منتدى دير الزور
عزيزي الزائر الكريم .. زيارتك لنا أسعدتنا كثيراً .. و لكن لن تكتمل سعادتنا إلا بانضمامك لأسرتنا .. لذا نرجوا منك الضغط على زر التسجيل التالي من فضلك
واملىء حقول التسجيل ،ملاحة ضع بريد صحيحا لتفعيل عضويتك من بريدك الشخصي
بعد التسجيل تصلك رسالة بريدية على بريدك الشخصي تجد فيها تعليمات تفعيل العضوية
وشكرا
مع تحيات ادارة منتديات دير الزور
منتدى دير الزور
عزيزي الزائر الكريم .. زيارتك لنا أسعدتنا كثيراً .. و لكن لن تكتمل سعادتنا إلا بانضمامك لأسرتنا .. لذا نرجوا منك الضغط على زر التسجيل التالي من فضلك
واملىء حقول التسجيل ،ملاحة ضع بريد صحيحا لتفعيل عضويتك من بريدك الشخصي
بعد التسجيل تصلك رسالة بريدية على بريدك الشخصي تجد فيها تعليمات تفعيل العضوية
وشكرا
مع تحيات ادارة منتديات دير الزور
منتدى دير الزور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لا للظلم لا لسرقة أحلام الشعب السوري لا لسرقة خيرات الشعب السوري لا لسرقة عرق الشعب السوري لا لسرقة دماء الشعب السوري لا لحكم الأسرة الواحدة لا لآل الأسد الحرية لشعبنا العظيم و النصر لثورتنا المجيدة المصدر : منتديات دير الزور: https://2et2.yoo7.com
 
الرئيسيةمجلة الديرأحدث الصورالتسجيلدخولمجلة الديرزخرف نيمك الخاص بالفيس بوكأضف موقع

مساحة اعلانية
مساحة اعلانية Check Google Page Rank منتديات دير الزور 3 بيج رنك

 

 كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في    كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2012 11:14 am



كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Clip_image001كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Clip_image001عـاقبــة الظـــلم





كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في
جريدة «الأهرام» المصرية رسالة تقول فيها:



دفعني للكتابة إليك بيتا الشعر اللذان قرأتهما في ردك
على إحدى الرسائل التي وصلتك من أحد القراء, ويقول البيتان:





إنما الدنيا هباتٌ







وعوار مُسترده





شدةٌ بعد رخاءٍ







ورخاءٌ بعد شده







فأردت أن أروي لك قصتي عسى أن تكون عبرة لغيري...


أنا زوجة وأم لفتاة بالسنة النهائية بإحدى الكليات النظرية.. ولي بالإضافة إلى الفتاة ابن متزوج
ولديه طفلان.. وزوجي ضابط عسكري بالمعاش.. ونحن نعيش في أحد أحياء القاهرة..



ومنذ أن بدأتُ حياتي مع زوجي ونحن نعيش
في حياة رغدة.. وقد استعنت طوال حياتي الزوجية على تربية أولادي بمربيات عديدات..
لا أتذكر عددهن من كثرتهنَّ!!.. ولا عجب في ذلك.. فقد كانت كل واحدة منهن لا تمكث
عندي أكثر من شهرين.. ثم تفرُّ من قسوة زوجي العدواني بطبعه.. والذي لا أعرف هل
اكتسب عدوانيته هذه خلال رحلة حياته أم أنها وراثية فيه؛ فقد كان يتفنن في تعذيب
أي مربية تعمل عندنا.. ولا أنكر أني شاركتُه في بعض الأحيان جريمته بالقسوة على
هؤلاء المسكينات..









الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في    كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2012 11:14 am

(2)


ومنذ خمسة عشر عامًا.. وحين كانت ابنتي
في السابعة من عمرها وابني في المرحلة المتوسطة.. جاءنا مزارع من معارف زوجي.. ومن
أبناء بلدته.. يصطحب معه ابنته الطفلة ذات الأعوام التسعة.. فاستقبله زوجي
بكبرياء.. فقال المزارع البسيط لزوجي..



إنه أتى بابنته لتعمل عندنا مقابل عشرين جنيهًا في
الشهر!!..



ووافقنا على ذلك.. وترك المزارع
المكافح طفلته الشقراء عندنا وهمَّ بالرحيل.. فانخرطت الطفلة في البكاء.. وهي
تُمسك بجلباب أبيها.. وتستحلفه ألا يتأخر عن زيارتها.. وألا ينسى أن يسلم لها على
أمها وأخواتها.. وانصرف الأب وهو دامع العينين.. وقد وعدها بتنفيذ ما طلبته منه..



وبدأت الطفلة حياتها الجديدة معنا..
فكانت تستيقظ في الصباح الباكر قبل أن يستيقظ طفلاي لتساعدني في إعداد طعام
الإفطار لهما.. تحمل الحقائب المدرسية وتنزل بها إلى الشارع.. وتظل واقفة مع ابني
وابنتي حتى تحملهما حافلة المدرسة.. وتعود للشقة بعد ذلك فتتناول طعام إفطارها..
وكان في الغالب فولاً بدون زيت وخبزًا على وشك التعفن!!



وفي بعض الأحيان قد نجود عليها بقليل
من العسل الأسود أو الجبن..



ثم تبدأ بعد الإفطار في ممارسة أعمال
البيت من تنظيف وشراء الخضر والمسح والكنس والطبخ.. وتلبية النداءات والطلبات
الخاصة بأهل المنزل إلى منتصف الليل.. فتسقط حينئذ على الأرض كالقتيلة وتستغرق في
النوم..



وعند أي هفوة أو نسيان أو تأجيل أداء
عمل مطلوب منها.. ينهال عليها زوجي ضربًا بقسوة شديدة.. فتتحمل الضرب باكيةً
صابرة.. ورغم ذلك فقد كانت طفلةً في منتهى الأمانة والنظافة والإخلاص لمخدوميها..
تفرح بأبسط الأشياء.. وكانت دائمًا تحنُّ إلى أبيها وأمها وأخواتها وقريتها..



ورغم اعترافي بأني كنتُ شريكةً لزوجي
في قسوته على الخادمات.. وتفَننهُ في تعذيبهن.. حتى أنه كان أحيانًا يختلق الأسباب
لضرب أي خادمة تعمل عندنا.. إلا أنه كانت تأخذني الشفقة في بعض الأحيان على هذه
الفتاة لطيبتها وانكسارها وإخلاصها. فأناشدُ زوجي ألا يضربها..



وأقول له: إنها قد كبُرت وتعودت على
طباعنا.. وتحملتنا كثيرًا فلا داعي للاستمرار في ضربها..



فكان يقول لي ضاحكًا: إنه لو لم يضربها
فستطلب هي بنفسها منه أن يضربها!!.. لأنها قد تعودت على ضربه..



ثم يُتابع قائلاً: إن هذا الصنف من الناس
لا تنفع معه المعاملة الطيبة..






* * * *






(3)


واستمرت الفتاة معنا.. تتحمل العذاب في
صمت وصبر.. وأتذكر الآن أنه حين كان يأتي العيد يخرج طفلاي مبتهجين مُدللين..
بينما تبقى هذه الطفلة التي تماثلها في العمر تنظف وتغسل دون شفقة أو رحمة..



وبعد أن تنتهي من أعمالها الشاقة ترتدي
فستانًا قديمًا لكنه نظيف.. لأنها كانت تحرص على نظافة ملابسها البسيطة.. أما
أبوها فلم تره تلك الطفلة إلا مرات معدودة بعد عملها عندنا.. فقد انقطع عن زيارتها
بعد شهور.. وبدأ يرسل أحد أقاربه لاستلام أجرتها الشهرية..



كما أنها لم ترَ أمها وإخوتها إلا في
ثلاث مناسبات محددة:



الأولى: حين مات شقيقها الأكبر في حادث
عند عودته من الأردن.. وكانت الفتاة المحرومة تُعلق عليه آمالاً كثيرة.. وتحلم بأن
ينتشلها من العذاب الذي تعانيه عندنا.. فإذا به يلقى مصرعه وتفقد آخر أمل لها في
النجاة.. فبكت عليه بحرقة وسرًا حتى لا يراها زوجي.. فتلقى عقابًا شديدًا على
يديه.



والمرة الثانية لم تكن تعاطفا منا
عليها.. وإنما كانت تخلصًا منها في الحقيقة.. فقد كانت مصابة بمرض مُعدٍ.. وخشينا
على طفلينا من انتقال العدوى إليهما بواسطتها.. فأبعدناها إلى بلدتها بحجة أن ترى
أمها وإخوتها..






وكانت المرة الثالثة عند وفاة أبيها..
بعد أن دخلت مرحلة الصبا.. واستقر الحزن والانكسار في قلبها..



وأقولها بكل صراحة:


إني أبكي الآن كلما تذكرتُ قسوة عقابنا
لها إذا أخطأت أيَّ خطأ.. وكان لابدَّ أن تخطئ.. كأي طفلة صغيرة.. بل كأي إنسان..



لقد كان زوجي يصعقها بسلك الكهرباء!!..
وكثيرًا ما حرمناها من وجبة العشاء في ليالي البرد القارسة.. فباتت على الطوى
جائعة.. ولا أتذكر أنها نامت ليلة لمدة سنوات طويلة دون أن تبكي!!..



(4)


وسوف تتساءل: ولماذا تحملت الفتاة كل
هذا العذاب ولم تهرب بجلدها من جحيمكم وقسوتكم؟!!



وأُجيبك بأن الفتاة حين قاربت سن
الشباب.. خرجت ذات يوم لشراء الخضروات ولم تعد إلى البيت.. فسأل زوجي البواب
عنها.. وعرف أنها كانت تتحدث لفترات طويلة مع شاب يعمل لدى جزار بنفس الشارع، وأنه
من المحتمل أن تكون قد اتفقت معه على أن يتزوجها وينتشلها من هذا الجحيم الذي تعيش
فيه..



وبدأ زوجي في البحث عنها.. ولم يمضِ
أسبوع حتى كان نفوذ زوجي قد تكفل بإحضارها من مخبئها.. واستقبلناها عند عودتها
استقبالاً حافلاً بكل أنواع العذاب والقسوة..



فقام زوجي بصعقها بالكهرباء.. وتطوع
ابني بركلها بعنف.. بينما بكت ابنتي وهي تقول لأبيها: حرام يا بابا.. هذا حرام..
حرام..



ففقد زوجي سيطرته على نفسه واستدار
إليها وضربها هي أيضًا.. وكانت هذه المرة الأولى في حياتها التي يضربها فيها
أبوها!!..



وعادت الفتاة لحياتها الشقية معنا..
واستسلمت لمصيرها المقدور.. واستمر الوضع كما كان عليه، تخطيء أو تؤجل عمل شيء بعض
الوقت.. فيضربها زوجي ضربًا مبرحًا.. ونخرج في الإجازات للفسحة والنزهة.. ونترك
لها بقايا طعام الأسبوع لتأكله..



ثم شيئًا فشيئًا بدأنا نلاحظ عليها أن
الأكواب والأطباق تسقط من يديها.. وأنها تعثر كثيرًا في مشيتها، فعرضناها على طبيب
العيون فأكد لنا أن نظرها قد ضعف جدًا بسبب ما تتلقاه من صدمات وضربات على منطقة
الدماغ والعين.. وأنه ينسحب ويتقلص تدريجيًا.. وأنها لا ترى حاليًا قدميها.. أي
أنها أصبحت شبه عمياء!!..



ورغم ذلك كله فلم نرحمها.. وظلت تقوم
بكل أعمال نظافة المسكن.. وتخرج لشراء الخُضَر كما كانت تفعل.. وكثيرًا ما صفعتُها
إذا عادت من السوق بخضروات ليست طازجة.. وكثيرًا ما كانت تفعل ذلك لضعف بصرها
الشديد..



فأشفقتْ عليها زوجة البوَّاب.. فكانت
تُجلسها في مدخل العمارة وتذهب هي لشراء الخضروات لها.. حتى تُنقذها من الإهانة
والضرب.. واستمر الحال هكذا لفترة من الزمن..






(5)


ثم خرجت الفتاة ذات يوم من البيت بعد
أن أصبحت كفيفة تقريبًا، ولم تعد إليه مرة أخرى.. ولم نهتم بالبحث عنها هذه
المرة.. لأنها أصبحت في حكم العمياء تقريبًا.. وماذا نصنع بعمياء؟!!



ومضت السنوات فأُحيل زوجي للتقاعد..
واستقبل حياة الفراغ.. وفقد المنصب والنفوذ.. فتضاعفت عصبيته وثوراته.. وانقلاباته
إلى حد غير محتمل.. ومع ذلك فقد تحملتُهُ بسبب عِشرة السنين..



وتخرج ابني من الجامعة وعمل وتوظَّف ثم
عزم على الزواج بإحدى الفتيات.. فخطبناها له.. وهي فتاة رائعة الجمال..



وتزوجها وسعدنا بها.. واكتملت سعادتنا
حين عرفنا أنها حامل، ثم جاءت اللحظة السعيدة.. وضعت مولودها الأول.. فإذا بنا
نكتشف الحقيقة القاسية؛ إنه طفلُ أعمى لا يُبصر!!.. وتحولت الفرحة إلى سحابة كثيفة
من الحزن القاتم..



وبدأنا الرحلة الطويلة مع الأطباء..
نتنقل من طبيب لآخر.. بحثًا عن علاج لهذا العمى الذي أصاب المولود الجديد.. ولكن
بدون نتيجة..



واستسلم ابني وزوجته للأمر الواقع..
وانطفأ الأمل في قلبيهما.. وأدْخلْنا حفيدنا الموعود بالعناء والنصب حضانةً
للأطفال المكفوفين والعميان..



وقررت زوجة ابني ألا تحمل مرة أخرى..
خوفًا من تكرار الكارثة.. لكنَّ الأطباء طمأنوها إلى أن هذا مستحيل.. لأنه لا توجد
صلة قرابة بينهما وبين زوجها كما تؤكد العوامل الوراثية.. وشجَّعوها على الحمل
وإنجاب طفل آخر يعيد البسمة إلى حياتها وزوجها.. وشجعناها نحن أيضًا على ذلك.. على
أمل أن يُرزق ابننا بطفل طبيعي يخفف من حزنه وصدمته في طفله الأول..






(6)


وحملتْ زوجة ابني للمرة الثانية..
وأنجبت طفلةً جميلةً شقراء نزلت إلى الحياة.. فتوقفت قلوبنا حتى زفَّ الطبيب
البشرى بأنها ترى وتبصر كالأطفال العاديين.. وليست عمياء..



وسعدنا بها سعادة مضاعفة.. وانهالت
عليها وعلى شقيقها المكفوف اللعب والملابس والهدايا.. وبعد سبعة شهور لاحظنا عليها
أن نظرها مُركّز في اتجاه واحد لا تحيد عنه.. فعرضناها على أخصائي عيون للاطمئنان
على سلامة عينيها.. فإذا به يصدمنا بحقيقة أشدَّ هولا..



وهي أنها لا ترى إلا مجرد بصيص من
الضوء.. وأنها معرضة أيضًا لفقد بصرها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..



ورأى زوجي ذلك فأصيب بحالة نفسية فسدت
معها أيامه.. وكره كل شيء.. حتى بيته وأولاده وأسرته.. ثم تطورت حالته وازدادت
سوءًا.. فأشار علينا الطبيب بإدخاله مصحة نفسية لعلاجه من الاكتئاب وانقباض
الصدر..



وأحسستُ بهموم الدنيا تطأ على صدري
بقسوة.. وفي غمرة ضيقي وأحزاني.. تذكرتُ تلك الفتاة الكسيرة التي هربت من جحيمنا
كفيفةً عمياءَ.. بعد أن أمضت معنا عشر سنوات ذاقت خلالها أهوال الصعق بالكهرباء
والضرب والهوان والحرمان..



وأخذت أتساءل مع نفسي: هل ما حلَّ بنا
من مصائب ونكبات هو عقابٌ سماوي وانتقام إلهي لتلك الفتاة المسكينة؟!!..



لقد ظلمناها وعذبناها ونسينا عقاب ربها
ومولاها!!.. فانتقم لها جبار السموات والأرض.. والجزاء من جنس العمل.. وكما تدين
تُدان..



وأصبحت صورة تلك
الفتاة اليتيمة التي أهملنا علاجها.. وتسببنا في إصابتها بالعمى.. تطاردني في
وحدتي.. وتملك عليَّ تفكيري..



وتعلَّق أملي في عفو ربي عما جنينا بحق
تلك الفتاة المسكينة.. وأيقنتُ أن هذا هو السبيل الوحيد لتخلصنا من هذه النكبات
المتتابعة والمصائب المتلاحقة.. التي تحل بنا واحدة بعد الأخرى..



فأخذتُ أبحث عن تلك الفتاة.. ورحتُ
أسأل الجميع عنها.. حتى دلَّنا أحد الجيران.. على مكانها.. وعلمنا أنها تعمل خادمة
بأحد المساجد..



فذهبتُ إليها وأحضرتها لتعيش معي ما
بقي لي من أيامي!!..



ورغم كل قسوة الذكريات فقد فرحتْ
الفتاة بسؤالي عنها وحرصي على عودتها إلينا.. وحفظت العشرة التي لم نحفظها نحن..
ورَعَت العيش والملح الذي لم نرعه معها..



وعادت معي تلك الفتاة اليتيمة العمياء
تتحسس الطريق وأنا أقودها بيدي.. وفرحتْ بسماع صوت ابنتي الشابة التي طالما أحبتها
هذه الفتاة اليتيمة في طفولتها وصباها.. لأن ابنتي كانت تدافع عنها أمام ضرب زوجي
وابني لها إذا قصَّرت في عملها..



وسكنت تلك الفتاة اليتيمة معنا في
بيتنا الذي ذاقت فيه صنوف العذاب.. وأنواع المهانة والإذلال.. وأصبحتُ أخدمها
وأرعاها وأقوم على شؤونها هي وطفلَيَّ.












* * * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في    كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2012 11:16 am

بسم الله الرحمن الرحيم





إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
r.


} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
{ [آل عمران].


وقال تعالى: } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
{ [النساء]


وقال تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
{ [الأحزاب].


أما بعد:


فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمد r وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار([sup][1])[/sup].


فهذه رسالة عن عبادة عظيمة هجرها بعض الناس وقد وسمتها فاستجاب لهم ربهم.


ولقد بدأت هذه الرسالة بشواهد من قصص بعض الأنبياء عليهم أفضل الصلاة وأتم
التسليم والصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان ثم ختمت الشواهد بقصص من الواقع
المعاصر.



ولقد ضمنت آخر الرسالة أحوال الناس في الدعاء وشروط الدعاء وآدابه والأوقات
الشرعية للدعاء وتوجيهات قبل الدعاء.



آمل أن ينفع الله بها، وتكون من الأسباب القوية المؤثرة بالاتصال برب
العالمين، والتمسك بالعقدية، ونبذ الشرك بالله واللجوء إليه سبحانه. ولقد اختصرت
في سند الشواهد لسرعة الوصول إلى الشاهد ثم أحلت إلى المصدر.



وفي الختام أسأل الله القبول في القول والعمل





صالح بن راشد بن محمد الهويمل








* * * *






(1)


قصة نبي الله أيوب عليه السلام


قال الله تعالى: } وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ
أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ
{ [الأنبياء: 83-84].


إن حادثة أيوب بلسم للمرضى وفي ذكرها رفع لمستوى الإيمان «وذلك أن أيوب كان
له من الدواب، والأنعام، والحرث شيء كثير والأولاد كثر ومنازل مرضية فابتلي في ذلك
كله وذهب عن آخره ...



ثم ابتُلي أيوب عليه السلام في جسده بمرض الجذام في سائر بدنه ولم يبق منه
سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما الله سبحانه، حتى إن الناس بعد ما كانوا أقرب إليه
عافه أهل البلد ووضع في مكان في آخر البلد، ولم يبق أحد يحنو إليه سوى زوجته، كانت
تقوم بأمره حتى إنها احتاجت فأخذت تخدم في البيوت لكي تؤمن له الطعام والشراب ولقد
كان نبي الله أيوب عليه السلام غاية في الصبر، يُضرب به المثل في ذلك قال يزيد بن
ميسرة: لما ابتلى الله أيوب عليه السلام بذهاب الأهل والمال والولد ولم يبق شيء له
أحسن الذكر ثم قال: أحمدك رب الأرباب الذي أحسنت إلي؛ أعطيتني المال والولد فلم
يبق من قلبي شعبة إلا وقد دخله ذلك فأخذت ذلك كله مني وفرغت قلبي فليس يحول بيني
وبينك شيء لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت حسدني، قال: فلقي إبليس من ذلك منكرًا،
وقد طال بأيوب البلاء حتى إنه لبث في البلاء سبع سنين، وقيل ثلاث، وقيل ثماني عشرة
سنة حتى إن إبليس حاول إغواء أيوب بواسطة صاحبيه في أن يشرب الخمر فنهرهما وقال
عليه السلام لصاحبيه كلامكما وطعامكما وشرابكما حرام فقاما من عنده ثم إن إبليس –
لعنه الله – تنكر بصورة طبيب فقال لزوجته قد طال سقم أيوب فإذا أراد أن يبرأ
فليأخذ ذبابًا وليذبحه باسم صنم بني فلان فإنه يبرأ، ويتوب بعد ذلك، فقالت ذلك
لأيوب فقال قد أتاك الخبيث، لله علي إن برأت أن أجلدك مائة جلدة فخرجت تسعى عليه،
فحظر عنها الرزق فلما اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب الجوع حلقت من شعرها قرنًا
فباعته لصبية من بنات الأشراف؛ فأعطوها طعامًا طيبًا كثيرًا فأتت به أيوب فلما رآه
أنكره وقال من أين لك هذا؟ قالت عملت لأناس فأطعموني فأكل منه فلما كان الغد خرجت
فطلبت أن تعمل فلم تجد فحلقت أيضًا قرنًا فباعته على تلك الجارية فأعطوها أيضًا من
ذلك الطعام فأتت به أيوب، فقال: والله لا أطعمه حتى أعلم من أين هو؟ فوضعت خمارها
فلما رأى رأسها محلوقًا جزع جزعًا شديدًا فعند ذلك دعا الله عز وجل فقال:
} أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ { فقال الله له: } ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ { فاغتسل أيوب عليه السلام بهذا
الماء الذي أمره الله عز وجل به فعافاه الله، ولقد رد الله عليه ماله، وولده عينًا
ومثلهم معهم»
([sup][2])[/sup].


فيا ليت أصحاب الأمراض والمنكوبين يتعظون من قصة نبي الله أيوب عليه
السلام.



* * * *


(2)


قصة يونس عليه السلام


قال الله تعالى: } وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ
نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ
{ [سورة الأنبياء].


«كان يونس عليه السلام قد بعثه الله إلى أهل قرية نينوى - وهي قرية من أرض
الموصل - فدعاهم إلى الله تعالى فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم فخرج من بين أظهرهم
مغاضبًا لهم ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، ثم ركب مع قوم في سفينة فلجلجت بهم وخافوا
أن يغرقوا فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس
عليه السلام فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، فأبوا ثم أعادوها فوقعت
عليه أيضًا؛ قال تعالى:
} فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ { [الصافات] أي وقعت عليه القرعة فقام يونس
وتجرد من ثيابه ثم ألقى نفسه في البحر وقد أرسل الله سبحانه من البحر الأخضر –
فيما قاله ابن مسعود – حوتًا يشق البحار حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من
السفينة فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحمًا ولا تهشم له عظمًا فإن يونس
ليس لك رزقًا وإنما بطنك تكون له سجنًا قال ابن مسعود: وكان يونس عليه السلام في
ظلماتٍ ثلاث: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر،
وظلمة الليل، وقال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما في ذلك أنه ذهب به الحوت في
البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره فنادى
في الظلمات:
} أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ
{ قال عوف الأعرابي: لما صار يونس عليه السلام في بطن
الحوت ظن أنه قد مات ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه، ثم نادى يا رب اتخذت لك
مسجدًا في موضع لم يبلغه أحد من الناس، وقال سعيد بن الحسن البصري: «مكث في بطن
الحوت أربعين يومًا رواهما ابن جرير وقال محمد بن إسحاق بن يسار عمن حدثه عن عبد
الله بن رافع مولى أم سلمة سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله
r: «لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا
تخدش له لحمًا ولا تكسر له عظمًا فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًا،
فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه في بطن الحوت أن هذا تسبيح دواب البحر،
قال:
وسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتًا
ضعيفًا بأرض غريبة قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا:
العبد الصالح الذي كان يصعد له في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم.
قال:
فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال الله تعالى:
} وَهُوَ سَقِيمٌ { [الصافات: 145]


وقال r:... دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت } لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ
{ فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له» رواه الترمذي والنسائي([sup][3])[/sup].


(3)


دعاء الرسول r لأم أبي هريرة


قال أبو هريرة رضي الله عنه: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها
يومًا فأسمعتني في رسول الله
r ما أكره، فأتيت رسول الله r وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي
فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فأدع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول
الله
r: «اللهم اهد أم أبي هريرة» فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله r فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف – أي: مغلق – فسمعت أمي خشف قدمي –
أي صوتهما على الأرض – فقالت: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء – أي صوت
تحريك الماء – قال: فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا
أبا هريرة؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى
رسول الله
r وأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله
دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا، قال: قلت يا رسول الله
أدع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول
الله
r: «اللهم حبب عُبَيدك هذا – يعني أبا هريرة – وأمه إلى عبادك
المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين
» فما خُلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني
[مسلم 4546].






(4)


دعاء الرسول r لعروة بن أبي الجعد الباقري


رضي الله عنه


ذلك أن النبي r أعطى عروة بن أبي الجعد البارقي دينارًا يشتري به شاة فاشترى له به شاتين
فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى
التراب لربح فيه. وفي مسند الإمام أحمد أنه قال له: «اللهم بارك له في صفقة
يمينه؛
فكان يقف في الكوفة ويربح أربعين ألفًا قبل أن يرجع إلى أهله»
[مسند أحمد 4/376]([sup][4])[/sup].


(5)


دعاء النبي r لأنس بن مالك


رضي الله عنه


عن أنس رضي الله عنه قال جاءت بي أمي أم أنس إلى رسول الله r وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه فقالت: يا رسول الله هذا أُنيس ابني
أتيتك به يخدمك فادع الله له فقال
r: «اللهم أكثر ماله وولده». قال أنس رضي الله عنه فوالله إن مالي
كثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم.
[أخرجه مسلم].


(6)


دعاء الرسول r لعبد الله بن عباس


رضي الله عنهما


فقد دعا r لابن عباس رضي الله عنهما، وهو يومئذ غلام فقال: «اللهم فقهه في الدين
وعلمه التأويل
» فخرج أفقه الناس في الدين، وأعلمهم بالتأويل، حتى سمي البحر،
لسعة علمه، رضي الله عنه.



(7)


دعاء الرسول r للنابغة الجعدي


رضي الله عنه


فقد دعا رسول الله r للنابغة الجعدي بقوله له: «لا يفضض الله فاك» فعُمَّرَ، وكان أحسن
الناس ثغرًا كلما سقطت له سن نبتت له أخرى
([sup][5])[/sup].


(Cool


دعاء عمير بن سعد رضي الله عنه


عندما أراد الرسول r غزوة تبوك أمر المسلمين بأخذ العدة، والعتاد، ويتجهزون، ويستعدون، وفي يوم
من الأيام كان الفتى عمير بن سعد عائدًا إلى بيته بعد أداء الصلاة في المسجد وقد
امتلأت نفسه بطائفة مشرقة من صور بذل المسلمين وتضحيتهم، رآها بعينيه، وسمعها
بأذنيه وما كاد يسمع الجلاس ما سمع – وهو زوج أمه – حتى انطلقت من فمه كلمة أطارت
صواب الفتى المؤمن إذ سمعه يقول: إن كان محمد صادقًا فيما يدعي من النبوة فنحن شر
من الحمير. فالتفت عمير إلى الجلاس وقال: والله يا جلاس ما كان على ظهر الأرض أحد
بعد محمد بن عبد الله أحب إلي منك، فأنت آثر الناس عندي وأجلهم يدًا علي، ولقد قلت
مقالة إن ذكرتها فضحتك، وإن أخفيتها خنت أمانتي، وأهلكت نفسي وديني، وقد عزمت على
أن أمضي إلى رسول الله
r، وأخبره بما قلت فكن على بينة من أمرك. ومضى الفتى عمير إلى المسجد وأخبر
النبي
r بما سمع من الجلاس بن سويد فاسْتَبْقَاه رسول الله r عنده، وأرسل أحد أصحابه يدعو الجلاس، فجاء الجلاس وحيَّا رسول الله r، وجلس بين يديه فقال له النبي r: «ما مقالة سمعها منك عمير بن سعد؟» وذكر له ما قاله: فقال: كذب
علي يا رسول الله وافترى، فما تفوهت بشيء من ذلك. والتفت الرسول
r إلى عمير فرأى وجهه قد احتقن بالدم، والدموع تنحدر مدرارًا من عينيه
فتساقط على خديه وصدره وهو يقول: اللهم أنزل على نبيك بيان ما تكلمت به ... اللهم
أنزل على نبيك بيان ما تكلمت به.



فبرز الجلاس وقال: إن ما ذكرته لك يا رسول الله هو الحق، وإن شئت تحالفنا
بين يديك، وإني أحلف بالله إني ما قلت شيئًا مما نقله لك عمير.






فما إن انتهى من حلفه حتى أخذت عيون الناس تنتقل عنه إلى عمير بن سعد، حتى
غشيت رسول الله
r السكينة، فعرف الصحابة إنه الوحي، فلزموا أماكنهم، وسكنت جوارحهم، ولاذوا
بالصمت، وتعلقت أبصارهم بالنبي
r، وهنا ظهر الخوف، والوجل على الجلاس، وبدأ التلهف والتشوق على عمير، وظل
الجميع كذلك حتى سري عن النبي
r فتلا قوله عز وجل: } يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ
الْكُفْرِ
{ إلى قوله عز وجل: } فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا
{ [التوبة: 74].


فارتعد الجلاس من هول ما سمع وكاد ينعقد لسانه من الجزع ثم التفت إلى رسول
الله
r وقال: بل أتوب يا رسول الله ... بل أتوب ... صدق عمير يا رسول الله وكنت
من الكاذبين ... وهنا توجه الرسول
r إلى الفتى فإذا دموع الفرح تبلل وجهه المشرق بنور الإيمان، فمد رسول الله r يده الشريفة إلى أذنه وأمسكها برفق وقال: «وفت أذنك يا غلام ما سمعت،
وصدقت ربك»
([sup][6])[/sup].


(9)


دعاء الرسول r على بعض أعدائه


من ذلك أن المشركين آذوا رسول الله r في مكة وأمر أبو جهل بعض القوم أن يضع سلا الجزور بين كتفي النبي r وهو ساجد ففعل ذلك عقبة بن أبي معيط فلما قضى النبي r صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم: «اللهم عليك بقريش» ثلاث مرات فلما
سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال: «اللهم عليك بأبي جهل بن هشام،
وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي
معيط
» قال ابن مسعود: فوالذي بعث محمدًا
r بالحق لقد رأيت الذي سمى صرعى يوم بدر، ثم سُحبوا إلى القليب، قليب بدر
وفي رواية: فأقسم بالله لقد رأيتهم صرعى على بدر قد غيرتهم الشمس، وكان يومًا
حارًا
[مسلم 3/1420].


(10)


دعاء الرسول r على سراقة بن مالك


رضي الله عنه


لحق سراقة بالنبي r يريد أن يقتله وأبا بكر رضي الله عنه؛ لكي يحصل
على دية كل واحد منهما؛ لأن قريشًا جعلوا لمن يقتل رسول الله
r وأبا بكر – رضي الله عنه – أو أسرهما دية لكل
واحد منهما، فلحق سراقة بالنبي
r وعندما رآه أبو بكر – رضي الله عنه – قال: يا
رسول الله هذا فارس قد لحق بنا فالتفت إليه رسول الله
r فقال: «اللهم اصرعه» وساخت يد فرس سراقة
في الأرض حتى بلغت الركبتين. فقال سراقة: يا رسول الله ادع الله لي، فدعا له رسول
الله
r ونجت فرسه، ورجع يخفي عنهما، فكان أول النهار جاهدًا
على النبي
r وكان آخر النهار مسلحة له يخفي عنه [البخاري في الفتح 7/238، 240، 249 برقم 3906،
3908، 3911]
.


(11)


دعاء الرسول r يوم بدر


عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله r إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً فاستقبل نبي الله
r القبلة ثم مدّ يده فجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت
ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض
» فما
زال يهتف بربه مادًا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه فأتاه أبو بكر فألقاه على
منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كذاك – أي كفاك – مناشدتك ربك فإنه
سينجز لك وعدك. فأنزل الله عز وجل:
} إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي
مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ
{ [الأنفال: 9]. فأمده الله
بالملائكة
[مسلم 3/1384].


قال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين
أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك
أمامه فخر مستلقيًا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط فاحضر
ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله
r فقال: «صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة» فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا
سبعين.
[مسلم 3/1384-1385].








(12)


دعاء الرسول r يوم الأحزاب


كان المحاربون لرسول الله r في غزوة الأحزاب خمسة أصناف هم: المشركون من أهل مكة، والمشركون من قبائل
العرب، واليهود من خارج المدينة، وبنو قريطة، والمنافقون، وكان من حضر الخندق من
الكفار عشرة آلاف، والمسلمون مع النبي
r ثلاثة آلاف، وقد حاصروا النبي r شهرًا ولم يكن بينهم قتال إلا ما كان من عمرو بن ود العامري مع علي بن أبي
طالب رضي الله عنه فقتله علي رضي الله عنه، وكان ذلك في السنة الرابعة من الهجرة
[زاد المعاد 3/269 – 276].


ودعا رسول الله r عليهم فقال: «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم
اهزمهم وزلزلهم
»
[البخاري مع الفتح
7/406 برقم 415]
. وأرسل الله على الأحزاب جندًا من
الريح فجعلت تقوض خيامهم، ولا تدع لهم قدرًا إلا كفأته، ولا طنبًا إلا قلعته، ولا
يقر لهم قرار، وجند الله الملائكة يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف
[زاد المعاد 3/274].


قال الله تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا
لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
{ [الأحزاب]([sup][7])[/sup].


(13)


دعاء النبي r على عتبة بين أبي لهب


روى أن النبي r لما تلا } وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى { قال عتبة بن أبي لهب كفرت بالذي
دنا فتدلى فقال النبي
r: «اللهم سلَّط عليه كلبًا من كلابك» يعني الأسد، فخرج عتبة مع
أصحابه في عير إلى الشام حتى إذا كانوا في طريقهم زأر الأسد فجعلت فرائص عتبة
ترتعد فقال أصحابه من أي شيء ترتعد فوالله ما نحن وأنت إلا سواء فقال إن محمدًا
دعا عليَّ وما تُرد له دعوة ولا أصدق منه لهجة فوضعوا العشاء، فلم يدخل عتبة يده
فيه وحاط القوم أنفسهم بمتاعهم وجعلوا عتبة وسطهم وناموا فجاء الأسد يشم رؤوسهم
حتى انتهى إلى عتبة فهشمه هشمة أوصلته إلى آخر رمق، فقال: وهو بآخر رمق ألم أقل
لكم إن محمدًا أصدق الناس لهجة؟
([sup][8])[/sup].


(14)


دعاء الله بصالح الأعمال


حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري حدثني سالم بن عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما قال: سمعت رسول الله
r يقول: «انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه
فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقال: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن
تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت
لا أغبق قبلهما أهلاً ومالاً فنأى بي طلب شيء فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما
غبوقها فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح على يدي
أنتظر اسيتقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك
ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج.
قال النبي
r: وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي فأردتها عن
نفسها فامتنعت مني حتى قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت
من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم
إن كنت فعلت ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا
يستطيعون الخروج منها.
قال النبي
r: وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد
ترك الذي له وذهب فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد
الله أدِ إلي أجري فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق
فقال: يا عبد الله لا تهزأ بي. فقلت: إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك
منه شيئًا، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت
الصخرة فخرجوا يمشون
»
([sup][9])[/sup].


(15)


دعاء عمر رضي الله عنه على نفسه


... عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما
نفر من منى، أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من بطحاء فألقى عليها طرف رداءه، ثم
استلقى، ورفع يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي،
فاقبضني إليك غير مضيع، ولا مفرط، فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات رحمه الله
([sup][10])[/sup].


(16)


النعمان يقسم على ربه


... عن أبي ثابت بن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال النعمان بن قوقل رضي
الله عنه يوم أحد: اللهم إني أقسم عليك أن أُقتل، فأدخل الجنة، فقُتل، فقال رسول
الله
r: «إن النعمان أقسم على الله، فأبره فلقد رأيته يطأ في حظيرتها ما به من
عرج
»
([sup][11])[/sup].


(17)


دعاء المكروب


... عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله r من الأنصار يكنى أبا معلق، وكان تاجرًا يتجر بمال له ولغيره يضرب به
الآفاق، وكان ناسكًا ورعًا فخرج مرة فلقيه لص مقنع بسلاح فقال له: ضع ما معك فإني
قاتلك، قال: ما تريد إلى دمي؟ شأنك بالمال، قال: أما المال فلي، ولست أريد إلا
دمك، قال: أما إذا أبيت، فذرني أصلي أربع ركعات قال: صلَّ ما بدا لك، فتوضأ، ثم
صلى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد يا
فعَّال لما يريد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي يُضام وبنورك الذي ملأ
أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، قال دعا: بها
ثلاث مرات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به
اللص أقبل نحوه، فطعنه، فقتله ثم أقبل إليه، فقال: قم قال من أنت؟ بأبي أنت وأمي؛
فقد أغاثني الله بك اليوم، قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول،
فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت
بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله.



قال أنس: فاعلم أنه من توضأ، وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء، استجيب له
مكروبًا كان، أو غير مكروب
([sup][12])[/sup].






(18)


دعاء سعد بن أبي وقاص


رضي الله عنه


... عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: شكا أهل الكوفة سعدًا رضي الله عنه
إلى عمر رضي الله عنه، حتى قالوا: إنه لا يحسن يصلي، قال سعد: أما أنا فإني كنت
أصلي بهم صلاة رسول الله
r، لا أخرم – أي لا أنقص – عنها، أركد في الأوليين وأحذف الآخرين، قال عمر
رضي الله عنه: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، ثم بعث رجالاً يسألون عنه في مجالس
الكوفة فكانوا لا يأتون مجلسًا إلا أثنوا عليه خيرًا، وقالوا معروفًا، حتى أتوا
مسجدًا من مساجدهم، فقال رجل يقال له أبو سعدة، فقال: اللهم إذا سألتمونا، فإنه
كان لا يعول في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، فقال سعد رضي الله
عنه: اللهم إن كان كاذبًا فاعم بصره، وأطل فقره، وعرضه للفتن.



قال عبد الملك: فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، فإذا قيل له: كيف أنت يا
أبا سعدة؟ قال: كبير فقير مفتون، أصابتني دعوة سعد
([sup][13])[/sup].






(19)


فضل دعاء الأعمى


عن نافع، أن ابن عمر رضي الله عنهما أضاف رجلاً أعمى، فأكرمه ابن عمر رضي
الله عنهما، وأنامه في منزله الذي ينام فيه، فلما كان في جوف الليل، قام ابن عمر
رضي الله عنهما، فتوضأ، فأسبغ الوضوء، ثم صلى ركعتين، ثم دعا بدعاء فهمه الأعمى،
فلما رجع ابن عمر رضي الله عنهما إلى مضجعه، قام الأعمى إلى فضل وضوء ابن عمر رضي
الله عنهما، فتوضأ، وأسبغ، ثم صلى ركعتين، ثم دعا بذلك الدعاء، فرد الله عليه
بصره، فشده الصبح مع ابن عمر رضي الله عنهما بصيرًا، فلما فرغ، التفت إلى ابن عمر
رضي الله عنهما فقال: يا أبا عبد الرحمن دعاء سمعته منك البارحة تدعو به، فهمته،
فقمت، فصنعت مثل الذي صنعت، فرد الله علي بصري، قال: ذاك دعاء علَّمناه رسول الله
r، وأمرنا أن لا نعلمه أحدًا يدعو به في أمر الدنيا، قال: «قل اللهم رب
الأرواح الفانية، والأجساد البالية، أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها،
وبطاعة الأجساد الملتئمة بعزتك، وبكلماتك النافذة فيهم، وأخذك الحق بينهم،
والخلائق بين يديك ينتظرون فصل قضائك، ويرجون رحمتك، ويخافون عقابك، أن تجعل النور
في بصري، واليقين في قلبي، وذكرك بالليل والنهار على لساني، وعملاً صالحًا فارزقني»
([sup][14])[/sup].


(20)


دعاء عمرو السرايا


عن عمرو السرايا، قال: كنت أغزو في بلاد الروم وحدي، فبينا أنا ذات يوم
نائم، إذا ورد علي علج، فحركني فانتبهت، فقال: يا عربي اختر إن شئت مطاعنة، وإن
شئت مسايفة، وإن شئت مصارعه، فقلت: أما المسايفة والمطاعنة فلا طاقة لي بقتالهما،
ولكن مصارعه. فنزل، فلم ينهنهني – أي لم يمهلني – أن صرعني، وجلس على صدري، فقال:
أي قتلة أقتلك فتذكرت، فرفعت طرفي إلى السماء، فقلت: أشهد أن كل معبود ما دون عرشك
إلى قرار أرضك باطل، غير وجهك الكريم، قد ترى ما أنا فيه ففرج عني، فأغمي علي ثم
أفقت، فإذا الرومي قتيل إلى جانبي.



(21)


صفوان بن محرز يدعو في جوف الليل


حدثنا جعفر بن سليمان قال: سمعت ثابتًا البناني، قال: أخذ عبيد الله بن
زياد ابن أخ لصفوان بن محرز فحبسه في السجن، فلم يدع صفوان شريفًا بالبصرة يرجو
منفعته إلا تجمل به عليه فلم ير لحاجته نجاحًا فبات في مصلاه حزينًا، قال: فهوم من
الليل فإذا آت قد أتاه في منامه، فقال: يا صفوان قم فاطلب حاجتك من وجهها، قال:
فانتبه فزعًا، فقام فتوضأ، ثم صلى، ثم دعا فأرق ابن زياد، فقال: علي بابن أخي
صفوان بن محرز، فجاء الحراس، وجيء بالنيران، وفتحت تلك الأبواب الحديدية في جوف
الليل، فقيل: أين ابن أخي صفوان بن محرز؟ أخرجوه، فإني قد منعت من النوم منذ
الليلة، فأتى به ابن زياد، فكلمه، ثم قال: انطلق بلا كفيل ولا شيء، فما شعر صفوان
حتى ضرب عليه ابن أخيه بابه، قال صفوان: ما هذا؟ قال: أنا فلان، قال فأي ساعة هذه
الساعة؟ فحدثه الحديث
([sup][15])[/sup].


(22)


دعاء بسر بن سعيد على الواشي


حدثني الحجاج بن صفوان بن أبي يزيد، قال: وشي رجل ببسر بن سعيد إلى الوليد [بن عبد الملك أنه يطعن على الأمراء، أو يعيب بني مروان] قال: فأرسل إليه الوليد، والرجل عنده، قال فجيء به ترعد فرائصه، فأدخل
عليه، فسأله عن ذلك، فأنكره بسر وقال: ما فعلت، فالتفت الوليد إلى الرجل، فقال: يا
بسر هذا يشهد عليك بذلك، فنظر إليه بسر وقال: أهكذا؟ قال: نعم، فنكس رأسه وجعل
ينكت في الأرض، ثم رفع رأسه، وقال: اللهم قد شهد بما قد علمت أني لم أقله، فإن كنت
صادقًا، فأرني به على ما قال: فانكب الرجل على وجهه، فلم يزل يضطرب حتى مات
([sup][16])[/sup].









(23)


دعاء مريض شافاه الله


عن عمر بن ثابت الخزرجي، قال: دخلت في أذن رجل من أهل البصرة حصاة، فعالجها
الأطباء، فلم يقدروا عليها، حتى وصلت إلى صماخه فأسهرت ليله، ونغصت عيش نهاره،
فأتى رجل من أصحاب الحسن، فشكا ذلك إليه، فقال: ويحك إن كان شيء ينفعك فدعوة
العلاء بن الحضرمي التي دعا بها في البحر وفي المفازة، قال: وما هي؟ قال: يا
عليُّ، يا عظيم، يا عليم، يا حليم، قال: فدعا بها، فوالله ما برحنا حتى خرجت من
أذنه ولها طنين حتى صكت الحائط وبرأ
([sup][17])[/sup].


(24)


فضل دعاء المجاهد في سبيل الله


عن الشعبي: أن قومًا من المهاجرين خرجوا متطوعين في سبيل الله، فنفق – أي
مات – حمار رجل منهم، فأرادوه على أن ينطلق معهم فأبى، فانطلق أصحابه مترجلين وتركوه،
فقام، وتوضأ وصلى، ثم رفع يديه فقال: اللهم إني خرجت مجاهدًا في سبيلك، وابتغاء
مرضاتك، وأشهد أنك تحيي الموتى، وأنك تبعث من في القبور، اللهم فأحيي لي حماري، ثم
قام إلى الحمار فضربه فقام الحمار ينفض أذنيه فأسرجه وألجمه، ثم ركبه فأجراه حتى
لحق بأصحابه، فقالوا له: ما شأنك؟ قال: إن الله تعالى بعث لي حماري.



قال إسماعيل: قال الشعبي: أنا رأيت هذا الحمار بيع أو يباع بالكناسة: مكان
بالكوفة
([sup][18])[/sup].


(25)


دعاء النجاة من القتل


عن عامر الشعبي، قال: كنت جالسًا مع زياد بن أبي سفيان، فأُتى برجل يُحمل،
ما نشك في قتله، قال: فرأيته حرك شفتيه بشيء ما ندري ما هو، قال: فخلي سبيله، فقال
بعض القوم: لقد جيء بك وما نشك في قتلك، فرأيناك حركت شفتيك بشيء ما ندري ما هو،
فخُلي سبيلك! قال: قلت: اللهم رب إبراهيم، ورب إسحاق ويعقوب، ورب جبريل، وإسرافيل،
ومنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم، ادرأ عني شر زياد، قال فخلى عني
([sup][19])[/sup].


(26)


خروج الحصاة من الأذن


في رواية عن سعيد بن عنبسة قال: بينما رجل جالس يعبث بالحصى ويحذف به إذا
رجعت حصاة منها عليه فصارت في أذنه فجهدوا بكل حيلة فلم يقدروا على إخراجها فبقيت
الحصاة في أذنه مدة وهي تؤلمه فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع قارئًا يقرأ
} أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ { فقال الرجل: يا رب أنت المجيب
وأنا المضطر فاكشف عني ضر ما أنا فيه فنزلت الحصاة من أذنه في الحال.



(27)


دعاء عاصم بن أبي إسحاق


(شيخ القراء في زمانه)


روى البيهقي في فضائل الأعمال عن
حماد بن سلمة أن عاصم ابن أبي إسحاق – شيخ القراء في زمانه – قال: أصابتني خصاصة
أي حاجة، وفاقة فجئت إلى بعض إخواني فأخبرته بأمري فرأيت في وجهه الكراهة فخرجت من
منزلي إلى الجبانة – أي إلى الصحراء – فصليت ما شاء الله تعالى، ثم وضعت وجهي على
الأرض فقلت: يا مسبب الأسباب، يا مفتح الأبواب، ويا سامع الأصوات، ويا مجيب
الدعوات، ويا قاضي الحاجات، اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك – يلح
على الله بهذا الدعاء – قال: فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعة بقربي فرفعت رأسي
فإذا بحدأة طرحت كيسًا أحمر، فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانون دينارًا وجوهرًا ملفوفًا
في قطنة، فبعت الجواهر بمال عظيم، وأفضلت – أي أبقيت الدنانير – وأشتريت منها
عقارًا وحمدت الله تعالى على ذلك.

















([1]) هذه خطبة الحاجة التي
كان يبدأ بها النبي
r أخرجه
مسلم (2/593) – 868 – وأبو داود (2/239) - 2118 والترمذي (4/61) – 1105 – والنسائي
(6/89) – 3278 وأحمد (1/302-393).







([2]) ابن كثير، إسماعيل،
تفسير القرآن العظيم، ج3، ص 183-185 [بتصرف]







([3]) ابن كثير، إسماعيل،
تفسير القرآن العظيم، ج3ص186-188 [بتصرف].







([4]) القحطاني، سعيد بن علي
بن وهف. شروط الدعاء، وموانع الإجابة، ص106-108.







([5]) السلمان، عبد العزيز
بن محمد، سلاح اليقظان لطرد الشيطان، ص126-127.







([6]) الباشا، عبد الرحمن،
صور من حياة الصحابة، ج4، ص12-20 [بتصرف].







([7]) القحطاني، سعيد بن علي بن وهف. شروط الدعاء وموانع
الإجابة، ص108-113.







([8]) السلمان، عبد العزيز
بن محمد. سلاح اليقظان لطرد الشيطان، ص126-127.







([9]) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الإجارة، رقم الحديث
2111.







([10]) الحافظ أبي الدنيا، مجابو الدعوة؛ تحقيق محمد عبد القادر عطاء، ص66
[بتصرف].







([11]) المرجع السابق، 63.






([12]) المرجع السابق، ص64-65.






([13]) المرجع السابق، ص73-74.






([14]) المرجع السابق، ص136.






([15][/font:535f
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: (28) دعاء أصبغ بن زيد عن أصبغ بن زيد قال: مكثت أنا   كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2012 11:18 am



(28)


دعاء أصبغ بن زيد


عن أصبغ بن زيد قال: مكثت أنا ومن عندي ثلاثًا لم نطعم شيئًا من الجوع
فخرجت إلى ابنتي الصغيرة وقالت: يا أبت الجوع – تشكو الجوع – قال: فأتيت الميضأة
فتوضئت، وصليت ركعتين أُلهمت دعاء دعوت في آخره: «اللهم افتح علي منك رزقًا لا
تجعل لأحد علي فيه منة ولا لك علي في الآخرة تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم
انصرفت إلى البيت فإذا بابنتي الكبيرة قد قامت إلي، وقالت: يا أبتاه جاء – رجل
يقول: إنه عَمَّي – بهذه الصرة من الدراهم، وبحمال عليه دقيق، وحمال عليه من كل
شيء في السوق، وقال: أقرئوا أخي السلام، وقولوا له إذا احتجت إلى شيء ادع بهذا
الدعاء فتأتيك حاجتك. قال أصبغ بن زيد: والله ما كان لي أحد قط، ولا أعرف من كان
هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير».



(29)


دعاء شقيق البلخي


عن شقيق البلخي قال: كنت في بيتي قاعدًا فقال لي أهلي: قد ترى ما بهؤلاء
الأطفال من الجوع قال: فتوضأت وكان لي صديق لا يزال يقسم علي بالله إن يكن لي حاجة
أعلمه بها، ولا أكتمها عنه، فخطر ذكره ببالي، فلما خرجت من المنزل مررت بالمسجد،
فذكرت ما روي عن أبي جعفر قال: من عرضت له حاجة إلى مخلوق فليبدأ فيها بالله عز
وجل، قال: فدخلت المسجد وصليت فيه ركعتين، فلما كنت في التشهد أفرغ علي النوم
فرأيت في منامي أنه قيل: يا شقيق أتدُلُ العباد على الله ثم تنساه، قال: فاستيقظت،
وعلمت أن ذلك تنبيه نبهني به ربي فلم أخرج من المسجد حتى صليت العشاء الآخرة ثم
تركت الذهاب لصاحبي وتوكلت على الله، وانصرفت إلى المنزل فوجدت الذي أردت أن أقصده
قد حركه الله وأجرى لأهلي على يديه ما أغناهم إن ربي لسميع الدعاء.



(30)


دعاء سعيد بن جبير على الديك


كان لسعيد بن جبير ديك يقوم من الليل بصياحه، فلم يصح ليلة من الليالي حتى
أصبح ولم يصل سعيد تلك الليلة – أي لم يصل قيام الليل – فشق عليه ذلك قال: ما له
قطع الله صوته – يعني الديك – وكان سعيد مجاب الدعوة فما سمع للديك صوت بعد ذلك
الدعاء فقالت أم سعيد: يا بُني لا تدع على شيء بعدها ذكر ذلك الذهبي في كتابه (سير
أعلام النبلاء)
([sup][1])[/sup].


(31)


دعاء من وشي به عند الحجاج


ذكر التنوخي أن رجلاً وشي به عند الحجاج، فأمر بإدخاله السجن تمهيدًا لقتله
فقام الرجل المسجون في جوف الليل، وصلى أربع ركعات ثم دعا بقوله: اللهم إنك تعلم
أني كنت على إساءتي وظلمي وإسرافي على نفسي لم أجعل لك ولدًا ولا شريكًا ولا ندًا
ولا كفوًا فإن تعذب فعدل منك وإن تعف فأنت العزيز الحكيم، اللهم إني أسألك يا من
لا يأتي عطاؤه بإلحاح الملحين، ولا يَمُن بعفوه، أن تجعل في ساعتي هذه فرجًا
ومخرجًا مما أنا فيه من حيث أرجو ومن حيث لا أرجو وخذ لي بقلب عبدك الحجاج وسمعه
وبصره ويده ورجله حتى يخرجني في ساعتي هذه فإن قلبه وناصيته في يدك، يا رب يا رب،
قال وقد كثَّر الدعاء فوالذي لا إله غيره ما انقطع دعاؤه حتى ضرب باب السجن وقيل:
يا فلان فقام الرجل وقال للسجناء: يا هؤلاء إن تكن العافية فوالله لا أدع الدعاء
لكم، وإن تكن الثانية فجمع الله بيننا وبينكم في مستقر رحمته، فبلغه من الغد أنه
خُلي سبيله
([sup][2])[/sup].


(32)


دعوة الوالد لولده


يذكر الشيخ محمد المختار الشنقيطي رجلاً في ضعف وبؤس وضيق حال كان يذهب
ويسعى لوالده فإذا جاء بأجرة يومه وضعها على المنضدة وذلك استحياء من أن يمدها
بيده لأبيه فتكون منّة على أبيه، يقول الرجل: فكنت كلما أضع المال بين يديه يدعو
الله ويقول: اللهم ارزق ابني القرآن واجعله من أهله فبلغ أكثر من عشرين عامًا وهو
تائه في الأعمال حتى شاء الله يومًا من الأيام وهو راجع من عمله إذا به يلتقي
بعالم كان عمدة في بلده في الفتوى فقال العالم للرجل: ما الذي أنت فيه؟ قال الرجل:
ما ترى أسعى بالرزق. قال العالم: هل لك أن تجعل لي يومًا من أسبوعك؟ قال الرجل:
نعم ونعمت عيني بذلك، فما زال يتردد عليه حتى جاء اليوم الذي يُناقش فيه الرجل في
رسالة الدكتوراه في تفسير القرآن الكريم، فلما دُعي للمناقشة وجلس إذا بشيخه
وأستاذه يقوم مهابة له وإجلالاً لما كان له من العلم فقال: تفضل يا شيخ – ومن
المعلوم أن الشيخ لا يتنزل لطالبه – وإذا به أمام الجمع قال: هالني ما رأيت فيه من
العلم والمعرفة بكتاب الله فعظمته وأجللته فلما تفضل الرجل جلس وهو يبكي فقال
الشيخ: تبكي ونحن نريد أن نجلك؟ قال الرجل: تذكرت دعوة أبي رحمه الله: اللهم ارزق
ابني القرآن واجعله من أهله، فبلَّغه الله هذه المنزلة العظيمة
([sup][3])[/sup].


(33)


الدعاء وطلب الوظيفة


يذكر الشيخ محمد المختار الشنقيطي: أن رجلاً تنكدت عليه وظيفته وبقي في حزن
وشجى فشاء الله أن لقيه الشيخ وقد بلغ الرجل من الهم والغم ما بلغ وكان يبحث عن
رجل يؤثِّر على صاحب الصلاحية في التوظيف فقال للشيخ: هل رأيت فلان؟ فأجاب الشيخ:
أنه لم يره، ثم سأله الشيخ: هل انقضت حاجتك؟ قال: لم تنقض حتى الآن، وإني أبحث عن
الرجل الذي له تأثير قال الشيخ: هناك من يحل موضوعك ويكفيك همك.



فسأل الرجل: وهل يؤثر على صاحب صلاحية التوظيف؟ قال الشيخ: نعم يؤثر عليه.
فسأل الرجل: وهل تعرفه؟ قال الشيخ: نعم. فسأل الرجل: وهل تستطيع أن تكلمه؟ فقال
الشيخ: نعم وتستطيع أن تكلمه أنت أيضًا. فقال الرجل: بل كلمه أنت جزاك الله خيرًا.
فسأل الرجل: من هو؟ قال الشيخ: إنه الله – هنا أصاب الرجل: نوع من التردد – ثم قال
الشيخ: يا أخي اتق الله، لو قلت: فلان من البشر لقلت: هيَّا بنا إليه، ولما قلت:
الله ترددت! نعم ما عرفت الله فهلا جربت دعوة الأسحار؟ وشاء الله أن يتقابل الشيخ
بالرجل بعد أسبوع وإذا بالوجه البشوش. يقول الرجل: من العجب أني قمت من مجلسك ومن
توفيق الله أني استيقظت وقت الأسحار وكأن شخصًا يوقظني فشاء الله وأن صليت ودعوت
الله ولذت بالله كأني أراه فعندما أصبح الصباح فأردت أن أهب إلى مكان الوظيفة ثم
شاء الله وأن أغير الطريق فمررت بمصلحة من المصالح ونزلت وسألت مدير المصلحة فرحب
بي فأخبرته بموضوعي فقال المدير: أين أنت؟ نبحث عن أمثالك فخيرني بين وظيفتين وقد
كنت أتمنى أقل منها
([sup][4])[/sup].






(34)


دعوة شاب صالح لوالده


يحدث الشيخ عمر بن سعود العيد أن هناك شابًا صالحًا يحب الأخيار ويحب
مجالستهم وكان له أب على نقيضه يكره الصالحين وكان إذا رآهم عند ابنه ربما طردهم
من المنزل غير مراع لشعور ابنه – وكان ابنه حليمًا مع والده يدعوه ويدعو له ...
وفي ليلة من الليالي كان لوالده مع الهداية موعدًا ... قام الابن في ثلث الليل
وصلى ما تيسر له أن يصلي وفي آخر ركعة من صلاته رفع يديه إلى السماء وبدأ يدعو
لوالده بالهداية، فما لبث إلا قليلاً حتى بدأت دموعه تنهمر من عينيه وأخذ يبكي
وأخذت تلك الدعوات الصادقة تخرج من قلبه خوفًا وخشية على أبيه وفي تلك اللحظات
المفعمة بصدق الالتجاء إلى الله دخل والده البيت قادمًا من إحدى سهراته وسمع
باكيًا يبكي بحرقة وألم فذهب يلتمس مصدر الصوت وعندما وصل إليه وهمَّ بفتح الباب
إذا به يسمع ابنه يتضرع إلى الله يدعو له بالهداية ... فتأثر الأب وجثا على ركبتيه
عند باب الغرفة وأخذ يبكي ويقول: ... ولدي يدعو لي وأنا أضايقه ...، يدعو لي وأنا
أحاربه، وفي غضون ذلك انتهى الابن من صلاته، ولما فتح باب الغرفة إذا بأبيه جالس
يبكي، فلما رأى الأب ابنه اشتد بكاؤه وضم ابنه وقال له: والله لا أضايقك بعد
اليوم.



والأعجب من ذلك كله ما قاله الشيخ بعدها، حيث قال: وكان الأب بعد ذلك ربما
قام مع ابنه يصليان آخر الليل سويًا
([sup][5])[/sup].


(35)


الدعاء بطلب الذرية


يروي لي شاب قصة مفادها أنه كان يعيش أيام الشباب في أحلام يريد تحقيقها
ولكن لا لوحده بل معه أبناؤه ... وبعد أيام تحقق جزء من أحلامه فقد تزوج ولكن تأخر
الحمل عند زوجته وصار الناس ينظرون إليه بنظرة إشفاق ورحمة وأخذ بعضهم يطرح عليه
أسماء لامعة من الأطباء كي يتدارك العمر ليرى فلذات الأكباد فأصبح كلما جلس في
مجلس نصحه الكبير والصغير ولكن ما هي هذه النصيحة؟! إنها نصيحة بالأخذ بالأسباب
الدنيوية وللأسف الشديد ربما ينسون الأسباب القوية المؤثرة ألا وهي الاتصال برب
العالمين برفع قوة الإيمان.



وفي مجلس من المجالس أخذ الحاضرون يطرحون اللائمة عليه وكأنهم يظنون أن هذا
بيده حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت ثم إن زوجته قد شُحنت كذلك من النساء اللاتي
يجلسن معها والمرأة المسكينة ربما تتعلق بالكلام ولو أنه من نسج الخيال، فيقول:
فحدثتني بذلك، مما زاد الطين بلة. يقول: فصليت لله ركعتين أناجي فيهما ربي في دعاء
عريض عند السجود وأتذكر قول الله تعالى:
} أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ
{ يقول: بحمد الله لم ينقض شهر إلا
وقد قدر الله الحمل عند الزوجة.







(36)


الدعاء على الولد وللولد


شاب كان يرعى الغنم لأبيه، ورأى تهافت الشباب على السفر والانخراط في السلك
العسكري فطلب من أبيه أن يسمح له بالذهاب معهم فرفض الأب ذلك، حاول الشاب مرارًا
فلم يأذن له الأب فقرر أن يذهب بالرغم من عدم رضا والده فقال الأب لابنه: أما
القوة فما لي عليك من قوة، ولكن ما لي عليك إلا دعوة أرفعها إلى الله وقت السحر،
فذهب الشاب وترك غنمه مع أحد أقرانه وذهب إلى سفره، وعلم الأب بسفره – وكان الأب
صالحًا تقيًا – فرفع يديه إلى الحي القيوم وسأل الله عز وجل أن يريه في ولده ما
يكره، فعمي الابن وهو في الطريق وأستقبله بعض أفراد قبيلته في الطائف وسألوه ماذا
يريد؟ قال: كنت أريد الوظيفة أما الآن فأعمى لا يقبل مثلي في الوظيفة: فأتوا به
إلى أبيه وعندما دخل عليه وهو في جوف الليل وكان والده ضعيف البصر فنادى الشاب.
فقال أبوه: أفلان أنت؟ قال: نعم. قال أبوه: هل وجدت السهم؟ قال: نعم. فدخل على
أبيه يُقاد. لكن الأب الحنون حزن حزنًا عظيمًا وتأثر تأثرًا كبيرًا وكان يود لو
كانت في غير عينيه فقام ليلته تلك يبكي ويئن يركع ويسجد ويلحس بلسانه عين ولده
ويدعو الله عز وجل والله قريب مجيب فما قام لصلاة الفجر حتى عاد لولده البصر فحمد
الله كثيرًا
([sup][6])[/sup].






أحوال الناس في الدعاء


طرحنا في الصفحات السابقة شواهد من الدعاء وهي من قبل الأنبياء والصالحين،
أناس رفعوا أكف الضراعة إلى الله فأجاب دعواتهم، وسبب طرحي لذلك علها أن تريح
القلوب فتطمئن بأن الله سبحانه هو الواحد الأحد الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.



أخي الداعي: ربما يأتيك الشيطان
ويدعوك ويقول لك دعوت الله ولم يستجب لك فنقول: لا تعجل أخي فربما يريد الله أن
يسمع تضرعك ويرى إنطراحك ويسمع استغفارك ويرى دموع ندمك تنسكب من عينيك مصحوبة
بالتوبة، والالتجاء، والخوف من الله، ثم اعلم أخي: أن الداعي في أحوال ثلاثة: إما
أن يستجيب الله له في الحال، وإما أن يصرف الله عنه من الشرور بقدر ما دعا، أو أن
الله يدخر دعوته إلى يوم القيامة، فيجزل له العطايا، وذلك لأن الله لا يضيع أجر من
أحسن عملاً، حتى أن أهل الدعوات المستجابة في الدنيا يتمنون أن الله ما استجاب لهم
دعواتهم لما يرون لإخوانهم الذين ادخر الله لهم أجرهم يوم القيامة.



فعن جابر رضي الله عنه عن النبي r قال: «يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه، فيقول: عبدي
إني أمرتك أن تدعوني، ووعدتك أن أستجيب لك، فهل كنت تدعوني؟ فيقول: نعم يا رب،
فيقول: أما إنك لم تدعني بدعوة إلا استجبت لك، أليس دعوتني يوم كذا وكذا أن أفرج
عنك ما نزل بك ففرجت عنك، فيقول: نعم يا رب، فيقول: إني عجلتها لك في الدنيا،
ودعوتني يوم كذا وكذا أن أفرج عنك ما نزل بك فلم تر فجرًا، قال: نعم يا رب، فيقول:
إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا، ودعوتني في حاجة أقضيها لك يوم كذا وكذا
فقضيتها، فيقول: نعم يا رب، فيقول إني عجلتها لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا
في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها، فيقول: نعم يا رب فيقول: إني ادخرت لك بها في
الجنة كذا وكذا
» قال رسول الله
r: «فلا يدع دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بيّن له إما أن يكون عجّل له
في الدنيا، وإما أن يكون أُدخر له في الآخرة،
قال: فيقول المؤمن في ذلك
المقام يا ليته لم يكن عجّل له شيء من دعائه
» انظر جامع الأصول (4/164)
([sup][7])[/sup].


أخي: إن بعض الناس يتكل على الأمور
الدنيوية بل ربما ينسى الله في أغلب الأحوال وترى من حوله ينصحه أيضًا بأخذ
الأسباب الدنيوية قبل الأسباب القوية المؤثرة وهي الاتصال برب العالمين لرفع ما به
من شكوى إلى الله. فهو الشافي، وهو الواقي وهو على كل شيء قدير. ولا يمنع من الأخذ
بالأسباب الدنيوية بعد التوكل على الله واللجوء إليه، وذلك لما حدث في قصة نبي
الله أيوب عليه السلام فقال:
} أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ
{ [الأنبياء]، وفي موضع آخر قال: }ارْكُضْ
بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
{ [ص].






شروط الدعاء


أولها: الإخلاص لله في الدعاء: أي أن لا يدعو الإنسان غير الله وأن لا يشرك به أحدًا فإن أشرك أحبط الله
عمله يقول تعالى:
} وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
{ [الزمر] وقال الله تعالى: } وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ
أَحَدًا
{ [الجن].


ثانيها: عدم الاستعجال فعن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي
r أنه قال: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم
يستعجل
» قيل: يا رسول الله فما الاستعجال؟ فقال
r: «يقول قد دعوت فلم أر يستجب لي؛ فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء» [رواه مسلم].


ثالثها: الدعاء بالخير فلا يدعو بإثم أو
قطيعة رحم كما جاء في الحديث السابق فعليه بالدعاء بالخير له ولجميع إخوانه
المسلمين.



رابعها: حضور القلب، وهو شرط مهم في
الدعاء لأنك تخاطب رب الأرباب وملك الملوك فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله
r: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من
قلب لاه
»
[حسن رواه الترمذي 9/450] أي يجب أن تعي ما تقول وأن تتذكر أنك أمام الله وتستشعر قبول العمل فإذا
دعوت بالجنة تيقن بأنك تجاب ويقال لك: نعم لقد أجيبت دعوتك أو العكس – نسأل الله
السلامة – فعلينا الإلحاح على الله بقبول الدعاء علَّ الله أن يستجيب فإن الله يحب
الملحين عليه بالدعاء.



وخامسها: إطابة المأكل: فإن الأكل الحلال
يورث لصاحبه تقوى من الله، وقد قال الرسول
r لسعد بن أبي وقاص: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة».


وقد ذُكر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب
ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك
»
[رواه مسلم 7/100].


سادسها: الصلاة على النبي r؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «كل دعاء محجوب حتى يصلى
على النبي
r» [حسن: صحيح الجامع الصغير 4523].


ويبدو أن هذا الشرط ليس شرطًا أساسيًا فقد صح عن الرسول r أدعية كثيرة، ولم يُرد فيها الصلاة على النبي r ولكن يحمل على الاستحباب والله أعلم([sup][8])[/sup].





[center]* * * *












بعض آداب الدعاء


للدعاء آداب نذكر بعضًا منها:


أولها: الثناء على الله قبل الدعاء، والصلاة على النبي r ([sup][9])[/sup].


وهذا قد تراه في البشر عندما يطلب أحد من أحدٍ أدنى حاجة تجد الطالب يتقدم
بعبارات الثناء والمدح والاحترام ولله المثل الأعلى سبحانه فلقد سمع النبي
r رجلاً وهو يقول: يا ذا الجلال والإكرام فقال: «قد استجيب لك فسل» [حديث حسن رواه الترمذي 9/512]([sup][10])[/sup].


ثانيها: الدعاء باسم الله الأعظم:


في صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله r سمع رجلاً يقول: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت
الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. فقال
r: لقد سأل الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب» وفي
لفظ: «لقد سألت الله باسمه الأعظم».



وفي السنن وصحيح ابن حبان أيضًا من حديث أنس بن مالك: أنه كان مع رسول الله
r جالسًا ورجل يصلي ثم دعا فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا
أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم. فقال النبي
r: «لقد دعا باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى»
وأخرج الحديثين الإمام أحمد في مسنده وهو في جامع الترمذي وصحيح الحاكم من حديث
سعد بن أبي وقاص عن النبي
r: «دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت } أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ
{ إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا
استجاب الله له
» [قال الترمذي: حديث صحيح].


وفي مستدرك الحاكم أيضًا من حديث
سعد عن النبي
r: «ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم أمر مهم فدعا به يفرج الله عنه؟
دعاء ذي النون
».



وفيه أيضًا عنه سمع النبي r يقول: «هل أدلكم على اسم الله الأعظم، دعاء يونس». قال رجل يا رسول
الله: هل كانت ليونس خاصة؟ فقال: «ألا تسمع قوله تعالى:
} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ
نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ
{ [الأنبياء]. فأيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه هذا أعطى أجر شهيد،
وإن برئ برئ مغفورًا له
».


وفي مسند الإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «علمني
رسول الله إذا نزل كرب أن أقول: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله
وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين
».






وفي مسنده أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله r: «ما
أصاب أحدًا قط هم، ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك
ماضٍ في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدًا
من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن
العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله
مكانه فرحًا،
فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلمها؟ قال: بلى ينبغي لمن سمعها
أن يتعلمها
»
([sup][11])[/sup].


ثالثها:
حسن الظن بالله:



إن الظن
الحسن بالله هو من أقوى الأسباب في إجابة الدعوة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله
r: «يقول
الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني
» فإن ظن الداعي ظن خير
بالله وظن إجابة الدعوة فإن الله عند ظن العبد وإن كان العكس فلا حول ولا قوة إلا
بالله، وجاء في حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله
r: «إن
ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا
»
[حسن
رواه الترمذي 9/544 وأبو داود 1474]
.


وعن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
r: «ادعوا
الله وأنتم موقنون بالإجابة
» أي: وأنتم تعتقدون أن الله لا يخيبكم لسعة كرمه وعظم
فضله ولقد وعد الله بالإجابة لمن دعاه:
} وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ { [غافر: 60]، وقال
تعالى:
} وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ
دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
{ [البقرة: 186].


رابعها:
الاعتراف بالذنب:



إن من
الأدب الجم إظهار العبد التذلل لله عز وجل والإقرار بالخطيئة لعلمه أن الله مطلع
على كل شيء ويُعتبر الاعتراف بالذنب والإقرار بالخطيئة من كمال العبودية لله
سبحانه فعن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله
r: «إن
الله ليعجب من العبد إذا قال: لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه
لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: عبدي عرف أن له ربًا يغفر ويعاقب
»
[حديث
صحيح رواه الحاكم انظر صحيح الجامع الصغير رقم 1818]
([sup][12])[/sup].


خامسها:
خفض الصوت ولينه:



لقد
أمرنا المولى جل شأنه بالتضرع له والذل والمسكنة فقال عز وجل:
} ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ
{ [الأعراف: 55].


قال
الإمام القرطبي رحمه الله: هذا أمر بالدعاء وتعبد به، ثم قرن عز وجل بالأمر صفات
تحسن معه، وهي الخضوع والاستكانة والتضرع. ومعنى (خفية) أي سرًا في النفس ليبعد عن
الرياء وبذلك أثنى على نبيه زكريا إذ قال مخبرًا عنه:
} إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا { [مريم]. قال
الحسن: لقد أدركت أقوامًا ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرًا فيكون
جهرًا أبدًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء فلا يُسمع لهم صوت، إن هو إلا
الهمس بينهم وبين ربهم.



ويعلق
الإمام ابن القيم – رحمه الله – على هذه الآية الكريمة، مبينًا فوائد إخفاء الدعاء
العديدة الكثيرة فيقول:



أولها:
أنه أعظم إيمانًا، لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع دعاءه الخفي.



ثانيها:
أنه أعظم في الأدب والتعظيم، ولهذا لا تخاطب الملوك، ولا تُسأل برفع الصوت، وإنما
تخفض عندهم الأصوات، وتخف عندهم الأصوات، ويخفت عندهم الكلام بمقدار ما يسمعونه،
ومن رفع صوته لديهم مقتوه، ولله المثل الأعلى، فإذا كان ربنا يسمع الدعاء الخفي،
فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت.



ثالثها:
أنه – يعني الإخفاء – أبلغ في التضرع والخشوع، والذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده،
فإن الخاشع الذليل الخاضع، إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، وقد انكسر قلبه، وذلت
جوارحه، وخشع صوته.



رابعها:
أنه أبلغ في الإخلاص.



خامسها:
أنه أبلغ في جمع القلب على الله في الدعاء فإن رفع الصوت يفرقه ويشتته، فكلما خفض
صوته كان أبلغ في حمده، وتجريد همته وقصده للمدعو سبحانه وتعالى.



سادسها:
وهو من النكت السريعة البديعة جدًا أنه دال على قرب صاحبه من الله، وأنه لاقترابه
منه، وشدة حضوره، يسأله مسألة أقرب شيء إليه، فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب،
لا مسألة نداء البعيد للبعيد.



سابعها:
أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال، فإن اللسان لا يمل، والجوارح لا تتعب، بخلاف ما
إذا رفع صوته، فإنه يكل لسانه، وتضعف بعض قواه. انتهى.



ويكفي
العبد منها أن يتذكر ما حدث من الصحابة رضي الله عنهم، والرد النبوي على هذا
الأمر. فعن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله
r: «أربعوا
على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمًا، ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا بصيرًا
»
([sup][13])[/sup].


سادسها:
الإلحاح في المسألة.



فإن
العزم والإلحاح من آداب الدعاء ذلك ليظهر الداعي عدم الاستعجال والملل من مناجاة
الله فلعل الله يريد أن يسمع منك أخي الداعي التذلل فيؤخر إجابتك فلا تيأس من تأخر
إجابة الدعاء بل اعزم وألح على الله فإن الله يحب الملحين في الدعاء.






سابعها:
الدعاء ثلاثًا:



وفيه كما
ذكرنا نوع من الإلحاح على الله بالشيء المطلوب وفيه الحرص من الداعي على استجابة
الله دعوته فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله
r: «من
سأل الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة. ومن استجار من النار ثلاث
مرات قالت النار: اللهم أجره من النار
»
[صحيح
رواه ابن ماجة 4340 وأحمد 3/117]
.


ثامنها:
الدعاء بالجوامع من الدعاء.



أي أن
الداعي يدعو بجوامع الكلم كما كان هدي الرسول الله
r فقد كان
يدعو بالجوامع فعن فروة بن نوفل قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن دعاء كان يدعو
به رسول الله
r فقالت:
كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت وشر ما لم أعمل»
[رواه
مسلم 17/ وأبو داود 1535]
.


وقد
فصَّل رسول الله
r كذلك
الدعاء تفصيلاً ولكن ربما يزل الداعي بالتفصيل بكلمة فيها خطأ إما في العقيدة أو
في الأدب مع الله فيفضل الالتزام بالمأثور قدر المستطاع لما فيه من أمن من الزلل
والخطأ ومن الأدعية الشاملة لخير الدنيا والآخرة
} رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
{ [البقرة].


تاسعها:
الداعي يبدأ بنفسه



إن من
الأدب بداية الداعي بنفسه؛ لأن ذلك الدعاء يرجع فائدته له ومن ثم لأخيه المسلم فقد
جاء على لسان عباد الله المؤمنين:
} رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا
بِالْإِيمَانِ
{ [الحشر: 10]، وقوله
تعالى:
} قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ
وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
{ [الأعراف]، وقوله
تعالى:
} رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
يَقُومُ الْحِسَابُ
{ [إبراهيم]. وهذا
ديدن المؤمنين يشركون معهم إخوانهم في دعائهم لينالهم نصيب من الخير فعن ابن عباس
عن أبي بن كعب «أن رسول الله
r كان إذا
ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه»
[صحيح رواه الترمذي 9/1327]. ولم
يكن ذلك عادة لرسول الله
r فقد قال
لابن عباس «اللهم فقهه في الدين»
([sup][14])[/sup]، وقال: «اللهم
اهد أم أبي هريرة
»، وقال: «اللهم اهد دوسًا وأت بهم».



والدعاء
فيه خير عظيم أرأيت إذا أحسنت لمسلم ألا يكون لك أجر؟ بل أجور وحسنات مضاعفة فإنك
إذا دعوت لإخوانك المسلمين فإن الله بكرمه ورحمته يعطيك عن كل مسلم حسنة بل حسنات
والله يضاعف لمن يشاء، ودعوة الأخ المسلم لأخيه في ظهر الغيب حرية بالإجابة مثل:
اللهم اغفر لي وللمسلمين.


[/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في    كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2012 11:18 am





* * * *











الأوقات الشرعية للدعاء



إليك أخي
بعض الأوقات الشرعية للدعاء فمنها:




1-
الدعاء في جوف الليل:




عن أبي
هريرة – رضي الله عنه – أن النبي
r قال: «ينزل
ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من
يدعوني فاستجب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فاغفر له
»
[رواه
البخاري 11/128 ومسلم (758) الترمذي (9/471) وأحمد 4/16]
.



2-
الدعاء بين الأذان والإقامة:




عن أنس
بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
r: «الدعاء
لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا
»
[صحيح
رواه ابن خزيمة وابن حبان]
.



3-
الدعاء في الصلاة:




عن أبي
هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله
r قال: «لينتهين
أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم
»
[مسلم
4/152]
.



4-
الدعاء في السجود:




عن أبي
هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله
r قال: «أقرب
ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء
»
[مسلم
4/200]
.



5-
الدعاء بعد الصلوات:




عن معاذ
بن جبل – رضي الله عنه – أن رسول الله أخذ بيده وقال: «يا معاذ إني والله لأحبك،
فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
»
[صحيح
رواه أبو داود 1508 وأحمد 5/245]
.



6-
الدعاء عند النداء والدعاء عند البأس:




عن سهل
بن سعد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله
r: «ثنتان
لا تردان –
أو: قلما تردان -: الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم
بعضًا
»
[صحيح رواه أبو داود 2523].



7-
الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة:




عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم
r: «في
يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه،
وقال
بيده، قلنا: يقللها يزهدها»
[رواه البخاري 11/199].



8-
الدعاء يوم عرفة:




عن عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي
r قال: «خير
الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
»
[حسن
رواه الترمذي 10/44]
.



9- الدعاء
عند صياح الديكة:




عن أبي
هريرة – رضي الله عنه – أن النبي
r قال: «إذا
سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكًا وإذا سمعتم نهيق الحمار
فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانًا
»
[رواه
مسلم 17/46، الترمذي 9/426]
.



10-
الدعاء عند تغميض الميت:




عن أم
سلمة – رضي الله عنها – قالت: دخل رسول الله
r على أبي
سلمة – رضي الله عنهما – وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال
r: «إن
الروح إذا قُبض تبعه البصر
» فضج الناس من أهله فقال
r: «لا
تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال: اللهم اغفر
لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا
رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه
»
[مسلم
6/222]
.



11-
الدعاء في ليلة القدر:




عن عائشة
بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – عندما قالت: يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة
القدر ما أدعو؟ قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»
[حديث
صحيح رواه أحمد 1/419، وابن ماجة 3850]
.



12-
الدعاء عند نزول المطر:




عن سهل
بن سعد قال: قال رسول الله
r: «ثنتان
ما تردان الدعاء عند النداء وتحت المطر
»
[حديث
حسن رواه الحاكم راجع صحيح الجامع الصغير رقم 3073]
([sup][15])[/sup].







توجيهات قبل الدعاء



أولاً:
الدعاء له آداب وشروط
لا بد من تعلمها والحرص عليها واقرأ الكلام
النفيس لابن القيم رحمه الله قال: «وإذا جمع العبد مع الدعاء حضور القلب، وصادف
وقتًا من أوقات الإجابة، وخشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الرب، وذلاً له، وتضرعًا،
ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله وبدأ بحمد الله
والثناء عليه ثم ثنى بالصلاة على رسول الله ثم قدم بين يدي حاجته التوبة
والاستغفار ثم دخل على الله وألح في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه
بأسمائه الحسنى وصفاته وتوحيده وقدّم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد
يُرد أبدًا ولا سيما إذا صادف الأدعية التي أخبر النبي
r أنها
مظنة الإجابة وأنها متضمنة للاسم الأعظم»
[انتهى
بتصرف من الجواب الكافي ص19]
.



ثانيًا:
الصدقة:




قد أكد
عليها ابن القيم في كلامه السابق ولها أثر عجيب في قبول الدعاء؛ بل وفي فعل
المعروف أيا كان، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء كما قال أبو بكر رضي الله عنه
وبعضهم يرفعه إلى النبي
r.



ثالثًا:
الصبر وعدم اليأس والقنوط وفي هذا توجيهات:




أولاً: اعلم أن
الدعاء عبادة ولو لم يحصل لك من دعائك إلا الأجر على هذا الدعاء بعد إخلاصك لله عز
وجل فيه لكفى.




ثانيًا: أن تعلم
بأن الله أعلم بمصلحتك منك فيعلم سبحانه أن مصلحتك في تعجيل الإجابة أو عدمها.




ثالثًا: لا تجزع
من عدم الإجابة فربما دُفع عنك بهذا الدعاء شر كان سينزل بك، فعن عبادة بن الصامت
رضي الله تعالى عنه أن رسول الله
r قال: «ما
على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء
مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم
، فقال رجل من القوم: إذًا نكثر، قال
r:
الله أكثر
»
[رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه
الحاكم من رواية أبي سعيد، وزاد فيه: «أو يدخر له من الأجر مثلها».




رابعًا:
ربما كان عدم الإجابة أو تأخيرها امتحانًا لصبرك وتحملك وجلدك فهل تستمر في
الدعاء؟ أم تستحسر وتمل وتترك الدعاء؟ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله
r قال: «يستجاب
لأحدكم ما لم يعجل يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي» [متفق عليه]
وفي
رواية مسلم قيل: يا رسول الله ما الاستعجال قال
r: «يقول
قد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء
».




خامسًا:
أن تلقي باللوم على نفسك وهي من أهمها فقد يكون سبب عدم الإجابة وقوعك أنت في بعض
المعاصي أو التقصير أو إخلالك بالدعاء أو تعديك فيه؛ فمن أعظم الأمور أن تتهم نفسك
وتنسب التقصير وعدم الإجابة لنفسك فهذا من أعظم الذل والافتقار إلى الله، واقرأ
أيضًا هذا الكلام النفيس لابن رجب رحمه الله في نور الاقتباس يقول: «إن المؤمن إذا
أستبطأ الفرج ويئس منه ولا سيما بعد كثرة دعائه وتضرعه ولم يظهر عليه أثر الإجابة
رجع إلى نفسه باللائمة يقول لها: إنما أُوتيتُ من قبلك ولو كان فيك خير لأُجبت
وهذا اللوم أحب لله من كثير من الطاعات؛ فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه واعترافه
له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه فلذلك يسرع له إجابة الدعاء وتفريج الكرب فإنه
تعالى عند المنكسرة قلوبهم وعلى قدر الكسر يكون الجبر» انتهى كلامه رحمه الله.




رابعًا:
من التوجيهات الأساسية:




تعرف على
الله في الرخاء يعرفك في الشدة قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: إذا كان الرجل
دعَّاءً في السراء فنزلت به ضراء فدعا الله عز وجل قالت الملائكة: صوت معروف فشفعوا
له، وإذا كان ليس بدعَّاءٍ في السراء فنزلت به ضراء فدعا الله عز وجل قالت
الملائكة: صوت ليس بمعروف فلا يشفعون له. ذكر ذلك ابن رجب في نور الاقتباس.




خامسًا:



إن الإيمان
بالقضاء والقدر
ركن من أركان الإيمان بالله تعالى وفيه اطمئنان للنفس وراحة
للقلب فاعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وتذكر دائمًا
أن كل شيء بقضاء وقدر وأنه من عند الله واعلم أن الله أرحم بك من أبيك وأمك.




سادسًا:



احرص على
أكل الحلال فهو شرط من شروط إجابة الدعاء وفي الحديث «ثم ذكر الرجل يطيل
السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه
حرام وغُذَّي بالحرام فأنى يُستجَابُ له»
[أخرجه
مسلم من حديث أبي هريرة]
. فالله الله بالحلال فإن له أثرًا عجيبًا
في إجابة الدعاء.




سابعًا:
أكثر من الاستغفار
في الليل والنهار فلو لم يكن في الحث عليه
إلا قول الحق عز وجل:
} فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا
{ [نوح] لكان
كافيًا. فأين من يشكو الفقر والعقم والقحط في هذه الآية؟




هذه
توجيهات سبع انتبه لها قبل أن ترفع يديك إلى السماء علك أن تكون مجاب الدعاء
([sup][16])[/sup].











* * * *







الخاتمــة



الحمد
لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد:




في ختام
هذه الرسالة آمل أن أكون قد وفقت في عرض بعض الشواهد والتي أتمنى أن تستمر في
إصدارات أخرى بإذن الله، كما آمل أن أكون قد وفقت في عرض أحوال الناس في الدعاء
وبعض آدابه والأوقات الشرعية للدعاء وتوجيهات قبل الدعاء.




كما لا
يسعني بعد شكر الله شكر كل من ساهم في إخراج هذه الرسالة سائلاً الله أن يثيبهم
خير الثواب إنه جواد كريم بر رحيم.




ثم إني
أخشى أن أكون كشمعة تضيء للآخرين وتحرق نفسها، وكالإبرة تكسو غيرها وهي عريانة.






وصفت التقى حتى كأني ذو تقى









وريح الخطايا في ثيابي تعبق











ولقد
تأملت كلامًا جميلاً في صيد الخاطر لابن الجوزي يقول فيه: لقد تاب على يدي في
مجالس الذكر أكثر من مائتي ألف، وأسلم على يدي أكثر من مائتي نفس، وكم سالت عين
متجبر لم تكن تسيل، ويحق لمن تلمح هذا الإنعام أن يرجوا التمام، وربما لاحت أسباب
الخوف إلى تقصيري وزللي، يقول: ولقد جلست يومًا فرأيت حولي أكثر من عشرة آلاف وما
منهم إلا قد رق قلبه أو دمعت عينه فقلت لنفسي: كيف بك إن نجوا وهلكت؟




فصحت
بلسان وجدي: إلهي وسيدي إن قضيت علي بالعذاب غدًا فلا تعلمهم بعذابي صيانة لكلامك
لا لأجلي، لأن لا يقولوا عذَّب من دل عليه، إلهي قد قيل لنبيك محمد
r: أقتل
أُبي المنافق. فقال: لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، إلهي فاحفظ حسن
عقائدهم فيَّ بكرمك أن تعلمهم بعذاب الدليل عليك. حاشاك والله يا ربي من تكدير
الصافي – إلى أن قال: إلهي أنت أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فلا تخيب من علق أمله
ورجاءه بك وانتسب إليك ودعا عبادك إلى بابك وإن كان متطفلاً على كرمك ولم يكن
أهلاً للسمسرة بينك وبين عبادك ولكنه طمعًا في سعة جودك وكرمك فأنت أهل الجود
والكرم فربما استحي الكريم من رد من تطفل علي سماط كرمه انتهى كلامه رحمه الله
([sup][17])[/sup].



وصلى
الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




صالح بن راشد بن محمد الهويمل



غفر له
ولوالديه ولجميع المسلمين ... آمين








* * * *











المراجــع







1-
القرآن الكريم.




2- ابن
كثير، إسماعيل بن عمر. تفسير القرآن العظيم، ج3، بيروت، دار الجيل، 1411هـ.




3- ابن
القيم الجوزية، محمد بن أبي بكر. الجواب الكافي، بيروت، دار الكتاب العربي،
1407هـ.




4-
الباشا، عبد الرحمن بن رأفت. صور من حياة الصحابة، ط5، بيروت، دار النفائس 1398هـ.




5-
الحافظ ابن أبي الدنيا. مجابو الدعوة؛ تحقيق عبد القادر عطاء بيروت، دار الكتب
العلمية، 1406هـ.




6-
الحافظ أبي الدنيا. مجابو الدعوة؛ تحقيق مجدي إبراهيم.




7-
الخضيري، عبد الله. الدعاء، الرياض، دار الوطن، 1413هـ.




8-
الدويش، إبراهيم بن عبد الله. روائع الأسحار (شريط تسجيل)، الرياض، تسجيلات
الطلائع الإسلامية، 1418هـ.




9-
الدويش إبراهيم بن عبد الله. يا سامعًا لكل شكوى (شريط تسجيل)، الرياض، تسجيلات
التقوى، 1418هـ.








10-
السعدي، حسين بن عبد الله. معذرة المؤمنين إلى رب العالمين في الدعاء والأذكار،
جدة، عالم المعرفة، 1418هـ.




11-
السلمان، عبد العزيز بن محمد. سلاح اليقظان لطرد الشيطان، ط13، الرياض، مطابع
المدينة، 1418هـ.




12-
الشنقيطي، محمد المختار. الاعتصام بالله (شريط تسجيل)، الرياض، تسجيلات التقوى،
1409هـ؟




13-
الشنقيطي، محمد المختار. رحمة الضعفاء (شريط التسجيل)، الرياض، تسجيلات التقوى،
1417هـ.




14-
الشويعر، محمد بن سعد. مكانة الدعاء، جريدة الجزيرة، ع9269، (الجمعة 16 شوال
1418هـ).




15- عبد
المحسن، عبد المحسن بن عبد الرحمن. غرقى فمن ينقذهم، الرياض، دار القاسم، 1417هـ.




16-
القرني، علي. عقوق الوالدين (شريط تسجيل)، جدة، تسجيلات الأنصار، 1409هـ؟












* * * *










الفهـــرس



المقدمة



(1) قصة نبي الله أيوب عليه السلام



(2) قصة يونس عليه السلام



(3) دعاء الرسول r لأم أبي هريرة



(4)دعاء
الرسول r لعروة بن أبي الجعد الباقري




(5) دعاء النبي r لأنس بن مالك



(6) دعاء الرسول r لعبد الله بن عباس



(7)دعاء
الرسول r للنابغة الجعدي




(Cool دعاء عمير بن سعد رضي الله عنه



(9)دعاء
الرسول r على بعض أعدائه




(10) دعاء الرسول r على سراقة بن مالك



(11) دعاء الرسول r يوم بدر



(12)دعاء
الرسول r يوم الأحزاب




(13)دعاء النبي
r على عتبة بين أبي لهب




(14)دعاء
الله بصالح الأعمال




(15)دعاء عمر
رضي الله عنه على نفسه




(16)النعمان
يقسم على ربه




(17)دعاء
المكروب




(18)دعاء سعد
بن أبي وقاص




(19)فضل دعاء
الأعمى




(20) دعاء عمرو السرايا



(21)صفوان بن
محرز يدعو في جوف الليل




(22)دعاء بسر
بن سعيد على الواشي




(23)دعاء
مريض شافاه الله




(24)فضل دعاء
المجاهد في سبيل الله




(25)دعاء
النجاة من القتل




(26)خروج
الحصاة من الأذن




(27)دعاء
عاصم بن أبي إسحاق




(28) دعاء أصبغ بن زيد



(29)دعاء
شقيق البلخي




(30)دعاء
سعيد بن جبير على الديك




(31)دعاء من
وشي به عند الحجاج




(32)دعوة
الوالد لولده




(33)الدعاء
وطلب الوظيفة




(34) دعوة شاب صالح لوالده



(35) الدعاء بطلب الذرية



(36)الدعاء
على الولد وللولد




أحوال الناس في الدعاء



شروط الدعاء



بعض آداب الدعاء



الأوقات الشرعية للدعاء



توجيهات قبل الدعاء



الخاتمــة



المراجــع



الفهـــرس



























* * * *
























([1]) الدويش، إبراهيم بن
عبد الله. يا سامعًا لكل شكوى (شريط تسجيل).







([2]) الشويعر، محمد بن سعد.
مكان الدعاء، جريدة الجزيرة، 9269 (الجمعة 16 شوال 1418هـ) ص9.







([3]) الشنقيطي، محمد
المختار. رحمة الضعفاء، (شريط تسجيل)، [بتصرف].







([4]) الشنقيطي، محمد
المختار. الاعتصام بالله (شريط تسجيل)، [بتصرف].







([5]) عبد المحسن، عبد المحسن بن عبد الرحمن، غرقى فمن
ينقذهم، ص33-34.







([6]) القرني، علي. عقوق
الوالدين (شريط تسجيل)، [بتصرف].







([7]) السعدي، حسين عبد
الله، معذرة المؤمنين إلى رب العالمين، ص37-38.







([8]) الخضري، عبد الله.
الدعاء، ص21-25 [بتصرف].







([9]) المرجع السابق، ص27.






([10]) المرجع السابق، ص29.






([11]) ابن القيم. الجواب الكافي، ص30-34 [بتصرف].






([12]) الخضيري، عبد الله. الدعاء، ص31-33 [بتصرف].






([13]) الحافظ أبي الدنيا، مجابوا الدعوة؛ تحقيق مجدي إبراهيم، ص12-13.






([14]) الخضيري، عبد الله. الدعاء، ص35-38 [بتصرف].






([15]) الخضيري، عبد الله. الدعاء، ص41-51 [بتصرف].






([16]) الدويش، إبراهيم بن عبد الله. يا سامعًا لكل شكوى، (شريط تسجيل)، [بتصرف].






([17]) الدويش، إبراهيم بن عبد الله، روائع الأسحار (شريط تسجيل).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في    كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2012 11:19 am

تقديم
فضيلة الشيخ العلامة



د. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين


الحمد
لله وحده، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



وبعد: فإن جريمة
الزنا من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش، يترتب عليها مفاسد ومساوئ شنيعة؛ فلذلك جعل
الله حده الرجم بالحجارة حتى الموت، أو الجلد الشديد بدون الرأفة في دين الله،
ولقد أحسن هذا الكاتب لهذه الرسالة، وبين ما في جريمة الزنا من النصوص الصريحة في
التحريم، فجزاه الله أحسن الجزاء، فنوصي بنشر هذه النصيحة وتوزيعها، فقد انتشرت
هذه الفاحشة وكثرت البواعث والدوافع لفعلها. فنسأل الله العافية والسلامة، وصلي
الله على محمد وآله وصحبه وسلم.



كتبه/ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين


28/12/
1421ﻫ









* * * *






بسم الله الرحمن الرحيم


فكـذلك
إذا






أخي
الكريم

.. أدعوك دعوًة صادقة، مليئة بالحب، مفعمة بالشفقة، خالصة القصد لئلا تقع في براثن
السوء، ومستنقع الرذيلة، وهاوية الفاحشة.



دعوة: لك أنت
ليبقى وجهك مضيئًا، وضيئًا لم تطفئ الفاحشة نوره
([1]).


أحذرك لتبقى شريفًا عفيفًا طيب السيرة، لتبقى حرًا لم
يتدنس عرضك بالمعصية.



حديثًا صادقًا: إلي روحك التي رضيت باستسلامها لله وحده سبحانه وتعالى وعدم انقيادها
للهوى والشيطان، إلى نفسك المليئة بالخير والصلاح والعطاء والشمم.



إلى جوارحك التي ترفعها لله والتي ستشهد لك أو عليك في
ذلك اليوم الرهيب:
}حَتَّى إِذَا مَا
جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ
{ [فصلت: 20]، }يَوْمًا
يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا
{ [المزمل: 17].


إلى عقلك الواعي قبل أن تغتاله نشوةُ اللذة، وحمأة
الخطيئة، وسلطان المعصية.



إنني أخاطب فيك كل أحاسيسك .. وأنت المسلم الذي يخشى
ربه، ويخاف عقابه، ويعلم أن الله مطلع عليه في كل لحظة من لحظات حياته، وأن الله
يراه ويسمعه، ويعلم ما يجول في خاطره فهو سبحانه:
}يَعْلَمُ
خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ
{ [غافر: 19]. إلى شهامتك ومروءتك
وحيائك، أهدي إليك هذه الكلمات.









المؤلف








* * * *






تحذيرات





أخي الحبيب: قال الله تعالى محذرًا من هذا السبيل القذر
الموبوء:
}وَلَا
تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا
{ [الإسراء: 32]، ووصف المؤمنين
الصادقين المتقين بقوله:
}وَلَا يَزْنُونَ{ [الفرقان: 68]، وبقوله: }وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ
{، وكان العهد الذي بايع عليه الرسول r النساء: }وَلَا يَزْنِينَ{ [الممتحنة: 12]، وأخبر عليه الصلاة
والسلام بأنه ليلة أسري به رأى أناسًا يوقد عليهم في التنور وأخبر بأنهم «الزناة
والزواني».



وبعد: فلا إخالك إلا
رجلاً عاقلاً امتلأ قلبك خوفًا من الله فآثرت مرضاة الله جل وعلا ورسوله
r على ما في نفسك من شهوة، وآثرت حب الله على حب الزنا والفاحشة وتركت ذلك
الأمر خوفًا من الله سبحانه وتعالى، فأبشر .. فـ «فمن ترك شيئًا لله عوضه الله
خيرًا منه»
([sup][2])[/sup]، وقال عليه الصلاة والسلام: «إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك
الله به ما هو خير منه
»
([sup][3])[/sup].





قال الشاعر:




أخي:
إن عقلت عنك عيون البشر









فلن
يغفل عن رب البشر










وقال آخر:




وإذا
خلوت بريبة في ظلمة









والنفس
داعية إلي الطغيان





فاستحيي
من نظر الإله وقل لها









إن
الذي خلق الظلام يراني










واسمع يا أخي كيف تنجي الأعمال الصالحة لمن تركها لله
سبحانه وتعالي في قصة الثلاثة الذين آووا إلي الغار وانطبقت عليهم الصخرة؛ في حديث
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله
r: «انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلي غار، فدخلوه
فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه
الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم..
» الحديث، وفيه: «فقال
الثاني: اللهم كانت لي ابنة عم، وكانت أحب الناس إلي
»، وفي رواية: «كنت
أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة
من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها
ففعلت، حتى إذا قدرت عليها ...
» وفي رواية: «فلما قعدتُ بين رجليها قالت:
اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفتُ عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب
الذي أعطيتها، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت
الصخرة ...
» الحديث، وفي آخر الحديث أنهم خرجوا يمشون بعد أن انزاحت عنهم
الصخرة.



فانظر – يا رعاك الله – كيف أنقذهم الله بسبب ترك أحدهم
الفاحشة – بعد أن حصل عليها وتمكن منها – ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى وخوفًا
منه؟















* * * *






مواقف





أخي الفاضل.. ربما يدور في نفسك سؤال وأنت تشاهد ما يثيرك من هذه، أو يغريك من تلك،
وتشرع أن نار الهوى تتأجج في نفسك وتدفعك إلي الفاحشة دفعًا فتقول: ما العمل؟ ..
فنقول:



أولاً: تذكر مراقبة
الله لك، واطلاعه عليك، ورعايته لك، وقدرته عليك، وأنه يفعل ما يريد،
}إِذَا
قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
{ [مريم: 35]، ولا تخفى عليه
خافية.



ثانيًا: من يضمن لك
حياتك حتى تنتهي من هذه الفاحشة؟ قد يفاجئك الموت وأنت تمارس هذه الخطيئة، ويأتي
من يراك على هذه الحال ثم ينقل الحدث لتكون فضيحة في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم
القيامة.



ثالثًا: عليك أن
تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فهو الذي أوقعك في هذا السبيل القذر والطريق
السيئ، ثم تغض بصرك وتتذكر ما أعده الله لك في الجنة من الحور العين:
}كَأَنَّهُنَّ
بَيْضٌ مَكْنُونٌ
{ [الصافات: 49]، }كَأَنَّهُنَّ
الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ
{ [الرحمن: 58]، }فِيهِنَّ
قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ
{ [الرحمن: 56].


رابعًا: لتكن همتك همة
الرجال الذي يرفعون أنفسهم عما يدنس أعراضهم وسيرتهم وشيمهم حتى لا تتذكر يومًا ما
أنك قد سودت صحيفتك بهذا الفجور، قال ابن أبي حازم رحمه الله:





وإني
ليثنيني عن الجهل والخنا









وشتم
ذوي القربى خلائق أربع





حياء
وإسلام وتقوى وإنني









كريم
ومثلي قد يضر وينفع










خامسًا: تذكر أنك
مسلم.. وما يصيب المسلمين من سوء أو أذًي فأنت مسؤول عنه، وينبغي عليك أن تدافع عن
أعراض إخوانك المسلمين، فكلهم إخوانك أو على الأقل أنت مسلم ترفض أن تمارس الفاحشة
في أسواق وبلاد المسلمين، فأنت تملك حارسًا ذاتيًا يقظًا يردعك.



سادٍسًا: تذكر العاقبة
السيئة لهذا العمل، فربما تحرص على هذا ويأتي من يدنس الطهارة في بيتك وكما يقال: «أسرع
دين يقضى دين الزنا»، وفي المثل: «من دق أبواب الناس دقوا بابه»، وأيضًا: قول
الشافعي رحمة الله تعالي عليه:





عفوا تعف نساؤكم في المحرم









وتجنبوا ما لا يليق بمسلم





إن الزنا دين فإن أقرضته









كان الوفا من أهل بيتك
فاعلم





من يَزني يُزني به ولو
بجداره









إن كنت يا هذا لبيبًا فافهم













سابعًا: تذكر انتشار
الأمراض المستعصية بسبب العلاقة غير الشرعية والتي لم يتوصل إلي علاج يقضي عليها
مثل: الإيدز والهربس والزهري والسيلان وغيرها – أجلَّك الله-، وربما يقول البعض:
فلان يمارس العلاقة غير الشرعية ولم يصب بشيء مما تقولون .. ما يدريك؟!.



لقد ذكر أحد الدعاة: أن رجلاً حدثه أن شابًا مارس هذه
العادة وأصيب بأمراض حول قبله وأخذ يصيح ويئن حتى مات.



بل ربما دفعك الفضول للمرور من أمام باب عيادة الأمراض
التناسلية فتجد شخصًا تعرفه جيدًا يأخذ الممر جيئة وذهابًا في خطوات سريعة
انتظارًا لدوره في الدخول على الطبيب، وعندما تسأله: خيرًا إن شاء الله .. يجيبك
بأن الدكتور صديق له ويريد زيارته فقط، وإلا فهو – ولله الحمد – بخير ويتمتع بصحة
جيدة، وتكشف لك الأيام أن هذا الرجل جاء ليعالج مرضًا خطيرًا من تلك الأمراض السابقة،
ولو تتبعنا الإحصاءات لوجدنا أمرًا عجبًا، فقد بلغ عدد الذين يحملون فيروس «الإيدز»
أكثر من 34 مليون إنسان
([sup][4])[/sup]، ولا توجد دولة في العالم خالية من هذا المرض.


وأذكر لك بعض القصص التي راح أصحابها ضحية لمرض الإيدز
جراء العلاقات غير الشرعية:



1- شاب جامعي في ربيع العمر – 21 سنة – تم إقناعه من قبل
زملائه في الدراسة بالسفر إلى إحدى دول شرق آسيا في رحلة صيفية، وفي إطار الترف
واللعب والترفيه والتسلية عرض على هذا الشاب فعل الفاحشة، وتم إقناعه بعملها وعاد
المسكين ولم يعلم أنه عاد ومعه ذلك المرض الخبيث «الإيدز»، وأصبح يصاب بإرهاق
متكرر وتعب عام وإسهال متكرر، وعندما تم فحصه وجد أنه مصاب بذلك المرض، وأصيب
بالتهابات رئوية وجرثومية حتى أصبح في السنتين الأخيرتين من عمره يقضيها في
المستشفي أكثر من قضائها في البيت، وأصبح هزيلاً تعبًا قد أنهكه المرض إلى أن توفي
– رحمه الله -، وكان يقول ويكرر أسفه للأطباء على حماقته وعلى تصرفه الذي ارتكبه
من التصرفات الخبيثة
([sup][5])[/sup].


2- شاب بعد أن أتم دراسته الثانوية فذهب إلى الولايات
الأمريكية لإكمال تعليمه وحصل على الشهادة هناك ثم عاد وحصل على وظيفة مرموقة
وتزوج، فكان يعيش في سعادة، وبعد مرور أربع سنوات على الزواج شعرت الزوجة بالتعب
والإرهاق وتكرر الالتهاب الرئوية، فتم إدخالها إلى المستشفى، وبعد فحصها تبين
إصابتها بفيروس «الإيدز»، واستدعى الفريق الطبي الزوج لفحصه فتبين إصابته بـ «الإيدز»،
وقام بالاعتراف لأحد الأطباء بارتكابه بعض الممارسات الجنسية أثناء دراسته في
الخارج، وقد كان الزوج شديد التأثر بما جرى له ولزوجته، وكان تأثره لما حصل لزوجته
أشد، حيث كان لا يعلم بأنه مصاب، ولو كان يعلم ذلك لما تزوجها، فهي لا ذنب لها،
ومع مرور الوقت ازدادت حالة الزوجة سوءًا فتعرضت لأورام ليمفاوية سرطانية نتيجة
نقص المناعة، وتوفيت متأثرة بمرضها، وحزن عليها زوجها الذي لم يلبث إلا عدة أشهر
حتى لحق بها – رحمهما الله -
([sup][6])[/sup].


3- رجل أعمال في الستين من عمره متزوج وله أولاد وكان
يسافر في فترات متفاوتة في السنة لدول عربية ودول شرق آسيا، وقد حول هذا الرجل إلي
المستشفى لاشتباه وجود ورم في بطنه، وبعد الفحوصات اكتشف أنه مصاب بمرض الدرن «السل»
وفي نفس الوقت عمل له فحوصات لفيروس الإيدز فوجد أنه مصاب به، وبعد عدة أسئلة قال
إنه له ممارسات جنسية أثناء سفره، ومع الأسف فقد انتقل هذا المرض لزوجته ولابنته
المولودة مؤخرًا، واستغرق المريض مدة سنتين منذ تشخيصه إلي أن توفاه الله – نسأل
الله له الرحمة -
([sup][7])[/sup].


ثامنًا: إن حب الحرام
من صفات النفوس الضعيفة، أو قل: النفوس التي انطوت على السوء، وتربت على المنكرات
والسيئات، فهي نفوس لا تقيم وزنًا للقيم ولا للدين والخلق والمثل العليا، بل
منغمسة في وحل الإثم العدوان، وأما النفوس الطيبة الواعية فإنها تبحث عن الحلال
وحب الخير، فهي نفوس شريفة فاضلة تعشق المعالي من الأمور والطيب من القول والعمل.






تاسعًا: هل فكرت أخي
المسلم كم ستدوم هذه اللذة؟ إنها لا تدوم أكثر من دقائق فقط، ثم تعقبها حسرة
وندامة وتفريط في جنب الله جل وعلا، وبحث آخر عن شهوة محرمة بين نفس أمارة بالسوء،
وشيطان يزين الإثم والفحشاء، فهلا تركت لذة دقائق لتفوز بلذة قريبة إن شاء الله،
وربما يعطيك الله في الدنيا ما هو خير لك من الحرام
}لَهُمْ مَا
يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
{ [ق: 35]. أي: في الجنة.


عاشرًا: لست بالأول
ولا بالآخر؛ فهل ترضى أن ترد ماء ولغ فيه الصحيح والسقيم، الخبيث والأخبث، اللقيط
والزنيم، السيئ والأسوأ؟!















* * * *






الحد
والعقوبة






أنت تعلم – يا رعاك الله – أن جريمة الزنا هي أشد أنواع
الحدود في الشريعة عقوبة، إنها – حماك الله – رجم بالحجارة حتى الموت ليتأثر كل
جزء في البدن، فكما تلذذ جميع البدن بهذه الفاحشة فإن العقوبة تكون كذلك: «فالجزاء
من جنس العمل»، رجمًا بالحجارة: فواحدة تقع في الرأس، والأخرى في العين، والثالثة
في الدماغ، والرابعة في الظهر، وهكذا .. هذا بالنسبة للمحصن الذي سبق أن تزوج حتى
وإن كان قد طلق زوجته أو ماتت، أما إذا كان شابًا لم يسبق له الزواج فإنه يُجلد
أمام الناس مائة جلدة لأنه زان، ويغرب عن بلده سنة كاملة لعل أحواله تصلح ولا يعود
لتلك الفاحشة مرة أخرى.. هذا كله في الدنيا؛ أما في الآخرة فإن النبي
r ليلة أسري به قال: «فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله
واسع، يتوقد تحته نارًا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا
فيها، وفيها رجال ونساء عُراة، فقلت: من هذا؟...
» وفي آخر الحديث أخبره جبريل
بقوله: «والذي رأيته في الثقب فهم الزناة»
([sup][8])[/sup]، وغيرها من الأحاديث..


* * * *






أحداث
مؤلمة






القصة الأولي: حدثني صاحبي أنه جاءه زميل له يحمل في يده مظروفًا، وعرض عليه مشكلة ذلك
المظروف الذي وصفه بأنه يحمل المعاناة! ويحمل الهم! ويحمل العار أيضًا! فتح
المظروف وأخرج منه صورة وناولني إياها، يقول صاحبي: أمسكت بالصورة بين يدي وقلت:
هل هذا أخوك؟ بل ولقرب الشبه كأنه هو لولا فارق العمر، فهز رأسه بالرفض، قلت له:
ابن أخيك، ابن عمك؟ فكان يجيب وملامح الألم تبدو في تقاسيم وجهه، ودمعة سقطت
فانتفضت من الداخل، وفهمت أن في الأمر شيئًا لم يخرج حتى الآن، اعتدلت وسألته: إذن
من هو، فأنا أعلم أنك لم تتزوج، وإلا قلت أنه ولدك؟ أشاح بوجهه ومسح عينيه التي
انسابت منها الدموع ثم قال: هنا المصيبة، هنا الألم، هنا الجرح الذي لا يمكن أن يندمل
مدى الحياة، هنا المعاناة والعناء.. قلت: قف! فلا بد أن هناك حديثًا لم يبث بعد.
قال: نعم! ثم صمت فترة قال بعدها: سافرت إلى الخارج بحثًا عن المتعة مع بعض أصدقاء
الرذيلة ووصلنا إلى هناك فوجدنا ما كنا نريد من عبث ولهو وفسق، غرقنا في ذلك
المستنقع الوحل، ثم عدنا بعد أن قضينا ما كنا نظن أنه متعه، ومرت الشهور وإذا
المظروف يصلني ومعه هذه الرسالة تبين فيها قصة هذه الصورة، ولعلك تلاحظ الشبه بيني
وبين صاحب هذه الصورة، فهل أجد لديك الحل؟ قال صاحبي: فما مني إلا أن ضربت بكفي
على جبيني ودارت في ذاكرتي صور مفزعة وتولدت منها أسئلة كثيرة: ما هو مصير هذا
الطفل؟ لمن ينتسب هذا الوالد؟ عندما يعلم أن الشرع يمنع أن ينتسب ابن الزنا.. كيف
تكون حياته عندما يعلم عن هذه الحادثة بعد أن يكبر ويصبح رجلاً يبحث عن انتماء؟.
ماذا لو وضعت هذه النطفة في حلال ثم جاءه مثل هذا الولد الكثير الشبه به، وأصبح
ابنًا بارًا يخدمه في حياته ويدعو له بعد مماته؟.



أسئلة متعددة دارت خلال ثوان، ثم التفتُ إليه وقلت له:
بما أن وجود هذا الولد جاء نتيجة لممارسة خاطئة فليس لك فيه أي علاقة ولا نسب ولا
يجوز أن تنسبه إليك وكأنه لم يكن، ولا تُمت له بعلاقة .. طأطأ رأسه وأخفى غصة تصعد
وتهبط في حلقه .. ثم أدار لي ظهره وتركني..



القصة الثانية: أورد أحد الدعاة هذه الحادثة قائلاً: كان هناك شباب يسافرون إلي بلاد
مملوءة بالمتع الحرام، وفي سفرة من سفراتهم تعرف أحدهم على فتاة واستمرت العلاقة
حتى سافر إلى بلده، وبعد فترة رجع هذا الشاب مرة أخرى إلى ذلك البلد وطلب أن
تستقبله تلك الفتاة في المطار، وانتظرها، ولكنها لم تحضر، وأحضروا إليه غيرها،
لكنه لم يقبل، وبعد بحث طويل عنها طلبوا منها أن تحضر إلى المطار، أو إلى مكان آخر
لأجل هذا الشاب وبعد إقناع حضرت وما أن رآها هذا الشاب حتى هوى إلي الأرض ساجدًا،
وكانت منيته إذ قضى نحبه وهو على ذلك السجود فمات مرتدًا، نسأل الله السلامة
والعافية، وهذا من أثر غلبه الهوى والعشق وحب الفجور..



القصة الثالثة: يرويها أحد الكتاب كما في كتاب «عدالة السماء» بأن رجلاً أرسل ابنه إلى
بلد للتجارة وأمره أن يحفظ نفسه حتى يُصان أهله وشدد في ذلك، وكان يوجد لديهم ساق
للماء منذ ثلاثين يحضر لهم الماء، ولم يعلموا عنه إلا كل خير، وذات يوم وأثناء سفر
الابن قبل الساقي ابنة صاحب البيت وهرب، ولم يعد إليهم ثانية، وأخبرت البنت أباها،
فأظلمت الدنيا في عينيه وانتظر حتى يحضر ولده، وعندما حضر لم يسأله عن الربح ولا
عن المال بل سأله ماذا فعل من أفعال؟ فأنكر الابن في البداية ثم اعترف أنه قبل
امرأة، فقال له والده: دقة بدقة، وإن زدت زاد السقا...



القصة الرابعة: يخبرني رجل كبير السن وقد أحيل على التقاعد بأنه في صغره اطلع فجأة فإذا
رجل يريد أن يقبل امرأة وهي تمانع، يقول صاحبي: فوالله إنها لم تغرب شمس ذلك اليوم
حتى رأيتُ رجلاً يقبل امرأته وهي راضية .. ولولا الإطالة وأمور أخرى لذكرنا المزيد
من تلك القصص ولكن الحر تكفيه الإشارة..



وتعلو النفوس بحياة القلوب








* * * *






العلاج





أخي الكريم.. تعال معي نبحث سويًّا عن العلاج الحاسم – إن شاء الله – لعل الله أن
يعصمني وإياك من الزلل والخطأ:



أولاً: اللجوء إلي
الله جل جلاله، وسؤاله أن يعصمك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يطهر قلبك،
ويحصن فرجك، ويغفر ذنبك.



ثانيًا: عليك بالصوم
فإنه وجاء وعلاج طيب للشهوة، والحمد لله للصيام فوائد دينية وفوائد دنيوية يعرفها
من جربها، وصفه لنا حبيبنا محمد
r.


ثالثًا: غض البصر، وهو
عنصر أساسي؛ لأن البصر النافذة التي تطل على القلب، وهي الوسيلة التي تنقل، وهي
القنطرة التي تعبر منها الإثارة والشهوة، وهي حزام الأمان أو مفتاح من مفاتيح
الشر، وأنت المؤمن المخاطب بقوله عز وجل:
}قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ
أَزْكَى لَهُمْ
{ [النور: 30].


رابعًا: الزواج لمن
يقدر على ذلك، إما التعدد لمن كان متزوجًا، أو الزواج للشاب غير المتزوج.



خامسًا: الابتعاد عن
البيئات التي تثير النفوس لاقتراف الإثم من أسواق ومنتديات ومحطات ونوادي ومجالس
وغيرها مما يكون التواجد فيها يشكل ضررًا على الإنسان في دينه وسيرته وأخلاقه.



سادسًا: عدم مصاحبة
الأشرار وأهل النفوس الضعيفة الذين لا يقيمون للأخلاق والشرف والغيرة والمروءة
وزنًا ولا بالاً، وما أكثرهم، وعدم الاستماع إلي حيلهم وزخرفهم من القول، وتحسين
القبيح من فجور وخنا، واقتراف معاص، وتزيين الباطل، وتقبيح الحسن من طاعة وعمل
صالح وحفظ الجوارح.. إلخ.



سابعًا: عدم السفر إلى
البلاد التي تغشى فيها الكبائر علانية، أو يسمح بممارسة المنكرات فيها.



ثامنًا: الابتعاد عما
يقرب من هذه الجرائم كالاستماع إلى ما يثير الغرائز من ألحان وكلمات وصور.



تاسعًا: المحافظة على
الأذكار في الصباح والمساء ودوام ذكر الله في كل وقت وحين، فإنها من العواصم بإذن
الله وهي حصن حصين وسد منيع.



عاشرًا: كثرة قراءة
القرآن واستماع الأشرطة وحضور مجالس الذكر، ومجالسة الصالحين.









* * * *






بشري





أخي الكريم.. استمع لهذا الحديث فإن فيه بشري أوردها البخاري رحمه الله في كتابه
الصحيح تحت عنوان (باب فضل من ترك الفواحش): عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
r قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..» وذكر منهم: «شاب
نشأ في عبادة الله
»، وذكر: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلي نفسها قال:
إني أخاف الله
»
([sup][9])[/sup]، كما أن رسول الله r تكفل لمن حفظ نفسه عن هذا المستنقع الآسن أن يضمن له الجنة فعن سهل ابن
سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال النبي
r: «من توكل لي ما بين رجليه وما بين لحييه توكلت له الجنة» ومعني: «توكل»
تكفل وحفظ كما في رواية أخرى، وفي لفظ للبخاري عنه قال: «من يضمن لي ما بين
لحييه وما رجليه أضمن له الجنة
».



وختامًا: إليك هذه الوصية الربانية في قوله تعالي: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ
وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا
إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
{ [التحريم: 8].


هذه سطور كتبتها لك على عجل جهدتُ أن تكون نابعة من قلب
صادق، لعلها تجد قلبًا مليئًا بالتقوى والخوف من الله فتدخله ويكون ثمرتها
الابتعاد عن كل ما يشين النفس ويسقطها:





صن النفس واحملها علي ما
يزينها









تعش سالمًا والقولُ فيكَ
جميل










أسأل الله أن يبيض وجهي ووجهك يوم تبيض وجوه وتسود
وجوه... وأن يعصمنا وإياكم من معاصيه، إنه جواد كريم .. والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.






أخوك المحب


عبد الله بن عبد الرحمن الشهراني








* * * *















([1]) في تعليق لسماحة شيخنا
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله على حديث في صلاة الكسوف في البخاري قول النبي
r: «يا أمة محمد؛ والله ما من أحد أغير من الله من أن يزني عبده أو تزني
أمته....
» الحديث (البخاري: 2/529)، قال الشيخ: المناسبة أن الزنا من أسباب
ذهاب نور الوجه، والله قادر على إذهابه، كما هو قادر على إذهاب ضوء الشمس والقمر.







([2]) رواه أحمد عن بعض
الصحابة مرفوعًا بلفظ: «إنك لا تدع شيئًا اتقاء الله إلا أعطاك الله خيرًا منه».







([3]) أخرجه وكيع في الزهد
(2/68/2)، وعنه أحمد (5/ 363)، والقضاعي في مسند الشهاب رقم (1135).







([4]) ذكر في جريدة الرياض –
العدد 11846 (3/9/1421 ﻫ).







([5]) المصدر السابق.






([6]) ذكر في جريدة الرياض – العدد 11846 (3/9/1421 ﻫ).






([7]) ذكر في جريدة الرياض –
العدد 11846 (3/9/ 1421ﻫ).







([8]) رواه البخاري.






([9]) الحديث رواه البخاري
(12/112).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في    كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2012 11:20 am

بسم الله
الرحمن الرحيم


قالت
شهر زاد:



بلغني
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد على امتداد الكون البعيد، البعيد أن حكاية بدأت
بين ترابين ذرات وحصى، أودية وجبال، وزرع ونخيل، ومنازل ورحيل ولما كان من قرب
بينهما، ووصال لا يقطع ودهما فقد تشابكت أصابعهما، وفاضت بالعشق قلوبهما، واعتنقا
الدهر واعتنقهما، ولاكتمال هذا الود حكاية بدأت باتفاق في الخلق والتكوين، وبقرب
في المكان والزمان، وتكللت بعقد وقران ثم فراق وموت ولقاء يتجدد وفراق يقفز عليه
وعود وابتعاد، ثم مجد وعز ونور وضياء.



فكيف
بدأت الحكاية:



اعلم
أيها الشعب رفع الله بالحق راياتك، وأيدك بالنصر على أعدائك، وألزمك كلمة التقوى
وأنت أحق بها: أنه في سابق الزمان في جزيرة العرب واد بين تلال وجبال شامخة بشموخ
أحجارها التي تاهت على جبال الدنيا فخرًا وعزة وإباء، رقدت بين جنباته مدينة بسيطة
البنيان، لا قصور فيها ولا حدائق حيوان، ولا مياه جارية ولا جنان، ولا مدارس ولا
معاهد إلا فصاحة وحكمة الإنسان، وبناء واحد من حجر يتوسطها يطوف به الناس ما تعاقب
الحدثان، وقوافل تجارة تخرج منها وتدخلها في الليل والنهار تحمل الطعام واللباس
وكل ما يمكن أن ينفع الإنسان.



أما
القرى كانت كنيتها فهل في اجتماع للقرى تم تتويجها بتاج الأمومة المقدسة؟ أم
ستارًا من القدسية والضياء انهمر من السماء عليها فأبصرته القرى وأذعنت بالفضل
لها!؟



وماء
طاهر مبارك أخرجه الله تعالى لأم صالحة وزوج نبي كريم ولله خليل، وابن إمام كاد
العطش أن يفتك به وبأمه حين كانت أم القرى واديًا غير ذي زرع، وما كان لهذه البلدة
أن تعمر وللبيت أن تقوم أركانه إلا بتدبير حكيم، يترك الأب الزوجة والولد في هذا
الوادي حيث لا إنسان ولا ماء، وينفد الزاد، وبنقرة من جناح جبريل
u ينبع الماء وتبدأ معه الحياة، وتخشى عليه المرأة من الضياع فتحيطه
بكفيها تردد على ذراته: زمي زمي فتستجيب الذرات ويسمى الماء «زمزم».



بها
قوم شرفوا بشرف بيتها، وتقاسموا شرف الدهر بخدمة بنيانها وزواره، والتفتوا إلى
التاريخ إلى حيث إبراهيم وإسماعيل وإذعانهما لربهما فاستلهموا منهما مجد الريادة
في البناء وحجابة هذا البنيان، فالتفت إليهم التاريخ معظمًا وممجدا، ووقفت العرب
على مدرج الدنيا تقلدهم زعامة جزيرتهم.



وعلى
الرغم مما كانوا عليه من العظمة والوقار إلا أن كائنات وحشية كانت تحيط ببلدتهم بل
وقد تخللت حياتهم ودخلت بيوتهم وأسواقهم، ومدت مخالبها إلى بنيانهم المقدس، البعض
منهم خافها ورهبها فمجدها وعظمها بل وأكثر من ذلك عبدها، والبعض الآخر ائتلف
وجودها وإن لم ينكرها، وقلة تغاضت عنها ولم ترهبها وعدتها خرافة وإن كانت لم تقتنع
بتلك المخاوف منها.



أول
تلك الكائنات وحش شرس له أسرة وأولاد، تجذر في المكان وملأت ذريته الأفق ومد أذرعه
في كل مناحي الحياة، يدعى وحش الوثنية والجهل، الشياطين أصوله وفروعه، والأصنام
أذرعته وضلوعه، والكهانة والعرافة والربا دروعه، يحدد لهم مسار حياتهم في حلهم
وسفرهم، وبيعهم وشرائهم، وسلمهم وحربهم.



والثاني
غول فتاك، مخالبه حادة وبطنه كبير، لا يشبعه طعام ولا يرحم كبيرًا ولا صغيرًا، إنه
غول القحط والجفاف يمتنع القطر بالسنوات، ولا أنهار ولا عيون فتجدب الأرض، ويجف
الضرع، ويصارع الإنسان والحيوان والنبات من أجل البقاء.



ومع
ما هم فيه من صعوبة هذه الحياة وفساد بعض جوانبها إلا أنهم كانوا للخير سابقين،
وللمكرمات فاعلين، فيهم من إكرام الضيف والوفاء بالعهد وصدق الحديث ونصرة المظلوم
ما جعل منهم حديث للركبان، ومقصدا لمن جار عليه الأهل والإخوان فعرف الناس لهم
فضلهم، وزادهم على ذلك شرف جوارهم.



ومن
بين أولئك القوم أسرة خيرة، في الزعامة رائدة، وفي الخير سباقة، وللسؤدد دائمًا
وأبدا متطاولة، جدهم عمرو واسمه الآخر موسر، شرفه كبير، عمر اسمه بفعال الخير،
وأخذ من الموسر صفة اليسر والتيسير فأغرق المعسرين بفضل يساره، فكان أول من أطعم
الثريد لزوار البنيان حين أجدبت أم القرى فهشم الخبز لهم فسمي من يومها هاشمًا، «عمر
ويسار وهشم».



ثم
اعلم أيها الشعب: أطال الله عمرك، ويسر لك الخير من أقصاك إلى أقصاك، وهشم رءوس
أعدائك، ورفع بالحق راياتك أن هاشمًا هو أول من سن رحلتي قريش «رحلة الشتاء والصيف».



وفيه
يقول الشاعر:





عمرو
الذي هشم الثريد لقومه













قوم
بمكة مسنتين عجاف





سنت
إليه الرحلتان كلاهما













سفر
الشتاء ورحلة الأصياف












فغدت
قوافلهم تقطع جزيرة العرب من شمالها لجنوبها بل وتخرج إلى الشام من حدودها تخفف
بما تحمله من وطأة غول الجفاف، وانقطاع الماء الذي به تكون أسباب الحياة.



ولبداية
حكاية لقاء الترابين، وعشق المكان للمكان حيث مسرح الأحداث أنه اتفق لهاشم أن خرج
متاجرًا إلى الشام فقدم مدينة يحيط بها النخيل في حوائط وبساتين لترابها المبتل
بماء قنواتها رائحة الطين، ورائحة أخرى تعلو على الطين يجدها الساكن فيها والقادم
إليها فيعرف رائحة الطين، وكل ابن آدم يعرفها لأن أصله يعود إليها فهو في حقيقته
قبضة تراب معجونة بالماء صارت طينًا يشمها في كل عصر فيحمله الحنين إلى بدء
التكوين ويحكي له حكاية اعتناق الماء والطين، ولكن رائحة أخرى تعلو على الطين فيها
نسمات الروح والروحانية يجدها فتحمله إلى الأعلى لتنزعه من ثقل الطين ولا يُعرف
لها تفسير؟



لا
بنيان مقدس يتوسطها، ولا ماء مبارك، ولا إبراهيم ولا إسماعيل، ولا تاريخ مجيد
مكتوب لها ولكن شرفًا إلهيًا ينتظرها، ونطفة مباركة من صلب إبراهيم وإسماعيل؟؟!



تسكنها
قبيلتان خرجتا من اليمن هائمتين بعد انهيار سدها «مأرب» فاختارها القدر واختار
لها؟؟! وأخلاط من يهود قدموا باحثين عن الأمان من ضغط الرومان حين احتلوا فلسطين،
وقبلها حين احتلها بختنصر والبابليون والآشوريون، فانتشروا في ربوع الحجاز وشمالها
وتوطنوا هذه المدينة، وطابقوا وصفها وصفًا ورد في كتبهم لقدر ينتظر العالم فسكنوا
أطرافها ينتظرون، وللإنسان قصة عظيمة مع أنشودة الانتظار، ينتظر الرزق والمطر،
ينتظر الولادة والوفاة، ينتظر اليسر يهزم العسر، ينتظر الصبح يطارد الظلام، ينتظر العمر ليكون له شأن.



ولقد
انتظر اليهود كل هذا وزادوا عليه بالعلم الأكيد يلقنهم إياه الأحبار، ويرددونه
الليل والنهار على مسامع القبيلتين ليؤكدوا لهم علمهم فهم أهل كتاب اختارهم القدر
لمناصرة القادم من المجهول ويحاربونهم معه؛ لأن غول الجهل والوثنية يغتال فيهم
حكمة الإنسان فماذا كانت تخبئ الأقدار للفريقين؟



اسمها
يثرب؟ من اللوم والتعيير؟ أو من فساد الشيء؟ هكذا عرفت لمن سكنها ومن زارها فهل
سيبقي لها الدهر اسمها أم أن اسمًا آخر ينتظرها؟ ومتى يتغير اسم المدن؟ ومن يغيره؟
ملوك ودول؟ أم أحداث وشعوب؟ أو هو التاريخ يصنع الحدث ويُصنع له فيتغير وجهه ويقلب
هو كل شيء فلا يعود يعترف بالخرائط والمسميات، وتموت مع ذلك حقائق وتحيى أخرى.



ثم
اعلم أيها الشعب السعيد ذو الرأي السديد بسداد دينك العظيم الذي علمك أن تنحني
للحق وتعترف بسلطانه أن أحد التبابعة «ملوك اليمن» زار هذه المدينة قيل محاربًا
ومؤدبًا لبعض ساكنيها، وقيل مارًا في طريقه إلى غيرها فأعلمه بعض أحبار يهود أنها
مهاجر لنبي خاتم آن أوان ظهوره، فكف عنها وبنا دارًا للنبي الموعود، وتمنى لو عاش
لحين ظهوره للإيمان به ومناصرته.



وإذا
كان التبع قدم المدينة في أول الزمان فإن أول حكايتنا تقف بنا عند هاشم بن عبد
مناف الذي تزوج بسلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار وأقام عندها ثم خرج إلى
الشام وهي عند أهلها وقد حملت، كان قدر هاشم ينتظره بغزة من أرض فلسطين فمات بتلك
الأرض المباركة يقارب جسده ترابًا حوى خليل الله إبراهيم الذي ترك بضعة منه بأرض
العرب «إسماعيل» رضيعًا وشابًا ونبيًا وذرية تنتشر من بقعة عند البيت الأمين، لله
هذا التراب في افتراقه وتلاقيه!! تحمله ريح القدر عودة وإيابًا؟؟



وقدر
آخر ينتظر سلمى وجنينها لقد ولدت طفلاً برأسه شيبة فأسمته شيبة، وهل يشيب الوليد؟



يضرب
الشيب رأس ابن آدم علامة لتقدم العمر به وبداية لضعف يرسم خطى النهاية، نهاية
البقاء في هذه الدار. وأنت أيها الشعب السعيد بدينه المجيد، تراه نور المؤمن ودرجة
من التقدم في صف الإيمان تعدك لآخرة حسنة فتنال وقار الشيب ووقار الإيمان فشيبتك
اصطبغت وأنت على هذا الدين ذو يقين.



فماذا
كانت تعني شيبة وليد سلمى؟ أهي نور في غرته يبشر بمقدم نور؟ أم استعداد للتجارب
التي سوف تمرسه سنوات عمره القادم؟ أم الهيبة يا شيبة تسبقك إلى الدنيا لمكانة
تنالها بعظيم فعالك وعظيم أولادك؟



ربت
سلمى ابنها الذي ما عرف أباه في بيت أبيها فنشأ في يثرب لا يشعر به أحد من أفراد
أسرته بمكة إلى أن سمع به عمه المطلب بن عبد مناف الذي آلت إليه سقاية ورفادة زوار
البيت العتيق بعد أخيه هاشم حتى سمته قريش الفياض لسخائه وما أعظم الأخوان – هاشم
والفياض -!!



رحل
المطلب إلى يثرب يطلب ابن أخيه فلما رآه فاضت عيناه وضمه، وأردفه على راحلته
فامتنع حتى تأذن له أمه، فسألها المطلب أن ترسله معه، فامتنعت فقال: «إنما يمضي
إلى ملك أبيه، وإلى حرم الله، فأذنت له» لم يطمع المطلب في السيادة لنفسه ولبنيه
ويتجاهل ابن أخيه فالحق عنده أن لهذا الابن حقًا من ميراث أبيه في الزعامة ولابد
أن يبحث عنه ويرده إليه، فأي أخيار هم أهل هذا النور؟!



قدم
المطلب مكة مردفًا شيبة على بعيره وتوسط الناس فقالوا: هذا عبد المطلب، فقال:
ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم، فأقام عنده حتى ترعرع إلى أن هلك المطلب بردمان من
أرض اليمن فولي بعده عبد المطلب، وناصره أخواله من بني النجار فأقام لقومه ما كان
آباؤه يقيمون لقومهم، وشرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه، وأحبه قومه، وعظم
خطره فيهم.



فماذا
وقع لشيبة من أمور قلدته شرف السيادة والرئاسة؟



اعلم
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد، أن الشرف تاج عظيم يحتاج إلى قلب على الأخطار
جسور، ونفس متطلعة إلى ذروته محلقة إلى الأفق البعيد تسابق إليه النسور والصقور،
وقدم راسخة في الأرض، وباع يضرب الشرق والغرب ولقد اجتمع ذلك لشيبة «عبد المطلب».



ثم
اعلم أيها الشعب السعيد بدينه المجيد، أن النوم مملكة وسلطان تخرجك من عالم اليقظة
بالقلب والعقل والجوارح إلى عالم آخر فيه من اليقظة والغفلة، ومن الحقيقة والخيال،
ومن الماضي والحاضر والمستقبل ما لا تجد له تفسيرًا إلا عند الواحد الأحد، فيه من
عالم الملائكة والإنس والشيطان، فيه مما نعانيه من فرح وكدر الحياة، وفيه مما
تخبئه الأقدار ولم يخطر يوما لنا ببال.



ومن ذلك ما حصل لعبد المطلب إن في داخله مما سمع ووعى ولم
تعييه بقايا من كلام عن ماء مبارك يدعى زمزم أخرجه جبريل
u للمرأة
الصالحة ورضيعها كما مر بك في بداية الحكاية حين أراد الحكيم المدبر لأم القرى أن
تحمل شرف وقدسية لقب الأم، وأن قبيلة جرهم حين أجبرت على الجلاء عن مكة سدت بئر
زمزم بعد أن دفنت به كنوز الكعبة والحجر الأسود، واجتمع ذلك كله في وعي وحنايا روح
عبد المطلب وسمع هاتفا يهتف به ليحفر البئر، ويحدد له موقعها ويصفه له، لم تكن
رؤياه إلا فيضًا من الرحمن فحفر وأخرج المدفون، وأقام سقاية زمزم للحجاج، ولما بدت
البئر نازعت قريش عبد المطلب وقالوا له: أشركنا، قال: ما أنا بفاعل، هذا أمر خصصت
به، فخرجوا به للمحاكمة إلى كاهنة بني سعد، وفي الطريق نفد الماء حتى أيقنوا
بالهلاك، وقاموا يحفرون قبورهم استعدادًا للموت؟ ولكن حافر بئر الحياة التي أحيت
إسماعيل وأمه وبعثت الحياة في الوادي الجدب غير ذي زرع فسكنه الناس ذلك الماء الذي
تشربه، أيها الشعب السعيد بدينه المجيد طعام طعم وشراب سقم، حافر بئر الحياة يرفض
حفر قبره ويضرب جمله ينهضه، وهذا هي يده تضرب في جذور المجد كل ميت وحي تضرب الأرض
فتخرج الماء والكنوز، ويضرب جمله فيندفع من تحته الماء، إذن لا موت يا عبد المطلب
الآن، ولا محاكمة لكاهنة بني سعد، ولا إشراك لك فيما ضربت يمينك، بل العود إلى مكة
مسلمين لتخصيص السماء لك.



ونذر
عبد المطلب لئن آتاه الله عشرة أبناء، وبلغوا أن يمنعوه لينحرن أحدهم عند
الكعبة؟؟!!



وأمر
آخر جرى مع عبد المطلب بدأ حين حكم الأحباش اليمن وسمعوا عن العرب وحجهم البيت
وتعظيمهم له، فرأى أبرهة الحبشي أن يصرفهم إلى كنيسته التي بنى في صنعاء، ثم سار
إلى مكة ينوي هدم الكعبة بيت الله وتقدم جيشه أفيال يقودهم فيل، وفزعت العرب وقريش
مما تناهى إلى سمعهم، فتفرقت قريش في الشعاب، وتحرزوا في رءوس الجبال خوفًا من
الجيش.



أما
عبد المطلب فقد افتقد إبله فقيل له: إن الجيش القادم لهدم البيت استولى عليها،
فذهب إلى رب الجيش «أبرهة» يستنقذ إبله، فلما دخل على أبرهة استعظمه لهيبة جللته
وجلال كساه، وظن أنه قادم إليه يفاوضه بشأن هدمه للبيت، ولكن الرجل المهاب فاجأه
بطلب الإبل، وتروى الحكاية أنه استصغره بعد أن استكبره، ونفر منه بعد أن تقرب
إليه، فماذا تعني إبل سيد ذهبت إذا كان معتقده وما يقدس سيتحول إلى كومه من تراب؟
لا سيما وأن شرف السيد مربوط ببقاء البنيان!.



ولعلك
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد، تستغرب طلب السيد كما استغربه الطاغية أو قد يدخل
عليك من التساؤل والعجب ولو القليل، ولنستمع إلى جواب عبد المطلب على سؤال الطاغية
حين تعجب منه وقال: عن الإبل تسأل؟ وبيتكم وكعبتكم أيها الشيخ الذي خدعنا مظهره؟
قال: أما الإبل فأنا ربها «سيدها» وللبيت رب يحميه!! تلك بصيرة عبد المطلب وخبرة
شيبة الذي شيبته التجارب، وعقيدة حفيد إسماعيل وإن ضلت به وبقومه الطريق فأشركوا
بالله ولكنهم بسلامة الموروث بعظمة رب البيت يحيون.





لا
هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك













وانصر
على آل الصليب وعابديه اليوم آلك












لله
در عبد المطلب في بيئة وثنية تعبد فيها الأصنام، ويدرك أن الله لا يرضى عن عباد
الصليب المثلثين له، لقد فهمها على حقيقتها، إنهم آل البيت، والبيت بيت الله،
وأولئك آل الصليب، والله لا يجتمع بصليب ادّعى أهله أنهم صلبوا عليه ابنه «عيسى» -
تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا -.



عبأ
أبرهة جيشه، وهيأ نفسه لدخول مكة ترتفع هامته بما هو مقدم عليه، ومع ذلك هيأ صحف
سجلاته لتدخله التاريخ منتصرًا على العرب هادمًا لبيتهم الذي عظموه، فأي شأن لأمة
وثنية ملأت أصنامها ذلك البنيان ومزق الجهل أركان حياتهم، فما قيمة بنيان بني على
التوحيد ثم أحيط بمظاهر الشرك؟



وعبأ
التاريخ سجلاته وهيأ صفحاته وبرى أقلامه وأوقفها صفًا تنتظر البداية لترسم على تلك
الصفحات النهاية وتشبثت أصابعه بها، واستنهض الدهر كل غافل، وأوقف كل مسرع، ونبه
كل مشغول بشأنه، وتسارعت الأنفاس ورافقتها دقات القلوب، وزاغت الأبصار، وشلت
الأطراف عن كل حركة إلا عن تقليب الكف على الكف فلا حول ولا قوة ولا قدرة على
القادم، والتفت العالم في لفتة فريدة إلى أم القرى إنسه وجانه وحيوانه ونباته حتى
غول الوثنية زاغت عيناه الجاحظتان متوقعا النهاية، وغول القحط يتأمل شتات القوم
بعد الهدم ويراقب من بعيد.



ولكن
عبد المطلب ومن على معتقده كان على يقين جعله يقلب بصره في السماء ينتظر أمرين؟
القادم من الغيب من صلب ابنه الذبيح عبد الله الميت تاركًا زوجه حاملاً ولم يبق
على خروج المولود إلا القليل، والقادم من الغيب يحمله رب البيت لهادميه؟ الفيل!



أيها
الشعب السعيد بدينه المجيد، أتدري ما حل بالفيل؟



قيل:
أن رجلاً من اليمن صاحب الجيش في طريقه إلى الحجاز ممن رافقوهم أدلاء في الطريق
حتى إذا آن أوان توجيهه صوب البيت رفع أذنه هامسًا فيها يقول له: أمدرك أنت ما
يوجهونك إليه ولماذا؟ هذا بيت الله يريدونك أن تتقدمهم لهدمه، فإياك وما يريدون.
فيصغى الفيل ويفهم، وعن المهمة ينصرف ويستدبر، فإن وجوهه إلى الجنوب أو الشمال قام
وهرول، وإن صرفوه إلى الكعبة برك وأصم أذنه عن أوامرهم، وإن ضربوه يحركوه تبلد، لم
يكن الفيل بحاجة إلى همس الرجل لأن أوامر أخرى تلقاها وما كان عليه إلا أن ينفذ.



وللحيوان
إدراك للخالق وتقديس لما خلق، وتسبيح وتحميد وتهليل وتكبير من أدقها حجمًا إلى
أعظمها، وسبحان من سبح كل ما خلق بحمده وعرفه لا يشرك به شيئًا.



اتحدت
قبائل العرب لتدفع عن البيت؟ لم يئن وقت اتحادها، إنها تحتاج إلى قوة جبارة خارقة
لكل تصور حتى يُجمع شتاتها!!



اعلم
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد وربه العزيز أن لله جنودًا لا يعلمها إلا هو؟!



لقد
أرسل الله تعالى طيرًا أبابيل مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره، وحجران في
رجليه أمثال الحمص، لا تصيب من أفراد الجيش أحدًا إلا قُطّعت أعضاؤه وهلك، وليس
كلهم أصابت وخرجوا هاربين يموج بعضهم في بعض فتساقطوا بكل طريق وهلكوا على كل منهل
ليشهد الجميع نهايتهم ويتناقلوها.



وأما
أبرهة فبعث الله عليه داء تساقطت بسببه أنامله، ولم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل
الفرخ، وانصدع صدره عن قلبه ثم هلك، ومع انصداع قلبه انصدع جبروت الطغيان.



أما
قريش فرأت ما حل بالجيش فعادوا إلى بيوتهم آمنين، وأما العالم فالتفت إلى البيت
معظمًا ومقدسًا وللقادم مترقبًا فما كانت السماء تصدر أوامرها لجنود لا تعرفهم
الأرض إلا لأمر جلل ولمكان عظيم وآت أعظم!






وأما
التاريخ فكلت يمينه وبرت أقلامه واستعار أخرى، ونفدت كلماته ومفرداته، وجمله
وعباراته ولكنه أدرك أن أمامه أمة حان نهوضها من غفلتها، وقدرًا ينتظره العالم حال
الوقوع ومن للأحداث والأقدار إلا التاريخ تصوغه ويصوغها؟؟



أدرك
شهر زاد النعاس، واستأذنت الشعب السعيد بدينه المجيد في أن تغفو ويغفو معها؛ لتكمل
الحديث في الليلة القادمة ولكن الشعب متيقظ القلب والعين، رافضًا النوم فلم يعد
للراحة والنوم قيمة، ولا بأس من أن يواصل ليله بنهاره لقد أيقظت فيه الحكاية بداية
الحكاية العظيمة، إن الشعوب تمل النوم والغفلة فتوقظ ماضيها ليوقظ حاضرها فيسهر
كلاهما ليولد مستقبل أفضل!



واستجابت
شهر زاد لرغبة الشعب فقررت السهر معه تروي له بقية الحكاية.



اعلم
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد أنه كما عاد عبد المطلب وقريش آمنين عاد منتظرًا
يطيب له الانتظار، يقتله الانتظار كما قتل الموت بعضا من مشاعر أبوته.



في
ذاكرة عبد المطلب وذاكرة شهرزاد فتى محبوب لوالده اسمه عبد الله من بين عشرة من
الأبناء تتمناه كل فتاة، وعلى جبهته نور لم يكن له تفسير فلا إيمان لنقل أنه نور
الإيمان ولكنه منبع الإيمان لما سيكون.






نذر
أراد أبو الفتى الوفاء به قال: لئن رزقت عشرة من الأبناء يمنعوني لأذبحن أحدهم،
وتقع القرعة على الابن الحبيب فيحزن الأب ثم تفديه مائة من الإبل في مقارعة بينه
وبينها وينجو الفتى الذبيح!!



فتاة
طاهرة في بيئة وثنية ولكنها من فضليات الفتيات يقع عليها الاختيار لترافق الفتى
حياته.



خير
وخيرة من أخيار، وعرس يشهده أهل البيت الأمين، وزواج عمره أيام؛ ليموت الشاب
مودعًا نوره لدى الشابة، ومع ولادتها أنوار وأحداث تقلب العالم ليشهد الانقلاب
الكبير، يتيم ما كاد أن يكون نطفة حتى فقد أباه، وبشارة للجد الفاقد بولادة
الحفيد.



جد
كريم عطوف وسيد شريف يرى في حفيده عوضًا عن الابن المفقود، يتلقفه بعد مولده ليطوف
به البيت الحرام شكرا للرب وتبريكا للمولود، واسم يطلقه عليه لم يكن منتشرا بين
العرب... محمد... محمد؟؟!!



ما
الذي جعل الجد يطلق على حفيده هذا الاسم الذي لم يكن شهيرا بين العرب؟ يتبادر إلى
الذهن أن يطلق عليه اسم أبيه عبد الله لتجدده البنوة بالكلية كيانًا واسمًا محمد؟؟
أكان عبد المطلب يحمد المنعم باسم الحفيد؟ أم كان يعلم مما بشر به في رحلاته من
أهل العلم أنه يحمل في تقاسيم وجهه علم النبوة الخاتمة الحامدة المحمودة؟



بنوة
ونبوة هكذا فهمها عبد المطلب بنوة العوض للابن الشاب، ونبوة البشارة التي بشره بها
أهل العلم ليكن محمدًا!



لقد
شارك الأعمام أباهم فرحته بمقدم الوليد فأعتق عمه أبو لهب جاريته «ثويبة» حين
بشرته بالقادم، كانت أول من أرضعته وشاركه عمه حمزة لبنها، فهو عمه وابن خالته
فأمهما أختان، ورضيعه، وللغيب رؤية أخرى تنتظرهما برباط آخر.



وامرأة
أخرى ينسج لها القدر حكاية، «بركة» جاريته وبعض إرثه من أبيه وحاضنته، ولنساء
البيت الهاشمي أصيلات من عرقه ومنتسبات إليه شأن مع هذا الطفل القادم في تلقيه بعد
مولده وحين يحبو ويدرج ويستقيم على ساقيه، وحين يشب ويبلغ الرجولة إلى الكهولة
والموت، لقد تحولت الدنيا حوله لتتمثل امرأة صدرها واسع وحضنها دافئ وهذا شأن
النساء نذوب في أطفالنا ويذوب أطفالنا فينا فلا يعود ثمة انفصال وإنما امتزاج
وإحاطة ونسج ونسيج فكيف الحال بهذا الطفل الذي يصبح مهده العالم قلب امرأة تحويه
ليحمل هو في المستقبل قلبًا للعالم يحميه.



واعلم
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد أن مما اعتاده العرب في أبنائهم أن يطلبوا لهم
المراضع في باديتهم لتصح أجسادهم وتستقيم ألسنتهم، ومن عجيب ما حصل لذاك المولود!
أن امرأة تدعى حليمة من بني سعد قدمت مكة مع صويحباتها تلتمس رضيعًا وقد أنهكها
وقومها الجدب، هزلت أتانها وعجفت شاربها فما تبض بقطرة لبن، لها طفل رضيع لا ينام
الليل ولا ينيم من بكائه من الجوع، عزفت كل المراضع عن اليتيم «محمد» فما عسى أن
تصنع أمه وجده؟! وكرهت أن ترجع لقومها بلا رضيع فاتفقت وزوجها على العود إلى ذلك
اليتيم لأخذه عسى الله أن يجعل لهم فيه بركة، وكان لها ما تمنت، فما وضعته في
حجرها حتى أقبل عليه ثدياها بما شاء من اللبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي
أيضًا، وحفلت الشارب «عنزة» فحلي زوج حليمة وشربوا وشبعوا وهو يقول لزوجه: تعلمي
والله يا حليمة «لقد أخذت نسمة مباركة».



نشط الشعب السعيد بدينه المجيد وانتصبت قامته يحسن الاستماع
إلى شهرزاد، ونشطت أتان حليمة تسابق مثيلاتها بعدما أبطأها الهزال، ومع قدوم
المرأة وزوجها باليتيم على أرض مجدبة أربعت الأرض والمنازل، واستحال الجوع إلى شبع
والجدب إلى ري.



وحرصت
الأم المرضعة على أن تعود به إلى أرضها بعد السنتين في أول زيارة لأمه وبلده لما
كانت ترى من بركته، وأشارت؛ ليقوى جسمه أكثر ويشتد عوده بعيدًا عن وباء الحضر،
وتعود به سنتين أيضا ليتم أربع وترجعه إلى أمه لأن حادثة أفزعتها وخافت على ابنها
تلك حادثة شق الصدر وإخراج حظ الشيطان منه وأنى لحليمة أن تعلم حقيقة ذلك؟!



ومن
صدر الظئر الحنون الذي غمره بحبه وعطفه
وملأه هو بعذوبة الطفولة وزاده بلمسه النبوة التي جنحت به عن عالم الأطفال معتاد
إلى صدر الأم الفاقدة للزوج، البعيدة عن الابن الوحيد، يعود ليلتقي بها فيتدفق نهر
أمومتها ليلتقي بجدول طفولته الرقيق حين تعتنقه فيجد ريحها وتجد ريحه ويذوب الاثنان
في عالم من المشاعر العذبة واللقاء الحميم ليعلو الإحساس بالاثنين ويغيب مع ذلك كل
ما في الوجود، وذلك شعور تعرفه الأمهات!



لقاء
يا آمنة أم استعداد لفراق؟؟



ذبلت
زهرة بني زهرة لتقضي في طريق عودتها بالطفل الذي ما تجاوز الست سنوات بعد زيارة
لقبر الزوج بيثرب وتدفن بالأبواب بين مكة و «يثرب» يولد في مكة ويموت والده بيثرب
ويدفن بها، وتموت أمه في طريقها إلى مكة لتدفن بين المدينتين، أكانت أقدار الأسرة
بين المدينتين؟ وأقدار العالم والبشر بين مدينتين؟؟



يمر
هاشم بيثرب في طريقه متاجرًا إلى الشام، ويتزوج بسلمى ويتركها مغادرًا لإكمال رحلة
التجارة على أمل العودة ولكنه لا يعود، وتنجب شيبة ثم يحمله عمه المطلب إلى ملك
أبيه في مكة فيشرف به قومه ويكسوه القدر جلال المكانة والتشريف، ويلتقي غصن هاشم
بزهرة بني زهرة ويذهب الشاب إلى أخوال أبيه قيل متاجرًا في طريقه إلى الشام، وقيل
أرسله أبوه يمتار لهم من تمر يثرب ولتمر يثرب مذاق خاص يعرفه العرب، وبركة وشفاء
لعجوته تأتي بها أخبار الغيب مستقبلا، ثم تودع مكة يثرب الأب الشاب الفقيد،
وتستدعي يثرب الأم الشابة وفاء لذكرى الزوج لتصحب الأم الولد تعرفه قبر أبيه
وخؤولته لتوصله بما انقطع بينهما من أبوة وبنوة، ولذرات التراب وحصوات الطريق رغبة
في احتضان أم الصبي الموعود، اقتطعت يثرب أبا الصبي واحتضن الطريق أمه ليكونا
والدنيا على موعد مع الموعود، لقد استنهض الدهر مدينتين وطريقًا بينهما ليشهدا أول
الحكاية وجذرها وامتداد أحداثها إلى البعيد القريب.



حين
حملت آمنة بالطفل رأت نورًا يخرج منها تضيء له قصور الشام، ولكن آمنة لم يقدر لها
أن تحيا النور الذي حملت بين أحشائها وتلك حكمة الله.



إن في
يتمه حكمة إلهية تؤهله لأبوة عالمية لأيتام العالم على اختلاف المكان والزمان فهو
قدوتهم، ولن تحتاج مراكب المجد للآباء حتى يمتطيها الأبناء، إن في اليتيم صقلاً
للنفس يبعدها عن الدلال ورفاهية المشاعر فيصلب العود ويستقيم.



كان
الطفل محمد حين ماتت أمه وشهد الموقف يبلغ من العمر ست سنوات حين انطلقوا من مكة
إلى يثرب كانت يداها تحيطه وصدرها يضمه وتلامس كفاها جلده تطعمه وتمسح على رأسه،
ويدير بصره فيما حوله فيرى امتداد الطريق واتساع الأفق ومشاعرها تملئ كل ذلك، ويرى
جده يعينه في ركوبه ونزوله وعيناه وعينا أمه تتبادلان احتضانه كمهد وثير فكيف
الحال وقد مرضت الأم وتهاوى جسدها الغض وألح الموت يطلبها فخبت أنفاسها التي كانت
تعانقه عدد الثواني وحبات رمل الطريق، ورأى كفي الجد العطوف تتلقاها لتواريها عن
عينه وتغيبها التراب مهدًا ليس بوثير! إن دموعه البريئة سألت الجد فغمرت دموع الجد
الغزيرة الطفل تهون عليه وتغسله لتزداد هالة النور في عيني الطفل الحزين ويكتم
وجده ليستدعيه يومًا حين تستوقفه قافلة الحياة أمام ذلك القبر الذي ضم أحن صدر
تمناه وأبى القدر أن يديمه عليه.



اعلم
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد وبرفق يحمله هذا الدين لأيتام العالم في العناية
بهم وترقيق القلب المسح على رءوسهم علاج لمن أعيته قساوة قلبه.



اعلم
أن الجد العطوف عاد بمحمد يتيم الأبوين إلى مكة ليزداد حبه له وحنوه عليه، عاد
يؤكد على الأعمام: بروني في ابن أخيكم، وأفسحوا له في فراشي الذي تضعوه في ظل
الكعبة والذي لم يكن يجرؤ أحد منهم على الجلوس عليه، أما محمد فليجلس عليه؛ دلال
الجد وحنوه على الحفيد وانتظار لما ستأتي به الأيام يقول الجد: دعوا ابني فوالله
إن له لشأنًا، ثم يجلسه على الفراش ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع، ولسوف
تأتي الأيام بأعظم من ذلك الفراش ليجلس عليه محمد، لا عرض ولا أسرة ولا بلاط وإنما
ليكون ملكًا إلهيًا لا يسند فيه ظهره إلى الكعبة ويستظل بظلها وإنما يستقبلها من
جهاتها جميعًا ويستقبلها معه الإنس والجان وهذا يا عبد المطلب، هو الشأن المنتظر؟!



ثم
اعلم أيها الشعب السعيد بدينه المجيد أن عبد المطلب سرت عليه سنة الله في خلقه فلا
بقاء ولا خلد لأحد وإنما كل شيء هالك إلا وجه الواحد الأحد، ولما حضرته الوفاة عهد
إلى ابنه أبا طالب بكفالة محمد فهو أخ أبيه لأم وأب، فأصبح في كفالة عمه يكلؤه
ويحفظه وكذا زوجه فاطمة بنت أسد، يومًا ما سيكافئ إحسانها بقميصه يكفنها فيه وينام
في قبرها قبل أن ينزلوها إياه، والعم صنو الأم وما أكثر ما شارك أبناء عمه الكثير،
عيشهم الشديد وطعامهم الزهيد فرفع يده عنه استحياءً وقناعة قلب ونزاهة نفس ومع ذلك
فقد كان حسنه وصفاؤه ينم عن أنعم عيش!



في
عام من أعوام مكة التي كان غول القحط ينسب مخالبه في معاشهم وتفترس أنيابه قوتهم
قالت قريش: يا أبا طالب، أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب
ومعه غلام، كأن وجهه شمس غلب شعاعها الأفق، فالتحف الكون نورها، حوله غلمان يبدو
بينهم كلؤلؤة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بإصبعه الغلام، وما في
السماء بادرة على إقبال الحياة، فأقبل السحاب من ههنا وههنا، وأغدق وأغدودق،
وانفجر الوادي وأخضب النادي والبادي.



وجه
صبوح تعلوه أنوار، صاف كسماء يوم صائف، ويسأل سائل غريب قادم إلى مكة: من الطفل
وما شأنه؟ ويستشرف له قادم مختلف، وينشد عمه أبو طالب:





وأبيض
يستسقى الغمام بوجهه













ثمال
اليتامي عصمة للأرامل












من
أعلم أبا طالب أن ابن أخيه ملجأ وغياث لليتامى، عصمة للأرامل؟ وهو اليتيم الذي يبحث
في بيت عمه وبين أبنائه عن مكان؟ أكان يقرأ الغيب في ذلك الوجه الأبيض المنير؟! أم
أن الغيب حين أنزل المطر حتى انفجر الوادي وأخضب الوادي والنادي دل على الموعود؟
طفولة بريئة فاقدة للوالدين والجد، عفيفة في البيت الذي استقبلها ومشاركة في
مسؤولياته.



حين
أراد عمه أبو طالب السفر في تجارة إلى الشام ورأى نظرات الطفل الواجدة تودعه رق له
وأخرجه معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة
له، وكان إليه علم أهل النصرانية، وكان لا يكلم من نزل عليه من المارين به فلما
نزلوا عليه في تلك المرة نزل من صومعته، وصنع لهم طعامًا دعاهم إليه كبيرهم
وصغيرهم وعبدهم وحرهم، لقد رأى ذلك الطفل ينزل في ظل شجرة وتهصرت أغصان تلك الشجرة
حتى أظلته وأظلت الشجرة غمامة كانت تظل الطفل، وضع الطعام وأقبل الناس عدا الطفل
الذي كانت عينا الراهب تراقبه فأصر على حضوره الطعام، ثم جعل يلحظه لحظًا شديدًا
وينظر إلى أشياء من جسده وقد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم
وتفرقوا، قام إليه يسأله فقال: يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى – وتلك آلهة قومه –
إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فرد الطفل: «لا تسألني باللات والعزى شيئا فوالله
ما أبغضت شيئا قط بغضهما» فقال الراهب: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه،
فقال: «سلني عما بدا لك»، فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره فكان
ما يخبره يوافق ما عند الراهب من صفته، كما رأى خاتمًا بين كتفيه على موضعه من
صفته التي عنده، ثم التفت إلى أبي طالب يسأله عن قرابته له وعن أبويه وأشار عليه:
ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت
ليبغنه شرًا فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم: هذا سيد العالمين، هذا يبعثه الله
رحمة للعامين، قال أبو طالب: فما أعلمك بذلك؟



فقال:
إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخر ساجدًا، ولا تسجد إلا لنبي،
ودليل بحيرا خاتم بين كتفي الغلام، فأسرع به عمه إلى بلاده.



فطرة
سليمة لا تعرف إلا واحدًا أحدًا أشهدها على نفسها حين كانت ذرًا

]ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى[ [الأعراف: 172]
ولكن الفطرة تتناولها شوائب التربية وإرث الآباء، ومع وثنية القوم وتعدد أصنامهم
فقد توحد الخالق في نفس الطفل!



جده
إبراهيم
u في
طفولته كان أبوه آزر صانع أصنام يجبره على النزول بها إلى السوق ليبيعها، عبد يبيع
ربه الذي صنع؟؟!! فكان ينادي عليها من يشتري ما لا يضره ولا ينفعه.



وحفيد
إبراهيم يوسف
u
وهو طفل أيضًا عافت نفسه عبادة جده لأمه صنمًا فخطفه من أمامه ليلقيه في مزبلة
]قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ[
[يوسف: 77] أي سلسلة في الحق موحدة هي
جذور محمد؟ وأي خاتم بحث عنه بحيرا ووجده؟



أيها
الشعب السعيد بدينه الخاتم، ورسالته العامة للناس، المكملة للشرائع الناسخة لها؟
خاتم وختم وسجل نبوة يُطوى، يبدأ بأبي البشر آدم
u وتتابع الرسل والرسالات ويتسع جلباب النبوة لعدد من الأنبياء
والرسل لا يعلمهم إلا هو تعالى إلى أن يشاء الرب عز وجل بالخاتمة معنى وواقعًا
تعيشه الشريعة والناس فيما بقي من حياة الأحياء، ويختم بين كتفي الطفل بختم يغلق
بعده سجل النبوة ويظل شرعها واقعًا إلى أن تطوى الأرض ومن عليها ويغلق سجل
البشرية.



«ثمال
اليتامى عصمة للأرامل» ويؤكد بحيرا بما أبعد من ذلك رحمة للعالمين، أهل العلم عرفوه
بصفته وإن أنكروه بعد بعثته، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وأهله وأهل الخبرة عرفوه
من نور في وجهه، ووقائع تحيطه وتلك عبرة المتوسمين، والكائنات تعرفه؟! يسجد له
الحجر والشجر وتظله الغمامة وأغصان الشجرة، بين مكنونات الكائنات ومكنونات النفوس
إحساس وهمس ونظرات وسؤال مضمونها: من يكون؟ ومتى يمكن الإعلان؟



عفة
في النفس وفطرة سليمة تأبى العيش دونما أن يكون لها في الحياة دور، بل وتسعى
لنفسها ولغيرها لذا لابد للفتى أن يعمل وما الذي يمكن أن يعمل؟



في
داخله من اتساع الأفق وعمق الوجدان ما يزيد على اتساع الكون وترامي أبعاده وعمقها،
وهالة من الصمت المتأمل الطويل ذلك الصمت الذي يعزله عن العالم حوله ولا يعزله،
يعزله صمت التأمل عن كل خطأ ونقيصة فيصمه وتغشيه غشاوة البصير وليس الأعمى إنه
السامع الرأي، ولكنه المتجاهل الصاد عما يدنس الفطرة، ولا يليق بمثله أن تدنس
فطرته!



ولا
يعزله فهو الخبير بمجتمعه بأدق دواخله، بخير يعيشه ذلك المجتمع ويحث عليه، وبشر
ينحرف به عن الجادة ويحتاج معه إلى الدليل، وإن الدليل مخبوء تحت صفحات القدر كلما
مضى زمن كُشفت صفحة إلى أن يكون الجلاء.



ولن
يتناسب في بيئة مثل هذه ومع فتى صموت ناطق إلا مهنة الرعي ابتداء رعي الغنم ولا
أودع من الغنم حيوان يرعى، تنقله خفة البحث عن الحياة بضعف وإصرار، ويتربص به
الذئب ليفترس القاصية، وتنطلق عين الراعي إلى الأفق تحيطه وتوجهه، وعصاه تقوده
وتحرسه، مهنة تؤهل الفتى تزيد من صمته وتأمله، وتعوده سياسة العامة وقيادتهم،
ومعرفة حاجتهم والرفق بهم وتميل بهم نحو التجمع وتقف عصاه لذئبهم بالمرصاد؟؟!!



ثم اعلم أيها الشعب السعيد بدينه المجيد الذي خصك واختصك
بحرمة الدم والإنسانية فكان زوال الدنيا أهون على ربك من أن يراق دمك، ولعرضك
ودينك وعقلك ولمالك حرمة فكم أنت كريم على ربك الكريم، عزيز على صاحب العزة!! وكذا
خص الزمان والمكان بحرمة، إن للبلد الأمين حرمة الحرم، وحرمة الأشهر الحرم.



ولما
كان للفتى محمد خمس عشرة سنة تزيد أو تنقص دارت حرب بين كنانة وقريش من جهة وقيس
عيلان من جهة سميت بحرب الفجار؛ لانتهاك حرمات الحرم والأشهر الحرم اشترك فيها
محمد يرد على أعمامه نبل عدوهم إذا رموهم به، لم تكن حربًا حارب فيها ولكنه شاركهم
الدفاع عن المقدسات؟!



ولد
في عام دافع الرب فيه عن قداسة البيت ثم شارك قومه في حرب لنفس الهدف، ولقوم محمد
والعرب عامة في ذلك الزمان روح الحمية الجاهلية تثيرها العصبية للدم والقرابة
ولكنهم ولمكارم أخلاق لديهم تجاوزها حين تداعت الأحلاف من قبائل قريش ومنهم «زهرة
وهاشم» فتعاقدوا وتعاهدوا على نصرة المظلوم من أهل مكة وغيرهم من سائر الناس
يقومون معه على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته وتشهد دار عبد الله بن جدعان هذا
الحلف لسن الرجل وشرفه فيهم، وأصل الحدث أن رجلاً من زبيد قدم ببضاعة إلى مكة
اشتراها منه العاص بن وائل وحبس عنه حقه، ولما ضاقت بالرجل الحيلة صعد جبل أبي
قبيس ونادى بأشعار يصف فيها ظلامته رافعًا صوته، والشعر صوت العرب وحاديها، شعورهم
في أفراحهم ومواجعهم، فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب، وقال: ما لهذا مترك؟ فكان
الحلف، «حلف الفضول»، لا يبقى لمظلوم عند ظالم فضل من حق!



هؤلاء
هم أهل الفتى لهم في كل زمان وأحداث موقف السادة الكرام يرفضون الحيف ولا يقبلون
بأقل من قيادة الناس إلى كل خير وفضيلة، ولا يخالفهم فتاهم في أمرهم هذا.



ثم
اعلم أيها الشعب السعيد بدينه المجيد، وليعلم شبابك خاصة، أن الشباب قوة وفتوة،
ورغبات وغرائز، وكد وجد ولا خمول ولا كسل، وإنما تطلع وطموح، وأبصار تترقب القادم،
وأعناق تتطاول إلى الغد وعقول تجمح وتشتد.



والنفس
راغبة في المزيد فأي طريق أيها الشباب السعيد بدينه المجيد تريد؟



اعلم
أن الشاب محمد بلغ من العمر الخامسة والعشرين فسارت له الدنيا مقبلة عليه إقبالها
على الشباب أمثاله في كل وقت فأرهقها عفة وطهارة وما أرهقته، وحبسها عنه وما في
أشراك نزواتها حبسته، وألزمها نوازع النبل والعلو مما ألزمته شهواتها ولا قيدته،
يفوق كثيرًا من أقرانه جاه وسيادة ووسطية عشيرة وقوة بدن وفورة طاقة ومع ذلك فهو
العظيم الذي عف وعاف كل نقيصة، ومع انعزاله عن القوم إلا أنه كان ومضة نور شفافة
يدرك اختلافها الجميع فهو صادق المقال، عف اليد، مؤتمن، فهو في قومه الصادق
الأمين؟ ألم يكن جده موسر وهاشم والآخر فياض؟ إذن لا غرو أن يرث الأبناء جلال
الأجداد ويزيدون عليه!






وامرأة
من فضليات النساء في قريش، تاجرة وذات مال وشرف، تستأجر الرجال للمتاجرة بمالها
وتضرب لهم بشيء منه حيث ترتحل قوافل قريش شامية يمانية في رحلة الإيلاف ولا ينبغي
لمرأة أن تتعرض لعذاب السفر، وتكشف ما بينها وبين الرجال من حجاب، حجاب الستر في
قرارها وإن لم يكن الخمار والتغطية؟!



لقد
علمت هذه المرأة وتدعى خديجة بنت خويلد بصدق الرجل وأمانته، وكرم أخلاقه، فبعثت
إليه تعرض عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام متاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي
غيره من التجار، يرافقه غلام لها يقال له ميسرة، فقبل منها العرض، وخرج مع غلامها
حتى قدم الشا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في    كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2012 11:21 am

يا
أيها الشعب قف صفوفًا وغض البصر ثم اهْوِ إلى الأرض ساجدًا لقد آن أوان الاتصال.



يا
أيها الشعب استنهض جوارحك في خشوع ولتهتز كل شعرة فيك وتخضع فالساعة ساعة خضوع
واسمع فإن الآتي هو القلوع، قلوع يرحل بك من عالم الطين إلى عالم الروح، ومن عالم
الظلمات إلى عالم النور.



جبريل
u
زعيم ومبعوث له في كل زمان ومع كل رسول دور ينفذه، يبعث مبشرًا برحمة تلحق
المؤمنين، وبنصر يسوقه للصابرين، ويبعث مدمرًا للطغاة والمتجبرين، يعرف خالقه تمام
المعرفة إنه ممن يسبحون الليل والنهار لا يفترون، غضب لربه الأعلى حين هذى فرعون
بقوله: أنا ربكم الأعلى، فشهد هلاكه وصادق عليه، ووقف في السماء ينادي إبراهيم حين
ألقاه قومه في النار: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فرد الخليل: أما لك فلا؟ حسبنا الله
ونعم الوكيل، فشهد نجاته صادق عليها.



جبريل نزل على محمد يغطه ثلاثًا ويقول: ]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ
[ [العلق: 1-3] رجف
فؤاد محمد، واهتز جسده، وخشي على نفسه، فنزل من الجبل ودخل على زوجه خديجة يقول: «زملوني
زملوني
»، فزملته الصالحة حتى ذهب عنه الروع، فلما علمت الخبر قالت: «كلا،
والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري
الضيف، وتعين على نوائب الحق».



هكذا فهمت المرأة الصالحة أن صنائع المعروف تقي مصارع
السوء، لقد أحسنت الاختيار حين بعثت إليه تخبره برغبتها فيه زوجهًا، لقد قاسته
رجلاً مختلفًا عن كل الرجال الذين عرفت والمتقدمين لخطبتها فثقلت كفته لديها،
وعرفته زوجًا لخمس عشرة سنة فكان ميزانه عندها ما قالت ووصفت، وإن امرأة بحكمتها
ورجاحة عقلها تعلم أن من كانت له صفات زوجها في بيئتها الذي عرفت لن يكون شخصًا
كبقية الأشخاص وإن هناك لأمر ما تستشعره بدخيلة المرأة الفطنة وآن الأوان لظهوره
وما كان منها إلا أن أخذته لابن عمها ورقة بن نوفل، وكان امرءًا تنصر في الجاهلية،
كتب من الإنجيل ما شاء الله له أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي.



قالت:
يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك! فأخبره محمد بالخبر فقال له ورقة: هذا الناموس الذي
أنزله الله على موسى، والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة! يا ليتني فيها جذعًا،
ليتني أكون حيًا حين يخرجك قومك، فقال: «أو مخرجي هم؟» قال: نعم، لم يأت
رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا.



لم
يعد محمد كما كان وإنما عاد بلقب رسول الله، وبصلاة وسلام من الرب تعالى ومن كل
الشعب السعيد،
r.


وتتابع
الوحي على رسول الله
r وإن كان قد فتر أيامًا، وبدأ في تلقي الأوامر: ]يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ
* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ
فَاصْبِرْ
[
[المدثر: 1-7].


كم هي
أوامر بسيطة في ظاهرها، عميقة في غايتها، قوية في حقيقتها وآثارها، إنها انقلاب
الأوضاع بالعودة إلى الغاية الحقيقية والمثلى التي من أجلها خلق الإنسان، إنها لا
إله إلا الله وحده لا شريك له الذي يستحق التعظيم والكبرياء فهو الأكبر على كل ما
سواه حين ضلت البشرية بعبادة غيره، إنها الثياب تتطهر والقلوب تتزكى وتطهر من أدران
الجاهلية، إنه البذل يا محمد والتضحية والجهد يتبعه الجهد حتى يتحقق للناس الهدف
الذي من أجله بُعثت فتبلغ الغاية وذلك هو البلاغ ولكن لن يكون الأمر سهلاً ميسرًا
فكم من جاحد ومعاند ومستهزئ ومخالف وأكثر من ذلك مقاتل، لسوف يلتف حول الدعوة
الكثير ولسوف يعمل على القضاء عليها وعليك الكثير، وعليك بسلاح الصبر والثبات،
فالقادم الكثير الكثير.



]قُمْ فَأَنْذِرْ[ إنها أولويات الدعوة ومواد التبليغ وزاد المبلغ لينال مجازاة الله
في الآخرة على جهد عظيم سيبذله ليتحقق النجاح الأمثل للدعوة.



ومع ]قُمْ...[ قام محمد r ليستمر قيامه حوالي ربع قرن قيامًا لا قعود فيه، لا راحة ولا
استكانة وإنما عبء وأعباء وقيام يتلوه قيام.



ولكن
اعلم أيها الشعب السعيد بدينه المجيد، أن غول الوثنية ربت مخالبه قلوب العرب
فتشبثت بها أيما تشبث، وأنشب أنيابه في عقولهم وشتى مناحي حياتهم ومع قيام محمد
r سوف يرفع برأسه إلى الأعلى ويتضخم أكثر فأكثر لأن خطرًا يهدد
حياته أطل ولا بد له من صراع لا يكل فيه ولا يمل.



]قُمْ فَأَنْذِرْ...[ بدء القيام كان في بيت المرأة الصالحة خديجة رضي الله عنها ومنذ
هذه اللحظة لابد وأن تترضى عنها أجيالك.



أيها
الشعب السعيد بنبيه الكريم ودينه المجيد، تلك دعوة لابد أن تلتزمها لأمك، إنها زوج
محمد
r
فلقبها وجميع من سيحظين بشرف الزواج من نبيك
u أم المؤمنين – ذلك شرف الدهر لهن ولك أيها الشعب السعيد أرأيت
أكرم منك أمًا؟ شرف تحظى به من غير نسب!



أسرة
صالحة، أب نبي، وأم خيرة، وزوج نبي، وكم من زوج نبي أنكرت على زوجها دعوته وما
امرأة نوح وامرأة لوط عنك ببعيد! وبنات هن الرياحين ذكاء صيت، وشرف والدين، ونبوة
مختارة، وابن عم لمحمد
r يدعى عليًا أبوه أبو طالب كافل نبيك الكريم، إن الجميل والعرفان
يطوق أحدنا فيظل العمر للمنعم عليه شاكرًا، وليد المعروف ممتنًا، وهذا محمد
r يربيه عمه حتى إذا كبر وكون أسرة أخذ ابنًا لعمه يربيه، لم يمت
أبو طالب ولكن حاجة محمد
r لبيت عمه ماتت فقرر أن يبسط يد العون لعم كثير العيال، قليل
المال، يساعده في تربية أبنائه كما رباه وكفله صغيرًا، ومولى يدعى زيد بن حارثة
تنباه محمد
r؛
حين فضل المولى سيده الكريم على العودة إلى والديه وحريته، لسان حال المولى: أن
تعيش في ظل حر تلك هي الحرية العظمى!



وصديق
حميم، أبو بكر يضاف إلى الأسرة فرب أخ لك لم تلده أمك، كل هؤلاء أسلموا من أول يوم
في الدعوة، ولسوف يصطفوا في مطلع واحد ليكن لكل منهم في الدعوة إلى الله والذب
عنها والتأسيس لها دور.



لأبي بكر t ولابد من إتباع اسمه ومن ماثلة في صحبة
الرسول
r بهذا الدعاء، له مقام في قومه يألفه الناس
لطيب معشر، وعلم وتجارة وحسن مجالسة، وعقل حاد به في الجاهلية عن ناب الوثنية
ومخلبها، فاستغل موقعه هذا ودعا صفوة من يأتونه إلى الإسلام، عثمان بن عفان،
الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، هؤلاء
هم الصفوة الرائدة لرعيل الدعوة الأول، تعددت قبائلهم فهل خطط لذلك أبو بكر؟ وما
غايته التي أراد؟ ما قريش إلا قبائل مجتمعة، والرجل يسلم فيدخل الإسلام أسرته ومن
ثم قبيلته ويتحقق للدعوة الانتشار!



فإن
سألت أيها الشعب السعيد بدينه المجيد، عن الفاروق عمر بن الخطاب فاعلم أنه في الصف
يعده المولى تعالى إعدادًا خاصًا للقادم، وإن قلت: أكثرت علينا في ترديد كلمة
القادم قلت:



اعلم
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد، أن أمور الناس صغرت وكبرت رهينة بماضيها وحاضرها
تفك قيودهما وتطلقهما بقادمها، فالقادم غيب يشغله القدر للأمم والشعوب في أن تكون
أو لا تكون، والقدر له أسباب، والبشر أسبابه يصنعون بعون الله أحداثه وتلك حكمة
القادم!



ويتبع
الصفوة صفوة وضعفاء، وما أحوج الضعفاء للأنبياء ينصر كل منهما الآخر، فالضعيف
يحتاج إلى أن يكون إنسانًا يتساوى بالقوى الشريف، والدعوة تحتاج إلى قلب الضعيف
المكلوم يصر على النجاة والعافية، ودعوة الضعيف الصادقة تنصرون بها.



وفي
إطار من الخفية والتخفي كانت الدعوة تتسرب بين الصفوة والضعفاء يجتمع بهم الرسول
r سرًا يرشدهم في جو هامس تستره الجدران حتى يُمكن للدعوة، ولعل
الريح حملت بعضًا من الخبر إلى القوم فتجاهلوه معتقدين أنها شطحة فكر متأله كما
صنع قبل ذلك بعض المتكلمين في الألوهية أمثال قس بن ساعدة وعمرو بن نفيل، ولكن
توجسًا من الذيوع والامتداد أقلقهم فبدأ القوم في الترقب!



ثلاث
سنين كافية لتتكون جماعة الإيمان الأولى، أخوة في الإيمان وتعاهد على التبليغ.



اعلم
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد أن همس
]يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ[ قد
استحال فيه القيام الرقيق إلى نهوض واثب فنزل
]وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ[
[الشعراء: 214].


في
هذه السورة قص على النبي الكريم
r وصحبه الكرام قصة نبي الله موسى u منذ بدء نبوته وما حصل له مع فرعون وقومه إلى أن أغرق الله
الطاغية، وذلك مثل يضربه الله لنبيه يقص عليه القصص؛ ليستعد هو للقادم من التكذيب
والاضطهاد طالما أن الوقت حان للجهر والإعلان.



واجتمع
رسول الله
r
ببني أبيه وما أعظم كلماته التي بدأ بها «الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأومن به،
وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له»
، ثم قال: «إن
الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة، وإلى
الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون،
وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا»
.



سمع
الأعمام هذه الكلمات المدوية، إنها حقيقة الرسالة، توحيد، وموت وبعث وحساب ثم خلود
يُبنى على ذلك الإفراد.



لقد
عاد أبو طالب بخياله إلى قول الراهب بحيرا: هذا سيد العالمين، يبعثه الله رحمة
للعالمين، وإلى معرفته بابن أخيه الذي رباه وما عهد عليه الكذب والادعاء، فكان
رده: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو
أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به
فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب!



وأما
أبو لهب عاتق جاريته «ثويبة» التي بشرته بمولد ابن أخيه قال: هذه والله السوأة،
خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، لقد عد ذلك سوأة تجعل بطون قريش والعرب من
ورائهم يثبون على محمد الذي جلب الشر على بني أبيه! وأعاد القول أبو طالب: والله
لنمنعه ما بقينا!



ويوسع
الرسول
r
دائرة الدعوة ليصعد جبل الصفا ينادي بطون قريش فلما اجتمعوا بدأ حديثه بسؤالهم: «أرأيتكم
لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟»
قالوا: نعم،
ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»، ولقد عمَّ
وخص
u
فلا منقذ من النار إلا الإيمان حتى وإن
كان أقرب المقربين له، عمًا أو عمة أو ابنة حبيبة هي الزهراء رضي الله عنها فقال
أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت
]تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ
وَتَبَّ
* مَا
أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
*
سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ
حَمَّالَةَ الْحَطَبِ
* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ
[
[المسد].


ماذا
كان يحمل أبو لهب وزوجه للرسول
r وللدعوة؟ إن في نجاح دعوة الرجل وبلوغه الغياة مكانة عظمة له
ولقومه، وفي فشله ما يعود عليه بالضرر وحده قتلاً أو إيذاءً أو تهجيرًا، فرح بمولد
ابن أخيه، وكان وزوجه حريصين على تزويج ولديهما من ابنتيه
u فما الذي قلب الرحم والإصهار إلى عداء مرير تزعمه وزوجه قبل أن
يتزعمه الأباعد؟



إنه
ستار الكفر يغشى العقول والبصائر قبل الأبصار، ونزعة الشيطان تنأى بالرحم والقربى
تلقي بهما تحت وطأة العداوة لتلقي بصاحبها عياذًا بالله إلى النار.



لقد
أنذر الرسول
r
أعظم إنذار فوافقت حرارة الإنذار شدة حرارة النار التي لا إنقاذ منها إلا
بالانقياد للحق فلا قربى ولا عصبية ولا عظيم محبة وإنما خيار يختاره الإنسان لنفسه
يرشده فيه عقله فإما النار أبدًا أو الجنة أبدًا.



ويستحيل
النهوض الواثب
]وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ[
إلى صرخة مدوية تضرب جبال مكة فتهتز لها جنبات الوادي، وترتج معها الأصنام، ويطير
شعور غول الوثنية ليصرخ هو أيضًا صرخته ليرعب محمدًا
r ولكن صرخته عادت إلى جوفه لا يسمعها إلى هو وأتباعه.


]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ
[
[الحجر: 94] أحلام تسفه، وأصنام تعاب
وتسب، وخرافا تفند، وآباء في ضلالتها تُخطأ، وتشعر قريش بعظم المصاب وترسل وفدًا
إلى أبي طالب تخيره بين أن يكف ابن أخيه عنهم أو يخلي بينهم وبينه. ويردهم الرجل
ردًا جميلاً، ومع إقبال موسم الحج يشتد الأمر على قريش فمحمد
r ماض في طريقه، ووفود العرب قادمة، ولن يتركهم دون دعوة، فماذا
يقولون لهم؟ بماذا يتهمون صاحبهم حتى يصرفوا الناس عنه؟ كاهن، شاعر، ساحر، مجنون؟
إنه التحقير والسخرية، والتشويه وإثارة الشبهات بل وأكثر منها معارضة القرآن
بأساطير الأولين يقص النضر بن الحارث على الناس أحاديث ملوك الفرس يصرفهم عن
الرسول
r
والقرآن، قريش تقلب الأمر على أكثر من وجه تهم وأباطيل وهو صاحبهم الذي ما ضل وما
غوى سنين شبابه فكيف وقد ضرب الشيب صدغيه
]مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ
وَمَا غَوَى
[
[النجم: 2].


تساوم
وتداهن نعبد ربك عامًا وتعبد آلهتنا عامًا؟ «محاولات للقاء بين الجاهلية والإسلام
فلا يدعون دينهم ويترك النبي بعض ما هو عليه من تصميم»
]وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ
فَيُدْهِنُونَ
[
[القلم: 9] ولكن الصفقة تنبئ بخسران عاجل
]قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا
أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ
[
[الكافرون: 1-3].


وقرار
اتخذته قريش تجاه محمد ومن آمن به الاضطهاد والتعذيب، يؤذى الرسول
r بطلاق ابنتيه من ولدي أبي لهب لإدخال الحزن عليه، وإساءة جواره
بإلقاء الأذى عند بابه وعليه
u وهو بين يدي ربه ساجدًا، وبهمزه وغمزه إذا مر بالقوم، وبتعييره
فهو الأبتر، منقطع الذكر بموت الذكور من أبنائه ثم بموته، فمن سينسب له عندئذ، ومن
سيذكره؟
]إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ[ [الكوثر: 3].


وأما
أتباعه فإن كان الرجل شريفًا أنبه أبو جهل وأخزاه وأوعده بالخسارة في المال
والتجارة، وأما أهل الرجل فأقدر على أذيته، عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من
أوراق النخيل ثم يدخنه من تحته، وأم مصعب بن عمير تجيعه وتخرجه من بيته بعد أنعم
عيش كان فيه.



وأما
الضعفاء والموالي فجلد وضرب، وحبال في الأعناق بها يجرون، وعطش يلهب أجوافهم، وجوع
يمزق أمعاءهم، وكم شهدت بطحاء مكة آلامهم وتلقت رمالها جلودهم تحرقها سياط
المعذبين وحرارتها، وهذا بلال بن رباح وعمار بن ياسر وأسرته وخباب بن الأرت وغيرهم
يمر عليهم الرسول
r فيزودهم بالصبر ويعدهم الجنة، وأبو بكر يفتك رقابهم ]وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى[ [الليل: 17- 18].


إنهم
المعذبون في الله يزداد يقينهم فتنطلق أوراحهم بالتوحيد محلقة، يؤلمهم العذاب
ولكنه في جنب الله يهون ولئن سيطر المشركون على أجسادهم فلن يملكوا السيطرة على
قلوبهم وعقولهم، إن العقيدة لا تحتاج إلى أكثر من قلب تنعقد وتنيخ بركابها فيه
وعقل يستجمعها ويسير بالجسد في رحابها!!



ويزداد
حرص الرسول
r
لحماية أتباعه فيمنع من أسلم منهم من الإعلان، ويجتمع بهم سرًا يبتعد بذلك قدر
استطاعته عن المصادمة مع المشركين لتتحقق أهداف الدعوة، ويتجاوز
u خطأ الاجتماع بالأتباع في الشعاب حيث كانوا يصلون فرآهم نفر من
قريش فسبوهم وقاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً فسال دمه، فكان أول دم أهريق في
الإسلام.



إن
تتابع المصادمات يُفضي إلى كارثة محققة بالمسلمين والدعوة لذا فالحكمة تقضي
الاختفاء في دار الأرقم بن أبي الأرقم على الصفا حيث العزلة عن أعين المتربصين.



اعلم
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد، أن في الأوطان راحة واستقرارًا يجدها أهلها حين
يطيب لهم فيها المقام، وغربة ووحشة حين تنكرهم وتُلقي بهم خارج حدود الأنس بالتراب
والأهل والأصحاب، ولما استحال العيش مع صلف المشركين من قريش، وكان في القرآن
الكريم ما يشير تصريحًا وتلميحًا إلى قيمة اعتزال القوم ممن عز عليهم ترك أهلهم
وذويهم في حال لهم اختاروه، ودين اعتنقوه، فأصحاب الكهف تركوا مركز الكفر والعدوان
حين خافوا الفتنة في دينهم فَأَوَوا إلى الكهف، وصلاح الأحوال يحتاج إلى حصر البطش
وأهله وراء سد وستار كما فعل ذو القرنين بيأجوج ومأجوج، وما كفرة قريش إلا يأجوج
ومأجوج ذلك الزمان يحتاجون إلى من يسد عليهم وإن لم يستطع ليترك لهم المكان ويفر
هو بدينه ولن يكون بعيد إرث الأرض لأنها لله يورثها عباده المتقين، والأرض واسعة
والضرب فيها مأمور به
]لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ
وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
[
[الزمر: 10].


وهذا
قرار رسول الله
r
فلقد دخلت السنة الخامسة للبعثة والبلاء في ازدياد وشدة، والعرب عرفت أرض الحبشة
تتاجر فيها، وعلم الرسول
r أن ملكها أصحمة عادل لا يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا
إلى الحبشة فرارًا بدينهم، فكانت هجرة الفوج الأول إليها ثم الفوج الثاني، واغتاظت
قريش لحسن جوار النجاشي «ملك الحبشة» للمسلمين فدبروا مكيدة إعادتهم ولكن الله
أحبطها فعادوا بمكائدهم واضطهادهم على من كان تحت سلطانهم.



وخرج
طغاة قريش يهددون أبا طالب في أن يكف ابن أخيه عن آلهتهم أو لتكن المنازلة بين
الفريقين، فعظم الأمر على أبي طالب وخاطب ابن أخيه: يا أبن أخي ابق علي وعلى نفسك
ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن رسول الله
r أن عمه خاذله، وأنه ضعف عن نصرته، فقال: «والله يا عم! لو
وضعوا الشمسي في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر – حتى يظهره الله أو
أهلك فيه – ما تركته،
ثم استعبر وبكى»، وقام، فلما ولى، ناداه أبو طالب
فلما أقبل قال له: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا،
وأنشد:





والله
لن يصلوا إليك بجمعهم













حتى
أوسد في التراب دفينا





فاصدع
بأمرك ما عليك غضاضة













وابشر
وقر بذاك منك عيونا












عابد
الواحد الأحد، ما الشمس والقمر، والمال والجاه عنده بغاية، لا سيادة أفلاك وفضاء،
ولا سيادة تراب ومال وسؤدد أرضي، ولا تهديد ووعيد، وإيذاء وتنغيص عيش، يصرفه عن
دعوته، هكذا أعلنها محمد
r في كل مساومات القوم له ومبادراتهم.


لقد
أحسن عبد المطلب حين اختار العم أبا طالب كافلاً لابن أخيه لكأنما كان ينظر إلى
الغيب وما يحمله لحفيده من مهمة تتبعها مشقة وعدوان، إنها رحى الأحداث تطحن الرجال
وعندها يحتاجون إلى وقفة الرجال، وكان أبو طالب رجلاً كامل الرجولة، يعلم حق ابن
أخيه في سيادة فكره فينصره رغم الوعيد وإن لم يتبعه.



لقد
عادت إليه قريش برأي سديد!! يعطوه أنهد فتى في قريش وأجمله «عمارة بن الوليد» له
عقله ونصره يتخذه ولدًا ويسلم إليهم محمد يقتلونه؟!!



الكفر
ستار وغطاء يعمي عن رؤية الحق ويورث غباوة، أكان أبو طالب ينقصه الأولاد؟ أو عمارة
هذا يزيد على محمد جمالاً وفتوة ليستبدله به؟



ويتجدد
رفض الرجل فتلك صفقة خاسرة أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلوه؟؟!!
فازدادت ضراوتهم ضد الرسول
r وبدءوا لقتله، وفي استفزاز وحشي دنيء بين شق الثوب ومحاولة البصق
على وجه الشريف ووطء الرقبة أثناء السجود، ومحاولة فضخ رأسه بحجر، والخنق بثوبه
خنقًا شديدًا، كل ذلك والله يحميه، وجبريل
u يدرأ عنه، وأبو بكر يسارع في كل مرة إلى نبيه وصفيه يقول: أتقتلون
رجلاً أن يقول ربي الله؟



ومع
اشتداد ظلمة الطغيان وبأس الظلم، وتفاقم العدوان والقهر، يلوح في سماء الدعوة برق
ورعد يضيء الظلمة ويشد أزر المقهورين، إسلام حمزة بن عبد المطلب عم محمد
r
وأخوه من الرضاعة، والآن جاء دوره لينصر نبيه، طاش عقله نصرة
لابن أخيه الذي شج رأسه أبو جهل وأغلظ له في القول فأسلم أنفة وحمية ثم شرح الله
صدره للحق المبين، فكان الأسد الموعود لله ولرسوله.



وإسلام
عمر بن الخطاب، ليده صولة سوط البرق يلوح بالنور، وصوت الرعد يبشر بمقدم الغيث،
وسنين خير وسعة تتبع سنينًا شدادًا يفصلهما عام يغاث فيه الناس وفيه يعصرون، حين
أسلم
t
أخبر كبار الطغاة، يدق على الرجل منهم بابه ليقول له: إنه على دين محمد فلا يملك
الأخر إلا أن يغلق الباب في وجهه، وقاتلهم وقاتلوه، ويسأل عمر الرسول
r: ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: «بلى! والذي نفسي
بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم»
، قال عمر: ففيم الاختفاء؟ فوالذي بعثك
بالحق لنخرجن، فخرجوا في صفين، حمزة في أحدهما، وعمر في الآخر، حتى دخلوا المسجد،
فنظرت قريش إلى حمزة وعمر فأصابتها كآبة لم يصبهم مثلها، فسماه الرسول
r الفاروق!! وبدأ المسلمون منذ إسلامه يظهرون دينهم، ويصلون عند
الكعبة!!



لهذا
قدر العزيز سبحانه وتعالى قشرة هي كفر عمر وإساءته للمسلمين لابد وأن يأتي يوم
لتنكسر وتظهر معدنه الأصيل في وقت يحتاج فيه الإسلام أكثر من غيره إلى قوة رجل
كالفاروق، وتلك دعوة محمد
r: «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، عمرو بن هشام أو عمر بن
الخطاب»
، لكلا الرجلين بأس وقدرة، ورأي وحكمة، فأصابت الدعوة ابن الخطاب ليكون
فاروق الحق والباطل سنين عمره القادم يضاف إليه عمر أمة الإسلام لينزع له ما شاء
أن ينزع حتى يستحيل الناس بعطن، وأخطأت الآخر وهو خاله ليكون فرعون هذه الأمة يهلك
فيمن هلك على الكفر ويصدق فيه
]فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ
يَجْحَدُونَ
[
[الأنعام: 33].


ثم
اعلم أيها الشعب السعيد بدينه المجيد أن فشل قريش في مساوماتها المتتالية لرسول الله
r
والتي مثلهم فيها أخيرًا الوليد بن المغيرة، وإسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما ثم
تواثق بني هاشم مسلمهم وكافرهم على منع ابن أخيهم محمد ونصرته عدا أبي لهب بعد أن
تأكد لأبي طالب أن القوم لن يتركوا ابن أخيه ورأى في أعينهم عزمهم على قتله
فاستوثق من البيت الهاشمي لمواجهة ما يفعله القوم، من هنا غيرت قريش مخططاتها
فتحالفوا على ميثاق الظلم والعدوان وكتبوه، وعلقت صحيفته في جوف الكعبة: لا يقبلوا
من بني هاشم صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل، وعلى هذا فلن
يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يناكحوهم، ولا
يكلموهم، حتى يتخلوا عن الرسول
r ويسلموه للقتل.


انحاز
أبو لهب إلى قريش ولم يكن ضمن اتفاق هاشم.



ثلاثة
أعوام وبنو هاشم على هذا الحال حتى أجهدهم الحصار جوعًا وإعياء، والتجأوا إلى أكل
الأوراق والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من
الجوع، لا يصل إليهم شيء إلا سرًا، ولا يخرجون لشراء الحوائج إلا في الشهر الحرم،
يشترون من العير التي ترد مكة من خارجها، هذا إذا لم يزايدوا عليهم أهل مكة في
قيمة السلعة فلا يستطيعون الشراء.



ولقد
ناوب أبو طالب بين بنيه وإخوانه وبني عمه يضجعون في فراش النبي
r مخافة اغتياله u.


في
الغيب ينسج أمران، والغيب حكمة الله وأقداره، والغيب غاية ابن آدم شق حجبه
والاطلاع عليه، والغيب أمر الله تعالى جده اختص به وعرفه بعض عباده في الغيب أمر
لمخلوق حقير صغير تزدريه العين ولكنه يعرف ربه ويصطف منفذًا أمره «الأرضة» لانكاد
نراها وربها يحيطها تسمعه ويسمع دبيبها، وقريش بطغيانها غافلة والأرضة لصحيفتها
آكلة، تأكل الجور والقطيعة وتبقي على اسم ربها ابتدأت به الصحيفة «باسمك اللهم».



أخبر
رسولنا الكريم عمه أبا طالب عن ربه المتجلي على كل شيء، فخرج أبو طالب إلى قريش
يخبرها واشترط عليهم؟ إن كان ابن أخيه كاذبًا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقًا
رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، فقال القوم: أنصفت، الرجل يعرف ابن أخيه
]وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى[ [النجم: 3، 4]،
فجلس في ناحية المسجد ينتظر.



وأمر
الغيب الآخر، الرحم تتقلب في حنايا بعض القوم، في قلب وفكر ووجدان خمسة منهم
سينطقون، وغيرهم كثير ممن يعتمل الأمر في صدورهم وإن كانوا لا ينطقون كما تقلبت
الأرضة على كلمات الصحيفة وأسطرها تقلبت الرحم، فأي طعام يرضونه لأنفسهم وشراب
وأخوالهم وبنو عمهم في هلكة ما بعدها هلكة فتشاوروا، ودبروا أمرهم بليل، فلما
أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير بن أبي أمية المخزومي أحدهم وأمه عاتكة بنت
عبد المطلب فطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام
ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه
الصحيفة القاطعة الظالمة، فقال أبو جهل: كذبت والله لا تشق، فتكلم المتفقون كل
منهم يؤكد أنه ما رضي عن كتابة الصحيفة حين كتبت، ولا يقر بها. فلما قام المطعم بن
عدي ليشقها فوجد الأرضة سبقته وأكلتها إلا اسم الله، وتم نقض الصحيفة، وخرج الرسول
r
وبنو هاشم من الشعب.



خرج
أبو طالب من الشعب وقد تجاوز الثمانين فأوهن لحصار قوته، وكسر صلبه، فلاحقه المرض
وألح به، وأدركت قريش لا محالة أن الموت يطلبه، فذهبوا إليه ليفاوضوا النبي
r بين يديه، ليأخذ لهم منه ويأخذ منهم له، يكف عنهم ويكفوا عنه،
ويدعهم ودينهم ويدعونه ودينه، وهم في ذلك يحسبون كلمة تقولها العرب إن مات الشيخ
فتعيرهم بها الدهر: «تركوه، حتى إذا مات عمه تناولوه».



وعرض
الأمر على رسول الله
r فعرض عليهم كلمة يتكلمون بها تملكهم العرب وتدين لهم بها العجم،
فتوقفوا وتحيروا في كلمة واحدة تعود عليهم بهذا النفع العظيم، فقال أبو جهل: ما
هي؟ وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها، قال: «تقولون لا إله إلا الله، وتخلعون ما
تعبدون من دونه»
، فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة
إلهًا واحدًا؟ إن أمرك لعجب!



]ص وَالْقُرْآنِ ذِي
الذِّكْرِ
* بَلِ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
* كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ
قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ
* وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ
مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
* أَجَعَلَ
الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
* وَانْطَلَقَ
الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ يُرَادُ
[ [ص: 1-5].


وشاقوا
رسول الله
r في
عمه يجذبه لكلمة لا إله إلا الله، ويجذبونه إلى ملة عبد المطلب فلم يفلح الشيخ
ومات على ملة الأشياخ من أجداده.



وتراكمت
الأحزان بموت الزوجة الطاهرة المؤازرة بمالها ومكانتها وكلمتها وموقفها، خديجة
أقرأها جبريل
u،
السلام من ربها، وبشرها ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب، فلطالما هيأت له
u الهدوء في بيته ليطلق فكره تأملاً، وليستقبل وحي ربه نبيًا
ورسولاً، والجزاء من جنس العمل، لقد أعياها الحصار كما أعيا العم فاهتز قلب رسول
الله
r
حزنا وألمًا فكان عام حزن اشتد فيه فراق الأحبة المعاونين، واشتد نكال وإيذاء
المناوئين.



في
ظلال سحابة الحزن والإيذاء رأى الرسول
r أن يترك مكة يبحث عن أرض وتراب وأناس آخرين ربما يجد أفئدة تصغي
وتربة تصلح لغرس بذور الإيمان، فانطلق مع مولاه زيد بن حارثة صوب الطائف يعرض على
القبائل في طريقه إليها الإسلام، فلم تجبه واحدة منهم، فلما انتهى إلى الطائف عمد
إلى ثلاثة أخوة من رؤساء القوم يعرض عليهم الدعوة ونصرة الإسلام فما وجد منهم إلا
صلفًا واستهزاء، وأقام في الطائف عشرة أيام لا يدع أحد إلا دعاه من أشرافهم فردوا
عليه: اخرج من بلادنا، بل وأغروا به سفاءهم فتبعوه يرمونه بالحجارة وبكلمات من
السفه حتى أدموا عراقيبه، وشجوا رأس مولاه
الذي كان يقيه بنفسه حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال
من الطائف، فلما التجأ إليه رجعوا عنه، فأتى رسول الله
r إلى حبلة من عنب فجلس تحت ظلها إلى جدار، فلما اطمأن رفع بصره إلى
السماء ودعا: «اللهم إني أشكوا ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا
أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم
إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي،
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل
بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك»
.



سمع
الدعاء ابنا ربيعة فتحركت له رحمهما، يا لهذه الرحم كم تتحرك بالعطف والمودة
تضخهما دماء حياة بين البشر ولكن الشيطان يفترس قلوبًا تتحرك بالرحم فيقتلها كفرًا
وطغيانًا، بعثا له مع غلام نصراني لهما بقطف من عنب فسمى الله قبل أن يأكل، فسأله
الغلام عن كلامه الغريب في هذه البلاد، وتعارف تابع لنبي يعرف يونس بن متى بآخر
نبي يعرفه أخوانه من الأنبياء، فأكب الغلام على رأس الرسول
r ويديه ورجليه يقبلها وعاد لسيديه يقول: ما في الأرض شيء خير من
هذا الرجل!!



عمل
الغلام بداية المواساة لقلبه الجريح، وخيار لجبريل وملك الجبال يستأمره أن يطبق
على أهل مكة الأخشبين «جبل أبي قبيس والذي يقابله قعيقعان» وتتدفق رحمته فما بعث
إلا رحمة للعالمين قال: «بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله
عز وجل وحده لا يشرك به شيئًا»
فيواسيه العزيز الجليل بأمر من الغيب جديد لا
يعلمه إلا هو فيصرف إليه نفرًا من الجن يستمعون القرآن ويسلموا بين يديه
u، فنشط u وجد وتحمس فمن هدى له الجن قادر على هداية الإنس، وتابع سيره نحو
مكة ليدخلها في جوار المطعم بن عدي، ولسوف يحفظ رسول الله
r للمطعم بن عدي هذا الصنيع؟


اعلم
أيها الشعب السعيد بدينه المجيد، أن رسولك الكريم
r لما عاد إلى مكة تابع دعوته يقوده في ذلك ثقته بربه تعالى الذي لا
بد ناصره، واستغل موسم الحج حيث تقدم قبائل العرب ملبية حاجة على ملة أبيه إبراهيم
تنحرف عن سنته
u في
القليل والكثير ولكن صوته حين أذن فيهم وفي الناس أجمعين بعد أن أتم البناء كان لا
يزال يتردد بين جنبات جزيرتهم فهم على دعوته
u مستمرون، لم تستجب قبائل العرب لدعوة الرسول r وإن استجاب بعض الأفراد.


أبو
ذر الغفاري علم في إسلامه وصحبته، يأتي مكة فردًا بعد أن سمع بالرسول
r فيستمع للرجل، ويخالط الإسلام قلبه ويسلم وحده، ثم يمشي وحده
ويموت وحده ويبعث وحده؟؟!!



أتذكر
أيها الشعب السعيد تراب يثرب الذي حوى جسد والد نبيك
r، أتذكر القبيلتين اللتين سكنتا أرضها «الأوس والخزرج» إن صراعًا
مريرًا يدور بينهما، عصبية نتنة تقتل الأمن وتسفح الهدوء كما سفحت دماء الرجال،
نسمات طيبة، عليلة تحمل ستة أحلام واعية ملت الدم والقتال من الخزرج قدمت حاجة
لبيت الله العظيم، فارة من أوضاع ما ارتضتها أحلامها، التقى بهم الرسول
r بعقبة منى فعرض عليهم الإسلام بكلماته التي ما خالطت سمع عاقل إلا
استقرت في وجدانه، فشهدوا أن الرجل وما يدعو إليه حق، العقل أرشدهم إلى خطأ القتال
بين القبيلتين، والعقل أرشدهم أن الرجل حق وصدق، والعقل ذكرهم قول يهود يثرب «عن
نبي من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان، سيخرج فنتبعه، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم»
وبأحلامهم وزنوا ما قيل لهم وما سمعوه، فسبقوا يهود يثرب، وأجابوا دعوة النبي
r عسى الله أن يكتبهم في السابقين ويجمع بهذا الدين قومهم على زعامة
لهذا النبي الكريم، وعادوا إلى بلدهم بغير ما خرجوا عليه، عادوا بذورًا صالحة نقية
لغرس سيستحيل جنات، فلم تبق دار من دور يثرب
إلا وذكر رسول الله
r يتردد بين جنباتها.


وبينما
كانت دعوة رسول الله
r تشق طريقها بنجاح خارج جبال مكة وواديها انطلق به جبريل u يشق الأفاق في رحلة الإسراء والمعراج ليصل بيت المقدس أرض مباركة،
وقبلة أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، وإمام يصلي بأئمة، محمد يتقدم
الأنبياء، وقيادة الأمة الإنسانية لأمة محمد، في هذه الرحلة سيعزل بني إسرائيل عن
منصب قيادة الإنسانية لجرائمهم المتتالية في حق أنبيائهم وقبل ذلك في حق ربهم،
ولتتقدم أمة الوسط ليكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليهم شهيدًا، وعروج إلى
السموات السبع، وصلاة تفرض، وأحوال العصاة تعرض عليه؛ لأن دورًا جديدًا ومرحلة
قادمة يدبر لها الحكيم ستنتقل لها الدعوة، وبدل من أن ترتج مكة تكبيرًا وتوحيدًا
وإذعانًا لهذا الحدث تضج تكذيبًا وتعنتًا، وضراوة في الإيذاء مع تقديم الأدلة على
صدقه، لجبال مكة ألين من صخور أفئدتهم!! ويحمل أبو بكر مع هذا الحدث لقبه الذي
لازمه حياته ومماته إلى أن تقوم الساعة «الصديق» صاحبه جاء بالصدق وصدق هو به.



والآن
أنصت أيها الشعب السعيد بدينه المجيد على امتداد الكون البعيد البعيد فالأمر حاسم،
والقادم خطير، والسبيل إليه بات قريبًا.



في
موسم الحج التالي من السنة الثانية عشرة من البعثة الشريفة تضاعف عدد ما حملت
النسمات العليلة من يثرب المباركة ليصل إلى اثنى عشر رجلاً.



اثنا
عشر رجلاً والعام اثنا عشر من البعثة فكيف اجتمع الرقمان بصيغة واحدة وبشرى واحدة؟



اتصلوا
برسول الله
r
عند العقبة بمنى؛ ليبايعوه على التوحيد وعلى مبادئ الإسلام، فتمت البيعة «العقبة
الأولى» وانتهى موسم الحج، وعاد المبايعون بسفير للإسلام إلى يثرب يعلم أهلها شرائعه
ويفقههم فيه «مصعب بن عمير» ولقد حقق نجاحًا منقطع النظير في أداء مهمته فدخل
الإسلام قبائل يثرب الخيرة متوجًا بإسلام سعد بن معاذ
t وقبل حلول موسم حج السنة الثالثة عشرة عاد ليخبر الرسول r أن في القوم خيرًا وصلاحًا، وقوة منعة، وفي تراب أرضهم خصبًا
فاغرس بكفك بذورًا لأشجار باسقة وسنابل ميالة وحقول على مد البصر والتاريخ.



وأهل
موسم الحج وأقبل لأداء المناسك حجاج يثرب يكتم مسلمهم عن كافرهم إسلامه، وقد وصل
عددهم إلى بضع وسبعين، واتصلوا برسول الله
r، وتواعدوا بالعقبة من أوسط أيام التشريق، واجتمعوا في الشعب، وقدم
الرسول
r
ومعه عمه العباس بن عبد المطلب، فكان أول متكلم يستوثق لابن أخيه فالقادم بدا
معروفًا، فإن كنتم على منعه إن لحق بكم قادرون؟ وإلا فدعوه في عز ومنعة في بلده!



لقد
تجاوز
u[font:fec
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ثائرة
ديري نشيط
ديري نشيط
ثائرة


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 266
نقاط : 266
التقيم : 20
تاريخ التسجيل : 29/06/2012

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في    كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 17, 2012 7:22 pm



يعطيك الف الف عافيه

موضوع رااائع

وجهود أروع

ننتظر مزيدكم

بشوووق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فائزة
ديري نشيط
ديري نشيط
فائزة


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 252
نقاط : 253
التقيم : 21
تاريخ التسجيل : 29/06/2012

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في    كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالجمعة يوليو 20, 2012 9:27 pm

مأراوع قلمك حين يصول ويجول

بين الكلمات تختار الحروف بكل أتقان ..

تصيغ لنا من الأبداع سطور تُبهر كل من ينظر إليها ..

دائمآانتي متألقه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قطـ مطرـرة
ديري عتيق
ديري عتيق
قطـ مطرـرة


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 140
نقاط : 142
التقيم : 20
تاريخ الميلاد : 19/08/1994
تاريخ التسجيل : 30/08/2012
العمر : 29

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في    كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 03, 2012 2:36 pm

طرح جميل جزاك الله الف خير


يعطيك العافية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ناقص ألف وأربعمائة..! أ. مها الجريس هكذا كتبت التاريخ اختصاراً
» ديربرس - إحدى الإصابات في مدينة ديرالزور 24-6 ++18 ج4
» ديربرس - إحدى الإصابات جراء القصف على ديرالزور 28-6-2012

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى دير الزور :: اقساام ساحات الدير الادبية والشعرية derezzor :: ساحة الدير قصة وحكاية-
انتقل الى:  

كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Button1-bm

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر المنتدى ~

مواضيع مماثلة
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى دير الزور على موقع حفض الصفحات
اخر مواضيع المنتدى
<div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_ticker/news_widget" title="News Widget">News Widget</a></div>
أفضل 10 فاتحي مواضيع
ابن الفرات
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_rcap1كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Voting_barكتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_lcap 
حمدان
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_rcap1كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Voting_barكتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_lcap 
مهند الاحمد
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_rcap1كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Voting_barكتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_lcap 
ديري نشمي
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_rcap1كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Voting_barكتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_lcap 
الاسمر
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_rcap1كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Voting_barكتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_lcap 
ريم الساهر
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_rcap1كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Voting_barكتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_lcap 
نبض الأمل
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_rcap1كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Voting_barكتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_lcap 
الدير نت
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_rcap1كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Voting_barكتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_lcap 
ديرية حرة
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_rcap1كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Voting_barكتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_lcap 
العاشق لاحباب
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_rcap1كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Voting_barكتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Vote_lcap 
المواضيع الأخيرة
» دورة مهارات تقييم الاداء الوظيفي للمديرين والمشرفين
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالإثنين فبراير 03, 2020 12:32 pm من طرف Manal

» دورة التحليل الفنى لتداولات الأسهم
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأربعاء يناير 22, 2020 11:48 am من طرف Manal

» التحليل. الاحصائى .للبوصات
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالثلاثاء يناير 21, 2020 11:53 am من طرف Manal

» دورة اساسيات الرقابة الصحية على الاغذية
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالإثنين يناير 20, 2020 9:28 am من طرف Manal

» تطبيق نظام haccp في إعداد وتصنيع وتداول الغذاء
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأحد يناير 19, 2020 9:24 am من طرف Manal

» دورة ادارة مخاطر التأمين الصحي
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالخميس يناير 16, 2020 10:22 am من طرف Manal

» #دورة_ إدارة_الجودة_الشاملة_في_مجال_المشتريات_والمخازن
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأربعاء يناير 15, 2020 8:39 am من طرف Manal

» التحليل .المالِى. spss
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالثلاثاء يناير 14, 2020 9:42 am من طرف Manal

» دورة. التحليل .المالِى
كتبت إحدى الزوجات إلى محرر زاوية «بريد الجمعة» في  Icon_minitimeالأحد يناير 12, 2020 9:11 am من طرف Manal