بإمامة ابنه الحسن العسكري ثم بإمامة محمد المهدي معتقدين المهدي المنتظر)( ).
لذا فإننا عندما نتحدث عن مكانة الصحابة لدى الشيعة الإمامية فإننا نعني بهم الشيعة الاثني عشرية لأنهم يمثلون الأغلبية الساحقة من الشيعة الموجودين في العالم الإسلامي اليوم.
وسنحاول أن نكون موضوعيين قدر الاستطاعة في إبراز موقفهم إزاء الصحابة غير متحاملين ولا مجاملين ودون أن نعطي الأمور أبعاداً أكبر من حقيقتها, وفي سبيل الوصول إلى الغاية النبيلة اجتهدت إلا أنقل أي نص يصور نظرتهم للصحابة إلا من خلال كتبهم المعتمدة لديهم مهما كانت ثقتي عالية في أمانة من يحاول أن يظهر لنا حقيقة اعتقادهم في الصحابة , ذلك لأن علماءهم أدرى بحقيقة ما اشتمل عليه مذهبهم بهذا الخصوص ولأن شهادتهم على أنفسهم أبلغ من شهادة غيرهم عليهم.
وسيكون بحثنا دائراً حول محورين, أولهما إبراز حقيقة نظرتهم إلى الصحابة. وثانيهما: إبراز مغالاتهم في علي وبنيه رضي الله عنهم لأنه حيثما كان إفراط في مسألة ما قابله تفريط في نفس الحدة والمستوى.

أولاً: نظرتهم إلى الصحابة  :
لقد ورد في كتابات بعض الإمامية عبارات فيها قدح كبير لصحابة رسول الله  وهذه الكتابات لا تمثل السواد الأعظم من الإمامية فهم إن لم يتولوا جميع الصحابة  فقد توقفوا في أمرهم وأوكلوهم إلى الله. لذا يجب التذكير إننا عندما نذكر تلك التهم التي كالها بعض المتطرفين من الإمامية لا نريد من ورائها التشنيع والحكم على المذهب الإمامي من خلال تلك الكتابات التي لا تمثل الخط العام الذي يسار عليه, وانما نذكرها من باب الحقيقة التاريخية ومن أجل أن ينقى المذهب الإمامي ليعود إلى صفائه لكي لا يحسب أصحاب الأهواء والضلال عليهم.
ويمكن إبراز التهم التي ذكرها المتطرفون كما يلي:
1- اتهامهم بالارتداد عن دين الله.
لم يتورع هؤلاء المتطرفون عن توجيه تهمة الارتداد عن دين الله إلى الرعيل الأول من المسلمين من أجل أن يقطعوا صلة الأمة بنبيها  ولكي تبقى الأمة الإسلامية معلقة بلا جذور تشدها وتربط جأشها. ومن أجل أن يعمقوا الهوة بين الإمامية وبقية أخوانهم من المسلمين, سجلوا تلك التهم في كتب المسلمين ونسبوها إلى أفذاذ الأمة من علي وبنيه رضي الله عنهم.
فقد ادعوا أن سليم بن قيس الهلالي وهو من أصحاب علي رضي الله عنه قد ألف كتاباً بخصوص ما دار بين علي وبقية الصحابة  ونسوا أنه لم يكن ثمة تأليف في ذلك الزمان, أو على الأقل لم يصل إلى الأمة شيء من كتابات ذلك العصر, ومن أجل أن لا يشك أحد في مضمون هذا الكتاب المزيف نسبوا إلى الإمام جعفر الصادق أنه قال فيه: (من لم يكن معه من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء ولا يعلم من أسبابنا شيئاً وهو أبجد الشيعة وهو سر من أسرار آل محمد )( ).
وأنا أجزم أن الإمام جعفراً الصادق لم يطلع على هذا الكتاب ولو أطلع عليه لأحرقه بالنار, لأنه يصور صحابة رسول الله  ورضي الله عنهم وكأنهم وحوش في غاب يتقاتلون على الخلافة ويقذف بعضهم بعضاً بعبارات لا تخرج من أفواه العامة من الناس فكيف بتلامذة رسول الله  وهم الذين علموا الدنيا مكارم الأخلاق.
ذكر هؤلاء المدسوسون في هذا الكتاب: (أن الصحابة قد ارتدوا بعد رسول الله  غير أربعة( ), وأن الناس صاروا بعد رسول الله  بمنزلة هارون ومن تبعه ومنزلة العجل ومن تبعه, فعلي في شبه هارون , وعتيق في شبه العجل وعمر في شبه السامري)( ) ثم عمدوا إلى آيات من القرآن نزلت في مشركي قريش وكفارها فادعوا أنها نزلت في كبار الصحابة.
ففسروا قوله تعالى:  وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأََمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ  ( )على النحو التالي:
(وقوله : (حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) يعني أمير المؤمنين عليا. (وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) الأول والثاني والثالث)( ) يعني أبا بكر وعمر وعثمان.
أما قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً( ) وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ  ( ) قالوا في تفسيرها أن أبا عبدالله جعفراً قال- وهم كاذبون في ادعائهم هذا- نزلت في فلان وفلان وفلان ( يعني أبا بكر وعمر وعثمان) آمنوا بالنبي  في أول الأمر وفروا حين عرضت عليهم الولاية, حين قال رسول الله  : من كنت مولاه فهذا علي مولاه, ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام ثم كفروا حين مضى رسول الله  فلم يقروا له بالبيعة ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق لهم من الإيمان شي)( ).
ولم يكتف المبطلون بهذا القدر من التهم بل ادعوا أن الصحابة  كان يكفر بعضهم بعضاً. فقد ورد في رجال الكشي: ( أن محمد بن أبي زكريا بايع عليا عليه السلام على البراءة من أبيه)( ).
وأنه قال لعلي رضي الله عنه: (أشهد أنك إمام مفترض وأن أبي في النار)( ).
ويقول في موضع آخر من كتابه آنف الذكر في حق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: (ما أهريق في الإسلام محجة من دم ولا اكتسب مال من غير حله ولا نح فرج حرام إلا ذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا ونحن معاشر بني هاشم نأمر صغارنا بسبهما والبراءة منهما)( ).
وقد رفض علماء الإمامية هذه التهمة الشنيعة فقال الشيخ عبدالحسين شرف الدين الموسويSad نعوذ بالله من تكفير المؤمنين, والله المستعان على كل معتدٍ أثيم, كيف يجوز على الشيعة أن تكفر أهل الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج والإيمان باليوم الآخر)( ).

2- اتهامهم بتحريق القرآن .
يدين عامة المسلمين بأن القرآن الكريم كتاب الله الأخير أنزله لهداية الناس – وإخراجهم من الظلمات إلى النور وأن هذا الكتاب لن يتغير ولن يتبدل مهما امتد به الأمد واشتدت الظروف وما ذلك إلا لأن الله تكفل بحفظه, قال تعالى:  إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( ) و قال تعالى:  إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَه = 17 فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ = 18 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ( ) و قال تعالى:  لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ( ) فعدم الإيمان بحفظ القرآن وصيانته يجر إلى إنكار القرآن جملة وتفصيلاً لأن ما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال. ولقد جرى عامة المسلمين على هذا الاعتقاد لأن الحياد عنه حياد عن الإسلام وقد فهم الذين يريدون الكيد لهذا الدين هذه الحقيقة جيداً فصور لهم الشيطان أنه لابد من تشكيك المسلمين بقرآنهم ودس ذلك في كتبهم واستطاعوا بالفعل أن يوصلوا بعض سمومهم إلى بعض كتب الإمامية موهمين الناس أن ذلك هو جوهر مذهب الإمامية من الشيعة وأنه عين ما كان عليه سلف الأمة من أهل البيت. وفي الحقيقة فان هذه السموم لاوجود لها في صفوف الأمة قديماً وحديثاً والحمد لله على ذلك.
وسنذكر شيئاً من هذه النصوص لا على أساس أنها تمثل عقيدة الإمامية بل هي سموم وردت إليهم ممن باعوا أنفسهم للشيطان وجنده. يقول الكليني: (عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله( ) أنه قال: إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية)( ).
ومعنى هذا القول أن القرآن الكريم قد فقد ثلثاه ويدل على ذلك رواية الكافي أيضاً إذ يقول: (عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقلت جعلت فداك إني أسالك عن مسألة, أههنا أحد يسمع كلامي؟ قال فرفع أبو عبدالله ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال: سل عما بدا لك, قال: قلت ان شيعتك يتحدثون أن رسول الله  علم عليا بابا يفتح منه الف باب؟ قال فقال: علم رسول الله  علياً ألف باب يفتح كل باب ألف باب, قال: قلت هذا والله العلم قال فنكت ساعة في الأرض ثم قال: انه لعلم وما هو بذاك, قال يا أبا محمد وان عندنا الجامعة, وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت جعلت فداك وما الجامعة؟ قال صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله  وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الارش في الخدش وضرب بيده الي, فقال لي: تأذن يا أبا محمد؟ قال: قلت جعلت فداك إنما إنا لك فاصنع ما شئت, قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا, كأنه مغضب, قال قلت هذا والله العلم, قال: انه لعلم وليس بذاك, ثم سكت ساعة ثم قال: وان عندنا الجفر؟ وما يدريهم ما الجفر؟ قال: قلت ما الجفر؟ قال دعاء من ادم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل, قال قلت إن هذا هو العلم قال انه لعلم وليس بذاك, ثم سكت ساعة ثم قال: وان عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال: قلت وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه حرف واحد من قرآنكم)( ).
وقال محمد بن الحسن الصفار: ( حدثنا علي بن محمد عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن يحيى بن اديم عن شريك عن جابر قال: قال أبو جعفر دعا رسول الله  أصحابه بمنى فقال: يا أيها الناس إني تارك فيكم حرمات كتاب الله وعترتي والكعبة البيت الحرام ثم قال أبو جعفر: أما كتاب الله فحرفوا وأما الكعبة فهدموا وأما العترة فقتلوا)( ).
ثم يأتي الطبرسي فينقل ما يسهم في تعميق الهوة بين المسلمين فيقول: (وفي رواية أبي ذر أنه لما توفي رسول الله  جمع عليّ القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أمره بذلك رسول الله  فلما فتحه أبو بكر خرج من أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر وقال يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي عليه السلام وانصرف ثم احضر زيد بن ثابت وكان قارئاً للقران فقال له عمر: إن علياً جاءنا بالقران وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه من فضيحة وهتك المهاجرين والأنصار فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال فإن إنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل مل عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة ؟ قال زيد: أنت أعلم بالحيلة, فقال عمر: ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك- فلما استخلف عمر سألوا علياً عليه السلام أن يرفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم, فقال عمر: يا أبا الحسن إن جئت بالقران الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه, فقال: هيهات ليس إلى ذلك سبيل, إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة (إنا كنا عن هذا غافلين) أو تقولوا ما جئتنا به إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي, فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟ فقال عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه)( ).
ثم جاء النوري الطبرسي ليجمع كل جهود أولئك المبطلين في كتاب مستقل من أجل تحريف المذهب الشيعي فألف كتابه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" واستقصى فيه البحث عن الروايات والنصوص الدالة على وقوع التحريف. فقال ناقلاً عن نعمة الله الجزائري: (إن الأخبار الدالة على ذلك- أي تحريف القرآن- تزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الدماد والمجلسي وغيرهم)( ).
وأخيراً جاء من يسمي نفسه الموجه الأعلى للثورة الإسلامية في إيران الخميني فردد نفس كلمات أولئك المتطرفين فقال: (إن تهمة التحريف التي يوجهها المسلمون إلى اليهود والنصارى إنما تثبت على الصحابة)( ).
وقال في موضع آخر: ( لقد كان سهلاً عليهم- أي الصحابة - أن يخرجوا هذه الآيات من القرآن ويتناولوا الكتاب السماوي بتحريفه ويسدلوا الستار على القرآن ويغيبوه عن أعين العالمين)( ).
ولابد من الإشارة بعد ذكر تلك النصوص الدالة على وقوع التحريف إلى أن كثيراً من علماء الإمامية تصدوا لأولئك المغرضين فبينوا عقيدة الإمامية الحقة في القرآن الكريم, منهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ محمد رضا المظفر الذي ألف كتابه "عقائد الإمامية" بين فيه عقائدهم في القرآن وصحابة رسول الله  وكذلك فعل الشيخ عبدالحسين شرف الدين الموسوي في كتابه "الفصول المهمة في تأليف الأمة" وكتابه " أجوبة مسائل جار الله" فقال فيمن نسب التحريف إلى الشيعة: (نعوذ بالله من هذا القول ونبرأ إلى تعالى من هذا الجهل وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفترٍ علينا فان القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام لا يرتاب في ذلك إلا معتوه)( ).

أمثلة من التحريف المُدّعى
1- ما رواه أحمد بن علي الطبرسي في "الاحتجاج" أن رجلاً من الزنادقة سأل عن علي بن أبي طالب أسئلة فقال في جوابه مفسراً بعض الآيات: إنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليفة وأزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره, ثم قال: وأما ظهورك على تناكر قوله(فان خفتم إلا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ...) فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن, وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن)( ).
2- ذكر الكليني في الكافي:0عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل(ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً) هكذا نزلت)( ).
3- ويذكر علي بن إبراهيم القمي في مقدمة تفسيره: (أنه طرأ على القرآن تغيير وتحريف ويقول:وأما ما كان خلاف ما أنزل الله فهو قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) فقال أبو عبدالله عليه السلام لقارئ الآية: خير أمة تقتلون أمير المؤمنين والحسين بن علي؟ فقيل له: فكيف نزلت يابن بنت رسول الله  ؟ فقال: نزلت كنتم خير أئمة خرجت للناس)( ).
4- أما النوري الطبرسي فقد عقد باباً كاملاً ضمن كتابه الموسوم" فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" جمع فيه كل شاردة وواردة يستشهد بها على وقوع التحريف والتبديل. فقد جمع في هذا الباب- وهو الباب الحادي عشر الفاً واثنين ستين حديثاً كلها تشهد بوقوع التحريف وسنذكر بعضاً منها على سبيل الاستشهاد:-
5- ذكر الطبرسي: (عن علي بن إبراهيم في تفسيره قال: قال العالم لما نزل آل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين فأسقطوا آل محمد من الكتاب)( ).
6- وأخرج الطبرسي ( عن جابر قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام يا جابر لو يعلم الجهال متى سمي أمير المؤمنين علي عليه السلام لم ينكروا حقه, قال: قلت جعلت فداك متى سمي فقال لي: قوله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهد على أنفسهم ألست بربكم وأن محمدا رسولي وأن عليا أمير المؤمنين قال ثم قال لي : يا جابر هكذا والله جاء بها محمد صلى الله عليه وآله)( ).
وفوق هذا يدعي المتطرفون أن هناك سوراً بكاملها تواطأ على حذفها صحابة رسول الله  مثل سورة الولاية أو سورة النورين, وقد أثبتهما الطبرسي في كتابه سالف الذكر وكذلك أثبتهما محسن فاني الكشميري في كتابه (دبستان مذاهب) واليك نص هذه السورة المزعومة من كتاب فصل الخطاب.
(بسم الله الرحمن الرحيم. يآيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين الذين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم الدين. نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم. إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات الله لهم جنات النعيم.والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم. ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم. إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه يفعل الله ما يشاء لا اله إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذناهم بمكرهم إن اخذي اليم شديد.إن الله أهلك عادا وثمود بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة أفلا تتقون وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون وأغرقناه ومن تبعه أجمعين ليكون لكم آية وأن أكثركم فاسقون. إن الله يجمعهم يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسئلون. إن الجحيم مأواهم وان الله عليم حكيم. يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون. قد خسر الذين كانوا من آياتي وحكمي معرضون. مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم. ان الله لذو مغفرة وأجر عظيم. ان عليا لمن المتقين وإنا لنوفيه حقه يوم الدين. وما نحن عن ظلمه بغافلين. وكرمناه على أهلك أجمعين. فانه وذريته لصابرون. وان عدوهم إمام المجرمين. قل للذين كفروا بعدما آمنوا طلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الامثال لعلكم تهتدون. يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يوفاه مؤمناً ومن بتولية من بعدك يظهرون. فأعرض عنهم انهم معرضون. انا لهم لمحضرون في يوم لا يغني عنهم شيء ولا هم يرحمون.ان لهم في جهنم مقاماً عنه لا يعدلون. فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا على هارون فصبر جميل. فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم إلى يوم يبعثون. فصبر فسف يبصرون. ولقد آتيناك الحكم كالذين من المرسلين وجعلنا لك منهم وصيا لعلهم يرجعون. ومن يتولى عن أمري فاني مرجعه فليتمتعوا بكفرهم قليلاً فلا تسأل عن الناكثين. يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين. ان عليا قانتاً بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون. سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون.انا بشرناك بذريته الصالحين وانهم لأمرنا لا يخلفون. فعليهم مني صلوات ورحمة احياءً وأمواتاً يوم يبعثون وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي انهم قوم سوء خاسرون وعلى الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الغرفات آمنون. والحمد لله رب العالمين)( ).
ونقل السيد محب الدين الخطيب عن الاستاذ محمد علي سعودي -الذي كان كبير خبراء وزارة العدل بمصر- انه اطلع على مصحف ايراني مخطوط عند المستشرق براين فنقل عنه بالفوتوغراف سورة كاملة لا وجود لها في بقية المصاحف فيما يلي نصها:
(سورة الولايت سبع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبي وبالولي الذين بعثناهما يهديناكم إلى صراط مستقيم نبي وولي بعضهما من بعض وانا العليم الخبير* ان الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم* والذين اذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين*ان لهم في جهمنم مقاما عظيما اذا نودي لهم يوم القيامة اين الظالمون المكذبون للمرسلين* ما خلفهم المرسلين الا بالحق وما كان الله ليظهرهم إلى أجل قريب وسبح بحمد ربك وعلي من الشاهدين)( ).
وبعد فهذه الأمثلة التي ذكرها أعداء المسلمين أعداء الإمامية والسنة الذين يريدون لأن يأتوا على ديننا من القواعد. ذكرناها من أجل أن نكون على بينة من أمرنا ومن أجل أن نبعدهم عن حظيرة الإسلام ويفوت عليهم فرصة التنكر باسم الإسلام والحرص عليه تحت شعار التشيع ومحبة أهل البيت رضي الله عنهم الذين خدموا الإسلام على مر حياتهم.

3- اتهامهم بالكذب على رسول الله  .
لم يكتف أعداء المسلمين بتلك التهم التي وجهوها إلى صحابة رسول الله  ورضي الله عنهم من ارتداد عن دين الله وتحريف لكتابه, بل أرادوا أن يأتوا على سنة الحبيب المصطفى  ويشككوا المسلمين فيها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً إلا عن طريق اتهام الصحابة  بالكذب على رسول الله  لكي يبقى الناس يخبطون في ظلمات الجهالة بلا دين راسخ ثابت العقيدة واضح التعاليم.
والنتيجة الطبيعية لهذا الاتهام هي رد جميع ما جاء به الصحابة عن رسول الله  فأصبح من شروط الذين شككوا في عدالة الصحابة أن الحديث الصحيح هو (ما رواه الإمامي الثبت عن الإمامي وصولاً إلى المعصوم, شريطة أن لا دخل في سلسلة السند واحد من العامة سواء كان صحابيا أو لا إلا إذا عدل من قبلهم)( ).
قال عبدالحسين شرف الدين الموسوي: (والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة لكنها غير عاصمة والصحابة فيهم العدول وفيهم الأولياء والأصفياء والصديقون وهم علماؤهم وعظماؤهم وفيهم مجهول الحال, وفيهم المنافقون من أهل الجرائم والعظائم... فالوضــاعون لا نعفيهم من الجرح وان أطلق عليهم لفظ الصحابة)( ).
ويقول في موضع آخر: (فالسنة أرفع من أن تحتضن أعشاباً شائكة وخز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية وأدمى بها تفكير المقاييس العلمية قبل أن يشوه بها السنة المنزهة ويسيء إلى النبي وأمته صلى الله عليه وآله.)( ).
ثم يقول متحدثاً عن الصحابة  على عهد معاوية رضي الله عنهSadوكثر الكذابة يومئذ على رسول الله كما أنذر به صلى الله عليه وسلم وتطوروا فيما اختلقوه من الحديث حسبما أوحى إليهم, وكان أبو هريرة في الرعيل الأول من هؤلاء فحدّث الناس في الفضائل أحاديث منكرة)( ).
ويكرر كاتب آخر من كتّاب القوم نفس التهمة للصحابة الكرام فيقول: (قامت الأهواء بدورها , فغيرت مجرى التاريخ وأرادت أن تقلب الوضع القائم فسخرت الضمائر في ركابها, فوضعت الأحاديث لتساير رغبتها, حتى صار وضع الأحاديث واختلاقها سلعة رائجة السوق! ... وقد شجع التاجر معاوية هذه السوق وهي تعمل في صالحه فهي حجر الأساس في ملكه, فأنفق في ذلك حسبما شاء وقد رأى مقالته ناجحة, بعد ما ذلل منها كل صعب, فأسلمت له المقود, ولم تكن تلك الجموح. فالعقيدة على رجراج, والدين لعق على الألسنة, لم تتمثله هذه الروح الجاهلية تمثلاً عميقاً, والأهواء متحفزة في الصدور والأغراض تتوثب للانطلاق والذهب البراق- الذي يرين على القلب فيما هو يخطف الأبصار- يعمل عمله السيئ المشين)( ).
ويقول أيضاً: (دعا معاوية إليه سمرة بن جندب – وسمرة أحد تجار الحديث- فبذل معاوية إليه مائة ألف درهم, كي يروي أن هذه الآية نزلت في علي: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما قلبه وهو ألد الخصام, وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"( ).
وأن هذه الآية نزلت في ابن ملجم وهي:
( ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات الله) ولعل سمرة رأى في هذا الثمن ما لا يفي بتفسير منحرف لآية واحدة فكيف بآيتين؟! وراح معاوية يساومه, فزاده مائة الف أخرى... وليست المئتا ألف سوى ثمن تحريف لتفسير آية واحدة ... فراحا يتساومان, حتى تمت الصفقة باربعمائة ألف درهم فروى سمرة ذلك)( ).

4- اتهامهم بمخالفة تعاليم النبي  :
والتهمة الرابعة التي يكيلها بعض المتطرفين لصحابة رسول الله  ورضي الله عنهم الذابين عن الدين الحنيف هي مخالفتهم لرسول الله  وخذلانه والابتداع في دين الله بعد موته  وإعانة الظالمين على تعطيل حدود الله.
ومن هذه المخالفات التي يفترونها, بيعة أبي بكر الصديق  حيث يقول النباطي البياضي:
( ومنها أنه – أي عمر  - أوجب على جميع الخلق إمامة أبي بكر, ودعا إليها, لا عن وحي من الله ولا خبر عن رسول الله  , أتراه كان اعلم منهما بمصالح العباد, أو استناباه في نصب أبي بكر إماماً على البلاد, أم الأمة حكمته بنفسها, حتى قضى بذلك عليها فلزمها فساد أمرها)( ).
( ومنها أنه – أي عمر  - عطّل حدود الله لما شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا فلقن الرابع وهو زياد بن سمية فتركها فحد الثلاثة)( ).
ومن جملة ما يستدلون به على تخاذل الصحابة عن أوامره ما ذكر محمد آصف المحسني عن أبي بكر أحمد بن عبدالله الجوهري في كتابه السقيفة فقال: (إن رسول الله  في مرض موته أمر أسامة ... فجعل يقول أنفذوا جيش أسامة, لعن الله من تخلف عنه وكرر ذلك ... وأما الأشخاص المتخلفون فكثيرون بينهم أكابر الأصحاب ولست أريد أن اذكرهم فإنهم معروفون! فيا أخي أين الملعون من العادل وأين المرتد من المسلم؟!)( ).
بل إن بعض متطرفي الشيعة يرى أن إصرار النبي  إنما هو احتيال لإخراج الصحابة  ليخلو له الجو وتتم البيعة لعلي  بهدوء, فاستمع إلى ما يقوله باقر شريف القريشي بهذا الصدد:
( والمتأمل في هذا الحادث الخطير يستنتج ما يلي:
1- إن اهتمام النبي  وآله بشأن إخراج القوم من يثرب ولعنه لمن تخلف من الالتحاق بجيش أسامة يدل بوضوح لا خفاء فيه على غايته المنشودة وهي إخلاء عاصمته من الحزب المعارض وتتم له الخلافة بهدوء وسلام.
2- إن تخلف القوم عن الجيش وطعنهم في تأمير أسامة ما كان المقصود منه إلا الظفر بالسلطة والحكم وإحكام قواعد سياستهم فأنهم إذا انصرفوا إلى الغزو ونزحوا عن عاصمة الرسول فان الخلافة لا محالة لا محالة تفوت من أيديهم, ولا مجال لهم حينئذ إلى التمرد والخلاف.
3- إن السبب في عدم تولية الرسول قيادة الجيش لذوي السن والموجهين من الصحابة إنما هو للاحتياط على مستقبل الأمة وصيانتها من الاضطراب والفتن من بعده , فأنه لو أسند القيادة إليهم لاتخذوها وسيلة إلى أحقيتهم بالخلافة ومطالبتهم بالحكم فسدّ رسول الله  عليهم هذه النافذة لئلا يتصدع شمل الأمة ويضطرب أمنها)( ).
4- ويعلق محمد باقر البهبودي على قضية البيعة لأبي بكر فيقول : (وفي روايات أصحابنا عند تفسير قوله تعالى: أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون( ) أن ستة من المهاجرين والأنصار وهم أبو بكر وعمر ومعاذ بن جبل وسالم مولى حذيفة وأبو عبيدة بن الجراح عهدوا فيما بينهم وأبرموا عهدهم على أن يخرجوا سلطان محمد  عن أهل بيته)( ).
وأود أن أختم هذا المبحث بذكر نصين للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران وهو يتهم الصحابة في أحدهما بعدم الانصياع لرسول الله  ويتهمهم في النص الآخر بأنهم أبعدوا القرآن عن الساحة وعملوا على إقامة حكومات معادية للإسلام.
فقد قال في خطابه الذي ألقاه صباح يوم السبت 28/3/1987 في حسينية جامران عند استقباله لوزير الصحة ومجموعة من الأطباء ورؤساء الجامعات: (إن النبي  لم يستطع أن يحقق ذلك(أي العدل) بالشكل الذي كان يريد وان كان بعض وعاظ السلاطين يقولون بأن فلاناً قال- يعني نفسه- أن النبي لم يستطع, نعم أنا أقول أن النبي لم يستطع وإن كان قد استطاع ذلك لما كان يوجد الآن وعاظ السلاطين, جميعنا يعرف أن الأوضاع كانت في عهد النبي بشكل كان فيه النبي أحياناً يمتنع عن قول الأحكام التي كان يريد قولها)( ).
أما النص الآخر فهو ما ذكره في وصيته , إذ قال:
( المسائل المؤسفة التي يجدر البكاء لها قد بدأت بعد استشهاد حضرة علي (ع) والأنانيون والطواغيت جعلوا من القرآن وسيلة لإقامة حكومات معادية للقران, ومع أن نداء (إني تارك فيكم الثقلين) كان يدوي في أسماعهم فقد عمدوا بحجج مختلفة ومؤامرات مدبرة إلى إقصاء المفسرين الحقيقيين للقرآن والمطلعين على الحقائق والآخذين جميع القرآن من النبي الأكرم  وأبعدوا القرآن من الساحة... وصادروا حكومة العدل الآلهي... ووضعوا أساس الانحراف عن دين الله وعن الكتاب والسنة الآلهية).
وأخيراً أود أن أقول بأني إذ أنقل هذه النصوص التي أعلم أنها لا تمثل حقيقة اعتقاد الإمامية , أهيب بعلمائهم المنصفين أن يعمدوا إلى هذه الشناعات فيخلصوا تراثهم منها لأنها دخيلة عليهم ليعود إلى التشيع صفاؤه ورونقه خاليا من الشوائب كالجدول الرقراق.

ثانياً: نظرتهم إلى علي وبنيه .
لا شك أن لأهل بيت رسول الله  مكانة رفيعة في قلوب المسلمين وتتأتى هذه المكانة وهذا التقدير من حب المسلمين لرسول الله  وحب كل ما يمت إليه بصلة, هذا النوع من الحب لاشي فيه ولا غبار عليه بل هو من كمال الإيمان, غير أن بعض الشيع الإمامية لم يقفوا عند حدود العقل في حبهم بل أطلقوا لأنفسهم العنان فصوروا أهل بيت رسول الله  تصويراً يرتفع بهم عن مستوى البشر. حيث زعموا أن الأئمة منهم معصومون من الخطأ وأنهم يعلمون كل ما يريدون علمه من غير أن يتعبوا أنفسهم في تحصيل العلوم. فعلمهم حضوري متى ما أرادوه فهو حاصل لديهم إلى غير ذلك من المبالغات التي لم يكن لها وجود في الجيل الأول والثاني من المسلمين. وسنذكر فيما يلي بعض الروايات التي تعطي تصوراً واضحاً عن نظرة بعض الإمامية إلى علي وبنيه .

1- ليس ثمة فرق بين علي والنبي .
نسب بعض الإمامية أن علياً رضي  بمنزلة النبي  عند الله تبارك وتعالى, وإن لم يجهروا بذلك صراحة إلا أن المتفحص لرواياتهم يجد ذلك واضحاً فيها.
- روى الكليني عن أبي عبدالله  قال: ما جاء به علي  أخذ به وما نهى عنه انتهى عنه, جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد  ولمحمد  الفضل على جميع من خلق الله , المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله والراد عليه (أي على علي) في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله, كان أمير المؤمنين  باب الله الذي لا يؤتى إلا منه, وسبيله الذي من سلك بغيره هلك, كذلك يجري لأئمة الهدى واحداً بعد واحد, جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها وصحبة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى, وكان أمير المؤمنين كثيراً ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد  ولقد حملت مثل حمولته وهي حمولة الرب وان رسول الله  يدعى فيُكسى وأُدعى فأُكسى ويستنطق واستنطق على حد منطقه ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد من قبلي علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب, فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني, أبشر بأذن الله وأؤدي عنه كل ذلك من الله مكنني فيه بعلمه)( ).
بل إن بعض علماء الإمامية وصل بهم الحال إلى أن بدئوا يقارنون بين القرآن الذي هو كلام الله تعالى وبين كلام أمير المؤمنين علي  لكي لا يبقى هناك فرق بين النبي  وبين علي :
- يقول الشيخ عبدالمنعم الكاظمي( وهو من المعاصرين):
(وإن أمير المؤمنين أفضل الصلاة والسلام عليه الذي قد أعطاه الله تعالى الولاية الكبرى وكان نفس النبي  علماً وأخلاقاً وإيماناً حصل له ما حصل لابن عمه وشقيق نفسه محمد (ص) ... وقد قال السيد الشريف( ) في قصيدته الكرارية في حصول معجزة إيجاد الماء لأمير المؤمنين(ع) كما حصل للرسول الأعظم  :
لم يعط خير المرسلين كرامة الا وجدت نظيرها في حيدر
وفصاحة القرآن معجزة وفي نهج البلاغة حكمة لم تحصر
وكلاهما بظهور معجزة سقى جيش العدى عذباً لذيذاً سكرا
هذا-بي الرسول- بفيض الماء من كف غدت بسوى النضار بنائلها لم ينهمر
وعن القليب دعا علي صخرة فسقاه عذب زلالها المتفجر( )

2- طاعة علي أولى من طاعة الله:
ويرى المتطرفون منهم أن طاعة علي بل مجرد محبته مما يوجب الجنة فقد قال سماحة حجة الإسلام والمســـلمين السيد عبدالرضا المرعشي الشهرستاني في الإجابة عن حال من لا يصوم ولا يصلي إذا كان محباً لعلي بن أبي طالب  فقال:
( قلنا إن الفاسق إذا مات وهو على عقيدت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الاسمر
ديري نشيط
ديري نشيط
الاسمر


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 217
نقاط : 576
التقيم : 23
تاريخ الميلاد : 14/06/1990
تاريخ التسجيل : 10/05/2012
العمر : 33

 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابة ومكانتهم عند المسلمين    الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 07, 2012 9:49 am

علي زكى وطاب ومن أنكر حقه لعن وخاب, أقسمت بعزتي أن أدخل الجنة من أطاعه وإن عصاني وأن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني)( ).
وهكذا لم يعد للعمل الصالح مكان في ميزان أولئك المتطرفين فقد نسبوا إلى جعفر الصادق قوله:
(إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا.. وإن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي من شيعتنا.. وإن الله يدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا)( ).
وأنه قال مخاطباً شيعته: (أما والله لا يدخل النار منكم اثنان, لا والله ولا واحد)( ), وقال: (إن الرجل منكم لتملأ صحيفته من غير عمل)( ) ونسبوا إلى أبي الحسن الرضا – الإمام الثامن عند الإمامية- قوله: (رفع القلم عن شيعتنا.. ما من أحد من شيعتنا ارتكب ذنبا أ خطأً إلا ناله في ذلك عما يمحص ذنوبه ول أنه أتى بذنوب بعدد القطر والمطر وبعدد الحصى والرمل وبعدد الشوك والشجر)( ).
وعلى من أراد أن يثبت محبته لأهل البيت وأن يدخل في شيعتهم فما عليه إلا أن يزور قبورهم بعد موتهم لكي ينال الأجر العظيم والثواب الجزيل. فقالوا:- (زيارة الحسين عليه السلام تعدل مائة حجة مبرورة ومائة عمرة متقبلة)( ).

3- الأئمة فوق الرسل
لقد أشاع المتطرفون من الإمامية أن الأئمة لهم مكانة سامية لا يصل إليها ملك مقرب ولا نبي مرسل. يقول الخميني في كتابه الشهير (الحكومة الإسلامية): ( إن للإمام مكاناً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون, وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً محموداً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل. وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأعظم والأئمة كانوا قبل هذا العالم أنواراً فجعلهم الله بعرشه محدقين وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله وقد ورد عنهم أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل)( ). وقد كرر الخميني ذلك في أكثر من مناسبة فقال في خطاب له في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 1400 هـ: ( لقد جاء الأنبياء جميعاً من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم, لكنهم لم ينجحوا, حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية وتنفيذ العدالة وتربية البشر لم ينجح في ذلك, وأن الشخص الذي سينجح في ذلك ويرسي قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم في جميع مراتب إنسانية الإنسان وتقويم الانحرافات هو المهدي المنتظر.. فالإمام المهدي الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخراً من أجل البشرية سيعمل على نشر العدالة في جميع أنحاء العالم وسينجح فيما أخفق في تحقيقه الأنبياء... إن السبب الذي أطال سبحانه وتعالى من أجله عمر المهدي  وهو انه لم يكن بين البشر من يستطيع القيام بمثل هذا العمل الكبير حتى الأنبياء وأجداد الإمام المهدي عليه السلام لم ينجحوا في تحقيق ما جاءوا من أجله.. إنني لا أتمكن من تسميته بالزعيم, لأنه أكبر وأرفع من ذلك, ولا أتمكن من تسميته بالرجل الأول, لأنه لا يوجد أحد بعده, وليس له ثان, لذلك لا استطيع وصفه بأي كلام سوى المهدي المنتظر الموعود وهو الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخراً للبشرية)( ).
وحينما أثارت تصريحات الخميني هذه موجة من الغضب والاستنكار بين صفوف المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها نراه قد أصر على أقواله وأخذ يرددها. فقد ألقى خطاباً صباح يوم السبت 28/3/1987 في حسنية جماران عند استقباله لوزير الصحة ومجموعة من الأطباء ورؤساء الجامعات فيقول: ان النبي لم يستطع أن يحقق ذلك بالشكل الذي كان يريد وان كان بعض وعاظ السلاطين يقولون بان فلاناً قال – يعني خميني نفسه- إن النبي لم يستطع, نعم أنا أقول إن النبي لم يستطع وان كان قد استطاع ذلك لما كان يوجد الآن وعاظ السلاطين. جميعنا يعرف الأوضاع كانت في عهد النبي أحياناً يمتنع عن قول الأحكام التي كان يريد قولها)( ).

4- الأئمة يوحى إليهم ويعلمون ما يشاءون
نسب بعض الإمامية أن الأئمة من علي وبنيه هم شجرة النبوة وان الوحي لم ينقطع بعد وفاة رسول الله  بل استمر جبريل بالنزول على فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة الرسول  تسلية لها عن مصابها. وفي هذا يروي الكليني عن أبي عبدالله جعفر الصادق قوله: ( تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام قال: قلت وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله لما قبض نبيه  دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل فأرسل الله إليها ملكاً يسلي غمها ويحدثها, فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكتب كلما سمع حتى أثبت ذلك مصحفاً قال: ثم قال: أما انه ليس شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون)( ).
وجاء خميني ليؤكد عقيدة عدم ختم النبوة فقد صرح في خطاب له ظهر يوم الأحد المصادف 2/3/1986 بأن جبريل ظل ينزل على سيدتنا فاطمة الزهراء مدة خمسة وسبعين يوماً فيوحي إليها وأن عليا ِ كان كاتباً لوحيها كما كان كاتباً لوحي رسول الله  بل بلغ به الأمر بأنه أجاز احتمال أن جبريل أوحى إلى سيدتنا فاطمة بقضايا إيران الحالية( ). بل إن مؤدى كلام هؤلاء المتعصبين يدل على أن الأئمة أعظم علما من جميع الأنبياء السابقين لأن كل علوم الأنبياء قد وصلت إليهم بطريق التوارث, وكلما طالت السلسلة التي ينتقل بها العلم إليهم كانت المحصلة النهائية أكبر, من أجل هذا صرح خميني وغيره بأن المهدي المنتظر هو الشخص الوحيد القادر على إنشاء حكومة العدل الإلهية. لأنه الشخص الأخير الذي وصلت إليه جميع علوم الأنبياء والأوصياء بزعمهم.
يقول الشيخ المظفر: (فهذه الطائفة – أي الأئمة- أخبرتنا بأن علم العالم كله وصل إليهم واجتمع عندهم, فكل ما كان للأنبياء والرسل وأوصيائهم من علم فهو قد انتهى إليهم وورثوه عنهم. وهل بعد هذا العلم الذي كان عليه كافة الرسل وصار لديهم يبقى مجال لأن يقال علمهم ليس بحاضر, بل حضوره تابع للاشاءة, فإذا لم يكن حاضراً لديهم فأي شيء ورثوه إذاً)( ).
بل إن بعضهم يحب أن يجعلها قسمة عادلة بين الله تعالى وبين نبيه محمد  وبين علي بين أبي طالب زاعمين أن العقل يوجب ذلك.
يقول محمد جواد مغنية: (روى عن رسول الله  أنه قال لعلي بن أبي طالب ياعلي ما عرف الله الا أنا وأنت وما عرفني الا الله وأنت وما عرفك الا الله وأنا).
وسواء أصحت هذا الرواية ( والرواية لمحمد جواد مغنية) ام تصح فان كل ما يعرفه الناس عن علي أنه عالم وزاهد وشجاع, وهذا أقصى ما تدركه عقولهم .. أما حقيقة علي فلا يعرفها الا من كان فوقه أو نظيره.. وقديما قيل لا يعرف الفضل الا ذووه.. ومن تتبع سيرته, ومحصها بروية وتأملها بعمق لابد أن ينتهي إلى هذه النتيجة: اذا كان علي انساناً حقاً فغيره من أبناء هذا البشر في شيء, وإنما أصطلح الناس على تسميته بهذا الاسم, وإذا كان غير علي إنساناً فعلي فوق الإنسان . علي إنسان! وهذا المخلوق الناطق إنسان؟! علي إمام وهذا الذي ينافس له ولأولاده إمام؟!...علي خليفة رسول الله  وذلك الغاصب المساوم خليفة رسول الله  ؟!.. أبداً.. أما إن وحدانيا في ذاته وحقيقته ليس كمثل أحد من الأئمة والخلفاء ولا من غيرهم, وأما أن هذه المقاييس التي نقيس بها الفضيلة والرذيلة ضلال وأوهام)( ).
ونود أن نتساءل هنا , إذا كانت حقيقة علي رضي الله عنه لا يعرفها إلا من كان فوقه أو نظيره وأن أقصى ما تدركه العقول فيه أنه عالم وزاهد وشجاع؟ فكيف عرف محمد جواد مغنية حقيقة علي رضي الله عنه وأنه وحداني في ذاته, وأنه فوق الإنسان؟!! .. هل هو فوق مستوى علي أو نظيره حتى عرف عنه هذا؟!!
لا يسعني في هذا المجال إلا أن أقول سبحان الله, الله يأمر نبيه ويقول له : قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ( ) وهؤلاء المتعصبون الذين يدعون التشيع وما هم من التشيع في شيء يجعلون عليا وحدانيا في ذاته وصفاته, وأنه ليس بشراً إلا من باب التجوز.
وختاماً أكرر القول بأن الواجب التاريخي يحتم علينا وعلى إخواننا الشيعة الإمامية قبلنا أن نتعاهد تراثنا بالدراسة والتمحيص من أجل تخليصه من كل المبالغات التي تضر به أيما ضرر وتسهم بشكل فاعل في تزييف تأريخنا الوضاء , إننا إذا لم نفعل ذلك نكون قد تركنا أصحاب الأهواء والمبطلين من ذوي النفوس الخبيثة يسيئون إلى رجال الأمة وسلفها الصالح والى مذاهبنا مهما اختلفت. لأنه ليس من مصلحة أي مذهب كان أن يشاع فيه القول بتحريف القرآن وارتداد الصحابة  أو تزييف السنة, بل المستفيد الوحيد من ذلك هم الزنادقة الذين نذروا أنفسهم وأموالهم للنيل من هذا الدين الحنيف.
نحن نريد من دراستنا أن نكون عقلانيين في حكمنا وأن لا ندع العواطف هي المعول الوحيد في حكمنا على الأمور ولا نقصد بكلامنا هذا أن نلغي عواطفنا , أبداً ...إنما نريد أن نؤطر العاطفة بإطار العقل. فنحن نحب أهل البيت ومن لم يحبهم ففي قلبه نفاق محض , لكن الحب المتعقل يمنع صاحبه من قبول دسائس المجرمين باسم الحب لأهل بيت رسول الله  وقديماً وعى أجدادنا هذه الحقيقة جيداً فقال أحدهم:-
إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي





الفصل الثاني
مكانة الصحابة عنـــد
الإســماعيليــة











تعريف الإسماعيلية ونشأتها
يشمل اسم الإسماعيلية كل الذين (يزعمون أن الإمامة صارت من جعفر الصادق إلى ابنه إسماعيل)( ).
غير إن جميع أصحاب التواريخ لم يوافقوهم على هذه الدعوى لما صح عندهم من موت إسماعيل في حياة أبيه جعفر.
ومن الإسماعيلية من يقول( بإمامة محمد بن إسماعيل وهذا مذهب الإسماعيلية من الباطنية)( ) وهم يدعون أن نسبهم يصل إلى محمد بن إسماعيل, غير أن محمداً هذا لم يعقب كما نص على ذلك النسابون الثقات( ) وقد سميت الإسماعيلية بأسماء كثيرة باختلاف البلدان التي انتشرت فيها, وأشهر هذه الأسماء الباطنية, لزعمهم أن لكل ظاهر باطناً ولكل تنزيل تأويلاً, ففي العراق يسمون القرامطة, جمع قرمطي نسبة إلى حمدان قرمط( ) وبالمزدكية أيضاً نسبة إلى مزدك المعروف بدعوته إلى الاشتراك في الأبضاع والأموال.
واشتهروا في خراسان باسم "التعليمية" و"الملاحدة" و "الميمونية" نسبة إلى ميمون أخي قرمط سابق الذكر دون ميمون بن ديصان, ويدعون في مصر بالعبيدية نسبة إلى عبيد المعروف( ), وفي الشام بالنصيرية والدروز, وفي اليمن باليامية نسبة إلى القبيلة المشهورة هناك, وفي بلاد الأكراد بالعلوية حيث يقولون علي هو الله – تعالى الله عما يقولون- وفي بلاد الأتراك بالبكداشية والقزلباشية على اختلاف منازعهم, وفي بلاد العجم بالبابية ولهم فروع إلى يومنا هذا تلبس لكل قرن لبوسه, وتظهر لكل قوم بمظهر تقضي به البيئة, وقدماؤهم كانوا يسمون أنفسهم بالإسماعيلية باعتبار تميزهم عن فرق الشيعة ( ). والإسماعيلية أو الباطنية يصعب إرجاعها إلى شخص بعينه لأنها أشبه ما تكون بتراكمات كبيرة خلفتها الحضارة الإسلامية في نفوس أولئك الذي يحنون إلى أمجادهم الأولى, يوم كانت بلاد فارس تبسط أجنحتها في مشارق الأرض ومغاربها, وبمرور الزمن وجدت هذه الشراذم الفرص التي أظهرت فيها مكنون أنفسها المريضة, وكان من هؤلاء: ميمون بن ديصان المعروف بالقداح( ) وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق وهو من الأهواز, ومحمد بن الحسين الملقب بدندان( ) وغيرهما من اجتمعوا في سجن والي العراق ثم ظهرت دعوتهم بعد خروجهم من السجن ثم ظهر عبدالله بن ميمون القداح في الكوفة وهو ابن ميمون بن ديصان وكان ظهوره سنة ست وسبعين ومائتين( ), (فنصب للمسلمين الحبائل وبغى لهم الغوائل ولبس الحق بالباطل... وجعل لكل آية من كتاب الله تفسيراً وكل حديث عن رسول الله  تأويلاً , وزخرف الأقوال وضرب الأمثال وجعل لآي القرآن شكلاً يوازيه, ومثلاً يضاهيه... فجعل أصل دعوته التي دعاها, وأساس بنيته التي بناها الدعاء إلى الله والى رسوله, يحتج بكتاب الله ومعرفة مثله وممثوله والاختصاص لعلي بن أبي طالب  بالتقديم والإمامة والطعن على جميع الصحابة  بالسب والأذى).
فلاقت هذه الدعوة رواجاً عند غلاة الروافض والحلولية, وكانت الباطنية تتستر بستار العلم بدعوى معرفة الفلسفة وعلم النجوم لكي يسهل عليها أن تبث سمومها, ولكي تحجر على العقول من أن تنظر فيما يلقى إليها, أو يقدم لها من المعارف المضللة.



أصولها ومبادئها
الإسماعيلية في حقيقتها حركة هدامة تقوم على التحلل الكامل من جميع القيود الشرعية كما سنبين ذلك بعد قليل غير أنهم لا يعلنون عن حقيقة مبادئهم إلا لمن اطمأنوا له وأنسوا به, يقول الإمام الغزالي: (والمنقول عنهم الإباحة المطلقة ورفع الحجاب واستباحة المحظورات باستحلالها وإنكار الشرائع إلا أنهم ينكرون ذلك إذا نسب إليهم)( ) فهم عند الحقيقة ليسوا من الفرق الإسلامية, وإن اتخذوا حب أهل البيت وسيلة لكي يصلوا إلى أهدافهم الدنيئة.
بل إن الإمام عبدالقاهر البغدادي يرى إن الذين أسسوا هذه الفرقة الضالة كلهم تجمعهم أصول مجوسية يحنون إليها ويسعون إلى نشرها بين المسلمين, فيقول: (ذكر أصحاب التواريخ أن الذين وضعوا أساس دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم ولم يجسروا على إظهاره خوفاً من سيوف المسلمين, فوضع الأغمار منهم أسساً من قبلها منهم صار في الباطن إلى تفضيل أديان المجوس... وذكر زعماء البانية في كتبهم أن الإله خلق النفس فالإله هو الأول والنفس هو الثاني وهما مدبرا هذا العالم وسموهما الأول والثاني وربما سموهما العقل والنفس, ثم قالوا: إنهما يدبران العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأول, وقولهم أن الأول والثاني يدبران العالم هو بعينه قول بإضافة الحوادث لصانعين أحدهما قديم والآخر محدث, إلا أن الباطنية عبرت عن الصانعين بالأول والثاني وعبر المجوس عنهما بيزدان وأهرمن)( ).
بينما يرى فريق آخر من العلماء أن أصول الإسماعيلية الباطنية ترجع إلى اليهودية, ويستدلون على ذلك بروايتين:-
الأولى: تلك التي رواها محمد بن مالك( ) في رسالته : كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة) ومؤداها أن عبدالله بن ميمون كان يهودياً وكان من أحبار اليهود وأهل الفلسفة الذين عرفوا جميع الأديان, وكان صانعاً يخدم شيعة إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر... وكان حريصاً على هدم الشريعة المحمدية لما ركب الله في اليهود من عداوة للإسلام وأهله... فلم يرَ وجهاً يدخل به على الناس حتى يردهم عن الإسلام ألطف من دعوته إلى أهل بيت رسول الله  .
والرواية الثانية: هي التي رواها ابن كثير( ) في (المختصر في أخبار البشر) كما ذكر ذلك الباحث مكي خليل الزبيدي( ) وفيما يلي نصها:
( إن احد أولاد القداح وهو الحسين أقدم إلى سليمة فجرى بحضرته حديث النساء فوصفوا له امرأة رجل يهودي حداد بسلمية مات عنها زوجها فتزوجها الحسين بن محمد المذكور.. وكان للمرأة ولد من اليهودي الحداد وهو المهدي عبيدالله وعرفه أسرار الدعوة وأعطاه الأموال والعلامات فدعا له الدعاة).
ثم دعم أصحاب هذا الرأي مذهبهم بحجج وبراهين من الواقع منها المكانة المتميزة التي حظي بها اليهود أيام الدولة الفاطمية (فقد التف حول المعز لدين الله الفاطمي جماعة منهم يؤيدون ادعاءاته ويناصرونه في أعماله مثل أبي الفرج يعقوب بن كلس وزير المعز والعزيز والأخوين ابني التستري اليهودي, وصدقة الفلاحي وآخرين)( ).
ثم إن كثيراً من أسس الدين اليهودي وأصوله ظهرت جلية عند هؤلاء الاسماعيليين. كالمهر المقدس وليلة إطفاء الشمع, حيث الإباحة واستحلال المحرمات, وعقيدة الموت الظاهري, والرجعة, وانتظار المخلص, فكل هذه المعتقدات كانت وما تزال لصيقة بالدين اليهودي.
أما مبادئها وعقيدتها فهي كغيرها من الفرق الباطنية التي وافقتها في الكثير من أصولها, وسنعرض فيما يلي لأهم مبادئ الإسماعيلية ومعتقداتها.
1- التشبيه
التشبيه نوعان: تشبيه تقصير وتشبيه غلو. تشبيه التقصير هو تشبيه ذات الباري بذات غيره من المخلوقين, أو تشبيه صفاته سبحانه وتعالى بصفات المخلوقين.وتشبيه الغلو هو تشبيه ذات أحد من المخلوقين بذات الله سبحانه, أو تشبيه صفات أحد المخلوقين بصفات الباري سبحانه( ) وفي كلا التشبيهين هدم للإلوهية الحقة وتقويض لمبادئ الإسلام وخروج صريح على تعاليمه.
والإسماعيلية وان لم تقل بتشبيه التقصير صراحة غلا أنها خاضت في تشبيه الغلو أيما خوض حيث شبهت أئمتها بالله سبحانه وتعالى, فقد كان أبو الفضل الباطني عامل اليمن أيام الدولة الفاطمية كان يصف نفسه بصفات الله تعالى في كتبه التي كان ينفذها. فقد جاء في أحد كتبه التي أنفذها إلى عامله أسعد بن جعفر ما نصه: (من باسط الأرض وداحيها ومزلزل الجبال ومرسيها علي بن الفضل إلى عبده أسعد...)( ).



2- الحلول:
وهو أن يحل الله سبحانه وتعالى بذاته أو بروحه في البشر ومذهب الغلاة يحكي قول النصارى في عيسى بن مريم .
وقد ظهرت بدايات القول به على يد عبدالله بن سبأ اليهودي الذي زعم أن علياً نبي, ثم غلا فيه حتى زعم أنه اله بحلول روح الله فيه( ) وقد ذهبت إلى القول بالحلول أغلب الفرق الغالية إن لم نقل كلها حيث ادعت كل فرقة أن الإله سبحانه وتعالى قد حل في إمامهم.
وقد قالت الإسماعيلية بوقف الحلول على الأئمة, فقد كانوا ينظرون إلى خليفتهم نظرهم إلى الله, بل إنهم ربما بالغوا في ذلك فأنكروا أن يكون هناك اله سوى إمامهم, ولا أدل على ذلك من كتابات القوم أنفسهم.
فقد نقل لنا الدكتور حسن إبراهيم حسن عن مخطوط اسمه(رسائل الحاكم بأمر الله والقائمين بدعوته يحتوي على عشرين رسالة في أصول الإسماعيلية وهو موجود بدار الكتب الملكية بالقاهرة تحت رقم (عشرين) مخطوطات شيعية نقل عنه ما يدل دلالة قاطعة على اعتقادهم بإلوهية الحاكم بأمر الله واليك جانبا منه:
( ففي الرسالة الثانية (رسالة النساء) يؤكد الداعي خطر تعدد الآلهة ويدافع عن ضرورة الاعتقاد بوحدانية الحاكم الخالق الرزاق وعلام الغيوب)( ).
أما الرسالة الثانية عشرة وعنوانها المناجاة فهي تشتمل على الدعاء الذي يقوله المؤمنون في مجلس الحكمة( ) أما الداعي فإنه يبث الدعوة بين الناس مؤيداً ألوهية الحاكم وسرمديته, وغيرها من الصفات التي هي (فكان الحاكم في نظر الداعي هو رب العرش (فأنت صاحب العاجلة, أي الدنيا واليك حكم الآجلة أي الآخرة))( ).
(والرسالة الرابعة عشرة وعنوانها "الدعاء" ... وفيها يوضح الداعي الاصطلاحات التي كان يلقنها من يدين بمذهب الحاكم. وما جاء فيها الدعاء الآتي: " سبحانك يا مبدع الأشياء, يا مخترع العالمين, يا صفوة العالمين, سبحانك من تعزز بالكبرياء والجبروت, سبحانك من تعاظم أن يكون كمثله شيء, أو يلحقه وصف واصف, سبحانك يا من تعالى عن المساوئ! سبحانك يا من لا تلحقه صفة ولا صفة! شهدت وآمنت وأيقنت بأنك الله المبدع العزيز الواحد الأحد, وأنك بارئ لا بارئ لك, وخالق لا ضد لك, وقادر لا مقدور عليك , حاكم لا محكوم عليك, أسألك يا مولانا وسيدنا العظيم بعظيم جلال قدرتك ونور سلطانك أسألك يا مولانا بأول شيء ظهر من توحيدك وتنزيهك ونفي التشبيه عنك أن تمن علي بخالص معرفتك وحميد طاعتك والبلوغ إلى مرضاتك والثبات على أمرك, والتجنب لنهيك, والصبر على ما ينالني في عبادك من شدائد ومحن. يا أرحم الراحمين!! بحقك على من يصرف هويته عن تسبيحك وتمجيدك إلى سواك . لا أصرف ذاتي إلى غيرك , تائب إليك معترف بألوهيتك متبرئ من كل عدو لك, لا شريك لك, ولا دافع لأمرك, تجاوز عني واغفر ذنبي, واجعل معرفتك التي مننت بها علي في نفسي لا اله غيرك ولا معبود سواك)( ).
وبنفس الأسلوب وبنفس الروحية يخاطب ابن هانئ الأندلسي المعز لدين الله الفاطمي حيث يقول له:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار( )
ولاشك أن القول بالحلول يؤدي إلى هدم الإلوهية ومبدأ النبو وينفي الحاجة إلى القول بها ويدعو إلى التسلط المطلق للإمام على البرايا وفي هذا الهدم كل الهدم للإسلام وتعاليمه.

3- التأويل
التأويل لغ مشتق من الأول بمعنى الرجوع( ) , واصطلاحاً: هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقة إلى الدلالة المجازية من دون أن يخل ذلك من عادة لسان العرب من تسمية الشيء بشبيهه أو سببه, أو مقارنه( ) والتأويل على صنفين مجازي وباطني, فالتأويل المجازي هو ما كان جارياً على شرطه وهو الأقرب إلى الصواب, كما صرح بذلك العز بن عبدالسلام بذلك( ), والتأويل الباطني: هو إخراج اللفظ من دلالته الظاهرية إلى معانٍ باطلةٍ لا يقرها عرف لغوي ولا تستقيم مع قواعد اللغة العربية التي أنزل بها القرآن الكريم( ).
وهذا النوع من التأويل هو الذي توسعت به الإسماعيلية حتى وصل بهم الحال إلى التحلل الكامل من جميع الأوامر والنواهي التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
يقول الإمام الغزالي: ( وإنما الذي يصح من معتقدهم فيه أنهم يقولون لابد من الانقياد للشرع في تكاليفه على التفصيل الذي يفصله الإمام من غير متابعة للشافعي وأبي حنيفة وغيرهما. وأن ذلك واجب على الخلق والمستجيبين إلى أن ينالوا رتبة الكمال في العلوم فإذا أحاطوا من جهة الإمام بحقائق الأمور وأطلعوا على بواطن هذه الظواهر انحلت عنهم هذه القيود وانحطت عنهم هذه التكاليف العملية, فإن المقصود من أعمال الجوارح تنبيه القلب لينهض بطلب العلم فإذا ناله استعد للسعادة القصوى فيسقط عنه تكليف الجوارح وإنما تكليف الجوارح في حق من يجري جهله مجرى الحمر التي لا يمكن رياضتها إلا بالأعمال الشاقة وأما الأذكياء والمدركون للحقائق فدرجتهم أرفع من ذلك)( ) بل إن الإسماعيلية توغلت في التأويل إلى هوة سحيقة وهو ما يعرف بتأويل التأويل, وهذا النوع يعتبر من أعقد درجات التأويل.. فقد مهدت لذلك بجملة فرضيات من أجل قبول درجة تأويل التأويل هذه.
يقول الإمام الغزالي بهذا لخصوص: ( قالوا: كلما وردت ظواهر في التكاليف والحشر والنشر والأمور الإلهية فكلها أمثلة ورموز إلى بواطن! أما الشرعيات فمعنى الجنابة مبادرة المستجيب بإفشاء سر إليه قبل أن ينال مرتبة استحقاقه, ومعنى الغسل: تجديد العهد على صدقة النجوى.. والصيام هو الإمساك عن كشف السر, والكعبة هي النبي, والباب هو علي والصفا هو النبي والمروة هو علي والميقات هو الأساس والتلبية هي إجابة الداعي والطواف بالبيت سبعاً هو الطواف بمحمد إلى تمام الأئمة السبعة, والصلوات الخمس أدلة على الأصول الأربعة والإمام...
( وكذلك زعموا أن المحرمات عبارة عن ذوى السر عن الرجال وقد تعبدنا بإحسانهم كما إن العبادات عبارة عن الأخيار والأشرار, فأما المعاد فزعم بعضهم أن النار عبارة عن الانحلال والأوامر التي هي التكاليف فتنها موظفة على الجهال بعلم الباطن فإذا نالوا علة الباطن وضعت عنهم أغلال التكاليف وسعدوا بالخلاص منها)( ).
ونقل لنا جولدزيهر( ) تصوراتهم في آيات القرآن فقال: (إن آيات الكتاب سهلة يسيرة ولكنها على سهولتها تخفي وراء ظاهرها- أي حسب تصورات الإسماعيلية- معنى خفياً مستتراً ويتصل بهذا المعنى الخفي معنى ثالث يحير ذوي الأفهام الثابتة ويعييها, والمعنى الرابع ما من أحد يحيط به سوى الله واسع الكفاية من لا شبيه له وهكذا نصل إلى معان سبعة الواحد تلو الآخر ففي كل مرحلة أو درجة أعلى من سابقتها يصبح المعنى الباطني والرمزي المتعلق بالمرحلة السابقة أساساً للقيام بتأويلات أخرى أعظم دقة والتواءً إلى أن تبخر تبخراً تاماً موضوع التفسير الإسلامي الذي كان الأساس الأول منذ البداية)( ).
وقد كان لتأويلاتهم الفاسدة هذه الأثر الكبير في ذوي النفوس الضعيفة الذين يرون في التكاليف الشرعية أعباءً تنوء بها كواهلهم فأخذ الناس يتهافتون على دعوتهم إشباعاً لشهواتهم الدنيئة. وقد ذكر ابن مالك رحمه الله في كشف أسرار الباطنية الكثير من ضلالاتهم التي لسبوها على العوام باسم التأويل واليك جانيا منها:-


قال ابن مالك:-
( فأول ما أشهد به وأشرحه وأبينه للمسلمين أن له –أي الطليحي وهو كبير القرامطة في زمان المؤلف- نواباً يسميهم الدعاة المؤذونين وآخرين يلقبهم بالمكلبين تشبيهاً لهم بكلاب الصيد لأنهم ينصبون للناس الحبائل ويكيدونهم بالغوائل وينقضون على كل عاقل ويلبسون على كل جاهل بكلمة حق يراد بها باطل. يحضونه على شعائر الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام كالذي ينثر الحب للطير ليقع في شركه فيقيم أكثر من سنة يمعنون به وينظرون صبره, ويتفحصون أمره ويخدعونه بروايات عن النبي  محرفة وأقوال مزخرفة ويتلون عليه القرآن على غير وجهه ويحرفون الكلم عن مواضعه فإذا رأوا منه الانهماك والقبول والإعجاب بجميع ما يعملونه والانقياد بما يأمرونه قالوا له حينئذ اكشف عن السرائر ولا ترض لنفسك ولا تقنع بما قنع به العوام من الظواهر وتدبر القرآن ورموزه واعرف مثله وممثوله واعرف معاني الصلاة والطهارة وما روي عن النبي  بالرموز والإشارة دون التصريح في ذلك بالعبارة فإن جميع ما عليه الناس أمثال مضروبة محجوبة)( ).
وهكذا يستدرجون السذج من الناس إلى مهاوي الضلالة والفساد. حتى إذا رأوا منهم استجابة وقبولاً كشفوا عن وجههم وأبانوا عن نواياهم التي بيتوها تجاه الإسلام وأهله. فيسقطون الصلاة والزكاة زاعمين أن معناهما ولاية محمد  وعلي  ثم يسقطون الصوم لأن معناه كتمان سر الدعوة فحسب, ويسقطون سائر أنواع العبادات ويحلون الخمر والميسر زاعمين أن معناهما بغض أبي بكر وعمر إلى غير ذلك من الترهات التي لا مجال ولا فائدة من الإطالة في ذكرها.( )
وترى الإسماعيلية أن القرآن الكريم من حيث المعنى من وحي العقول الروحانية, ومن حيث العبارة هو من تأليف الرسول وليس منزلاً بلفظه ومعناه من الله تعالى, لأن العقول مجردة عن المادة واللفظ مركب من محدثات ولذلك فإن النبي  يوحى إليه بالمعاني مجردة فيضعها أو يعبر عنها الناطق- النبي - باللغة التي يفهمها قومه ويتقنها هو. وترى كذلك أن تأويل الوصي أو الإمام للنص القرآني يقوم مقام ذلك النص لأنهم هم القائمون به, المعبرون عن حقائقه. لهذا قالوا: إن علياً هو القرآن الناطق في مقابل القرآن الصامت الذي يعنون به القرآن الكريم( ).
ويتبين من هذا أن القرآن الكريم المنزل على رسول الله  هو اقل شأناً عندهم من كلام الأئمة لأن القرآن في تصورهم عجز عن مواكبة أحداث الحياة مما جعله بحاجة إلى من يدفعه إلى الأمام بتأويله وتفسيره والأئمة هم الذين قاموا بهذه المهمة. (وان الأئمة أنسهم هم أعلى قدراً ومنزلة من الرسول لأنهم جاءوا بما هو أفضل وأشرف جاءوا بالحقائق بينما جاء الناطق بالقشور)( ).
ومن هذا المنطلق فقد القرآن الكريم عند الإسماعيلية أهميته ككتاب هداية وإيمان, وأصبح وجوده كعدمه لظهور ما يحل محله وهو كلام الأئمة, وكذلك فقدت السنة النبوية مكانتها التشريعية. فما قيمة القرآن والسنة إذا كان المعول عندهم على آراء بشرية لا مستند لها من دين ولا عقل. وفي هذا يقول أحد دعاة الإسماعيلية المعاصرين:
(ليس هناك كتاب لإهداء الإسماعيلية لأنهم يهتدون بنبراس الإمامة العظيم الموجود في كل الوجود)( ).


مكانة الصحابة  عند الإسماعيلية
بعد أن تعرفنا بشكل موجز على أصول الإسماعيلية وعقائدها, تبين لنا أنها تمثل حلقة من حلقات التآمر الشعوبي ضد الإسلام والمسلمين وجانباً من الأحقاد التي خلفتها الأمم البائدة التي كانت تحكم أهوائها في دماء الناس وأعراضهم.
وبعد أن عرفنا في بداية بحثنا منزلة الصحابة الكرام  عند علماء الأمة وسلفها الصالح وكيف استحق هؤلاء الصحابة الكرام كل ذلك التكريم بما أنفقوا من أموالهم وأنفسهم في سبيل الله, أقول بعد أن عرفنا كل هذا أصبح من الممكن أن نتعرف المنظار الذي تنظر به الإسماعيلية إلى الصحابة  .
تنظر الإسماعيلية إلى الصحابة  أنهم المتهم الأول في ضياع أملاكهم البائدة وإنهم السبيل الوحيدة إلى أعادة تلك الصروح إذا ما استطاعوا أن يشوهوا صورتهم في أعين المسلمين, لذا فإنهم لم يدخروا جهداً أو وسعاً من أجل نجاح تلك المهمة, إذ قاموا بنشر آرائهم الضالة بكل الوسائل عن طريق دعاتهم المأذونين بين العوام, وعن طريق التأليف والرسائل العديدة التي تطفح شتماً وسباباً وانتقاصاً لأصحاب رسول الله  .
وترى الإسماعيلية أن الصحابة  كفار كلهم لم يؤمنوا برسالة النبي محمد  وإنما تظاهروا بالإيمان. وفي هذا الصدد يقول شيخ الإسماعيلية محمد بن علي بن حسن الصوري في قصيدته الصورية:
(فأنزل الله على نبيــــه أن يظهر النص على وصيه
فخاف من أصحابه لعلمــه بكيدهم وما نووا من ظلـمه
وقيل لا تشرك فإن أشـركت ليحبطن الله كل ما عمــلت
فقم وبلغ ولا تخف فرحـمتي تنالك اليوم وكن في عصمتي
فقام في يوم غـديـر خـم وقال حكم الله غير حكــمي
من كنت مــولاه فذا مولاه فوالي يارب الـــذي والاه
فمن والــى فقــد والاك كذا ومن عاداه قــد عاداك
وأطلـع الله على ما قد نووا لعبده وما به من الحق طووا
وأنهم سينكثون عهــــده ويغدرون بالوصي بــعده
ويطلبون أهلــــه بالنار تباً لأهل الغدر والإضــرار
ثم قضى الله له ســـبحانه اختاره يســــكنه جنانه
وأن تعود نفســـه الزكية لسعيها راضـــية مرضية
فلم يقولوا مات حتى اجتمعوا وأبرموا وأتقنــوا ما صنعوا
وقدموا لهم وأخــــروا من رفع الله وغدراً ظهروا
ثم أدعوا بأنه ما وصــى وأنكـروا يوم غدير النصا
وعجلوا ظلم البتول الطاهرة لأنهم قد كــذبوا بالآخرة
واعتقدوا أن النبي  كاذب وأن ما سارت له الكواكب ( )

وهكذا وبكل بساطة يخرج أصحاب رسول الله  صفر اليدين من كل جهادهم وكفاحهم في سبيل الدعوة الإسلامية بل إنها ترى أن أبا وعمر رضي الله عنهما كانا ساعدي أبي لهب في القضاء على رسول الله  وأن الآية الكريمة (تبت يدا أبي لهب وتب)( ) معناها تب أب بكر وعمر باعتبارهما يدا أبي لهب. وتب أبو لهب وأنهما تظاهرا بالإسلام كيداً لرسول الله  , فاستمع إلى قائلهم:
(فقال( ) لما أن رأى أبا لهب ما خصه الله به وما وهـب
يا قوم مالي كله أبـــذله في اللات والعزى لمن يقتله
وعاهد القوم على مرادهـم وأنه باق على اعتــقادهم
وأنه يعلم ما يــــبرمه من أمره عليــه ويحكمه
ثم أتى مذعناً مصـــدقا وعاجــــلاً به قد وافقا
لأجل ذا صار له في الغار مصاحباً بالليــل والنـهار
ليظهر ما يعلمه من شأنه ويطلع القــوم على مكانه
إلى أن قال:
فقال لما جلسوا في الأبطح أن عتيقاً قد مضى لا يفلح
فمن لها مبتدراً قال عمـر أنا الذي أكفيكم هذا الضرر
فقام يثني عطفه تمــردا وقد غدا بســـيفه مقلدا
ثم يقول:
وقال قلها أني أشــهد بأن رب العالمين أوحـد
وأنك الداعي إلى الرشاد رسوله الصادق في العباد
وعاد يبدي لعنـة وكفرا لا يعبد الله تعالى ســرا
لما رأى من قلة الأنصار وضعفــهم وكثرة الكفار
والسيف في يمينه مجرد وســار في أولهم يوحد
يؤمل القوم بأن يعجلوا حتى يقولوا( ) للنبي يقتلوا
فلم يقم وجهه منهم أحد وأنجز الله له ما قد وعد
فخافهم لما رآهم عادوا وخاف أن يعلم ما أرادوا
فأظهر الألفة والوفاقا وأضمر العدوان والنفاقا
وأنزلت تبت يدا أبي لهب بلعـن الله له تب وتب
أن بهما رام الوصول والظفر بخير خلق الله من نسل مضر( )

وفي تاريخ الدولة الفاطمية الكثير من الوقائع التي تؤكد بالبرهان القاطع على زندقة هذه الفرقة المارقة. فكم حدثنا التاريخ عن رجال قتلوا أمام أعين الناس بسبب حبهم لصحابة رسول الله  . أجل لقد كان حب أبي بكر وعمر جريمة يستحق فاعلها العذاب والموت لأنهما طودا الإسلام ورايته الشامخة, ولأنهما كانا شوكة فقأت عيون أجدادهم من عبدة النار, واليك جانباً مما حدث أيام الحكم الفاطمي.
فقد عمل الفاطميون على لعن الخلفاء الثلاثة الأول (أبي بكر وعمر وعثمان) وغيرهم من الصحابة  إذ عدوهم أعداء لعلي( ).
وذكر المقري أن رجلاً من أهل دمشق حلت به العقوبة أيام حكم الحاكم بأمر الله الفاطمي بسبب محبته لأبي بكر وعمر حيث طافوا به في شوارع المدينة وهم ينادون عليه (هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر) ثم أمر به فضربت عنقه( ).
ويذكر المقريزي في خططه أن الحاكم قد عزم على نبش قبر أبي بكر وعمر بالمدينة, فرشا الرسل الذين أنفدهم لتأدية هذه المهمة رجلاً من العلويين كان يسكن في منزل قريب من مدفن الخليفتين, ومن ثم شرعا بمعاونته يحفران طريقاً يوصل إلى ما يريدون, إلا أن عاصفة شديدة ثارت وبلغ من ثورانها درجة أدخلت الخوف والهلع في قلوب الأهالي, فهرع الأهالي لاجئين إلى الحرم حيث ووري الجسد الشريف وأجساد الخلفاء الأول, ولما لم تهدأ العاصفة خشي ذلك العلوي وأبلغ الأمر لوالي المدينة, فأحل به عقوبته وحال دون إتمام ما كان يريده الحاكم)( ).
ويحدثنا ابن خلكان عن آخر خلفاء الدولة الفاطمية العاضد, أنه كان من غلاة الشيعة وكان له ولع خاص بلعن الصحابة  حتى انه كان لا يتردد في قتل أي سني تقع عليه عيناه( ).
وفي عهد المستنصر (427-428 هـ) ظهرت روح العداء والكراهية تجاه أهل السنة حيث أمر بنقش عبارات لعن الصحابة  رضي الله عنهم على الجدران( ).





















جهود علماء المسلمين في كشف ضلالاتهم



كان لحركة الغلو الباطنية التي حاولت أن تطعن الإسلام في الصميم رد فعل عميق في الوسط الإسلامي وكان رد الفعل هذا يتناسب مع خطورة التحدي الذي تمثله الحركة الباطنية بشتى فصائلها.
وكان من جملة الذين برزوا للدفاع عن عقائد المسلمين والوقوف بوجه الغلاة من أجداد الاسماعيليين الأمام محمد الباقر وابنه جعفر الصادق , فحينما أظهر المغيرة بن سعيد بدعته ووجد نفسه بحاجة إلى من يحميه من آل البيت لجأ إلى محمد الباقر وقال له: (أقرر أنك تعلم الغيب اجبي لك العراق, فهزه وطرده) وتبرأ الأمام جعفر الصادق من أبي الخطاب الأسدي حينما وقف على غلوه( ).
وحين سئل الإمام على بن محمد العسكري عن تأويل الصلاة والزكاة بالرجال – وهو ما تقول به الباطنية عموماً ومنهم الإسماعيلية- نحو ذلك قال: ليس هذا ديننا ولعن الله من قال بنبوءة محمد بن نصير( ) النميري)( ).
وكذلك قام بقية الفقهاء أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل برد العقائد الباطلة وإفتاء الناس بخروج أولئك الغلاة عن حضيرة الإسلام.
ومن العلماء الذين ألفوا في الرد على مذاهبهم الباطلة وتبصير الناس بانحرافاتهم جابر بن حيان المتوفى سنة 161 هـ الذي ألف كتاباً سماه الخواص الكبير فيه الرد على المانوية وهو مطبوع ضمن (رسائل جابر بن حيان) بالقاهرة.
والجاحظ الذي رد على الزنادقة في الكثير من كتبه كالحيوان والتربيع والتنوير وحجج النبوة.
وعبدالرحيم بن محمد بن عثمان الذي ألف كتابه الانتصار في الرد على ابن الراوندي الملحد.
ثم جاء الأشعري والرازي والاسفراييني والشهرستاني وابن حزم والغزالي ومحمد بن مالك وغيرهم من الذين فضحوا الباطنية وكشفوا عوارها أمام المسلمين, ولم يدخروا وسعاً في الانتصار لدين الله وإيضاح الحجة لأتباعه السائرين في درب الهداية.
وكان لجهود هؤلاء العلماء الأجلاء وغيرهم ممن تلاهم الدور المشرف في فضح الزمر الباطنية وفي مقدمتها الإسماعيلية وفي حفظ العقيدة الإسلامية من الأدران التي كادوا يلصقونها بها حيث بقيت بفضل الله تعالى ثم بهذه الجهود النقية من كل شائبة والخالية من زيغ وانحراف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الاسمر
ديري نشيط
ديري نشيط
الاسمر


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 217
نقاط : 576
التقيم : 23
تاريخ الميلاد : 14/06/1990
تاريخ التسجيل : 10/05/2012
العمر : 33

 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابة ومكانتهم عند المسلمين    الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 07, 2012 9:49 am


الباب الثاني
الفصل الثالث

مكانة الصحابة عنـــد
الـزيــديـة




تعريف الزيدية ونشأتها
هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب ( ) ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم( ).
والزيدية من فرق الشيعة إلا أنها تكاد تختلف تمتما عن جميعهم حتى إنهم رفضوا أن يعدوا من فرق الشيعة, حيث إنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم, زاهد, شجاع , سخي خرج مطالباً بالإمامة واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أم من أولاد الحسين رضي الله عنهما( ). من غير نص من إمام سابق, وكذلك جوزت الزيدية خروج إمامين في قطرين, إذا استجمعا شروط الإمامة آنفة الذكر, ويكون كل منهما واجب الطاعة.
وقد كان زيد بن علي  عالماً بالأصول والفروع حيث تتلمذ في الأصول على رأس المعتزلة واصل بن عطاء( ) (فأقتبس منه الاعتزال, وصار أصحابه كلهم معتزلة)( ). ولما عزم زيد على الخروج والمطالبة بالإمامة أو الخلافة لنفسه التف حوله خلق كثير لما عرفوا من نبل غرضه وكفاءته لما يريد. فبايعه أهل الكوفة أيام هشام بن عبدالملك, وكان أمير الكوفة يوسف بن عمر الثقفي( ), وكان زيد بن علي يفضل علي بن أبي طالب على سائر الصحابة  ويتولى أبا بكر وعمر , فلما ظهر في الكوفة سمع من بعض أصحابه الطعن على أبي بكر وعمر, فأنكر ذلك على من سمعه منهم فتفرق عنه أصحابه فقال لهم (رفضتموني) فيقال أنهم سموا رافضة لقول زيد لهم (رفضتموني) ويذكر الرازي أنه لم يبق معه سوى مائتي فارس( ) سرعان ما قضى عليهم يوسف بن عمر , فقتل زيد وصلب رحمه الله.


وقال يحيى بن زيد في أبيه بعد مقتله:
خليلي عني بالمدينـــة بلغــا بني هاشم أهل النهى والتجارب
فحتى متـى مـروان يقتـل فيكم خياركم والـدهر جم العجائب
وحتى متى ترضون بالخسف منهم وكنتم أباة الضيم عند التجارب
لكل قتيل معشــر يطلبـــونه وليس لـزيد في العراقين طالب( )
وتعتبر الزيدية حركة تصحيح في تاريخ الشيعة عموماً فحين اشتد على الذين ناصروا علياً ومن بعده الحسين وجدت أفكار جديدة نادى ببعضها أو بجلها المختار بن عبيد الثقفي بحجة مناصرته لولي دم الحسين محمد بن الحنفية. وقد تبلورت أفكار أولئك الذين يبثون أفكارهم في الظلام في الاجتماع على جملة عقائد:
أولها: أن الإمامة ثبتت بالوراثة لا بالاختيار, فعلي أوصي إليه بالذات من النبي  , وعلي أوصى بها إلى الحسن, والحسن أوصى بها إلى الحسين, إلى آخر السلسلة التي تقر بها كل نِحلة من نِحلهم.
وثانيها: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما تجاوزا على علي  واغتصبا حقه بتقدمهم عليه وهم بهذا يستحقون اللعن والطعن.
ثالثها: أن الأوصياء معصومون عن الخطأ لأنهم في مقام تبليغ المعارف القدسية إلى الرعية.
رابعها: القول برجعة الأموات أو ما يسمى بالمهدي المنتظر في المذهب الشيعي حيث تدعي كل فرقة أن إمامهم لم يمت وأنه سيعود ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وهذه الفكرة ابتدعها عبدالله بن سبأ اليهودي حين قال في علي  : انه لم يمت وان الرعد صوته والبرق تبسمه( ).
وقالها المختار الثقفي في عودة محمد بن الحنفية الأبيات التالية:
ألا إن الأئمة من قريش ولاة الحـق أربعة سواء
علي والثـلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سـبط إيمان وبر وسبط غيبته كربــــلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زماناً برضوى عنده عسل وماء( )
هذه الأفكار هي التي اجتمعت عيها فرق الشيعة عامة ,مخالفة بذلك ما كان عليه أهل البيت رضي الله عنهم, مع أنه لا يصح أن يدعي أحد مناصرة أهل البيت وهو على خلاف ما يعتقدون , فكان لابد والحالة هذه من إمام يظهر من أهل البيت ليصحح هذا الانحراف الخطير, فكان المصحح هو الإمام زيد بن علي  , وسنعرض فيما يلي لأهم الأفكار التي أتجه إلى تصحيحها:

أولاً: ولاية المفضول:
أول ما أتجه الإمام زيد إلى تصحيحه هو ما كان سائداً بين الشيعة من أن الإمامة لابد أن يتولاها أفضل الناس في زمانه, وأنها جزء من ميراث النبوة فقال: لا يشترط في الإمام أن يكون أفضل أهل زمانه, على ألا تتعارض مصلحته مع مصلحة المسلمين.
فهو وإن كان يعتقد أن علياً  هو أفضل الناس بعد رسول الله  لكنه كان يعتقد أن خلافة الشيخين أبي بكر وعمر صحيحة مستكملة لشروط الصحة, وكان يكن لها الاحترام والإكبار في نفسه, يشهد لهذا ما رواه عنه الشهرستاني بهذا الخصوص فقال:
(كان علي  أفضل الصحابة  - والكلام لزيد - إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها, وقاعدة دينية راعوها, من تسكين ثائرة الفتنة وتطييب قلوب العامة, فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً, وسيف أمير المؤمنين  عن دماء المشركين لم يجف بعد, والضغائن في صدور القوم في طلب الثأر كما هي, فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل, ولا تنقاد إليه الرقاب كل الانقياد, وكانت المصلحة أن يكون القيام بهذا الشأن لمن عُرف باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام, والقرب من رسول الله  , ألا ترى أنه لما أراد أبو بكر في مرضه الذي مات فيه بتقليد الأمر إلى عمر بن الخطاب صاح الناس وقالوا: لقد وليت علينا فظاً غليظاً, فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر لشدته وصلابته, غلظته بالدين وفضاضة على الأعداء حتى سكنهم أبو بكر )( ).
ونحن وان كنا نشك في صحة هذا الكلام إلى زيد بن علي  بهذا اللفظ الذي اعتمده الشهرستاني وابن خلدون, لأن مضمونه غير متوافق مع ما كان يكنه الصحابة  رضي الله عنهم لأهل بيت رسول الله  من حب وإجلال, إذ كيف يصح القول بأن رغيتهم في الثأر من علي لم تهدأ وهو يصلون عليه في صلواتهم! وكيف لم ينسوا ثارات الجاهلية وهم الذين تربوا في مدرسة رسول الله  وقد كان أحدهم يدخل في دين الله فلا يبث يوما ًواحداً حتى يخرج مقاتلاً أهله وعشيرته في سبيل هذه العقيدة التي آمن بها؟
يستخلص من كلام زيد بن علي هذا أمور:
أولها: أن زيداً كان يرى أن علياً  أفضل من عامة الصحابة  وأنه أفضل الناس بعد رسول الله  .
ثانيها: أن أبا بكر  ولي الخلافة بناءً على اختيار المسلمين له من غير أن يكون هناك نص له أو لأحد غيره.
ثالثها: أنه كان يعتقد أن مصلحة المسلمين كانت في ولاية الشيخين رضي الله عنهما دون شواهما.
رابعها: أن اعترافه بخلافة الشيخين يدل على أن الإمام عنده يجوز أن يكون غير فاطمي وما نسب إليه من اشتراط النسب الفاطمي إنما هو شرط أفضلية لا شرط صحة, لعدم توفر هذا الشرط في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مع اعترافه بصحة خلافتهما( ).

ثانياً: عدم عصمة الأئمة
إذا علمنا أن الإمام زيداً لا يفرض إمامة الأفضل دائماً وإنما ذلك منوط بمصلحة المسلمين, وأنه لا يدعي أن النبي  نص على واحد بعينه للقيام بمهام الخلافة, علمنا أنه لم يعد هناك مكان لادعاء عصمة الأئمة, لأنهم إنما يستمدون عصمتهم من تولية النبي  لهم, فلما لم يكون هناء ايصاء لم تكن هناك عصمة, ثم إن المعصوم إنما يعصم من أجل أن لا يخطئ فإذا لم يكن المعصوم قائماً بالإمامة فلا فائدة من خلق العصمة فيه. ولتوضيح هذا الكلام نقول: إذا أدعينا العصمة لعلي  في حياة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولم يقع اختيار المسلمين عليه لم تكن هناك فائدة من عصمته, إذ المفروض فيها أن تعصمه من الزلل والخطأ في الحكم. لهذا لم يقل الإمام زيد بعصمة الأئمة فالإمام عنده قائم باختيار المسلمين لأمر مصلحي, ليس هو المرجع الديني للمسلمين كما هو الحال عند الشيعة حتى تكون عصمته واجبة( ).


ثالثاً : عدم القول بالأئمة المستورين
إن الدارس لفرق الشيعة يجدها لا تخلو من القول بوجود إمام قائم مستور يعولون عليه أن يعود إليهم ويظهر لهم فتكون لهم الدولة والسلطان, فالكيسانية ترى أن محمد بن الحنفية هو المهدي المنتظر- كما ذكرنا آنفاً- وتدين الإمامية بمهدوية إمامهم الثاني عشر وهكذا فعلت عامة فرق الشيعة فكلهم يؤمنون بعودة المهدي المنتظر مع اختلافهم في شخصه ومكان اختباءه وكيفية عودته, وأنه سوف يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً كل هذا قائم على أساس أن الإمامة جزء وميراث من النبوة.
أما الإمام زيد فقد انطلق من غير هذه الدائرة واعتبر أن الإمامة كما قلنا إقامة لمصلحة عامة وأن الإمام معروف بوصفه لا بشخصه لذا لم يكن هناك إمام مستور لأن من شروط الإمام عنده أن يخرج ويدعو لنفسه فان لم يخرج فليس بإمام.
هذه هي جملة الآراء التي جاء الإمام زيد من أجل أن يطبقها, ولقد اجتهد رحمه الله في إعادة التشيع إلى حالته الأولى, أيام علي  وفي سبيل هذه المبادئ قتل زيد  فقد رفض رحمه الله أن ينال من الشيخين ولو كلفه ذلك خذلان قومه له كما مر.

مكانة الصحابة  عند فرق الزيدية
ذكر عامة كتاب الفرق والمقالات الإسلامية أن الزيدية تنقسم إلى ثلاث فرق. هي: الجارودية والسليمانية والبترية( ).
في حين انفرد أبو الحسن الأشعري( ) في تقسيمه للزيدية فأصلهم إلى ست فرق هي: (الجارودية والسليمانية والبترية والنعيمية والفرقة الخامسة لم يسمها واكتفى بترقيمها وأخيرا اليعقوبية)
وسنجري في بحثنا على ما كتبه أبو الحسن الأشعري لأنه ذكر عقائد كل فرقة بشكل موجز دقيق, وخاصة الناحية التي نحن بصددها وهي موقف كل فرقة من الصحابة  .
وقب أن نفصل في مواقف هذه الفرق من الصحابة  نود أن نقول:
إن الزيدية في نشأتها الأولى أيام الإمام زيد وما بعده بقليل كانت على مذهب إمامها وهو تولي عامة الصحابة  وعدم الطعن في واحد منهم, ثم تغير الحال شيئاً فشيئاً وظهر الطعن في الصحابة  وتكفيرهم وتكفير من تولاهم( ).
قال الشهرستاني: (ومال أكثر الزيدية بع ذلك إلى القول بإمامة المفضول , وطعنوا في الصحابة طعن الإمامية)( ) واليك موقف أهم فرقهم من الصحابة  .
1- مكانة الصحابة  عند الجارودية:
وهم أتباع أبي الجارود( ) زياد بن أبي زياد , زعموا أن النبي  عين علياً بالوصف دون الشخص وهم يرون أن الصحابة  كفروا لأنهم بايعوا أبا بكر دون علي رضي الله عنهما( ).
2- مكانتهم عند السليمانية:
وهم أتباع سليمان بن جرير, وهم اقل انحرافاً عن آراء الإمام زيد من الجارودية وكان سليمان هذا يقول بصحة خلافة أبي بكر وعمر وان ينزه لسانه عن الطعن بهما, غير أنه كان ينال من عثمان  حتى أنه كفّره وكفّر معه عائشة والزبير وطلحة( ) لأنهم قاتلوا علياً , وخطّأ الصحابة  عموماً لمبايعتهم أبا بكر دون علي, لكن من غير أن يفسقهم أو يكفرهم, ثم إنهم مع موافقتهم للرافضة في طعنهم ببعض الصحابة  نراهم يطعنون في الرافضة من ناحيتين: أولاهما القول بالبداء وثانيهما القول بالتقية لأنهم – أي الإمامية- باعتمادهم على هذين المبدأين لا يتبين صدقهم من كذبهم( ).
3- مكانتهم عند البترية أو الصالحية:-
وهم أصحاب كثير النووي الملقب بالأبتر( ), وأصحاب السحن بن صالح بن حي( ) وهم أكثر اعتدالاً من السليمانية فلم يحكموا بكفر عثمان  كما أنهم لم يحكموا بإيمانه لأنهم قالوا اذا نظرنا في حاله قبل الخلافة حمنا بإيمانه وبأنه من أهل الجنة, وإذا نظرنا في حاله بعد الخلافة رأيناه تقدم على أفعال غير صالحة حيث ولى الظالمين من بني أمية, فتحيرنا في أمره, ووكلنا أمره إلى أحكم الحاكمين.
4- مكانتهم عند النعيمية:
وهم أصحاب نعيم بن اليمان( ), وهم يزعمون أن علياً مستحق للإمامة وأنه أفضل الناس بعد رسول الله  وأن الأمة أخطأت حيت تجاوزته, لكنه ليس خطأ أثم, وإنما هو من باب ترك الأولى.
وهم يتبرؤون من عثمان  ومن كل الذين حاربوا علياً وشهدوا عليهم بالكفر والعياذ بالله( ).
5- مكانتهم عند الفرقة الخامسة من فرق الزيدية
وهذه الفرقة لم يسمها لنا أبو الحسن الأشعري, ولا غيره ممن تكلموا في الزيدية وفرقها وهي تتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لتقدمهما على علي  في الخلافة و لا ينكرون رجعة الأموات قبل يوم القيامة( ).
6- مكانتهم عند اليعقوبية:
وهم أتباع رجل يسمى يعقوب( ) وهم يتولون أبا بكر وعمر غير إنهم لا يتبرؤون ممن يتبرأ منهما, وهم ينكرون رجعة الأموات ويتبرؤون ممن يدين بها( ).
ومن الجدير بالذكر أن الخط العام للزيدية في القرون الأخيرة قد اقترب كثيراً من الزيدية الأولى أيام زيد بن علي فلم يعودوا ينتقصون أحداً من الصحابة وغاية ما في الأمر أنهم يرون أن علياً  أفضل من بقية الصحابة ,وأن الصحابة تركوا الأولى حينما لم يبايعوه على الخلافة بعد وفاة رسول الله  وتعايشوا مع المسلمين وشاركوا في بناء الحضارة الإسلامية وأتحفوا المكتبة الإسلامية بتراث عظيم من العلوم التي خطتها أيادي جهابذة من علمائهم, كالإمام يحيى بن حمزة والصنعاني والشوكاني وغيرهم.






















الباب الثاني
الفصل الرابع

مكانة الصحابة
عنــــــد
الخـــوارج




مكانة الصحابة  عند الخوارج
الخوارج : كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة يسمى خارجياً سواء كان ذلك الإمام أيام الصحابة  أم أيام من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
غير أن هذا الاسم اختصت به فرقة من فرق المسلمين وأصبح علماً على الذين خرجوا على علي بن أبي طالب  بعد موقعة صفين( ).
واختلف المؤرخون في تعيين بدء خروجهم فيرى بعضهم أن ذلك كان عند قبول علي  التحكيم. يقول ابن الجوزي: (... لما طالت الحرب بين معاوية وعلي رضي الله عنهما رفع أصحاب معاوية المصاحف ودعوا أصحاب علي إلى ما فيها, فقال الناس: قد رضينا... وأخر القضاء إلى رمضان فقال عروة بن أذينة تحكمون في أمر الله الرجال لا حكم إلا لله, ورجع من صفين فدخل الكوفة ولم تدخل معه الخوارج فأتوا حروراء فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً( ). فغلى هذا يكون نشوء الخوارج وظهورهم قبل ظهور نتائج التحكيم.
بينما ذهب فريق آخر من المؤرخين إلى أن بداية ظهور الخوارج كانت على عهد رسول الله  فقد (كان مر على النبي  ذو الثدية( ) وهو –أي رسول الله  - يقسم غنائم بدر فقال له: اعدل يا محمد, فقال عليه الصلاة والسلام خبت وخسرت إن لم أعدل من يعدل, ثم قال: إنه يخرج من (ضئضي هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)( ) وأصبح ذو الثدية فيما بعد المحرك الأساس لفرقة الخوارج, لكن من الجدير بالذكر أن ذا الثدية لم يسجل له التاريخ أي نشاط في عهد رسول الله  أو عهد الخلفاء الراشدين وبالتالي فلا يمكن الاعتماد على هذه الحادثة لربط تاريخ الخوارج بها( ).
بينما ذهب فريق ثالث إلى أن ظهور الخوارج كان بعد ظهور نتائج التحكيم إذ تجمعت أثناء ذلك فرقة من أصحاب علي  وقالوا لماذا نرضى بحكم الحكمين هذا ولماذا أعرض عن حكم الله لقد كفر بما فعل ولزم علينا أن نحاربه حتى يسلم مرة أخرى ويتوب عن هذا الإثم أو نقتله.
ولعل الصواب في هذا ما ذهب إليه بعض الباحثين وهو أن فريقاً من الخوارج قد خرجوا على علي أثناء قبوله التحكيم مدعين أن ذلك تحكيم لغير الله وأنه متضمن للشك في صحة موقفهم في حربهم لأهل الشام.
وإن فريقاً آخر خرجوا عليه  بعد أن رفض قبول نتائج التحكيم مدعين أنه قد رفض بهذا حكم الله سبحانه وتعالى. وبعد هذا الربط التاريخي بين حادثة التحكيم وظهور الخوارج فإن على الناقد البصير أن يلتمس أسباباً أخرى أبعد غوراً أدت إلى ظهور الخوارج. (إذ لا يمكن أن يكون هذا الحزب قد تكّون دفعة واحدة بل لابد أن فكرة هذا الحزب التي تكونت حولها مبادئه الأولى كانت منتشرة في فئة من المسلمين أو أنها تتفق مع أغراض أو أفكار أخرى كانت تشغل بال المسلمين قبل التحكيم)( ). فما هذه الأسباب؟
أولاً: إن الخوارج كانوا – وخاصة في موقفهم من الإمامة وما يجب أن تكون عليه من عدل واختيار- يمثلون النزعة التي كانت تسود أتقياء الصحابة  الذين استفزهم الوضع القائم وعدم الاستقرار وسوء توزيع الثروة( ). فكانوا يطمحون إلى إنشاء مجتمع تزول فيه الطبقية ويحكمه العدل المطلق ويصير الناس فيه إلى أخوة الإسلام وسماحته الكبيرة, حتى أنهم جوزوا أن لا يكون هناك إمام أصلاً إذا ما تحاكم الناس إلى كتاب الله وعرف كل فرد من الرعية ماله وما عليه (وإذ احتيج إليه فيجوز أن يكون عبداً أو حراً أو نبطياً أو قرشياً)( ) بل إنهم يرون إن الإمام إذا لم تكن قبيلة تحميه فإن نصبه أولى ليسهل خلعه إذا ما أنحرف عن الصراط القويم بيد أن مثاليتهم هذه انتهت إلى جمود فكري وتعصب عقدي أدى إلى ظهور النزعات المتطرفة والهدامة في صفوفهم.
ثانياً: من الأمور التي تتمثل في حركة الخوارج والتي يرى كثير من الباحثين أنها من أسباب ظهورهم إنها-أي حركة الخوارج- كانت تمثل الروح التقليدية للتمرد القبلي على المركزية والنزوع إلى الفردية التي تمثل أهم خصائص التكوين العقلي للإنسان العربي في جاهليته والتي جاهد الإسلام في تخفيف حدتها( ).
وقد أكثر الخوارج من القبائل الربعية التي كانت تشاطر القبائل المضرية في النفوذ والسلطان فليس من السهل على الربعيين أن يسلموا لقريش – وهي مضرية- بالسيادة والرئاسة.
قال محمد أبو زهرة: (ومن أعظم الأمور التي حفزته على الخروج أنهم كانوا يحسدون قريشاً على استيلائهم على الخلافة واستبدادهم دون الناس, ذلك أن أكثرهم من القبائل الربعية التي قامت بينها وبين القبائل المضرية الاحن الجاهلية التي خفف الإسلام من حدتها)( ).
بيد إن هذه العصبية لم تمت تماماً في النفوس وأخذت الحياة تدب في عروقها من جديد. فقد جاء في شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد (أن علياً  كان لا يعدل بربيعة أحد من الناس فشق ذلك على مضر وأظهروا لهم القبيح)( ) فكان هذا التنافس سبباً في انشقاق الخوارج عن علي .
ثالثاً: يرى بعض الباحثين أن الخوارج نبتوا من فرقة السبئية الغلاة, فقد كان كثير من الخوارج قبل أن يعرفوا بهذا الاسم ينقدون خلافة عثمان إن لم نقل كلهم, وربما اشتركوا في قتله  لذلك كانوا لا يريدون للحرب أن تنتهي بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ولا للصلح أن ينعقد مخافة أن يعاقبوا على جريمتهم في قتل عثمان  فكانوا يعملون دائماً على أن لا يتم الصلح أو النصر المبين لأحد الطرفين, فحين كانت المعركة وشيكة على الانتهاء لصالح علي  كان الخوارج لا يريدون له النصر وأجبروه على قبول التحكيم فلما قبل به خرجوا عليه من جديد وقالوا له تب كما تبنا وإلا خرجنا عليك.
ويرى الدكتور عرفان عبدالحميد أن مما يقوي هذا الرأي هو (أن بعضاً من آراء الغلاة وجدت لنفسها مكاناً عند بعض فرق الخوارج)( ).
فاليزيدية( ) وهم من فرق الخوارج يرون (أن الله عز وجل يبعث رسولاً من العجم وينزل عليه كتاباً من السماء وينسخ بشرعه شريعة محمد وزعم أتباع ذلك النبي  هم الصابئون المذكورون في القرآن)( ).
وكذلك الميمونية( ) من الخوارج فإنهم أباحوا نكاح بنات الأولاد من الأجداد وبنات أولاد الأخوة والأخوات.

صفات الخوارج
لقد تميز الخوارج بصفات قل أن توجد في سواهم, وسنرى من خلال دراستنا لصفاتهم أنهم تميزوا بالطابع العربي المحض, فقد كانت صفاتهم عربية بخيرها وشرها, عربية في البساطة وعدم العمق, عربية في الصراحة والوضوح, عربية في الشجاعة وحب الوغى, عربية في الفردية وضعف الروح الجماعية, عربية في الوفاء, عربية في عدم تقديس الزعماء.
فمن بساطة الخوارج وسطحيتهم فهمهم لنصوص القرآن على ظاهرها ببساطة شديدة على النقيض من فرق الشيعة التي كانت تتخبط في متاهات التأويل العميق. فقد استدل نافع بن الأزرق زعيم الأزارقة من الخوارج على جواز قتل أطفال مخالفيهم بقوله تعالى:  وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا = 26 إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا ( )
واستدلوا على كفر علي  بقوله تعالى:  إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ( ) بحجة أن علياً حكّم الرجال في كتاب الله فيكون قد حكم غير الله في أمر المسلمين( ).
ومن ملامح الخوارج الغالبة تشددهم في العبادة ومبالغتهم فيها, فقد روى ابن عباس حين ذهب إليهم رسولاً من قبل علي  رأى منهم جباهاً قرحة لطول السجود, وأيدياً كثفنات الإبل وهم مشمرون للعبادة( ).
ومما يروى أيضاً عن مبالغتهم في العبادة : ما روى عن زياد بن أبيه من أنه قتل أحد الخوارج ثم جاء بمولاه فقال له: صف لي أمره واصدق. قال المولى: أأطنب أن اختصر؟ فأجابه زياد: بل اختصر. قال المولى: ما أتيته بطعام في نهار قط ولا فرشت له فراشاً بليل قط.
ويصف أبو حمزة الشاري أصحابه خير وصف فيقول: (... وقد بلغني أنكم تنتقصون أصحابي! قلتم هو شباب وأحداث ,أعراب جفاة ويحكم , ما هم في الخير إلا شباباً أحداثاً؟ أما والله إني لعالم بتتابعكم فيما يضركم في معادكم... شباب والله مكتهلون في شبابهم, غضيضة عن الشر أعينهم, ثقيلة عن الباطل أرجلهم, أنضاء عبادة وأطلاح سهر باعوا أنفساً تموت غداً بأنفس لا تموت أبداً, قد نظر الله إليهم في جوف الليل, منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن, كلما مر أحدهم بآية من ذكر الجنة بكى شوقاً إليها وإذا مر بآية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه, وقد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وأنوفهم وجباههم, وصلوا كلال الليل بكلال النهار, مصفرة ألوانهم, ناحلة أجسامهم من طول القيام وكثرة الصيام مستقلون لذلك في جنب الله, موفون بعهد الله منجزون لوعد الله, حتى إذا رأوا سهام الأعداء قد فوقت ورماحهم قد أشرعت وسيوفهم وقد انتضيت, ورعدت الكتيبة بصواعق الموت, استخفوا بوعيد الكتيبة, ولقوا شبا الأسنة, وشائك السهام, وضباب السيوف بنحورهم ووجوههم وصدروهم, فمضى الشاب منهم مقتولاً وقد اختلفت رجلاه على عنق فرسه, واختضبت محاسن وجهه بالدماء, وعفر جبينه الثرى وانحطت عليه طير السماء وتمزقته سباع الأرض فطوبى لهم وحسن مآب فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها في جوف الليل من خوف الله وكم من يد قد أبينت عن ساعدها طالما اعتمد عليها صاحبها راكعاً وساجدا, وكم من وجه رقيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد)( ).
ولا شك أن جماعة بهذا الورع وبهذا الإيمان لا يتهمون في دينهم وإخلاصهم فقد كانوا مخلصين لدين الله ساعين لخير الإسلام لكنهم قد ضلوا الطريق من حيث لا يعلمون وقد وصفهم عمر بن عبدالعزيز  أحسن وصف حين قال لهم: (إنكم أردتم الآخرة فأخطأتهم سبيلها)( ).
ومما تميز به الخوارج: شجاعتهم الفائقة في الذب عن معتقداتهم وأول ما يتبادر لنا من شجاعتهم ما أشتهر من أشعار قائدهم المغوار قطري بن الفجاءة الذي كان يناجي نفسه فيقول:
فصبراً في مجال الموت صبرا فما نيل الخلود بمــستطاع
سبيل الموت غاية كل حــي وداعيـه لأهل الأرض داعي
وما للمرء خيـــر من حياة إذا ما عدّ من سـقط المتاع( )

وقد كان لقطري بن الفجاءة هذا زوجة من أشجع النساء وأكثرهم تمسكاً بتعاليم الدين وكانت تشارك في الحروب وتحمل على صفوف الأعداء وهو ترتجز:
أحمل رأساً قد سئمت حمله
وقد مللت دهنــه وغسله
ألا فتى يحمــل عني ثقله( )
وقد قيل للمهلب بن أبي صفرة( ): ما أعجب ما رأيت في حرب الأزارقة. فقال: فتى كان يخرج إلينا منهم في كل غداة فينشد:
وسائلة بالغيب عني ولو درت مقارعتي الأبطال طال نحيبها
إذا ما التقينا كنت أول فارس يجود بنفس أثقلتها ذنوبها
ثم يحمل فلا يقوم له شيء إلا أقعده فإذا كان من الغد عاد لمثل ذلك( ).
ونحن إذ نصف هذه الصفات للخوارج ونقرر أنهم لم يكونوا متهمين في دينهم ومقاصدهم وأنهم لم يكونوا أعداء مباشرين للإسلام والمسلمين بطريق مباشرة فإنهم بتمسكهم الشديد بآرائهم وسطحيتهم في فهم تعاليم الدين قد آل أمرهم ليصبحوا أعداء خطرين للإسلام والمسلمين إذ ابتدعوا في الدين ما ليس منه واستباحوا دماء المسلمين وأموالهم وأعاقوا نشاط الدولة الإسلامية ردحاً من الزمن( ) وتسببوا في هدر الكثير من الجهود والطاقات التي كان من الممكن الاستفادة منها في الجهد العام في بناء الدولة والمجتمع الإسلامي المنشود.













فرق الخوارج وآراءهم
قبل الكلام عن فرق الخوارج يجدر بنا أن نتعرف على ما يجمع فرقهم من عقائد وآراء.
لقد اجتمعت فرق الخوارج على عدة مسائل على الرغم من اختلافاتها فيما بينها( ) وهي:
1- إجماعهم على أن الخليفة لا يون إلا بالانتخاب الحر الصحيح يقوم به عامة المسلمين لا فريق منهم ويستمر الخليفة في منصبه ما دام قائماً بالعدل مقيماً للشرع فإن تنكب لذلك وجب عزله.
2- إن الخليفة لا يختص به بيت من بيوت المسلمين , فكل من توفرت فيه شروط الإمامة جاز له ذلك سواء أكان من قريش أو من سواها.
3- مما أجمعت عليه الخوارج أيضاً تكفير علي وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل, عائشة وطلحة والزبير وكل من رضي بالتحكيم.
4- أجمعت الخوارج سوى الإباضية على اعتبار مرتكب الكبيرة كافراً مخلداً في نار جهنم.
قلنا فيما سبق عند الكلام على صفات الخوارج ( إنهم يتميزون بالفردية وضعف الروح الجماعية , ومن شأن هذه الصفة أن تبعث على التفرق والتمزق. من أجل هذا انقسم الخوارج إلى فرق عديدة( ), وصارت إمكانية حصر فرقهم مسألة صعبة, مما أدى إلى اختلاف علماء الفرق في بيان فرقهم وبيان عددها. لكنهم اتفقوا على أنهم لا يقلون عن عشرين فرقة.
لذا فإنا سوف نذكر فرق الخوارج أصولاً وفروعاً ونحن مقتفين أثر الشهرستاني في ذلك لما له من سابقة في هذا المضمار لوضوح تقسيماته وبساطتها:
وعليه يمكن تقسيم فرق الخوارج كالاتي:
( المحكمة الأولى( ) والأزارقة( ) والنجدات( ) والبيهسية( ) ومن البيهسية فرقة تسمى العونية)( ) وهي فرقتان , ومنهم أصحاب التفسير( ) ومنهم أصحاب السؤال( ) والعجاردة( ), وقد افترقت بدورها إلى : الصلتية( ) والحمزية( ) والخلفية( ) والميمونية( ) والأطرافية( ) والشعبية( ) والخارمية( ) والثعالبة( ), وتنقسم الثعالبة إلى فرق وهي: الأخنسية( ) و والمعبدية( ) والرشدية( ) والشيبانية( ) والمكرمية( ))







الأزارقة
وهم أتباع راشد بن نافع بن الأزرق الحنفي , وهم من أكبر فرق الخوارج عدداً وأشدهم شوكة( ) وأعظمهم خطراً على المسلمين, خرجوا مع نافع من البصرة إلى الأهواز فغلبوا عليها وعلى فارس, وقد هزموا كثيراً من جيوش المسلمين, تصدى لهم البطل المغوار المهلب بن أبي صفرة اختاره أهل البصرة ليذود عنهم وعن حرمهم, ثم أقره ابن الزبير على حربهم وبعد ابن الزبير أقره عبدالملك بن مروان والحجاج. وقد استمرت الحروب بين الأزارقة والمهلب تسعة عشر عاماً. ولولا بطولة المهلب وانقسام الأزارقة على أنفسهم لما انقضت حربهم بالفترة التي انقضت فيها( ).
وقالوا (الدار دار كفر إلا من أظهر إيمانه ولا يحل ذبائحهم ومناكحتهم ومواريثهم وهم ككفار العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ولا يحل القعود عن الجهاد . والقَعَدَة كفار)( ).
وذكر الشهرستاني عقائدهم فيقول: إن أهم بدعهم هي( ):-
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الاسمر
ديري نشيط
ديري نشيط
الاسمر


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 217
نقاط : 576
التقيم : 23
تاريخ الميلاد : 14/06/1990
تاريخ التسجيل : 10/05/2012
العمر : 33

 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابة ومكانتهم عند المسلمين    الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 07, 2012 9:50 am

وذكر الشهرستاني عقائدهم فيقول: إن أهم بدعهم هي( ):-
1- تكفير سواهم من المسلمين.
2- تكفير القعدة.
3- إباحة قتل أطفال المخالفين ونساءهم.
4- إسقاط الرجم عن الزاني إذ ليس في القرآن ذكره.
5- الحكم بأن أطفال المشركين في النار مع آبائهم.
6- التقية غير جائزة قولاً وعملاً.
7- تكفير من ارتكب الكبيرة.
ويضيف الشهرستاني إلى بدعهم هذه بدعة جديدة , فيقول: ( واستحلوا كفر( ) الأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها. وقالوا إن مخالفينا مشركين فلا يلزمنا أداء أماناتنا إليهم)( ).



النجدات:
وهم إتباع نجد بن عامر الحنفي الذي كان مع نافع بن الأزرق على عبدالله بن الزبير ثم اختلفا فيما بينهما بخصوص التقية حيث منعها نافع واقرها نجدة واختلفا كذلك في حكم القعدة , فقد قال نافع : القعود عن الجهاد كفر بينما عذر نجدة القاعدين عن الجهاد وأدى اختلافهم هذا إلى توجه نافع إلى البصرة بينما توجه نجدة بمن معه إلى اليمامة وبقي فيها فترة ثم خرج بمعسكره عازماً على اللحاق بنافع في البصرة لولا أن جاءه أبو فديك وعطية بن الأسود قافلين من البصرة فأخبراه بما أحدث نافع هناك فرجع مع هؤلاء بعسكره وقد أمروه عليهم.
ومن عقائد النجدات التي تميزهم عما سواهم من فرق الخوارج أنهم أكثر تساهلاً من الأزارقة. فهم لا يكفرون القعدة ويبيحون التقية ويعذرون بالجهالات ويرى نجدة أن الدين أمران: أحدهما معرفة الله ومعرفة رسوله والإقرار بما جاء من عند الله جملة وهذا واجب على كل مكلف, والأمر الثاني هو ما سوى ذلك والناس معذورون فيه إن جهلوه. فمن أداه اجتهاده إلى استحلال حرام وتحريم حلال فهو معذور , لهذا سموا بالعاذرية , ويرى أن من كذب كذبة وأصر عليها أشرك, ومن زنى وسرق وشرب الخمر دون إصرار لا يشرك( ).

العجـــــاردة
هم أتباع عبدالكريم بن عجرد وافق النجدات في بدعهم, وقد تفرد بقوله يجب التوقف في أطفال المسلمين حتى يبلغوا ويُدعوا إلى الإسلام , أما أطفال المشركين فهم مع آباءهم في النار. ويرون أن الهجرة فضيلة لا فريضة ولا يكفرون القعدة بقعودهم بل يتولونهم.
وفي العجاردة ميل إلى الانقسام , فقد ذكر البغدادي والشهرستاني وفخر الدين الرازي انقسامها إلى سبع فرق وهيSad الصلتية والميمونية والحمزية والخلفية والأطرافية والسبعية والحازمية)( ).

الصفـــرية
هم أتباع زياد بن الأصفر أو ابن الصفار , وقال قوم اصفرت وجوههم من العبادة فسموا بذلك, وقولهم في الجملة كقول الأزارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون غير أن الصفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونساءهم والأزارقة يرون ذلك , وقد زعمت الصفرية أن ما كان من الأعمال فيه حد واقع لا يسمى صاحبه إلا بالاسم الموضوع له كزانٍ وسارق وقاذف وليس صاحبه كافراً ولا مشركاً( ).

الأباضية
وهم أتباع عبدالله بن أباض, ويرون ان كفار هذه الأمة يعنون بذلك مخالفيهم من هذه الأمة براء من الشرك والإيمان وأنهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفار( ) وهم يعنون به كفر نعمة وليس كفر شرك( ) ويرون صحة مناكحة المخالفين من المسلمين والتوارث معهم, وأن دار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي, ويقبلون شهادة مخالفيهم ولا يجيزون قتالهم إلا بعد دعوتهم .
وقد بادت جميع فرق الخوارج آنفة الذكر ولم يتبق منها سوى طائفة الإباضية تقيم في عمان وفي جهات أخرى من شمال أفريقية ويكره إباضية عمان أن يسموا خوارج( ), حيث إنهم لم يعد يربطهم بالخوارج سوى اسمهم وهم الآن متعايشون مع المسلمين على أكمل وجه , وقد استطاع المذهب الإباضي أن يثبت أصالته خاصة في العصور المتأخرة في عمان حيث استطاع أن يعطي تطبيقات عملية حول سلطات الإمام وواجباته ومسؤولياته الإدارية والمالية والأمنية, يقول الدكتور فاروق عمر: ( وبعد أن نجح الإباضية في تأسيس كيانات سياسية في عمان والمغرب العربي فقد كان لابد لهم من أن يغيروا ويعدلوا في نظريتهم... وهنا لابد من القول بأن المذهب الإباضي أظهر مرونة واعتدالاً ونظرةً توفيقية بحيث يتلاءم مع الظروف السياسية والاجتماعية في عمان وفي ذلك يكمن سر نجاح الإباضية واستمرارها لأكثر من اثني عشر قرناً من الزمان)( ).
وكان الإباضيون في المغرب العربي سواء أكانوا حكاماً أم ثواراً على قدر كبير من العفة والنزاهة والأخلاق الحميدة التي تؤكد تمسكهم بأهداب الشريعة الغراء. يقول الدكتور محمود إسماعيل: (فحروب الإباضية في المغرب عموماً انطوت على مثالية مفرطة في معاملة الخصوم ونجد مصداقاً لذلك في حروب أبي يزيد( ) ... فحسبه وفاؤه بالعهود التي كان يقطعها على نفسه ببذل الأمان لسكان المدن المفتوحة, ولم يلجأ إلى أساليب القمع والبطش إلا حين تمردت هذه المدن وانضمت لخصومه)( ).


مكانة الصحابة  عند الخوارج
قلنا أثناء كلامنا على فرق الخوارج أنهم يجمعهم اكفار عثمان وعلي والحكمين وأصحاب الجمل رضي الله عنهم جميعاً , وهم – الخوارج- كانوا يأخذون الأمور بسطحية شديدة , فبنوا نتائجهم على مقدمات ساذجة, فهم حينما قالوا بأن مرتكب الكبيرة كافر وقعوا في ورطة كبيرة جرتهم إلى أن يقعوا في أخطاء أكبر, وكل خطأ كانوا يقعون فيه كان يؤدي بهم إلى واد سحيق من الضلال بسبب عنادهم وتماديهم في الباطل.
ولقد جاء طعنهم في الصحابة  نتيجة خطأ بسيط في فهم آية من كتاب الله  إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ( ).
ففي قضية التحكيم رأوا أن اللجوء إلى التحاكم إلى كتاب الله عن طريق الناس هو حكم بغير ما أنزل الله, وهو مستلزم للكفر, لهذا كفروا علياً ومعاوية والحكمين: أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهم ولو أنابوا إلى رشدهم واستمعوا إلى صوت العقل لكان خيراً لهم ولأمتهم لكن تنطعهم الشديد كان له الأثر السيئ عليهم , فقد كان هذا التشدد معول هدم يفت في عضدهم فترى الفرقة منهم بعد أن تثار أي مسألة مهما تكن بسيطة قد انقسمت على نفسها وهكذا حتى ترى منهم فرقتين تعترف أحدهما للأخرى بالصواب والهداية.
وبعد أن أكفر عامة الخوارج قسماً من صحابة رسول الله  متهمين إياهم بالحكم بغير ما أنزل الله نرى قسماً منهم قد وجه تهمة أخرى إلى الصحابة  كلهم وهي تهمة تحريف القرآن الكريم. فالعجاردة الذين تحدثنا عنهم آنفاً قالوا: (ليست سورة يوسف من القرآن ولا حا ميم عين سين قاف)( ) وهذا الكلام لم يتناول الصحابة  مباشرة إلا أن فيه طعناً ضمنياً لهم لأنهم هم الذين تُرك القرآن بين أيديهم فأي تحرف يقع له يكون الصحابة  هم المتهمين به.
وقد أدرك الأوائل من علماء الأمة خطورة هذه الآراء فحكموا بكفر من قال منهم ذلك.
يقول أبو المظفر الاسفراييني: ( والكفر لا محالة لازم لهم لتكفيرهم أصحاب رسول الله )( ). ونحن لا نوافق البغدادي حين يدخل الخوارج جميعاً في حضيرة الإيمان سوى الزيدية من الإباضية الذين يزعمون أنه سوف يرسل الله تعالى نبياً من العجم في آخر الزمان , والميمونية من العجاردة الذين يزعمون أن سورة يوسف ليست من القرآن وأنه يحل نكاح بنات الأولاد وبنات أولاد الأخوة والأخوات( ) لأن مثل هذا التسامح يغري الناس في التطاول على نبراس الأمة ورمز شموخها صحابة رسول الله  ويوحي إليهم بأن تكفير المسلم شيء يسير لا يقدم و لا يؤخر في ميزان الله تعالى.
لذا فنحن نوافق أبا المظفر الاسفراييني فيما ذهب إليه من أن من كفر أحداً من صحابة رسول الله  فقد لزمه الكفر( ) لأن مسألة تكفير الصحابة  لا تقف عند حدودهم بل تصل إلى المساس بالقرآن الكريم الذي شهد لهم بصدق الإيمان وحسن الإسلام وكثرة البذل والتضحية في سبيل الله وبالسنة النبوية المطهرة التي أعلت شأنهم وقدرتهم حق قدرهم كما سنرى فيما بعد.


























الباب الثاني
الفصل الخامس

مكانة الصحابة
عنــــــد
أهل السنة والجماعة



تعريف بأهل السنة والجماعة
السنة لغة: الطريقة( )-سواء كانت حسنة أو قبيحة قال رسول الله Sadمن سن في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كُتب له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا, ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب له مثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئا)( ).
ونقل الشوكاني عن الكسائي أن السنة الدوام( ) ولعله أراد به الأمر الذي يداوم عليه. وقال الطبري: (السنة المثال المتبع والإمام المؤتم به)( ) وجعل منه قول لبيد بن ربيعة:
من معشر سنت لهم آباؤهم ولكل قوم سنة وإمامها( )

وتطلق السنة لغة أيضا على الطبيعة أي السجية , وبه فسر قول الأعشى:
كريم شمائله من بني معاوية الأكرمين السنن( )

أما تعريف السنة اصطلاحاً فهي: (ما صدر عن سيدنا محمد رسول الله  -غير القرآن- من فعل أو قول أو تقرير)( ).

والجماعة اسم مأخوذ من الاجتماع والمجامعة على أمر واحد ورأي واحد, فيقال: فلان من أهل السنة والجماعة إذا كان متمسكاً بسنة رسول الله  تاركاً لما ابتدعه المبتدعون بعده, ثابتاً مع أهل السنة الذين اجتمعوا على إمام هاد جامع لهم)( ).
وأهل السنة أكبر الفرق الإسلامية ويمثلون جمهور المسلمين ويجمعهم القول بأن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأن خير الناس بعد رسول الله  أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي( ).


(وكانت بداية إطلاق اسم أهل السنة في العصر العباسي الأول على كل من تمسك بالكتاب والسنة ووقف تجاه المعتزلة , وظلت الحال كذلك حتى اضمحلت أكثر الفرق الإسلامية فلم يعد هناك سوى الشيعة والسنة)( )( ).
ويذكر البغدادي أن أهل السنة أصناف عديدة( ), فمنهم الذين أحاطوا العلم بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد والثواب والعقاب وشروط الاجتهاد والإمامة والزعامة وسلكوا في هذا النوع من العلم طرق الصفاتية من المتكلمين الذين تبرئوا من التشبيه والتعطيل ومن بدع الرافضة والخوارج والجهمية وسائر أهل الأهواء الضالة ومنهم أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث من الذين اعتقدوا في أصول الدين مذاهب الصفاتية في الله وفي صفاته, ومنهم الذين أحاطوا بوجوه القراءات ووجوه تأويلها على وفق مذاهب أهل السنة.
ومنهم الزهاد والصوفية الذين أبصروا فاقصروا واختبروا فاعتبروا ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور... كلامهم في طرفي العبارة والإشارة على سمت أهل الحديث... لا يعملون الخير رياءً ولا يتركونه حياءً. ومنهم المرابطون في ثغور المسلمين في وجوه الكفرة... ويظهرون في ثغورهم مذاهب أهل السنة والجماعة...
ومنهم عامة البلدان التي غلبت فيها شعائر أهل السنة دون عامة البقاع التي ظهر فيها شعار أهل الأهواء الضالة...(وهم الذين) اعتقدوا تصويب علماء السنة والجماعة في أبواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد ورجعوا إليهم في معالم دينهم وقلدوهم في فروع الحلال والحرام ولم يعتقدوا شيئاً من بدع أهل الأهواء الضالة. وهؤلاء هم الذين سمتهم الصوفية حشو الجنة(انتهى)( ).
وتميز أهل السنة ببعدهم عن الغلو وميلهم إلى الاقتداء الصحيح بما كان عليه سلف الأمة من وسطية واعتدال فهم لم يتشددوا تشدد الخوارج ولم يتنصلوا تنصل كثير من فرق الشيعة تحت غطاء التقية, واستطاعوا بوسطيتهم هذه أن يحفظوا لنا شعائر الدين الحنيف وأن ينقوها من الغلو المذموم.
وبوسعي أن أقول أن أهل السنة إذا ما قورنوا بغيرهم من فرق المسلمين فإنهم كانوا ولا يزالون يشكلون قوة كبرى تعمل على تثبيت كفة العقيدة الصحيحة إزاء التيارات المنحرفة.

مكانة الصحابة  عند أهل السنة
تميز موقف أهل السنة والجماعة عن مواقف جميع الفرق الإسلامية في نظرتهم إلى الصحابة  , فكل فرقة من تلك الفرق نراها قد نالت من الصحابة  بطريقة أو بأخرى على التفصيل الذي ذكرناه سابقاً. فمنهم من اتهمهم بالارتداد عن دين الله تعالى, ومنهم من اتهمهم بالمكر والخداع والنفاق ومنهم من اتهمهم بتحريف القرآن, أو بممالئة الظالمين إلى آخر تلك الاتهامات, بينما يرى أهل السنة والجماعة أن الصحابة  هم القدوة الحسنة وهم أشبه ما يكون بالمرآة التي تعكس للأجيال اللاحقة حياة رسول الله , وضعوهم في مكانهم الذي ارتضاه الله تعالى لهم من غير إفراط ولا تفريط, فلم يبالغوا فيهم ولم يدعوا فيهم العصمة ولا تلقي العلم اللدني عن الله تعالى, ولم يعلنوا مسؤولية التشريع واقفة عند حدودهم , بل هم بشر كسائر الناس سوى أن الله تعالى قد كرمهم بصحبة نبيه  وشرفهم بحمل تعاليمه ونشر دعوته وتبليغها للعالمين, فهم حلقة الوصل فإذا انفصمت عن المصدر الرئيس للتشريع نكون قد فقدنا النبراس الذي نهتدي به.
لذا لم يفرط أهل السنة بحقهم ولم يتهموهم بالكفر والنفاق والإصرار على الكبائر, وفيما يلي تفصيل لهذا الإجمال.
يقول الإمام الطحاوي: ( ونحب أصحاب رسول الله  ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم, ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان)( ).
(فأهل السنة يوالونهم كلهم, وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها, بالعدل والإنصاف, لا بالهوى والتعصب, فإن ذلك كله من البغي الذي هو مجاوزة الحد)( ).
(وأجمع أهل السنة على إيمان المهاجرين والأنصار من الصحابة  )( )
(ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله  وأزواجه الطاهرات من كل دنس, وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برئ من النفاق)( ).
وأهل السنة يرون أن أفضل الناس بعد رسول الله  أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة( ) ومن أكفر واحداً من الصحابة  فهو كافر لا شك في كفره.

حكم سب الصحابة  عند أهل السنة
أجمع أهل السنة – كما قلنا سابقاً- على عدالة الصحابة  , من لابس الفتن منهم ومن لم يلابسها . ولم يجعلوا من أنفسهم حكاماً عليهم بل التمسوا لهم الأعذار وأكنوا لهم المودة. يقول ابن كثير: ( وأما ما شجر بينهم بعده  فمنه ما وقع من غير قصد, كيوم الجمل, ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين, والاجتهاد يخطئ ويصيب ولكن صاحبه معذور إن أخطأ ومأجور أيضاً وأما المصيب فله أجران اثنان وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين)( ).
لهذا كان موقف أهل السنة من الصحابة موقفاً نبيلاً فقد ذبوا عنهم ودرؤوا أهل الأهواء وصرحوا بكفر من كفَّر أحداً من الصحابة ومن سب واحداً منهم فهو فاسق.
يقول الإمام أحمد: إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله  بسوء فاتهمه على الإسلام)( ).
ويقول أبو زرعة الرازي: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب النبي  فأعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول  حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة  وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة).
وقد فصل ابن تيمية رحمه الله أقوال علماء الأمة في حكم من سب الصحابة  فقال:
(من سب أحداً من أصحاب رسول الله  من أهل بيته وغيرهم فقد أطلق الإمام أحمد أنه يضرب نكالاً وتوقف عن قتله وكفره... وقال عبدالله( ): سألت أبي عمن شتم أصحاب النبي  قال: أرى أن يضرب , قلت له حداً؟ فلم يقف على الحد إلا أنه قال: يضرب, وقال ما أراه على الإسلام)( ).
( وقال الميموني: سمعت أحمد يقول: مالهم ولمعاوية, نسأل الله العافية وقال لي يا أبا الحسن إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله  بسوء فاتهمه على الإسلام)( ).
وقال القاضي أبو يعلى: ( الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة  إن كان مستحلاً كفر وان لم يكن مستحلاً فسق)( ).
وذهب فريق من أهل السنة إلى أن من سب الصحابة  فهو كافر ويجب قتله, يقول ابن تيمية موضحاً حجة هؤلاء:-
( وأما من قال يقتل السابّ أو يكفر فلهم دلالات احتجوا بها منها قوله تعالى:  مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ( )
فلا بد أن يغيظ بهم الكفار , وإذا كان الكفار يغاظون بهم – أي الصحابة  - فمن غيظ بهم فقد شارك الكفار فيما أ ذلهم الله بهم وأخزاهم وكبتهم على كفرهم ولا يشارك الكفار في غيظهم الذي كبتوا به جزاء لكفرهم إلا كافر لأن المؤمن لا يكبت جزاء الكفر... ومنها ما روى عن النبي  أنه قال: (من أبغضهم فقد أبغضني ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله)( ).
وأذى الله ورسوله كفر موجب للقتل وبهذا يظهر الفرق بين أذاهم قبل استقرار الصحبة وأذى سائر المسلمين وبين أذاهم بعد صحبتهم( ) له .
وفي حاشية ابن عابدين أن (من سب الشيخين وطعن فيهما كفر ولا تقبل توبته)( )
وبعد فهذه هي نظرة أهل السنة والجماعة إلى الصحابة  عرضناها بكل تجرد من غير إفراط ولا تفريط في حقهم , فهم رضي الله عنهم الأمة الوسط الذين اختارهم الله ليكونوا شهداء على الناس, نسأل الله تعالى أن يرزقنا حبهم وموالاتهم وأن يطهر قلوبنا من الغل والحسد رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم ٌ( ).





الفصل السادس
الطعن
في الصحابة ونتائجه الضارة











الطعن في الصحابة  ونتائجه الضارة
بعد أن عرفنا في الفصول السابقة عدالة الصحابة  وأنها ثابتة عقلاً ونقلاً, وعرفنا مكانتهم عند الفرق الإسلامية البارزة, ووقفنا على أسباب اختلافاتهم وأنواعها, رأينا أن نعقد هذا الفصل للنظر في نتائج الطعن فيهم وبيان أن الطعن فيهم لا يقف عند حدودهم بل يتجاوز إلى أساسيات الدين, إذ ترى بعض الفرق الإسلامية أن الطعن في الصحابة  مسألة سهلة لا يجب على المسلمين أن يعيروا لها بالاً, وترى أنها ربما كانت من المسائل التي يثابون عليها إذا هم خاضوا فيها عن اجتهاد واعتقاد ويرون أن هذه المسألة لا توجد تصادماً بينهم وبين عامة المسلمين الذين يكنون للصحابة كل إكبار واحترام. ومن هؤلاء محمد حسين كاشف الغطاء الذي دعا المسلمين إلى نبذ خلافات الفرقة ولم الشمل وتناسي مثل هذا الأمر البسيط (يعني سب الصحابة  ) فقال: ( أما أولاً: فهذا ليس رأي جميع الشيعة, وإنما هو أمر فردي من بعضهم( ) وربما لا يوافق الأكثرون عليه, ... وثانياً: إن هذا على فرضه لا يكون موجباً للكفر والخروج من الإسلام بل أقصى ما هناك أن يكون معصية, وما أكثر العصاة في الطائفتين,... وثالثاً: قد لا يدخل هذا في المعصية أيضاً ولا يوجب فسقاً إن كان ناتجاً عن اعتقاد, وإن كان خطأَ فان من المتسالم عليه عند الجميع في باب الاجتهاد أن للمخطئ أجر وللمصيب أجرين)( ).
وليس هذا رأياً انفرد به محمد حسين كاشف الغطاء بل هو ما عليه جمهورهم إن لم أقل إنه من مستلزمات دينهم وأصوله الرئيسية.
وهكذا وبكل بساطة أصبح سب الصحابة  مثوبة يتقرب بها إلى الله . أنما رأيهم فيمن يسب علياً  والعياذ بالله من ذلك فهو عندهم ملحد كافر بالله العظيم فهم كما قال أحدهم: (ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا كما جعلت في قلوب المنافقين والملحدين فسبوا أول المؤمنين على متون المنابر علانية وجهرا وظلموا الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا ربنا إنك رؤوف رحيم)( ).
ونحن إذ ننقل هذا الكلام لا نريد أن نهون من مسألة سب علي  أبداً... إنما نريد أن نبين تناقضهم لأنهم يرون أن من سب علياً فهو ملحد منافق في قلبه غل ومن سب سواه من الصحابة  فهو مأجور على اجتهاده, علماً أن الجريمة واحدة, فالسباب حرام بكل صوره ورسول الله  يقول: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)( ), ومن تجرد عن هواه, وأخلص قلبه لله, أدرك أن مسألة الطعن في الصحابة  مسألة كبيرة لها ما بعدها, وأنها تؤثر في إيمان المرء أيما تأثير, فماذا يبقى من إيمان رجل يدعي الإسلام إذا هو شك في نَقَلة الشريعة قرآنها وسنتها؟ ثم ما الذي يدعو المسلم إلى التحامل؟ وما الذي يجنيه من هذه التجارة؟! أهو الغيرة على أهل البيت والانتصاف لهم؟! أم هو الدفاع عن بيضة الدين؟! ولم أر في حياتي مظلوماً كف يده ولسانه ثم يأتي غيره لينتصف من ظالميه بعد أن تنازل صاحب الحق عن حقه, ولم أر ديناً تحمي حياضه بالشتم والسباب!.
لهذا فإن الطعن في الصحابة  له نتائج خطيرة ومساوئ كثيرة يمكن أن نجملها فيما يلي:
أولاً: الطعن في صحة نقل القرآن
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم على محمد  النبي الأمي وأمره بتبليغه للناس ولكي تكون المعجزة أكبر كانت البيئة التي عاش فيها رسول الله  بيئة أمية.
وتلقى رسول الله  هذا القرآن عن طريق الوحي فكان يحفظ ما يلقيه إليه الروح الأمين في قلبه, ثم يبلغ ما تلقاه  إلى الصحابة  فمنهم من كان يكتب ذلك ومنهم من كان يكتفي بالسماع , وهكذا استمرت الحال إلى أن اكتمل نزول القرآن وقبض رسول الله  والقران مكتوب في الألواح( ) والأكتاف( ) والعسب( ) واللخاف( ) ومحفوظ في صدور الرجال كلاً أو بعضاً, إذ كان منهم من يحفظه كله ومنهم من يحفظ بعضه( ), ثم دارت حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق فذهب فيها كثير من حفظة القرآن, فخشي عمر  أن يضيع القرآن بموت هؤلاء الحفظة, وعرض الأمر على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فتردد في أول الأمر ولم يزل به حتى شرح الله صدره للذي شرح له صدر عمر وعلم أن فيه خيراً كثيراً, وأسندت هذه المهمة العظيمة إلى الصحابي الجليل زيد بن ثابت , ويحدثنا زيد  عن هذا الأمر فيقول: (قال أبو بكر: إنك رجل شاب, عاقل لا نتهمك, وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله  فتتبع القرآن واجمعه, قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن... فقمت فتتبعت القرآن, أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال)( ). فقام زيد بهذه المهمة خير قيام بما أوتي من عزيمة وصبر وبما لقي من عون من صحابة رسول الله  .
فإذا كان الصحابة  مطعوناً فيهم كما يروي البعض فكيف نطمئن إلى أن ما نقرأه من القرآن هو عين ما نزل على محمد , إن المرء لا يستطيع إلا أن يشك في خبر من هو مطعون فيه, إن لم يردّه جملة وتفصيلاً.
والقران الكريم نفسه يحثنا على هذا المنهج القويم فيقول:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ( ).
فيجب التأكد من خبر الفاسق, وكيف التأكد من خبر جميع رواته مطعون فيهم إلا قليلاً منهم, وليس لنا طريق لنقله سواهم, وعلى هذا يجب رد خبرهم جملة وتفصيلاً وإهمال ما جاء به من حكم وأحكام مهما كان شأنها في الدين وموقعها من الشريعة.
قد يقول قائل اننا لا نطعن في جميع الصحابة  , وإنما نطعن في بعضهم, فلا يلزم من كلامنا الطعن في صحة نقل القرآن. أقول: هذا كلام باطل, لأن القرآن نقل عن الصحابة  بمجموعهم لا عن أشخاص معينين منهم, فقد يكون من وقع عليه الطعن وافر الحظ في عملية جمع القرآن وتدوينه, أو ممن كان يكتب الوحي بين يدي رسول الله  .

ثانياً: الطعن في السنة المطهرة
إذن فالقران منقول عن عموم الصحابة  بغض النظر عن كونهم معدلين من قبلكم ايها الطاعنون أ غير معدلين, وفي هذه الحالة يكون القرآن الكريم مشكوكاً فيه, فيحتمل أن يكون صحيحاً ويحتمل أن يكون غير ذلك , وهذا الشك ليس بأهون من القطع في عدم صحته.
يقول الشيخ محمد أبو زهرة: ( ومن أنكر الاحتجاج بالسنة فلا يمكن أن يكون من المسلمين, لأن السنة تبليغ النبي  وهي المفسرة للقرآن الكريم وهي بابه النوراني الذي ندخل منه, من فصلها عن القرآن فقد فصل القرآن عن نبيه)( ).
وقد أمرنا تعالى بالعمل بها فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ( ) وقال سبحانه:  وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ( ) وقال أيضاً:  مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً( ).
ويقول الدكتور خليل إبراهيم السامرائي: ( والسنة مع القرآن على جهتين: الأولى: بيان وتفسير ما جاء في القرآن, ففي القرآن آيات مجملة, أو مطلقة أو عامة فالسنة هي التي بينت المراد منها بتفصيل المجمل, وتقييد المطلق, وتخصيص العام... والثانية: إضافة أحكام جديدة لم يرد بها نص من القرآن, فقد حرمت السنة لبس الحرير والذهب على الرجال, وحرمت لحم الحمار الأهلية وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطيور)( ).
فإذا كان للسنة هذه المنزلة فكيف يسوغ لنا أن نطعن في نقلها ونحن نعلن أن الطعن فيهم( أي الصحابة) لا يبقى معه ذكر للسنة المشرفة, فهم وحدهم الذين تلقوها عن رسول الله  وهم وحدهم الشهود عليها, فإذا رفضناهم فإلى مَن نيمم وجوهنا؟! وعلى من نعتمد في معرفة هدي نبينا ؟
وفي أمثال هؤلاء يقول الشيخ محمد أبو زهرة: ( إن هؤلاء الذين يسمحون لأنفسهم بالنيل من صحابة رسول الله  إنما يريدون أن يهدموا السنة ويكذبوا على الأمة)( ).
وينقل ابن حجر عن الخطيب البغدادي قول أبي زرعة: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب النبي  فأعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول  حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة)( ).
وحينما سأل هارون الرشيد أحد الزنادقة قبل أن يضرب عنقه: لماذا كان الصحابة  أول ما تتجهون إلى تشويه صورتهم؟ أجابه قائلاً: لأننا إذا تمكنا من الطعن فيهم نكون قد أبطلنا نقلة الشريعة, فإذا بطل الناقل أوشك المنقول أن يبطل( ).
فهل يجوز بعدها أن نطلق ألسنتنا فيهم؟ إننا إن فعلنا هذا نكون قد حكمنا على ديننا بالهزال وعلى أنفسنا بالخسران.

ثالثاً: تكذيب نصوص كثيرة من الكتاب والسنة
إن الطعن في الصحابة  يؤدي صراحة إلى الطعن والتكذيب السافر في كثير من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي تشهد بعدالة الصحابة  وحسن سريرتهم وسمو مكانتهم, وتصرح برضا الله تعالى عنهم, وحسن ثوابه لهم, وأنهم كانوا خير أصحاب لخير رسول, بل كانوا خير أمة أخرجت للناس.
وها هي بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تشهد بعدالتهم وفضلهم والتــي لا يسع أحد إغفالها أو تجاوزها.
فمن الآيات التي تشهد بذلك:
قوله تعالى:  وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  ( ).
و قوله تعالى:  لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ( ).
و قوله تعالى:  لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا  ( )
فهذه الآيات وكثر غيرها تقطع بعدالة الصحابة  وتثبت أن بواطنهم كان يملؤها الإيمان فامتلأت سكينة وأمناً فهل نرد هذه الآيات من أجل أهواء ألقاها الشيطان في زوايا بعض العقول؟
إن التفوه بالنيل من الصحابة  هو تجريد لله عن العلم – تعالى الله عن ذلك- إذ كيف يرضى عن قوم امتلأت قلوبهم نفاقاً وأهواءً وحباً للجاه والسلطان. إذن فنحن بالخيار إما أن نصدق الله فيما أخبرنا به من أن الصحابة  قد نالوا رضاه بما امتلأت به قلوبهم من صادق الإيمان وكامل اليقين, وأما أن نرد هذه الآيات ونسمح لمن يريد أن يجتهد في سب الصحابة  طلباً للأجر كما تزعمون؟!!
وأما الأحاديث , فمنها قوله  : ( خير الناس قرني ثم ال1ين يلونهم ثم الذين يلونهم, ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)( ).
وقوله  : (لا تسبوا أصحابي فوالدي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)( ).
وقوله : ( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه)( ).
فأما أن يكون رسول الله  قد قال هذه الأحاديث عن علم بما كان عليه أصحابه, فيكون حالهم كما وصفهم, وفي هذه الحالة لا يجوز رد هذه الأحاديث, لأن ردها تكذيب له  وهو عين الكفر والعياذ بالله, وإما أن يكون  قد قالها اعتباطاً وجزافاً وهؤلاء أعلم بأصحابه منه  فتكون هذه الأخبار كاذبة , وفي هذا نكون قد نسبنا الكذب إلى رسول الله  وهو كفر بواح لاحظ لقائله بحبة خردل من إيمان.

رابعاً : الطعن في شخص الرسول 
ومن مفاسد الطعن في الصحابة  الطعن في شخص الرسول الأعظم  فهم تلامذته الذين كانوا يحيطون به صلى الله عليه وسلم وكان يأنس بهم ويتحدث إليهم فكان يحبهم ويحبونه, وكانوا يجتهدون في أن تكون حياتهم بحركاتها وسكناتها مطابقة لحياته , من أجل هذا كان  يقول: (من آذاهم فقد آذاني)( ) و يقول: (من أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني)( ).
وقديماً قالت العرب:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وفي هذا الخصوص يقول الإمام مالك: (إنما هؤلاء قوم أرادوا القدح في النبي  فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين أو كما قال)( ).

خامساً:- فشل الإسلام كدين صالح للتطبيق
والنتيجة الخامسة للطعن في الصحابة  هي أن الإسلام دين لم يطبق في يوم من الأيام وأنه غير صالح للتطبيق وأن تعاليمه إنما هي مُثُل تحلق في الفضاء. نعم, إذا آمنا بفسق الصحابة  وارتداهم والعياذ بالله وهم بحضرة رسول الله  وقد عاينوا معجزاته بأعينهم وسمعوا آيات الله وهي تتلى خلف صياصيهم على لسان نبيهم, ثم لا تلج هذه الآيات إلى قلوبهم فما معنى هذا؟ معناه أنهم قد طلب منهم ما لا طاقة لهم به أو أنهم ليسوا من البشر.
وإذا كان الصحابة  وقد عاشوا حياتهم كما نعرفها , جهاداً في سبيل الله بالمال والنفس والولد ومفارقة الأرض والأحباب في سبيل نشر دعوة الإسلام... إذا كان كل هذا يعد نفاقاً وفسقاً وارتداداً , فما هو معنى الإيمان الذي نريد أن نحققه والذي عجز الصحابة  من الوصول إليه؟ أهو الاجتهاد في الطعن والسباب وتحريف كتاب رب الأرباب ورد نصوص الكتاب والسنة؟! لست أدري ماذا يبقى من الإسلام أذا أصررنا على طعن الصحابة  وقد علمنا أن الطعن فيهم ينجم عنه سحب الثقة من القران والسنة, كما أنه ينجم عنه الطعن في شخص الرسول الكريم  وتصوير الإسلام ديناً بعيداً عن الواقع في إمكان تطبيقه, ثم كيف نستطيع أن نتصور الرسول  يقضي حياته بين ظهراني قوم منافقين يكلمهم ويجاملهم ويتعامل معهم ويتزوج منهم ويزوج بناته لهم, هل كان يخشاهم؟! هل كان يتظاهر بذلك وهو الذي علمنا الصدق في كل الأحوال؟!
وأخيراً أقول إن الإصرار على هذا الموقف لا يمكن المسلمين أن يجتمعوا في يوم من الأيام, ما دام فيهم من ينظر إلى الصحابة  هذه النظرة السوداء الحاقدة المارقة.
قوله تعالى:  رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ  ( )



الخاتمة










الخاتمـــة

بعد أن تكلمنا عن الصحابة  وتعرفنا على مكانتهم عند المسلمين وبينا الآثار التي نجم عن الطعن فيهم , أرى من المناسب هنا أن أسجل في هذه الخاتمة النتائج التي توصلت اليها من خلال رسالتي هذه وهي:
أولاً: أن الصحابة  هم حلقة الوصل بين الأمة وبين نبيها الكريم  وأن قطع هذه الحلقة يعني قطع صلة الأمة بنبيها .
ثانياً: إن على المؤمنين بالله ورسوله أن يسلموا بكل ما جاء في القرآن والسنة وبالتالي فلا يجوز له أن يناقش في عدالة الصحابة  بعد تعديل الله تعالى ورسوله الكريم  لهم.
ثالثاً: إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده, ومن فضله تعالى أن منّ على الصحابة  فأعطاهم فضيلة الصحبة, فلا يجوز لغيرهم أن يقيس نفسه بهم وأن يجعل من نفسه حكماً عليهم.
رابعاً: إن جميع الذين تطاولوا على مقام الصحابة  وقعوا في متاهاتٍ ومهاوٍ فاضطروا إلى القول بتحريف القرآن وبتأويل كثير من آياته تأويلاً باطنياً فاسداً لا يؤيده الظاهر ولا يتماشى مع قواعد اللغة ولا يقبله العقل.
خامساً: إن المستفيد من التطاول على السلف الصالح هم أعداء الإسلام من ملاحدة وزنادقة, لأن من شأن التطاول أن يفت في عضد الأمة ويقطع جذورها وصلتها بذلك السلف الذي شاد لها التاريخ الحافل بالأمجاد.
سادساً: إن التقريب بين المسلمين لا يكون بالسماح في التطاول على الصحابة  , وإنما يكون بإقلاع المخطئ عن خطئه, وإن أي تقريب على حساب سلف الأمة وجيلها الفذ هو ابتعاد عن الطريق الصحيح للتقريب بين المسلمين.
سابعاً: إن الأخوة الإسلامية هي الركن الأساس الذي يجب أن يلجأ إليه المسلمون في لمّ شعث الأمة , وإن أول ما يعتمد عليه في هذا هو احترام سلف الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم.
ثامناً: أرى من الضرورة الوطنية والدينية أن تعنى الجامعات والمعاهد في الأقطار العربية والإسلامية بدراسة حياة سلفنا الصالح من الصحابة  والتابعين, لإطلاع الأجيال على فضلهم ومكانتهم وما قدموا لهذه الأمة من أعمال أعلوا بها قدرها ورفعوا بها ذكرها بين الأمم, ولقطع الطريق على من تسول له نفسه النيل منهم والطعن بهم خدمة لأعداء للأمة ومريدي الشر والهوان بها.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


















المصادر




















1. القرآن الكريم.
2. الإباضية في موكب التاريخ
3.
4.
5.
6.
7.
8.
9.
10.
11.
12. الأساس في السنة وفقهها, سعيد حوى, الطبعة ألأولى, دار السلام 1409هـ-1898م.
13. الاستيعاب في أسماء الأصحاب, أبو عمر يوسف بن عبدالبر, على هامش الإصابة, لأبن حجر, المكتبة التجارية , القاهرة 1358 هـ,-1939 م.
14. الإسلام والخلافة, د.رشدي عليان, الطبعة الأولى 1974 م.
15. الإسلام الصحيح, محمد أسعد النشاشيبي, دار الفكر العربي, بيروت , لبنان.
16. إسلاميات طه حسين, طه حسين, الطبعة الأولى, دار الآداب, بيروت 1967م.
17. الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني, الطبعة الأولى,القاهرة 1328 هـ .
18. أصل الشيع وأصولها, محمد حسين كاشف الغطاء, الطبعة الرابعة عشرة, المطبعة الحيدرية, النجف 1385 هـ.
19. أصول الإسماعيلية, برنارد لويس, ترجمة خليل جلو, مصر 1947 م.
20. أصول الدين الإسلامي, د. رشدي عليان, د. قحطان عبدالرحمن الدوري, الطبعة الثانية, مطبعة الأرشاد, بغداد 1406 هـ
21. اعتقادات فرق المسلمين والمشركين, فخر الدين الرازي, مراجعة علي سامي النشار, مكتبة النهضة المصرية, القاهرة 1356 هـ-1938 م.
22. الأعلام, خير الدين الزركلي, المطبعة الثالثة, بيروت , لبنان.
23. الأغاني, أبو الفرج الأصفهاني, دار الكتب المصرية, القاهرة 1927 م.
24. الإمام زيد, محمد أبو زهرة, دار الفكر العربي, القاهرة 1378 هـ- 1959 م.
25. الإمام الصادق, محمد أبو زهرة, دار الفكر العربي, القاهرة, بدون تاريخ.
26. إمامة علي والعقل, محمد جواد مغنية, دار الفكر, بيروت, لبنان.
27. الانتصار في الرد على ابن الراوندي الملحد, ابن الخياط المعتزلي, المطبعة الكاثوليكية, بيروت 1957 م.
28. الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث, أبو الفداء إسماعيل بن كثير, تحقيق, أحمد محمد شاكر, الطبعة الثالثة, القاهرة 1377 هـ-1958 م.
29. البدء والتاريخ, مطهر بن طاهر المقدسي, طبعة باريس 1919 م.
30. البداية والنهاية, ابو الفداء إسماعيل بن كثير, مطبعة السعادة , مصر.
31. بحوث في تاريخ السنة المشرفة, د. أكرم ضياء العمري, الطبعة الثانية, مطبعة الإرشاد, بغداد 1392 هـ-1972 م.
32. البرهان في علوم القرآن, بدر الدين الزركشي, تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم, مصر 1957م.
33. التأويل الباطني للقرآن, د. خليل رجب حمدان الكبيسي, رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة بغداد 1411 هـ-1990م.
34. تاريخ الإسلام وطبقات مشاهير الأعلام, شمس الدين الذهبي, مكتبة القدس, القاهرة 1368 هـ.
35. تاريخ آداب العرب, مصطفى صادق الرافعي, الطبعة الرابعة, دار الكتاب, بيروت 1394 هـ-1974م.
36. التاريخ الإسلامي وفكر القرن العشرين, د. فاروق عمر فوزي, مكتبة النهضة, الطبعة الثانية, مطبعة آفاق عربية, بغداد, 1985.
37. تاريخ الأمة العربية العصر الراشدي والأموي, د. عبدالرزاق الأنباري, مطبعة الأرشاد, بغداد, 1985 م.
38. تاريخ بغداد أو مدينة السلام الخطيب البغدادي, القاهرة 1349 هـ-1931 م.
39. تاريخ التشريع الإسلامي, محمد علي السايس, لا معلومات عن الطبع.
40. تاريخ الخلفاء, جلال الدين السيوطي, تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد, الطبعة الأولى, مطبعة السعادة 1952 م.
41. تاريخ الدولة الفاطمية في المغرب وسوريا وبلاد العرب, د. حسن ابراهيم حسن, القاهرة 1958 م.
42. تاريخ الشعوب الإسلامية, كارل بروكلمان, مصر, القاهرة.
43. تاريخ صدر الإسلام, الدولة الأموية, عمر فروخ, الطبعة الرابعة, دار العلم للملايين, بيروت 1979م.
44. تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علم الكلام عند المسلمين, علي مطصفى الغرابي, مطبعة محمد علي صبيح وأولاده, القاهرة.
45. تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد, محمد أبو زهرة, دار الفكر العربي, دار الثقافة العربية.
46. التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن فرق الهالكين, ابو المظفر الاسفراييني, تحقيق: الشيخ محمد زاهد الكوثري, القاهرة, 1359 هـ-1940 م.
47. تبيين المعاني في شرح ديوان ابن هاني الأندلسي, شرح د. زاهد علي, مطبعة المعارف, 1352 هـ.
48. تدريب الراوي شرح تقريب النوواي, جلال الدين السيوطي, تحقيق: عبدالوهاب عبداللطيف, الطبعة الثانية, دار الكتب الحديثة 1385 هـ-1966 م.
49. التربية والتعليم في الفكر الإسلامي, د. أحمد شلبي, الطبعة الثامنة, مكتبة النهضة المصرية.
50. تطهير اللسان والجنان عن التفوه والخطورة بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان, ابن حجر الهيتمي, تحقيق: محمد زاهد الكوثري, القاهرة.
51. تفسير الطبري, أبو جعفر محمد بن جرير الطبري, تحقيق: محمود محمد شاكر, دار المعارف, القاهرة.
52. تفسير القمي, علي بن ابراهيم القمي, المطبعة الحيدرية, النجف, العراق.
53. تلبيس ابليس, أبو الفرج بن الجوزي, الطبعة الثانية, المطبعة المنيرية, القاهرة.
54. تلخيص الشافي, أبو جعفر الطوسي, الطبعة الثانية, مطبعة الآداب, النجف.
55. تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة, ابن عراق الكناني, تحقيق: عبدالوهاب عبداللطيف, مكتبة القاهرة 1378 هـ.
56. تهذيب الترغيب والترهيب, عبدالعظيم المنذري, تحقيق: عوني نعيم الشريف, الوكالة العربية للتوزيع, الزرقاء- الأردن 1410 هـ-1990م.
57. تهذيب التهذيب, ابن حجر العسقلاني, مطبعة حيدر آباد- الهند 1327 هـ.
58. التيار الاسلامي في شعر الصدر العباسي الأول,د. مجاهد مطصفى بهجت, الطبعة الأولى, مؤسسة المطبوعات العربية, بيروت 1402 هـ-1982 م.
59. جامع بيان العلم وفضله, يوسف بن عبدالبر, المطبعة المنيرية , القاهرة.
60. الجامع الصحيح, محمد بن إسماعيل البخاري, المطبعة الأميرية, القاهرة 1314 هـ.
61. الجرح والتعديل, ابن أبي حاتم الرازي, مطبعة حيدرآباد, الهند 1942 م.
62. الجواهر السنية في الأحاديث المقدسة, الحر العاملي, مطبعة النعمان,النجف 1964 م.
63. حجية السنة, عبدالغني عبدالخالق, دار البغدادي, دار التربية, بغداد.
64. الحركة الباطنية, المنطلقات والأساليب, مكي خليل محمود الزبيدي, الطبعة الأولى, دار الشؤون الثقافية, بغداد 1989 م.
65. حركات الشيعة المتطرفين, محمد جابر عبدالعال, مطبعة السنة المحمدية, القاهرة 1372 هـ-1954 م.
66. الحركات الهدامة في الإسلام, د. قحطان عبدالرحمن الدوري, الطبعة الأولى, دار الشؤون الثقافية, بغداد 1989 م.
67. حكم سب الصحابة , أبو معاوية بن محمد, سلسلة " ما أنا عليه واصحابي" القاهرة.
68. الحكومة الإسلامية, الخميني, القاهرة 1979 م.
69. حياة الإمام الحسن, باقر شريف القرشي, الطبعة الثانية, مطبعة الآداب, النجف.
70. حياة الصحابة , الكاندهلوي, حيدرآباد 1388 هـ-1986 م.
71. الخطط, تقي الدين أحمد بن علي المقريزي, المطبعة الأميرية, بولاق, القاهرة, 1270.
72. خطط الشام, محمد كرد علي, المطبعة الحديثة, دمشق, 1343 هـ-1925 م.
73. الخطوط العريضة, محب الدين الخطيب, وبذيله مؤتمر النجف, الطبعة العاشرة 1410 هـ- 1990 م.
74. الخطوط العريضة, محب الدين الخطيب, مؤسسة مكة للطباعة والنشر, 1380 هـ.
75. خلاصة التشريع الإسلامي, عبدالوهاب خلاف, الطبعة الخامسة مطبعة النصر, القاهرة, 1972 م.
76. الخلفاء الراشدون, عبدالوهاب النجار, دار الكتب العلمية, بيروت-لبنان 1406 هـ-1986 م.
77. دائرة المعارف الإسلامية, ترجمة ابراهيم زكي خورشيد وآخرون, القاهرة.
78. دائرة معارف القرن العشرين, محمد فريد وجدي, مطبعة معارف القرن العشرين, القاهرة.
79. دراسات في العقائد الإسلامية, د.عرفان عبدالحميد, مطبعة الإرشاد, بغداد 1967 م.
80. دراسات في تاريخ الفكر العربي, د.خليل ابراهيم السامرائي, منشورات مديرية دار الكتب, جامعة الموصل.
81. دفاع عن الحديث النبوي الشريف, مصطفى السباعي وآخرون, مطبعة الأيام, القاهرة, 1972 م.
82. دليل الحيران في الكشف عن آيات القرآن, صالح ناظم, دار المعرفة, بيروت-لبنان.
83. الرجال, ابو عمر محمد بن عمر الكشي, تعليق أحمد الحسين, مؤسسة الأعلمي, منطبعة الآداب, النجف.
84. رسالة في المفاضلة بين الصحابة , ابن حزم, تحقيق سعيد الإفغاني, المطبعة الهاشمية, دمشق, 1359 هـ-1940 م.
85. الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم, أبو عبدالله بن الوزير, نشره قصي محب الدين الخطيب, المطبعة السلفية, القاهرة 1385 هـ.
86. الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة  , يحيى بن أبي بكر اليمني, تصحيح عمر الديراوي ابو حجلة, الطبعة الثالثة, مكتبة المعارف, بيروت, لبنان 1983 م.
87. الزينة في الكلمات الإسلامية العربية, انظر: الغلو والفرق الغالية.
88. سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام, الصنعاني, وبذيله نخبة الفكر لابن حجر, دار الفكر, بيروت, لبنان.
89. السقيفة, محمد رضا المظفر, مؤسسة الأعلمي للمطبوعات, الطبعة الرابعة, 1973م.
90. السنة قبل التدوين, محمد عجاج الخطيب, دار الفكر, بيروت, لبنان 1971م.
91. سنن ابن ماجة, ابو عبدالله محمد بن يزيد القزويني( المعروف بابن ماجة), تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي, مطبعة عيسى الحلبي, القاهرة 1372 هـ-1952م.
92. سنن أبي داود, سليمان بن الأشعث السجستاني, تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد, الطبعة الثانية, المكتبة التجارية, القاهرة 1370 هـ -1950 م.
93. سنن الترمذي, أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي, المطبعة المصرية بالأزهر, القاهرة, 1350 هـ- 1931 م.
94. سنن النسائي, أبو عبدالرحمن بن شعيب النسائي, ومعه (شرح البى على المجتبى) للسيوطي, مطبعة مصطفى الحلبي, القاهرة, 1383 هـ-1964 م.
95. السياسة في الفكر الإسلامي, د. أحمد شلبي, الطبعة الثالثة, دار النهضة المصرية.
96. شرح العقائد النسفية, سعد الدين التفتازاني, الطبعة الأولى, تركيا 1926 م.
97. شرح المعلقات السبع, للزوني, مكتبة النهضة بغداد.
98. شرح نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهيم, مطبعة عيسى الحلبي, القاهرة 1958 م.
99. شرح النووي على صحيح مسلم, يحيى بن شرف الدين النووي, المطبعة المصرية بالأزهر, القاهرة 1347 هـ- 1929 م.
100. الشيعة وأهل البيت, إحسان الهي ظهير, إدارة ترجمان السنة, لاهور, باكستان, 1403 هـ-1983 م.
101. الشيعة والتشيع, إحسان الهي ظهير, إدارة ترجمان السنة, لاهور, باكستان, 1404 هـ-1984 م.
102. الشيعة والسنة, إحسان الهي ظهير, إدارة ترجمان السنة, لاهور, باكستان, 1404 هـ-1984 م.
103. الشيعة والقران, إحسان الهي ظهير, إدارة ترجمان السنة, لاهور, باكستان, 1405 هـ-1985 م.
104. صحيح مسلم, مسلم بن الحجاج النيسابوري, تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي, مطبعة عيسى الحلبي, القاهرة 1374 هـ-1955 م.
105. صراط الحق في المعارف الإسلامية والأصول الاعتقادية, محمد آصف المحسني, مطبعة النعمان, النجف, 1967 م.
106. الصراط المستقيم إلى مستحقة التقديم, زين الدين بن يونس العاملي البياضي,تحقيق: محمد باقر البهبودي, مطبعة الحيدري, المكتبة المرتضوية, ايران.
107. صوت الحق ودعوة الصدق, لطف الله الصافي, مطبعة دار المعارف, بيروت,لبنان.
108. ضحى الإسلام, أحمد أمين, دار الكتاب العربي, بيروت, لبنان 1949 م.
109. الطبقات الكبرى, ابن سعد, دار صائد, بيروت, لبنان, 1376 هـ-1957 م.
110. ظهر الإسلام, أحمد أمين, دار الكتاب العربي, بيروت, لبنان 1949 م.
111. عبدالله بن سبأ, المرتضى العسكري, مكتبة ب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الصحابة ومكانتهم عند المسلمين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عدالة الصحابة ومكانتهم في الإسلام عبدالله بن محمد العسكر روى
» صفة الصحابة في التوراة والانجيل منير عرفه
» ديرالزور البوليل بيان كتيبة احفاد الصحابة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى دير الزور :: المنتدى الديني derezzor :: قسم رسول الله، نُصرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم :: الدفاع عن الصحابه وامهات المؤمنين و الخلفاء الراشدين-
انتقل الى:  

 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Button1-bm

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر المنتدى ~

مواضيع مماثلة
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى دير الزور على موقع حفض الصفحات
اخر مواضيع المنتدى
<div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_ticker/news_widget" title="News Widget">News Widget</a></div>
أفضل 10 فاتحي مواضيع
ابن الفرات
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_rcap1 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Voting_bar الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_lcap 
حمدان
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_rcap1 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Voting_bar الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_lcap 
مهند الاحمد
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_rcap1 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Voting_bar الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_lcap 
ديري نشمي
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_rcap1 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Voting_bar الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_lcap 
الاسمر
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_rcap1 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Voting_bar الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_lcap 
ريم الساهر
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_rcap1 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Voting_bar الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_lcap 
نبض الأمل
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_rcap1 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Voting_bar الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_lcap 
الدير نت
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_rcap1 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Voting_bar الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_lcap 
ديرية حرة
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_rcap1 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Voting_bar الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_lcap 
العاشق لاحباب
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_rcap1 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Voting_bar الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Vote_lcap 
المواضيع الأخيرة
» دورة مهارات تقييم الاداء الوظيفي للمديرين والمشرفين
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالإثنين فبراير 03, 2020 12:32 pm من طرف Manal

» دورة التحليل الفنى لتداولات الأسهم
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالأربعاء يناير 22, 2020 11:48 am من طرف Manal

» التحليل. الاحصائى .للبوصات
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالثلاثاء يناير 21, 2020 11:53 am من طرف Manal

» دورة اساسيات الرقابة الصحية على الاغذية
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالإثنين يناير 20, 2020 9:28 am من طرف Manal

» تطبيق نظام haccp في إعداد وتصنيع وتداول الغذاء
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالأحد يناير 19, 2020 9:24 am من طرف Manal

» دورة ادارة مخاطر التأمين الصحي
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالخميس يناير 16, 2020 10:22 am من طرف Manal

» #دورة_ إدارة_الجودة_الشاملة_في_مجال_المشتريات_والمخازن
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالأربعاء يناير 15, 2020 8:39 am من طرف Manal

» التحليل .المالِى. spss
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالثلاثاء يناير 14, 2020 9:42 am من طرف Manal

» دورة. التحليل .المالِى
 الصحابة ومكانتهم عند المسلمين Icon_minitimeالأحد يناير 12, 2020 9:11 am من طرف Manal