منتدى دير الزور
عزيزي الزائر الكريم .. زيارتك لنا أسعدتنا كثيراً .. و لكن لن تكتمل سعادتنا إلا بانضمامك لأسرتنا .. لذا نرجوا منك الضغط على زر التسجيل التالي من فضلك
واملىء حقول التسجيل ،ملاحة ضع بريد صحيحا لتفعيل عضويتك من بريدك الشخصي
بعد التسجيل تصلك رسالة بريدية على بريدك الشخصي تجد فيها تعليمات تفعيل العضوية
وشكرا
مع تحيات ادارة منتديات دير الزور
منتدى دير الزور
عزيزي الزائر الكريم .. زيارتك لنا أسعدتنا كثيراً .. و لكن لن تكتمل سعادتنا إلا بانضمامك لأسرتنا .. لذا نرجوا منك الضغط على زر التسجيل التالي من فضلك
واملىء حقول التسجيل ،ملاحة ضع بريد صحيحا لتفعيل عضويتك من بريدك الشخصي
بعد التسجيل تصلك رسالة بريدية على بريدك الشخصي تجد فيها تعليمات تفعيل العضوية
وشكرا
مع تحيات ادارة منتديات دير الزور
منتدى دير الزور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لا للظلم لا لسرقة أحلام الشعب السوري لا لسرقة خيرات الشعب السوري لا لسرقة عرق الشعب السوري لا لسرقة دماء الشعب السوري لا لحكم الأسرة الواحدة لا لآل الأسد الحرية لشعبنا العظيم و النصر لثورتنا المجيدة المصدر : منتديات دير الزور: https://2et2.yoo7.com
 
الرئيسيةمجلة الديرأحدث الصورالتسجيلدخولمجلة الديرزخرف نيمك الخاص بالفيس بوكأضف موقع

مساحة اعلانية
مساحة اعلانية Check Google Page Rank منتديات دير الزور 3 بيج رنك

 

  شرح رسالة العبودية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:34 am


التصنيـف العـام > التوحيد والعقيدة

 شرح رسالة العبودية Paper بيانات الكتاب ..
العنوان شرح رسالة العبودية
المؤلف عبدالله بن محمد الغنيمان
نبذة عن الكتاب
تاريخ الإضافة 22-5-1433
عدد القراء 690
رابط القراءة
رابط التحميل  شرح رسالة العبودية Zip << اضغط هنا >>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:37 am

شرح


رسالة العبودية


المجلس الأول








فضيلة الشيخ


عبد الله الغنيمان


-حفظه الله-





شرح


رسالة العبودية


المجلس
الأول















لفضيلة
الشيخ



عبد الله الغنيمان


-حفظه
الله-













 شرح رسالة العبودية C:%5CDOCUME%7E1%5CPCUSER%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsohtmlclip1%5C01%5Cclip_image002


على
سيد ولد آدم أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا
وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.



قال شيخ الإسلام رحمه الله
تعالى في رسالة العبودية: [
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين إِن الْحَمد لله نحمده ونستعينه
وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده
الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ.
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا
عَبده وَرَسُوله.
أما بعد: فقد سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام وَعلم الْأَعْلَام نَاصِر السّنة وقامع
الْبِدْعَة أَحْمد بن عبد الْحَلِيم ابْن تَيْمِية رَحمَه الله عَن قَوْله عز وَجل
[21 الْبَقَرَة]
: {يَا
أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم
}
فَمَا الْعِبَادَة؟ وَمَا فروعها؟ وَهل مَجْمُوع الدَّين دَاخل فِيهَا أم لَا؟
وَمَا حَقِيقَة الْعُبُودِيَّة؟ وَهل هِيَ أَعلَى المقامات فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة أم فَوْقهَا شَيْء من المقامات؟ وليبسط لنا القَوْل فِي ذَلِك.



فَأجَاب رَحمَه الله: الْعِبَادَة
هِيَ اسْم جَامع لكل مَا يُحِبهُ الله ويرضاه من الْأَقْوَال والأعمال الْبَاطِنَة
وَالظَّاهِرَة. فَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَصدق الحَدِيث
وَأَدَاء الْأَمَانَة وبرّ الْوَالِدين وصلَة الْأَرْحَام وَالْوَفَاء بالعهود
وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد للْكفَّار
وَالْمُنَافِقِينَ وَالْإِحْسَان للْجَار واليتيم والمسكين وَابْن السَّبِيل
والمملوك من الْآدَمِيّين والبهائم وَالدُّعَاء وَالذكر وَالْقِرَاءَة وأمثال
ذَلِك من الْعِبَادَة.



وَكَذَلِكَ حب الله وَرَسُوله
وخشية الله والإنابة إِلَيْهِ وإخلاص الدَّين لَهُ وَالصَّبْر لحكمه وَالشُّكْر
لنعمه وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ والتوكل عَلَيْهِ والرجاء لِرَحْمَتِهِ وَالْخَوْف
من عَذَابه وأمثال ذَلِك هِيَ من الْعِبَادَة لله. وَذَلِكَ أَن الْعِبَادَة لله
هِيَ الْغَايَة المحبوبة لَهُ والمرضية لَهُ الَّتِي خَلق الْخلق لَهَا كَمَا
قَالَ الله تَعَالَى [56 الذاريات] :
{وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} .


وَبهَا أرسل جَمِيع الرُّسُل
كَمَا قَالَ نوح لِقَوْمِهِ [59 الْأَعْرَاف] :
{اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره} .


وَكَذَلِكَ قَالَ هود وَصَالح
وَشُعَيْب وَغَيرهم لقومهم وَقَالَ تَعَالَى
[36 النَّحْل] : {وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت
فَمنهمْ من هدى الله وَمِنْهُم من حقت عَلَيْهِ الضَّلَالَة
} وَقَالَ تَعَالَى [25 الْأَنْبِيَاء] : {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي
إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون
} وَقَالَ تَعَالَى [92 الْأَنْبِيَاء] : {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم
فاعبدون
} كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى [51-52 الْمُؤْمِنُونَ] : {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ عليم
}].


الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، نحمد الله ونستعينه ونعوذ
به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي
له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا وبعد.



هذا الموضوع من أهم ما ينبغي أن يعتني به، بل لكل مسلم، لأن
هذا الذي يترتب عليه سعادة المرء إذا حققه وعمل به وجاء به كما أمر الله جل وعلا
به في الدنيا والآخرة، وسعادة الآخرة مرتب على سعادة الدنيا، وحقيقة السعادة في
الدنيا أن يحظى المرء بعبادة الله جل وعلا ويكون عبدا لله، فتكون عبادته لله جل
وعلا هي الجنة في الدنيا، كما قال الشيخ نفسه رحمه الله: إن في الدنيا جنة من لم
يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، مقصوده بهذا الحظوة بعبادة الله والتلذذ بها، وإذا
تأمل الإنسان بعض
النصوص التي جاءت في هذا،
كقوله
r: «إن
العبد إذا قام في الصلاة فإنه يناجي ربه
»
، تأمل كيف مناجاة الرب جل
وعلا؟ أكبر السعادة، الإنسان لو قيل له أنك سوف تناجي الأمير، استعد وصلح حالة غير
حالته العادية، وغبطه الناس، فكيف إذا كان يناجيه رب العالمين؟ والعبادة كلها
مناجاة لله جل وعلا، والصلاة لها خصوصية
في هذا، ولهذا السؤال الذي طرح في هذه الرسالة عن معنى العبادة، والشيخ رحمه الله
كما هو معلوم، كتبه نكاد نقول: أنها كلها أجوبة أسئلة، حتى الكتب الكبار مثل منهاج
السنة، ومثل التعارض، وغيرهما يسأل ثم يجيب، وكان وقته كله مشغول بإرشاد الناس
والرد على المخالفين في عبادة الله جل وعلا، سواء كانت العبادة عبادة تصدر من
المرء من فعل مطلوبة منه، كما في هذه الرسالة، أو عبادة تعلق بصفات الله جل وعلا
وبمعرفته، فهذا أكبر ما كان الشيخ يجاهد فيه رحمه الله، ولا حاجة إلى ذكر شيء من تاريخه
فهو معلوم ومعروف، ثم أنه عرف العبادة كما سبق لنا في درس الصباح، نقل هذا التعريف
ابن معمر رحمه الله قال: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، كلمة مدخل
التي كتبت هنا ما لها داعي، لأن هذا هو الأصل ليس مدخل، والمداخل على حسب
الاصطلاحات التي توضع الآن ليست من صميم الموضوع، شيء يكون مقدمة أو مفتاح لهذا
الشيء الذي سينبني هذا لا يناسب، لأن الكلام لا يناسب أن يكون مدخل، بل هذا هو
الأصل وهو صلب الموضوع، فقال: العبادة هو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من
الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، ثم سار يمثل، فأول بدأ بالأعمال الظاهرة، فبدأ
بالصلاة، فالصلاة والزكاة والصيام إلى آخره، هذه عبادة، ثم جاء إلى الأعمال
الباطنة، قال: وكذلك حب الله، بدأ بالحب الذي هو أصل التأله، والحب يقصد به الحب
الخاص، الذي يتضمن الذل والتعظيم والخضوع، أما مجرد حب فليس عبادة، ولهذا قسم العلماء
الحب إلى قسمين، قسم مشترك بين الخلق، لا لوم على الإنسان فيه، الإنسان يحب ولده
ويحب والده ويحب زوجته ويحب أخاه ويحب من يشاركه في العمل أو في السفر أو ما أشبه
ذلك، يعني حب إلف ومودة، وتبادل منافع، وقد يكون الحب كما يسمونه حب طبع، يعني
طبعه الله على هذا، كحب الأكل للجائع والماء للظمآن، يعني حب حاجة يحتاج إليه في
بدنه، وليس فيه ذل ولا خضوع، فهذا لا لوم على الإنسان فيه، ولهذا سموه حب مشتركا،
خلاف ما يقول ابن حزم، فإنه أخطأ في هذا الموضوع وقال: الحب شيء واحد، فإذا أحببت
الله فهو حب وإذا أحببت ابنك فهو حب، هذا خطأ فحب الله
U يجب أن يتميز لأنه حب عبادة، والله U يقول: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم
كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله
}،
فكونهم يحبونهم كحب الله، سار حب الذي يسمى حب السر، وهو الحب الغيبي، يحبه وهو
غائب يخاف منه أو يرجوه، فهذا حب عبادة، لا يجوز أن يكون إلا لله
U، وأما أقسام الحب الأخرى فلا ضير على
المرء فيها، فالمقصود أن الحب هو أصل التأله ولهذا بدأ به وهو عمل القلب، وأعمال
القلوب هي الأساس في كل عمل، فلا يمكن أن يصدر من العاقل عمل بلا ارتباط بقلبه،
إنما يصدر من السكران أو النائم أو المجنون، فإذا كان عاقلا فلابد أن يبعث القلب
الجوارح على العمل، ولهذا لما عرف أهل السنة الإيمان عرفوه تعريف دقيق، وتعريف الواقع يطابق لما جاء به الرسول
r، فقالوا: الإيمان عقيدة وعمل، ومنهم
من يفصل ويقول: الإيمان يكون في القلب ويكون في الجوارح ويكون أيضا بإتباع السنة،
فهم جعلوه أمور ثلاثة يتكون الإيمان منها، كل واحدة منها جزء من الإيمان، ولابد من
اجتماعها، فمنه الحب، فالحب هو الأصل والحب هو التأله، كونه يأله ربه
U، ولهذا لا يجوز أن يكون الحب فيه
اشتراك حب الله فيه اشتراك في مخلوق، لهذا بدأ به قال: حب الله ورسوله، ثم يجب أن
نفرق بين حب الله وحب رسوله، فحب الرسول
r تابع لحب الله، لأن محبة الله جل وعلا خاصة به لأنها حب
تأله وعبادة وذل وخوف، هذه أركان العبادة، أما حب الرسول
r فهو يحب لأن الله يحبه وأمر بحبه، وجعله سببا لإنقاذنا
من العذاب، فالذي يحب ربه يتعين عليه أن يحب ما يحبه ويكره ما يكرهه، فهذه من
اللوازم، يعني من لوازم الحب وليست هي الحب، لهذا إذا كان الحب فيه اشتراك فهو
يقال: حب مع، والحب مع الله شرك بالله
U، ولكن إذا كان الحب لله ومن أجله،
بأنك تحب من يطيع الله ومن يتولى الله ويتولاه الله فهو تبع لمحبة الله
U، ومحبة الرسول r تتعين ويجب أن يكون حبه مقدم على حب النفس فضلا عن حب
الولد والوالد والناس كلهم، ثم كذلك الخشية، والخشية قريبة من الخوف، ولكنها أبلغ
منه، لأن الخشية ليست خوف فقط، خوف يكون معه أيضا إنابة ورغبة، خشية الله
U ولهذا عطف عليها الإنابة، والإنابة إليه
الإنابة المقصود بها الرجوع أن ترجع إليه، والإنسان له أعداء وله عنده صوارف وعنده
أمور يحتاج إلى جهاد فيها، وهذا من حكمة الله جل وعلا، الدنيا لا يتحصل عليها
الإنسان إلا بعمل، والآخرة أيضا لابد من العمل فيها، فهذا لابد من الإنابة التي هي
الرجوع إليه جل وعلا.



ثم قال: وإخلاص الدين، وهذا يشمل كل العمل، القلبي والعمل
الظاهري اللي يكون بالجوارح، لابد أن يكون خالصا يعني ليس فيه شائبة اشتراك للغير،
لأن الله لا يقبل من العمل إلا من كان خالصا، والصبر لحكمه، الحكم يكون حكما شرعيا
كالأمر بالصلاة والصوم والحج وأداء الزكاة وما أشبه ذلك، ويكون حكما قدري كوني،
وكلاهما يجب أن يصبر عليه، والصبر كما هو معلوم أقسام ثلاثة، صبر على الطاعة وصبر
عن المعصية وصبر على الأقدار التي تقع، والإنسان الذي لا صبر له لا دين له، ولكن
هذه الأمور كلها لابد فيها من الاحتساب والإخلاص، والاحتساب معناه رجاء الثواب
ودفع العقاب، احتسب ذلك ويرجوه من الله جل وعلا، لأنه قال: والشكر لنعمه، والشكر
يكون بالجوارح باللسان وبالأركان، يعني بالعمل، والنعم لا حصر لها، فالنعم خلق
الإنسان وإيجاده نعمة، وتسخير والديه نعمة، وإدرار لبن الأم نعمة، وعطفها عليه
نعمة، لا حصر لنعم الله جل وعلا على العبد، وأكبرها وأعظمها أن يكون مسلما، أن
يجعله الله جل وعلا مسلم، لأنه لا قوة له في ذلك، وإنما الأمر لله جل وعلا، ومن
تمام هذه النعمة أن يموت على الإسلام، فإذا مات على الإسلام فقد كملت النعمة نعمته
لأنه سوف يكون في الجنة، الجنة له ثمن، ثمنها عبادة الله جل وعلا، فالشكر
يتطلب الثناء على المنعم باللسان، ثم
استعمال النعمة في الطاعة، تثني عليه بلسانك، وكذلك بجوارحك تعمل الجوارح بطاعة
الله جل وعلا واستعمالها في طاعته، وإلا يكون داخل في الكفر كفر النعمة، وكفر
النعمة ليس من الكفر المخرج من الدين الإسلامي، ولكنه قد يكون طريقا إلى ذلك،
والرضا بقضائه، أما الرضا ليس واجبا، وإنما الواجب الصبر على القضاء، الرضا درجة
عليا قد لا يتحصلها كل أحد، بل تكون للخاصة من المؤمنين، والرضا معناه ألا يتبرم
بالشيء أو يتمنى أن يكون على خلاف الواقع، أن يكون راضيا به تام الرضا ومسلم له
ومنقادا له، ولهذا نقول: هذا ليس واجبا وإنما هو فضل، إذا حصل الرضا فهو درجة
عليا، وإذا لم يحصل فيجب الصبر، والصبر معناه حبس النفس على هذا الشيء، وكذلك حبس
الجوارح لئلا يحدث ما يحدث هذا جهل، أهل الجاهلية الذين إذا وقعوا في مشكلة مصيبة
وما أشبه ذلك يتكلم بخلاف ما يأمر الله جل وعلا به، بل بما يدل على السخط، وقد يفعل الفعل الذي يدل على ذلك من خمش الوجه
وضرب شيء من البدن، أو دعوى الجاهلية، وأعظم من هذا أن يتبرم بأمر الله، أو يرى
ولو في قلبه أن الله ظلمه، كما يقع لكثير من الناس نسأل الله العافية، إذا سألته
عن حاله قال: أنا أصلي، وأزكي ولكن لا أدري ما الذي حصل لي، ايش معنى ذلك؟ معنى
ذلك أنه يقول: إن الله ظلمه، وما يستحق هذا الشيء، وكثير من الناس إذا وقع في
مصيبة قالوا: وا أسفاه فلان ما يستاهل، ليس ما يستاهل؟ ما يستاهل أن يقع في هذا،
يعني أن هذا ظلم، أن الله ظلمه، فيجب أن يحفظ الإنسان نفسه في هذا، ويكون معه أدب
لله جل وعلا، ويحاسب نفسه في ذلك، ويعلم أنه إذا أصيب بمصيبة ربما يكون هذا خير
له، بل هو خير له على كل حال، فإن المصائب تكفر الذنوب، بشرط ألا يكون هناك اعتراض
على الله جل وعلا وتسخط، وإلا تكون مصيبة على مصيبة نسأل الله العافية، والمقصود
أن الرضا ليس واجبا وإنما الواجب الصبر، وإنما الرضا درجة عليا، ترضى بقضائه،
والتوكل عليه، التوكل هو اعتماد القلب على الله جل وعلا بعد فعل السبب، الأسباب
تنقسم إلى قسمين، أسباب شرعية جعلها الله جل وعلا أسبابا فعلى المسلم أن يفعلها
ولا يتخلى عنها، وأسباب ممنوعة مثل أكل الربا، مثل السرقة وما أشبه ذلك، هذه أسباب
لتحصيل المال، أو تحصيل المرادات، ولكنها أسباب محرمة، فإذا وقع فيها وفعلها فقد
وقع في محرمات، قد تكون متعددة، وعليه أن يتمثل أمر الله جل وعلا ويفعل السبب
المباح الذي أبيح له، ثم يعتمد قلبه في حصول المراد على ربه جل وعلا، هذا هو حقيقة
التوكل عليه، ولا يتوكل على صنعته أو وظيفته أو على مثلا من يكون مخلوقا قد يبذل
له شيئا، بل يتوكل على ربه جل وعلا ويعرف أن هذه كلها أسباب جعلها الله جل وعلا
أسباب، وإلا فالتصرف كله لله جل وعلا، وإذا حصل له شيء على يد مخلوق يشكره على ذلك
أنه سار سببا، ولكن يعلم أن هذا كله من الله جل وعلا، فالله جل وعلا هو المالك لكل
شيء، ولا يقع في الكون حركة ولا سكون ولا شيء من الأشياء إلا بإذنه وإرادته جل
وعلا، هذا حقيقة التوكل، ثم الرجاء لرحمته والخوف من ذنوبه، هذا أيضا من العبادة،
بل هذين ركنا العبادة، الرجاء والخوف، لابد منهما، وأمثال ذلك: يعني أن أعمال
القلوب كثيرة، وإنما هذا تمثيل منه.



ثم قال: وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له
والمرضية، يعني الغاية التي خلق الخلق له، الغاية من وجود المخلوق الذي هو محل
للأمر والنهي، أما المخلوقات الأخرى فهي جعلت لهذا المخلوق الذي كرمه الله جل وعلا
على كثير ممن خلق وهو ابن آدم، لهذا يقول جل وعلا:
{وخلق لكم ما في السماوات
وما في الأرض
}، كل ما في السماوات وما في الأرض مخلوق لنا لمنافعنا
ومصالحنا، فضلا من الله جل وعلا، وليس استحقاقا على الله جل وعلا، ولهذا صار ابن
آدم إذا عصى جزاءه جهنم، النار التي نسأل الله العافية، يكون خالدا فيها ما دامت
السماوات والأرض، وكثير من الناس الذين عقولهم قريبة لأنهم يرون المحسوسات
يستشكلون هذا الأمر، وليس هذا عقاب الإنسان، عقابه أن يبقى في النار يوم ولا يومين
وكذا، وكذا ثم إلى أين؟ يقولون: يخرج ولو أن يعدم، هذا حكم على الله جل وعلا، وهو
من ظلم ابن آدم، وابن آدم من أوصافه أنه ظلوم جهول، هذا وصف الإنسان ظلوم جهول،
تصور إذا اجتمع الظلم والجهل ماذا يكون؟ لابد أن يتهذب ويتخلق بما جاءت به الرسل،
وإلا عاد إلى طبعه، إلى كونه ظلوم جهول، وهو أيضا هلوع جذوع، وهو كذلك منوع، فهذه
أخلاقه التي طبع عليها، فإن لم يتخلق بالأخلاق التي جاءت بها الرسل عاد إلى خلقه
الذي هو أصله، ولهذا كان بعث الرسل من أعظم النعم من الله جل وعلا، لمن وفقه الله
جل وعلا لإتباعهم، فهي الغاية المحمودة يعني العبادة التي يرضاها الله جل وعلا
ويأمر بها، وأمره جل وعلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:38 am

المقصود به الأمر الشرعي، لأن أمره جل وعلا ينقسم إلى
قسمين: أمر كوني وأمر شرعي، الأمر الكوني لا يلزم أن يكون مرضيا، ولا يلزم أن يكون
موافقا للأمر الشرعي، قد لا يكون موافق، وهذا من حكمة الله جل وعلا، ولهذا وجدت
المضادات، ولولا هذا ما حصل القتال في سبيل الله والجهاد وحصل جهاد الأعداء
والمنافقين وغيرهم، الذي يحبه الله جل وعلا، وكذلك الشياطين من الإنس والجن، ثم
ذكر الدليل على هذا قال:
{وما خلقت
الجن والإنس إلا ليعبدون
}،
وبعدها:
{ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة
المتين
}، والآيات يرتبط بعضها ببعض،
وإذا كملت ظهر المعنى تاما، فإن كان هذا استشكل هذه الآية بعض المتكلمين الذين
ينظرون إلى ما تقتضيه عقولهم، قالوا: قول الله جل وعلا:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، خبر، وهذا الخبر جاء على خلاف الواقع، فالواقع أن العبادة
لا تحصل من أكثر الناس، فأين مقتضى الخبر الذي يكون صدقا؟ يقول: فجاء الإشكال من
هذه الناحية، لهذا أجاب الشيخ على هذا، أن هذه هي الغاية المرضية المحبوبة لله،
يعني هذه الحكمة التي خلق من أجلها الخلق، ولا يلزم أن يكون خلقه أنه يجعلهم
عابدين، وإنما هذا إليهم، أعطاهم عقولا وأفكارا وآيات تحيط بهم من فوق ومن تحت
ويمين وشمال، وقال: الأمر إليكم، إن عبدتم، عبدتم الله واتبعتم أمره فلكم الجزاء
الأوفى، وإن أبيتم واتبعتم مراداتكم فالجزاء أمامكم عقاب الله جل وعلا، ولهذا صار
الجزاء مطابق للعمل، إلا أن الله تفضل وجعل جزاء الحسنة عشر أمثالها أقل ما يكون،
وإلا قد يتضاعف، وأما السيئة فلا يجزى إلا بمثلها بفضل الله جل وعلا، المقصود أن
هذا الإشكال لا محل له في الآية الذي أوردوه.



ثم يقول: وبها، يعني بالعبادة التي هي الغاية المحبوبة لله
جل وعلا، وهي أيضا الحكمة من خلق بني آدم و الجن، لأن الجن عقلاء، وهم أهل
للتكليف، ولهذا من أطاع منهم جزي خير الجزاء، ومن عصى فهو في النار، فهي حكمة الله
جل وعلا وأرسل الرسل بها، و الرسل جاءوا ليبينون أمر الله جل وعلا، لأن الله جل
وعلا غيب ليس بينه وبين خلقه اتصال بالكلام والمشاهدة، ولهذا صار الإيمان ليس من
كل أحد، من سبقت له الحسنى آمن بالغيوب والأخبار التي جاءت بها الرسل عن الله،
فاستحق الجزاء الكبير، ومن صار نظره نظر حيواني قريب استولت عليه الشياطين من الجن
والإنس، وصرفته عن هذا الأمر وكل ذلك بتقدير الله جل وعلا، وعلى الإنسان أن يكون
سببا في هدايته بأن يقبل من جاء عن الله جل وعلا، ومن قبل من أول وهلة فإنه يجزى
عن الحسنة حسنة، بزيادة العلم وزيادة الإيمان والعمل، وقال: أنه أرسلت بها الرسل،
كما قال جل وعلا لنوح لقوله وهو أول الرسل:
{اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، وهكذا كل رسول يقول لقومه هذا القول: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، لأنهم يعلمون أن الله هو الذي خلقهم، وهو الذي أوجد
الأشياء كلها، لا إشكال عندهم في هذا، وإنما وقعوا في الشرك الذي هو العبادة
الصادرة منهم، توارثا لذلك، صار بعضهم يتبع بعضا ويوصي بعضهم بعضا في إتباع الآباء
والأسلاف الذي سلكوا هذا المسلك، وهذه أكبر حجة يحتج بها المشركون على الرسل،
ولهذا قال فرعون لموسى:
{فما بال
القرون الأولى
}، يعني أنهم خالفوك يعني
وأنهم جاءوا بخلاف ما قلت، القرون التي مضت، هذا قول مثل قول الكفار:
{إنا وجدنا آبائنا على أمة}، يعني على طريقة وعلى ملة: {وإنا على آثارهم مقتدون}، وهذا الذي يقوله كثير من الناس إذا قلت له: لا تفعل كذا
وكذا، قال لك: كل الناس يفعلون هذا، نفس الطريقة بس الأسلوب يختلف، هو نفس الحجة،
أنت الذي تخالف ولا غيرك من الناس يفعلون هذا كذا وكذا، وقد يقول مثلا: هذا تزمت
وهذا تشدد وغيرك لا يقول هذا، وكل هذه حجة الكفار، الذين يقولون: وجدنا آبائنا على
أمة وإنا على آثارهم مقتدون، ولكل سلف خلف، وكذلك قال هود، لأن هود جاء بعد نوح
عليه السلام، وصالح وشعيب وغيرهم من الرسل، وجاء خاتمهم صلوات الله وسلامه عليه
وعليهم أجمعين، بقول للناس: «قولوا لا إله إلا الله»،
وهو معنى اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قال: «أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماؤهم
وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»
، ثم ذكر دليلا عاما في مهمة
الرسل التي كلفوا بها، قال: وقال الله تعالى:
{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله}، يعني كل رسول يقول لقومه: اعبدوا الله ما لكم من إله
غيره، اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، فالطاغوت هو الشرك، وهو كل ما صد عن عبادة
الله، وهو مأخوذ من الطغيان، ثم ذكر جل وعلا يقول:
{فمنهم من هدى الله}، فالهداية بيد الله، من، من الله عليه بالهداية اهتدى
واتبع الرسل،
{ومنهم من حق عليه الضلالة}، يعني من وكل إلى نفسه وإلى نظره وعقله ضل ولابد، فالفضل
لله جل وعلا إذا من على عبد يجب أن يشكر ربه، وإذا شكر زاده الله جل وعلا خيرا،
وقال تعالى:
{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا
نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون
}،
فدل على أن دعوة الرسل واحدة، وأن كلهم يدعون إلى عبادة الله وحده، فالأديان التي
جاءت بها الرسل كلها الإسلام وهو الاستسلام لله جل وعلا بالطاعة، وإتباع الرسل،
وعبادته وحده، أما الشرائع فتختلف، وقوله جل وعلا:
{إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}، معنى قوله: هذه أمتكم يعني دينكم، أمة هنا المقصود بها
الدين، هذه أمتكم أمة واحدة يعني دينكم واحد وملتكم واحدة التي جاءت بها الرسل،
وهي عبادة الله، ولهذا قال:
{وأنا
ربكم فاعبدون
}، قال جل وعلا: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني
بما تعملون عليم، وإن هذه أمتكم
}،
يعني دينكم وشرعكم الذي جاءت به الرسل:
{أمة
واحدة وأنا ربكم فاعبدون
}، في
الآية الأولى، وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله
r يقول: «إن
الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى:
{يا أيها الرسول كلوا من الطيبات واعملوا صالحا
إني بما تعملون عليم
}، هذا أمر المرسلين، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم
واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون
}»، فهذا الأمر الذي للمؤمنين
كالأمر الذي للمرسلين ما فيه فرق، ثم ذكر الرجل الذي يطيل السفر يرفع يديه إلى
السماء، يقول: « مغبرة قدماه شعث رأسه يرفع يديه
إلى السماء يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام
ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له»
، لن يستجاب له لأنه يفعل هذه
الأفعال يأكل حرام ويشرب حرام ويلبس حرام، لأن الله أمر أن يؤكل من الطيب، فدل على
أن أكل الطيب أنه له أثر في العبادة بقبولها وردها، فالمقصود أن هذه الطريق
الواحدة التي جاءت بها الرسل وهي دينهم، وهو الإسلام لله جل وعلا، والإنقياد له
بالطاعة وإتباع الرسل، وجعل ذلك لازما لرسوله إلى الموت، فإذا كان لازما للرسول
فغيره أولى، قال:
{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}، واليقين المقصود به هنا الموت، يعني استمر في عبادة الله
ما دمت حيا مستطيعا، بعض الصوفية يقول: يأتيك اليقين يعني يأتيك العلم، فإذا جاءك
العلم سقطت عنك العبادة، فإذا وصل إلى الحقائق صار غير مكلف، هذا من قلب الحقائق
كما يقولون، بل هذا من الضلال الذي قد لا يظفر به الشيطان، فإذا ظفر به فرح بهذا
فرح شديد، وبذلك وصف جل وعلا الملائكة ملائكته وأنبيائه، قال تعالى:
{وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون
عن عبادته ولا يستحسرون
}،
الاستحسار معناه أنه يقصر في ذلك وتنعدم الرغبة، بل عندهم الجد والاجتهاد في هذا،
ولهذا قال:
{يسبحون الليل والنهار لا يفترون}، وهذا تفسير لقوله: لا يستحسرون نعم.


القارئ:
قال رحمه الله تعالى: [
{إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن
عِبَادَته ويسبحونه وَله يَسْجُدُونَ
} .


وذم المستكبرين عَنْهَا بقوله [60 غَافِر] : {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن
الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين
} .
ونعت صفوة خلقه بالعبودية لَهُ فَقَالَ تَعَالَى [6
الْإِنْسَان]
:
{عينا
يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيرا
}
وَقَالَ [63-77 الْفرْقَان] :
{وَعباد الرَّحْمَن الَّذينيَمْشُونَ على
الأَرْض هونا وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما
} الْآيَات.


وَلما
قَالَ الشَّيْطَان [39-40 الْحجر] :
{رب بِمَا أغويتني لأزينن لَهُم فِي الأَرْض
ولأغوينهم أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين
} قَالَ الله تَعَالَى [42 الْحجر]
:
{إِن عبَادي لَيْسَ لَك
عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين
} .


وَقَالَ فِي وصف
الْمَلَائِكَة بذلك [26-28 الْأَنْبِيَاء] :
{وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل
عباد مكرمون * لَا يسبقونه بالْقَوْل وهم بأَمْره يعْملُونَ * يعلم مَا بَين
أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى وهم من خَشيته مشفقون
} وَقَالَ تَعَالَى [88-95
مَرْيَم]
:
{وَقَالُوا اتخذ
الرَّحْمَن ولدا * لقد جئْتُمْ شَيْئا إدا * تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ
وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هدا * أَن دعوا للرحمن ولدا * وَمَا يَنْبَغِي للرحمن
أَن يتَّخذ ولدا * إِن كل من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن
عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا
} .


وَقَالَ تَعَالَى عَن الْمَسِيح الَّذِي ادعيت فِيهِ
الإلهية والبنوة [59 الزخرف] :
{إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ وجعلناه
مثلا لبني إِسْرَائِيل
}
وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح "
لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى ابْن مَرْيَم فَإِنَّمَا أَنا عبد
فَقولُوا عبد الله وَرَسُوله ".



وَقد نَعته الله بالعبودية فِي أكمل أَحْوَاله فَقَالَ فِي
الْإِسْرَاء:
{سُبْحَانَ الَّذِي أسرى
بِعَبْدِهِ لَيْلًا
}
وَقَالَ فِي الإيحاء [10 النَّجْم]
{فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى} وَقَالَ فِي الدعْوَة [19 الْجِنّ]
{وَأَنه لما قَامَ عبد الله
يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا
} وَقَالَ فِي التحدي [23 الْبَقَرَة] {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا
فاتوا بِسُورَة من مثله
} ].


الشيخ: من تمام المعنى الماضي، أن هذا لا يخلوا منه مخلوق،
حتى الملائكة فهم أمروا بعبادة الله جل وعلا والخضوع له قاموا بهذا كما أخبر الله
جل وعلا عنهم، والملائكة من الغيوب، من الغيب الذي يخبرنا الله جل وعلا به، ولا لا
يشاهدون، ولهذا لما اقترح الكفار أن يكون الرسول ملك، أخبر أن الملائكة غير
منظرورين، وأنه لو قدر أن يأتيهم رسول ملك من الملائكة لجعل بشر والتبس عليهم
الأمر:
{ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا
وللبسنا عليهم ما يلبسون
}،
يعني قالوا: هذا ليس ملك هذا بشر، لأنهم لا يستطيعون مخاطبة الملك، ولهذا كان
الرسول
r إذا جاءه الملك بصورته صار صعب جدا
عليه تلقي الوحي منه، يتغشاه أمر شديد، حتى في الوقت الشاتي شديد البرد يصبح يتصبب
منه العرق صلوات الله وسلامه عليه، أما إذا جاءه بصورة بشر فهو من اسفله يخاطبه
كما يخاطب البشر، فأنواع الوحي أشدها أن يأتي الملك للرسول
r على صورته وحالته، وهو لا يراه أيضا، بل قد يراه على
صورة غير صورته، وإنما قد يكون رؤيته على صورته في حالتين فقط التي رآه فيها، مرة
في الأرض ومرة في السماء، فأصيب بالرعب صلوات الله وسلامه عليه مما رآه على صورته
الحقيقية، وكذلك غيرهم من الخلق كلهم كلفوا بالعبادة، ولكن العبادة قد تكون عبادة
أصلية، ليس للعابد فيها اختيار، وقد تكون اختيارية، والاختيارية هي النافلة التي
يفعلها عن اختياره وعن مقدورة هي التي يجزى عليها، وأما الأصلية فكل من في السماء
ومن في الأرض فهو آتي الرحمن عبدا، يعني عابد يأتيه ذليلا تجري عليه أقداره، وأمره
الكونية لا حيلة له في ذلك، فهذا لا ينفع، إنما تنفع العبودية إذا صدرت من العبد
باختياره ومقدوره، ومعنى ذلك أن كلمة عبد تنقسم إلى قسمين، عبد بمعنى عابد، وعبد
بمعنى معبد مذلل مسخر، فهذا لا يخرج منه أحد، وإنما الذي ينفع العبد الذي يكون
بمعنى العابد الذال الخاضع الذي يتبع أمر الله جل وعلا، فهذا يشمل العقلاء من
الملائكة ومن البشر ومن الجن، وذكره في القرآن كثير، وهو المراد بأمر الله جل
وعلا، والمراد بإرسال الرسل إلى الناس في هذا، ذكر الآيات التي تدل عليه، ثم قال:
وقال تعالى عن المسيح الذي ادعيت فيه الإلوهية والنبوة، أما النبوة فلا إشكال
فيها، ولكن المقصود الإلهية، والإلهية معناها التأله والتعبد أنه إله، وإذا جاءت
الإلهية أو جاءت الروبية مفردة دخل فيها المعنى الثاني وإلا لكل واحدة معنى كما
سيأتي إن شاء الله، قال جل وعلا:
{إن هو
إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل
}، المثل المقصود به هنا الآية،
كان آية لهم، لأن الله جل وعلا نوع خلقه ببني آدم أربعة أنواع، خلق أصلهم من
التراب، وهذا لبيان قدرته جل وعلا على كل شيء، وخلق زوج آدم منه، بضعة منه، أحد
ضلوعه فخلقت زوجة كاملة، نام نومة فلما استيقظ فإذا هي جالسة عنده خلقت من بضعة
منه، هذا أيضا من الآيات العجيبة، آيات الله جل وعلا، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر،
ولهذا ادعى فيه أهل الضلال والمحال أنه الله أو ابن الله أو أنه شريك لله ثالث
ثلاثة، قالوا: الله وعيسى وأمه، تعالى الله وتقدس عن قول هؤلاء، ولا يزال هؤلاء
يكون هذا الباطل الذي هو من المحال، والذي لا تستسيغة لا عقول ولا فطر، لهذا ذكر
الله جل وعلا مبدأ في سورة مريم، ذكر قصة مريم، وذكر أنه تمثل لها جبريل عليه
السلام بشرا سويا، استعاذت بالله، أعوذ بالله منك إن كنت تقيا، لأنها ظنت أنه بشر،
وأنه يريد شر، فقال:
{إني رسول
ربك لأهب لك غلاما زكيا
}،
يعني جئتك بأمر من الله، فتعجبت كيف يكون لي ولد وليس لي زوج ولم يمسسني بشر؟ قال: هذا أمر قضاه الله جل وعلا،
ثم لما جاءت به صار يكلمها من تحتها، لأنها قالت:
{يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا}، لأن الأمر شديد في هذا، ما يصدقونها، فناداها من تحتها
قال:
{ألا تحزني وهزي إليك بجذع
النخلة يساقط عليك رطبا جنيا فإما ترين من البشر أحد فقولي إني نذرت للرحمن صوما
فلن أكلم اليوم إنسيا، فأتت به تحمله قالوا: يا مريم لقد جئت شيئا فريا
}، أمر شديد عظيم، أشارت إليه ما تكلم، أشارت إليه قالت:
كلموه إشارة، قالوا:
{كيف نكلم
من كان في المهد صبيا
}،
انظر كيف؟ أول كلمة نطق بها لما قابلهم ماذا قال؟
{إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا}، ومع ذلك كله يقولون: هو الله، لأنهم لا يتبعون الوحي الذي
جاءت به الرسل، فالمقصود أنها ادعيت فيه الإلهية، يقول الرسول
r عند قول الله: {إن هو إلا عبد}، يعني تعبده الله جل وعلا بالعبودية وكلفه ذلك، ليس لا
مشاركا لله وليس ابنه تعالى الله وتقدس فهو الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له
كفوا أحد، قال الرسول
r: «لا
تطروني»
، اطروني يعني لا تمدحوني بالباطل، والإطراء هو الزيادة في
المدح والثناء، وهذا لا يزال في لغة الناس، أن فلان يطرى فلان يعني زاد في مدحه، «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد
فقولوا: عبد الله ورسوله»
، هكذا عبد، قولوا لأنه مقول القول، قولوا عبد
الله ورسوله يعني هو عبد، ويجوز بالرفع يعني هو عبد الله، أو أنا عبد الله ورسوله،
فكيف بمن يقول مثلا يخاطب الرسول يقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند
حلول الحادث العمم، ما هو الحادث العمم؟ الحادث العمم الذي يعم الناس يعني يوم
القيامة، الذي يعم كل أحد، إن لم تكن في معادي آخذا بيدي فضلا وإن فقل يا ذلة
القدم، ثم يقول: ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تحلى باسم منتقم، فإن من
جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم، ماذا بقي لله؟ إذا كان من جملة
جوده الدنيا والآخرة، ومن جملة علومه علم اللوح والقلم الذي خط فيه كل شيء، واللوح
حفظ فيه كل شيء، ما هذا نسأل الله العافية الإطراء، هذا الإطراء الذي حذر منه
الرسول
r، وهذا كثير جدا في الشعراء صار حظهم
من رسول الله
r الكذب، والمدح الذي يرضى به الشيطان
ويغضب منه رسول الله
r، فالمقصود أن العبادة يجب أن تكون
لله وحده، لا يشاركه فيها لا نبي ولا ملك ولا ولي ولا دونهما من الخلق، فمن شرك
أحدا من المخلوقين مع الله جل وعلا في العبادة فقط ظلم وتعدى واستحق عقاب الله جل
وعلا، يقول: وقد نعته الله، يعني نعت رسوله الذي هو خاتم الرسل محمد
r، بالعبودية في أكمل أحواله التي يثني
الله جل وعلا بها عليه، قال جعل وعلا:
{فأوحى
إلى عبده ما أوحى
}، إلى عبده، وإضافته إليه لأن
له عبودية خاصة، قد كمل مقامها لربه جل وعلا، فهذا من أفضل خطاب الله جل وعلا
وأكمله، وكذلك في النعم التي ينعم بها عليه، فالوحي نعمة كبرى حين خصه به ليبلغها
إلى عباده، وكذلك الإسراء، الإسراء من الأمور العجيبة التي اقتضت التسبيح:
{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى
}، أسرى به يعني حمله في وقت
قصير وجيز، ثم صعد من بيت المقدس إلى السماء بصحبة جبريل، حتى وصل إلى السماء
السابعة التي يقول الله جل وعلا فيها في سنين أن الوحي يأتي الأمر يأتي من السماء
إلى الأرض في مسافة مقدارها ألف سنة، وقد جاء ما هو أكثر من هذا، مقدارها خمسين
ألف سنة، وهذا على حسب السير في أقوال المفسرين والله أعلم، والمقصود أن هذا من
أشرف المقامات التي يقومها عبد الله ورسوله
r، وكذلك مقام الدعوة، إنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا
يكونون عليه لبدا، ومقام التحدي:
{إن كنتم
في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله
}، فهذه المقامات الأربع من أشرف مقامات الرسول r ذكره الله جل وعلا بلفظ العبودية،
لأنه قام بعبودية ربه جل وعلا فكملها، الدين كله داخل في العبادة، ومن زعم أنه
يمكنه أن يخرج عن العبادة التي جاء بها الرسول فهو كافر بالله جل وعلا، مفارق لما
عليه المؤمنين، نعم.



القارئ:
قال رحمه الله تعالى: ]وَقد ثَبت فِي " الصَّحِيح
" أَن جِبْرِيل لما جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صُورَة
أَعْرَابِي وَسَأَلَهُ عَن الْإِسْلَام قَالَ: " الْإِسْلَام أَن تشهد أَن
لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي
الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت إِن اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبِيلا "
قَالَ: فَمَا الْإِيمَان؟ قَالَ: " أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه
وَرُسُله والبعث بعد الْمَوْت وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره " قَالَ: فَمَا
الْإِحْسَان؟ قَالَ: " أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ
فَإِنَّهُ يراك " ثمَّ قَالَ فِي آخر الحَدِيث: " هَذَا جِبْرِيل
جَاءَكُم يعلمكم دينكُمْ "
].



الشيخ: يعني أن الدين أنواع، فالإسلام والإيمان والإحسان هو
الدين، فهو معناه أنها درجات بعضها أعلى من بعض، فالإسلام فسره في هذا الحديث
بالأعمال الظاهرة التي هي ظاهرة بالجوارح، الصلاة وأداء الزكاة والحج والصوم، وهذه
أعمال تعمل ظاهرا، ولابد من مزاولتها بالبدن، وفسر الإيمان بالأعمال التي تكون في
القلب، كالعقائد، قال: «أن تؤمن بالله وملائكته
وكتبه ورسوله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره»
، وكذلك الإحسان فسره
بغاية ما يمكن أن يأتي به المرء من إحسان العمل، يعني تزكيته وإتمامه بأكمل
الوجوه، هذا الإحسان يشمل كل ما ذكر من أعمال القلوب والجوارح، وليس كل عبد يستطيع
أن يأتي بهذا، دل على عباد الله جل وعلا يختلفون في أداء أمر الله جل وعلا، ولهذا
اختلفت منازلهم عند الله جل وعلا، اختلفت رتبهم في الآخرة في الجنة، في صحيح
البخاري يقول
r: «إن
في الجنة مائة درجة، ما بين درجة وأخرى مثل ما بين السماء والأرض أعدها الله
للمجاهدين في سبيله»
، يعني فقط للمجاهدين، هناك درجات أخرى غيرها،
فكونه مسألة المجاهدين مائة درجة، ما بين كل واحدة والأخرى مثل ما بين السماء
والأرض، يعني لابد أن يكون هذا التفاوت لتفاوت ما في القلوب ما في الجوارح، لأن
الله جل وعلا يجزي عباده على أعمالهم التي يعملونها امتثالا لأمره، فالإحسان يشمل
كل عمل يأتي به الإنسان كلف به وأمر به، بأن يأتيه على الوجه الأحسن الأكمل الأتم،
ولهذا جعله على درجتين قال: «الإحسان أن تعبد الله
كأنك تراه»
، معلوم أن هذه الدرجة، إذا عبد الإنسان ربه وهو يشاهده، ما
يمكن يدخر وسعا في إحسان العمل، فإذا لم يصل إلى هذه الدرجة تجد الدرجة الأخرى
يعبده على العلم، فإن لم تكن تشاهده فتعبده على أنه يشاهدك، ينظر إليك، معلوم أن
الإنسان أيضا إذا تحقق هذا الشيء واستحضره، أنه أيضا يحسن العمل، لكن لا يكون
كالدرجة ا لأولى، فدل على أن هذا أعلى المقامات، من الدين، وكله دين لله جل وعلا،
فالإيمان والإسلام والإحسان، ومعلوم أنه يشمل كل ما جاء به الرسول
r، قوله: «هذا
جبريل جاء يعلمكم أمر دينكم»
، مما يدل على أن جبريل عليه السلام يأتي
بأمر الله الذي يأمره الله جل وعلا به نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَالدّين
يتَضَمَّن معنى الخضوع والذل يُقَال دنته فدان أي أذللته فذل وَيُقَال يدين الله
ويدين لله أَي يعبد الله ويطيعه ويخضع لَهُ فدين الله عِبَادَته وطاعته والخضوع
لَهُ.



وَالْعِبَادَة أصل مَعْنَاهَا الذل أَيْضا
يُقَال طَرِيق معبد إِذا كَانَ مذللا قد وطئته الْأَقْدَام.



لَكِن الْعِبَادَة الْمَأْمُور بهَا تَتَضَمَّن
معنى الذل وَمعنى الْحبّ فهى تَتَضَمَّن غَايَة الذل لله بغاية الْمحبَّة لَهُ]
.


الشيخ: يعني هذا التعريف شرح للتعريف الماضي، ولكن قصده
يقول: الدين يتضمن معنى الخضوع والذل في اللغة، وكذلك ما ذكره بعد هذا، ومعلوم أن
كتاب ربنا جل وعلا الذي أنزله علينا، وكذلك خطاب رسولنا لنا أنه باللغة العربية،
وهذا من نعم الله التي من بها علينا، ولهذا قال:
{وإنه لذكر لك ولقومك}، يعني قومه الذين بعث بلسانهم، والمقصود بالذكر هنا الشرف،
يعني شرف لك وشرف لقومك أنه نزل بلسانكم، لأنه يصعب على العجم أن يتعلم اللغة، ثم
كيف يفهم ما خوطب به، مع أن هذا أمر واجب، كما ذكر العلماء أنه يحب على كل مسلم أن
يتعلم لغة الرسول
r، حتى يعرف أمره ونهيه، لأنه أمر واجب
والناس الآن يتساهلون بأمر اللغة، اللغة العربية كثيرا، وقد يحتقرون من يتعلمها
ومن يأمر بذلك، وكل ذلك من تأثيرات الكفار، وكذلك أذناب الكفار الذين يدعون إلى
نبذ الدين الإسلامي واستبداله بالأديان الأخرى التي أديان الأوضاع والشياطين،
شياطين الإنس وشياطين الجن، وهذه من البلاوي التي يبتلى به الخلق، حتى يتبين من
يثبت على الحق ومن ينتكث أو يتأثر بالباطل، فلابد في هذه الدنيا من الجهاد، ولابد
من الابتلاء والامتحان حتى يتبين الصادق من الكاذب، وإذا ثبت الإنسان في الامتحان
ونجح، فإنه يكرم أو يهان عند الرسوب والإخفاق، فالمقصود أن الدين يتضمن الذل
والخضوع، ومعناه كذلك أن العبادة هي الذل والخضوع، ولهذا يقال: طريق معبد ولا تزال
هذه اللغة موجودة عند الناس، وإذا كان
مسلوكا ذالا تحت الأقدام ليس فيه اعوجاج وليس فيه صعوبة، ثم سمي معبدا، والعبادة
أصل معناها الذل لله جل وعلا والخضوع، كما أن الدين قال: دنته فدان، فالدين معناه
أيضا أن يجزى بالعمل الذي يعمله، ويطلق على نفس العمل، لكن العبادة المأمور بها
تتضمن الذل مع الحب لابد، أما ذل بلا حب قد يكون الإنسان يذل لإنسان وهو قبله
يلعنه، هذا لا يكون عباده، وإنما يذل لأنه يخاف منه لأن بطشه وذله وكذلك الخوف قد
يخافه وقلبه يلعنه، فهو أبغض الناس إليه، وإنما إذا جاء الذل مع الخوف واجتمعها
صار عبادة من العبادة، فلابد من اجتماع الذل والخوف في عبادة الله جل وعلا،
والعبادة من خصائص الله جل وعلا وحقوقه التي يجب أن تخلص لله جل وعلا نعم.



القارئ:
قال رحمه الله تعالى: [لَكِن الْعِبَادَة الْمَأْمُور
بهَا تَتَضَمَّن معنى الذل وَمعنى الْحبّ فهى تَتَضَمَّن غَايَة الذل لله بغاية
الْمحبَّة لَهُ.



فَإِن آخر مَرَاتِب الْحبّ هُوَ التتيم وأوله
العلاقة لتَعلق الْقلب بالمحبوب ثمَّ الصبابة لانصباب الْقلب إِلَيْهِ ثمَّ الغرام
وَهُوَ الْحبّ الملازم للقلب ثمَّ الْعِشْق وَآخِرهَا التتيم يُقَال تيم الله أَي
عبد الله فالمتيم المعبد لمحبوبه.

وَمن خضع لإِنْسَان مَعَ بغضه لَهُ لَا يكون عابدا لَهُ وَلَو أحب شَيْئا وَلم
يخضع لَهُ لم يكن عابدا لَهُ كَمَا قد يحب الرجل وَلَدهوَصديقه وَلِهَذَا
لَا يَكْفِي أَحدهمَا فِي عبَادَة الله تَعَالَى بل يجب أَن يكون الله أحب إِلَى
العَبْد من كل شَيْء وَأَن يكون الله عِنْده أعظم من كل شَيْء بل لَا يسْتَحق
الْمحبَّة والخضوع التَّام إِلَّا الله. وكل مَا أحب لغير الله فمحبته فَاسِدَة
وَمَا عظم بِغَيْر أَمر الله فتعظيمه بَاطِل. قَالَ الله تَعَالَى [24 التَّوْبَة]
: {قل إِن
كَانَ آباؤكم وأبناؤكم وَإِخْوَانكُمْ وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة
تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله
فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره
} ].


الشيخ: {والله لا
يهدي القوم الفاسقين
}،
يعني أن هذه التي ذكرت هي الدنيا، فكانت الدنيا أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في
سبيله فأنتم فسقة، فتربصوا عقاب الله، هذا معناه،
{قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم
وعشيرتكم وأموال اقترفتموها
}،
والاقتراف هو التحصل حصلتموها بالكد والعمل، ومحبة ذلك، وتجارة تخشون كسادها،
الكساد هو الرغبة فيها وألا تكون أيضا لها أثمان مرغوب فيها، تخشون كسادها ومساكن
ترضونها، يعني مهيئة ومزوقة ومزينة، أحب هذه الأمور كلها، إذا كانت أحب إليكم من
الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا، انتظروا ماذا يكون لكم؟ فتربصوا يعني انتظروا
حتى يأتي الله بأمره، وهذا هو عذاب عاجل،
{والله لا
يهدي القوم الفاسقين
}، دل
على أن هذا خروج عن طاعة الله جل وعلا وأنه من الفسق وهو الخروج عن طاعة الله جل
وعلا، والمقصود أن محبة الله التي تتضمن الذل والتعظيم يجب أن تكون مقدمة على كل
شيء، ولا يوجد في الكون يحب لذاته إلا الله تعالى وتقدس، أما المخلوقات كلها فإذا
أحبت فهي لمعاني، معاني تتعلق بها، وأمور ومنافع تتعلق بها وليست لذاتها، فالمخلوق
كونه دم ولحم وعظام ما يحب لأنه دم ولحم وعظام، وإنما يحب للصفات التي يأتي بها،
فإذا كان عبدا لله يحب لأنه يعبد الله، والله يحبه وأنت تحب من يحب محبوبك، فإذا
كان عدوا لله فأنت تبغضه لأجل ذلك، ولهذا يقول الله جل وعلا في خطابه لنبيه:
{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلهكم إله
واحد
}، فتميز بالصفات بأنه يوحى
الله جل وعلا إليه، وإلا فهو بشر ولد من ذكر وأنثى، يشرب ويأكل كما نشرب ونأكل،
وإنما فضله الله جل وعلا بالوحي، وكونه تعبده بعبودية كاملة، هكذا كل مخلوق يجب أن
يكون على هذا المنوال نعم.



وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:39 am

شرح


رسالة العبودية


المجلس
العاشر















لفضيلة
الشيخ



عبد الله الغنيمان


-حفظه
الله-













 شرح رسالة العبودية C:%5CDOCUME%7E1%5CPCUSER%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsohtmlclip1%5C01%5Cclip_image002


القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين، نبينا محمد وعلى آله
وصحبه والتابعين.



قال المؤلف رحمه الله في رسالة العبودية:
[
وَإِن كَانَ هَذَا مِمَّا اتّفق الْمُسلمُونَ بل
الْعُقَلَاء]



الشيخ: الكلام من
أوله إلى أن يختم إشارة إلى أين؟ أولا إشارة إلى أن الذكر بالضمير سواء كان مظهرا
أو مضمرا، فهذا لم يشرع، وليس من الشرع في شيء، ثم قال أنه صنف صاحب الفصوص كتابا
سماه كتاب الهو، كل هذا من الأمور الباطلة، قال: وإن كان هذا مما اتفق المسلمون بل
العقلاء على أنه من أبين الباطل، يعني الذكر بالاسم المفرد، أو الذكر بالاسم
المضمر، أنه لا يفيد شيئا، نعم.



القارئ: [حَتَّى قلت مرّة لبَعض من قَالَ شَيْئا من ذَلِك: لَو كَانَ
هَذَا مَا قلتَه لكُتبت الْآيَة: وَمَا يعلم تَأْوِيل (هُوَ) مُنْفَصِلَة.



ثمَّ
كثيرا مَا يذكر بعض الشُّيُوخ أَنه يحْتَج على قَول الْقَائِل: (الله) بقوله [91
الْأَنْعَام]
: {قل الله}.


الشيخ: هكذا، وما
يعلم تأويل هو، ما هو تأويله، يعني تأويل كلمة وهو كلمة أخرى، منفصلة، يعني هو
منفصلة، نعم.



القارئ: [{قل الله ثمَّ ذرهم} ويظن
أَن الله أَمر نبيه بِأَن يَقُول الِاسْم الْمُفْرد وَهَذَا غلط بِاتِّفَاق أهل
الْعلم فَإِن قَوْله:
{قل الله}
مَعْنَاهُ: الله الَّذِي أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى وَهُوَ جَوَاب
لقَوْله:
{قل من أنزل الْكتاب الَّذِي
جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا
وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم قل الله
} أَي:
الله الَّذِي أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، رد بذلك قَول من قَالَ:
{مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} فَقَالَ:
{من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ
بِهِ مُوسَى
} ثمَّ قَالَ: {قل الله} أنزلهُ
ثمَّ ذَر هَؤُلَاءِ المكذبين
{فِي
خوضهم يَلْعَبُونَ
}]
.



الشيخ: هذا واضح
هذا كما سبق، هذا سبق قلناه نعم.



القارئ: [وَمِمَّا يبين مَا تقدم مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ وَغَيره من
أَئِمَّة النَّحْو: أَن الْعَرَب يحكون بالْقَوْل مَا كَانَ كلَاما لَا يحكون بِهِ
مَا كَانَ قولا. فَالْقَوْل لَا يحْكى بِهِ إِلَّا كَلَام تَامّ أَو جملَة اسمية
أَو جملَة فعلية وَلِهَذَا يكسرون (إِن) إِذا جَاءَت بعد القَوْل، فَالْقَوْل لَا
يحْكى بِهِ اسْم؛ وَالله تَعَالَى لَا يَأْمر أحدا بِذكر اسْم مُفْرد وَلَا شرع
للْمُسلمين.



وَالِاسْم
الْمُجَرّد لَا يُفِيد شَيْئا من الْإِيمَان بِاتِّفَاق أهل الْإِسْلَام وَلَا
يُؤمر بِهِ فِي شَيْء من الْعِبَادَات وَلَا فِي شَيْء من المخاطبات.



وَنَظِير
من اقْتصر على الِاسْم الْمُفْرد مَا يذكر: أَن بعض الْأَعْرَاب مر بمؤذن يَقُول:
(أشهد أَن مُحَمَّدًا رسولَ الله) بِالنّصب فَقَالَ: مَاذَا يَقُول هَذَا؟ هَذَا
الِاسْم، فَأَيْنَ الْخَبَر عَنهُ الَّذِي يتم بِهِ الْكَلَام؟



وَمَا
فِي الْقُرْآن من قَوْله [8 المزمل]
: {وَاذْكُر اسْم رَبك وتبتل إِلَيْهِ
تبتيلا
}].


الشيخ: يعني أن
الكلام ركب من مبتدأ وخبر، وسواء كان جملة اسمية أو جملة فعلية، والكلام لا يتم
إلا بذلك، فإذا كان مفردا فليس كلاما ولا يسمى كلام، وإذا قيل كلمة، فالكلمة تطلق
على الشيء المفيد، بخلاف القول، فالقول قد يطلق على حرف، وقد يطلق على أي شيء
يتلفظ به، والكلام الذي اصطلح عليه إذا كان مفيدا، سواء كان اسم أو كان فعل،
والفعل وحده لا يكون كلاما، إلا إذا كان في ضمنه شيء مضمر يدل عليه، نعم.



القارئ: [وَقَوله [1 الْأَعْلَى] : {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَقَوله [14-15 الْأَعْلَى] : {قد أَفْلح من تزكّى * وَذكر اسْم ربه فصلى} وَقَوله [74 الْوَاقِعَة] : {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} وَنَحْو ذَلِك لَا
يقتضى ذكره مُفردا.



بل فِي "
السّنَن " أَنه لما نزل قَوْله:
{فسبح
باسم رَبك الْعَظِيم
} قَالَ: «
اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم »
وَلما نزل قَوْله:
{سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: « اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ »].


الشيخ: يعني
المقصود سبحان اسم ربي، سبحان اسم، سبحان ربي، ولهذا فسرها قال: سبحان ربي العظيم، فهذا هو المقصود، لأن
التسبيح يكون اسمه، وكذلك الدعاء يكون باسمه، يدعى باسمه، يسبح باسمه تعالى، سبحان
الله، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، فالرسول فسره هنا، ليس المقصود الاسم
هو الذي يسبح أو هو الذي يعبد، الاسم لا يعبد، وإنما يدعى به ويسئل به نعم.



القارئ: [فشرع لَهُم أَن يَقُولُوا فِي الرُّكُوع: (سُبْحَانَ رَبِّي
الْعَظِيم) وَفِي السُّجُود (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) . وَفِي "
الصَّحِيح " أَنه كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه: " سُبْحَانَ رَبِّي
الْعَظِيم " وَفِي سُجُوده " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى "
وَهَذَا هُوَ معنى قَوْله: " اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم وسجودكم "
بِاتِّفَاق الْمُسلمين]
.



الشيخ: يعني اجعلوا
هذه الكلمة التسبيح في السجود والركوع، سبحان ربي العظيم يناسب الركوع، والأعلى
يناسب الركوع لأن السجود هو وضع الجبهة أو الأنف على الأرض، وهذا يكون الأرض تكون
سفلى، والله جل وعلا يجب أن ينزه عن
السفل، والركوع تعظيم، وانحناء للعظيم، ولهذا يكون ناسب أن يقول: سبحان
الله العظيم نعم.



القارئ: [فتسبيح اسْم ربه الْأَعْلَى وَذكر اسْم ربه
وَنَحْو ذَلِك هُوَ بالْكلَام التَّام الْمُفِيد كَمَا فِي " الصَّحِيح
" عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه قَالَ:
« أفضل الْكَلَام بعد الْقُرْآن أَربع وَهن من الْقُرْآن:
سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر »
].



الشيخ: وهذا يدل على أن أفضل ما يذكر به القرآن، وذكر الإنسان بالقرآن هو
تلاوته بالتدبر والعمل، أما مجرد هدر بدون تدبر ومعرفة المعنى فالجدوى قليلة، إنما
يقصد به أن الله يخاطبنا به، هل يخاطبنا بشيء لا نفهمه؟ وإذا تصور الإنسان لا يفهم
شيء، يصبح كأنه يهذي هذيان، ثم لا يجوز أن يكون المقصود حلاوة الصوت وحسنه، يكون
مثلا يأتيه بأنغام معينة بأشياء شبه الغناء، فإن كان تحسين الصوت مطلوب بالقرآن،
كما في حديث أبي موسى أن النبي
r مر عليه بالليل في بيته، وإذا هو
يقرأ فوقف يستمع له، فقال لما أصبح، وأتى عليه أبي موسى قال له: «رأيتني البارحة وأنا أستمع لك، وقد أعطيت مزمار من مزامير آل
داوود»
، فقال له: لو علمت بك لحبرته لك تحبيرا، أي زينته وحسنته، فدل
على أن تزيين الصوت لأجل جذب الناس وتأثرهم به، فهو مطلوب، لا يكون لأجل أنه يمدح
ويثنى عليه، فلان قارئ فلان حسن الصوت وما أشبه ذلك، فهذا يدخل في الرياء،
والسمعة، يجب أن يكون مقصوده التأثير في الناس، أن هذا كلام الله، وكل كلمة فيه
تدل على معاني، إذا فهمها الإنسان تنفعه وتفيده، في أخراه وفي سلوكه وفي علمه،
فهذا يجب أن يحرص إذا قرأ على التدبر والتفهم، ويتصور أن الله يخاطبك، هل يسوغ
مثلا عاقل أنه يرسل له عظيم يخاطبه بالخطاب، ثم لا يتأمل خطابه؟ فإذا سئل عن ذلك
يقول: ما فهمت، هذا لا يجوز أصلا، وليس هذا من التعظيم، وليس هذا من التلاوة التي
أمر بها، ومثلا لله المثل الأعلى، مثلا أرسل لنا الرئيس أو الملك أو الأمير مثلا
خطاب، أخذنا الخطاب وجعلناه فوق رؤوسنا ورفعناه وحطناه في برواز وأكرمناه، وفيه
أمر ونهي، ثم يأتي إلينا ونحن نمتثل الأمر ونجتنب النهي، فسألنا نقول: انظر إلى
خطابك نحن أكرمناه، هل يكون هذا إلا استهزاء، استهزاء وسخرية،فلابد أن الإنسان
يتأمل خطاب ربه حسب الإمكان، حسب إمكانه،والله جل وعلا يقول:
{ولقد يسرنا القرآن للذكر}، القرآن ميسر لمن
يتذكر وينظر، يقول العلماء عند تفسير هذه الجملة،
{ولقد يسرنا القرآن للذكر}، ولقد يسرنا العلم
لمن يتعلم، فهل متذكر فيذكر، يعني هذا معناه،أي أنه ميسر ومسهل، وهو بلغة فصحى
قريبة، فإذا كان الإنسان يعرف اللغة، لابد أن يدرك هذا المعنى، ولا يلزم أن يدرك
كل شيء، فيه الشيء الذي يستطيعه، فهذا هو فضل التلاوة، أما مجرد تلاوة بلا تأمل،
فهذه جدواها قليل،ولهذا سئل بعض السلف قيل له أنه يوجد من يقرأ القرآن ولا يفهمه،
قال: هذه بدعة، بدعة ما كان الناس على هذا، كان إذا قرأ أحدهم يفهم ما خوطب به،
لأنه بلغته، لكن لما فسد، مثل ما مر يقول الجملة التي في ا لأذان، أشهد أن محمدا
رسول الله، هذه لا تفيد شيء، لأن رسول بدل محمد، ولهذا لما سمع أعرابي المؤذن يقول
كذا، قال:ماله، يقول: أشهد أن محمدا رسول الله يقول: ماله، ينتظر الجواب ما جاء
جواب إلى الآن، فإذا قال: أشهد أن محمد رسول الله تم الجواب، لأنه إذا نصب صار
تبعا للسابق، وينتظر،ويذكر أن رجلا كان يعلم صبيان من العرب، العرب يولدون على
اللغة على لغتهم، ويأخذونها من آبائهم، ولا يلحنون أصلا، فصار يلقنهم ويقول
لأحدهم:قل: تبت يدا، فيقول:تبت يداني، فيضربه، ما فيه يداني،قل: تبت يدا، فسمعه
رجل قال: هذا عربي فصيح، يذكر له المضاف إليه حتى ينطق بها، ما ينطق بهذا، شيء،
لما قال: قل تبت يدا أبي لهب، نطق بها تماما، فما كانوا يعرفون اللحن، وإنما
يتكلمون بلغتهم التي الجملة تأتي مفيدة، فالمقصود أن القرآن هو أفضل ما يتقرب به
الإنسان بعد أداء ما افترض عليه، ولكن حتى يفهم، لأن المقصود بالتلاوة العمل،
ولهذا ذم الله جل وعلا الذين لا يعلمون من القرآن إلا أماني، والأماني هي التلاوة
مجرد تلاوة، نعم.



القارئ: [وَفِي " الصَّحِيح " عَنهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
« كلمتان
خفيفتان على اللِّسَان ثقيلتان فِي الْمِيزَان حبيبتان إِلَى الرَّحْمَن:
سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم »
].



الشيخ: سمى سبحان الله وبحمده كلمة، سبحان الله العظيم كلمة، ما تكون الكلمة
إلا مفيدة جملة مفيدة نعم.



القارئ: [وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنهُ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
« من
قَالَ فِي يَوْمه مائَة مرّة: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ
الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير، كتب الله لَهُ حرْزا من الشَّيْطَان
يَوْمه ذَلِك حَتَّى يُمْسِي وَلم يَأْتِ أحد بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا
رجل قَالَ مثل مَا قَالَ أَو زَاد عَلَيْهِ ". و " من قَالَ فِي يَوْمه
مائَة مرّة: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم، حطت عَنهُ
خطاياه وَلَو كَانَت مثل زبد الْبَحْر »
].



الشيخ: يعني هذا يرد على الذين يقولون: إن أفضل الذكر الضمير أن تذكره
بالضمير، أن تقول: الله الله، يعني بالاسم أو بالضمير، إما أن تقول الله الله،
وبعضهم يقول بالضمير هو هو، هذا كله ضلال بين ولا يفيده شيء، بل هو لعب في لعب،
وإذا قيل هذا هو الدين والعبادة وهو أفضل الذكر، فهذا كذب، كذب وقول على الله بلا
علم، وعلى رسوله
r، فلابد أن يكون الذكر جمل مفيدة، نعم.


القارئ: [وَفِي " الْمُوَطَّأ " وَغَيره
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
«أفضل مَا قلته أَنا والنبيون من قبلي: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير»



وَفِي " سنَن ابْن مَاجَه " وَغَيره عَنهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
« أفضل الذّكر لَا إِلَه إِلَّا الله وَأفضل الدُّعَاء
الْحَمد لله »
].


الشيخ: والحمد لله صار ذكر لأنه ثناء، لأنه ثناء على الله جل وعلا، وأدخل على
الحمد حمد القلب، حتى تكون مستغرقة لجميع الأشياء، فهي تدل على حمد الله جل وعلا
على الخلق وعلى الرزق وعلى كون الإنسان مسلما، وعلى كل نعمة أنعمها الله جل وعلا
عليه، ثم الحمد اللي فيه الثناء ثناء على الله جل وعلا بنعمه، وفيه كذلك التعظيم
والحب، لابد إذا لم يكن فيه حب، لا يكون ثناء، والحمد هكذا لابد أن يكون فيه
الحامد مثن محب طالب، أما إذا كان مجرد ذكر فقط، يذكر وهي تسمى مدح، إذا خلا من
المحبة والإنابة والطلب والافتقار يسمى هذا مدح، وإذا اشتمل على ذلك فهو الحمد، لهذا
سماه هنا أنه دعاء، لأن في ظنه الطلب، وأما إذا الدعاء الذكر فهو أعم من هذا،
الذكر كل ما تذكر الله جل وعلا به من فعل وقول وعمل، يسمى ذكر لله جل وعلا، فهو
يدخل فيه الأعمال كلها نعم.



القارئ: [وَمثل هَذِه الْأَحَادِيث كَثِيرَة فِي
أَنْوَاع مَا يُقَال من الذّكر وَالدُّعَاء.



وَكَذَلِكَ مَا فِي الْقُرْآن من قَوْله تَعَالَى [121
الْأَنْعَام]
: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله
عَلَيْهِ
}].


الشيخ: اسم الله عليه معناه أن يقول باسم، ما يقول اسم الله عليه فقط، ولا
اسم، لابد أن يقول: باسم الله على الذبيحة وعلى الصيد، وكذلك الأكل، يجب أن يقول
باسم الله إذا أراد أن يأكل، كما أنه يجب عليه أن يحمد ربه إذا أكل، وهذا من معاني
قول الله جل وعلا:
{ولله
الأسماء الحسنى فادعوه بها
}، وهو معنى الدعاء بأسمائه، وهذا لا ينفك
عنه المسلم، ولكنه يجب أن يتأمل الشيء ويستحضر ذلك بقلبه حتى يكون على بصيرة نعم.



القارئ: [وَقَوله [4 الْمَائِدَة] : {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم واذْكُرُوا اسْم
الله عَلَيْهِ
} إِنَّمَا هُوَ قَول: بِسم الله، وَهَذِه جملَة تَامَّة، إِمَّا اسمية على
أظهر قولي النُّحَاة].



الشيخ: يقصد باسم الله أنها جملة، فالتقدير أذبح باسم الله، أو أقرأ باسم
الله، أو على قول بعض المبتدي،ولكن ذكر الفعل أولى من المبتدي، لأنه ليس المبتدي
فقط، يقصد به الابتداء، يقصد به الابتداء والاستمرار أيضا أن يكون على اسم الله جل
وعلا، وقد جاء في القرآن هذا:
{اقرأ
باسم ربك
}، وجاء قوله:{باسم الله مجراها}، فهذا مجراها
مصدر، مصدر اسم، الأول فعل، ولهذا كل فريق من العلماء قال: بقوله، منهم من قدره
فعل، ومنهم من قدره اسم، يعني المحذوف في هذا، والمقصود أن هذا مفيد، والشيء
المضمر كأنه مذكور، لأن الكلام لا يصح إلا به.



القارئ: [وَهَذِه جملَة تَامَّة، إِمَّا اسمية على
أظهر قولي النُّحَاة، أَو فعلية وَالتَّقْدِير: ذبحي بِسم الله أَو أذبح بِسم
الله]
.



الشيخ: إذا قال: ذبح باسم الله فهي جملة اسمية، وإذا قال: أذبح باسم الله فهي
جملة فعلية، وكونها جملة فعلية أولى نعم.



القارئ: [وَكَذَلِكَ قَول الْقَارئ: بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم، فتقديره قراءتي بِسم الله أَو اقْرَأ باسم الله. وَمن النَّاس من يضمر
فِي مثل هَذَا: ابتدائي بِسم الله أَو ابتدأت بِسم الله، وَالْأول أحسن؛ لِأَن
الْفِعْل كُله مفعول باسم الله لَيْسَ مُجَرّد ابْتِدَائه، كَمَا أظهر الْمُضمر
فِي قَوْله [1 العلق]
:
{اقْرَأ
باسم رَبك الَّذِي خلق
} وَفِي قَوْله [41
هود]
:
{بِسم الله مجريها وَمرْسَاهَا} وَفِي قَول
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: « من كَانَ ذبح
قبل الصَّلَاة فليذبح مَكَانهَا أُخْرَى وَمن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله »
].



الشيخ: يعني يقول: ذبحي باسم الله، أو على اسم الله، أو أذبح باسم الله، فيكون
اسم، نعم.



القارئ: [وَمن هَذَا الْبَاب قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح لربيبه عمر بن أَبى سَلمَة:
« يَا غُلَام سم الله وكل بيمينك وكل مِمَّا يليك »].



الشيخ: سم الله قل بسم الله، ما أسمي الله أقول الله، أو قل الله، هذا لا
يراد، حتى لا يكون دليل لأهل الباطل، ولهذا ما عرف أنهم يقولون الله، يعني عند
الأكل والدخول وغيره، وإنما يقولون: باسم الله كما علمهم الرسول
r، ومعروف أن هذا معناه، أفعل هذا
الشيء الذي يبدي به أفعله باسم الله، فهو الاستعانة والعبادة أيضا، ليس استعانة
فقط، وإنما استعانة وعبادة نعم.



القارئ: [فَالْمُرَاد أَن يَقُول: باسم الله، لَيْسَ
المُرَاد أَن يذكر الِاسْم مُجَردا وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الحَدِيث الصَّحِيح لعدي
بن حَاتِم:
«إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم وَذكرت
اسْم الله فَكل »
وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم:
« إِذا دخل الرجل منزله
فَذكر اسْم الله عِنْد دُخُوله وَعند خُرُوجه وَعند طَعَامه قَالَ الشَّيْطَان:
لَا مبيت لكم وَلَا عشَاء »
وأمثال ذَلِك
كثير]
.



الشيخ: هذا لا يؤمن به إلا من يؤمن بما جاء عن الله وعن رسوله، لكن كثير من
الناس يقول: لا نرى الشيطان ولا نحس به، ليس معنا شياطين ولا معنا، فهؤلاء الذين
لا يؤمنون إلا بالمحسوسات، وبالأمور التي، ثم يرجعون الأمور إلى أفكارهم وعقولهم،
هذا لا يستقيم عند المسلم أبدا، لأنه لابد يقبل عن الله وعن رسوله، والله جل وعلا
أخبرنا أن الشيطان يرانا من حيث لا نراه، فهو والشياطين مثل الناس لهم إحساس ولهم
أعمال، ويأكلون ويشربون، وهم أعداء بنو آدم، ويشاركون بنو آدم إن لم يتحصن بالله،
والتحصن بالله هو بذكر اسمه جعله الله هذا حصنا منهم، فهذا لو الإنسان إذا أراد
دخول الحمام أنه يصلي ويستعيذ بالله من الشيطان يقول: أعوذ بالله من الخبث
والخبائث، الخبث هم ذكور الشياطين، والخبائث إناثها، فإذا دخل هذا كان سترا بينه
وبينهم لا يرونه، فإذا لم يسمي لعبوا به، وربما أرجعوا إليه النجاسات ونجسوه وغير
ذلك ولا يحس بهذا، والقاذورات مكان
القاذورات والوساخات هي مكانهم التي تليق بهم، وهو يألفونها، ولهذا كثيرا
ما يصاب الإنسان من مجاهل وما أشبه ذلك من ملابسات الجن في هذه الأماكن، إما أن
يبول عليهم أو يؤذيهم أو ما أشبه ذلك، وإن كان ملابستهم في غير ذلك أيضا، وكما قال
شيخ الإسلام: ملابستهم على ثلاثة أقسام، قسم يكون من باب العبث يعبثون بالإنسان،
وقسم من باب العشق، وقسم من باب الأذى وهذا هو أصعبها وأشدها، يؤذيهم لما يبول
عليهم أو يكب عليهم من الماء الحار وما أشبه ذلك، وإذا سمى سلم من هذا كله، وإذا
لم يسمي فإنه قد يتعرض لأذاهم أو لنظرهم أو غير ذلك، فالمقصود أن الله جل وعلا قسم
الأعداء، أعداء بني آدم إلى قسمين، عدو يشاهد ويرى ويحس وهو من جنسه من الناس،
وعدو لا، لا يشاهد ولا يحس، الذي يشاهد ويحس يقابل بما ذكر الله جل وعلا:
{وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو
السميع العليم
}، والأول: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة،
فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم
}، فهذا العلاج في العدو الظاهر المشاهد،
أما الاحتراز من العدو الغير مشاهد باللجوء إلى الله والاستعاذة به وذكر اسمه،
فلابد من هذه الأمور التي ذكرها الله تعالى وذكرها رسوله
r، أن نمتثل ذلك حتى نسلم من
الشياطين، شياطين الجن والإنس، ولكن شياطين الجن يكونون مع الناس، يكونون في
البيوت ويكونون في الأسواق، وهذا القول الذي قاله
r يقول: «إذا قال بسم الله عند دخوله المنزل وعند الطعام وعند الخروج قال الشيطان
لمن معه منعتم من دخول المسكن والمبيت ومنعتم من الأكل فلا مكان لكم في هذا البيت»
،
ولكن هم يألفون الأغاني والصور يألفونها كثيرا، فإذا كان البيت محلا للأغاني
والصور فهو مقرا للشياطين، ولهذا من كان بيته بهذه المثابة فغالبا أنه لا يسلم
من الشياطين، قد يداخلونه أو يداخلون
أبنائه، أو أهل وما أشبه ذلك، ولهذا كثرت هذه الأشياء في بيوت الناس، وقد يشاركون
الإنسان أصلا في كل ما يفعل حتى في الزوجة، لهذا يقول الله جل وعلا لما الشيطان
توعد بني آدم أنه سوف يحتنكنهم، يحتنك ذرية بني آدم، قال الله جل وعلا له:
{اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءا
موفورا، واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم برجلك وخيلك
}، استفزز من استطعت
منهم بأيش؟ قلنا: ما هو الصوت؟ صوت الشيطان هل نسمعه؟ الصوت يقول العلماء: الغناء،
الغناء هو صوت الشيطان، ولهذا يقول العلماء: لا يمكن يجتمع في قلب إنسان حب القرآن
وحب الأغاني، لا يمكن لأن هذا قرآن الرحمن، وهذا قرآن الشيطان، ولا يجتمعان في قلب
عبد، تجد الإنسان إذا ألف الأغاني فهو لا يستمع إلى القرآن ولا يحبه، وإنما يحب
الأغاني فقط، نعم.



القارئ: [وَكَذَلِكَ مَا شرع للْمُسلمين فِي صلَاتهم
وأذانهم وحجهم وأعيادهم من ذكر الله تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ بِالْجُمْلَةِ
التَّامَّة كَقَوْل الْمُؤَذّن: (الله أكبر الله أكبر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا
الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله) وَقَول الْمُصَلِّي: (الله أكبر سُبْحَانَ
رَبِّي الْعَظِيم سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى سمع الله لمن حَمده رَبنَا وَلَك
الْحَمد التَّحِيَّات لله) وَقَول الملبي: (لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك) وأمثال ذَلِك]
.



الشيخ: كل هذا الكلام الذي ذكره من باب الاستطراد، هو إبطال قول الصوفية في
ذكرهم الذي اخترعوه، أن الذكر يكون بالضمير أو بالاسم الظاهر، وزعموا بأن هذا أقرب
إلى القلب، وأنه ما ينبغي للإنسان أنه يأتي بالأمور التي تكون دالة على هذا، كي لا
يموت بين هذه الأشياء، وهذا زعم باطل، ما أتى بذكر الله، وكل لم يذكر هذا جمل
مفيدة، في قوله: لبيك اللهم لبيك، لبى لبيك أيضا مفيد، لأن المعنى جاء مثنى لبي،
ومعناه أنه إجابة لك بعد إجابة، أو أنا لازم طاعتك لزوما بعد لزوم يعني هو مستمر
على ذلك، ومنهم من يقول: أنه أخذ منا اللب أو اللبة وهي الملازمة هذا معناه، وهكذا
كل ذكر جاء به الرسول
r فهو مفيد جمل مفيدة، لا يكون ضمير
أو اسم لا فائدة فيه، فالله لم يشرع لنا الشيء الذي لا يفيد، وهذا هو الذي يكون
فيه معرفة القلب وتأثره، أما مجرد اسم يتردد أو ضمير فهذا لا يعطي أي معنى، نعم.



القارئ: [فَجَمِيع مَا شَرعه الله من الذّكر
إِنَّمَا هُوَ كَلَام تَامّ لَا اسْم مُفْرد وَلَا مظهر وَلَا مُضْمر]
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:39 am

الشيخ: الاسم المفرد مثل الله أو الرحمن، والمضمر مثل هو كما يقولون، فهذا
مظهر، والمضمر بدل من أنا أو أنت أو ما أشبه ذلك، من الضمائر التي تكون لابد تتعلق
بما سبق وبما يلحق، وكل هذا لا يجدي شيء ولا يفيد، فالمضمر قد يكون غير مذكور أيضا
نعم.



القارئ: [وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسمى فِي اللُّغَة
(كلمة) كَقَوْلِه:
« كلمتان خفيفتان على
اللِّسَان ثقيلتان فِي الْمِيزَان حبيبتان إِلَى الرَّحْمَن: سُبْحَانَ الله
وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم »
].



الشيخ: وهذا دلنا على أن الميزان يوضع فيه الكلام، ومعلوم أن الكلام معنى لا
يشاهد ولا يرى، فبعض العلماء يقول: إن الذي يوضع فيه الصحائف، يعني هذه الكلمات
تسجل في صحائف ثم توضع، وبعضهم يقول: إنها تجعل أجسادا يوم القيامة ثم توضع في
الميزان، وهذا هو الأقرب، لهذا يقول:
{يوم يبعث
الناس أشتاتا ليروا أعمالهم
}، هم يرون أعمالهم يوم القيامة، وكذلك
قوله كما في حديث أبي مالك الأشعري: « سبحان الله
تملأ الميزان، والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض»
، إلى آخره، فهذا
معناه أنها يوم القيامة أنها تظهر وتكون أجساما ترى، والله على كل شيء قدير نعم.



القارئ: [وقوله: أفضل كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد].


الشيخ: أصدق كلمة وليس أفضل كلها، لأن هذه لا يذكر الله بها، الحق أنه قال:
أصدق كلمة، وهذا في الصحيح صحيح البخاري، أصدق كلمة قالها لبيد ألا كل شيء ما خلا
الله باطل، وقد قال بعضهم: أنه يكذب، وليس هذا صحيح، لأن الجنة ليست باطل والنار
ليست باطل، ولكن الباطل يقصد به شيئين، أما أنه يقصد به الشيء الذي لا ينفع، أو
يقصد به الشيء الذي لا يؤمر به ولا يتحصل به ثواب على وجه الخصوص، نعن لهذا جاء في
الحديث: الدنيا باطل، وكل لعب يلعبه الإنسان باطل إلا ملاعبته لزوجته وكذلك ركوبه
فرسه»، لأن هذا يراد به غير هذا نعم.



القارئ: [وَقَوله: « أفضل كلمة قَالَهَا الشَّاعِر كلمة لبيد: أَلا كل شَيْء مَا
خلا الله بَاطِل »
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
[5 الْكَهْف]
:
{كَبرت
كلمة تخرج من أَفْوَاههم
} الْآيَة وَقَوله [115 الْأَنْعَام] : {وتمت
كلمة رَبك صدقا وعدلا
}] .


الشيخ: كلمة يراد بها الكلام، كلمة ربك، يعني كلامه الذي فيه الأمر والنهي
وفيه الخبر والوعد، كلام الله لا يخلو عن هذا، إما أمر ونهي، وإما خبر، وإما جزاء،
وعد لمن يمتثل أمره، والخبر قد يكون عن نفسه، وقد يكون عن الماضي الأمور الماضية
إما الخلق وجزاء به من تكذيب الرسل وعذابهم، وإما إثابتهم، أو يكون في المستقبل
نعم، وكل يطلق عليه كلمة الله، وكلام الله كما سبق، ينقسم إلى قسمين، كلام شرعي
أمري ديني، وكلام قدري كوني يكون به الأشياء، وكله صدق وحق وكله تام، نعم.



القارئ: [وأمثال ذَلِك مِمَّا اسْتعْمل فِيهِ لفظ
(الْكَلِمَة) من الْكتاب وَالسّنة بل وَسَائِر كَلَام الْعَرَب فَإِنَّمَا يُرَاد
بِهِ الْجُمْلَة التَّامَّة كَمَا كَانُوا يستعملون الْحَرْف فِي الِاسْم
فَيَقُولُونَ: هَذَا حرف غَرِيب أَي لفظ الِاسْم غَرِيب]
.



الشيخ: حرف يطلق على الاسم وعلى الجملة المفيدة، حرف غريب، لهذا وضعت كتب
الغريب، الغريب في الحديث، لتفسير المفردات، الاسم هو المفرد الذي يأتي مفرد، وليس
معناه أنه حرف لا يفيد شيئا، نعم.



القارئ: [وَقسم سِيبَوَيْهٍ الْكَلَام إِلَى اسْم
وَفعل وحرف جَاءَ لِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل، وكل من هَذِه الْأَقْسَام يُسمى
حرفا لَكِن خَاصَّة الثَّالِث أَنه حرف جَاءَ لِمَعْنى]
.



الشيخ: لابد أن يكون جاء لمعنى، أما إذا قلت: ألف، ألف ما له معنى، لابد أن
يكون مثل حروف النصب حروف الجزم أنه جاء لمعنى، ولهذا يكون معناه في غيره، الحرف
معناه في غيره، وليس معناه فيه، نعم.



القارئ: [أَنه حرف جَاءَ لِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا
فعل.



وسمى حُرُوف الهجاء باسم الْحَرْف وَهِي أَسمَاء].


الشيخ: هذا اصطلاح تسمية الحروف الهجاء باء تاء ثاء، اصطلاح يصطلحه العلماء.


القارئ: [وَلَفظ الْحَرْف يتَنَاوَل هَذِه
الْأَسْمَاء وَغَيرهَا كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
«من قَرَأَ الْقُرْآن فأعربه فَلهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات
أما إِنِّي لَا أَقُول
{ألم} حرف
وَلَكِن ألف حرف وَلَام حرف وَمِيم حرف »
.


الشيخ: ما معنى أعربه؟ يعني قرأه صحيحا بدون لحن، لا يلحن
فيه، نعم.



القارئ: [وَقد سَأَلَ الْخَلِيل بن أَحْمد أَصْحَابه عَن
النُّطْق بِحرف الزَّاي من جئْتُمْ بِالِاسْمِ وَإِنَّمَا الْحَرْف (زَ)]
.


الشيخ: نعم، وهكذا الحروف كلها هكذا، زاي وياي وجيم، تقول جا حا خاء، ولكن
الآن يوضع في الهجاء خلاف ذلك في المدارس نعم.



القارئ: [ثمَّ إِن النُّحَاة اصْطَلحُوا على أَن
هَذَا الْمُسَمّى فِي اللُّغَة بالحرف يُسمى كلمة وَأَن لفظ الْحَرْف يخص لما
جَاءَ لِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل كحروف الْجَرّ وَنَحْوهَا]
.



الشيخ: نحوها مثل حروف النصب وحروف الجزم، وحروف المعاني نعم.


القارئ: [وَأما أَلْفَاظ حُرُوف الهجاء فيعبر تَارَة
بالحرف عَن نفس الْحَرْف من اللَّفْظ وَتارَة باسم ذَلِك الْحَرْف وَلما غلب هَذَا
الِاصْطِلَاح صَار يتَوَهَّم من اعتاده أَنه هَكَذَا فِي لُغَة الْعَرَب ومنم من
يَجْعَل لفظ الْكَلِمَة فِي اللُّغَة لفظا مُشْتَركا بَين الِاسْم مثلا وَبَين
الْجُمْلَة وَلَا يعرف فِي صَرِيح اللُّغَة من لفظ (الْكَلِمَة) إِلَّا الْجُمْلَة
التَّامَّة]
.



الشيخ: ولكن النحاة يقسمونه على غير هذا، يقولون: كلمة وكلم وكلام، فالكلمة
يجعلونها جملة مفردة الواحدة التي لا تفيد
كلمة، والكلم الشيء الذي لا يفيد، الكلام الذي يشمل الاسم والحرف كما قال ابن
مالك، فالكلم يمثل به يقول: إن قام زيد، يعني كلام أكثر من كلمة من حرف، ولكنه لا
يفيد شيئا، إن قام زيد كيف تسمع ايش يفيد؟ ما أفاد شيء، هذا يسمى كلم، وإن قلت:
ضربت زيدا، ضرب زيد عمرا، فهو كلام، لأنه تام، والكلمة المفردة اللفظ المفرد نعم.



القارئ: [وَالْمَقْصُود هُنَا أَن الْمَشْرُوع فِي
ذكر الله سُبْحَانَهُ هُوَ ذكره بجملة تَامَّة وَهُوَ الْمُسَمّى بالْكلَام
وَالْوَاحد مِنْهُ بِالْكَلِمَةِ وَهُوَ الَّذِي ينفع الْقُلُوب وَيحصل بِهِ
الثَّوَاب وَالْأَجْر ويجذب الْقُلُوب إِلَى الله ومعرفته ومحبته وخشيته وَغير
ذَلِك من المطالب الْعَالِيَة والمقاصد السامية.



وَأما الِاقْتِصَار على الِاسْم الْمُفْرد مظْهرا أَو مضمرا
فَلَا أصل لَهُ فضلا عَن أَن يكون من ذكر الْخَاصَّة والعارفين.



بل هُوَ وَسِيلَة إِلَى أَنْوَاع من الْبدع والضلالات
وذريعة إِلَى تصورات وأحوال فَاسِدَة من أَحْوَال أهل الْإِلْحَاد وَأهل
الِاتِّحَاد.



كَمَا قد بسط الْكَلَام عَلَيْهِ فِي غير هَذَا الْموضع].


الشيخ: أنه يقول: أنه هو وذاك، أنه
يدل على المذهب الخبيث وهو أن الله حال في خلقه، فيصف كل ما يقابله ويتصوره بأنه
يكون الله جل وعلا فيه تعالى الله وتقدس، على كل حال هذا كله استطراد من الشيخ
رحمه الله على هذا الذكر الذي اتخذه الصوفية شبه اللعب وزعموا أنه أفضل الذكر، وهو
كذب وبدع وكل بدعة ضلالة، نعم.



القارئ: [فصل وجماع الدَّين أصلان: أَلا نعْبد
إِلَّا الله وَلَا نعبده إِلَّا بِمَا شرع لَا نعبده بالبدع]
.



الشيخ: وهذا هو الأصل، هو الأصل في كل ما جاء عن الله وعن رسوله، بأن تكون
العبادة لله وحده، ولا يقصد بها غير الله، لا من حظوظ النفوس، ولا من مقاصد الدنيا
التي قد ينتفع بها هو أو غيره، والثاني: أن تكون العبادة كما جاء به الرسول
r، وبغير ذلك لا تصح عبادة ولا
تقبل، وهذه هي التي سبق ذكرها من الذكر الذي يقولونه ليس من هذا القبيل، لأن ما
جاء به الرسول
r فهو مردود، ولهذا كان هو جماع الدين أصلان، الأصل الأول: أن تكون
العبادة لله وحده، والأصل الثاني: أن تكون العبادة مشروعة جاء بها الرسول
r، وإذا خرج عن هذين الأصلين في
التعبد فهو باطل وهو ضلال نعم.



القارئ: [كَمَا قَالَ تَعَالَى [110 الْكَهْف]
:
{فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه
فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا
}] .


الشيخ: العمل الصالح هو ما كان على الشرع، {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} أحدا نكرة، فيدخل
فيه كل شيء، فكما أنه يدخل فيه الشرك الصغير والكبير نعم.



القارئ: [وَذَلِكَ تَحْقِيق الشَّهَادَتَيْنِ:
شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَشَهَادَة أَن مُحَمَّد رَسُول الله]
.



الشيخ: ايش معنى تحقيق؟ تحقيق الشهادتين ايش معنى التحقيق؟ كلمة تحقيق لها
معنى غير هذا، طيب كيف حق التوحيد كاملا؟ لا، معنى التحقيق التصفية وأن تكون
خالصة، ليس فيها شيء من غيرها، حققت الشيء خلصته من غيره وصفيته، فصار خالصا صافيا
هذا معنى التحقيق، يعني تحقيق التوحيد، من
أي شيء، من الشرك والبدع والذنوب، ومن حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب، معناه أنه
يحققه بأن يصفيه ويخلصه يكون صافيا ليس فيه شيء من الشرك ولا من البدع، ولا عنده
ذنوب، يموت عليه، فمن كان بهذه المثابة دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب، إذا مات
عليه، هذا معنى: من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه، وفي رواية: خالصا من قلبه، غير شاك، دخل الجنة بلا حساب،
أو حرمه الله على النار هكذا حرمه الله على النار هكذا تبين الأحاديث، فإذا حرم
على النار معناه أنه جاء بتحقيق التوحيد ومات عليه، نعم، قام بتحقيق الشهادتين،
يعني القيام بهما خالصتين صافيتين ليس فيهما شيئا مما ينافيهما، لا من بدع ولا من
التفات لغير الله جل وعلا، ولا من عمل بغير ما جاء به الرسول
r، فهذا تحقيق الشهادتين نعم.


القارئ: [فَفِي الأولى: أَلا نعْبد إِلَّا إِيَّاه.


وَفِي الثَّانِيَة: أَن مُحَمَّدًا هُوَ رَسُوله الْمبلغ
عَنهُ فعلينا أَن نصدق خَبره ونطيع أمره]
.


الشيخ: يعني هذا لازم، وإلا ما تثبت الشهادة، لو ما صدقته بما يقول، ولا أطعته
فيما يأمر، أنت لم تشهد له بأنه رسول الله، أنت تعلم أنه صادق، ولكن ما تتبعه ولا
تطيعه، لم تقم بالشهادتين، ولهذا أبو طالب يشهد أنه صادق، وأنه ما يقول حق، ومع
ذلك فهو مشرك كافر، لأنه لم يطعه ولم يتبعه نعم.



القارئ: [وَقد بَين لنا مَا نعْبد الله بِهِ ونهانا
عَن محدثات الْأُمُور وَأخْبر أَنَّهَا ضَلَالَة قَالَ تَعَالَى [112 الْبَقَرَة]

:
{بلَى من أسلم وَجهه لله وَهُوَ
محسن فَلهُ أجره عِنْد ربه وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
} .


وكما أننا مأمورون أَلا نَخَاف إِلَّا الله وَلَا نتوكل إِلَّا على الله وَلَا
نرغب إِلَّا إِلَى الله وَلَا نستعين إِلَّا بِاللَّه وَألا تكون عبادتنا إِلَّا
لله فَكَذَلِك نَحن مأمورون أَن نتبع الرَّسُول ونطيعه ونتأسى بِهِ فالحلال مَا
حلله وَالْحرَام مَا حرمه.



وَالدّين مَا شَرعه قَالَ الله تَعَالَى [59
التَّوْبَة]
:
{وَلَو
أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله وَقَالُوا حَسبنَا الله سيؤتينا الله من
فَضله وَرَسُوله إِنَّا إِلَى الله راغبون
} فَجعل الإيتاء لله وَلِلرَّسُولِ كَمَا
قَالَ [7 الْحَشْر] :
{وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم
عَنهُ فَانْتَهوا
} وَجعل التَّوَكُّل على الله وَحده بقوله: {وَقَالُوا حَسبنَا الله} وَلم يقل:
وَرَسُوله - كَمَا قَالَ فِي وصف الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فِي الْآيَة
الْأُخْرَى [173 آل عمرَان] :
{الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد
جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم
الْوَكِيل
} وَمثله قَوْله [64 الْأَنْفَال] : {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من
الْمُؤمنِينَ
} أَي حَسبك وَحسب الْمُؤمنِينَ كَمَا قَالَ [36
الزمر]
:
{أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} - ثمَّ قَالَ: {سيؤتينا الله من فَضله وَرَسُوله} فَجعل الإيتاء لله
وَلِلرَّسُولِ وَقدم ذكر الْفضل لله لِأَن
{الْفضل
بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم
} وَله الْفضل على
رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وَقَالَ:
{إِنَّا
إِلَى الله راغبون
} فَجعل الرَّغْبَة إِلَى الله وَحده كَمَا فِي قَوْله [7-8 الشَّرْح] : {فَإِذا
فرغت فانصب * وَإِلَى رَبك فارغب
} .


وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ عَبَّاس: « إِذا سَأَلت فاسأل الله وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه
»
وَالْقُرْآن يدل على مثل هَذَا فِي غير مَوضِع.



فَجعل الْعِبَادَة والخشية وَالتَّقوى لله وَجعل الطَّاعَة والمحبة لله
وَرَسُوله كَمَا فِي قَول نوح عَلَيْهِ السَّلَام [3
نوح]
:
{أَن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون} وَقَوله [52 النُّور] : {وَمن يطع
الله وَرَسُوله ويخش الله ويتقه فَأُولَئِك هم الفائزون
} وأمثال ذَلِك.


فالرسل أمروا بِعِبَادَتِهِ وَحده وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ والتوكل عَلَيْهِ
وطاعته وَالطَّاعَة لَهُم فأضل الشَّيْطَان النَّصَارَى وأشباههم فأشركوا بِاللَّه
وعصوا الرَّسُول فـ
{اتَّخذُوا
أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله والمسيح ابْن مَرْيَم
} فَجعلُوا يرغبون
إِلَيْهِم ويتوكلون عَلَيْهِم يَسْأَلُونَهُمْ مَعَ معصيتهم لأمرهم ومخالفتهم
لسنتهم.



وَهدى الله الْمُؤمنِينَ المخلصين لله أهل الصِّرَاط الْمُسْتَقيم الَّذين
عرفُوا الْحق واتبعوه فَلم يَكُونُوا من المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين
فأخلصوا دينهم لله وَأَسْلمُوا وُجُوههم لله وأنابوا إِلَى رَبهم وأحبوه ورجوه
وخافوه وسألوه وَرَغبُوا إِلَيْهِ وفوضوا أُمُورهم إِلَيْهِ وتوكلوا عَلَيْهِ
وأطاعوا رسله وعزروهم ووقروهم وأحبوهم ووالوهم واتبعوهم واقتفوا آثَارهم واهتدوا
بمنارهم.



وَذَلِكَ هُوَ دين الْإِسْلَام الَّذِي بعث الله بِهِ الْأَوَّلين والآخرين من
الرُّسُل وَهُوَ الدَّين الَّذِي لَا يقبل الله من أحد دينا إِلَّا إِيَّاه وَهُوَ
حَقِيقَة الْعِبَادَة لرب الْعَالمين.



فنسأل الله الْعَظِيم أَن يثبتنا عَلَيْهِ ويكمله لنا ويميتنا عَلَيْهِ
وَسَائِر إِخْوَاننَا الْمُسلمين. وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا
مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم].



الشيخ: هذا ختم
الرسالة بهذا الأصل أو الأصلين الجامعين الذي يقول: أنهما هما جماع الدين، ومعنى
جماع الدين أن الدين يجتمع فيهما في هذين الأصلين، فلا يخرج الدين الذي جاء به
الرسول
r عن هذين الأصلين، وهما معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله، وهذه الشهادة لابد أن يحققها الإنسان، يقولها صادقا من قلبه، عالما
بذلك، ثم يعمل بها، وإلا مجرد قول تلفظ بها، كما يتصوره بعض الناس، فهذا لا يجدي،
إذا لم يأتي بمعناها ويقوم بها، وهذا معناه أنه لابد أن يفهم المراد منها، ولما
كان حصوله
r يدعوا العرب، اكتفى بذكر لفظها، ولكنه جاء بالمعاني التي تدل
عليها، والذين خوطبوا بها حينما يقول لهم: «قولوا لا
إله إلا الله»
، يفهمونها
تماما، ولهذا عرفوا أنها تبطل دينهم، الذي هو عبادة الله وعبادة غيره معه، فكانوا
يعبدون الله، ولكنهم يعبدون غيره معه، وهذا هو الشرك، وإذا كان العرب لا يعبدون
إلا الكواكب أو الحجارة أو الأشجار هذا لا يوجد، ولكنهم عبادتهم أيضا ليست عبادة
خضوع وذل وعبادة وخوف ورجاء إلا في بعض الأحيان، وإنما هي عبادة بالتوسط، بالتوسط
من هذه الأشياء تتوسط لهم عند الله، سبق أن قلت لكم: إن أصل الشرك هو طلب الوساطة
التي هي الشفاعة، فهذا أصل شرك المشركين، وأصله القياس الفاسد حينما قاسوا رب
العالمين على العظماء عندهم والكبراء،
فقالوا، نشاهد الرؤساء والكبراء إذا طلب منهم حاجة فأنجع للحاجة وأسرع لقضائها أن
نأتي بمن يحبونه أو كان مقربا عندهم، أو
له يد عندهم، فنطلب منه التوسط أن يقضي حاجتنا فتقضى، قالوا: كذلك إذاً طلب
الوساطة من هذه الأشياء هي من باب التعظيم زعموا، زعموا أنها من باب التعظيم، وليس
من باب التنقص، والله جعله مسبة له، لماذا؟ لأن هذا معناه أن الله يحتاج إلى من
يسأله وينبهه أو يجعله عاطفا على عباده، والله جل وعلا علام الغيوب بسمعهم ويرى
مكانهم، وليس بينهم وبينه حجاب حتى يطلب من يكون وساطة يتوسط، ولهذا صار هذا تنقص،
لأنه ما قاموا بالشيء الذي يجب أن يقوموا به، وليس بين العبد وبين ربه حجاب
ووساطة، يطلب منه أينما كان، الله معه يسمع كلامه ويراه ويعلم حاله، وإذا جعل
وساطة فهو تنقص لله جل وعلا، فالمقصود أن شركهم هذا أصله، إما أنهم يزعمون أن مثلا
اللات والعزى ومناة وغيرها من معبوداتهم أو مثلا الرجل الصالح أو الملك أو الكواكب
أو الشمس أو القمر، أنها أوجدت شيئا من المخلوقات، أو أنها تحيي أو تميت، أو أنها
تدبر مع الله، أو أنها تنزل المطر أو تنبت
نبات، فهذا لا وجود له ولا أحد يعتقده، وإنما يطلبون بها ويسألون الله بها، وهذا هو
الشرك، ولهذا يقول الله جل وعلا:
{قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم
عابدون ما أعبد
}، فدلت الآية على أن الإنسان إذا عبد
الله وعبد معه غيره، أنه لا يعبد الله، وإنما يعبد ذلك الغير، والله لا يقبل
الاشتراك، إن عبده وعبد معه شيء، فإن الله يرد عبادته ولا يقبلها، فهو لا يقبل من
العمل إلا ما كان له خالصا، ولا يوجد من يعبد الأصنام فقط، ما وجد مثل هذا، وإنما
هؤلاء يزعمون أن المعبودات أنها مقربة، بس كيف تقول الشجر والحجارة مقربة؟ يقولون:
أنها أقل شيء أنها ليست لها ذنوب، وإذ لم يكن لها ذنوب فنطلب منها أن تتوسط لنا،
فإذا كان مثلا يعلمون هذا أنها لا تستقل بشيء، وإنما هي وسائط وسطاء، فطلبوا منها،
يكون ذلك هو الذي يحول بينه وبين فضل الله جل وعلا الذي يعطيه المخلص، ويجعلهم
معذبين في جهنم، ومعرضين لعقابه في الدنيا، دل على أن الإنسان لا يتخلص من عذاب
الله إلا بإخلاص الدعاء له والعبادة مطلقا، وهذا أمر واضح، ولهذا كثر ذكر الشفاعة
في القرآن وإبطالها، قال جل وعلا:
{قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال
ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير، ولا تنفع
الشفاعة عنده إلا لمن أذن له
}، من يذكر
الأمور المقدرة في الآية؟ هي أمور أربعة، من يذكرها نعم؟ وأيش معنى هذا استقال
ولا؟ مثقال ذرة، الذر هو الشيء، شيء ولا النملة الصغيرة؟ النملة الصغيرة يسمونها
ذرة، هي هذه ولا الجزء الصغير مر بنا أصغر شيء، سواء كان هذه أو هذه ، وإذا ملكها
الإنسان هل تنفع، طيب هذا واحد، والثاني: قبلها، ما لهم فيهما، الأمر يعود على
أيش؟ ما لهم فيهما من شرك، يعني لا يملكون استقالا ولا يملكون الاشتراك فيها أيش
بقي؟ المعاونة والمساعدة في قوله: ايش بقي؟ بقي الرابع الشفاعة، فنفيت بقوله:
{ولا تنفع
الشفاعة عنده إلا لمن أذن له
}، طيب سؤال
ثاني: ما الذي يفهم من قوله:
{ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}؟ وكله الله ايش لونه وكله الله؟ أن يشفع ايش هذا ما هو الإذن؟ أنا آذن لك أن تقف ساعة؟ ايش
يقول لك؟ يقول اركب السيارة، إذاً الإذن أن يقول: اركب كذا ولا لا؟ هذا هو الإذن،
يعني الإذن هو بأن يقول اشفع، هذا يسمونه أنه لابد أن يأمر الشافع أن يشفع، فيه
شرط ثاني، وقوع الشفاعة هل لوقوع الشفاعة شرط آخر؟ الإذن هذا عرفناه أنه يأذن
للشافع، والمشفوع، طيب هذا الأمر الثاني: أن يكون المشفوع له أن يرضى الله عنه،
طيب، الرسالة هذه كلها جوابا لقوله: ما هي العبادة؟ لأنه سئل عن معنى قول الله جل
وعلا:
{يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}، فعرف العبادة أولا قال: العبادة هي آخره، كل ما يحبه الله
تعالى ويرضاه، فالله يحب، كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة
والباطنة، هذا معناه أن الله يحب ويرضى، فإذا كان يحب ويرضى، أيش يقابل هذا أو
يفهم منه هذا؟ يبغض ويكره، وقال: من الأقوال والأعمال، الأقوال ظاهرة والأعمال
ظاهرة، ولكن الظاهرة والباطنة، يعني أعمال القلوب وأعمال الجوارح، والله أعلم وصلى
الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:40 am

شرح


رسالة العبودية


المجلس
الثاني















لفضيلة
الشيخ



عبد الله الغنيمان


-حفظه
الله-













 شرح رسالة العبودية C:%5CDOCUME%7E1%5CPCUSER%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsohtmlclip1%5C01%5Cclip_image002


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه
والتابعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.



قال المصنف رحمه الله تعالى في رسالة العبودية: [فجنس الْمحبَّة يكون لله وَلِرَسُولِهِ كالطاعة فَإِن
الطَّاعَة لله وَلِرَسُولِهِ والإرضاء لله وَلِرَسُولِهِ
{وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه} [62
التَّوْبَة]
والإيتاء لله
وَلِرَسُولِهِ
{وَلَو أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم
الله وَرَسُوله
} [59 التَّوْبَة] .


وَأما الْعِبَادَة وَمَا يُنَاسِبهَا من
التَّوَكُّل وَالْخَوْف وَنَحْو ذَلِك فَلَا تكون إِلَّا لله وَحده كَمَا قَالَ
تَعَالَى [64 آل عمرَان] :
{قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء
بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا
يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا
بِأَنا مُسلمُونَ
} .


وَقَالَ تَعَالَى [59 التَّوْبَة] : {وَلَو
أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله وَقَالُوا حَسبنَا الله سيؤتينا الله من
فَضله وَرَسُوله إِنَّا إِلَى الله راغبون
} فالإيتاء لله وَلِلرَّسُولِ كَقَوْلِه [7 الْحَشْر] : {وَمَا
آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا
} وَأما الْحسب وَهُوَ الْكَافِي فَهُوَ الله وَحده كَمَا
قَالَ تَعَالَى [173 آل عمرَان] :
{الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد
جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم
الْوَكِيل
} وَقَالَ تَعَالَى [64 الْأَنْفَال] : {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من
الْمُؤمنِينَ
} أَي حَسبك وَحسب من اتبعك من الْمُؤمنِينَ الله وَمن ظن أَن الْمَعْنى حَسبك
الله والمؤمنون مَعَه فقد غلط غَلطا فَاحِشا كَمَا قد بسطناه فِي غير هَذَا
الْمَوْضُوع وَقَالَ تَعَالَى [36 الزمر] :
{أَلَيْسَ الله بكاف عَبده}.


وتحرير ذَلِك أَن العَبْد يُرَاد بِهِ
المعبّد الَّذِي عبّده الله فذلّله ودبّره وصرّفه.



وَبِهَذَا الِاعْتِبَار فالمخلوقون كلهم عباد الله الْأَبْرَار مِنْهُم
والفجار والمؤمنون وَالْكفَّار وَأهل الْجنَّة وَأهل النَّار إِذْ هُوَ رَبهم كلهم ومليكهم لَا يخرجُون عَن مَشِيئَته
وَقدرته وكلماته التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر؛ فَمَا شَاءَ كَانَ
وَإِن لم يشاءوا. وَمَا شَاءُوا إِن لم يشأه لم يكن كَمَا قَالَ تَعَالَى [83 آل عمرَان] :
{أفغير دين الله يَبْغُونَ وَله أسلم من فِي
السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها وَإِلَيْهِ يرجعُونَ
} . فَهُوَ
سُبْحَانَهُ رب الْعَالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم ومقلب قُلُوبهم ومصرف
أُمُورهم لَا رب لَهُم غَيره وَلَا مَالك لَهُم سواهُ وَلَا خَالق لَهُم إِلَّا
هُوَ سَوَاء اعْتَرَفُوا بذلك أَو أنكروه وَسَوَاء علمُوا ذَلِك أَو جهلوه؛ لَكِن
أهل الْإِيمَان مِنْهُم عرفُوا ذَلِك وآمنوا بِهِ؛ بِخِلَاف من كَانَ جَاهِلا
بذلك؛ أَو جاحدا لَهُ مستكبرا على ربه لَا يقر وَلَا يخضع لَهُ؛ مَعَ علمه بِأَن
الله ربه وخالقه. فالمعرفة بِالْحَقِّ إِذا كَانَت مَعَ الاستكبار عَن قبُوله
والجحد لَهُ كَانَ عذَابا على صَاحبه كَمَا قَالَ تَعَالَى [14 النَّمْل] :
{وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا
فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين
} وَقَالَ تَعَالَى [146 الْبَقَرَة] : {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا
يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم وَإِن فريقا مِنْهُم ليكتمون الْحق وهم يعلمُونَ
} وَقَالَ تَعَالَى [33 الْأَنْعَام] : {قد نعلم إِنَّه ليحزنك الَّذِي يَقُولُونَ
فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون
}] .


الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وصلى
الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى
يوم الدين وبعد.



قوله: فجنس المحبة تكون لله ورسوله كالطاعة، فإن الطاعة كذلك تكون لله
ولرسوله، وكذلك الإرضاء يكون لله ولرسوله، قصده أن هذا يأتي مجموعا، المحبة
والطاعة والإرضاء وليس المقصود أن المحبة التي تكون لله هي التي تكون للرسول أو
يكون جنسها للرسول، وسبق أن قلت لكم: أن المحبة تنقسم إلى قسمين: محبة تسمى المحبة
الخاصة، وهي التي تتضمن الذل والتعظيم، فهذه من خصائص الله، لا يجوز أن تكون لرسول
ولا لغيره من البشر من الخلق، لأنها هي العبادة، أما مطلق المحبة فيجب أن تكون لله
ولرسوله، والله يجب أن يحب ولكن محبته غير محبة الرسول
r، فإن محبة الله محبة ذل وخضوع
وعبادة، أما محبة ا لرسول فهي محبة لله وفي الله، فهي تابعة لمحبة الله وبها يكمل
إيمان المرء، لهذا يقول جل وعلا:
{قل إن
كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
}، وكذلك الطاعة يجب أن يطاع الله ويطاع
الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله، ومثل ذلك الإرضاء، يجب أن نرضي ربنا ونرضي
رسولنا
r، ولكن إذا أضيفت الصفة أو الفعل إلى الله يجب أن يكون خاصا به،
ولا يكون حقه كحق المخلوق، فحقه خاص به جل وعلا، فهو العبادة، والعبادة لا يجوز أن
تصدر من العبد إلا لربه تعالى وتقدس، والطاعة كأنها سواء لأن الذي يطيع الرسول
يطيع الله، لأن أمر الرسول هو أمر لله جل وعلا، وهذا معنى قوله: إنها جنس، أن جنس
ذلك يكون لله ولرسوله، أما العبادة إذا جاءت العبادة والتوكل والخوف والرجاء
والإنابة والتوبة وما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز أن يشرك فيه أحد مع الله، ولا يجوز
أن تقول: توكلت على فلان، كما أنه لا يجوز لك أن تقول: صليت فلان أو صلي لفلان،
لأن التوكل عبادة يجب أن تخلص لله جل وعلا، وهذا قد يقع من بعض الناس يقول: توكلت
عليك في كذا وكذا، وهذا خطأ يجب أن ينزه العبد لسانه منه وإن كان لا يقصد بقلبه
ذلك، ويجب أن يفرق بين ما لله وما لعباده، أما الرسول من ناحية الطاعة ومن ناحية
الأمر ومن ناحية الرضا، فالذي يطيع الرسول يطيع الله، لأن الرسول لا يأمر إلا بأمر
الله، ولا تكون طاعته خارجة عن ذلك، ولهذا صارت طاعته طاعة لله، كما قال جل وعلا:
{ومن يطع الرسول فقد أطاع الله}، لأنه كما قال
الله جل وعلا:
{لا ينطق عن الهوى}، فالعبادة منها
الطاعة، ولهذا تفسر العبادة بالطاعة، امتثال الطاعة على وجه الخوف والذل، ولكن إذا
كانت للرسول
r فهي لا تخرج عن طاعة الله جل وعلا، وقوله جل وعلا: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا
وبينكم
}، يعني نستوي بها نحن وأنتم، وهي ألا نعبد إلا الله، فالعبادة بالنسبة للخلق
كلهم يجب أن تكون لله، وكلهم فيها سواء، ومعنى سواء أنهم كلهم يعبدون الله، ولا
يجوز أن يجعلوا شيئا منها لمخلوق، وليس معنى أنهم سواء أنهم يستوون في درجة العبادة،
فهم يختلفون اختلاف كبير جدا في هذا، ولكن معناه أن العبادة يجب أن تصدر منهم لله
وحده، ولهذا قال:
{ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به
شيئا
}، فهذا الذي يلزم العباد، يلزمهم أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا، وهم
في هذا كلهم سواء، لأن الأمر شملهم جميعا، ويجب أن تكون عبادتهم لله وحده، فلا
يكون بعضهم عبيدا لبعض، ولهذا قال:
{ولا يتخذ
بعضنا بعضا أربابا من دون الله
}، أربابا من دون الله هنا يعني هذه الكلمة
أربابا من دون الله، قد يتعلق بها أهل الباطل، يقولون: أنتم تقولون: أن التوحيد
ينقسم إلى قسمين، توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية، وهنا عبر عن توحيد الإلهية
بالربوبية مما يدل على بطلان قولكم، هكذا يقولون، كما يقول الدجوي في رسائله وكتبه
التي يرد بها الحق، وهي في الواقع لها نصيب من اسمه، من الدجى الذي هو الظلام، وهي
مظلمة لأنها دعوة إلى الشرك، لكن هذا يأتي من الألفاظ التي تتعاقب، ومعنى تتعاقب
أن كل واحد منهما إذا جاء مفردا يدخل فيه الآخر، مثل التقوى والبر و الإيمان
والإسلام، والفقير والمسكين وما أشبه ذلك، وهي كثيرة في اللغة، فهذه إذا اجتمعت
افترقت، يعني افترق المعنى، وإذا تفرقت اجتمعت، يعني إذا جاء أحد هذه الألفاظ وحده
دخل فيه المعنى الآخر، أما إذا جاءت مجتمعة فلكل واحد معنى، كما فسر الرسول
r الإسلام بشيء والإيمان بشيء لما
جاءت مجتمعة، وكذلك ما قال الله
U: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}، صار المساكين غير
الفقراء في هذا لأنها اجتمعت، ولهذا فسر العلماء الفقراء بأنهم هم الذين لا يجدون
الشيء من الكفاية، وأما المساكين الذين يجدون بعض الكفاية ولا يجدونها كلها،
ككفاية نصف السنة مثلا وما أشبه ذلك، بدليل أن الله جل وعلا أخبر في قصة موسى مع
صاحبه الذي هو الخضر أن المساكين لهم سفينة،
{أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر}، فمساكين وعندهم
سفينة، فدل على أن الفقير أشد حاجة من المسكين، وغير هذا، المقصود أن هذا من
الألفاظ التي إذا جاءت مجتمعة فكل واحد منها تفسير ومعنى، ومثلها الإله والرب،
الله والرب، ولهذا جاء في الحديث أن الإنسان إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وهو
يسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فأجلساه وسألاه يقولان له: من ربك وما دينك وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فمعنى
من ربك هنا من الذي تعبده؟ من هو إلهك الذي تعبده؟ وهذا كثير يأتي، فلا يشكل علينا
مثل هذا أو يشبه علينا مشبه في مثل هذه الألفاظ، فقوله:
{ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا}، لأن الرب هو الذي
يستحق الطاعة والعبادة وأن يكون هو الآمر الناهي، وهو الذي يشرع، وهو الذي له
الحكم، أما إذا نازعه منازع في الحكم في التشريع، فمعنى ذلك أن هذا صار شريكا لله
جل وعلا، تعالى الله وتقدس عن ذلك:
{فإن
تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون
}، يعني ادعوهم إلى هذه الكلمة، فإن أبوا
فأشهدوهم على أنكم مستسلمون لله منقادون له مخالفون لهم في نهجهم وفي دعواهم، قوله
جل وعلا:
{ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله
ورسوله
}، فجعل الإيتاء لله وللرسول، ومعلوم أن إيتاء الله غير إيتاء الرسول، {قالوا حسبنا الله سيؤتينا الله ورسوله من فضله}، فجعل الحسب خاص
لله، قالوا: حسبنا الله، هل جاء حسبنا الله وحسبنا الرسول؟ حسبنا الله وحده، لأن
الحسيب هو الكافي، والكافي هو الله جل وعلا، أما الإيتاء فيصح أن يكون أيضا من
الرسول، وكل واحد له إيتاء يخصه، فإيتاء الرسول وإيتاء المخلوق هو سبب، وإلا فالحقيقة
أن الإيتاء من الله، ولهذا كان
r يقول: «أنا
قاسم ولست معطي»
، فالمعطي هو الله وإنما أقسم، يعني يقسم الشيء الذي أتاني
من الله، لهذا يقول جل وعلا:
{وأنفقوا
مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت
}، فهذا من فضل الله، يرزقنا ربنا ثم
يأمرنا أن ننفق من رزقه الذي رزقنا فيثيبنا على هذا، هل يوجد مخلوق بهذه الصفة
يعطيك العطا ثم يقول لك: تصدق منه حتى أثيبك على ذلك؟ فهذا فضل الله جل وعلا، ولكن
الإيتاء يصح أن يكون من الله ومن الرسول، وأما الحسب فيجب أن يكون لله وحده، لأن
الحسب هو الكافي وهو معنى التوكل،
{وما
آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
}، الآية تدل على العموم، آتاكم سواء كان
من أمر الله ودينه وشرعه، أو كان شيء من أمور الدنيا، أعطانا إياه يجب علينا أن
نأخذه، لأنه لا يكون إلا حبا، ولهذا أنكر
r على الذي لما أعطاه قال: أعطه
غيري قال: «لا، إلا جاءك شيء من هذا المال غير مستشرف
له فخذه»
، تموله وإلا فاصنع به ما تشاء، وأما الحسب وهو الكافي فهو الله
وحده جل وعلا، كما قال تعالى:
{الذين
قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله
ونعم الوكيل
}، والمعروف أن الآية هذه نزلت في قصة أحد، لما صار الكفار صاروا في فريق
تلاوموا فيما بينهم قالوا: أنهكنا شوكة القوم ولم نجهز عليهم ولم نأت المدينة
فنسبي النساء ونأخذ الأموال، فلنرجع، فلقيهم من لقيهم، فأتوهم وكان أميرهم كما هو
معروف أنه أبو سفيان فقال: بلغ محمدا أننا رجعنا الكرة إليهم لنستأصلهم ونأخذ أموالهم
ونسبي نسائهم، فلما بلغهم هذا الأمر قال الرسول
r: «قولوا
حسبنا الله ونعم الوكيل»
، فقالوها: حسبنا
الله ونعم الوكيل، ولهذا يقول ابن عباس
t: هذه الكلمة قالها الخليلان في
أشد المواقف وأحرجها، إبراهيم قالها لما ألقي في النار فأنجاه الله جل وعلا منها،
ومحمد
r قالها حينما قال له الناس: إننا راجعون إليكم وقاتلون بقيتكم
وآخذين أموالكم، فكفاهم الله جل وعلا ذلك، ثم ندبهم صلى الله عليه وسلم إلى الذهاب
إلى القوم والمسير خلفهم وقال: «لا يخرج إلا من حضر
الوقعة»
، خرجوا على ما فيهم من الجراحات وما فيهم، فألقى الله جل وعلا
الرعب في قلوب الكفار وهربوا، لهذا قال:
{فانقلبوا
بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء
}، فهو نصر الله إذا انقاد العبد لربه جل و
علا وأطاعه وتوكل عليه كفاه، وقال جل وعلا:
{يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك}، يعني وحسب
أتباعك، وأنكر الشيخ رحمه الله على من يقول: إن المعنى حسبك الله وحسبك أتباعك،
فإن هذا منكر لأن هذا من الشرك، فالحسب يجب أن يكون لله وحده، فلا يكون لا للرسول
ولا لملك ولا لغيره، وإنما هو لله جل وعلا، فهذا من الخصائص التي يجب أن يخص بها
رب العالمين، فهو كما قال الله
U: {أليس الله بكاف عبده}، قل: بلى هو
الكافي جل وعلا وحده، ثم قال: وتحرير ذلك أن العبد يراد به العبد المعبد المذلل
المسخر الذي تجري عليه أقدار الله جل وعلا، فهذا لا يمكن أن يخرج عنه أحد، المؤمن
والكافر والبر والفاجر، أهل الجنة وأهل النار، كلهم عبيد مذللون مقهورون تجري
عليهم أحكام الله جل وعلا وأقداره راغبين أو أنهم راغمين، فلابد فمن كان مثلا يرضى
ويصبر فله الأجر، ومن كان يأبى ويتسخط فله السخط
وعليه الوزر، لأن الخلق كلهم عبيد الله يتصرف فيهم كيف يشاء جل وعلا، أما
إذا كان العبد بمعنى عابد فهذا الذي ينفع، فإذاً العبد يكون عبد بمعنى معبد مذلل،
ويكون عبد بمعنى عابد خاضع ذال، يعني يجري الفعل منه وليس من الله، فإذا كان من
الله فهذا يكون عاما على كل أحد، أما إذا كان معنى العبد أنه هو عبد وذل وخضع،
وهذا لابد أن يكون بامتثال الأمر الذي جاء به الرسول، فهذا هو الذي ينفع وهو الذي
يكون مطيعا لله جل وعلا ويكون ناجيا، وهذا الفرق يقال: لأن بعض الناس الذي ضلوا في
هذا مثل فريق من أهل التصوف وغيرهم، زعموا أن الإنسان ما يخرج عن طاعة الله، من
خرج عن طاعة الأمر فهو داخل في طاعة القدر، ولهذا يقول أحدهم: أصبحت منفعلا لما
يراد بي ففعلي كله طاعات، وهذا مذهب أصحاب الوحدة أو الاتحاد، وهؤلاء أشر الناس
نسأل الله العافية، وإن زعموا أنهم من العارفين، فالوحدة هي وحدة الوجود، والاتحاد
زعموا أن الخالق اتحد مع المخلوق، كما تقول النصارى: حل اللاهوت بالناسوت، فهؤلاء
دينهم شبيه بدين النصارى، فيزعمون أن الله في كل مكان، تعالى الله وتقدس، ثم
يقولون: إننا لا نخرج عن الطاعة، حتى قال من يزعمون أنهم عارفهم وسيدهم ومقدمهم
لما أنكر عليه هذا قال له رجل: قولك هذا يدل على أنه لا فرق بين الخمر والماء،
قال: وهو كذلك، ولكن هؤلاء المحجوبون لما قالوا: هذا حرام، قلنا: عليكم، أما نحن
فليس هناك شيء علينا حرام، لأننا وصلنا إلى الحقيقة وعرفنا حقائق الأمور، فقال له:
إذاً ما الفرق بين الزوجة والأم؟ قال: لا فرق، ألحد نسأل الله العافية، فهو ضلال
منتهي الشيطان ما وصل إلى هذا الضلال، وهذا من عجائب بني آدم، فإن ابن آدم من أعجب
الأشياء، أفكاره وسلوكاته وقد يكون مثلا في مصاف الملائكة، وقد يكون الشيطان يقصر
عن عمله، ما يستطيع أن يصل إلى ما وصل إليه، يعني يأتي بدقائق كفر ما استطاع
الشيطان أن يعرفها، فهو من أعجب المخلوقات، ولهذا يقول الله
U: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل
سافلين
}، ليس معنى أسفل سافلين أنه يرد في جهنم فقط، وجهنم هي أسفل سافلين، ولكن حتى
في أخلاقه وفي سلوكاته، يكون أسوأ من الكلاب، الكلاب والحيوانات تكون خيرا منه،
فإذا هداه الله جل وعلا وتولاه، فإنه يكون من أفضل المخلوقات، وإلا صار شر
المخلوقات، ولهذا جعلت له النار، نسأل الله العافية، التي هي شر قرار نسأل الله
العافية، فهو سبحانه جل وعلا رب العالمين وخالقهم، وهو إلههم ومعبودهم جل وعلا،
والمعرفة يجب أن تكون بالوحي، والتفريق يجب أن يكون بالوحي، والعبادة يجب أن تكون
بالوحي، فيجب أن يكون الوحي هو الذي يسترشد به، ويستدل به، لا العقل ولا السلوك
ولا المناهج التي يكون لها أرباب ولها قواعد تقعد لبعض الناس، فإذا اعترف العبد أن
الله ربه وخالقه، وأنه أيضا إلهه ومعبوده، يكون قد سلك الطريق الذي خلق له، وسلك
طريق السعادة، فالعبودية هي حاله، وهو لا يخرج عن العبودية، لا يمكن أن يقول: أنا
حر لا تجري علي عبودية، هذا مستحيل، ولكن إذا خرج عن عبودية الله دخل في عبودية
المخلوق الذي هو نظيرة ولابد، إما أن يكون عبدا لشهواته عبدا لبطنه وفرجه، أو يكون
عبدا لرئيسه، أو قد يكون عبدا للعبته التي يلعبها، ويذهب عمره فيها بدون طاعة،
فلابد أن يكون عبد، ثم النتائج تختلف، ولهذا في صحيح البخاري عن أبي هريرة
t قال: سمعت رسول الله r يقول: «تعس
عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميلة والخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا
انتقش»
، فسماه عبدا للدينار والدرهم، وعبدا للملبوس والموطوء الذي يوطأ
بالقدم، وبين أن معنى عبوديته لذلك بقوله: «إن أعطي رضي
وإن منع سخط»
، يعني أنه يعمل لهذه الأشياء، وليس المعنى أنه يسجد للدينار
ويصلي، أو الدرهم أو الخميلة والخميصة، ولكنه يعمل من أجلها، عمله لأجله، لا يعمل
لله جل وعلا، ولهذا صار عبدا له، فالمقصود أن الإنسان لا يخرج عن العبودية، ولكن
من عدل الله جل وعلا أن العبد إذا خرج عن عبوديته جعله عبدا لنظيره، لمن هو مثل أو
أحقر منه، والله جل وعلا يقول:
{أفرأيت
من اتخذ إلهه هواه
}، فالهوى يكون إله مألوه للإنسان، إذا اشتهى شيء فعله سواء يكون موافقا للحق
أو مخالفا لا يبالي، وهذا الذي يزعم أنه حر، وفي الحقيقة ليس حرا، بل هو مكبل
بالقيود، وسوف يرجع إلى ربه جل وعلا، ثم يحاسبه ويجزيه بعمله، وقوله: فإن المشركين
كانوا يقرون أن الله خالقهم ورازقهم، هذا تقدم أنهم إذا سؤلوا من الذي خلقهم؟
قالوا: الله، وقوله جل وعلا في هذا في آيات عدة، أنهم إذا سؤلوا عن المخلوقات
يقرون بأن الله هو الذي خلقها وهو المتفرد بها نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَمثل هَذِه
الْعُبُودِيَّة لَا تفرق بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار وَلَا يصير بهَا الرجل
مُؤمنا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى [160 يُوسُف]
:
{وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم
مشركون
} فَإِن الْمُشْركين كَانُوا يقرونَ أَن الله خالقهم ورازقهم وهم يعْبدُونَ
غَيره قَالَ تَعَالَى [25 لُقْمَان] :
{وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات
وَالْأَرْض ليَقُولن الله
} وَقَالَ تَعَالَى [84-89 الْمُؤْمِنُونَ] {قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا إِن كُنْتُم تعلمُونَ
* سيقولون لله قل أَفلا تذكرُونَ * قل من رب السَّمَاوَات السَّبع وَرب الْعَرْش
الْعَظِيم * سيقولون لله قل أَفلا تَتَّقُون * قل من بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء
وَهُوَ يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ إِن كُنْتُم تعلمُونَ * سيقولون لله قل فَأنى
تسحرون
} .


وَكثير مِمَّن يتَكَلَّم فِي الْحَقِيقَة فيشهدها لَا يشْهد إِلَّا هَذِه
الْحَقِيقَة وَهِي الْحَقِيقَة الكونية الَّتِي يشْتَرك فِيهَا وَفِي شهودها وَفِي
مَعْرفَتهَا الْمُؤمن وَالْكَافِر وَالْبر والفاجر بل وإبليس معترف بِهَذِهِ
الْحَقِيقَة وَأهل النَّار].



الشيخ: المقصود بالحقيقة هنا الوصول إلى حقيقة هذا الأمر بالنظر والعلم، ثم
تطبيقها أن يطبقها كذلك، يطبقها بالعمل بالفعل، هذه لا تجعل الإنسان مسلما، فضلا
أن تكون توصله إلى مصاف العارفين بالله جل وعلا و أهل المقامات، لأن الكفار كلهم
فيما ذكر الله جل وعلا في دعوة الرسل يقرون بها، يعترفون أن الله هو ربهم الخالق
لهم، والرازق والذي خلق السماء وخلق الأرض وهو الذي ينبت النبات وغيره، أما الشذاذ
من بني آدم كالطغاة الكبار مثل النمرود ومثل فرعون فهم ينكرون هذا، ولكنهم في
قرارة أنفسهم معترفون به، ولهذا لما أدرك فرعون الغرق الذي يقول: أنا ربكم الأعلى،
ما علمت لكم من إله غيري، لما أدركه الغرق قال:
{آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل
وأنا من المسلمين
}، فقيل له: الآن، الآن لا يفيد لأنك الآن وقعت في الموت، إذا وقع الموت ما
يفيد الرجوع والتوبة، إذا تحقق الموت فلا يفيده ذلك، كذلك النمرود الذي قال له
إبراهيم: ربي الله الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت، وهذه من المغالطات، يعني
آمر بهذا فيقتل وأعفوا عن هذا، فهذا عنده الحياة والموت، لذلك لما رأى إبراهيم
عليه السلام أن هذه مغالطة عدل عن هذا إلى شيء لا يستطيع أن يغالط فيه، فقال: إن
الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب، فبهت الذي كفر، فهذه أيضا دليل
على عجزه وعلى أنه مقهور مسخر، فباءت دعوته بالفشل وتبين كذبه في ذلك، فالمقصود أن
هذا أمر أجمع عليه أهل الأرض، أن الشاب الذي ينكره مثل هؤلاء فلا عبرة فيه، لأنه
إنكار للواقع، ومعلوم أن كثيرا من الناس رعاء يتبعون كل ناعق، ولاسيما إذا كان
عنده قوة، لهذا لما قال لهم فرعون: أنا ربكم الأعلى، اتبعوه، ولما قال لوزيره:
{أوقد لي يا هامان على النار وابني لي صرحا لعلي
أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا
}، لأن موسى عليه
السلام أخبره أن الله في السماء، هل يمكن أن يكون عاقل عنده شيء من العقل ما هو
العقل الكامل، يصدق أن رجل يبني بناء ثم يصل إلى السماء بهذا البناء، لولا
المعالطات وقلب الحقائق وجعل الباطل بمنزلة الحق، ثم يصدق، والناس في هذا يدركون
هذه الأمور يعرفونها، يقولون: أنه كان فيه رجل كان فقيرا، كان له أصحاب، فيقولون:
يجتمعون على أكل، فاعتذر مرة لأنه ما وجد أكل فاعتذر لهم، قال: الأكل الذي أردت أن
آتي به أكله الفأر، قالوا: تكلموا عليه وزجروه كذاب الفأر ما يأكله، فقدر أنه
اغتنى صاروا يقدرونه فصار يوم أراد أنه يبين لهم أن أفعالهم أنها حسب أهواءهم،
فقال: أنا عندي حديدة كبيرة أكلها الفأر، قالوا: يمكن الفأر يأكلها، قال: يمكن لما
صار عندي المال، أما قبل فلما قلت لكم: الطعام أكله الفأر قلتم لا كذاب، والآن صار
ممكن، فالمقصود أن طبيعة الناس هكذا، يتبعون القوي، يتبعون الذي يكون له سلطة
عليهم وما أشبه ذلك، وإن كانوا في قرارة أنفسهم لا يصدقون ذلك، نعم.



يعني يقول: حتى إبليس يعترف بالربوبية لأنه قال: {رب فأنظرني إلى يوم يبعثون}، يعني يطلب من
ربه، إبليس كان عارفا بهذا، ولهذا يقول العلماء: إن إبليس هو أعرف من بعض الناس
بربه جل وعلا، ويقول:
{رب بما
أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين
}، غير أنه نسب
الإغواء إلى ربه جل وعلا، والواقع أنه هو الذي غوي هو الذي اختار الضلال، لأن الله
لما أمره بالسجود يستطيع السجود، ولكن أبى، لهذا سجدت الملائكة وهو أبى، لما سأله
ربه لماذا لم تسجد كما سجدت الملائكة؟ قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من
طين، يعني المفروض أن الأمر هذا ينعكس أنه هو يسجد لي، فهو اعتراض على الله فهو
جعل نفسه كأنه يحكم على ربه جل وعلا تعالى الله
وتقدس، ولهذا باء بالخزي وإرادة الله جل وعلا إذا أراد أن يمنع ا لهدى عن
أحد، فلا ينفع العلم، العلم لا ينفع، نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [قَالَ إِبْلِيس [36
الْحجر، 97 ص]
:
{رب فأنظرني إِلَى يَوْم يبعثون} و [39 الْحجر] : {قَالَ رب
بِمَا أغويتني لأزينن لَهُم فِي الأَرْض ولأغوينهم أَجْمَعِينَ
} وَقَالَ [82 ص].


الشيخ: هذا قسم منه، يقسم بأنه سوف يزين لهم في الأرض ويغويهم أجمعين، وهو مثل
قوله:
{لأحتنكن ذريته}، يعني أجعلهم تحت
حنكي أتصرف فيهم، وقال الله جل وعلا:
{ولقد صدق
عليهم إبليس ظنه
}، ظنه الذي ظن صدق به، فأكثرهم أطاعوه
واتبعوه،نعم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:42 am

فضلا أن تكون توصله إلى مصاف
العارفين بالله جل وعلا و أهل المقامات، لأن الكفار كلهم فيما ذكر الله جل وعلا في
دعوة الرسل يقرون بها، يعترفون أن الله هو ربهم الخالق لهم، والرازق والذي خلق
السماء وخلق الأرض وهو الذي ينبت النبات وغيره، أما الشذاذ من بني آدم كالطغاة
الكبار مثل النمرود ومثل فرعون فهم ينكرون هذا، ولكنهم في قرارة أنفسهم معترفون
به، ولهذا لما أدرك فرعون الغرق الذي يقول: أنا ربكم الأعلى، ما علمت لكم من إله
غيري، لما أدركه الغرق قال:
{آمنت أنه
لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين
}، فقيل له: الآن، الآن لا يفيد لأنك الآن وقعت في الموت،
إذا وقع الموت ما يفيد الرجوع والتوبة، إذا تحقق الموت فلا يفيده ذلك، كذلك النمرود
الذي قال له إبراهيم: ربي الله الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت، وهذه من
المغالطات، يعني آمر بهذا فيقتل وأعفوا عن هذا، فهذا عنده الحياة والموت، لذلك لما
رأى إبراهيم عليه السلام أن هذه مغالطة عدل عن هذا إلى شيء لا يستطيع أن يغالط
فيه، فقال: إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب، فبهت الذي كفر،
فهذه أيضا دليل على عجزه وعلى أنه مقهور مسخر، فباءت دعوته بالفشل وتبين كذبه في
ذلك، فالمقصود أن هذا أمر أجمع عليه أهل الأرض، أن الشاب الذي ينكره مثل هؤلاء فلا
عبرة فيه، لأنه إنكار للواقع، ومعلوم أن كثيرا من الناس رعاء يتبعون كل ناعق،
ولاسيما إذا كان عنده قوة، لهذا لما قال لهم فرعون: أنا ربكم الأعلى، اتبعوه، ولما
قال لوزيره:
{أوقد لي يا هامان على النار
وابني لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه
كاذبا
}، لأن موسى عليه السلام أخبره
أن الله في السماء، هل يمكن أن يكون عاقل عنده شيء من العقل ما هو العقل الكامل،
يصدق أن رجل يبني بناء ثم يصل إلى السماء بهذا البناء، لولا المعالطات وقلب
الحقائق وجعل الباطل بمنزلة الحق، ثم يصدق، والناس في هذا يدركون هذه الأمور
يعرفونها، يقولون: أنه كان فيه رجل كان فقيرا، كان له أصحاب، فيقولون: يجتمعون على
أكل، فاعتذر مرة لأنه ما وجد أكل فاعتذر لهم، قال: الأكل الذي أردت أن آتي به أكله
الفأر، قالوا: تكلموا عليه وزجروه كذاب الفأر ما يأكله، فقدر أنه اغتنى صاروا
يقدرونه فصار يوم أراد أنه يبين لهم أن أفعالهم أنها حسب أهواءهم، فقال: أنا عندي
حديدة كبيرة أكلها الفأر، قالوا: يمكن الفأر يأكلها، قال: يمكن لما صار عندي
المال، أما قبل فلما قلت لكم: الطعام أكله الفأر قلتم لا كذاب، والآن صار ممكن،
فالمقصود أن طبيعة الناس هكذا، يتبعون القوي، يتبعون الذي يكون له سلطة عليهم وما
أشبه ذلك، وإن كانوا في قرارة أنفسهم لا يصدقون ذلك، نعم.



يعني يقول: حتى إبليس يعترف
بالربوبية لأنه قال:
{رب
فأنظرني إلى يوم يبعثون
}،
يعني يطلب من ربه، إبليس كان عارفا بهذا، ولهذا يقول العلماء: إن إبليس هو أعرف من
بعض الناس بربه جل وعلا، ويقول:
{رب بما
أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين
}، غير أنه نسب الإغواء إلى ربه جل وعلا، والواقع أنه هو
الذي غوي هو الذي اختار الضلال، لأن الله لما أمره بالسجود يستطيع السجود، ولكن
أبى، لهذا سجدت الملائكة وهو أبى، لما سأله ربه لماذا لم تسجد كما سجدت الملائكة؟
قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، يعني المفروض أن الأمر هذا ينعكس
أنه هو يسجد لي، فهو اعتراض على الله فهو جعل نفسه كأنه يحكم على ربه جل وعلا
تعالى الله وتقدس، ولهذا باء بالخزي
وإرادة الله جل وعلا إذا أراد أن يمنع ا لهدى عن أحد، فلا ينفع العلم، العلم لا
ينفع، نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى:
[قَالَ إِبْلِيس [36 الْحجر، 97 ص] :
{رب فأنظرني إِلَى يَوْم يبعثون} و [39 الْحجر] : {قَالَ رب بِمَا أغويتني لأزينن لَهُم فِي الأَرْض
ولأغوينهم أَجْمَعِينَ
}
وَقَالَ [82 ص].



الشيخ: هذا قسم منه، يقسم
بأنه سوف يزين لهم في الأرض ويغويهم أجمعين، وهو مثل قوله:
{لأحتنكن ذريته}، يعني أجعلهم تحت حنكي أتصرف فيهم، وقال الله جل وعلا: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه}، ظنه الذي ظن صدق به، فأكثرهم أطاعوه واتبعوه،نعم.


القارئ: وقال: [وَقَالَ [62 الْإِسْرَاء] : {أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ لَئِن أخرتن
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لأحتنكن ذُريَّته إِلَّا قَلِيلا
}].


الشيخ: علم أن منهم من لا
يطيعه ويكون مؤمنا، ولا يكون له عليهم سلطان، وهم عباد الله الذي استثناهم، ولكن
هذا فضل من الله، وفضل الله جل وعلا يطلب منه، وله طرق وله أسباب، من ترك الأسباب
لم يتحصل على ذلك، أسبابها أولا: القبول عن الله جل وعلا، ثم الرغبة بما عند الله
جل وعلا بالدعاء والخضوع والذل، نعم.



القارئ: [وأمثال هَذَامن الْخطاب الَّذِي يقر فِيهِ بِأَن الله
ربه وخالقه وخالق غَيره وَكَذَلِكَ أهل النَّار]
.



الشيخ: يعني أن الربوبية لم
ينكرها أحد، الربوبية معناها معنى الرب هو
الخالق المتصرف، المدبر، هذا معنى الرب في اللغة، أما الله فمعناه ذو الإلوهية
والعبودية، على خلقه أجمعين كما قال ابن عباس، هذا قول ابن عباس الله ذو الإلوهية،
يعني صاحب الإلوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، يعني كلهم يجب أن يألهوه ويعبدوه،
ففرق بين الله وبين الرب، وفرق، والإله مأخوذ من الله، فالله أصله إله، أصل الله
كما يقول أهل اللغة إله، دخل عليه التصريف فصار الله، ثم فخموه أدخلوا عليه اللام
صار الله نعم.



القارئ: [{رَبنَا
غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ
}].


الشيخ: يعني أهل النار
يعترفون بذلك نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُم [30 الْأَنْعَام] : {وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على رَبهم قَالَ أَلَيْسَ
هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بلَى وربنا
}] .


الشيخ: هذا بالحق الإشارة إلى
أيش أليس هذا بالحق؟ الإشارة إلى ما هم فيه، فالحق في اللغة الشيء الثابت المستقر،
يعني هذا الذي جاءتكم به الرسل بأخباره فهو الحق الذي تشاهدونه، ولهذا قالوا: بلى وربنا هو الحق، ولكن لا تفيد
هذه الاعترافات نعم.



القارئ: [فَمن وقف عِنْد هَذِه الْحَقِيقَة وَعند شهودها وَلم يقم بِمَا
أَمر الله بِهِ من الْحَقِيقَة الدِّينِيَّة الَّتِي هِيَ عِبَادَته
الْمُتَعَلّقَة بإلوهيته وَطَاعَة أمره وَأمر رَسُوله كَانَ من جنس إِبْلِيس وَأهل
النَّارٍ]
.



الشيخ: الحقيقة يعني الحقيقة
الربوبية يعني حقيقة كون الأشياء كلها بتصريف الله جل و علا وتدبيره لخلقه وإيجاده
هذه حقيقة، ولكن الاعتراف بهذه والوصول إليها لا يجدي، مع أنه لابد منها، ولكن
لابد أن يضاف إليها أيضا المعرفة بالعبودية والإقرار بها، والعمل بها، نعم.



القارئ: [فَإِن ظن مَعَ ذَلِك أَنه من خَواص أَوْلِيَاء الله وَأهل
الْمعرفَة وَالتَّحْقِيق، الَّذين سقط عَنْهُم الْأَمر وَالنَّهْي الشرعيان، كَانَ
من أشر أهل الْكفْر والإلحاد]
.



الشيخ: لا يسقط الأمر والنهي
عن أحد من الناس ما دام عقله مستقر عنده، فالأوامر التي جاءت عن الله يجب أن تعمل
وأن يفعل ويجب أن تمتثل حسب الاستطاعة، هذا من فضل الله حسب الاستطاعة، لهذا يخطئ
كثير من المسلمين، يخطئون ويقعون في الخطأ أقصد بذلك المرضى الذين يقعون في المرض
ويعملون عمليات يقول: لا أصلي حتى أبرأ، فلا يصلي، يقول: أنا ما أستطيع أتوضأ ولا
أستطيع أقود ولا أستطيع أسجد، يجب عليك أن تصلي حسب استطاعتك، إذا ما تستطيع أن
تتوضأ تتيمم، وإذا ما تستطيع تتيمم تصلي حسب الاستطاعة، ولو بنيتك، فما دام العقل
موجود الصلاة لا تسقط بحال من الأحوال، فإذا غاب العقل فلا تكليف، نعم.



القارئ: [وَمن ظن أَن الخَضِرَ وَغَيره سقط عَنْهُم الْأَمر لمشاهدة
الْإِرَادَة وَنَحْو ذَلِك، كَانَ قَوْله هَذَا من شَرّ أَقْوَال الْكَافرين
بِاللَّه وَرَسُوله]
.



الشيخ: يقصد بهذا الذين
استدلوا بقصة الخضر على أنه غير مكلف، لأن الخضر خرب السفينة، شال منها لوح، وإذا
شيل اللوح دخلها الماء غرقت، وكذلك قتل صبيا، وجده يلعب مع الأطفال فقتله، وهذا
معناه يقول: أنه سقطت عنه التكاليف، وإلا ما يجوز قتل الصبي، وقالوا أنه أيضا بنى
الجدار الذي أراد أن ينقض، مع أنه أساءوا إليه أهل القرية، ولم يضيفوهم والضيافة
حق يجب أن تقدم لصاحبها، فإذا لم تقدم ضيافته فله أن يأخذ بقدر حقه من أمواله، ولو
لم يعلم ذلك، لأنه حق له، فهو عكس القضية، مما يدل يقولون: كل هذا يدل على أنه
سقطت عنه الأوامر، وهذا ضلال واضح، فقد فسر موسى عليه السلام أفعاله هذه أنها أمور
ما خرجت عن طاعة الله، يقول: ما فعلته عن أمري، وهذا يدل على أنه نبي، وأنه يوحى
إليه نعم.



القارئ: [كَانَ قَوْله هَذَا من شَرّ أَقْوَال الْكَافرين بِاللَّه وَرَسُوله،
حَتَّى يدْخل فِي النَّوْع الثَّانِي من معنى العَبْد، وَهُوَ العَبْد بِمَعْنى
العابد، فَيكون عابدا لله، لَا يعبد إِلَّا إِيَّاه، فيطيع أمره وَأمر رسله،
ويوالي أولياءه الْمُؤمنِينَ الْمُتَّقِينَ ويعادي أعداءه]
.



الشيخ: ومن هنا يتبين أن
التوحيد ينقسم إلى قسمين، توحيد عبادة وتوحيد ربوبية، فتوحيد العبادة توحيد الله
بفعل العبد، وفعل العبد يجب أن يكون بامتثال الأمر الذي جاء به الرسول، وتوحيد
الربوبية يكون بعبادة الله بأفعاله هو، الخلق والإيجاد والتصرف والإحياء والإماتة
أنه متفرد بهذا، وأنه لا يشاركه أحد، هذا توحيد أي أنه واحد في هذه، كما أنه يجب
أن يكون العبادة له وحده كله توحيد، ولابد أن يضاف إلى هذا توحيد الأسماء والصفات،
لأنها خاصة به لا يشاركه فيها أحد وهو واحد فيها، فهذه الأقسام الثلاثة أمر ضروري
والأدلة عليها واضحة، كما قال الله جل وعلا:
{قل أعوذ برب الناس ملك الناس}، رب الناس يدل على توحيد الربوبية، ملك الناس دليل على
توحيد الأسماء والصفات، لأنه قال:
{إله
الناس
}، والدليل على توحيد الإلهية
وهذا كثير في القرآن، ولكن هؤلاء الذين ينكرون هذا يريدون أن ينص على هذا الشيء،
يقول: توحيد الربوبية كذا وكذا، وهو واضح والصحابة ما يحتاجون إلى هذا، لأنهم أهل
اللغة ويعرفونه، أما الذين بعد عهدهم عن لغة الرسول
r وعن بيانه للحق، وقد يشكل عليهم نعم.


القارئ: [وَهَذِه الْعِبَادَة مُتَعَلقَة بالإلهية لله تَعَالَى
وَلِهَذَا كَانَ عنوان التَّوْحِيد لَا إِلَه إِلَّا الله]
.



الشيخ: ومعنى لا إله إلا الله
كما هو معلوم، أنه لا يعبد ويأله إلا الله وحده، وسبق أن قلت لكم: أن إله أنه اسم
جنس، وهذا باتفاق أهل اللغة لا يخالف فيه أحد، اسم جنس، ولهذا صح هذا النفي
والاستثناء، إذا كان لا يصح إلا أن يكون اسم جنس، اسم الجنس هو الشائع في نوعه، الإله
يطلق على الإله الحق والإله الباطل، لهذا صار النفي والإثبات للحصر، حصر التأله في
الله جل وعلا، وإذا وجد هذا بطلت إلهية غيره، فالمشركون يتخذون آلهة كثيرة، لهذا
لما قال لهم الرسول
r: «قولوا
لا إله إلا الله»
، أنكروا ذلك وقالوا: أجعل الآلهة إله واحد، الآلهة جمع
إله، آلهة جمع إله عندهم، جعلها إلها واحدة، يعني جعلها لله وحده، قالوا:
{إن هذا إلا اختلاق}، يعني كذب، لأنهم يريدون أن يبقوا على ما كان عليه آلهتهم،
ثم لما أخبرهم أن هذا باطل وأنه خلاف الحق قالوا: سب آبائنا وشتمهم وسفه أحلامنا،
والواقع أن أحلامهم سفيهة، والرسول ما بعث شتماما ولا لعانا ولا طعانا، ولكن هم
جعلوا ذلك شتما وطعنا، لأنه بين أنهم في ضلال، والمقصود أن الإلهية غير الربوبية
نعم.



القارئ: [بِخِلَاف من يقر بربوبيته وَلَا يعبده أَو يعبد مَعَه إِلَهًا
آخر.
فالإله هُوَ الَّذِي يألهه الْقلب بِكَمَال الْحبّ والتعظيم والاجلال
وَالْإِكْرَام وَالْخَوْف والرجاء وَنَحْو ذَلِك.



وَهَذِه
الْعِبَادَة هِيَ الَّتِي يُحِبهَا الله ويرضاها وَبهَا وصف المصطفين من عباده
وَبهَا بعث رسله]
.


الشيخ: المصطفين ولا
المصطفين، لأنه لا يقصد بذلك الرسل، يقصد كل من تفضل الله عليه وهداه إلى عبادته
جل وعلا، نعم.



القارئ: [وَأما العَبْد بِمَعْنى المعبّد سَوَاء أقرّ بذلك أَو أنكرهُ
فَهَذَا الْمَعْنى يشْتَرك فِيهِ الْمُؤمن وَالْكَافِر. وبالفرق بَين هذَيْن
النَّوْعَيْنِ يعرف الْفرق بَين الْحَقَائِق الدِّينِيَّة الدَّاخِلَة فِي عبَادَة
الله وَدينه وَأمره الشَّرْعِيّ الَّتِي يُحِبهَا ويرضاها ويوالى أَهلهَا ويكرمهم
بجنته وَبَين الْحَقَائِق الكونية الَّتِي يشْتَرك فِيهَا الْمُؤمن وَالْكَافِر
وَالْبر والفاجر الَّتِي من اكْتفى بهَا وَلم يتبع الْحَقَائِق الدِّينِيَّة كَانَ
من أَتبَاع إِبْلِيس اللعين والكافرين بِرَبّ الْعَالمين وَمن اكْتفى فِيهَا فِي
بِبَعْض الْأُمُور دون بعض أَو فِي مقَام [دون مقَام]
أَو حَال [دون حَال] نقص من إيمَانه وولايته لله بِحَسب مَا نقص
من الْحَقَائِق الدِّينِيَّة وَهَذَا مقَام عَظِيم غلط فِيهِ الغالطون وَكثر فِيهِ
الِاشْتِبَاه على السالكين حَتَّى زلق فِيهِ من أكَابِر الشُّيُوخ المدّعين
للتحقيق والتوحيد والعرفان مَا لَا يحصيهم إِلَّا الله الَّذِي يعلم السِّرّ
والإعلان].



الشيخ: يعني يقصد بذلك أهل
التصوف أو بعضهم، الذين زعموا أنهم هم العارفين، ولكنهم في الواقع ضلوا في توحيد
الله، وصاروا يقعون في الشرك الظاهر البين، فيدعوا بعضهم بعضا، ويقولون: أن هذه هي
الحقيقة التي يجب أن يوصل إليها، وهي أن الله جل وعلا هو الذي يصرف العبد، فإذا لم
يطع العبد الأمر الذي جاء به الرسول، فقد أطاع القدر الذي قدره الله، ونحن نتقلب
في أقدار الله وفي طاعة، وهذا الذي يرضاه الشيطان ويريده، لأن هذا الضلال إذا وصل
إليه العبد يصعب إرجاعه إلى الحق نعم.



القارئ: [وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر رَحمَه الله
فِيمَا ذكر عَنهُ فبيّن أَن كثيرا من الرِّجَال (إِذا وصلوا إِلَى الْقَضَاءوَالْقدر
أَمْسكُوا إِلَّا أَنا فَإِنِّي انفتحت لي فِيهِ روزنة فنازعت أقدار الْحق
بِالْحَقِّ للحق وَالرجل من يكون منازعا للقدر لَا من يكون مُوَافقا للقدر]
.



الشيخ: هو الشيخ عبد القادر
الجيلاني ليس هو من العلماء الكبار الذي مثلا، ولكن لما كان الناس يقدمونه، لأنه
جعلوا له هالة كبيرة من الذين صنفوا فيه مصنفات، وذكروا له كرامات كثيرة، فصار هذا
دعوة إلى عبادته نسأل الله العافية، وكثير من الناس لا يكتفي بالحق، ويكون الباطل
معجبا له، وصار له بهذا المعنى من يعظمه ويذهب إلى قبره ويطوف به ويعبده، فقبره
معبود من أكبر المعبودات وهو في العراق، ثم انتشر الأمر حتى وصل إلى أقطار شتى،
ويعجب الإنسان إذا كان مثلا معبودا في العراق فإنه معبود في الهند والباكستان،
وكذلك بعض إفريقيا وفي الشام وفي غيرها من البلاد، وكل فريق يدعي أنه عندهم، حتى
قال لي بعض الذين ذهبوا للدعوة في الهند، يقول: التقيت بمشرك كبير، فأردت أن أدعوه
فقال: أنا مقتنع بما أنا فيه، أنا من أتباع عبد ا لقادر الجيلاني، قلت: هذا شرك
بالله أنك تدعوه وتستنجد به في الشدائد وغيرها، فقال: لا تكلمني أنا مقتنع بما أنا
فيه، لأني وجدت ذلك بالفعل، قال: فقلت له: كيف وجدت ذلك؟ قال: أنا ذهبت أنا واثنين
معي إلى بلد كذا في الهند، يقول: فصار الوقت باردا شديد البرد ولم نجد من يؤوينا،
كاد البرد يقتلنا، فاستغثنا بعبد القادر فجاءنا ببطانيات وتلحفنا بها واتقينا بها
البرد، هذا يقول: اقتنعت، يقول: فقلت له: هذا الذي جاءك شيطان أراد أن يضلك سرق
البطانيات من أحد الحوانيت وجاءك بها حتى تقتنع بهذا، ولكنه لم يجدي معه الكلام،
فنسأل الله العافية من هذا، يعني العقول تذهب وإلا كيف مقبور في العراق يأتيك
ببطانيات؟ حي وخرج من قبره حيا وجاءك؟ يقول: نعم يخرج لأنه ولي من الأولياء،
فيكابرون، يكابرون العقول والواقع، وكل هذا ضلال بين واضح، فالمقصود أن الشيخ لما
ذكر لأنه مشهور عند الناس، ويريد أن يبين أنه ليس على ما يقولون: أنه من الذين
يدعون إلى عبادته، كما يفعله بعض الصوفية، كما يذكر الشعراني في كتابه الذي سماه
طبقات الأولياء، ويذكر عن بعض سادته يقول: أنه لما حضر الموت صار يوصي أصحابه يقول:
يا أصحابي إذا بدا لأحدكم حاجة فليأتي إلى قبري، فلا خير فيمن يحول بينه وبين قضاء
حوائج أصحابه ذراع من تراب، نسأل الله العافية، هذا دعوى إلى الشرك صريح، وهو يكون
رميما تأكله الديدان فكيف يقضي حوائج أصحابه؟ ومع ذلك يصدقون، يصدقون ذلك ولاسيما
إذا خرج الأمر في مثل هذا، يكتب في الكتب وتطبعه المطابع، ثم ينشر بين المسلمين،
هذا من أسباب عبادة غير الله جل وعلا، والمقصود أن عبد القادر له قبر يعبد، وهو
مشهور جدا في هذا، وهو ليس من الذين يدعون إلى عبادة أنفسهم، بل يتبرأ من هذا، وقد
وقع له قصة ذكرها والله أعلم بصحتها، يقول: أني كنت في بادية في مسير البر،
فأصابني عطش شديد كدت أن أهلك، فأظلتني غمامة، فنوديت منها: يا عبد القادر أنا ربك
قد أبحت لك كل شيء، فقلت: كذبت أنت الشيطان، فقال: نفعك فقهك، كم أضللت بهذه
الطريقة من الناس غيرك، وإن هذا الشيطان لأن الله جل وعلا لا يبيح المحرمات، ولا
يأمر بها، فالمقصود أن الشيطان قد يأتي للإنسان بأشياء غريبة، لأجل أن يضله، هذا
الرجل المسكين الذي أهلكه الله جل وعلا بهذه طريقة الشياطين، الشياطين قد تتراءى للناس، ولأجل
إضلالهم، لأنهم من أحرص ما يكون على إضلال بني آدم، فالمقصود أن ذكر الشيخ لعبد
القادر ليس لأنه من الكبار المحققين، وإنما له كتب أيضا في العقيدة وفي الفقه
كالغنية وغيرها، ويقول: أنه على الحق، نعم وقوله هذا قاله عمر بن الخطاب
t قبل عبد القادر، عمر بن الخطاب t لما خرج بالمسلمين إلى الشام وصار في
أثناء الطريق، بلغه أن الشام فيه وباء فيه الطاعون فرجع بالصحابة، فقال له أبو
عبيدة: أفرار من القدر يا أمير المؤمنين؟ فقال له: غيرك قالها كان أولى، ثم قال:
نعم فرار من القدر إلى القدر، ثم قال له: أرأيت إن كان لك إبل وكان هناك واد مخصب
والآخر مجدب أيهما ترعى؟ فقال: أرعى المخصب، فقال: كذلك نحن لا نقدم على الوباء
ونحن سالمون منه، فجاءه محمد بن مسلمة فقال: عندي في هذا علم عن رسول الله
r، قال: ما هو؟ قال: إني سمعته r يقول: «إذا
سمعتم به في بلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم في بلد لا تخرجوا منه»
،
فحمد الله أنه وافق في نظره وفي رأيه وافق ما قاله الرسول
r، والمقصود أنه قال: نعم نفر من القدر إلى القدر، لأن
الإنسان لا يخلوا من القدر أبدا، ولكن الأقدار التي قدرها الله جل وعلا يجب أن
ينظر الإنسان في الصالح له الموافق للشرع نعم.



القارئ: [وَالَّذِي ذكره الشَّيْخ رَحمَه الله هُوَ الَّذِي أَمر الله
بِهِ وَرَسُوله وَلَكِن كثير من الرِّجَال غلطوا فِيهِ فَإِنَّهُم قد يشْهدُونَ
مَا يقدّر على أحدهم من الْمعاصِي والذنُوب أَو مَا يقدّر على النَّاس من ذَلِك بل
من الْكفْر وَيشْهدُونَ أَن هَذَا جَار بِمَشِيئَة الله وقضائه وَقدره دَاخل فِي
حكم ربوبيته وَمُقْتَضى مَشِيئَته فيظنون الاستسلام لذَلِك وموافقته وَالرِّضَا
بِهِ وَنَحْو ذَلِك دينا وطريقا وَعبادَة فيضاهئون الْمُشْركين الَّذين قَالُوا
[148 الْأَنْعَام]
:
{لَو
شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء
} وَقَالُوا [47 يس] : {أنطعم من لَو يَشَاء الله أطْعمهُ} وَقَالُوا [20 الزخرف] : {لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم} وَلَو هُدوا لعلموا أَن الْقدر أُمرنا أَن نرضى بِهِ
وَنَصْبِر على مُوجبه فِي المصائب الَّتِي تصيبنا].



الشيخ: قول المشركين في ذلك
الذي ذكره الله:
{قالوا لو شاء الله ما أشركنا}، هم يعارضون بذلك الشرع الذي جاء به الرسول r، وليس معنى ذلك أنهم يؤمنون بالمشيئة
العامة الشاملة، فهم يقولون: الشرك وقع بمشيئة الله وهذا دليل على رضاه، وأنت
تأمرنا أن نتركه، فهو دليل على أن قولك غير صحيح، فهم أرادوا بقولهم: لو شاء الله
ما أشركنا، أن يردوا الشرع الذي جاء به المصطفى، وليس معنى ذلك أنهم يؤمنون بأقدار
الله ويسلمون لها، وكذلك بقية الآيات على هذا النحو نعم.



القارئ: [وَلَو هُدوا لعلموا أَن الْقدر أُمرنا أَن نرضى بِهِ
وَنَصْبِر على مُوجبه فِي المصائب الَّتِي تصيبنا كالفقر وَالْمَرَض وَالْخَوْف
قَالَ الله تَعَالَى [11 التغابن]
:
{مَا أصَاب منمُصِيبَة إِلَّا بِإِذن الله
وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه
}
قَالَ بعض السّلف: هُوَ الرجل تصيبه الْمُصِيبَة فَيعلم أَنَّهَا من عِنْد الله
فيرضى وَيسلم].



الشيخ: وهذا قاله مجاهد رحمه
الله، يعني تفسير مجاهد الذي أخذه عن ابن عباس، وكذلك علقمة، قال: هو الرجل تصيبه
المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، قوله:
{ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله}، يعني إلا بإذنه الكوني القدري، ومن يؤمن بالله يعني فسر
الإيمان بقوله: بأنه يعلم أنها من عند الله، الإيمان في الآية فسره بقوله: أنه
يعلم أنها من عند الله فيرضى بها ويسلم لذلك، ويكون جزائه زيادة الهدى، يهدي الله
جل وعلا قلبه نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى [22-23 الْحَدِيد] : {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي
أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها إِن ذَلِك على الله يسير * لكَي لَا تأسوا
على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم
}] .


الشيخ: ما أصاب من مصيبة، هنا
خطاب عام، وقوله:
{في الأرض ولا في أنفسكم}، يعني أن المصيبة العامة التي قد تكون عامة أو في الأنفس
خاصة، والعامة التي تكون في الأموال وفي الجدب وفي الحروب وفي غيرها، أو بأنفسكم
من مرض أو موت أو غير ذلك، إلا في كتاب، يعني أنها مكتوبة فبل إيجادكم، وقبل وجود
الخلق، كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله
r يقول: «إن
الله كتب مقادير الأشياء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء»
،
فقولهم: من قبل أن نبرأها، الضمير هنا يعود على شيء لم يذكر، ولكنه مفهوم من الآية
وهو النفس التي أصيبت بالمصيبة، أنها مكتوبة وموجودة قبل وجودها، ثم يقول:
{إن ذلك على الله يسير}، كونه يعلم الأشياء قبل وجودها، ويكتبه ويقع على وفق علمه
وكتابته جل وعلا، ثم يقول:
{لكي لا
تأسوا على ما فاتكم
}،
يعني هذا الإخبار حتى ما تأسوا وتحزنوا على شيء فاتكم لأنه لا يمكن أن تدركوه،
لأنه قد كتب في الكتاب السابق أنكم لا تدركوه، وكذلك تفرحوا بالشيء الذي تظفروا
به، قلنا: ظفرنا به بعملنا وكذا، لأنه مكتوب ومقدر، فلابد أن تتحصلوا عليه نعم.



القارئ: [وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " احْتج آدم ومُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْت آدم
الَّذِي خلقك الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيك من روحه وأسجد لَك مَلَائكَته وعلمك
أَسمَاء كل شَيْء فلماذا أخرجتنا ونفسك من الْجنَّة؟ فَقَالَ آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي
اصطفاك الله بِرِسَالَاتِهِ وبكلامه فَهَل وجدت ذَلِك مَكْتُوبًا عَليّ قبل أَن
أخلق؟ قَالَ: نعم " قَالَ: " فحج آدم مُوسَى "]
.



الشيخ: يعني أنه قال: حج آدم
موسى، وكررها
r ثلاثا، ومعنى حاجه غلبه بالحجة نعم.


القارئ: [وآدَم عَلَيْهِ السَّلَام لم يحْتَج على مُوسَى بِالْقدرِ ظنا
أَن المذنب يحْتَجبِالْقدرِ فَإِن هَذَا لَا يَقُوله مُسلم وَلَا عَاقل
وَلَو كَانَ هَذَا عذرا لَكَانَ عذرا لإبليس وَقوم نوح وَقوم هود وكل كَافِر وَلَا
مُوسَى لَام آدم أَيْضا لأجل الذَّنب فَإِن آدم قد تَابَ إِلَى ربه فاجتباه وَهدى
وَلَكِن لامه لأجل الْمُصِيبَة الَّتِي لحقتهم بالخطيئة وَلِهَذَا قَالَ: فلماذا
أخرجتنا ونفسك من الْجنَّة؟ فَأَجَابَهُ آدم: إِن هَذَا كَانَ مَكْتُوبًا عليّ قبل
أَن أُخلق.



فَكَانَ الْعَمَل
والمصيبة المترتبة عَلَيْهِ مقدّرا وَمَا قدّر من المصائب يجب الاستسلام لَهُ
فَإِنَّهُ من تَمام الرِّضَا بِاللَّه رَبًّا.



وَأما الذُّنُوب
فَلَيْسَ للْعَبد أَن يُذنب وَإِذا أذْنب فَعَلَيهِ أَن يسْتَغْفر وَيَتُوب، فيتوب
من صنوف المعايب ويصبر على المصائب قَالَ تَعَالَى [55 غَافِر]
: {فاصبر إِن وعد الله حق واستغفر
لذنبك
} وَقَالَ تَعَالَى [120 آل عمرَان] : {وَإِن تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا} وَقَالَ [186 آل عمرَان]
:
{وَإِن تصبروا وتتقوا فَإِن
ذَلِك من عزم الْأُمُور
}
وَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام [90 يُوسُف] :
{إِنَّه من يتق ويصبر فَإِن الله
لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ
}] .


الشيخ: يعني أن هذا الحديث قد
ضل فيه بعض الناس، مثل الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان مجبور على أعماله ولا
اختيار له، وإنما هو بمنزلة الآلة التي تدار، أو بمنزلة الشجرة التي تهزها الريح
من كل جانب لا اختيار لها، فإذا أضيف له شيء قيل له: أنه آمن وكفر واعمل كذا أو
اعمل كذا، فهذا يقولون: على سبيل المجاز،
كقولك: مات فلان وطلعت الشمس وأمطرت السماء وهبت الريح وسقط الجدار، الجدار له
إرادة يسقط، الريح له إرادة يموت؟ بل أميت، فهم يحتجون بهذا، ثم يقولون أيضا، أن
الله جل وعلا يقول لنبيه:
{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}، فنفى
الرمي عن النبي وأثبته لنفسه، فهذه من المغالطات ومن الشبه، فكل هذا الحديث أيضا
حجة لنا، أن يكون آدم احتاج بالقدر، فنحن إذاً نحتاج بالقدر، نقول: إن هذا ضلال
كما قال الشيخ رحمه الله، ضلال بين، وآدم عليه السلام لم يحتاج بقدر ولا يمكن أن
يكون موسى عليه السلام لامه على الذنب لماذا؟ لأن الذنب الذي تيب منه لا يجوز أن
يذكر للإنسان، إذا تاب من ذنب يؤتى إليه ويقول: أنت أذنبت كذا وكذا، هذا لا يجوز
من المحرمات، لأن التائب كمن لا ذنب له، من تاب ذنب فهو ليس له ذنب، ولو كان هذا
لأمكن آدم عليه السلام أن يقول: أن قتلت نفس فلماذا قتلت نفس؟ لكن آدم يعلم أن
موسى عليه السلام لم يحتج عليه بالذنب ويعلم موسى أن الذنب قد تاب عليه فمحي أثره
فلا أثر له، وإنما لامه على المصيبة، والمصيبة هي الخروج من الجنة، ولهذا قال:
لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فالمصيبة يحتج عليها بالقدر، كما يقول العلماء:
القدر يحتج به على المصائب لا على المعائب والذنوب، لأن الذنب الطريقة فيه أنك
تتوب أولا: أنك لا تذنب، ولكن إذا أذنبت يجب عليك أن تتوب وتستغفر هذا المخرج، لا
تقول: أن هذا قدر علي، هذا لا يفيد شيء، ومن قال هذا، فمعناه أنه يجعل اللوم على
الله، يريد أن يبرأ نفسه ويجعل اللوم على القدر، فالمقصود أن هذا من الضلال البين،
فاستدلالهم بالحديث استدلال باطل، فموسى عليه السلام لام آدم على أنه خرج من
الجنة، يقول: أخرجتنا ونفسك، ثم هذا ما حقيقته؟ أولا: يجب أن نؤمن به، بغض النظر
عن أنه وقع مقابلة أو أن آدم مثل له، أو أن موسى قاله بعد الموت، أو فهذا يجوز كله
يجوز، أو يكون مثلا أن الله أمر آدم أن يخاطبه وإن كان ميت، لأن نبينا
r لما عرج به التقى بالرسل، وكل رسول سلم عليه، وبعضهم وصاه، وموسى
عليه السلام صار يسأله يقول: ماذا فرض الله عليك، ثم يقول له: ارجع إلى ربك فاسأله
التخفيف، كل هذه حقائق لا نعرفها لا ندركها أمور غيبية وهذا من جنسها، يعني احتجاج
موسى وآدم يجوز أن يكون بعد الموت، ويجوز أن يكون موسى حيا وآدم ميت، كما وقع
لنبينا
r، ورؤيا الأنبياء وحي أيضا، يجوز أن
يكون في الرؤيا ويجوز أن يكون في غيرها، وعلى كل حال يجب أن نؤمن بأنه حق، كما
أخبرنا رسولنا
r، ثم المعنى هو هذا، أن موسى عليه
السلام لام آدم على المصيبة التي هي الخروج من الجنة، وليس على الذنب، فلا يكون
حجة لهؤلاء المبطلين، أما قولهم: إن الله جل وعلا نفى الفعل عن نبيه وأثبته لنفسه
في الآية، قال:
{وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى
}، فنقول
في جوابهم: إن الذي نفي غير الذي أثبت، لأن القصة كما هو معروف في وقعة بدر، أمره
الله
U أن يأخذ بيده من الحصباء ويرميها
نحوهم، نحو الكفار، فذهب هذا الرمية ودخلت في مناخرهم وفي أعينهم، فتحريك يده ورمي
التراب نحوهم هذا فعل الرسول
r، وإما إيصال التراب والحصباء إلى
أعينهم ومناخرهم فهذا فعل الله جل وعلا، الرسول لا يستطيع ذلك، فالذي نفي غير
المثبت، فلا يكون فيه حجة للمبطلين، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:42 am

شرح


رسالة العبودية


المجلس
الثالث















لفضيلة
الشيخ



عبد الله الغنيمان


-حفظه
الله-













 شرح رسالة العبودية C:%5CDOCUME%7E1%5CPCUSER%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsohtmlclip1%5C01%5Cclip_image002


اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين برحمتك
يا أرحم الراحمين.



قال المنصف
رحمه الله تعالى في رسالة العبودية: [وَكَذَلِكَ ذنُوب الْعباد يجب على العَبْد
فِيهَا أَن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر بِحَسب قدرته ويجاهد فِي
سَبِيل الله الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ ويوالي أَوْلِيَاء الله ويعادي أَعدَاء
الله وَيُحب فِي الله وَيبغض فِي الله كَمَا قَالَ تَعَالَى [1-4 الممتحنة] :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم
بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ
الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ
خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم
بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن
يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا
لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ
وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ * لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ
قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ
وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
} وَقَالَ تَعَالَى [22 المجادلة] : {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم
الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم أَو
إخْوَانهمْ أَو عشيرتهم أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وأيدهم بِروح
مِنْهُ
} وَقَالَ تَعَالَى [35
الْقَلَم] :
{أفنجعل الْمُسلمين كالمجرمين} وَقَالَ [28 ص] : {أم نجْعَل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا
الصَّالِحَات كالمفسدين فِي الأَرْض أم نجْعَل الْمُتَّقِينَ كالفجار
} وَقَالَ تَعَالَى [21 الجاثية] : {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات أَن
نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم سَاءَ مَا
يحكمون
} وَقَالَ تَعَالَى [19-22
فاطر] :
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى
والبصير * وَلَا الظُّلُمَات وَلَا النُّور * وَلَا الظل وَلَا الحرور * وَمَا
يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَات
} وَقَالَ تَعَالَى [29 الزمر] : {ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هَل يستويان مثلا} وَقَالَ تَعَالَى [75-76 النَّحْل] {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر
على شَيْء وَمن رزقناه منا رزقا حسنا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ سرا وجهرا هَل يستوون
الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ * وَضرب الله مثلا رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم
لَا يقدر على شَيْء وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يوجهه لَا يَأْتِ بِخَير
هَل يَسْتَوِي هُوَ وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم
} وَقَالَ تَعَالَى [20 الْحَشْر] : {لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار
وَأَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب الْجنَّة هم الفائزون
} .


ونظائر ذَلِك مِمَّا يفرّق الله فِيهِ بَين أهل الْحق وَالْبَاطِل وَأهل
الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَأهل الْبر والفجور وَأهل الْهدى والضلال وَأهل الغي
والرشاد وَأهل الصدْق وَالْكذب.



فَمن شهد الْحَقِيقَة الكونية دون [الْحَقِيقَة] الدِّينِيَّة سوّى].


الشيخ: الحمد لله
رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



يقول المؤلف رحمه
الله: وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب، وإذا أذنب فعليه أن يتوب، يعني لا يجوز
الاحتجاج بذلك، ثم قال: وكذلك ذنوب العباد، يعني يجب أن يكرهها ويبغضها ولا يقرها،
ويأمر بالمعروف الذي هو إما أمر بما أمر الله جل وعلا به وأمر به رسوله، والنهي عن
المنكر، ويعادي أعداء الله ويوالي أولياء الله، وهذا كما جاءت الأدلة على هذا في
كتاب الله جل وعلا كثيرة، وذكر هذه الآيات التي تدل على أنها معاداة أعداء الله من
أصل الدين، وموالاة أولياء الله من التوحيد الذي أمرنا الله جل وعلا أن نتأسى به
بخليله إبراهيم عليه السلام، ثم أخبر أن الله لم يجعل الحق كالباطل، ولا سالك الحق
كسالك الباطل،
{أفنجعل المسلمين كالمجرمين}، يعني فرق كبير
بين هذا وهذا، فإذاً الأمر في هذا تكون واضحة، لا إشكال فيه، ومن ذلك أيضا كون أهل
الجنة هم الفائزون وأهل النار هم الخاسرون، لأنهم لا يستوون في العمل، هذا له نهج
وله عمل، وهذا له نهج عمل، ففرق الله جل وعلا بين ما يحبه ويرضاه وما يكرهه ويبغضه
ويسخطه، وضرب على ذلك الأمثال التي تبين للناس هذا الشيء، والمقصود بذلك أن يتبين
للخلق ما يرضاه الله جل وعلا ويثيب عليه، وما يسخطه ويعاقب عليه، وأن هذا يقول:
أنه هو الأصل الذي يجب أن يسلك، وليس للإنسان أن يسلك الشيء الذي يدعوه إليه هواه
أو شيطانه، وأنه يسوي بين الباطل والحق ومن ذلك كله يحتج على الباطل بالحق، كمن
احتاج على أفعاله السيئة بأنها مقدرة ومكتوبة قبل وجوده، فإن هذا من المغالطات، بل
هذا من الانحراف، وهذا هو الأساس في هذا، ويتبع ذلك كل ما كان من هذا المنوال،
فعليه يجب على المؤمن أن يكون مفرقا بين الباطل والحق، ويكون من أهل الفرقان، ولا
يكون الأمر ملتبسا مشتبها عليه، بحيث أنه يعرض عما جاء به الرسول
r،
ولا يكون هو إمامه وقائده، وإنه إذا كان كذلك لابد من التخبط ولا بد من الضلال
نعم، ثم هذا يعني أساس يسير على هذا النهج في بقية الأمور التي يجب أن يعملها نعم.



القارئ: قال رحمه
الله تعالى: [ونظائر ذَلِك مِمَّا يفرّق الله فِيهِ بَين
أهل الْحق وَالْبَاطِل وَأهل الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَأهل الْبر والفجور وَأهل
الْهدى والضلال وَأهل الغي والرشاد وَأهل الصدْق وَالْكذب]
.



الشيخ: يعني هذا
الذي جاء به الرسول
r،
وهو الذي سماه الله فرقانا لأنه فرق بين الحق والباطل وأهله أهل الحق وأهل الباطل،
فيجب على المؤمن أن يسبق هذا، ومن ذلك كونه يتمثل أمر الله جل وعلا في هذا ولا
يتعداه إلى غيره، فهذا هو الهدى، وهو مجانبة الضلال، وهو طريق الرسول، ولا ينجو
العبد إلا بهذا، ومن أعرض عن هذا فإنه يكون متعرضا لعقاب الله جل وعلا في الدنيا
والآخرة، أما الحقائق الكونية والحقائق الدينية فهي كما مضى نعم.



القارئ: [فَمن شهد الْحَقِيقَة الكونية دون [الْحَقِيقَة]
الدِّينِيَّة سوّى بَين هَذِه الْأَصْنَاف الْمُخْتَلفَة الَّتِي فرق الله بَينهَا
غَايَة التَّفْرِيق حَتَّى تئول بِهِ هَذِه التَّسْوِيَة إِلَى أَن يسوّي بَين
الله وَبَين الْأَصْنَام كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُم [97-98
الشُّعَرَاء]
:
{تالله
إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين * إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين
}].


الشيخ: يعني هذا
كان في الدنيا يسوونهم في الحب والاتجاه والتعلق، وإلا لا يمكن أن يسووهم برب
العالمين في الإيجاد والخلق، لأن هذا أمر ممتنع، لا في العقول ولا في الوجود،
وإنما يكون هذا في التأله، سووهم في التأله، فصار هذا هو أصل الشقاء، فعلى هذا لا
يجوز التسوية بين حق وباطل، فمن سوى بين الحق والباطل فقد ضل في هذا وقصر، وهذا
عام، ولهذا جعل ذلك أصلا نعم.



القارئ: [بل قد آل الْأَمر بهؤلاء إِلَى أَن سوّوا الله بِكُل مَوْجُود
وَجعلُوا مَا يسْتَحقّهُ من الْعِبَادَة وَالطَّاعَة حَقًا لكل مَوْجُود إِذْ
جَعَلُوهُ هُوَ وجودَ الْمَخْلُوقَات وَهَذَا من أعظم الْكفْر والإلحاد وَالْكفْر
بِرَبّ الْعباد]
.



الشيخ: هذا نسبة
لأهل وحدة الوجود، وحدة ا لوجود قد لا تكون معروفة عندنا، والذي لا يعرف الشر خير
له من أن يعرفه في مثل هذا، لأنه لا خير فيه، والوصول إلى هذه الغاية هو ضلال
متناهي، والحقيقة أن هذا هو نتائج قول الجهمية من نتائج، لأن الجهمية لما قالوا:
إن الله ليس فوق وليس تحت وليس يمين ولا
شمال ولا داخل العالم ولا خارج العالم، لهم أتباع ولهم أناس ما يحكمون العقل هكذا
كما يقولون هم، أتباع لهم يقلدونهم، فإذا كان كذلك يفكرون كيف يعني؟ فقالوا: لابد
أنه يكون حالا في الكون كله، سار في الوجود كله، فصاروا يعبدون كل شيء حتى الكلاب،
لأنهم على هذا الشيء، هذا قسم منهم يقال لهم: أهل التعدد، أما الذين سلكوا مسلك
النظر ومسلك التعطيل، فإن الأمر آل بهم إلى أن يكونوا ملاحدة، لا يؤمنون لا ببعث
ولا بجنة و لا بنار، لأن هذا الذي أداهم إليه نظرهم في هذا المذهب الخبيث، وعلى كل
حال هو من الكفر الظاهر الجلي ولا خير فيه، ولهذا عارفوهم جعلوا المعبود هو العابد
نفسه، ومثل ما يقول سيدهم وإمامهم: الرب عبد والعبد رب فيا ليت شعري من المكلف؟ ،
إن قلت: عبد فذات ميت وإن قلت رب فأنى يكلف، فهذا إما أن يكون حار ولا يدري لم
يفرق بين العبد وبين الرب، أو أنه جعلهما شيئا واحدة، وهذا نهاية الضلال في مثل
هذه، نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَهَؤُلَاء
يصل بهم الْكفْر إِلَى أَنهم لَا يشْهدُونَ أَنهم عباد الله لَا بِمَعْنى أَنهم
معبّدون وَلَا بِمَعْنى انهم عَابِدُونَ إِذْ يشْهدُونَ أنفسهم هِيَ الْحق كَمَا
صرح بذلك طواغيتهم كَابْن عَرَبِيّ صَاحب
الفصوص وَأَمْثَاله ].



الشيخ: صاحب الفصوص
يعني فصوص الحكم، سماه الكتاب كبير والكتاب مطبوع، وله كتب كثيرة، ولكن الله أعلم
بحاله في الحكم عليه من خلال كتبه أنه لا يعبد الله جل وعلا، وأنه مثل ما قال:
طاغوت من الطواغيت، ومع ذلك كثير من الناس يسميه العارف بالله، بل يسمونه خاتم
الأولياء، وهو نفسه زعم أنه خاتم الأولياء، وقال: أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم
الأنبياء، لأن خاتم الأولياء يأخذ من المشكاة التي يأخذ منها النبي رأسا، والنبي
لا يأخذ إلا بواسطة، أما خاتم الأولياء يأخذ بلا واسطة، هذا كلام هراء وضلال،
والكلام الذي ليس عليه بينات وعليه أدلة يجب أن يرمى به وجه صاحبه ولا يلتفت إليه،
ولاسيما إذا كان بهذه المثابة التي كل عاقل يعرف أنها كفر وضلال، ولهذا سوى بين
موسى وفرعون، بل فضل فرعون على موسى وقال:
إن موسى عليه السلام لما قال له فرعون: أنا ربكم الأعلى، لم يتسع نظره لذلك وضاق
عطنه فأنكر عليه، وإلا ففرعون صادق في ذلك، ويقول: إن الكفار المشركين كفروا لأنهم
خصوا العبادة بأشياء معينة، أما لو عمموها وعبدوا كل شيء لكانوا على حق، وطرد هذا
المذهب حتى قال: إن النار تكون على أهلها عذبا وليس عذابا يتنعمون فيها، أمور
عجيبة، ومع ذلك يقال: أنه خاتم الأولياء، وله كتب كثيرة، ليس هذا فصوص الحكم فقط،
نعم، وابن سبعين الذي ذكره وابن سبعين والتلمساني العفيف التلمساني على هذا
المثال، وهم في الواقع لا يعرفون الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلوات الله
وسلامه عليه، وإنما جاءوا بأشياء من عند أنفسهم، وأضلوا كثيرا من الناس نسأل الله
العافية نعم.



القارئ: قال رحمه ا
لله تعالى: [وَيشْهدُونَ أَنهم هم العابدون والمعبودون.



وَهَذَا
لَيْسَ بِشُهُود للْحَقِيقَة لَا الكونية وَلَا الدِّينِيَّة]
.


الشيخ: الشهود
المقصود ما مضى، معناها أنها الحقيقة التي يصلون إليها بعلمهم تسمى شهود، شهد هذه
ا لحقيقة، فيقولون: إن الحقيقة التي نصل إليها أنها توضع عنا العبادات، لأننا
وصلنا إلى حقيقة المعرفة، ثم قد يستدلون
بمثل قوله تعالى:
{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}، فاليقين هو
الحقيقة التي وصلنا إليها، فوضعت عنا العبادة، هذا شيء لا يدل عليه لا عقل ولا
كتاب ولا فترة، بل الله جل وعلا خلق عباده
لعبادته، واليقين الذي أمر الله رسوله أن يعبده حتى يأتيه هو الموت، من تأول غير
هذا فهو ضال، نعم.



القارئ: قال رحمه
الله تعالى: [بل هُوَ ضلال وعمىً عَن شُهُود الْحَقِيقَة
الكونية حَيْثُ جعلُوا وجود الْخَالِق هُوَ وجود الْمَخْلُوق
].


الشيخ: الكونية
هو الشيء الموجود الذي كون ووجد، الكونية كون هذا عبد خلقه الله، وكون هذه مخلوقات
محسوسة ومشاهدة، أو مأهولة ومعلومة، هذه حقائق كونية، أما الحقيقة الدينية فهو
الأمر الذي جاءت به الرسل، يجب أن يفهم ويعمل به، ففهمك لله وعملك به هو الحقيقة،
أما الحقيقة التي المآلية التي هي النتيجة فهذه لا تعلم حتى تشاهد، وهي التأويل
الذي ذكره الله جل وعلا:
{يوم
يأتي تأويله يقول الذين نسوه قد جاءت رسل ربنا بالحق
}، فتأويله هو
البعث والقيام بين يدي الله، وكذلك دخول الجنة و النار، فهذا تأويل الأخبار حقائق
الأخبار التي أخبرنا بها، لأن الخبر يكون له معنى ويكون له حقيقة وهذه الحقيقة إما
أن تكون العمل به، أو تكون المقصود بها الحقيقة التي أخبر عنها أنها ستقع، التي
تكون يوم القيامة حقيقتها المشاهدة يوم الحشر، هذه سوف نعايشها كما أخبرنا الله جل
وعلا، أما الحقائق الدينية فهي التي يجب أن نفهمها ونعمل بها، وهم لا يقصدون هذا،
يقصدون شيئا هم اخترعوه وسموه حقيقة، ولم يفرقوا بين القدر و بين الشرع، بل جعلوه
شيء واحد، وهذا الذي قصده المؤلف، ويقول: أنه يجب على أن يفرق بين قدر الله وبين
شرعه، فالقدر لا يحتج به وإنما يصبر على المكاره فيه، ويسلم لله فيه، ويجب أن يعلم
أن الشرع لا يعارضه، وأنه هو لا يعارض الشرع، فالشرع يجب أن يتمثل، ويطاع ويتبع
وهو الحقيقة الدينية، وأما القدر فيجب أن يؤمن به ويسلم لله جل وعلا ولا يعترض
عليه، وهي الحقيقة الكونية، أما الحقائق التي تكون هي المآل والعاقبة، فهذا أمر
آخر، هذا حقيقتها أن نعايشها ونشاهدها، فهذا لا يكون إلا بعد الموت، يعني بعد ما
يحصل الموت، وسوف يشاهد الإنسان الحقيقة التي أخبر بها عن أمور القبر والبرزخ
ويعيشه، ثم بعد ذلك يشاهد الحقائق التي بعد البعث، كونه يبعث حافيا عاريا أغل لا
أبهما ليس معه شيء، ثم يجمع هو وغيره في مكان واحد، ويقف وقوفا طويلا حتى يفصل
الله جل وعلا بين عباده، إلى آخره، هذا الذي يجب أنه يعتني به ويفرق بين هذا وهذا،
أما هؤلاء فلم يفرقوا، فضلوا في ذلك، وهذا قد يكون فيه شيء من الغموض والخفا لشدة
غرابتها وشدة ضلال من قال بها، لأن الذي عافاه الله منه لا يتصور.



القارئ: قال
رحمه الله تعالى: [
وَجعلُوا كل وصف مَذْمُوم
وممدوح نعتا للخالق وللمخلوق إِذْ وجود هَذَا هُوَ وجود هَذَا عِنْدهم]
.


الشيخ: هذا قول
المؤلف هذا معناه ليس أنهم يقولون به هكذا، لكن هذا اللازم للقول
هم، نعم.


القارئ: قال
رحمه الله تعالى: [
وَأما الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّه
وَرَسُوله عوامهم وخواصهم الَّذين هم أهل الْقُرْآن كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم:
« إِن
لله أهلين من النَّاس « قيل: من هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: « أهل الْقُرْآن هم
أهل الله وخاصته
»فَهَؤُلَاءِ
يعلمُونَ أَن الله رب كل شَيْء ومليكه وخالقه وَأَن الْخَالِق سُبْحَانَهُ مباين
للمخلوق لَيْسَ هُوَ حالاًّ فِيهِ وَلَا متّحدًا بِهِ وَلَا وجودُه وجودَه]
.


الشيخ: تعالى الله
وتقدس، أهل الكتاب المقصود بهم كتابنا الذي أنزل على رسولنا
r، وهو يدخل فيه الحديث
والقرآن، كله وحي أنزله الله على عبده يجب أن نؤمن به ونتبعه ونمتثل أوامره ونجتنب
نواهيه، وهم الذين هم أهل الله، يعني الذين يكرمهم الله ويكونون عنده في مساكن
جنات عدن، كما قالت امرأة فرعون:
{ابن لي
عندك بيتا في الجنة
}، والجنة قريبة من الله جل وعلا، فهذا
معنى كونهم أهلوه، يعني الذين يكرمهم ويقربهم، هذا في الواقع هي السعادة التي يجب
أن يبحث عنها ويسعى لها ويتعب وراءها، ليست السعادة في الدنيا كون الإنسان يتحصل
على مراداته في الدنيا من شهوات وأموال ووظائف وغيرها، هذه تنتهي وتنقضي كأن لم
تكن، كأنها ما كانت، وإنما السعادة التي لا تفنى تبقى أبد الآبدين في دار ليس فيها
لا مرض ولا خوف ولا فرق ولا هرم ولا خروج دائما فيها، هذه السعادة، ولكن هذه عند
كثير من الناس الإيمان فيها ضعيف، ولضعف الإيمان بها تجدهم يعرضون عنها كثيرا
ويزهدون فيها، والزهد فيها واضح وجلي عند أكثر الناس، وسببها ضعف الإيمان، وإلا لو
كان يشاهد هذه الأشياء ويعاينها لا يمكن يزهد فيها، ويتفاوت الناس في ذلك، والفضل
كله بيد الله إذا أراد الله إسعاد مرء وإكرامه يسره لليسرى، وجنبه العسرى نعم.



القارئ: قال رحمه
الله تعالى: [وَالنَّصَارَى إِنَّمَا كفّرهم الله إِذْ
قَالُوا بالحلول واتحاد الرب بالمسيح خَاصَّة]
.



الشيخ: هذا قسم من
النصارى قالوا بذلك، والنصارى أصلهم نسبة إلى ناصر بلد معين اجتمعوا فيه أول الأمر
فنسبوا إليهم قيل النصارى، والآن هم يسمون أنفسهم مسيحيون أو نحو ذلك، وهو على
باطل بلا شك، ومع ذلك هم يجدون ويتعبون ويبذلون الأموال في الدعوة إلى هذا الدين
الفاسد، والمسلمون مع أنهم يعرفون أن دينهم حق يقصرون في الدعوة إلى دينهم، لأسباب
متنوعة، نعم.



القارئ: قال رحمه
الله تعالى: [فَكيف من جعل ذَلِك عَاما فِي كل
مَخْلُوق؟]
.



الشيخ: يعني هم
قالوا في ضلالهم: الإله حل في رجل أو قالوا: اللاهوت حل في الناسوت، والناسوت يعني
الإنسان، واللاهوت يعني الله، تعالى الله وتقدس، وهي عقيدة لا تنطلي حتى على
الأولاد الصغار، كيف مثلا رب العالمين يكون في بطن امرأة ثم يخرج من فرجها ولد
صغيرا، ثم يتغذى باللبن الحليب، ثم يخضع لليهود أن يصلبوه وأشياء يعني عجيبة،
ويزعمون أنه الله، تعالى الله وتقدس، وهم أكثرهم لا يفهم هذا الدين الذي هو الدين
الثلاثي، أو الثنائي عند بعضهم أو غيره، غير أن الباطل قد يحبب للنفوس من عدة
أشياء، والتعصب للمذهب و الدين متأصل عند كثير من الناس نعم.



القارئ: قال رحمه
الله تعالى: [ويعلمون مَعَ ذَلِك أَن الله أَمر
بِطَاعَتِهِ وَطَاعَة رَسُوله وَنهى عَن مَعْصِيَته ومعصية رَسُوله وَأَنه لَا يحب
الْفساد



ويستعينوا
بِهِ على ذَلِك كَمَا قَالَ فِي فَاتِحَة الْكتاب:
{إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} ].


الشيخ: وهذا الواجب
على المسلمين أن يعلمون ذلك، وأن يتبعوا أمر الله ويجتنبوا نهيه ويطيعوه في ذلك
ويتعرضوا لثوابه، ويعملوا للاحتياط للنجاة من عقابه، كما قال الله لهم:
{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا}، يجب أن يقوا
أنفسهم وأهليهم من النار لأن النار شديدة جدا، فهذه عبادة الله التي أمر الله جل
وعلا بها ولا نجاة إلى بهذا، لا يمكن للإنسان أن يتخلص من عذاب الله إلا بذلك، إلا
بعبادة الله وبإتباع رسوله نعم.



القارئ: قال رحمه
الله تعالى: [وَمن عِبَادَته وطاعته: الْأَمر
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بِحَسب الْإِمْكَان وَالْجهَاد فِي سَبيله
لأهل الْكفْر والنفاق فيجتهدون فِي إِقَامَة دينه مستعينين بِهِ رافعين مزيلين
بذلك مَا قدر من السَّيِّئَات دافعين بذلك مَا قد يخَاف من آثَار ذَلِك كَمَا
يزِيل الْإِنْسَان الْجُوع الْحَاضِر بِالْأَكْلِ وَيدْفَع بِهِ الْجُوع
الْمُسْتَقْبل وَكَذَلِكَ إِذا آن أَوَان الْبرد دَفعه باللباس وَكَذَلِكَ كل
مَطْلُوب يدْفع بِهِ مَكْرُوه كَمَا قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
يَا رَسُول الله أَرَأَيْت أدوية نتداوى بهَا ورقى نسترقي بهَا وتقى نتقي بهَا هَل
ترد من قدر الله شَيْئا؟ فَقَالَ:
« هِيَ من قدر
الله
»].


الشيخ: يعني الأمر
بالمعروف وغيره مما جاء به الرسول
r
أنه دين وعبادة، يجب أن نتخذه كذلك ونتقرب بفعله إلى ربنا، فالأمر بالمعروف،
والمعروف الذي عرف بالشرع وبحسنه بالطبع، يعني بالطبيعة التي هي الفطرة، والمنكر
هو الذي عرف نكارته بالشرع الذي جاء به المصطفى وكذلك العقل والفطر السليمة تنكره،
ولكن مع هذا لا يجوز للعبد أن يقدم على الأمر والنهي إلا إذا تحقق أن هذا الذي
ينهى عنه منكر، وتحقق أن الذي يأمر به معروف شرع مشروع، أما أن يكون مثلا يأمر
بأمور عادية يعني اتخذها عادة والناس تتعارف عليها بالعادة، فهذا من المنكر، ليس
من المعروف، والجهاد يطلق على بذل الجهد سواء في قتال العدو، والعدو يكون عدوا
ظاهرا وعدوا باطنا، فالعدو الظاهر هو الكافر والمنافق، والله جل وعلا أمرنا بهذا
كما أمر رسوله قال:
{يا أيها
النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير
}، فنحن نتبع للرسول
r،
أما العدو الباطن فهو الشيطان والنفس والشهوات وغيرها، فيجب أن يجاهد في ذلك،
والحياة هذه جهاد لا تنفك عن الجهاد أبدا، ومن لم يجاهد لا يستطيع أن يصل إلى
الغاية المطلوبة ولا يمكن أن ينجوا إلا بالجهاد، فجهاد في إقامة شرع الله، وجهاد
هو يقوم بذلك بأن يفعل الطاعات الواجبة وينتهي عن المحرمات التي حرمت عليه، ويصبر
على الأقدار التي لابد من وقوعها، ولابد أن يصيب الإنسان شيء منها من المكاره،
فيصبر ويحتسب ويرى أنه شيء مكتوب ولابد منه، وهو جهاد في هذا، يعني يجاهد نفسه
لأنه لا يتسخط على الأمر الذي يقع، ولا يعمل عمل الجاهلية من التضجر وشق الثياب
والدعوة الكاذبة، والدعوة بالويل والثبور وغيرها من خمش الخدود ونتف الشعور وضرب
البدن، مما يدل على السخط الذي هو يعبر عن أنه يقول: إن الله ظلمني، فالمقصود أن
الحياة كلها جهاد، كلها جهاد فالطاعة جهاد، والكف عن المعصية جهاد، وكذلك أمرك حتى
ولدك وقريبك، كونك تأمره بالخير وتعلمه فهو جهاد يثيبك الله عليه عند الاحتساب،
وإذا تركت ذلك فقد تركت شيئا كلفت به وأمرت به، وهكذا تكون حياة المسلم، لو نحن
قمنا بهذا كما ينبغي، لكان عندنا خير كبير جدا وكثير، و تلافينا أشياء كثيرة غرتنا
وغرت بديننا، وهيئت لأهل الباطل أن يكونوا أقوياء وأن يكون لهم سلطة و الله
المستعان، والمقصود أن والأمور كلها ترجع إلى توفيق الله جل وعلا، ومن ذلك يعني
الأقدار حتى الأدوية والعلاج، فإن الإنسان عليه أن يعالج ويأخذ الدواء ويعلم أنه
سبب والأمر بيد الله جل وعلا، فهو قدر من الأقدار التي يقدرها الله جل وعلا، وسبق
أنه يجب أن يدفع القدر بالقدر، فكل ما يقع فهو مقدر، ولكن يدفع بالشيء الذي شرعه
الله، ولا يجوز أن يفعل الإنسان المحرم
والرسول
r
يقول: «ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها»،
نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَفِي الحَدِيث: « إِن الدُّعَاء وَالْبَلَاء ليلتقيان فيعتلجان بَين
السَّمَاء وَالْأَرْض
»].


الشيخ:
هذا سواء كان مثال أو كان حقيقة فالدعاء من القدر، وهذا معناه، يعني قد يكون
الإنسان يكون هناك مشكلة كيف يقول: لا يرد القدر إلا الدعاء، هل القدر يرده شيء؟
نقول: الدعاء من القدر، فقدر وكتب، والله يعلم ما هو الذي يقع لأنه علام الغيوب،
فنحن مأمورين بالدعاء فإذا تركنا ما أمرنا به فاللوم علينا نكون ملومون، وإذا
فعلناه وإن وقع خلاف ما نريده وما نسعى له، فإن الإنسان لا يندم ولا يكون مفرطا،
لأنه أدى ما أمر به، فالمقصود أن الذي يقع كل ما يقع مقدر، مع أن الأعمار وما يحصل
للإنسان مكتوب في بطن أمه بل مكتوب قبل ذلك، كما قد مضى أن الله جل وعلا كتب
مقادير الأشياء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة فهذا لا يعارض، وقد يكون
هناك بعض النصوص تشكل على بعض طلبة العلم، مثل هذا الذي يقول المؤلف: أن الدعاء
يلتقي مع ا لقدر المقدر فيختلجان بين السماء والأرض، أو يرد أحدهما يغلب الآخر
ونحو ذلك، وكذلك حديث الرسول
r فيما يروى أنه قال: «لا يرد القدر إلا
الدعاء ولا يزيد في العمر إلا صلة الرحم»
، فصلة الرحم تزيد في العمر، طول
العمر مكتوب والإنسان في بطن أمه، ولكن قد كتب أن عمره يطول بسبب صلة رحمه فهو من
المقدر، وقد يقصر، يكتب وهو في بطن أمه أن عمره قصير لأنه يقطع رحمه، أما أنه
يتغير المكتوب فلا، المكتوب لا يتغير، أما قول الله جل وعلا:
{يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}، فالمحو الصحيح أن الذي يمحى هذا في النسخ، نسخ الشرائع، لله جل وعلا أن ينسخ ما يشاء من ا
لشرع ويثبت ما يشاء، وقيل: إن المحو في صحف الملائكة وليس في الشيء المقدر الذي
كتب أزلي، فالملائكة يكتبون كل ما يعمله الإنسان ويتلفظ به، فإذا كان آخر النهار
لأنهم يتعاقبون فيها ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يمحون الشيء الذي ليس عليه
ثواب ولا فيه عقاب، مثل أعطني القلم خذ الكتاب وما أشبه ذلك، يقول: هذه تمحى في
آخر النهار ويثبت الشيء الذي فيه ثواب أو عليه عقاب، فيكون هذا معناه أنه يمحى
ويثبت الشيء، أما قوله تعالى:
{وما يعمر من معمر ولا ينقص من
عمره إلا في كتاب
}، فيقول علماء التفسير:
إن معنى هذا أن الذي ينقس من عمره ليس هو المعمر، أنه معمر آخر، أما العمر لا ينقص
منه، كما جاء في الحديث الصحيح أن إحدى أمهات المؤمنين سألت سؤالا قالت: اللهم
متعني يزوجي ومتعني بأخي فلان، ومتعني بكذا وكذا، فقال لها
r: «قد سألت الله لأعمار مضروبة وآجال
معدودة، ولو قلت: رب اغفر لي وارحمني لكان أفضل وأجدى»
، معنى ذلك أنها لا
تزيد الأعمار ولا تنقص، وعلى هذا يكون قوله:
{ولا يعمر من
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:43 am

معمر ولا ينقص من عمره}، كما قال
المفسرون: كقولك مثلا عندي دينار ونصفه، فهل نصف الدينار الذي عندك هو نصف الدينار
ولا نصف دينار آخر؟ فيقولون: هذا هو المراد بذلك، وما يعمر من معمر، ولا ينقص من
معمر آخر، من عمره الذي كتب أنه ناقص، فلا يكون فيه إشكال، نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [فَهَذَا حَال
الْمُؤمنِينَ بِاللَّه وَرَسُوله العابدين لله وكل ذَلِك من الْعِبَادَة.



وَهَؤُلَاء الَّذين يشْهدُونَ الْحَقِيقَة الكونية وَهِي
ربوبيته تَعَالَى لكل شَيْء ويجعلون ذَلِك مَانِعا من إتباع أمره الديني
الشَّرْعِيّ على مَرَاتِب فِي الضلال:
فغلاتهم يجْعَلُونَ ذَلِك مُطلقًا عَاما فيحتجون بِالْقدرِ فِي كل مَا يخالفون
فِيهِ الشَّرِيعَة]
.


الشيخ: هذا الذين يسمون الجبرية فهم جعلوا القدر حجة لهم، وهذا من أضل الضلال
وأبين المحال، ولا يمكن يستقيم على هذا المذهب لا دنيا ولا دين أصلا، ولكن هل
يفهمون؟ قد يكون هؤلاء يريدون إضلال الناس، وإلا مثل هذا واضح، ولهذا يقول كثير من
العلماء: ينبغي أن يعاملوا بمقتضى مذهبهم، كيف يعاملوا بمقتضى المذهب؟



الطالب: ....


الشيخ: يقول: لا تلمني أنا مقدر علي هذا الشيء، هل أحد يرضى بهذا؟ يمكن يسلم؟
تحرق ماله وتقول: لا تلمني أنا مقدر علي هذا، لابد أن يسأل كل إنسان عن عمله، يسأل
عن فعله، وإلا لا تستقيم الأحوال أبدا، فهم يقولون: نحن غير ملومين، لأننا بمنزلة
الآلة التي تدار، فنحن ما لنا فعل، الأفعال كلها لله، وسبق الإشارة إلى هذا نعم،
هذا من أخبث المذاهب وأبطلها نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَقَول هَؤُلَاءِ
شَرّ من قَول الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَهُوَ من جنس قَول الْمُشْركين الَّذين
قَالُوا [148 الْأَنْعَام]
:
{لَو
شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء
} وَقَالُوا [20 الزخرف] : {لَو
شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم
}] .


الشيخ: هذا سبق أنهم قالوا هذا القول ردا لدعوة الرسول r، وليس إيمانا بعموم
مشيئة الله، يقولون: شركنا وقع بمشيئة الله و هو دليل على أنه راض به، وأنت جئتنا
بالنهي عن ذلك، فقولك غير مقبول، هذا معنى قولهم، فلو شاء الله ما أشركنا، يعني
أنه وقع بمشيئة الله، وهذا دليل على أنه راض به، هذا مرادهم، ولهذا جعله، جعل قول
الجبرية كهذا، نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَهَؤُلَاء من أعظم
أهل الأَرْض تناقضا بل كل من احْتج بِالْقدرِ فَإِنَّهُ متناقض]
.



الشيخ: متناقض لأنه لا يطبقه على نفسه، لو مثلا عمل عملا وقيل له، عمل فيه عمل
وقيل له: هذا قدر، لا يرضى أبدا، ولا يطبقه على نفسه، وإنما يريد أنه يبرر أفعاله
ويجعل اللوم على الله، هذا مقصوده، وقد يكون بعضهم يريد الإفساد، إفساد عقائد
الناس، نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [فَإِنَّهُ لَا
يُمكنهُ أَن يُقَرّ كل آدَمِيّ على مَا يفعل فَلَا بُد إِذا ظلمه ظَالِم أَو ظلم
النَّاس ظَالِم وسعى فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وَأخذ يسفك دِمَاء النَّاس ويستحل
الْفروج وَيهْلك الْحَرْث والنسل وَنَحْو ذَلِك من أَنْوَاع الضَّرَر الَّتِي لَا
قِوام للنَّاس بهَا أَن يدْفع هَذَا القدَر]
.



الشيخ: يدفع، يدفع هو إذا كان بالنسبة إليه وقع فيه لابد أن يدفعه هو نعم هذا
القدر المقدر الذي جاء به نعم.



القارئ: [وَأَن يُعَاقب الظَّالِم بِمَا يكف عدوانه
وعدوان أَمْثَاله فَيُقَال لَهُ: إِن كَانَ الْقدر حجَّة فدع كل أحد يفعل مَا
يَشَاء بك وبغيرك وَإِن لم يكن حجَّة بَطل أصل قَوْلك: [إِن الْقدر]

حجَّة].



الشيخ: هذا معنى مقتضى أنه كان يعامل بمقتضى قوله، لا يمكن أن يرضى به أحد
نعم.



القارئ: [وَأَصْحَاب هَذَا القَوْل الَّذين يحتجون
بِالْحَقِيقَةِ الكونية لَا
يطردون هَذَا القَوْل وَلَا
يلتزمونه وَإِنَّمَا هم يتبعُون آراءهم وأهواءهم كَمَا قَالَ فيهم بعض الْعلمَاء:
أَنْت عِنْد الطَّاعَة قدَري وَعند الْمعْصِيَة جَبْري أيُّ مَذْهَب وَافق هَوَاك
تمذهبت بِهِ]
.


الشيخ: الجبري هو الذي يقول: أنه مجبور على هذا الشيء، والقدري الذي ينكر
القدر، يعني الجبري هو هذا المذهب الخبيث، هو أخبث من القدري، والقدري الذي يقول:
أنا الذي أفعل ما أشاء ما قدر عليه، أنا الذي أختار فإن شئت آمنت وإن شئت كفرت،
والله جل وعلا ليس له شيء من ذلك ولم يقدر علي شيء، هذا القدرية الذين أنكروا
القدر، إذا أطلق القدري فهذا مراده، أما الجبري فهو الذي يقول: أنا مجبور، يعني
عكس هذا تماما، وهذان مذهبان متقابلان نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَمِنْهُم صنف يدّعون
التَّحْقِيق والمعرفة ويزعمون أَن الْأَمر وَالنَّهْي لَازم لمن شهد لنَفسِهِ
أفعالا وَأثبت لَهُ صِفَات أما من شهد أَن أَفعاله مخلوقة أَو أَنه مجبور على
ذَلِك وَأَن الله هُوَ الْمُتَصَرف فِيهِ كَمَا يُحَرك سَائِر المتحركات فَإِنَّهُ
يرْتَفع عَنهُ الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد.



وَقد يَقُولُونَ: من شهد الْإِرَادَة سقط عَنهُ
التَّكْلِيف]
.


الشيخ: هذا الذي يقوله غلاة الصوفية وليست المتكلمون، لأن هؤلاء جهلة أيضا،
فهذا الذي أداه إليهم شيطانهم الشيطان وليس اجتهادهم، أما الاجتهاد فإن العقل إذا
اجتهد وطلب الأدلة متجرد عن الهوى والميول الشيطانية فإنه يهتدي لأن الأمور ظاهرة
وجلية، أما إذا كان له هوى وله مراد معين فلن يهتدي إلا أن يشاء الله نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [ويزعمون أَن الْخضر
سقط عَنهُ التَّكْلِيف لشهوده الْإِرَادَة.



فَهَؤُلَاءِ يفرقون بَين الْعَامَّة والخاصة الَّذين شهدُوا
الْحَقِيقَة الكونية فَشَهِدُوا أَن الله خَالق أَفعَال الْعباد وَأَنه مُرِيد
ومدبر لجَمِيع الكائنات.



وَقد يفرقون بَين من يعلم ذَلِك علما وَبَين من يرَاهُ
شُهُودًا فَلَا يسقطون التَّكْلِيف عَمَّن يُؤمن بذلك ويعلمه فَقَط وَلَكِن
[يسقطونه]
عَمَّن يشهده
فَلَا يرى لنَفسِهِ فعلا أصلا وَهَؤُلَاء].



الشيخ: سبق أن الشهود معناها أن يعمل بما يعلم، نعم.


القارئ: [وَهَؤُلَاء يجْعَلُونَ الْجَبْر وَإِثْبَات
الْقدر مَانِعا من التَّكْلِيف على هَذَا الْوَجْه.وَقد وَقع فِي هَذَا طوائف من
المنتسبين إِلَى التَّحْقِيق والمعرفة والتوحيد.



وَسبب ذَلِك أَنه ضَاقَ نطاقهم عَن كَون العَبْد يُؤمر
بِمَا يقدّر عَلَيْهِ خِلَافه كَمَا ضَاقَ نطاق الْمُعْتَزلَة وَنَحْوهم من
الْقَدَرِيَّة عَن ذَلِك]
.


الشيخ: يقول أنه: وقع كثير من الناس في هذا، والسبب أنهم ما استطاعوا الجمع
بين القدر والشرع في عقولهم، فهذا السبب، ورأوا أن هذا يعارض هذا، وسلكوا هذا
المسلك السيء الذي فيه من الباطل ما هو ظاهر جلي، فالواجب على العبد والأمر ليس
صعبا في مثل هذا حتى يؤولون إلى هذا القول، فالإنسان إذا آمن بأقدار الله جل وعلا
وامتثل شرعه وانشرح صدره لذلك فالأمر سهل ميسور، ولكن على من يسره الله عليه، أما
هؤلاء فما استطاعوا وما استساغوا أنهم
يجمعون بين هذا وهذا نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى:[ ثمَّ الْمُعْتَزلَة
أَثْبَتَت الْأَمر وَالنَّهْي الشرعيين دون الْقَضَاء وَالْقدر الَّذين هما
إِرَادَة الله الْعَامَّة وخلقه لأفعال الْعباد]
.



الشيخ: المعتزلة قدرية، ولكن فيما بعد
صاروا جهمية قدرية، فهم أثبتوا الأمر والنهي الشرعي وعظموه، وقالوا: من ترك النهي
فقد كفر أو خرج من الدين الإسلامي ولم يدخل في الكفر، فصار بين منزلة بين منزلتين
لا كافر ولا مؤمن، فهذه من خصائصهم، وجعلوا الدين عندهم له أركان خمسة هذه أحدهم،
والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي ضمنه الخروج على الأئمة، يخرجون
عليهم بالسلاح، و الأمر الثالث: وجوب العدل، ووجوب العدل معناه إنكار القدر، إنكار
أن يكون الله قدر كل شيء، الرابع: وجوب تعذيب المجرم وإثابة المحسن، وهذا حكموا به
على الله، وكلها أركان اخترعوها وليس عليها دليل مما جاء به المصطفى
r،
ولهذا سموا أهل الكلام لأنهم كثروا الكلام في هذا، واتبعوا آرائهم التي هي الكلام،
نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَهَؤُلَاء أثبتوا
الْقَضَاء وَالْقدر وَنَفَوْا الْأَمر وَالنَّهْي فِي حق من شهد الْقدر]
.



الشيخ: الأولين الجبرية أثبتوا القضاء والقدر وجعلوا اللوم عليه، أما الشرع
فجلوه معارض له نعم.



القارئ: [إِذْ لم يُمكنهُم نفي ذَلِك مُطلقًا.


وَقَول هَؤُلَاءِ شَرّ من قَول الْمُعْتَزلَة وَلِهَذَا لم
يكن فِي السّلف من هَؤُلَاءِ أحد]
.


الشيخ: وأفعال المعتزلة ما صار من السلف منهم أحد، وبعض المحدثين رمي بأنه
قدري، الذين من الرجال الذين في البخاري وفي مسلم، بعضهم اتهم بأنه قدري، أما
الجبرية ما اتهم أحد بذلك جبرية محضة، وإلا فالجبرية التي ليست محضة والأشاعرة
كلهم هكذا، لأن الأشاعرة يقولون أيش في القدر؟ أفعال الإنسان، يقولون: الإنسان له
قدرة ليست مؤثرة في الفعل، ويقولون: أنه كاسب وليس عاملا، فإذا قيل ما الكسب؟
قالوا: التوسط بين الفعل وعدمه، أو يفسرونه بقدرة لا تأثير لها، لهذا يقول أهل
السنة: إن ثلاث من عجائب الكلام التي لا تفهم: طفرة النظام وأحوال أبو هاشم وكسب
الأشعري، فالأشعري ما قاله، وإنما أصحابه قالوا هكذا، والمقصود أن خلاف الكتاب
والسنة لا يأتي إلا بشر، ونتائجه كلها ضلال نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَهَؤُلَاء
يجْعَلُونَ الْأَمر وَالنَّهْي للمحجوبين الَّذين لم يشْهدُوا هَذِه الْحَقِيقَة
الكونية، وَلِهَذَا يجْعَلُونَ من وصل إِلَى شُهُود هَذِه الْحَقِيقَة يسْقط عَنهُ
الْأَمر وَالنَّهْي، وَيَقُولُونَ: إِنَّه صَار من الْخَاصَّة]
.



الشيخ: هؤلاء يعني الصوفية، ونحو الحلولية والاتحادية، والفرق بين الحلول
والاتحاد، أن الحلولي الذي يقول: إن الله حل في المخلوقات، تعالى الله وتقدس، أما
الاتحادي الذي يقول: لا فرق بين خالق ولا مخلوق، فالخالق هو المخلوق والمخلوق هو
الخالق، لأن الخالق اتحد في المخلوق كما تقول النصارى: اتحد اللاهوت بالناسوت يعني
الإله بالإنسان، هؤلاء قالوا كذلك، وهذا تصديق لقول الرسول
r: «لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، يعني أنكم ستتبعون اليهود
والنصارى في كل فعلوه وفي كل ما اعتقدوه، ولا يلزم أن تكون الأمة كلها، إذا صار
بعضها على هذا صدق قول الرسول
r
في ذلك نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَرُبمَا تأولوا على
ذَلِك قَوْله تَعَالَى [99 الْحجر]
:
{واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} فاليقين عِنْدهم هُوَ
معرفَة هَذِه الْحَقِيقَة.



وَقَول هَؤُلَاءِ كفر صَرِيح].


الشيخ: واليقين ما هو هنا في الآية؟ اليقين هو الموت هنا، هذا خطاب للرسول r،
أن الله يأمره يقول: اعبد ربك، يعني استمر على عبادتك حتى يأتيك الموت، لا ترفع
التكاليف عن أحد أصلا، طالما العقل موجود فهو مكلف، ولكن:
{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وسعها يعني ما
تسعه وتستطيعه نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَقَول هَؤُلَاءِ كفر
صَرِيح وَإِن وَقع فِيهِ طوائف لم يعلمُوا أَنه كفر فَإِنَّهُ قد علم بالاضطرار من
دين الْإِسْلَام أَن الْأَمر وَالنَّهْي لازمان لكل عبد مَا دَامَ عقله حَاضرا
إِلَى أَن يَمُوت لَا يسقطان عَنهُ لَا بشهوده الْقدر وَلَا بِغَيْر ذَلِك فَمن لم
يعرف ذَلِك عُرِّفه وبيِّن لَهُ فَإِن أصر على اعْتِقَاد سُقُوط الْأَمر
وَالنَّهْي فَإِنَّهُ يُقتل]
.



الشيخ: يعني يقتل، كيف يقتل من يقتله؟ ولي الأمر هو الذي إليه القتل والإنكار،
أما آحاد الناس فلا يجوز ذلك، لأنه لو حصل هذا من آحاد الناس لفسدت الأمور وصار
فوضى، كل يزعم أن فلان يستحق القتل فيقتل، فقول الشيخ: مر مرارا، من فعل ذلك
يستتيب وإلا قتل، الذي يستتيبه ولي الأمر، والذي يقتله ولي الأمر، وليس لآحاد
الناس أنهم يفعلون هذا، ولكن آحاد الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر حسب
الاستطاعة، كما في حديث أبي سعيد: «من رأي منكم منكرا
فلينكره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»
،
والإنكار في القلب لا يسقط عن أحد، وهو كراهة هذا الشيء وبغضه ومفارقته، هذا يجب
على كل أحد، أما الإنكار بالقول هذا قد مثلا يجر الإنسان ضرر، وإذا كان يجر ضرر
فأنت معافى، يعني مسامح في ذلك فضلا من الله، وأما الإنكار باليد وليس هذا إلا
لأهل السلطة الذي جعل إليهم، إلا أن يكون تحت يدك، مثل الولد وما أشبه ذلك فهذا
نعم، لأن الرسول
r
قال: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم
عليها وهم أبناء عشر»
، هذا معناه إنكار باليد، هذا تحت يدك وأنت مسئول عنه،
فالإنكار من المعروف وهو من الدين، وكذلك
كون الإنسان يمتثل أمر الله جل وعلا في كل ما جاء به الرسول
r، ولكن كل هذا حسب
الاستطاعة، استطاعة المرء، لأن الرسول
r
يقول: «إذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم، وإذا
أمرتكم عن شيء فاجتنبوه»
، النهي ما فيه استثناء، لأن النهي سهل، كونك
تجتنبك وتتركه سهل، ما هو مثل الفعل، الفعل يتعلق بالاستطاعة، أما الترك مجرد ترك
تتركه أمره سهل نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَقد كثرت مثل هَذِه
المقالات فِي الْمُسْتَأْخِرِينَ.



وَأما المتقدمون من هَذِه الْأمة فَلم تكن هَذِه المقالات
مَعْرُوفَة فيهم وَهَذِه المقالات]
.


الشيخ: يعني قصده المقالات مثل الحلول والاتحاد، ومثل الاحتجاج بالقدر، كونه
مثلا بمنزلة الآلة أو أنه لا قدر، وإن كان قد حدث في أول الأمر، ولكن حسم في وقت
الصحابة، لما علموا بذلك أفتوا بأنه كفر، وقالوا: أن من يقول بهذا ليس بمؤمن، فترك
الأمر، ثم فيما بعد بعث مرة أخرى، وصار له وجه آخر نعم.



القارئ: قال رحمه الله تعالى: [وَهَذِه المقالات
هِيَ محادة لله وَرَسُوله ومعاداة لَهُ وَصد عَن سَبيله ومشاقة لَهُ وَتَكْذيب
لرسله ومضادة لَهُ فِي حكمه وَإِن كَانَ من يَقُول هَذِه المقالات قد يجهل ذَلِك
ويعتقد أَن هَذَا الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ هُوَ طَرِيق الرَّسُول وَطَرِيق
أَوْلِيَاء الله الْمُحَقِّقين فَهُوَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة من يعْتَقد أَن
الصَّلَاة لَا تجب عَلَيْهِ لاستغنائه عَنْهَا بِمَا حصل لَهُ من الْأَحْوَال
القلبية أَو أَن الْخمر حَلَال لَهُ لكَونه من الْخَواص الَّذين لَا يضرهم شرب
الْخمر أَو أَن الْفَاحِشَة حَلَال لَهُ لِأَنَّهُ صَار كالبحر لَا تكدره
الذُّنُوب وَنَحْو ذَلِك.



وَلَا ريب أَن الْمُشْركين الَّذين كذبُوا الرَّسُول
يَتَرَدَّدُونَ بَين الْبِدْعَة الْمُخَالفَة لشرع الله وَبَين الِاحْتِجَاج
بِالْقدرِ على مُخَالفَة أَمر الله فَهَذِهِ الْأَصْنَاف فِيهَا شبه من
الْمُشْركين؛ إِمَّا أَن يبتدعوا وَإِمَّا أَن يحتجوا بِالْقدرِ وَإِمَّا أَن
يجمعوا بَين الْأَمريْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَن الْمُشْركين [28 الْأَعْرَاف]
: {وَإِذا فعلوا فَاحِشَة قَالُوا وجدنَا عَلَيْهَا
آبَاءَنَا وَالله أمرنَا بهَا قل إِن الله لَا يَأْمر بالفحشاء أتقولون على الله
مَا لَا تعلمُونَ
} وكما قَالَ تَعَالَى عَنْهُم [148 الْأَنْعَام]
:
{سَيَقُولُ الَّذين أشركوا لَو
شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء
} .


وَقد ذَكَرَ عَن الْمُشْركين مَا ابتدعوه من الدَّين الَّذِي فِيهِ تَحْلِيل
الْحَرَام وَعبادَة الله بِمَا لم يشرع الله فِي مثل قَوْله تَعَالَى [138 الْأَنْعَام] :
{وَقَالُوا هَذِه أنعام وحرث حجر لَا يطْعمهَا
إِلَّا من نشَاء بزعمهم وأنعام حرمت ظُهُورهَا وأنعام لَا يذكرُونَ اسْم الله
عَلَيْهَا افتراء عَلَيْهِ
} إِلَى آخر السُّورَة وَكَذَلِكَ فِي
سُورَة الْأَعْرَاف [27-33] :
{يَا بني آدم لَا يفتننكم الشَّيْطَان كَمَا أخرج
أبويكم من الْجنَّة
} إِلَى قَوْله: {وَإِذا فعلوا فَاحِشَة قَالُوا وجدنَا عَلَيْهَا
آبَاءَنَا وَالله أمرنَا بهَا قل إِن الله لَا يَأْمر بالفحشاء أتقولون على الله
مَا لَا تعلمُونَ * قل أَمر رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهكُم عِنْد كل
مَسْجِد
} إِلَى قَوْله: {وكلوا
وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا إِنَّه لَا يحب المسرفين * قل من حرم زِينَة الله
الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ والطيبات من الرزق
} إِلَى قَوْله: {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر
مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه
مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ
}


وَهَؤُلَاء قد يسمّون مَا أحدثوه من الْبدع حَقِيقَة كَمَا يسمّون مَا
يشْهدُونَ من الْقدر حَقِيقَة وَطَرِيق الْحَقِيقَة].



والله أعلم وصلى
الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:46 am

شرح


رسالة العبودية


المجلس
الرابع















لفضيلة
الشيخ



عبد الله الغنيمان


-حفظه
الله-













 شرح رسالة العبودية C:%5CDOCUME%7E1%5CPCUSER%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsohtmlclip1%5C01%5Cclip_image002


يا أرحم الراحمين، قال شيخ الإسلام رحمه
الله في رسالة العبودية: [
وَطَرِيق الْحَقِيقَة عِنْدهم
هُوَ السلوك الَّذِي لَا يتَقَيَّد صَاحبه بِأَمْر الشَّارِع وَنَهْيه وَلَكِن
بِمَايرَاهُ ويذوقه ويجده فِي قلبه مَعَ مَا فِيهِ من غَفلَة عَن الله جلّ
وَعلا وَنَحْو ذَلِك.
وَهَؤُلَاء لَا يحتجون بِالْقدرِ مُطلقًا بل عمدتهم اتِّبَاع آرائهم وأهوائهم
وجعلُهم مَا يرونه وَمَا يهوَونه حَقِيقَة ويأمرون باتباعها دون اتِّبَاع أَمر
الله وَرَسُوله نَظِير بدع أهل الْكَلَام من الْجَهْمِية وَغَيرهم الَّذين
يجْعَلُونَ مَا ابتدعوه من الْأَقْوَال الْمُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة حقائق عقلية
يجب اعتقادها دون مَا دلّت علية السمعيات ثمَّ الْكتاب وَالسّنة إِمَّا أَن يحرفوا
القَوْل فيهمَا عَن موَاضعه وَإِمَّا أَن يعرضُوا عَنهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا
يتدبرونه وَلَا يعقلونه بل يَقُولُونَ: نفوض مَعْنَاهُ إِلَى الله مَعَ
اعْتِقَادهم نقيض مَدْلُوله وَإِذا حُقّق على هَؤُلَاءِ مَا يزعمونه من العقليات
الْمُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة وُجدت جهليات واعتقادات فَاسِدَة.



وَكَذَلِكَ
أُولَئِكَ إِذا حقق عَلَيْهِم مَا يزعمونه من حقائق أَوْلِيَاء الله الْمُخَالفَة
للْكتاب وَالسّنة وجدت من الْأَهْوَاء الَّتِي يتبعهَا أَعدَاء الله لَا أولياؤه.
وأصل ضلال من ضل هُوَ بِتَقْدِيم قِيَاسه على النَّص الْمنزل من عِنْد الله
وَتَقْدِيم اتِّبَاع الْهوى على اتِّبَاع أَمر الله فَإِن الذَّوْق والوجد]
.


الشيخ: الحمد لله
رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده
ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا، فالكلام في هذا أولا عن الصوفية الذين يجعلون دينهم
أذواقهم وما تهواه أنفسهم، بدون النظر إلى ما جاء به المصطفى
r، والفريق الثاني المتكلمون الذين
يجعلون الأصل في هذا عقولهم، ويسمون عقلاياتهم براهين، أما ما دل عليه الكتاب
والسنة فيسمونها ظنون وشكوك وأمور يهونون منها كثيرا، ثم يتبعون ما يقررونه
بأنفسهم، وهذا لا شك بأنهم مخالفون للحق وأنهم لا يريدون إتباع الحق، وإذا تبين أن
هذا مرادهم وأن هذا نهجهم، تبين أنهم ليسوا لا من أهل العلم ولا من أهل الإتباع،
وإذا كان الإنسان ليس من أهل العلم ولا من أهل الإتباع فلا يجوز الاقتداء به ولا
النظر إلى ما يقوله، لأن الميزان عندنا هو ما جاء به الرسول
r، فإن تركه وانحرف عنه، فهو إما
يتبع هواه، أو أن له أيضا غرض معين أو في قلبه مرض، لا يخلو من هذين الأمرين،
فهؤلاء لا يخرجون عن ذلك، ونقول: أن هذا هو أصل الضلال، والضلال معناه مجانبة الحق
والعدول عنه والميل إلى طرق أخرى، وهذا كثير في الناس، والدواعي والدوافع له وإن
اختلفت فالمنهج واحد في ذلك نعم.



قال: [فَإِن الذَّوْق والوجد وَنَحْو ذَلِك هُوَ بِحَسب مَا يُحِبهُ
العَبْد ويهواه]
.



الشيخ: الذوق يعني
الذي يتذوفه بهواه وطبعه، وليس الذوق الذي يذوقه بفمه، وهو يكون أعظم من الشهوات
التي تأكل، وكذلك ما يميل إليه بحسب ما يقوده إليه الهوى، فلهذا كثر الانحراف في
ذلك، وفضلوا طريق الأغاني والأذواق التي تستنتج من الأصوات ا لحسنة على سماع كتاب
الله جل وعلا، وكذلك ما دل عليه الكتاب والسنة من اجتناب الأهواء وأصوات الشياطين
التي قد تجتلب بها كثير من الناس، يعني يفضلونها على ما جاء عن الله جل وعلا
والرسول، وهذا لا يخفى على الإنسان الذي يثبر أحوالهم وينظر إليهم، فكيف مثل هؤلاء
يصيرون أئمة، ويجعل لهم مثلا كبار في مجتمع الإسلامي، يجب ألا يكون لهؤلاء أي
اعتبار، ولكن لا يتبين من هو كثير من الناس، لأن الدعاوى ما هي مجرد دعوى، يدعون
ثم يلبسون الحق بالباطل، فيخفى الحق على كثير من الناس، وهذه صفة أصحاب الباطل،
وقد ذكر الله جل وعلا عن اليهود أن هذا نهجهم، واللبس لبس الحق بالباطل، هذا طريق
يعمي كثير من الناس، إذ لو كان الحق واضح لما كان فيه إشكال، ولو كان الباطل أيضا
خالص ما فيه شيء من الحق لم يكن في ذلك إشكال،
ولهذا يحتاج الإنسان إلى فرقان يفرق به بين ما هو حق وما هو باطل، وهذا من أفضل ما يؤتاه العبد، أن الله جل وعلا
يؤتيه فرقان يفرق به بين ما هو حق وما هو باطل، وقد أمر الله جل وعلا عباده بتقواه
ووعدهم إذا اتقوا ربهم جل وعلا أن يعطيهم فرقانا يفرقون به وهو العلم الصحيح
النافع، الذي يؤخذ من كتاب الله، ومن سنة رسوله
r، فإذا جعل للإنسان فرقان يفرق به،
فإنه لا ينطلي عليه مثل كلام هؤلاء أنهم وصلوا إلى حقائق ما وصل إليها غيرنا، وقد
مثلا مع دعواهم وهو الغالب، يهونون من شأن الحق ومن أهله، بل ربما يعني رموهم
بالنقص والعدول عن الحق وأنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه، فهذا هي طريقتهم غالبا
نعم.



قال: [فَأهل الْإِيمَان لَهُم من الذَّوْق والوجد مثل مَا بيّنه
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلمبقوله فِي الحَدِيث الصَّحِيح:
« ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الْإِيمَان: من كَانَ الله
وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا وَمن كَانَ يحب الْمَرْء لَا يُحِبهُ
إِلَّا لله وَمن كَانَ يكره أَن يرجع فِي الْكفْر بعد إِذْ أنقذه الله مِنْهُ
كَمَا يكره أَن يلقى فِي النَّار
» وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم:
« ذاق
طعم الْإِيمَان من رَضِي بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ
نَبيا
»].


الشيخ: هذان
الحديثان يدلا على أن الإيمان له طعم حقيقة، يذوقه الإنسان، ولكن ليس كل أحد، من
رضي بالله ربا وبالإسلام ربا، يعني كونه رضي بالله ربا، أنه لن ينحرف عن ربوبيته،
بل يكتفي بأنه ربه، وكذلك الإسلام لا ينحرف عنه، بل هو يكون دينه الذي يترسمه ولا
يتعداه، ويرتبط به ولا يريد بديلا له، والإسلام عام مطلق لكل شيء، الشيء الذي يكون
خاص والشيء الذي يكون عام، يعني بين الذي يكون في نفسه، والذي يكون بينه وبين غيره
من الناس، وكذلك الحديث الأول، إذا كان محبته لله ورسوله، وكان لا يحب من يحب إلا
لأجل الله جل وعلا لأنه مطيع لله، وكان أيضا يرى أنه قد من الله عليه أكبر المنة،
فلا يريد بديلا عما هو فيه، حتى ولو ألقي في النار، من كان بهذه الصفة فهو الذي يذوق طعم ا لإيمان
نعم.



قال: [وَأما أهل الْكفْر والبدع والشهوات فَكل بِحَسبِهِ.


قيل
لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة: مَا بَال أهل الْأَهْوَاء لَهُم محبَّة شَدِيدَة
لأهوائهم؟ فَقَالَ: أنسيت قَوْله تَعَالَى [93 الْبَقَرَة]
: {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل بكفرهم} أَو نَحْو هَذَا
من الْكَلَام].



الشيخ: بكفرهم بسبب
كفرهم، وإشراب حب العجل في القلب هذا مشكلة، مصيبة إذا أشرب الإنسان قلبه بحب
الشيء من يخلصه؟ تخليصه صعب جدا، ما يخلصه إلا رب العالمين جل وعلا، وهكذا الباطل
قد يشرب حبه في القلب، فيصبح ما يريد به بديلا، فهذا السبب في كونهم يحبون مذاهبهم
ويحبون باطلهم، لأن الكفر من جزائه أن يكون له كفر آخر، يعني السيئة جزائها سيئة
أخرى، ويكون السيئة تدعوا إلى السيئة، كما أن الحسنة تكون جزائها حسنة أخرى، والله
أعلم جزاءا وفاقا نعم.



القارئ: [فعبّاد الْأَصْنَام يحبونَ آلِهَتهم كَمَا قَالَ تَعَالَى
[165 الْبَقَرَة]
:
{وَمن
النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا
لله
}].


الشيخ: ولولا ذلك
ما قاتلوا دون أندادهم ومعبوداتهم، وبذلوا أموالهم ومهجهم نعم.



القارئ: وقال: [وَقَالَ [50 الْقَصَص] : {فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا لَك فَاعْلَم أَنما
يتبعُون أهواءهم وَمن أضلّ مِمَّن اتبع هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله
} وَقَالَ [23 النَّجْم] : {إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَمَا تهوى الْأَنْفس
وَلَقَد جَاءَهُم من رَبهم الْهدى
} .


وَلِهَذَا يمِيل
هَؤُلَاءِ ويغرمون بِسَمَاع الشّعْر والأصوات الَّتِي تهيج الْمحبَّة الْمُطلقَة
الَّتِي لَا تخْتَص بِأَهْل الْإِيمَان بليشْتَرك فِيهَا محب الرَّحْمَن
ومحب الْأَوْثَان ومحب الصلبان ومحب الأوطان ومحب الإخوان ومحب المردان ومحب
النسوان وَهَؤُلَاء الَّذين يتبعُون أذواقهم].



الشيخ: يعني مقصوده
أن محبة أصوات الأغاني والنغمات الحسنة، مع ما يصاحبها من آلات اللهو، فهذه لا
يمكن أن تجتمع معها ما يحبه ا لله جل وعلا من تلاوة كتابه والاستماع إليه، إلا إذا
كان الإنسان يستمع لأجل الصوت فقط، الصوت رخيم وحسن، ولهذا ما يتأثر إلا بالصوت،
ومثل هذا لا عبرة في ذلك، وإنما الفارق بين كونه يحب الاستماع لأجل الصوت أو لأجل
المعنى التأثر، إذا كان يتأثر وينزجر ويرغب في الخير وينصرف عن الشر، هذه هي
الأغاني، وإلا تجده يزداد شرا إذا كان مقصود الصوت فقط، نعم.



القارئ: [وَهَؤُلَاء الَّذين يتبعُون أذواقهم
ومواجيدهم من غير اعْتِبَار لذَلِك بِالْكتاب وَالسّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سلف
الْأمة.



فالمخالف لما بعث الله بِهِ رَسُوله من عِبَادَته وَحده
وطاعته وَطَاعَة رَسُوله لَا يكون مُتبعا لدين شَرعه الله أبدا كَمَا قَالَ
تَعَالَى [18-19 الجاثية]
: {ثمَّ جعلناك على شَرِيعَة من
الْأَمر فاتبعها وَلَا تتبع أهواء الَّذين لَا يعلمُونَ * إِنَّهُم لن يغنوا عَنْك
من الله شَيْئا وَإِن الظَّالِمين بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَالله ولي الْمُتَّقِينَ
} بل يكون مُتبعا
لهواه بِغَيْر هدى من الله قَالَ تَعَالَى [21 الشورى]
:
{أم لَهُم شُرَكَاء شرعوا لَهُم
من الدَّين مَا لم يَأْذَن بِهِ الله
} .


وهم فِي ذَلِك تَارَة يكونُونَ على بِدعَة يسمونها حَقِيقَة يقدمونها على مَا
شَرعه الله وَتارَة يحتجون بِالْقدرِ الكوني على الشَّرِيعَة كَمَا أخبر الله بِهِ
عَن الْمُشْركين كَمَا تقدم.



وَمن هَؤُلَاءِ طَائِفَة هم أعلاهم عِنْدهم قدرا وَهُوَ مستمسكون بِمَا
اخْتَارُوا بهواهم من الدَّين فِي أَدَاء الْفَرَائِض الْمَشْهُورَة وَاجْتنَاب
الْمُحرمَات الْمَشْهُورَة لَكِن يضلون بترك مَا أمروا بِهِ من الْأَسْبَاب
الَّتِي هِيَ عبَادَة ظانين أَن الْعَارِف إِذا شهد الْقدر أعرض عَن ذَلِك مثل من
يَجْعَل التَّوَكُّل مِنْهُم أَوالدُّعَاء مِنْهُم وَنَحْو ذَلِك من مقامات
الْعَامَّة دون الْخَاصَّة بِنَاء على أَن من شهد الْقدر علم أَن مَا قدر سَيكون
فَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِك وَهَذَا ضلال مُبين.



فَإِن الله قدر الْأَشْيَاء بأسبابها كَمَا قدر السَّعَادَة والشقاوة
بأسبابهما كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله خلق
للجنة أَهلا خلقهَا لَهُم وهم فِي أصلاب آبَائِهِم وبعمل أهل الْجنَّة يعْملُونَ
وَخلق للنار أَهلا خلقهَا لَهُم وهم فِي أصلاب آبَائِهِم وبعمل أهل النَّار
يعْملُونَ " وكما قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أخْبرهُم بِأَن
الله كتب الْمَقَادِير فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أَفلا نَدع الْعَمَل ونتكل على
الْكتاب؟ فَقَالَ: " لَا اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ أما من كَانَ من
أهل السَّعَادَة فسييسر لعمل أهل السَّعَادَة وَأما من كَانَ من أهل الشقاوة
فسييسر لعمل أهل الشقاوة ".



فَكل مَا أَمر الله بِهِ عباده من الْأَسْبَاب فَهُوَ عبَادَة والتوكل مقرون
بِالْعبَادَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى [123 هود]
:
{فاعبده وتوكل عَلَيْهِ} وَفِي قَوْله [30 الرَّعْد] : {قل هُوَ رَبِّي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ
توكلت وَإِلَيْهِ متاب
} وَقَول شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام [88 هود] : {عَلَيْهِ
توكلت وَإِلَيْهِ أنيب
} .


وَمِنْهُم طَائِفَة
قد تتْرك المستحبات من الْأَعْمَال دون الْوَاجِبَات فتنقص بِقدر ذَلِك.



وَمِنْهُم طَائِفَة
يغترون بِمَا يحصل لَهُم من خرق عَادَة - مثل مكاشفة أَو استجابة دَعْوَة
مُخَالفَة للْعَادَة وَنَحْو ذَلِك - فيشتغل أحدهم بِهَذِهِ الْأُمُور عَمَّا أَمر
بِهِ من الْعِبَادَة وَالشُّكْر وَنَحْو ذَلِك.



فَهَذِهِ الْأُمُور
وَنَحْوهَا كثيرا مَا تعرض لأهل السلوك والتوجه وَإِنَّمَا ينجو العَبْد مِنْهَا
بملازمة أَمر الله الَّذِي بعث بِهِ رَسُوله فِي كل وَقت كَمَا قَالَ الزُّهْرِيّ:
كَانَ من مضى من سلفنا يَقُولُونَ: الِاعْتِصَام بِالسنةِ نجاة. وَذَلِكَ أَن
السّنة كَمَا قَالَ مَالك رَحمَه الله: مثل سفينة نوح من ركبهَا نجا وَمن تخلف
عَنْهَا غرق.



وَالْعِبَادَة
وَالطَّاعَة والاستقامة وَلُزُوم الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَنَحْو ذَلِك من
الْأَسْمَاء مقصودها وَاحِد وَلها أصلان:



أَحدهمَا أَن لَا
يعبد إِلَّا الله.



وَالثَّانِي أَلا
يعبده إِلَّا بِمَا أَمر وَشرع لَا يعبده بِغَيْر ذَلِك من الْأَهْوَاء والظنون
والبدع].



الشيخ: هذان
الأصلان جامعان لكل الخير، ولا عبرة بالعمل إلا بهما، فلا يقصد بعبادته إلا رب
العالمين جل وعلا، وإذا دخلته المقاصد الأخرى، سواء قصد الدنيا أو حظوظ النفس من
الثناء وحب الظهور وإشارة الناس إليه فالعمل حابط وباطل ولا قيمة له، وسوف يندم
حين لا ينفع الندم، ولهذا جاءت الآثار الكثيرة من أحاديث النبي
r أن ناسا يوم القيامة يأتون بحسنات
ثم يؤمر بهم إلى النار، تقول الملائكة تسأل ربها جل وعلا ما علمنا إلا خيرا، يقول:
ما قصدوا بأعمالهم وجه الله، إنما قصدوا كذا وكذا، فالمقاصد يعلمها الله جل وعلا،
ولكن الغالب أنها تظهر للناس، ولهذا يعرفون مثلا أن هذا مرائي، وهذا يريد مثلا ظهور
عند الناس، ولو لم يخبر بذلك، هذه سنة الله
U، والثاني: لابد أن يكون العمل جاء
به المصطفى في الشرع، وإلا فهو مردود، لهذا يقول الله
U: {هل أتاك حديث الغاشية}، الغاشية هي يوم
القيامة التي تغشى الناس كلهم،
{وجوه
يومئذ خاشعة عاملة ناصبة
}، متى كانت خاشعة وعاملة وناصبة؟ في هذه
الدنيا،
{تصلى نارا حامية}، خشوع وعمل ونصب
ولكن النتيجة أنها تصلى نارا حامية، لأنها على أعمال مبتدعة ضالة، فصار النصب
والخشوع والعمل صار سبيلا إلى جهنم، وقائدا إلى النار نسأل الله العافية يتزودون
إلى جهنم بنصبهم وعملهم، ولابد من إتباع الحق الذي جاء به المصطفى
r وإلا يهلك الإنسان، ومن هنا جاء هذان الأصلان، قالوا: لابد أن يكون العمل خالصا لله U، لأن الله U يقول: {وإلهكم إله
واحد لا إله إلا هو
}، لابد أن
يكون التأله والتعلق بالله وحده، فإذا تعلق القلب بغيره، وصار الالتفات إلى غيره
والمقصد إلى شيء معين من أمور الدنيا أو حظوظ النفس فقد ضل الإنسان وهلك، كذلك إذا
كان نهجه وعمله على غير ما جاء به المصطفى، وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمد رسول الله، الأول: معنى شهادة أن لا إله إلا الله، والثاني: معنى شهادة
أن محمد رسول الله، شهادة أن لا إله إلا الله، ألا تأله وتعبد إلا ربك جل وعلا،
والذي خلقك وأوجدك وأوجد لك كل شيء، الثاني: أن تكون العبادة هي التي جاء بها
الرسول وأمر بها
r، وإلا يكون الإنسان معرض لعذاب الله U، والأدلة على هذا كثيرة جدا، بل كتاب الله
وسنة رسوله
r كلها في هذا، {إياك نعبد
وإياك نستعين
}، العبادة لا تكون إلا طاعة الأمر،
والأمر لابد أن يأتي به الرسول الذي أرسله الله إلينا، ما الأمر إلينا نختار ما
نشتهيه وما نريد، لابد أن يكون الرسول
r
جاء به، فنتبع الهدى، ومعنى شهادة أن محمد رسول الله، أنه رسول والرسول معروف،
الرسول أرسل وله مرسل، و فيه رسالة، الرسالة تبلغ إلى مرسل إليه، إذاً كلمة رسول
تتطلب أربعة أشياء، أولا رسول يبلغ، الثاني: رسالة تحمل، الثالث: مرسل أرسل بهذه
الرسالة، والرابع: مرسل إليه، فنحن الذين أرسل إليهم، لما جاء الرسول
r إلى قيام الساعة، الرسالة هي التي جاء بها
المصطفى
r، لابد أن نطيع لهذا ونتبع، وألا نكون عصاة
وضلال، وسوف نسأل عن هذا، هل جاءكم الرسول؟، لهذا كان
r يقول: «إنكم
مسئولون عني فماذا أنتم قائلون»
، مسئولون عني، يعني يقول الله
U: هل بلغكم الرسول؟ الجواب الرسول r بلغ كل شيء، لهذا لما قال يهودي لسلمان:
نبيكم يعلمكم كل شيء حتى الخراءه، المقصود بالخراءه يعني أنه يقول: إذا ذهب أحدكم
إلى الغائط يستنجي بثلاثة أحجار، ولا يستنجي لا بعظم ولا بروث، حتى هذه يعلمكم
لها، فذهب وقال للرسول
r،
إن هذا يقول كذا وكذا، قال: «نعم، أنا بمنزلة الوالد
لكم أعلمكم كل ما ينفعكم»
، في صحيح مسلم يقول
r: «حق على كل نبي
أن يدل أمته على خير ما أرسله الله به»
، والرسول
r ما ترك شيء، كان يعلمنا مثل هذا أدب التخلي،
يقول: «إذا أتى أحدكم إلى قضاء حاجته فليستتر وليرتاد
لبوله حتى لا يرجع إليه»
، معنى يرتاد يعني يطلب المكان الرطب، إذا كان
المكان صلب، يأتي بحجر أو شيء فيدكه حتى يكون
حتى ما يرش عليه يتنجس، بعض الناس يستحي من هذا، يضيع أمر والده، الرسول
r يأتي بالشيء، فإذا كان يعلمنا مثل هذا
فيقول: «إذا أراد أحدكم أن يدخل بيته فليقل بسم الله،
فإنه إذا قال: بسم الله قال الشيطان لمن معه، حرمتم المبيت، أما إذا لم يسمي دخل
معه الشيطان، وإذا قدم الطعام فليقل بسم الله، فإنه إذا قال بسم الله، منع ا
لشيطان من مشاركته من طعامه، وإذا لم يصلي قال الشيطان أدركتم المبيت وأدركتم
العشاء فيأكل معه»
، حتى أراد أن يأتي أهله يجب أن يقول: بسم الله اللهم
جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإذا قدر بينهما ولد لا يضر شيطان، ولهذا
نرى كثيرا من الناس الآن الأولاد كأن معهم شياطين مشاركة لهم، بسبب أن آبائهم لا
يسموا، فالله
U يقول: {وشاركهم في
الأموال والأولاد
}، أيش لون
يشاركهم في الأموال والأولاد؟ إذا لم يسموا شاركهم في أكلهم، وإذا لم يسموا أيضا
عند اتصاله بزوجته شاركه الشيطان، يشاركه فيه، فالمقصود أن الرسول
r كان يعلمنا كان من ينفعنا، هل تتصور أنه
يترك باب العقيدة وباب معرفة ربنا
U
ملتبس مشبته، حتى يأتي الجهم بن صفوان ونحوه يبين لنا؟ هذا ما يمكن أن يقوله مسلم،
يتصور ما يقول، فالذي جاء به المصطفى
r
وهذا هو معنى شهادة أن محمد رسول الله، تشهد أنه جاء بالحق وبلغه وبينه، وأن كل ما
جاء به يجب أن نترسمه ونعمل به حب الاستطاعة، هذا يلزم كل واحد حسب الاستطاعة، علق
لك باستطاعتك، وهذا من فضل الله
U
ورحمته بنا، نعم.



القارئ: [قَالَ تَعَالَى [110 الْكَهْف] : {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا
صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا
} وَقَالَ تَعَالَى [112 الْبَقَرَة] : {بلَى من أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن فَلهُ أجره
عِنْد ربه وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
} وَقَالَ تَعَالَى [125 النِّسَاء] : {وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه لله وَهُوَ
محسن وَاتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا
} .


فَالْعَمَل
الصَّالح هُوَ الْإِحْسَان وَهُوَ فعل الْحَسَنَات والحسنات هِيَ مَا أحبه الله
وَرَسُوله وَهُوَ مَا أَمر بِهِ أَمر إِيجَاب أَو اسْتَجَابَ.



فَمَا كَانَ من
الْبدع فِي الدَّين الَّتِي لَيست فِي الْكتاب، وَلَا فِي صَحِيح السّنة،
فَإِنَّهَا - وَإِن قَالَهَا من قَالَهَا، وَعمل بهَا من عمل - لَيست مَشْرُوعَة؛
فَإِن الله لَا يُحِبهَا وَلَا رَسُوله، فَلَا تكون من الْحَسَنَات وَلَا من
الْعَمَل الصَّالح. كَمَا أَن من يعْمل مَا لَا يجوز، كالفواحش وَالظُّلم لَيْسَ
من الْحَسَنَات وَلَا من الْعَمَل الصَّالح.
وَأما قَوْله [110 الْكَهْف] :
{وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا} وَقَوله [112 الْبَقَرَة] {أسلم وَجهه لله} فَهُوَ إخلاص
الدَّين لله وَحده وَكَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَل عَمَلي كُله
صَالحا واجعله لوجهك خَالِصا وَلَا تجْعَل لأحد فِيهِ شَيْئا].



الشيخ: نعم، كله
صالحا، يعني كله وفق ما جاء به الشرع، لأن الصالح هو ما جاء به الرسول
r، وإذا كان البدع والآراء والأهواء
ليس صالحا بل هو فاسد، والإخلاص كونه يكون لله وحده، لأن العمل قد يكون صالحا في
نفسه لأنه موافق للسنة، ولكنه قد يدخل الرياء، يدخله المرادات الناس أو مراءاتهم
أو صرف وجوههم إليه حتى يثنوا عليه ويمدحوه فيكون أيضا فيه شرك، فيكون مردودا وإن
كان صالحا، نعم.



القارئ: [وَقَالَ الفضيل بن عِيَاض فِي قَوْله تَعَالَى [7 هود، 2
الْملك]
:
{ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} قَالَ: أخلصه
وأصوبه قَالُوا: يَا أَبَا عَليّ مَا أخلصه وأصوبه؟ قَالَ: إِن الْعَمَل إِذا
كَانَ خَالِصا وَلم يكن صَوَابا لم يقبل وَإِذا كَانَ صَوَابا وَلم يكن خَالِصا لم
يقبل حَتَّى يكون خَالِصا صَوَابا والخالص أَن يكون لله وَالصَّوَاب أَن يكون على
السّنة].



الشيخ: وهذا هو
معنى الشرطين المتقدمين، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول
الله، فهذا الذي يجب على المسلم أن يفهمه جيدا، ويعمل على مقتضاه، لأنه لا خلاص له
إلا بذلك، وسوف يسأل عنه حينما يحل في قبره أول ما يحل، لأن الله علام الغيوب لا
يخفى عليه شيء، لا يأخذ الله
U إلا بالعمل الذي يعمله الإنسان،
لهذا في حديث عبد الله بن مسعود الذي اتفق عليه البخاري ومسلم وهو أصل من أصول
الدين الإسلامي: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين
يوما نطفة»
، إلى أن قال: « وإن أحدكم ليعمل بعمل
أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا شبر أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل
أهل النار فيدخلها»
، يعني يموت على ذلك فيدخلها، وبالعكس: «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا
شبر أو ذراع»
، شبر أو ذراع يعني مسافة قصيرة جدا: «فيسبق
عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»
، ثم قال: «
إنما
الأعمال بالخواتيم»
، يعني الذي يختم له
على ذلك، والشاهد هنا أنه قال: فيعمل بعمل أهل النار، وفي المقابل، فيعمل بعمل أهل
الجنة، لن يدخل الجنة والنار بمجرد الكتابة لا، لابد من العمل، فالعمل هو الذي
يجزى عليه الإنسان، لهذا نقول: إن هذا أمر مهم جدا، وأهميته قد لا تدرك بالنظر
ولكن إذا عايش الإنسان ذلك عرف كيف، وهذا قلنا: مهمة العبد المسلم أنه دائما يسأل
ربه أن يهديه الصراط المستقيم وأن يثبته على هذا، وأن يجعل عمله خالصا، فإذا كان
مثلا: عمر
t يخاف يقول: اللهم اجعل عملي صالحا، واجعله
لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيء، مقتضى الدعاء هذا أنه خايف، أنه يخاف أنه
يعمل عملا غير صالح، أو أنه يكون في عمله شيء يبطله، لغير مراد الله جل وعلا، إذ
لو كان آمن ما دعا بهذا الدعاء، وهكذا، ولهذا لما مر على إبراهيم التيمي رحمه
الله، إبراهيم التيمي من أكبر التابعين ومن أكبر أولياء الله، لما مر على قوله
U: {وإذ قال إبراهيم رب اجنبني
وبني أن نعبد الأصنام
}، قال: ومن
يأمن البلاء بعد إبراهيم؟ يعني إبراهيم ما أمن لأنه قال:
{رب إنهن أضللن
كثيرا من الناس
}، الناس لهم عقول ولهم أفكار، ومع ذلك
ضلوا، صاروا عبدة للأصنام، مع العقول والأفعال، قال: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم،
إبراهيم التيمي رحمه الله، كان من تلامذة الصحابة وأتباع الصحابة، فهو الإنسان
الذي وصل إلى الحقيقة، حقيقة التوحيد، كان فقيرا وقصر نفسه على التعليم وعلى
العمل، فصار مرة أتت إليه زوجته وهو جالس مع تلامذته، قالت: الأولاد جياع، اخرج
ابحث لنا عن طعام فهم يومين ما ذاقوا شيء، فألزمته فخرج، وليس معه شيء، خرج وركب
راحلته وذهب ليأتي بطعام من بلد ما، فلما وصل ما وجد شيء، كيف؟ الناس لا يعطون
الطعام إلا بمقابل فرجع، لما أقبل على بيته قال: أدخل كما خرجت ينظرون إلي الناس،
فأناخ راحلته عند كيب رمل، فملأ الأواني التي معه رمل، حتى يري الناس أنه جاء
بشيء، وأدخل الناقة في البيت ونزل عنها الرمال وذهب إلى مجلسه، وجاءت الزوجة مسرعة
ففتحت الغرائر، فإذا هو حب أحمر خالص ليس فيه أي خلط، فجاءت تشكره تقول: جزاك الله
خيرا جئتنا بحب لا يحتاج إلى تطييب، فيعني كفاه الله
U مؤنة الطلب، فهذا شيء يجزى به الإنسان، وإن
كان هم لا يعدون مثل هذه شيء، وإنما المهم أن يعملوا لآخرتهم، ويجتهدوا في ذلك،
المقصود أن قوله هذا يدل على الخوف، ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم، إبراهيم الذي هو
خليل الرحمن، كثير من الناس يقول: لا، أنا الحمد لله ما نخف على أنفسنا، من يعلم،
القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولهذا لما ذكر الله
U الأمر بقوله: {ألم يأن
للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله
}، إلى آخره جاء بعدها: {اعلموا أن
الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون
}، يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله عن هذه الآية: اعلموا أن ا
لله يحيي الأرض بعد موتها، يعني يهدي من يشاء بعد الضلال ويضل من يشاء بعد الكمال،
ليس المقصود النبات الذي يكون في الأرض، يعني احذروا واعلموا ذلك نعم.



القارئ: [فَإِن قيل: فَإِذا كَانَ جَمِيع مَا يُحِبهُ الله دَاخِلا
فِي اسْم الْعِبَادَة فلماذا عطف عَلَيْهَا غَيرهَا كَقَوْلِه فِي فَاتِحَة
الْكتاب [5 الْفَاتِحَة]

:



{إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} وَقَوله لنَبيه [123 هود] : {فاعبده
وتوكل عَلَيْهِ
} وَقَول نوح [3 نوح] : {اعبدوا الله واتقوه وأطيعون} وَكَذَلِكَ قَول
غَيره من الرُّسُل؟



قيل: هَذَا لَهُ
نَظَائِر كَمَا فِي قَوْله [45 العنكبوت] :
{إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} والفحشاء من
الْمُنكر وَكَذَلِكَ قَوْله [90 النَّحْل] :
{إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان
وإيتاء ذِي الْقُرْبَى وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي
} وإيتاء ذِي
الْقُرْبَى].



الشيخ: لا يكفي أن
نقول الجواب هذا له نظائر، الجواب أن نقول: هذا العطف لأمور، ولكن الشيخ رحمه الله
يكتب للعلماء، لطلبة العلم، فالعطف إما للاهتمام، أو أنه ينص عليه لأنه قد يوهم أن
الأول يقتدى به، وهذا كثير في قوله:
{الذين
آمنوا وعملوا الصالحات
}، هل يمكن إيمان بلا عمل صالح؟ ما يمكن،
الأعمال الصالحات هي التي يحصل بها الإيمان، وهذا الذي اغتر به كثير من الناس مثل
المرجئة الذين يقولون: يكتفى بالإيمان، بدليل أن العطف اقتضى المغايرة، فلو مثلا
كان العمل الصالح كما تقولون: أنه جزء من الإيمان، ما جاءت الأعمال معطوفة على
الإيمان، فهذا خطأ، ولهذا أحيانا يكتفى بالإيمان إذا كان الإيمان مطلقا، لأنه
يقتضي الأعمال الأخرى نعم، وأحيانا يعطف الشيء على نفس الشيء، كقوله
U: {الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى}، من هو الذي أخرج
المرعى ومن هو الذي قدر فسوى؟ هو الله جل وعلا، هذه كلها عطفت على شيء واحد، تعطف،
ولكن الاهتمام بذلك يكون الأمر واضح وجلي نعم.



القارئ: [وإيتاء ذِي الْقُرْبَى هُوَ من الْعدْل وَالْإِحْسَان كَمَا
أَن الْفَحْشَاء وَالْبَغي من الْمُنكر وَكَذَلِكَ قَوْله [170 الْأَعْرَاف]

:
{وَالَّذين يمسّكون بِالْكتاب
وَأَقَامُوا الصَّلَاة
}].


الشيخ: التمسيك
بالكتب من إقامة الصلاة، ولكن لما كانت الصلاة لها أهمية عطفت على ذلك، وإن كانت
مفهومة من الآية نعم.



القارئ: [وَإِقَامَة الصَّلَاة من أعظم التَّمَسُّك بِالْكتاب
وَكَذَلِكَ قَوْله عَن أنبيائه [90 الْأَنْبِيَاء]
:
{إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات
ويدعوننا رغبا ورهبا
} ودعاؤهم رغبا ورهبا من الْخيرَات وأمثال
ذَلِك فِي الْقُرْآن كثير].



الشيخ: كل القرآن
بهذه الصفة، كله بهذه الصفة نعم ولا يجوز أن يكون هذا من الأمور التي يشكك فيها،
أو تكون مدعاة إلى ترك العمل كما يقوله أهل الضلال الذين يسمون مرجئة، والمرجئة
أخذوا من الإرجاء الذي هو التأخير، الذي أخر الأمر عن الإيمان وقالوا: يكتفى
بالإيمان عن العمل، فإذا كان الإنسان مؤمن لا يلزم أن يصلي أو يصوم، ويكفي، ثم
قالوا: إن الإيمان بناء على ذلك الإيمان واحد، يعني الناس فيه سواء، لا يكون
أحدهما متميزا عن الآخر بإيمانه، وكل هذا خطئ، وضلال، الله
U فاوت بين خلقه بالفهوم وبالعلوم
وبالعمل، وكل ما كان الإنسان لله أعلم، المفروض أن يكون له أخوف، ويكون مقامه عنده
أرفع، هذا يعني مقضتاه ولكن الأمر بيد الله، يعني لا يكفي هذا، لابد من توفيق
الله، لابد أن الله
U يجعله يعني محبا لهذا الأمر
وراغبا فيه وعاملا، وإلا إذا تخلى الله عن العبد فإن الشياطين هي التي تولاه،
تولاه الشياطين وأهواء نفسه ويضل وإن كان عالما نعم.



القارئ: [وَهَذَا الْبَاب يكون تَارَة مَعَ كَون
أَحدهمَا بعض الآخر فيعطف عَلَيْهِ تَخْصِيصًا لَهُ بِالذكر لكَونه مَطْلُوبا
بِالْمَعْنَى الْعَام وَالْمعْنَى الْخَاص.



وَتارَة تتنوع دلَالَة الِاسْم بِحَال الِانْفِرَاد
والاقتران فَإِذا أفرد عَم وَإِذا قرن بِغَيْرِهِ خص كاسم الْفَقِير والمسكين لما
أفرد أَحدهمَا فِي مثل قَوْله [273 الْبَقَرَة]
: {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} وَقَوله [89 الْمَائِدَة] : {إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} دخل فِيهِ الآخر].


الشيخ: أي دخل فيه الفقير، والأول دخل فيه المسكين، ثم إذا جاءا مجتمعين في
قوله تعالى:
{للفقراء والمساكين والعاملين
عليها
}، إلى آخره، فيفسر الفقير بشيء، والمسكين يفسر بمعنى آخر، ولهذا الفقهاء
يقولون: الفقراء يقدمون في الزكاة على المساكين، لأن الفقراء أكثر حاجة، لأن الله
قدمهم، وقالوا في تعريف الفقير: هو الذي لا يجد شيئا، والمسكين هو الذي يجد بعض
القوت، كل هذا أخذا من كلام الله جل وعلا، ويشهد لهذا قول الرسول
r لما كان في الحج يقول: «نبدأ بما بدأ الله به: {إن الصفا والمروة}»، فبدأ بالصفا، لأن تقديم الشيء يدل على
الاهتمام به، لأنه أكثر لزوما وحاجة نعم.



القارئ: [وَلما قرن بَينهمَا فِيقَوْله [60
التَّوْبَة]
:
{إِنَّمَا
الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
} صَارا نَوْعَيْنِ].


الشيخ: ومثل هذا الإسلام والإيمان، ومثله البر والتقوى، وما أشبه ذلك كثير
نعم.



القارئ: [وَقد قيل: إِن الْخَاص الْمَعْطُوف على
الْعَام لَا يدْخل فِي الْعَام حَال الاقتران بل يكون من هَذَا الْبَاب
وَالتَّحْقِيق أَن هَذَا لَيْسَ لَازِما قَالَ تَعَالَى [98 الْبَقَرَة]
:
{من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله
وَجِبْرِيل وميكال
} وَقَالَ تَعَالَى [7 الْأَحْزَاب] : {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن
نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم
} .


وَذكر الْخَاص مَعَ الْعَام يكون لأسباب متنوعة: تَارَة لكَونه لَهُ خاصية
لَيست لسَائِر أَفْرَاد الْعَام كَمَا فِي نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى
وَتارَة لكَون الْعَام فِيهِ إِطْلَاق قد لَا يفهم مِنْهُ الْعُمُوم كَمَا فِي
قَوْله [2-4 الْبَقَرَة] :
{هدى لِلْمُتقين * الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ
ويقيمون الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ * وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا
أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك
} فَقَوله: {يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} يتَنَاوَل كل
الْغَيْب الَّذِي يجب الْإِيمَان بِهِ لَكِن فِيهِ إِجْمَال فَلَيْسَ فِيهِ
دلَالَة على أَن من الْغَيْب
{مَا أنزل
إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك
} وَقد يكون الْمَقْصُود أَنهم يُؤمنُونَ
بالمخبر بِهِ وَهُوَ الْغَيْب وبالإخبار بِالْغَيْبِ وَهُوَ
{مَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك} .


وَمن
هَذَا الْبَاب قَوْله تَعَالَى [45 العنكبوت] :
{اتل مَا أُوحِي إِلَيْك من الْكتاب وأقم الصَّلَاة} وَقَوله [170 الْأَعْرَاف]
:
{وَالَّذين يمسّكونبِالْكتاب وَأَقَامُوا الصَّلَاة} وتلاوة الْكتاب هِيَ
اتِّبَاعه وَالْعَمَل بِهِ كَمَا قَالَ ابْن مَسْعُود فِي قَوْله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:46 am

تَعَالَى [121 الْبَقَرَة] : {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يتلونه حق تِلَاوَته} قَالَ: يحلّون
حَلَاله ويحرمون حرَامه ويؤمنون بمتشابهه ويعملون بمحكمه. فاتباع الْكتاب
يتَنَاوَل الصَّلَاة وَغَيرهَا لَكِن خصها بِالذكر لمزيتها وَكَذَلِكَ قَوْله
لمُوسَى [14 طه] :
{إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا
فاعبدني وأقم الصَّلَاة لذكري
} وَإِقَامَة الصَّلَاة لذكره من أجلِّ
عِبَادَته وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى [70 الْأَحْزَاب]
:
{اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا
سديدا
} وَقَوله [35 الْمَائِدَة] : {اتَّقوا الله وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} وَقَوله [119 التَّوْبَة] : {اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} فَإِن هَذِه
الْأُمُور هِيَ أَيْضا من تَمام تقوى الله وَكَذَلِكَ قَوْله [123 هود] :
{فاعبده
وتوكل عَلَيْهِ
} فَإِن التَّوَكُّل هُوَ الِاسْتِعَانَة وَهِي من عبَادَة الله لَكِن خصت
بِالذكر ليقصدها المتعبد بخصوصها فَإِنَّهَا هِيَ العون على سَائِر أَنْوَاع
الْعِبَادَة إِذْ هُوَ سُبْحَانَهُ لَا يُعبد إِلَّا بمعونته].



الشيخ: هذا الذي ذكره الشيخ هذا من باب الاستطراد، ليس من صلب الموضوع، وعادته
هكذا أنه يستطرد أحيانا ويأتي بأشياء ليست في الموضوع الذي يتكلم فيه، وهذا كثير
جدا في كتبه رحمه الله لكثرة علمه، ولكونه عنده من الحرص على نفع المتعلم الشيء الكثير،
وقد أطال في هذا المعنى في كتابه الإيمان الكبير، وقال: هذه أمور يجب أن تفهم
وتعلم، حتى لا يكون هناك مخالفة لما وقع فيه كثير من الناس، بحيث أنهم لم يفهموا
هذا الشيء، فالمقصود أن كتاب الله
U نزل باللغة العربية، واللغة
العربية هي إذا لم يفهمها الإنسان كما ينبغي، ويفهم مفرداتها ويفهم إذا اقترنت
مثلا صار لها معنى وإذا انفردت صار لها معنى، وغير ذلك، لا يفهم كلام الله جل
وعلا، أنه في هذه اللغة، وهو أمر ينبغي لطالب العلم أن يهتم به كثيرا، لأنه يحل له
إشكالات استشكلها بعض الناس الذين لم يعتنوا بذلك، نعم.



القارئ: [إِذا تبين هَذَا فكمال الْمَخْلُوق فِي
تَحْقِيق عبوديته لله وَكلما ازْدَادَ العَبْد تَحْقِيقا للعبودية ازْدَادَ
كَمَاله وعلت دَرَجَته وَمن توهم أَن الْمَخْلُوق يخرج من الْعُبُودِيَّة بِوَجْه
من الْوُجُوه أَو أَن الْخُرُوج عَنْهَا أكمل فَهُوَ من أَجْهَل الْخلق بل من
أضلهم قَالَ تَعَالَى [26-28 الْأَنْبِيَاء]
:



{وَقَالُوا
اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون * لَا يسبقونه بالْقَوْل وهم
بأَمْره يعْملُونَ * يعلم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَلَا يشفعون إِلَّا لمن
ارتضى وهم من خَشيته مشفقون
}].


الشيخ: يعني الملائكة هم من أفضل الخلق في عبادة الله جل وعلا، ولهذا كانوا في
السماوات والأرض، خلقهم لعبادته فهم لا يفترون عن العبادة ولا يستحسرون، فيقفون هم
عباد لله جل وعلا مكرمون بعبادته، فكيف بمن يكون بعيدا ويكون متبعا لشهواته،
ويكون، فالمقصود أن الإنسان لا يجوز أن يخرج عن عبودية الله بحال من الأحوال،
وكماله في ذلك، فإذا خرج عنها وزعم أنه أبيح له كل شيء، فإنه شيطان من الشياطين،
يعني صار مسلكه مسلك الشيطان، وقد ضل في هذا كثير من الناس نسأل الله العافية،
وزعموا أنهم أولياء، بل زعموا أنهم ختمت بهم الولاية، وهم أرادوا إتباع أهوائهم،
ولهذا فتحوا الباب أمامهم، وقالوا: ليس هناك شيء محرم علينا، لأننا وصلنا إلى
الغاية، طيب إذا وصلت إلى الغاية، يعني أنت تصل إلى شهواتك وإلى مراداتك، أما
الملائكة هم قائمون بعبادة الله الليل والنهار لا يفترون عن ذلك، وكذلك رسل الله
يجتهدون في عبادة الله ويحذرون المخالفة أدنى مخالفة، هل يستساغ مثلا آحاد الناس
يكون له شيء من ذلك، أن يقول: خففت عني أو أزيلت عني التكاليف فأصبحت غير مكلف،
هذا لابد أنه إما أنه يريد إفساد أديان الناس، أو أنه يريد فقط التغطية حتى يتحصل
على شهواته ومراداته، أما عباد الله فهم يخافون من الله أشد الخوف، إذا وقع أحدهم
في أدنى مخالفة بادر إلى التوبة والرجوع إلى الله جل وعلا نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى [88-95 مَرْيَم] :
{وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا
* لقد جئْتُمْ شَيْئا إدا * تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر
الْجبَال هدا * أَن دعوا للرحمن ولدا * وَمَا يَنْبَغِي للرحمن أَن يتَّخذ ولدا *
إِن كل من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا * لقد أحصاهم
وعدهم عدا * وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا
}].


الشيخ: سبق أن هذا معناه، قوله: {إن كل من
في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا
}، يعني آتيه ذليلا خاضعا ليس بيده أي شيء
أي تصرف، لا يملك حتى الشيء الذي يستر به عورته، لأنه هكذا يأتون يخرجون من قبورهم
حفاة عراة غرلا، قيل للرسول
r: ما غرلا؟ قال: «غير مختنين»، يعني القطعة التي ترمى من بدن الإنسان
تعود إليه، ما يفقد من بدنه أي شيء، حتى يذوق الألم في بدنه كله، أو النعيم، بدنه
كله، والمقصود أنهم يأتون حفاة عراة، لما سمعت عائشة
t هكذا قالت: وا سوأتاه الرجال
والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: «يا عائشة الأمر أعظم
من ذاك»
، ما فيه أحد يهمه النظر، كلهم شاخصة أبصارهم، بلغت قلوبهم الحناجر،
ما يدري من بجواره، ولهذا يقول الله
U: {وترى الناس سكارى وما هم بسكارى}، يعني شبه سكارى،
لكن ليس سكران ولكن عذاب الله شديد، فالأمر في هذه الحالة، ولا تمييز في هذا بين
غني وفقير وملك ومملوك كلهم سواء في الجميع بهذه الصفة، وأول من يكسى من عريه في
الموقف إبراهيم عليه السلام، وإذا كانت الأنبياء هكذا أيضا كيف بغيرهم؟ المقصود أن
هذا المجيء:
{إن كل من في السماوات والأرض
إلا آتي الرحمن عبدا
}، يعني ذليلا خاضعا، وليس من باب العبودية
التي تنفع، العبودية المختارة التي يختارها هو، بل هذه عبودية القهر، وجريان الحكم
القدري الذي لا حيلة فيه ولا أحد يمكن أنه يتخلص منه، وهذا أعم الملائكة وعم البشر
وعم كل مخلوق، إن كل، لأن هذه إن معناها ما، ما في السماوات والأرض أحد إلا ويأتي
بهذه الصفة، نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمَسِيح [59 الزخرف]
:
{إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا
عَلَيْهِ وجعلناه مثلا لبني إِسْرَائِيل
}].


الشيخ: يعني عيسى عليه السلام، لما قال النصارى: أنه الله أو ابن الله، قال:
أنه عبد من عباد الله، أنعمنا عليه، يعني أنعم الله خصته زيادة على غيره، حيث خلقه
من أنثى بلا ذكر، ثم صار يتكلم وهو في المهد، علمه الله الكتاب، علمه ما علمه،
وجعل له من الآيات الشيء الذي ما حصل لغيره كإحياء الأموات، وكونه يخبر بني
إسرائيل بما في بيوتهم، وبنو إسرائيل يعني كثيرا منهم ضلوا في هذا، وجعلوه إما
الله تعالى الله وتقدس، والفريق الثاني رموا أمه بالفجور وحالوا قتله، ولكن الله
رفعه إلى السماء، وسوف ينزل في آخر الوقت، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ولا يقبل
الجزية، فهو من هذه الأمة، ويحكم بشرعة خاتم الرسل محمد
r، ويقتل الدجال، ولكن هذا من أشراط
الساعة الكبار، التي إذا جاءت فلا أحد يقبل منه إيمان، ولا يقبل منه أيضا عمل صالح
يزداد به، قال جل وعلا:
{يوم يأتي
بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا
}، فهذا من بعض
الآيات التي في صحيح مسلم: «ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفس
إيمانها لم تكن آمنت، الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها»
، والدجال جعله
إذا خرج آية من الآيات الكبيرة، لأن الكون يبدأ بالتغير، لهذا أول يوم يخرج فيه
يكون كسنة، واليوم الثاني يكون كشهر، واليوم الثالث يكون كأسبوع، ثم تعود الأيام
إلى ذلك، لهذا يضطر الناس إلى الإيمان، يوم واحد سنة؟ ليس هذا من باب التأويل،
ولهذا قال الصحابة: يا رسول الله كيف نصنع بالصلاة في اليوم الذي كسنة وكشهر
وكأسبوع؟ قال:«اقدروا له»، يعني صلوا صلاة سنة
في هذا اليوم، والثاني صلوا صلاة أسبوع، على كل حال، هذه من الأمور التي يخبرنا
بها رسولنا
r يجب علينا أن نؤمن بها، وسوف تقع، ولكن الله أعلم متى تقع نعم.


القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى [172-173 النِّسَاء]
:
{لن يستنكف الْمَسِيح أَن يكون
عبدا لله وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون وَمن يستنكف عَن عِبَادَته ويستكبر
فسيحشرهم إِلَيْهِ جَمِيعًا
}].


الشيخ: الاستنكاف هو أنه يرى أنه فيه عليه غضاضة فلا يقبله، يستنكف من هذا
الشيء، كأنه يترفع عنه، الاستكبار الكبر أن يمتنع من امتثال الأمر، وهذا لا يكون
لعبد من عباد الله جل وعلا، ما دام الملائكة و المسيح عليه السلام يخضع ويذل لله
U ويقر أنه عبد، فغيره من باب أولى،
كذلك عباده الصالحون، بل يغتبط العبد بأنه يعبد ربه، ويرى أن هذا من أفضل ما يأتيه،
كونه عبدا لله، وإضافته إلى ربه كونه عبد الله هذا شرف، نعم.



القارئ: [{فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات
فيوفيهم أُجُورهم ويزيدهم من فَضله وَأما الَّذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم
عذَابا أَلِيمًا وَلَا يَجدونَ لَهُم من دون الله وليا وَلَا نَصِيرًا
}
وَقَالَ تَعَالَى [60 غَافِر]
: {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي
أَسْتَجِب لكم إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين
} وَقَالَ تَعَالَى [37-38 فصلت] : {وَمن
آيَاته اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر لَا تسجدوا للشمس وَلَا للقمر واسجدوا
لله الَّذِي خَلقهنَّ إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ * فَإِن استكبروا
فَالَّذِينَ عِنْد رَبك يسبحون لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وهم لَا يسأمون
}].


الشيخ: قوله: {والذين عند ربك}، عند هذه تدل على
المكان، عند ربك، والمقصود هم الملائكة، ومعنى ذلك أن الملائكة أقرب إلى الله منا،
ممن في الأرض، ويدل على أن الله جل وعلا أنه فوق، وأن الملائكة الذين في السماء
يكنون أقرب إليه من الذين يكونون في الأرض، فيسبحون له بالليل والنهار وهم لا
يفترون، لا يفترون من التسبيح دائما، وتسبيحهم كأنه مثل النفس الذي ألهمنا إياه فإذا
وقف النفس مات الإنسان، هم كذلك، كانت حياتهم، بل أكلهم وشربهم هو التسبيح، يسبحون
الليل والنهار لا يفترون، وكذلك أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، ويكون
ذلك من النعيم نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى [205-206 الْأَعْرَاف]
:
{وَاذْكُر رَبك فِي نَفسك تضرعا
وخيفة وَدون الْجَهْر منالقَوْل بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال وَلَا تكن من
الغافلين * إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته ويسبحونه
وَله يَسْجُدُونَ
} .


وَهَذَا وَنَحْوه مِمَّا فِيهِ وصف أكَابِر الْخلق بِالْعبَادَة وذم من خرج
عَن ذَلِك مُتَعَدد فِي الْقُرْآن وَقد أخبر أَنه أرسل جَمِيع الرُّسُل بذلك].



الشيخ: هذا الأمر الذي يشير إليه المؤلف رحمه الله عجبا أنه يحتاج إلى
استدلال، لأنه يقصد بذلك أن هؤلاء قالوا: إننا خرجنا عن مقتضى العبودية، ووصلنا
إلى حد قد سقطت عنا التكاليف والعبادات فلا نعبد، لأننا قد وصلنا إلى الحقيقة، هل
هذا يحتاج إلى أن يستدل عليه؟ إنه ضلال بين واضح، لكن قد مثلا ينطلي على بعض
الجهلة، بعض الناس الذين يحسنون الظن بهؤلاء فيصدقونه، ولهذا أكثر الاستدلال على ذلك نعم.



القارئ: [فَقَالَ تَعَالَى [25 الْأَنْبِيَاء]
:
{وَمَا أرسلنَا من قبلك من
رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون
} وَقَالَ تَعَالَى [36 النَّحْل] : {وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا
الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت
} وَقَالَ تَعَالَى لبنى إِسْرَائِيل [56 العنكبوت] : {يَا عبَادي الَّذين آمنُوا إِن أرضي وَاسِعَة
فإياي فاعبدون
} [41 الْبَقَرَة] : {وإياي فاتقون} وَقَالَ [21 الْبَقَرَة] : {يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم
وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون
} وَقَالَ [56 الذاريات] : {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} وَقَالَ تَعَالَى [11-15 الزمر] : {قل إِنِّي أمرت أَن أعبد الله مخلصا لَهُ الدَّين
* وَأمرت لِأَن أكون أول الْمُسلمين * قل إِنِّي أَخَاف إِن عصيت رَبِّي عَذَاب
يَوْم عَظِيم * قل الله أعبد مخلصا لَهُ ديني * فاعبدوا مَا شِئْتُم من دونه
} .


وكل رَسُول من الرُّسُل افْتتح دَعوته بِالدُّعَاءِ إِلَى عبَادَة الله
كَقَوْل نوح وَمن بعده عَلَيْهِم السَّلَام فِي سُورَة الشُّعَرَاء وَغَيرهَا [59 الْأَعْرَاف] :
{اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره} .


وَفِي " الْمسند " عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنه قَالَ: «بعثت بِالسَّيْفِ بَين يدى
السَّاعَة حَتَّى يُعبد الله وَحده لَا شريك لَهُ وَجعل رِزْقِي تَحت ظلّ رُمْحِي
وَجعل الذلة وَالصغَار على من خَالف أمرى»
.



وَقد بَين أَن عباده المخلصين هم الَّذين ينجون من السَّيِّئَات الَّتِي
زيّنها الشَّيْطَان قَالَ الشَّيْطَان [39-40 الْحجر]
:
{قَالَ رب بِمَا أغويتني لأزينن
لَهُم فِي الأَرْض ولأغوينهم أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين
} قَالَ تَعَالَى [41-42 الْحجر] : {هَذَا صِرَاط عَليّ مُسْتَقِيم * إِن عبَادي
لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين
} وَقَالَ [82-83 ص] : {فبعزتك
لأغوينهم أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين
} وَقَالَ فِي حق
يُوسُف [24 يُوسُف] :
{كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء والفحشاء إِنَّه من
عبادنَا المخلصين
} وَقَالَ تَعَالَى [159-160 الصافات] : {سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ * إِلَّا عباد الله
المخلصين
} وَقَالَ تَعَالَى [99-100 النَّحْل] : {إِنَّه لَيْسَ لَهُ سُلْطَان على الَّذين آمنُوا
وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانه على الَّذين يتولونه وَالَّذين
هم بِهِ مشركون
} .


وبالعبودية نعت كل من اصْطفى من خلقه فِي قَوْله [45-47
ص]
:
{وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم
وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أولي الْأَيْدِي والأبصار * إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى
الدَّار * وَإِنَّهُم عندنَا لمن المصطفين الأخيار
} وَقَوله [17 ص] : {وَاذْكُر
عَبدنَا دَاوُد ذَا الأيد إِنَّه أواب
} . وَقَالَ عَن سُلَيْمَان [30 ص] : {نعم
العَبْد إِنَّه أواب
} . وَعَن أَيُّوب [44 ص] : {نعم
العَبْد
} . وَقَالَ عَنهُ [41 ص] : {وَاذْكُر عَبدنَا أَيُّوب إِذْ نَادَى ربه} . وَقَالَ عَن نوح
عَلَيْهِ السَّلَام [3 الْإِسْرَاء] :
{ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح إِنَّه كَانَ عبدا
شكُورًا
} . وَقَالَ عَن خَاتم رسله [1 الْإِسْرَاء] :
{سُبْحَانَ الَّذِي أسرى
بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى
} - وَهُوَ أولى
الْقبْلَتَيْنِ، وَقد خصّه الله بِأَن جعل الْعِبَادَة فِيهِ بخمسمئة ضعف،
وَالْمَقْصُود بمضاعفة الْحَسَنَات هُوَ الْمَسْجِد الَّذِي حرقه الْيَهُود،
عَلَيْهِم لعنة الله، ويظن الْبَعْض أَن الْمَسْجِد الْأَقْصَى هُوَ الصَّخْرَة
والقبة المحيطة بهَا، وَلَيْسَ كَذَلِك - وَقَالَ [19
الْجِنّ]
:
{وَأَنه
لما قَامَ عبدالله يَدعُوهُ
} وَقَالَ [23
الْبَقَرَة]
:
{وَإِن
كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا
} وَقَالَ [10
النَّجْم]
:
{فَأوحى
إِلَى عَبده مَا أوحى
} وَقَالَ [6
الْإِنْسَان]
:
{عينا
يشرب بهَا عباد الله
} وَقَالَ [63
الْفرْقَان]
:
{وَعباد
الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا
} وَمثل هَذَا كثير
مُتَعَدد فِي الْقُرْآن].



الشيخ: كون كل أحد عبدا لله جل وعلا لا يحتاج إلى استدلال لهذا، ولكن قد يخفى
عند بعض الناس هذا لإحسان الظن بمن يقول خلاف هذا، فيحتاج إلى أن يبين له ويستدل
على ذلك بالأدلة الظاهرة مثل هذه الأدلة التي ذكرها من كتب الله جل وعلا وسنة
رسوله، وكل مخلوق لا يخرج عن العبادة كما سيأتي، إما أن تكون العبادة عبادة عن
اختيار أو مقدرة، أو عبادة قهر وجريان القدر عليه، وإن لم يكن مكلف بذلك، هذا كل
ما في السماء والأرض سواء كان عاقلا أو
غير عاقل نعم.



القارئ: [إِذا تبين ذَلِك فمعلوم أَن النَّاس
يتفاضلون فِي هَذَا الْبَاب تفاضلا عَظِيما وَهُوَ تفاضلهم فِي حَقِيقَة
الْإِيمَان وهم ينقسمون فِيهِ إِلَى عَام وخاص وَلِهَذَا كَانَت إلهية الرب لَهُم
فِيهَا عُمُوم وخصوص]
.



الشيخ: هذا يحتاج إلى تفصيل، كونهم ينقسمون الناس يتفاوتون في هذا تفاضل كبير
جدا، يعني في أصل الإيمان وليس في العمل فقط، يعني في نفس الإيمان بعضهم إيمانه
وتصديقه لا يقبل الشك، لو شكك ما شك، وبعضهم يكون دون هذا، وبعضهم يحتاج إلى تثبيت
ولو شكك لشك، ثم العمل، إذا جاء العمل فإنه يثبت الإيمان ويزيده، وكل ما كثر العمل
ازداد الإيمان، كما قال الصحابة: إننا إذا عملنا بطاعة الله ازددنا عملا، وإذا
غفلنا وسهينا نقص إيماننا، يعني زدنا إيمانا، وإذا غفلنا وسهينا نقص إيماننا،
وهكذا كل ما الإنسان عمل بطاعة الله، فإنه يتمكن الإيمان في قلبه، أما قولهم:
الربوبية تكون عامة وخاصة، العامة لكل شيء، فالله جل وعلا، معنى الربوبية هي الملك
والتصرف، فالله يملك كل شيء ويتصرف فيه، ما أحد يملك مع الله شيء فهذه عامة في كل
شيء، ولكن الربوبية الخاصة، هي أن يخص الله
U عبده بربوبية خاصة بحيث أنه يجعله
مطيعا متبعا للحق محبا له مريدا له، فهذه ربوبية خاصة، ومنة من الله جل وعلا بها
على عباده، وهذه أيضا تتفاوت، بعض الناس أكمل ربوبية من بعض و أكمل عبادة من بعض،
وكل ذلك بيد الله جل وعلا نعم.



القارئ: [وَلِهَذَا كَانَ الشّرك فِي هَذِه الْأمة
" أخْفى من دَبِيب النَّمْل ". وَفِي " الصَّحِيح " عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
«
تعس عبد الدِّرْهَم تعس عبد الدِّينَار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس
وانتكس وَإِذا شيك فَلَا انتقش إِن أعطي رَضِي وَإِن منع سخط »
].



الشيخ: تعس معنى التعاسة، تعس فعلا أيش؟ ماضي خبر، يجوز أن يكون خبر من الرسول
r يخبر أن من كانت هذه صفته فمآله التعاسة، والسقوط والخسارة، ومعنى
تعس يعني أنه سقط

في مسيره وفي مشيه، وانتكث، يعني أنه سقط وانتكس على رأسه، هذا عبارة أن أمره لا
يتم، بل سوف يأتيه عكس ما أراد، لأنه صار عبدا لمخلوق، وعبدا لشهوته أو عبدا
لدرهمه وديناره، أو عبده لملبوسه وموطوئه، أو غير ذلك، وقوله: «تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش»، يعني إذا وقع في شدة
ما خرج منها، وشيك يعني دخلت الشوكة في قدمه، وانتقش يعني ما وجد ما ينقش الشوكة
ويخرجها، وهو عبارة أنه إذا وقع في أمر شديد أنه لا يتخلص منه لأنه هذا من عقابه،
حيث أعرض عن الله وصار يعبد غير الله، أو يكون
المقصود أنه دعاء، يصح أن يكون خبر
قوله: تعس إلى آخره، ويصح أن يكون دعاء عليه، ومن دعا عليه الرسول
r فهو يسحق أن فعل به ذلك،
فدعوته غالبا أنها تكون مستجابة، وأما الدينار والدرهم، الدينار قطعة ذهب سواء
كانت مضروبة ولا غير مضروبة، والدرهم قطعة فضة، هذا كان قديما، أصبح الآن تغيرت
الأحوال، أما القطيفة، فالقطيفة هي التي تفرش وتوطأ ويجلس عليها، وأما الخميصة فهي
الملبوس، الثوب الذي يلبس، فمعنى ذلك أنه يعمل للدنيا، فمن كان عمله للدنيا،
فجزائه هكذا ما ذكره، ولهذا قال: إن أعطي رضي، يعني إن حصلته الدنيا رضي واستمر في
العمل، وإن لم تحصل له سخط وتركه، ولهذا جاء في تمام الحديث: « طوبى لرجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة
قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن
استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع»
، هذا من المدح ولا من الذم؟ لماذا كان
مدح؟ أولا قوله: طوبى لعبد، طوبى كلمة ثناء ومدح، وقيل: إن طوبى شجرة في الجنة،
يعني أنها استحقها، قوله: «آخذ بعنان فرسه»
، يعني أنه مشغول بهذا الأمر مجتهد، ولهذا قال: « أشعث رأسه مخبرة قدماه، يعني ما عنده وقت وفضاء حتى يغسل
رأسه ويسرحه، بل ينتهز الفرصة يخاف أنه يفوته الأمر، هو مجتهد غاية الاجتهاد،
قوله: «إن كان في الحراسة كان في الحراسة»
، الحراسة هي أشد المواقف، ذلك أن
الجيش إذا آواه الليل واستراح يحتاج إلى من يحرس، والحراسة يحتاج إلى تنبه فيها،
كان في الحراسة، يعني قام فيها المقام الذي ينبغي أن يكون فيه، لا يؤتى من قبله،
والساقة كذلك والساقة هي مؤخرة الجيش، ولهذا أن العدو يكون خلق حتى يأخذ الضعفاء
تحتاج إلى حراسة، آخر الجيش، فيقوم في هذا المقام، يعني يقوم القيام اللازم لا
يؤتى من قبله، وقوله: «إذا استأذن لم يؤذن له»،
يعني أنه لا يعمل لأجل الناس، حتى يروا مقامه، ولهذا لا يكون معروفا عند ا لأمراء
والكبراء، إذا استأذن عليهم لا يأذنوا له، ليس معروفا، ليس له عندهم قيمة، لأن
عمله لله، لا يعمل لأنظار الناس، وإذا شفع لا يشفع لأجل ذلك.



القارئ: [فَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الدِّرْهَم
وَعبد الدِّينَار وَعبد القطيفة وَعبد الخميصة]
.


الشيخ: يعني من يعمل للشيء يكون عبدا له نعم.


القارئ: [وَذكر مَا فِيهِ دُعَاء وخبرًا وَهُوَ
قَوْله: " تعس وانتكس وَإِذا شيك فَلَا انتقش " والنقش إِخْرَاج
الشَّوْكَة من الرجل والمنقاش مَا يخرج بِهِ الشَّوْكَة.



وَهَذِه حَال من إِذا أَصَابَهُ شَرّ لم يخرج مِنْهُ وَلم
يفلح لكَونهتعس وانتكس فَلَا نَالَ الْمَطْلُوب وَلَا خلص من الْمَكْرُوه
وَهَذِه حَال من عبد المَال وَقد وصف ذَلِك بِأَنَّهُ إِذا أعطي رَضِي وَإِن منع
سخط كَمَا قَالَ تَعَالَى [58 التَّوْبَة]
: {وَمِنْهُم
من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا
إِذا هم يسخطون
} فرضاهم لغير الله وسخطهم لغير الله.


وَهَكَذَا حَال من كَانَ مُتَعَلقا برئاسة أَو بِصُورَة - وَنَحْو ذَلِك من
أهواء نَفسه - إِن حصل لَهُ رَضِي وَإِن لم يحصل لَهُ سخط].



الشيخ: ما معنى أنه تعلق بصورة؟ الصورة إما صورة امرأة، أو صبي أو ما أشبه ذلك
يعني عشق شيء ومعلوم أن العشق مرض، ويصبح يعني يؤثر هذا الشيء على دينه وعلى كل
شيء، يتعلق بشيء يتعلق هواه به، والغالب أنه يتعلق كلمة تعلق، ويقصد بها عمل
القلب، لا عمل الجوارح، يعني تعلق قلبه بهذا الشيء، ومن تعلق قلبه بغير الله صار
عابدا لذلك الذي تعلق به، نعم.



القارئ: [فَهَذَا عبد مَا يهواه من ذَلِك وَهُوَ
رَقِيق لَهُ إِذْ الرّقّ والعبودية فِي الْحَقِيقَة هُوَ رق الْقلب وعبوديته فَمَا
اسْترق الْقلب واستعبده فَهُوَ عَبده.



وَلِهَذَا يُقَال:


العَبْد حر مَا قنع ... وَالْحر عبد مَا طمع


وَقَالَ الشَّاعِر:


أطعتُ مطامعي فاستعبدتني ... وَلَو أَنِّي قنعت لَكُنْت
حرًّا



وَيُقَال: الطمع غل فِي الْعُنُق قيد فِي الرجل فَإِذا
زَالَ الغل من الْعُنُق زَالَ الْقَيْد من الرجل]
.


الشيخ: المشكلة أن الإنسان قد مثلا يتعلق قلبه الشيء، ولا يستطيع أن يتخلص
منه، ثم يكون هلاكه على ذلك، وذكر عبد الحق الإسبيلي في كتابه العاقبة، أن رجلا
كان واقف في الشارع فجاءت امرأة تبحث عن حمام يقال حمام منجاب، قال: أين الحمام،
فأشار إلى بابه وكان مفتوح وهو واقف عند الباب، فدخلت فدخل خلفها، لما رأيت أنها
وقعت في مهلكة وأنه خانها أظهرت الموافقة، وقال: ينبغي لنا أن تأتي بشيء، أو هكذا
وصف، قال: الآن آتيك بشيء، فذهب وترك الباب فخرجت ولم تخنه خلصت نفسها، لما جاء لم
يجدها فهام بها، وصار يبحث ثم مرض، فصار يردد قوله: رب قائلة يوما وقد تعبت أين
الطريق إلى حمام منجاب؟ فمرض وجاءه الموت وصاروا يقولون له: قل لا إله إلا الله،
فصار يردد هذا البيت فقبض: هذا نسأل الله العافية، فصار قلبه معبدا بهذه المرأة،
ثم ما تحصل على شيء وإنما تحصل على الخسارة.



والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:47 am

شرح


رسالة العبودية


المجلس
الخامس















لفضيلة
الشيخ



عبد الله الغنيمان


-حفظه
الله-













 شرح رسالة العبودية C:%5CDOCUME%7E1%5CPCUSER%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsohtmlclip1%5C01%5Cclip_image002


القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين.



قال المصنف
رحمه الله في رسالة العبودية: [
وَيُقَال: الطمع غل فِي
الْعُنُق قيد فِي الرجل فَإِذا زَالَ الغل من الْعُنُق زَالَ الْقَيْد من الرجل. ويروى
عَن عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ: الطمع فقر واليأس غنى وَإِن أحدكُم
إِذا يئس من شئ اسْتغنى عَنهُ.



وَهَذَا أَمر يجده الْإِنْسَان من نَفسه فَإِن الْأَمر
الَّذِي ييأس مِنْهُ لَا يَطْلُبهُ وَلَا يطْمع فِيهِ وَلَا يبْقى قلبه فَقِيرا
إِلَيْهِ وَلَا إِلَى من يَفْعَله وَأما إِذا طمع فِي أَمر من الْأُمُور ورجاه
فَإِن قلبه يتَعَلَّق بِهِ فَيصير فَقِيرا إِلَى حُصُوله وَإِلَى من يظنّ أَنه
سَبَب فِي حُصُوله وَهَذَا فِي المَال والجاه والصور وَغير ذَلِك قَالَ الْخَلِيل
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [17 العنكبوت]
: {فابتغوا
عِنْد الله الرزق واعبدوه واشكروا لَهُ إِلَيْهِ ترجعون
} .


فَالْعَبْد لَا بُد لَهُ من رزق وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى ذَلِك فَإِذا طلب رزقه
من الله صَار عبدا لله فَقِيرا إِلَيْهِ وَإِذا طلبه من مَخْلُوق صَار عبدا لذَلِك
الْمَخْلُوق فَقِيرا إِلَيْهِ وَلِهَذَا كَانَت مَسْأَلَة الْمَخْلُوق مُحرمَة فِي
الأَصْل وَإِنَّمَا أبيحت للضَّرُورَة وَفِي النهى عَنْهَا أَحَادِيث كَثِيرَة فِي
" الصِّحَاح " و " السّنَن " و " المسانيد "
كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تزَال
الْمَسْأَلَة بأحدكم حَتَّى يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَلَيْسَ فِي وَجهه مزعه
لحم »
وَقَالَ: « من سَأَلَ النَّاس وَله
مَا يُغْنِيه جَاءَت
مَسْأَلته يَوْم الْقِيَامَة خدوشا أَو خموشا أَو كدوشا فِي
وَجهه»
وَقَوله: «لَا تحل الْمَسْأَلَة
إِلَّا لذِي غرم مفظع أَو دم موجع أَو فقر مدقع»
، وَهَذَا الْمَعْنى فِي " الصَّحِيح "
وَفِيه أَيْضا: « لِأَن يَأْخُذ أحدكُم حبله فَيذْهب
فيحتطب خير لَهُ من أَن يسْأَل النَّاس أَعْطوهُ أَو منعُوهُ »

وَقَالَ: « مَا أَتَاك من هَذَا المَال وَأَنت غير
سَائل وَلَا مستشرف فَخذه وَمَا لَا فَلَا تتبعه نَفسك »
فكره أَخذه
مَعَ سُؤال اللِّسَان واستشراف الْقلب وَقَالَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح: « من يسْتَغْن يغنه الله وَمن يستعف يعفه الله وَمن يتصبر
يصبره الله وَمَا أعطي أحد عَطاء خيرا وأوسع من الصَّبْر »
.



وَأوصى خَواص
أَصْحَابه أَلا يسْأَلُوا النَّاس شَيْئا وَفِي " الْمسند ": (أَن أَبَا
بكر كَانَ يسْقط السَّوْط من يَده فَلَا يَقُول لأحد: ناولني إِيَّاه وَيَقُول:
إِن خليلي أَمرنِي أَلا أسأَل النَّاس شَيْئا) وَفِي " صَحِيح مُسلم "
وَغَيره عَن عَوْف بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَايعه فِي
طَائِفَة وَأسر إِلَيْهِم كلمة خُفْيَة: « أَن لَا
يسْأَلُوا النَّاس شَيْئا »
فَكَانَ بعض أُولَئِكَ النَّفر يسْقط
السَّوْط من يَد أحدهم وَلَا يَقُول لأحد: ناولني إِيَّاه].



الشيخ: بسم الله
الرحمن الرحيم، نحمد الله ونستعينه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وبعد.



نسأل الله جل وعلا
أن يصلي ويسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحابته و التابعين لهم بإحسان
إلى يوم الدين، فالحقيقة أن الإنسان عبارة عن القلب، عن قلبه، والقلب هو الملك،
ملك الأعضاء كما سبق ذلك في الصحيحين عن نبي الله
r حديث ابن مسعود،
وفي حديث النعمان بن بشير: « وإن في الجسد لمضغة إذا
صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد»
، وهذا لأن النيات
والمقاصد التي تصدر من القلب هي أساس العمل، وهي التي توجه الإنسان، ولهذا أخبر
الله جل وعلا أنه لا ينجوا يوم القيامة من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم،
القلب السليم هو الذي يسلم من الشرك بالله جل وعلا والتعلق بغيره، من أتى بقلب
متعلق بالله وحده فهذا الذي يسلم من عذاب الله جل وعلا، لهذا ذكر أن القلب هو ملك
الأعضاء، وهو الذي يتصرف في ميول الإنسان وأعماله، ولهذا صار أصل ا لعمل بالنيات،
كما قال
r:
«إنما الأعمال بالنية»، لهذا الأساس،
فإذا كان القلب خالصا لله جل وعلا تبعه العمل، ولهذا الأمر من رحمة الله جل وعلا
ما ذكر في هذه الأحاديث، أن الله جل وعلا حرم مسألة المخلوق، فهذا صيانة للعبد
المؤمن، يصونه الله جل وعلا أن يذل لمخلوق، أو يأخذ شيئا من عبودية قلبه، لأنه
معروف أن المنة والعطاء تستعبد القلب، ولو من جانب، فإذا كثرت استعبدته، فلهذا
حرمت المسألة، مسألة المخلوق، إلا في الأمر الضروري كما أشارت إليه هذه الأحاديث،
إلا فقر مدقع، يعني الشيء الضروري كما في حديث قبيصة، إما أن يتحمل حملات للإصلاح
بين الناس، وإما أن يصاب بجائحة تجتاح ماله، وإما يصاب بفاقة لا يجد ملجأ منها،
وهذه أيضا مسألة في مثل هذه الأمور موقتة، يقول: تحل له المسألة حتى يجد سدادا من
العيش أو قواما من العيش، ثم تعود حراما، فهي محرمة، لهذا ذكر العلماء أن الذي
يتعود المسألة، أنها قد تؤول بها إلى عبادة المخلوق، ثم يختم له بالسيء، كما ذكر
ابن ا لقيم الجواب الكافي قضايا كثيرة وينقلها عن غيره، منهم من إذا قيل له: قل لا
إله إلا الله، يمد يده يقول: فليس، فليس لأنه تعود أن يسأل الناس، فيموت على ذلك
نسأل لله العافية، فالمقصود أن القلب هو الإنسان في الحقيقة، فيجب أن يكون القلب
تعلق بربه جل وعلا وحده، وإذا جاء التعلق فالمقصود فعل القلب، ونقول: إن هذه
الأمور التي ذكرها الرسول
r
هي تفسير لكلام الله، وهي من رحمة الله، فقول الله جل وعلا:
{فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه}، تأمل ابتغوا عند
ا لله، إذا قدم المعمول على العامل فهو يدل على الحصر والقصر على هذا الشيء، أنه
لا تطلب الرزق من عند غيره، وإن كان ربنا جل وعلا جعل أسباب تعمل، ولكن الأسباب لا
يعتمد عليها، ولا ينافي هذا قول الرسول
r: «من صنع لكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه عليه
فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافئتموه»
، بل هذا يتفق معه لماذا؟ لأن
المكافأة تزيل التعلق، لهذا كان سنته أنه
يقبل الهدية، ولكن يكافأ عليها أكثر منها، مع الصدقة لا يقبلها، كما هو معروف من
خصائصه صلوات الله وسلامه عليه، وكل هذا ليسلم قلب العبد لله جل وعلا ويكون قلبا
سليما حتى ما يتعلق بالمخلوق نعم.



القارئ: [وَقد دلّت النُّصُوص على الْأَمر
بِمَسْأَلَة الْخَالِق وَالنَّهْي عَن مَسْأَلَة الْمَخْلُوق فِي غير مَوضِع
كَقَوْلِه تَعَالَى [7 الشَّرْح]
:
{فَإِذا
فرغت فانصب * وَإِلَى رَبك فارغب
} وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِابْنِ عَبَّاس: «إِذا سَأَلت فأسال الله واذا
استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه»
،
وَمِنْه قَول الْخَلِيل [17 العنكبوت] :
{فابتغوا عِنْد الله الرزق} وَلم يقل: فابتغوا
الرزق عِنْد الله لِأَن تَقْدِيم الظّرْف يشْعر بالاختصاص والحصر كَأَنَّهُ قَالَ:
لَا تَبْتَغُوا الرزق إِلَّا عِنْد الله وَقد قَالَ تَعَالَى [32 النِّسَاء] :
{واسألوا الله من فَضله} ].


الشيخ: وهذا مثل قوله جل وعلا:{إياك
نعبد وإياك نستعين
}، فقدم المعمول على العامل، ليدل على أنه لا تجوز العبادة لغير الله، ولا
الاستعانة بغيره في مثل هذا، الاستعانة على العبادة، يجب أن تكون لله جل وعلا،
وقوله:
{فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب}، المعنى إذا لم
تكن مشغولا إما بمرض أو بشيء يمنعك من العمل، فانصب يعني اعمل، ويكن العمل لله،
وليكن العمل فيه الرغبة في الله جل وعلا، فهذا يتضمن الرجاء والخوف لله جل وعلا،
أما كونه جل وعلا يأمرنا بسؤاله، فهو لأنه كريم
ولأننا عبيده، ومن مقتضى ربوبيته أن يربنا بما نحتاج إليه ويعطنا، ولهذا
يرزق الكافر والفاجر الذي يتقوى بالرزق على المعاصي، فقال الرسول
r:
«لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يجعلون له الولد
ويرزقهم ويعافيهم»
، ذلك لحلمه ولأنه الرب، والرب مقتضى الربوبية أنه يرب عباده بما يصلحهم ويقوم على حياتهم،
وإن كانوا عصاة، نعم.



القارئ: [وَالْإِنْسَان لابد لَهُ من حُصُول مَا
يحْتَاج إِلَيْهِ من الرزق وَنَحْوه وَدفع مَا يضرّهُ]
.



الشيخ: نعم ولكنه يجب أن يطلبه من الله، ليكون في طلبه للرزق عابدا لله جل
وعلا، ولا يجوز أن يكون تعلقه على الأسباب، أن ينظر إليها على أنها هي التي هي
مصدر رزقه، سواء كانت تجارة أو صناعة أو وظيفة أو من يبذل له الشيء، ويرى أنه هذا
الذي يأتيه الرزق منه، هذا سبب، والسبب
جعله الله جل وعلا سببا، فيجب أن يعلم أن الذي رزقه هو الله جل وعلا، وإذا
شاء منع ذلك تعالى وتقدس، فيجب أن يكون طلبه من الله في كل ما يحتاج إليه، سواء من
أمور الدنيا أو من أمور الآخرة، كما أنه أيضا لا يجوز أن تكون أمور الدنيا مستولية
على قلبه، الحب والعمل، كما سبق أن الرسول
r قال: «تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم»، وبين أن العبادة بأنها العمل، أنه إذا أعطي رضي وإذا منع سخط،
يعني أنه يكون يعمل للدينار والدرهم أو القطيفة أو ا لخميصة، والواجب أن يكون هذا
العمل الذي يعمله يعني حصوله على الدنيا للتقوي بها على عبادة الله، ولأنه أيضا
عليه واجبات وعليه أشياء يقوم بها، أوجبه الله جل عليه من نفقة أو يعني نفقة على
نفسه أو من تلزمه نفقته، أو حقوق تلزمه على الغير، ويعمل على هذه الصفة، وتكون هذه
يعني طلبه بهذا الشيء يعمله وفق ما أمره الله جل وعلا، فيكون عابدا لله في كل
تصرفاته، بخلاف إذا ما كان المال غاية، والأمور الأخرى وسائل له، فإن هذا يكون
عابدا للمال نعم.



القارئ: [وكلا الْأَمريْنِ شرع لَهُ أَن يكون دعاؤه لله فَلَا يسْأَل
رزقه إِلَّا من الله وَلَا يشتكي إِلَّا إِلَيْهِ كَمَا قَالَ يَعْقُوب عَلَيْهِ
السَّلَام [86 يُوسُف]

:
{إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني
إِلَى الله
} .


وَالله تَعَالَى ذكر فِي الْقُرْآن الهجر الْجَمِيل والصفح الْجَمِيل
وَالصَّبْر الْجَمِيل وَقد قيل: إِن الهجر الْجَمِيل هُوَ هجر بِلَا أَذَى والصفح
الْجَمِيل صفح بِلَا معاتبة وَالصَّبْر الْجَمِيل صَبر بِغَيْر شكوى إِلَى
الْمَخْلُوق].



الشيخ: هذه صفة أولياء الله مثل الأنبياء وأتباعهم، أما آحاد الناس لا يصلون
إلى مثل هذا الشيء، إلا من شاء الله جل وعلا، ولكن نقول: هذا الكمال، وإذا قصر عنه
العبد، فينبغي له أن يجتهد إذا أمكنه ذلك، أن يجتهد أن يكون مقتديا بأولياء الله
جل وعلا، وأن يكون عبدا خالصا لله جل وعلا، ولابد من المخالفات، ولابد من التقصير،
والذي مثلا يتصور أن هناك من لا يعتريه قصور ولا يقع في مخالفة، فهذا تصور غير
واقع، لأن ابن آدم خلق ناقصا، خلق فقيرا، فأصله أنه هلوع، إذا مسه الشر جذوعا وإذا
مسه الخير منوعا، وكذلك أصله أنه ظلوم جهول، وهو إنما يتهذب بالأخلاق التي تأتي
بها الرسل، فإذا كمل يكون من أتباع الرسل،
وإذا نقص فالله جل وعلا أكثر من
ذكر أسمائه العفو والغفور والتواب والرحيم وغير ذلك، ولا يمكن أن يكون تواب وليس
هناك من يتوب، ولا عفو ولا هناك من لا يعفى عنه، هذا ممتنع مستحيل، فلابد من ظهور
آثار أسماء الله على عباده جل وعلا، نعم.



القارئ: [وَلِهَذَا قرئَ على أَحْمد بن حَنْبَل فِي
مَرضه: إِن طاوسا كَانَ يكره أَنِين الْمَرِيض وَيَقُول: إِنَّه شكوى فَمَا أنّ
أَحْمد حَتَّى مَاتَ]
.



الشيخ: هذا قول بعض العلماء أنه شكوى، والأنين في الواقع ليس شكوى، وإنما هو
المريض كأنه يجد راحة إذا أن، وإلا فقلبه لا يشكوا لله جل وعلا، قد يكون أيضا
ذاكرا لله جل وعلا وشاكرا له في ذلك، والإمام أحمد رحمه الله من الورع أنه لم سمع
هذا صار لا يأن حتى مات، فقول طاووس: إن الأنين شكوى، يعني أنه يشكوا الله بأنينه،
وهذا غير صحيح، قد يكون بعض الناس هذا، ولكن مثل الإمام أحمد وغيره الذين يعرفون
أن المنة لله جل وعلا في كل شيء، وأن العبد ملك لله يتصرف فيه كيف يشاء، ما يكون
ذلك شكوى، وإنما يرتاح بكونه يئن، كما هو معروف عند الناس بهذا الشيء، إنما هذا
مصدره القلب نعم.



القارئ: [وَأما الشكوى إِلَى الْخَالِق فَلَا
تنَافِي الصَّبْر الْجَمِيل فَإِن يَعْقُوب قَالَ [83 يُوسُف]
:
{فَصَبر جميل} وَقَالَ [86 يُوسُف] : {إِنَّمَا
أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله
}] .


الشيخ: الشكوى إلى الله دعاء وعبادة، عبادة لله جل وعلا، كدعائه إلى الله
المشتكى، والرسول
r
كان في كل حالاته يفزع إلى ربه جل و علا، في كل حالاته كان إذا حضر القتال يقول: «اللهم بك أستعين وبك أقاتل وبك أصول وأجول»، وكان
يتبرأ من الحول والطول، ويقول: «اللهم لا تكلني إلى
نفسي ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين، فإنك إن تكلني إلى مخلوق تكلني إلى ضيعة
وعوزة»
، فهذه شكوى، شكوى ظاهرة، وهي دعاء وعبادة، عبادة لله جل وعلا نعم.



القارئ: [وَكَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
يقْرَأ فِي الْفجْر بِسُورَة يُونُس ويوسف والنحل فَمر بِهَذِهِ الْآيَة فِي
قِرَاءَته فَبكى حَتَّى سمع نَشِيجه من آخر الصُّفُوف]
.



الشيخ: أنه مر بهذه القراءة في آخر خلافته، مر بهذه القراءة: {إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله}، فصار يبكي نعم.


القارئ: [وَمن دُعَاء مُوسَى: " اللَّهُمَّ لَك
الْحَمد وَإِلَيْك المشتكى وَأَنت الْمُسْتَعَان وَبِك المستغاث وَعَلَيْك التكلان
وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك "]
.



الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، إلا بك كله سواء نعم.


القارئ: [وَمن دُعَاء مُوسَى: " اللَّهُمَّ لَك
الْحَمد وَإِلَيْك المشتكى وَأَنت الْمُسْتَعَان وَبِك المستغاث وَعَلَيْك التكلان
وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك ". وَفِي الدُّعَاء الَّذِي دَعَا بِهِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما فعل بِهِ أهل الطَّائِف مَا فعلوا: "
«اللَّهُمَّ إِلَيْك أَشْكُو ضعف قوتي وَقلة حيلتي وهواني على
النَّاس يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ أَنْت رب الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنت رَبِّي اللَّهُمَّ
إِلَى من تَكِلنِي؟ إِلَى بعيد يتجهمني»
].



الشيخ: إلى بعيد، الظاهر أن فيها همزة ، همزة استفهام، أألى بعيد يتجهمني،
لأنه جاء بعدها، أم إلى عدو ملكته أمري، نعم، معنى يتجهمني، أيش لون؟ نعم.



القارئ: [«إِلَى
بعيد يتجهمني أم إِلَى عَدو ملكته أَمْرِي؟ إِن لم يكن بك غضب عَليّ فَلَا
أُبَالِي غير أَن عافيتك أوسع لي أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت بِهِ الظُّلُمَات
وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَن ينزل بِي سخطك أَو يحل عَليّ غضبك
لَك العتبى حَتَّى ترْضى فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه " وَفِي بعض
الرِّوَايَات: " وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك»
"].



الشيخ: هذا فيه دليل على إثبات وجه الله جل وعلا وأن له نور قال: « أعوذ بنور وجهك»، ونور وجه الله جل وعلا صفته،
فالاستعاذة تكون بالصفات والأسماء، أسمائه جل وعلا، ولا يقال هذا إنه يدل على دعوة
الصفة أو الاسم، لأن الصفة ليست إله، كما يقول بعض الناس: يا رحمة الله، يا عزة
الله، هذا لا يجوز، لأنه حتى بعض العلماء أفتى أن هذا من الكفر، لأن دعاء الله جل
وعلا أمر حتم واجب من العبادة، والصفة ليست إلها فيدعى، وإنما يدعى بها رب
العالمين، تقول: أسألك برحمتك، كما قال هنا: أعوذ بنور وجهك، والاستعاذة والسؤال
كلاهما عبادة، نعم.



القارئ: [وَفِي بعض الرِّوَايَات: " وَلَا حول
وَلَا قُوَّة إِلَّا بك ".
وَكلما قوي طمع العَبْد فِي فضل الله وَرَحمته ورجائه لقَضَاء حَاجته وَدفع
ضَرُورَته قويت عبوديته لَهُ وحريته مِمَّا سواهُ فَكَمَا أَن طمعه فِي
الْمَخْلُوق يُوجب عبوديته لَهُ فيأسه مِنْهُ يُوجب غنى قلبه نَظِيره، وَأفضل على
من شِئْت تكن أميره، وَاحْتج إِلَى من شِئْت تكن أسيره]
.



الشيخ: هذا كلام قديم معروف عند العرب، كلام معروف وهو من الحكم، استغني عمن
شئت تكون نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت أو قال: افتقر إلى
من شئت تكن أسيره، هذا مأخوذ من التجربة تجربة الواقع، وذلك أن الأسر هو أسر
القلب، فمن كان قلبه أسيرا فهو أسير في الحقيقة، ولهذا قد يكون القلب أسيرا لشهوة
أو لمثلا من يراد منه الشهوة وما أشبه ذلك، فيصبح تاركا لعبادة الله جل وعلا،
ومؤثرا لهذا الذي يحبه ويعشقه على عبادة الله، فيكون فيه شقاؤه، ويكون هذا من أعظم
البلاء وأعظم العذاب العاجل ثم العذاب الآجل، و يجب على العبد أن يكون متحريا ما
يطلبه الله منه، وساعيا فيه جهده، ومجتنبا الأسباب التي قد تأسر قلبه نعم.



القارئ: [فَكَذَلِك طمع العَبْد فِي ربه ورجاؤه لَهُ
يُوجب عبوديته لَهُ وإعراض قلبه عَن الطّلب من الله والرجاء لَهُ يُوجب انصراف
قلبه عَن الْعُبُودِيَّة لله لَا سِيمَا من كَانَ يَرْجُو الْمَخْلُوق ولايرجو
الْخَالِق بِحَيْثُ يكون قلبه مُعْتَمدًا إِمَّا على رئاسته وَجُنُوده وَأَتْبَاعه
ومماليكه وَإِمَّا على أَهله وأصدقائه وَإِمَّا على أَمْوَاله وذخائره وَإِمَّا
على ساداته وكبارئه كمالكه وَملكه وَشَيْخه ومخدومه وَغَيرهم مِمَّن هُوَ قد مَاتَ
أَو يَمُوت قَالَ تَعَالَى [58 الْفرْقَان]
:
{وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَسبح
بِحَمْدِهِ وَكفى بِهِ بذنوب عباده خَبِيرا
} .


وكل من علق قلبه بالمخلوقين أَن ينصروه أَو يرزقوه أَو أَن يهدوه خضع قلبه
لَهُم وَصَارَ فِيهِ من الْعُبُودِيَّة لَهُم بِقدر ذَلِك وَإِن كَانَ فِي
الظَّاهِر أَمِيرا لَهُم مُدبرا لأمورهم متصرفا بهم فالعاقل ينظر إِلَى
الْحَقَائِق لَا إِلَى الظَّوَاهِر فالرجل إِذا تعلق قلبه بِامْرَأَة وَلَو كَانَت
مُبَاحَة لَهُ يبْقى قلبه أَسِيرًا لَهَا تحكم فِيهِ وتتصرف بِمَا تُرِيدُ وَهُوَ
فِي الظَّاهِر سَيِّدهَا لِأَنَّهُ زَوجهَا أَو مَالِكهَا وَلكنه فِي الْحَقِيقَة هُوَ
أَسِيرهَا ومملوكها وَلَا سِيمَا إِذا علمت بفقرة إِلَيْهَا وعشقه لَهَا وَأَنه
لَا يعتاض عَنْهَا بغَيْرهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تتحكم فِيهِ تحكم السَّيِّد
القاهر الظَّالِم فِي عَبده المقهور الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الْخَلَاص مِنْهُ بل
أعظم فَإِن أسر الْقلب أعظم من أسر الْبدن واستعباد الْقلب أعظم من استعباد
الْبدن].



الشيخ: هذه مباحة له، فكيف إذا كانت محرمة، فيكون الجرم أعظم، والشقاء أتم
نسأل الله العافية، وهذا يحصل كثيرا لكثيرا من الناس، مع أنه قد يكون عنده ما
يغنيه عن هذا وهو الغالب، وهذا لأن القلب إذا تعلق بغير الله فإن الله الغالب أنه
يعرض عنه، ويكله إلى ما تعلق عليه، ثم يتمكن ذلك من قلبه ويتم الشقاء، فهذا جربه
الناس نسأل الله العافية نعم.



القارئ: [فَإِن من استبعد بدنه واسترق وَأسر لَا
يُبَالِي إِذا كَانَ قلبه مستريحًا من ذَلِك مطمئنًا، بل يُمكنهُ الاحتيال فِي
الْخَلَاص.



وَأما إِذا كَانَ الْقلب الَّذِي هُوَ ملك الْجِسْم رَقِيقا
مستعبدا متيما لغير الله فَهَذَا هُوَ الذل والأسر الْمَحْض والعبودية الذليلة لما
استعبد الْقلب.



وعبودية الْقلب وأسره هِيَ الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا
الثَّوَاب وَالْعِقَاب فَإِن الْمُسلم لَو أسره كَافِر أَو استرقه فَاجر بِغَيْر
حق لم يضرّهُ ذَلِك إِذا كَانَ قَائِما بِمَا يقدر عَلَيْهِ من الْوَاجِبَات وَمن
استعبد بِحَق إِذا " أدّى حق الله وَحقّ موَالِيه فَلهُ أَجْرَانِ "
وَلَو أكره على التَّكَلُّم بالْكفْر فَتكلم بِهِ]
.


الشيخ: كونه استعبد بباطل، لأنه قد يستعبد الإنسان بباطل، ولا حيلة له، فإذا
كان قلبه سليما لله جل وعلا لا يضره هذا، لأن هذا مؤقت وينتهي، إما ينتهي بأنه
مثلا يتخلص من هذا الظالم، أو ينتهي بالموت، فيرتاح من ذلك فينسى، ينسى هذا الشيء،
لكن إذا كان الاستعباد استعباد القلب، سواء كان الاستعباد لشيء في الأصل أنه مباح
مثل مال حلال أو غيره الذي يكتسبه من جهة غير محرمة، أو مخلوق صورة ونحوها، أو كان
مثلا محرما فيكون الجرم مضاعف، فهذا هو الهلاك العاجل، الذي لا يرجى بعده خلاص
نسأل الله العافية نعم.



القارئ: [وَلَو أكره على التَّكَلُّم بالْكفْر
فَتكلم بِهِ وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان لم يضرّهُ ذَلِك وَأما من استُعبد قلبه
فَصَارَ عبدا لغير الله فَهَذَا يضرّهُ ذَلِك]
.



الشيخ: هذا من فضل الله جل وعلا، كونه إذا مثلا أرغم على الكفر أنه يجوز له أن
يتكلم بالقلب موافقة لمن يطلب منه ذلك ويكرهه عليه فداء لنفسه تخليصا لنفسه، ولكن
بشرط أن يكون قلبه مطمئن بالإيمان نعم.



القارئ: [فَهَذَا يضرّهُ ذَلِك وَلَو كَانَ فِي
الظَّاهِر ملك النَّاس.

فالحرية حريَّة الْقلب والعبودية عبودية الْقلب كَمَا أَن الْغنى غنى النَّفس
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَيْسَ الْغنى عَن كَثْرَة الْعرض
وَإِنَّمَا الْغنى غنى النَّفس ".



وَهَذَا لعَمْرو الله إِذا كَانَ قد استبعد قلبه صُورَة
مُبَاحَة. فَأَما من استعبد قلبه صُورَة مُحرمَة امْرَأَة أَو صبي فَهَذَا هُوَ
الْعَذَاب الَّذِي لَا يدانيه عَذَاب]
.


الشيخ: عذاب في الدنيا ويترتب عليه عذاب الآخرة نعم.


القارئ: [وَهَؤُلَاء عشاق الصُّور، من أعظم النَّاس
عذَابا وَأَقلهمْ ثَوابًا، فَإِن العاشق لصورة إِذا بَقِي قلبه مُتَعَلقا بهَا
مستعبدا لَهَا اجْتمع لَهُ من أَنْوَاع الشَّرّ وَالْفساد مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا
رب الْعباد]
.



الشيخ: وهذا شيء قد عرفه الناس، بأن العاشق يتعلق قلبه بالمعشوق حتى يغنيه ذلك
ويموت، وهو عبادة نسأل الله العافية، ولو عبد لذلك، لأنه أصل الأول سهل ثم صار
ازداد حتى صار ما يملك لنفسه شيء، لهذا كانوا يسمون مثل هذا مجنون، ليس مجنونا
ولكنه جن بعبادة هذا المعشوق نعم.



القارئ: [وَلَو سلم من فعل الْفَاحِشَة الْكُبْرَى
فداوم تعلق الْقلب بهَا بِلَا فعل الْفَاحِشَة أَشد ضَرَرا عَلَيْهِ مِمَّن يفعل
ذَنبا ثمَّ يَتُوب مِنْهُ وَيَزُول أَثَره من قلبه]
.



الشيخ: أي أنه إذا وقع في الفاحشة ثم قلبه تخلص من ذلك وتاب، عسى أن يكون قلبه
يبقى أسيرا لهذا المخلوق، لهذه الصورة امرأة أو صبي أو ما أشبه ذلك، حتى يموت على
هذا، فإن هذا نوع عبادة لهذه الصورة، فإن كانت امرأة أو صبي أو غير ذلك نعم.



القارئ: [وَهَؤُلَاء يشبّهون بالسكارى والمجانين
كَمَا قيل:]
.



الشيخ: لأنه الحب يغلب على العقل، فيصبح العقل كأنه مغطى، ولهذا قالوا: أنه
شبه السكران أو المجنون، يطلق عليه أنه مجنون، كما قيل: مجنون ليلى، لأنه أحبها
وعشقها، فصار كأنه مجنون، وفي النهاية قتله العشق، وكم من واحد قتله العشق، كثير
جدا، نعم.



القارئ: [سُكران سُكر هوى وسُكر مدامة ... وَمَتى
إفاقة من بِهِ سُكران؟]
.



الشيخ: سكر هوى يعني العشق، والمدامة الخمر، إذا اجتمع هذا وهذا فمتى يفيق؟
نعم.



القارئ: [وَقيل: قَالُوا جُننتَ بِمن تهوى فَقلت
لَهُم ... الْعِشْق أعظم مِمَّا بالمجانين الْعِشْق لَا يستفيق الدهرَ صاحبُه ...
وَإِنَّمَا يُصرع الْمَجْنُون فِي حِين وَمن أعظم أَسبَاب هَذَا الْبلَاء إِعْرَاض
الْقلب عَن الله فَإِن الْقلب إِذا ذاق طعم عبَادَة الله]
.



الشيخ: من هنا نعرف أن العشق لا يحدث إلا من قلب غافل، أما من كان عارفا لله
جل وعلا محبا لله، فلا يقع في مثل هذا، نعم.



القارئ: [فَإِن الْقلب إِذا ذاق طعم عبَادَة الله
وَالْإِخْلَاص لَهُ لم يكن عِنْده شَيْء قطّ أحلى من ذَلِك وَلَا ألذ وَلَا أمتع
وَلَا أطيب وَالْإِنْسَان لَا يتْرك محبوبا إِلَّا بمحبوب آخر يكون أحب إِلَيْهِ
مِنْهُ أَو خوفًا من مَكْرُوه فالحب الْفَاسِد إِنَّمَا ينْصَرف الْقلب عَنهُ
بالحب الصَّالح أَو بالخوف من الضَّرَر.



قَالَ تَعَالَى فِي حق يُوسُف [24 يُوسُف] : {كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء والفحشاء إِنَّه من
عبادنَا المخلصين
}].


الشيخ: المخلصين والمخلصين هي قراءتان، المخلصين يعني الذين خلصهم الله جل
وعلا من كل كرب وكل بلاء، أو خلصهم جعلهم خلاصة من عبادة، اتخذهم خلاصة من عبادة،
ولا شك أن الأنبياء خلاصة الخلق، المخلصين الذين أخلصوا لله جل وعلا في العبادة،
ويكون دليل على أن الإخلاص منجاة، وسبب لأنه إذا وقع في مشكلة أنه ينجوا منها نعم.



القارئ: [فَالله يصرف عَن عَبده مَا يسوؤه من الْميل
إِلَى الصُّور والتعلق بهَا]
.



الشيخ: وهذا يعني، يعني حالة يوسف حالة عجيبة لأنه أولا كان في البيت، وكان هو
المطلوب، يعني ثم فيه عوامل كثيرة، ومع ذلك امتنع أشد الامتناع، فكل هذا بفضل
الله، لأنه كما قال الله جل وعلا:
{لنصرف
عنه السوء والفحشاء
}، والفحشاء هي الزنا وما يتصل به، والسوء
أعم من هذا، كل ذنب فهو سيء، فكانت عاقبته حميدة، وإن كان، ومع ذلك رمته بما هو
طاهر منه، فلما أتاها زوجها قالت:
{ما جزاء
من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم، فقال هي راودتني
}، فهل يصدق هو؟ هو
مستضعف ومستعبد، ولكن قيد الله جل وعلا من يصرف عنه،
{وشهد شاهد من أهلها}، فبين، ومع ذلك
كله ما كان عند الزوج الغيرة التي يغار بها، ويحزم الموضوع، فقال لزوجته: استغفري
لذنبك، وقال ليوسف: أعرض عن هذا، هذا الذي قال، فبقيت المشكلة كما هي أو أشد نعم.



القارئ: [وَلِهَذَا يكون قبل أَن يَذُوق حلاوة
الْعُبُودِيَّة لله وَالْإِخْلَاص لَهُ بِحَيْثُ تغلبة نَفسه على اتِّبَاع هَواهَا
فَإِذا ذاق طعم الْإِخْلَاص وَقَوي فِي قلبه انقهر لَهُ هَوَاهُ بِلَا علاج.



قَالَ تَعَالَى [45 العنكبوت] : {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر
وَلذكر الله أكبر
} فَإِن الصَّلَاة فِيهَا دفع مَكْرُوه وَهُوَ الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وفيهَا
تَحْصِيل مَحْبُوب].



الشيخ: هو المعنى أن عبادة الله جل وعلا فيها الدفء، فإذا تعلق العبد بربه
مخلصا، فإن الله يخلصه، ولهذا أخبر جل وعلا لما ذكر قصة يونس قال:
{وكذلك ننجي المؤمنين}، يعني ليست خاصة
به، المؤمنون هكذا، وهذا كثير فيما يذكر، إذا ذكر قضية من القضايا جعل هذا عاما،
ليدل عباده على أن السبيل للنجاة من المشاكل والوقوع في المحرمات الإخلاص لله جل
وعلا، وكذلك في أحاديث الرسول
r،
كما في حديث ابن عباس: «تعرف إلى الله في الرخاء
يعرفك في الشدة»
، من كان يتعرف إلى ربه بعبادته وفي حالته بأن يعبده
ويخلص له، ولا يراه فيما يكره ويحرم، فإن الله يكون معه ويوفقه ويخلصه من كل مشكلة
يقع فيها، وليس معنى ذلك أنه لا يناله أذى، هذا لا يمكن في الدنيا، في الدنيا لابد
فيها من الأذى ولابد فيها من البلوى، ولابد فيها من الأمراض ولابد فيها من الموت،
ولكن ما يقع في شيء يهلكه ويأسره ويجعله عبدا لغير ربه جل وعلا، يستولي عليه أحد
من شياطين الجن أو شياطين الإنس، فإن الله جل وعلا يكون عونا له في ذلك فيخلصه،
فإذا وقع في شدائد وفي كربات تكون زيادة في رفعة درجاته عند الله جل وعلا، فإنه
عبد لله جل وعلا، ويعلم أن هذا بتدبير الله، ثم يصبر ويحتسب لله جل وعلا، ويعلم أن
هذه الدنيا لا تصفوا لأحد، فلابد فيها من البلاء، نعم.



القارئ: [وفيهَا تَحْصِيل مَحْبُوب وَهُوَ ذكر الله
وَحُصُول هَذَا المحبوب أكبر من دفع ذَلِك الْمَكْرُوه فَإِن ذكر الله عبَادَة لله
وَعبادَة الْقلب لله مَقْصُودَة لذاتها وَأما اندفاع الشَّرّ عَنهُ فَهُوَ
مَقْصُود لغيره على سَبِيل التبع.



وَالْقلب خلق يحب الْحق ويريده ].


الشيخ: ولكن هذا لابد منه، يعني لابد أن يسعى الإنسان إلى ما يتحصل به اللذة،
والذي يتنعم به، ولابد أن يسعى إلى دفع ما فيه الألم النفسي، هذا أمر ضروري، ثم
هذا يدلنا على أن هناك أسباب، أسباب لجلب المنافع، والملذات، وأسباب لدفع المؤذيات
والمؤلمات، وهذه الأسباب من أين تأتي؟ فهي كلها الدافع للمؤذي المؤلم، والجالب
للنافع المنعم كلها بيد الله، لابد من اللجوء إلى الله جل وعلا، لابد أن تطلب من
الله جل وعلا، فمن عرف هذا واستعمله فإنه إن كان فيه خير ازداد خير، وإن كان فيه
ألم شيء يؤلمه، فإنه يصبر ويكون أيضا في زيادة رفعة عند الله جل وعلا، والتوفيق
بيد الله جل وعلا، هو الذي يتفضل على عبده بما يشاء نعم.



القارئ: [فَلَمَّا عرضت لَهُ إِرَادَة الشَّرّ طلب
دفع ذَلِك فَإِنَّهَا تفْسد الْقلب كَمَا يفْسد الزَّرْع بِمَا ينْبت فِيهِ من
الدغل.



وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى [9-10 الشَّمْس] : {قد أَفْلح من زكاها * وَقد خَابَ من دساها} وَقَالَ تَعَالَى [14-15 الْأَعْلَى] : {قد أَفْلح من تزكّى * وَذكر اسْم ربه فصلى}].


الشيخ: هو التزكي من الله في الواقع، ولكن له أسباب، أسباب بيد العبد، ولهذا
قال: تزكى، وزكاها، يعني زكى نفسه، قد أفلح من زكى نفسه، وتزكية النفس لا يكون إلا
بالعمل الصالح، بعبادة الله جل وعلا، والعمل بطاعته، لهذا يقول جل وعلا لدعوة
الرسول كلهم:
{ولا تصلحوا في الأرض بعد
إصلاحها
}، فالإفساد في الأرض بالمعاصي، والإصلاح بالأنبياء، الأنبياء هم الذين جاءوا
بإصلاح الأرض، فإذا جاء الفساد فهو بالمعاصي، وأعظم ما تكون الإفساد بعد الصلاح،
إذا كانت صالحة ثم أفسدت، نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى [30 النُّور] : {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا
فروجهم ذَلِك أزكى لَهُم
}].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:48 am

الشيخ: لأن هذا الأصل وهو غض البصر وحفظ الفرج أصل، إذا تمسك به العبد نجا من
أمور كثيرة، وعوضه الله جل وعلا نورا في بصره وبصيرته نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى [21 النُّور] : {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكى
مِنْكُم من أحد أبدا
} فَجعل سُبْحَانَهُ غض الْبَصَر وَحفظ
الْفرج هُوَ أقوى تَزْكِيَة للنَّفس وَبَين أَن ترك الْفَوَاحِش من زَكَاة
النُّفُوس وَزَكَاة النُّفُوس تَتَضَمَّن زَوَال جَمِيع الشرور من الْفَوَاحِش
وَالظُّلم والشرك وَالْكذب وَغير ذَلِك.



وَكَذَلِكَ طَالب الرِّئَاسَة والعلو فِي الأَرْض قلبه رَقِيق لمن يُعينهُ
عَلَيْهَا].



الشيخ: هذا عطفا على ما سبق أن القلب يجب أن يكون سليما لله، ويجب ألا يتعلق
بغير الله جل وعلا، لا من مال ولا من مخلوق، وهنا هذه المعاني، لأن التعلق قد يكون
بعين، عين معينة، إما امرأة أو صبي، أو يكون بمال معين، والمعنى الثاني: أن يكون بمعنى يتعلق بمعاني بالرئاسة
والعلو في الأرض، وكونه يكون مثلا مقدما للناس، وله تصرف وله أمر ونهي، فإن هذه من
الأمراض أيضا، الأمراض التي قد لا يتحملها كل إنسان، إذا وصل إلى هذا تكبر وطغى
وتكبر، كما قال جل وعلا:
{كلا إن
الإنسان ليطغى أن رآه استغنى
}، والاستغناء يعني أنه يصل إلى شيء من هذا
الحد، وهذا يسمى الشهوة الخفية، الشهوة الخفية هي الرئاسات والمناصب الكبيرة التي
يرتفع بها عن الناس، وهذه قد لا يحتملها كل إنسان، بعض الناس إذا وصل إليها تصور
أنها وصل إلى الغاية، أنه يجب أنه يعظم وأنه تكون فتنة له، نعم، وكل هذا مدعاة
لترك الحق، ولهذا تجد مثلا في دعوات الرسل، أن الذين يردون عليهم الملأ، من هم
الملأ؟ الملأ الذي تملئ مناظرهم المناظر، أصحاب الأبهات، أصحاب الرئاسات الذين لهم
مقام ولهم كلمة، كل الرسول قال: الملأ، الكبراء والذين لهم قادة، وهم الذين يقفون
في وجه الحق غالبا، نعم.



القارئ: [وَلَو كَانَ فِي الظَّاهِر مقدمهم والمطاع
فيهم فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة يرجوهم ويخافهم فيبذل لَهُم الْأَمْوَال والولايات
ويعفوا عَمَّا يجترحونه ليطيعوه ويعينوه فَهُوَ فِي الظَّاهِر رَئِيس مُطَاع وَفِي
الْحَقِيقَة عبد مُطِيع لَهُم.



وَالتَّحْقِيق أَن كِلَاهُمَا فِيهِ عبودية للْآخر
وَكِلَاهُمَا تَارِك لحقيقة عبَادَة الله وَإِذا كَانَ تعاونهما على الْعُلُوّ فِي
الأَرْض بِغَيْر الْحق كَانَا بِمَنْزِلَة المتعاونين على الْفَاحِشَة أَو قطع
الطَّرِيق فَكل وَاحِد من الشخصين لهواه الَّذِي استعبده واسترقه مستعبد
للْآخر.وَهَكَذَا أَيْضا طَالب المَال فَإِن ذَلِك يستعبده ويسترقه.



وَهَذِه الْأُمُور نَوْعَانِ:


مِنْهَا مَا يحْتَاج العَبْد إِلَيْهِ كَمَا يحْتَاج
إِلَيْهِ من طَعَامه وَشَرَابه ومسكنه ومنكحه وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا يَطْلُبهُ من
الله ويرغب إِلَيْهِ فِيهِ فَيكون المَال عِنْده يَسْتَعْمِلهُ فِي حَاجته
بِمَنْزِلَة حِمَاره الَّذِي يركبه وبساطه]
.


الشيخ: كيف يعني من يكون بهذه المثابة؟ يكون المال يكون بمنزلة الحمار الذي
يركبه ما يتعلق قلبه به، هل يتعلق قلبه بالحمار؟ سيأتي أنه يكون بمنزلة الفراش
الذي يطئه بقدمه ويجلس عليه، هل فيه عاقل يتعلق قلبه مثلا بهذا الشيء؟ وسيأتي أنه
يكون بمنزلة الكنيف الذي يقضي فيه حاجته، وهذا معناه أنه لا يجوز أن يكون للمال في
القلب محل، لأنه اتخذ لقضاء الحاجة، ولسد الفقر وهو به يعبد ربه، ما يتعلق قلبه
به، ولهذا الذي لا يصلون إلى هذا الأمر لا تجد عندهم شيء، تجدهم يقدمونه لأنفسهم،
فإذا أمسك المال قد يكون ضارا، وإذا أنفق يكون نافعا، وأفضل الخلق رسولنا
r،
كان إذا عهد في بيته شيء يخفف الصلاة حتى يذهب يقسمه، كما جاء في الصحيح، أنه صلى
ثم قام بسرعة وتخطى الناس، لأجل بيضة، فلما سألوه قال: «ذكرت شيئا من التبر في البيت فكرهت أنه يبقى»، يذهب يقسمه
ويفرقه، ومات صلوات الله وسلامه عليه ودرعه مرهونة بآصاع لأهل صاع من شعير، مرهونة
عند يهودي، فكان صلوات الله وسلامه عليه يدعوا ربه يكون جزئه قوت، يجوع يوما
فيدعوا ربه، يشبع يوما فيشكر ربه، وتقول عائشة
t: أنه يمر الشهر
والشهران ما أوقدت النار في بيت رسول الله، وفي رواية: في بيوت رسول الله
r،
وكان له تسعة بيوت، لأن كل زوجة لها بيت، قال لها من سمعها: ما تأكلون؟ قالت:
الأسودان التمر والماء، ولا يتيسر لك حال، جاءه مرة ضيف ذهب به وأتى إلى إحدى
بيوته قال: «أعندكم شيء؟ »، قالوا: ما
عندنا شيء، ثم ذهب إلى البيت الثاني والثالث والرابع، وكل واحدة تقول: ما عندنا
شيء، فقال: «من يضيف ضيف رسول الله
r»،
ما عنده شيء، أفضل الخلق صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا لما دخل عمر
t
مرة عليه وهو نائم على حصير من سعف النخل، هذا فراشه، نظر إليه قد أثر في جنبه
صلوات الله وسلامه عليه، ثم نظر في البيت ما رأى شيء فبكى، قال: «ما يبكيك»، قال: أنت رسول الله، وفارس والروم
ينعمون في نعيم الدنيا، وهذا بيتك ليس فيه شيء، وهذا فراشك الحصير أثر في جنبك،
فقال: «أوفي شك أنت؟ لهم الدنيا ولنا الآخرة»،
وقال: «مالي وللدنيا إن مثلي كمثل راكب قال تحت ظل
دوحة ثم ذهب وتركها»
، الدوحة الشجرة التي لها ظل، نظر إليه مرة جابر بن
عبد الله وهو يعمل معهم في حفر الخندق، إذا تعسر عليهم شيء دعوه، فاعترضت لهم كدية
يعني صفا ما استطاعوا يقطعوه، فقالوا: يا رسول الله هذه كدية، قال: «أنا نازل»، فنزل وهو حازم بطنه بحجر، حازم عليه
حجر، نظر إليه جابر قال: ليس على هذا صبر، استأذنه قال: ائذن لي أنصرف إلى أهلي،
وقصده يذهب ينظر هل عنده شيء أم لا؟ لأنهم الصحابة أيضا قد لا يكون عندهم شيء، ذهب
إلى زوجته وقال: هل عندك شيء، قالت: عندي صاع من شعير لم يطحن، وعندنا بهمة، بهمة
صغيرة، فذهب فذبح البهمة وقال: اطحني الشعير وسوف أدعوا رسول الله
r
واثنين معا، يعني طعام ثلاثة، فذهب إلى الرسول
r وأخبره قال: تذهب
معي أنت واثنين معي، ماذا صار؟ أمر
r
من ينادي منادي إن جابر ابن عبد الله يدعوكم للطعام، لأن الصحابة كلهم محتاجون،
كيف يصنع؟ طعام ثلاثة والجيش كله يأتي إلى البيت، فلما قرب من البيت أسرع إلى
زوجته وكانت عاقلة، قال لها: أتاك رسول الله والمسلمون ماذا تصنعين؟ قالت: هل
علمته؟ قال: نعم، قالت: ثم عليك هو أعلم، فلما جاء دخل قال: تفل في العجين وتفل في
البرمة التي فيها اللحم وهي تطهو على النار ودعا ثم قال: قدموا لي كل عشرة، فصاروا
يخبزون ويقدمون، حتى شبعوا عن آخرهم وبقي كما هو كأنه لم يؤخذ منه شيء، هذا شيء
إذا طلب من الله شيء أعطاه، ومع ذلك لا يطلب، لأن الدنيا لا تساوي شيئا، فلهذا
الصحابة أخذوا من هذه الأخلاق التي كان يتخلق بها صلوات الله وسلامه عليه، المقصود
أن هذه حالة أشرف خلق الله، وهذه صفته، الدنيا لا تساوي عنده شيء، حتى أنه أحيانا
إذا تحصل على غنائم يعطي الرجل مائة من الإبل، الرجل الواحد، وأحيانا مائتين
وأحيانا ثلاثمائة، ولكن عطاؤه لله جل وعلا، يعطي الذي إذا أعطي يرغبه في الإسلام
يسلم قومه، إذا أسلم، أسلم قومه، على كل حال، نقول: إن الإنسان في هذه الدنيا
المؤمن يجب ألا يتعلق قلبه إلا بربه جل وعلا، وإذا كان كذلك فهو الغني، الذي سوف
يحمد عاقبته، ولا يجوز أن يكون المال مستعبدا له، وفي وقتنا الحاضر الآن كثير من
الناس صاروا يعبدون الدنيا، ويعرضون عن أمر الله جل وعلا، ويقدمون ملاذهم ويقدمون
أموالهم على طاعة الله جل وعلا، وسوف يندمون، ولكن إذا كانت الندامة عندما يعاينون
رسل الله التي تقبض الأرواح فهذه مصيبة، إذا من الله عليهم جل وعلا واستدركوا ما
هم فيه فهذا فضل الله نعم.



القارئ: [فَيكون المَال عِنْده يَسْتَعْمِلهُ فِي
حَاجته بِمَنْزِلَة حِمَاره الَّذِي يركبه وبساطه الَّذِي يجلس عَلَيْهِ بل
بِمَنْزِلَة الكنيف الَّذِي يقْضى فِيهِ حَاجته من غير أَن يستعبده]
.



الشيخ: الكنيف الذي يقضي فيه حاجته، المال يكون بهذه المنزلة، يعني أنه إذا
احتاج إلى حاجته قضاها وإلا ما يتعلق قلبه بها نعم.



القارئ: [فَيكون {هلوعا * إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعا * وَإِذا مَسّه
الْخَيْر منوعا
} [19-21 المعارج] .


وَمِنْهَا مَا لَا يحْتَاج العَبْد إِلَيْهِ فَهَذَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن
يعلق قلبه بِهِ فَإِذا علق قلبه بِهِ صَار مستعبَدا لَهُ].



الشيخ: ليس معنى ذلك أنه يزهد في المال، المال للرجل الصالح صالح، نعم المال
الصالح للرجل الصالح، ولكن يجب أن يكون طلبه من الله، وإذا حصل له مال أن يعمل فيه بطاعة الله جل وعلا، فيكون رفعة لدرجاته،
وإذا تأملنا القرآن، وإذا فيه تقديم الجهاد للمال في جميع آيات القرآن، إلا آية
واحدة فقط، جاءت في القرآن، وهي ليست على غرار الآية الأخرى، لأنها ذكرت فيها
المبايعة:
{إن الله اشترى من المؤمنين
أنفسهم وأموالهم
}، فلما جاء الشرى قدمت الأنفس لأنها أغلى من المال، أما بقية الآيات التي فيها
الأمر بالجهاد، فالمال مقدم على الجهاد بالنفس، فلابد منه، ولكن يجب أن يكون طلبه
من الطرق التي أذن الله عز وجل بها، ويجب أن يتقي الإنسان في ذلك، ولا يستعبد
المال قلبه، وليس معنى ذلك أن المال لا ينبغي، والإنسان لا ينبغي أن يكون عنده
المال لا، ولكن لا ينبغي أن يستولي المال على قلبه نعم.



القارئ: [وَرُبمَا صَار مُعْتَمدًا على غير الله
فَلَا يبْقى مَعَه حَقِيقَة الْعِبَادَة لله وَلَا حَقِيقَة التَّوَكُّل عَلَيْهِ
بل فِيهِ شُعْبَة من الْعِبَادَة لغير الله وَشعْبَة من التَّوَكُّل على غير الله
وَهَذَا من أَحَق النَّاس بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
« تعس عبد الدِّرْهَم تعس عبد الدِّينَار تعس عبد القطيفة تعس
عبد الخميصة»
، وَهَذَا هُوَ عبد هَذِه
الْأُمُور فَإِنَّهُ لَو طلبَهَا من الله فَإِن الله إِذا أعطَاهُ إِيَّاه رَضِي
وَإِن مَنعه إِيَّاه سخط وَإِنَّمَا عبد الله من يرضيه مَا يُرْضِي الله ويسخطه
مَا يسْخط الله وَيُحب مَا أحبه الله وَرَسُوله وَيبغض مَا أبغضه الله وَرَسُوله
ويوالي أَوْلِيَاء الله ويعادي أَعدَاء الله تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي
اسْتكْمل الْإِيمَان كَمَا فِي الحَدِيث:
«
من أحب لله وَأبْغض لله وَأعْطى لله وَمنع لله فقد اسْتكْمل الْإِيمَان »
. وَقَالَ: « أوثق عرى
الْإِيمَان الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله »
.



وَفِي " الصَّحِيح " عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم:
«
ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الْإِيمَان: من كَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ
مِمَّا سواهُمَا وَمن كَانَ يحب الْمَرْء لَا يُحِبهُ إِلَّا لله وَمن كَانَ يكره
أَن يرجع إِلَى الْكفْر بعد إِذا أنقذه الله مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقى فِي
النَّار »
. فَهَذَا
وَافق ربه فِيمَا يُحِبهُ وَمَا يكرههُ فَكَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ
مِمَّا سواهُمَا وَأحب الْمَخْلُوق لله لَا لغَرَض آخر فَكَانَ هَذَا من تَمام حبه
لله فَإِن محبَّة مَحْبُوب المحبوب من تَمام محبَّة المحبوب فَإِذا أحب أَنْبيَاء
الله وأولياء الله لأجل قيامهم بمحبوبات الْحق لَا لشَيْء آخر فقد أحبهم لله لَا
لغيره وَقد قَالَ تَعَالَى [54 الْمَائِدَة]
: {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين
} .


وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى [31 آل عمرَان] : {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم
الله
} فَإِن الرَّسُول لَا يَأْمر إِلَّا بِمَا يحب الله وَلَا ينْهَى إِلَّا
عَمَّا يبغضه الله وَلَا يفعل إِلَّا مَا يُحِبهُ الله وَلَا يخبر إِلَّا بِمَا
يحب الله التَّصْدِيق بِهِ.



فَمن كَانَ محبا لله لزم أَن يتبع الرَّسُول فيصدقه فِيمَا أخبر ويطيعه فِيمَا
أَمر ويتأسى بِهِ فِيمَا فعل وَمن فعل هَذَا فقد فعل مَا يُحِبهُ الله فَيُحِبهُ
الله.



وَقد جعل الله لأهل محبته علامتين: اتِّبَاع الرَّسُول وَالْجهَاد فِي سَبيله
وَذَلِكَ لِأَن الْجِهَاد حَقِيقَة الِاجْتِهَاد فِي حُصُول مَا يُحِبهُ الله من
الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح وَمن دفع مَا يبغضه الله من الْكفْر والفسوق
والعصيان].



الشيخ: الجهاد أمره واسع، لأن الجهاد قد يكون جهاد للنفس، وهذا شيء لابد منه،
أن يجاهد نفسه ويجاهد الشيطان، ويجاهد فيما ولاه الله إياه، وسيسأله عنه، هذا أهم
شيء، وكذلك المحبة لابد أن يكون أصلها محبة الله جل وعلا، ثم يتبعها محبة ما يحبه
الله جل وعلا، لأن هذا من كمالها، من كمال محبة الله، لهذا جمع بين محبته ومحبة
رسوله
r،
لأن محبة الرسول
r
تبعا لمحبة الله جل وعلا، وليست محبة مع الله، وإنما هي محبة مكملة لمحبة الله جل
وعلا، هي محبة لله وفي الله، وهكذا محبة ما يحبه الله جل وعلا، وأما أنه لابد أن
يكون مثلا محبا لما أحبه فيكون علامة إتباع الرسول أولا، والثانية: الجهاد، لأنه
قال:
{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله
}، فإتباع الرسول لابد فيه من جهاد، والجهاد أول شيء أن يجاهد نفسه على طاعات
الله، ويجاهدها على الوقوع في معاصي الله، وهذا من أهم الجهاد في هذا، ثم يقوم
بالشيء الذي يجب عليه مما هو لازم إلى أن يكون جهاد الكفار الذي هو من أفضل
الجهاد، ولكن هذا الأول قبل كل شيء، نعم.



القارئ: [وَقد قَالَ تَعَالَى [24 التَّوْبَة]
:
{قل إِن كَانَ آباؤكم وأبناؤكم
وَإِخْوَانكُمْ وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن
ترضونها أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله فتربصوا حَتَّى
يَأْتِي الله بأَمْره
} فتوعد من كَانَ أَهله وَمَاله أحب
إِلَيْهِ من الله وَرَسُوله].



الشيخ: تمام الآية: {والله لا
يهدي القوم الفاسقين
}، وهذا يدلنا على أن من كانت هذه صفته،
يعني قدم هذه الأمور التي ذكرت هذه الثمانية التي ذكرت في الآية ثمانية أشياء، من
كانت هذه أحب إليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فهو فاسق، فلينتظر ماذا يحل به؟
هذا الذي يعطيه قوله: تربصوا، يعني انتظروا، حتى يأتي الله بأمره، ومعنى ذلك أنه
يأتي بعذاب، لأنه قال:
{والله لا
يهدي القوم الفاسقين
}، يعني من كانت هذه صفته فهو من الفاسقين
الذين يستحقون ويستوجبون عذاب الله جل وعلا، ولهذا قال: فتوعد الله من كان كذا
وكذا، فهو وعيد من الله نعم.



القارئ: [فتوعد من كَانَ أَهله وَمَاله أحب إِلَيْهِ
من الله وَرَسُوله وَالْجهَاد فِي سَبيله بِهَذَا الْوَعيد بل قد ثَبت عَنهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي " الصَّحِيح " أَنه قَالَ:
« وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون
أحب إِلَيْهِ من وَلَده ووالده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ »
. وَفِي " الصَّحِيح " أَن عمر بن الْخطاب قَالَ:
يَا رَسُول الله لأَنْت أحب إِلَيّ من كل شَيْء إِلَّا من نفسى فَقَالَ:
« لَا يَا عمر حَتَّى أكون أحب إِلَيْك من نَفسك » فَقَالَ: فوَاللَّه لأَنْت أحب إِلَيّ من نَفسِي فَقَالَ: « الْآن يَا عمر »].



الشيخ: يعني الآن وصلت إلى الواجب، الآن وصلت إلى ما يجب عليك، فهذا يدلنا على
أن الإنسان إذا لم يعلم الشيء، ثم اجتهد، ثم بعد ذلك أنه كان مقصرا فيه لأنه لا
يعلمه، فإنه غير ملوم، ولكن إذا علم عليه أن يفعل ذلك، وعمر صار في الحال قال:
لأنت الآن أحب إلي من نفسي، وهذا الاستعداد موجود، ولكنه ما علم أن هذا هو الذي
يتعين، وهذا معناه أنه أمر واجب نعم.



القارئ: [فحقيقة الْمحبَّة لَا تتمّ إِلَّا بموالاة
المحبوب وَهُوَ مُوَافَقَته فِي حب مَا يحب وبغض مَا يبغض وَالله يحب الْإِيمَان
وَالتَّقوى وَيبغض الْكفْر والفسوق والعصيان]
.



الشيخ: يعني مستحيل أنه يقول مثلا: أنه يحب الله ثم يبعض ما يحبه الله، هذا
كذب لا يمكن، إذا كان يحب الله، لابد أن تكون محابه محبوبات لله، وكذلك ما يبغضه
يكون مبغضا له، أما الدعاوي التي يدعيها الناس فهذه لا تجدي شيء، نعم.



القارئ: [وَمَعْلُوم أَن الْحبّ يُحَرك إِرَادَة
الْقلب فَكلما قويت الْمحبَّة فِي الْقلب طلب الْقلب فعل المحبوبات فَإِذا كَانَت
الْمحبَّة تَامَّة استلزمت إِرَادَة جازمة فِي حُصُول المحبوبات فَإِذا كَانَ
العَبْد قَادر عَلَيْهَا حصلها وَإِن كَانَ عَاجِزا عَنْهَا فَفعل مَا يقدر
عَلَيْهِ من ذَلِك كَانَ لَهُ أجر كَأَجر الْفَاعِل كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم:
« من دَعَا إِلَى هدى كَانَ
لَهُ من الْأجر مثل أجور من اتبعهُ من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْء وَمن دَعَا
إِلَى ضَلَالَة كَانَ عَلَيْهِ من الْوزر مثل أوزار من اتبعهُ من غير أَن ينقص من
أُجُورهم شَيْء »
].



الشيخ: وهذا من أجل الله جل وعلا، وليس معنى ذلك أنه يحمل ما لا يعمل، لأن
الذين يتعبونه على دعوته في ضلاله عندهم عقول، عندهم أيضا أبصار يجب أن يستعملوها،
ولكن إذا وافق قوله هواهم ربما يتبعونه بدون نظر، لا يكون هو فقط مثلا الذي يتحمل
الوزر، ولكن مع ذلك يتحمل كثر أوزارهم، وأوزارهم أيضا عليهم، ولهذا قال: «من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»، فهذا أمر خطير
جدا، لو قالوا:من دعى إلى ضلال، والدعوة إلى ضلال يدخل فيها ليس الدعوة كونه يدعوا
الناس، كونه يدعوهم لكذا وكذا، مثل الإفتاء ومثل يقول: هذا أنه جائز وهو ليس
متأكد، فإن الله جل وعلا يقول:
{ولا
تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب
}، مثل هذا يجب أن
يتثبت الإنسان فيه ويأخذ لنفسه قبل أن يثبت عليه ما لا يتحمله، نعم.



القارئ: [وَقَالَ: «إِن بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مسيرًا وَلَا
قطعْتُمْ وَاديا إِلَّا كَانُوا مَعكُمْ " قَالُوا: وهم بِالْمَدِينَةِ؟
قَالَ: " وهم بِالْمَدِينَةِ حَبسهم الْعذر »
].



الشيخ: حبسهم العذر، ولكن عندهم النية وعندهم الشوق إلى القتال والجهاد في سبيل الله، وإما، إما مرضوا
أو عجزوا عن النفقة نعم.



القارئ: [وَالْجهَاد: هُوَ بذل الوسع - وَهُوَ كل
مَا يُمْلَكُ من الْقُدْرَة - فِي حُصُول مَحْبُوب الْحق، وَدفع مَا يكرههُ الْحق.
فَإِذا ترك العَبْد مَا يقدر عَلَيْهِ من الْجِهَاد كَانَ دَلِيلا على ضعف محبَّة
الله وَرَسُوله فِي قلبه.



وَمَعْلُوم أَن المحبوبات لَا تنَال غَالِبا إِلَّا
بِاحْتِمَال المكروهات سَوَاء كَانَت محبَّة صَالِحَة أَو فَاسِدَة فالمحبون
لِلْمَالِ والرئاسة والصور لَا ينالون مطالبهم إِلَّا بِضَرَر يلحقهم فِي
الدُّنْيَا مَعَ مَا يصيبهم من الضَّرَر فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فالمحب لله
وَرَسُوله إِذا لم يحْتَمل مَا يرى ذُو الرَّأْي من المحبين لغير الله مِمَّا
يحْتَملُونَ فِي سَبِيل حُصُول محبوبهم دلّ ذَلِك على ضعف محبتهم لله إِذا كَانَ
مَا يسلكه أُولَئِكَ فِي نظرهم هُوَ الطَّرِيق الَّذِي يُشِير بِهِ الْعقل.



وَمن الْمَعْلُوم أَن الْمُؤمن أَشد حبا لله قَالَ تَعَالَى
[165 الْبَقَرَة]
: {وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا
يحبونهم كحب الله وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا لله
} .
نعم قد يسْلك الْمُحب لضعف عقله وَفَسَاد تصَوره طَرِيقا لَا يحصل بهَا
الْمَطْلُوب فَمثل هَذِه الطَّرِيق لَا تحمد إِذا كَانَت الْمحبَّة صَالِحَة
محمودة فَكيف إِذا كَانَت الْمحبَّة فَاسِدَة وَالطَّرِيق غير موصل؟! كَمَا
يَفْعَله المتهورون فِي طلب المَال الرِّئَاسَة والصور من حب أُمُور توجب لَهُم
ضَرَرا وَلَا تحصل لَهُم مَطْلُوبا، وَإِنَّمَا
الْمَقْصُود الطّرق الَّتِي يسلكها الْعقل السَّلِيم لحُصُول مَطْلُوبه].



الشيخ: يكفي، يكفي والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:49 am

شرح


رسالة العبودية


المجلس
السادس















لفضيلة
الشيخ



عبد الله الغنيمان


-حفظه
الله-













 شرح رسالة العبودية C:%5CDOCUME%7E1%5CPCUSER%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsohtmlclip1%5C01%5Cclip_image002


القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين.



قال المصنف
رحمه الله : [
إِذا تبين هَذَا فَكلما
ازْدَادَ الْقلب حبا لله ازْدَادَ لَهُ عبودية ازْدَادَ لَهُ عبودية، وَكلما
ازْدَادَ لَهُ عبودية ازْدَادَ لَهُ حبا وفضله عَمَّا سواهُ. وَالْقلب فَقير
بِالذَّاتِ إِلَى الله من وَجْهَيْن: من جِهَة الْعِبَادَة وَهِي الْعلَّة الغائية
وَمن جِهَة الِاسْتِعَانَة والتوكل وَهِي الْعلَّة الفاعلة فالقلب لَا يصلح وَلَا
يفلح وَلَا ينعم وَلَا يسر وَلَا يلتذ وَلَا يطيب وَلَا يسكن وَلَا يطمئن إِلَّا
بِعبَادة ربه وحبه والإنابة إِلَيْهِ وَلَو حصل لَهُ كل مَا يلتذ بِهِ من
الْمَخْلُوقَات لم يطمئن وَلم يسكن إِذْ فِيهِ فقر ذاتي إِلَى ربه من حَيْثُ هُوَ معبوده
ومحبوبه ومطلوبه وَبِذَلِك يحصل لَهُ الْفَرح وَالسُّرُور واللذة وَالنعْمَة
والسكون والطمأنينة.



وَهَذَا لَا يحصل لَهُ إِلَّا بإعانة الله لَهُ فَإِنَّهُ
لَا يقدر على تَحْصِيل ذَلِك لَهُ إِلَّا الله فَهُوَ دَائِما مفتقر إِلَى
حَقِيقَة
{إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين}
فَإِنَّهُ لَو أعين على حُصُوله كل مَا يُحِبهُ ويطلبه ويشتهيه ويريده وَلم يحصل
لَهُ عبَادَة لله فَلَنْ يحصل إِلَّا على الْأَلَم وَالْحَسْرَة وَالْعَذَاب وَلنْ
يخلص من آلام الدُّنْيَا ونكد عيشها إِلَّا بإخلاص الْحبّ لله بِحَيْثُ يكون الله
هُوَ غَايَة مُرَاده وَنِهَايَة مَقْصُوده وَهُوَ المحبوب لَهُ بِالْقَصْدِ الأول
وكل مَا سواهُ]



الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك
على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين وبعد.



هذا الكلام الذي يقوله شيخ الإسلام ما كل يدركه ولا يحس به، ومعلوم أن القلب
إذا مات فهو كالبدن إذا مات لا يحس بالجراح، لا يحس بالضرب، وإنما يحس بذلك القلب
الحي الذي فيه حياة، وإلا فهذا يدرك بالعقل والنظر، وسبر الأحوال، فالله جل وعلا
خلق عباده عباد وسماهم عباد، فالعبادة لا تنفك عنهم، ومن عدل الله جل وعلا أن
الإنسان العاقل الذي خلق لعبادة الله إذا لم يعبد ربه جل و علا الحق، لابد أن يعبد
المظاهر التي حوله، أو المعاني التي تتولد تتعلق به، وهذا معنى كون القلب لا ينفك
عن العبادة، فإذا لم يعبد الحق يعبد الباطل، ومن سنة الله جل و علا أيضا، أن الإنسان
إذا ازداد خيرا إذا اتجه للخير فإنه يزداد خيرا، والحسنة تجر الحسنة، وبالعكس
السيئة تجر السيئة، لهذا نقول: أنه ما كل يحس بهذا الشيء، فقد مثلا يتعلق قلبه
بغير الله، مثل ما مضى سواء، الذي يتعلق به معنى من المعاني، أو ذات من ذوات الناس
من ذوات الخلق، امرأة أو غيرها، ثم لا يحس بأنه منصرف عن ربه جل وعلا، بل تجده
مستأنس بهذا الشيء وراغب فيه، ثم يستمر فيه إلى أن تنتهي حياته، فيتم الشقاء بهذا
نسأل الله العافية، فأقول يقول: أن القلب فقير إلى عبادة الله جل وعلا، هو فقير في
وضعه وخلقه، ولكن إذا لم يعبد ربه عبد غيره، حتى الملاحدة الذين يقولون: الحياة
مادة، وما فيه جنة ولا نار ولا فيه آخرة، و إنما نهاية الإنسان أن يكون ذرة من
ذرات الأرض في التراب، ما ينفكون عن العبادة، إذا لم يعبدوا ذواتهم وشهواتهم،
عبدوا رؤسائهم و معظميهم ولابد من ذلك، وهذا نقول: أنه العاقل إذا سبر هذا الشيء
وجده حقيقة، وهذا من عدل الله جل وعلا، كونه يعاقب الإنسان بنقيض قصده، فالعبودية
ما ينفك الإنسان عنها سواء كانت عبودية حق أو عبودية باطل، ولكن عبودية الباطل
تزيد الإنسان بعدا عن الله جل وعلا ثم شقاء في النهاية، أما عبودية الله جل وعلا
ففيها نعيم، نعيم في الدنيا، ونعيم في الآخرة، لأن القلب لا يمكن أن يطمئن ويرتاح
ويستأنس إلا بعبادة الله، لو أتيته بجميع الملاذ، وإن كانت كثيرا من أحوال الناس
أصبحت أحوال بهيمية، يعني يعيشون كما تعيش البهائم، يأنسون بهذا، فلا يحسون بموت ا
لقلوب ولا يحسون بالآلام، لأن لكثرة مثلا تغطية الآثام على القلوب والران الذي ران
عليها، كما قال الله جل وعلا:
{كل بل
ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
}، ولهذا كان السلف يقول أحدهم: إذا أذنبت
رأيت أثر ذلك في نفسي أو في زوجتي خلق زوجتي أو خلق دابتي أو خلق ولدي، يحس ذلك
يجده، ولكن مثلنا لا نحس بكثرة ذنوبنا كما قال
المتنبي: وما لجرح بميت إيلام، إذا مات الميت وضربته ووجعته لا يألم،
المقصود أن السعادة سعادة القلب وطمأنينته كما قال الله جل وعلا:
{ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، وبغير ذلك لا
تطمئن أبدا، ما تطمئن القلوب إلا بذكر الله، وذكر الله يشمل العمل والتعلق به،
وإتباع ما أمر به جل وعلا، وهذا الذي يعبر عنه بأنه يذوق حلاوة الإيمان، وبأنه
يكون وجد السعادة في الدنيا ووجد الجنة
التي يقول ابن تيمية رحمه الله: في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة
الآخرة، يقصد بالجنة التنعم والتلذذ بطاعة الله، ويكون بعض الناس يقول: إن أوامر
الشرع تكاليف، وليست تكاليف في الواقع، وإنما هي سعادة، سعادة المرء، ولكن قد لا
يحس بها، على كل حال العبودية، عبودية القلب، وهذا يدلنا على أيش؟ يدلنا على أن
الأعمال الظاهرة لا تنفك عن أعمال القلوب أبدا، فهي متعلقة بها، الذي يريد أن يفصل
بين هذه وهذه، ويقول: إن هناك مثلا أعمال قلبية تركت ونسيت وذهبت، والناس تعلقوا
بالأعمال الظاهرة، وبالأمور المشكوفة، إما أنه يغالط في هذا أو أنه لا يفقه، لأنه
كما قال لنا رسول الله
r: «في
الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد»
،
معنى ذلك هو اللي يدبر الأعضاء كلها، والأعضاء كلها تصدر عن إرادة القلب، وهذه
العبارة عن الإرادات و النيات، وقد قال
r:«إنما
الأعمال بالنيات»
، والله جل وعلا يقول:
{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا}، والفؤاد المقصود
به أعمال القلوب، فهي الأصل في هذا، فالمقصود أن هذه لا تنفك، يعني أعمال البدن لا
تنفك عن أعمال القلب، هي تبع له، وإن كان القلب متجها ومتعلقا بربه جل وعلا،
فالنية تكون تبع له نعم.



القارئ: [وَمَتى لم يحصل لَهُ هَذَا لم يكن قد حقق
حَقِيقَة (لَا إِلَه إِلَّا الله) وَلَا حقق التَّوْحِيد والعبودية والمحبة لله
وَكَانَ فِيهِ من نقص التَّوْحِيد وَالْإِيمَان بل من الْأَلَم وَالْحَسْرَة
وَالْعَذَاب بِحَسب ذَلِك.



وَلَو سعى فِي هَذَا الْمَطْلُوب وَلم يكن مستعينا بِاللَّه
متوكلا عَلَيْهِ مفتقرا إِلَيْهِ فِي حُصُوله لم يحصل لَهُ فَإِنَّهُ مَا شَاءَ
الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن فَهُوَ مفتقر إِلَى الله من حَيْثُ هُوَ
الْمَطْلُوب المحبوب المُرَاد المعبود وَمن حَيْثُ هُوَ الْمَسْئُول الْمُسْتَعَان
بِهِ المتَوَكل عَلَيْهِ فَهُوَ إلهه الَّذِي لَا إِلَه لَهُ غَيره]
.


الشيخ: يعني هذا في الوضع الذي وضع له الإنسان وخلق عليه، ولكن يتغير هذا
الشيء الظاهر، ولا يحس به، ولهذا تجد من يجادل عن الباطل، ويزعم أنه هو ينبغي أن
يسلك، هل هذا لأن القلب سليم مستقيم والنظر كذلك العقل مستقيم بأن يدرك الأمور على
ما هي؟ أبدا، لأنها تغيرت، تغيرت إدراكاته ونظراته، بحسب تغير قلبه وما تعلق به،
وإلا لو كان مثلا الإنسان يصبح على ما خلقه الله، ويسير سيرا معتدلا على الخلقة
التي أرادها الله جل وعلا له، وطبعه عليها، لم يكن للباطل عنده رواج أو أنه عنده
محبة، لكن هذه حكمة الله جل وعلا، قسم الناس بين شقي وسعيد، وزين لكل أمة عملها،
يرى أن ما فيه هو الذي نبغي أنه يسلك، وهو على باطل، فإذا مثلا حقق الحقائق وفصل
ما في الصدور، تتبين وتجتمع له الحسرات كلها والعذاب كله، وكما قال الله جل وعلا:
أن الخبث يركم بعضهم على بعض ثم يجعل في جهنم، والخبث الذاتي والمعنوي كله يجمع في
هذا، والحسرات كلها تجتمع على عابد غير الله جل وعلا، بعد ما تتبين له الأشياء
وتعرض عليه أمامه، والمقصود أن هذا لا يظهر في هذه الحياة، إلا لمن كان قلبه سالما
من الانحرافات والتعلقات بغير الله جل وعلا نعم.



القارئ: [فَهُوَ إلهه الَّذِي لَا إِلَه لَهُ غَيره
وَهُوَ ربه الَّذِي لَا رب لَهُ سواهُ.



وَلَا تتمّ عبوديته لله إِلَّا بِهَذَيْنِ فَمَتَى كَانَ
يحب غير الله لذاته أَو يلْتَفت إِلَى غير الله أَنه يُعينهُ كَانَ عبدا لما أحبه
وعبدا لما رجاه بِحَسب حبه لَهُ ورجائه إِيَّاه وَإِذا لم يحب أحدا لذاته إِلَّا
الله وَأي شَيْء أحبه سواهُ فَإِنَّمَا أحبه لَهُ]
.


الشيخ: لا يحب شيئا لذاته، لا يحب إلا الله، يعني الشيء الذي يحب لذاته هو
الله فقط، ولا يوجد مخلوق من المخلوقات تحب لذاتها، وإنما تحب لما يكون بها من
الصفات والمعاني، وإلا الذوات متقاربة، أما رب العالمين جل وعلا إنما يحب لذاته،
وهذا الحب يجب أن يكون متميز عن حب المخلوقات الأخرى، وأن يحب الرسول
r لأنه الرسول ولأنه يحب الله، هذه
صفات، ما نحبه لأنه لحم ودم، ولهذا يقول الله جل وعلا:
{قل إنما أنا بشر مثلكم}، يعني هو في
البشرية مثلنا، يوحى إلي، فتميز بهذا، الوحي يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد، تميز
بهذا، وكذلك الناس كلهم خلقوا من نفس واحدة، وكلهم في خلقهم يعني أنهم بشر، وأنهم
لحم ودم، و لكن تميزوا بالأعمال، تميزهم بالعمل فقط، والعمل سواء كان عمل باطني أو
عمل ظاهري، فالمخلوق يحب لما فيه من الصفات، والأعمال التي يعملها، وإنما الذي يحب
لذاته هو رب العالمين، وهذا هو التميز في المحبة، والمحبة هذه يجب أيضا في وصفها
أن تتميز عن غيرها من المحاب، لأنه حب ذل وخضوع وعبادة، يتضمن الخوف والرجاء، أما
إذا كان المحبوب محبوبا لله، فيجب أن يكون تبعا لمحبة الله جل وعلا، ويلزم من هذا
أنك إذا كنت تحب الله جل وعلا، وتحب ما يحبه فإنك تكره ما تكره تبغض ما يبغضه
ولابد من ذلك، لأن هذا من تمام المحبة.



القارئ: [وَلم يرج قطّ شَيْئا إِلَّا الله وَإِذا
فعل مَا فعل من الْأَسْبَاب أَو حصل مَا حصل مِنْهَا كَانَ مشاهدا أَن الله هُوَ الذي
خلقهَا وقدرها وسخرها لَهُ وَأَن كل مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَالله ربه
ومليكه وخالقه ومسخره وَهُوَ مفتقر إِلَيْهِ كَانَ قد حصل لَهُ من تَمام عبوديته
لله بِحَسب مَا قسم لَهُ من ذَلِك.



وَالنَّاس فِي هَذَا على دَرَجَات مُتَفَاوِتَة لَا يحصي
طرقها إِلَّا الله.



فأكمل الْخلق وأفضلهم وَأَعْلَاهُمْ وأقربهم إِلَى الله
وَأَقْوَاهُمْ وأهداهم أتمهم عبودية لله من هَذَا الْوَجْه.



وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة دين الْإِسْلَام الَّذِي أرسل الله
بِهِ رسله وَأنزل بِهِ كتبه وَهُوَ أَن يستسلم العَبْد لله لَا لغيره فالمستسلم
لَهُ وَلغيره مُشْرك والممتنع عَن الاستسلام لَهُ مستكبر. وَقد ثَبت فِي "
الصَّحِيح " عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن
« الْجنَّة لَا يدخلهَا من
كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر »
. كَمَا أَن النَّار لَا يخلد فِيهَا من كَانَ
فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان]
.


الشيخ:المقصود بالكبر الإباء، يعني الإباء والامتناع عن أمر اللهU، يتكبر عن عبادة الله وعلى طاعته،
كما فعل الشيطان لما أنه أمر بالسجود استكبر وأبى، فهذا الذي لا يدخل الجنة، من
كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، الكبر الذي هو الترفع على جنسه وعلى بني جنسه، فهذا
من الكبائر التي لا تجعل الإنسان خالدا في النار، أو خارج من الدين الإسلامي نعم.



القارئ: [فَجعل الْكبر مُقَابلا للْإيمَان؛ فَإِن
الْكبر يُنَافِي حَقِيقَة الْعُبُودِيَّة كَمَا ثَبت فِي " الصَّحِيح "
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
« يَقُول الله: العظمة إزَارِي والكبرياء رِدَائي فَمن نازعنى
وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذبته »
].



الشيخ: فهذه من صفات الله U التي ينفرد بها عن خلقه، الكبر
والعظمة، والمخلوق لا يجوز أن يكون منازعا لربه طالبا واحدة منها، فإنه إذا فعل
ذلك فقد خرج عن العبودية، وخرج عما خلق له، لأن العبد من صفة العبد أن يكون ذليلا خاضعا، والذل يجب أن يكون
للمعبود فقط، ما يكون لنظيره، إلا أن يكون خارجا عن مقدوره، كأن يقهر ويرغم على
ذلك، وإذا قهر وأرغم بالقوة، لابد أن يكون قلبه نافرا عن هذا الشيء، فإذا ذل
لمخلوق تجد قلبه يلعنه ويبغضه أشد البغض، فمثل هذا لا يكون عبادة، ولا يكون مؤاخذ
على ذلك، ولكن الكبر الذي هو صفة الله، وكذلك العظمة التي هي صفة الله، ما ينازع
فيها إلا من يترفع عن عبادة الله جل وعلا، وعن الخضوع له والذل له، وهذا ليس من
صفات العبد، من صفات العبد أن يكون عابدا، والعبد يطيع سيده ويخضع له ويذل له،
ولهذا يعذب الله جل وعلا من خرج عن هذا الوصف، نعم.



القارئ: [فالعظمة والكبرياء من خَصَائِص الربوبية
والكبرياء أَعلَى من العظمة وَلِهَذَا جعلهَا بِمَنْزِلَة الرِّدَاء كَمَا جعل
العظمة بِمَنْزِلَة الْإِزَار]
.



الشيخ: هذا ما هو معناه أن الله جل
وعلا له رداء وإزار، ولكن هذا تمثيل للعباد حتى يفهموا ذلك نعم.



القارئ: [وَلِهَذَا كَانَ شعار الصَّلَاة
وَالْأَذَان والأعياد هُوَ التَّكْبِير وَكَانَ مُسْتَحبا فِي الْأَمْكِنَة
الْعَالِيَة كالصفا والمروة وَإِذا علا الْإِنْسَان شرفا أَو ركب دَابَّة وَنَحْو
ذَلِك وَبِه يطفأ الْحَرِيق وَإِن عظم وَعند الْأَذَان يهرب الشَّيْطَان]
.



الشيخ: هذا إن صدر من أهل الإيمان الذين يعرفون هذه الحقائق، أنه الذي مثلا
يطلب العلو مثل النار، النار تطلب العلو والارتفاع، تطفأ بالتكبير، لأن الله فوق
كل شيء، وأكبر من كل شيء، وهذا قد جرب، لكن لا يلزم أنه من كل أحد، وكذلك يعني
التكبير عند المرتفعات، اعلم أن المرتفع فوقه من رفعه، والله أرفع من كل شيء وأعظم
من كل شيء، ولهذا شرع ما يقابله من التسبيح، إذا هبط الإنسان في سفر يقول: سبحان
الله، يعني سبحان الله أن يكون منخفضا أو في مكان منخفض كما سبق الإشارة إلى هذا
نعم.



القارئ: [قَالَ تَعَالَى [60 غَافِر] : {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن
الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين
}] .


الشيخ: داخرين، يعني ذليلين حقيرين، داخر يعني حقير ذال، فالذين يستكبرون عن
عبادة الله جل وعلا، يكون هذا جزاؤهم، يدخلون جهنم وهم أذى من الذر، ولهذا
المتكبرون يوم القيامة يكونون يحشرون أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم، هذا من أول
العذاب الذي يصيبهم في الموقف، والجزاء يكون من جنس العمل، يعني مقابل ما كانوا
يترفعون عل عباد الله ويتكبرون عليهم، ظهر ذلهم ظاهرا يشاهده أهل الموقف كلهم،
نعم.



القارئ: [وكل من استكبر عَن عبَادَة الله لَا بُد
أَن يعبد غَيره فَإِن الْإِنْسَان حساس يَتَحَرَّك بالإرادة وَقد]
.



الشيخ: حساس ما معنى حساس؟ يعني عنده الإحساس، ويتحرك بالإرادة، يعني عنده
إرادة ومقدرة، والإحساس عبارة عن المقدرة التي يتصرف فيها، والإرادة عبارة عن
القلب والإرادات والأمور التي تصدر من قلبه وتتحكم بجوارحه، نعم.



القارئ: [ وَقد ثَبت فِي " الصَّحِيح "
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
« أصدق الْأَسْمَاء حَارِث وَهَمَّام»].



الشيخ: يعني هذا بالنسبة للإنسان، الإنسان همام، يعني عنده الهم، وهو حارث
يعني عامل يعمل، فالحرث عبارة عن العمل، والهم عبارة عن الإرادات، والهم لا يحصل
إلا بالإرادة نعم، وأصدق الأسماء، يعني التي توافق وضع الإنسان، وأفضلها وخيرها ما
عبد أو حمد، عبد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز وهكذا، لأنه عبد في الحقيقة نعم.



القارئ: [فالحارث الكاسب الْفَاعِل والهمام فعال من
الْهم والهم أول الْإِرَادَة فالإنسان لَهُ إِرَادَة دَائِما وكل إِرَادَة فَلَا
بُد لَهَا من مُرَاد تنتهي]
.



الشيخ: كل إرادة هذا على مذهب أهل السنة، أن كل فعل له إرادة، خلاف ما يقوله
الأشاعرة، الإرادة في الأمور كلها واحدة، وهو يتكلم الآن بإرادة المخلوق، وهم
يتكلمون في هذا يعني بإرادة الله جل وعلا، يقولون: إن كل مراد لله له إرادة، ولكن
إذا حقق الأمر أصبحوا يرجعون الأمور كلها إلى شيء واحد، فالمقصود أن هذا الشيء المدرك بالنسبة للمخلوق، أنه إذا تجدد له
هم وإرادة تجدد له الفعل، وهذا يختلف باختلاف ما يحدث له، سواء الذي يحدث من
الإرادات القلبية العبادات كلها قلبية، ويتبعها الفعل الذي يريد به وصول هذا الشيء
الذي أراده، المقصود هذا تبعا له، وهذا شيء يدرك ومشاهد، وبهذا يعلم الإنسان أنه
لا داعي إلى أن ينطق بالإرادة، ويقول: أنا أردت شيء أردت أن أفعل كذا وكذا، لأن
الذي بعثه على هذا الفعل، هو الإرادة، ومثلا يأتي الإنسان إلى المسجد، فإذا وقف في
الصف قال: اللهم إني أريد أن أصلي صلاة كذا وكذا، هذا عبث، لأن الذي أثاره للوضوء
ثم جاء به إلى المسجد هي الإرادة، فهل مثلا يعلم ربه بأنه يريد أن يفعل كذا وكذا؟ الله
علام الغيوب يعلم ما في قلبه، المقصود أن هذا من الأمور التي تدل على أنه لم يتصور
الإرادة ما هي، لأن الإرادة هي التي بعثته على العمل، نعم.



القارئ: [فَلَا بُد لكل عبد من مُرَاد مَحْبُوب هُوَ
مُنْتَهى حبه وإرادته فَمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبه وإرادته بل استكبر عَن
ذَلِك]
.



الشيخ: هذا إذا كان الله جل وعلا أراد به السعادة، فلابد له أن تكون إرادته
ومحبوبه هو الغاية التي هي حب الله الحب الذي يقتضي العبادة والذل لله جل وعلا،
يعني حب التأله، وليس الحب الذي يكون للمخلوق، أو يكون لأجل انتفاع بشيء، فهذا حب
عبادة لا يمكن أن ينتهي، ولا يمكن أن يشاركه فيه غيره، فهذا الذي تحصل به السعادة،
ثم كل مراداته وكل تصرفاته يجب أن تكون تبعا لهذا، والناس يتفاوتون في هذا تفاوت
عظيم، منهم من يأخذ نصيب كبير، ومنهم من يكون غافلا عن ذلك، ولكنه إذا تحققت
الأمور، تبين له أن هذا المراد، وأنه يكون عنده سهو وغفلة وعنده، ولهذا يحصل له
شذوذ ويحصل له انحراف عن هذا المقصود، ولا يتنبه لهذا إلا إذا جاءه ما ينبهه، إما
أن يقع في شدة، أو يقع في حاجة شديدة تلفته إلى هذا الشيء، وهذا قد يكون من سعادته
ومن فضل الله عليه نعم.



القارئ: [فَلَا بُد أَن لَهُ مُرَاد مَحْبُوب
يستعبده غير الله فَيكون عبدا لذَلِك المُرَاد المحبوب إِمَّا المَال وَإِمَّا
الجاه وَإِمَّا الصُّور وَإِمَّا مَا يَتَّخِذهُ إِلَهًا من دون الله كَالشَّمْسِ
وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب والأوثان وقبور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ أَو من
الْمَلَائِكَة والأنبياء الَّذين يتخذهم أَرْبَابًا أَو غير ذَلِك مِمَّا عبد من
دون الله]
.



الشيخ: يعني عبادة غير الله ملأت الأرض قديما وحديثا، والناس فيها يختلفون،
منهم من تكون عبادته جزئية، يعني بهذه الأشياء ويكون عنده شرك، ومنهم من تكون
عبادته كلية لهذا، ويكون منصرفا عن عبادة الله، والله جل وعلا لا يقبل الشرك في
ذلك، إذا حصل العبادة اشتراك بين الله جل وعلا وبين الخلق، فسدت العبادة،
فالعبادات الشرعية هي التوحيد، التوحيد أن تكون العبادة لواحد فقط لله تعالى،
ولهذا أخبر الله جل وعلا في سورة الكافرون قوله:
{قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم
عابدون ما أعبد
}، هل كانوا لا يعبدون الله؟ كانوا يعبدون الله، ولكن يعبدون معه غيره، لما
كانوا يعبدون معه غيره، صارت عبادتهم كأنها لا وجود لها، لأن الله لا يقبل
الاشتراك في العبادة، وهذا جاء عن ابن عباس يقول: كل عبادة في القرآن يقصد بها
التوحيد، يعني أن تكون لله وحده لا اشتراك فيها، وإلا إذا وجد الاشتراك فالعبادة
باطلة، والله جل وعلا لا يقبل الشرك، فلابد من الإخلاص في العبادة، وهو شرط كما
سبق، شرط في قبول العمل واعتبار العبادة، عبادة، فلا تسمى العبادة عبادة في الشرع،
إلا إذا كانت خالصة، أما في اللغة فتسمى عبادة، ولكن الشرع غير مقبولة وغير
معتبرة، لأن العبادة في اللغة من الذل والخضوع، كونه ذل وخضع لشيء معناه أنه عبده،
نعم.



القارئ: [وَإِذا كَانَ عبدا لغير الله يكون مُشْركًا
وكل مستكبر فَهُوَ مُشْرك وَلِهَذَا كَانَ فِرْعَوْن من أعظم الْخلق استكبارا عَن
عبَادَة الله]
.



الشيخ: كما سبق كل مستكبر، أي عن العبادة، إذا استكبر عن عبادة الله فهو مشرك،
ولابد، ولو إشراك نفسه، كيف تكون نفسه شريكة لله؟ نقول: نعم، مثل ما قال الله
جل وعلا:
{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه}، بمعنى أنه صار
هواه مقدم أو أنه معتبر مع طاعة الله وإتباع رسوله
r، إن كان بعض المفسرين يقول: إلهه
هواه، أنه إذا هوي شيئا فعله بدون مبالاة، من الحرام ولا الممنوع، فلا يمنعه نهي
الله أن يفعل المحرم، ولا يمنعه أمر الله أن يفعل ما أمره الله جل وعلا به، فهو
مقدم مراداته على مراد الله جل وعلا، فهذا عبد هواه، وهذا كثير جدا في الناس، ولكن
منهم مستكثر ومستقل، نعم.



القارئ: [قَالَ تَعَالَى [23-35 غَافِر] : {وَلَقَد أرسلنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وسلطان مُبين
* إِلَى فِرْعَوْن وهامان وَقَارُون فَقَالُوا سَاحر كَذَّاب
} إِلَى قَوْله: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عذت بربي وربكم من كل
متكبر لَا يُؤمن بِيَوْم الْحساب
}].


الشيخ: هذه صفة فرعون، أنه تكبر وتجبر وقال: ما علمت لكم من إله غيري، يقول
يخاطب الناس، وإن كان هذا كذب، ما فيه أحد عنده عقل، إلا ويعلم أن ربه الله، لكن
عند الغطرسة وقلب الحقائق، وكذلك والاستعلاء بالكبر وبالظلم و العدوان قد يخضع
الإنسان لمن هذه صفته، إما طمع أو خوف، والطمع يكون لمن له مصالح، كالوزراء
والكبراء الذين يكون معه، هم يقولون بقوله، بل هم يبحثون عن الأمور التي تصلح له،
مثل ما قال أقرباء فرعون ووزرائه:
{أتذر
موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك
}، هكذا قالوا يقترحون لفرعون هذا الشيء
قبل أن يقولوا له، فإنهم رأوا أن هذا الشيء يجوز ويصلح له، قالوا: هكذا هذه سنة،
الناس كلهم بهذه الصفة، إذا رأوا مثلا الرئيس والكبير الذي له نهج، صاروا يبحثون
عن الذي يصلح له ويأتون به، ولا موسى يفسد في الأرض وفرعون يصلح؟ لولا أن الأنظار
انقلبت والأمور والحقائق قلبت، والكذب الظاهر هو الذي يطرح في مثل هذا نعم.



القارئ: [إِلَى قَوْله: {كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر جَبَّار}].


الشيخ: يعني هذا يطبع، الطبع معناه أنه لا يدخله الخير ولا يدخله الإيمان، طبع
عليه، والطبع أضيف إلى الله
U في هذا: {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار}، كما يعني فعل
يعاقب بنظير ذلك، نعم.



القارئ: [. وَقَالَ تَعَالَى [39 العنكبوت] :
{وَقَارُون وَفرْعَوْن وهامان
وَلَقَد جَاءَهُم مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فاستكبروا فِي الأَرْض وَمَا كَانُوا
سابقين
} . وَقَالَ تَعَالَى [4 الْقَصَص] : {إِن فِرْعَوْن علا فِي الأَرْض وَجعل أَهلهَا
شيعًا يستضعف طَائِفَة مِنْهُم يذبح أَبْنَاءَهُم ويستحيي نِسَاءَهُمْ
} . وَقَالَ [14 النَّمْل] : {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا
فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين
}].


الشيخ: هو يذبح الذكور ويترك الإناث، ولما شكا إليه قومه أن يوشك ألا نجد
عمالا، لأنهم يستعبدون بني إسرائيل استعباد البهائم، ويوسعونهم ضربا، ويسخرونهم
بالسياط التي تلهب الظهور في العمل، قال له قومه: ما دام أنك تقتل الأولاد، ممكن
يموت الكبار فلا نجد عمالا، اقترحوا عليه أنه يقتلهم سنة ويبقيهم السنة الثانية
للعمل، لا لأجل أنه نظر إليهم أنهم أوادم أو أنه، السبب في هذا أنهم قيل له: قالت
له كهنته وأتباعه ومن يزين له الباطل: إننا نجد أن زوال ملكك على يد رجل من بني
إسرائيل، كيف حكمة الله جل وعلا؟ فصار يقتل الأولاد، ويترك النسوة، فولد هارون في
السنة التي لا يقتل فيها الأولاد، وولد موسى في السنة التي يقتل فيها الأولاد، من
الحكمة التي أوحى جل وعلا لأمه أنها إذا خافت عليه، لأنها ولدته وأخفته، فإذا خافت
عليه أن ينكشف أن تجعله في تابوت، يعني صندوق من الخشب، وتلقيه في النيل، ترمه في النيل، ذهب حاشية فرعون ببيته يتفترجون
على نهر النيل وجدوا هذه الخشبة تعوم على جانب النيل فأخذوها فتحوها وجدوا الصبي،
قال فرعون: اقتلوا، قالت امرأته: قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا، فصار
قرة عين لها، لأنه جاء في التفسير أنه لما قالت هذا قال: لك قرة عين لك وأنا لا،
ولكن الحكمة أنه عاش في بيت فرعون يأكل من طعامه ويعيش معه، حتى لما اشتد به يعني
وكبر وصار لأن من حكمة الله جل وعلا أن يتولى الرعي الرسول رعي الغنم قبل أن يرعى
بني آدم، حدثت الحادثة التي وجد إسرائيليا مع قبطي يتخاصمان، فاستغاثه الإسرائيلي
فضربه بيده ما أراد أن يقتله، ولكن موسى كان عنده قوة في بدنه فضربه فقضى عليه،
صارت الضربة باليد مات منها، ثم من الغد وجد هذا الرجل العظة في خصام مع آخر، قال
له موسى: إنك شقي وإنك لا تريد إلا الشقاوة وتريد المخاصمات، فخاف أنه يضربه
ويقتله مثل ما قتل الرجل الآخر، فقال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس، فسمع
الناس ذلك وكانوا يبحثون عمن قتل الرجل السابق، فجاءه الرجل الذي ذكر الله أنه جاء
يسعى، وقال: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فخرج فإذا به
ندم وبقي يرعى الغنم كما ذكره الله ثم أتاهم مرسلا من الله عز وجل، كل هذه حكمة،
شوف كيف يعني الشيء الذي خافه فرعون مع فعله وخبثه وحرصه، خافه تربى في بيته فصار
عدوا له وحزنا، كما قال الله
U: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا}، هذه اللام لام
العاقبة نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى [4 الْقَصَص] : {إِن فِرْعَوْن علا فِي الأَرْض وَجعل أَهلهَا
شيعًا يستضعف طَائِفَة مِنْهُم يذبح أَبْنَاءَهُم ويستحيي نِسَاءَهُمْ
}].


الشيخ: جعل أهلها شيعا، يعني جعلهم فرقا، فرقة تواليه وتناصره وتكون مقربة
لديه، وفرقة يعاديها ويجعلها تحت أوامره وشاقية في أعماله التي يعملها، هذا كيف
يعني صنعوا بعباد الله، لهذا لما قال فرعون لموسى:
{ألم نربيك فينا وليدا}، يعني ربيناك وأنت
صغير في بيتنا، فقال له موسى:
{تلك نعمة
تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل
}، ومعنى عبدت بني إسرائيل أي جعلتهم كلهم
عبيدا لك، تمن علي بنعمة واحدة برجل واحد أنعمت عليه، مقابل أنك أمة كاملة جعلتها
عبيدا لك، وتذكر هذه وتنسى هذا نعم.



القارئ: [. وَقَالَ [14 النَّمْل] : {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا
فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين
} ].


الشيخ: يعني أنهم استيقنوا أن موسى رسول من عند الله، وأن هذه الآيات التي جاء
بها آيات من الله، لا يمكن لبشر من الناس أن يأتي بمثلها، عصا مأخوذة من الشجر
عادية يأخذها بيده، ثم إذا ألقاها صارت حية عظيمة تلتهم كل ما أمامها ولا تتغير،
هي عصا تماما، ولهذا لما جاء السحرة جاءوا بالحبال والعصي الذي ملئوه بالزئبق
وغيره والحيل، فصار واد كله يسعى حيات في منظر العين قال الله جل وعلا له:
{وأوحينا إلى موسى أن ألق ما في يمينك تلقف ما
يؤفكون
}، فالتقمت كل هذه الحيات وهي ما تغيرت عصا، هل هذا بمقدور أحد من البشر ساحر
أو غيره؟ ولهذا السحرة الذين يعرفون السحر، عرفوا أن هذا حق وأنها آية، فسجدوا
لله، خاضعين مؤمنين بالله جل وعلا، نعم.



القارئ: [وَمثل هَذَا فِي الْقُرْآن كثير.


وَقد وصف فِرْعَوْن بالشرك فِي قَوْله [127 الْأَعْرَاف] : {وَقَالَ الْمَلأ من قوم فِرْعَوْن أتذر مُوسَى
وَقَومه ليفسدوا فِي الأَرْض ويذرك وآلهتك
} بل الاستقراء]


الشيخ: الاستقراء معناه التتبع، استقراء الشيء أن تتبعه وتسبره حتى تجد الحقيقة، نعم،
الاستقراء يدل على أن كلما كان الرجل أعظم استكبارا عن عبادة الله كان أعظم شركا،
وأعظم الشرك شرك فرعون، الذي يقول: أنا إلهكم أنا معبودكم، ما علمت لكم من إله
غيري، فيموه على الناس، وهو يعلم حقيقة قلبه يعلم أنه كاذب، مثل ما يذكر عن عمرو
بن العاص أنه قال لمسيلمة لما ذكر له شيئا من قرآنه الكذب الهرع الذي لا ينطلي على
عاقل، وهو مشرك، يعني قبل أن يسلم عمرو بن العاص، قال أنه كان صديقا له في
الجاهلية، جاء إليه بعد ما تنبأ فقال له: ما أنزل على صاحبك فقالوا له: أنزلت عليه
سورة وجيزة عظيمة، قال: ما هي؟ قال:
{والعصر
إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر
}، قال: ففكر ثم
قال: أنا أنزل علي مثلها، قال: ما هي؟ قال: يا وبر يا وبر، إنما أنت أذن وصدر أو
قال: رأس وصدر، وباقيك حقر نقر، ماذا تقول يا عمرو؟ قال: إنك لتعلم أني أعلم أنك
كاذب، هذا ما يحتاج إلى تفكير ولا يحتاج، أنت نفسك تعلم أني أعلم أنك كاذب، هذه
خزعبلات، وأرى يعني تباري به كلام الله جل وعلا، هذا عند المشركين، فكيف عند يؤمن
بالله ويؤمن بكتابه، ففرعون كلهم يعلمون في قرارة أنفسهم وهو يعلم أنه كاذب، يعلم
حقا أنه كاذب، ولهذا لما رأى وعاين الموت وأدركه الموت قال:
{آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل
وأنا من المسلمين
}، فقيل له: الآن، الآن ما ينفعك، لو كان قبل، أما الآن وقد انقطعت حياتك وعند
الموت لا يفيدك الرجوع والإقرار، لهذا كما قال الرسول
r: «تقبل
توبة العبد ما لم يعاين»
، يعني يعاين الملائكة وخلاص تنتهي حياته، فإذا
عاين وانتهت يعني حياته خلاص ما يقبل منه توبة ولا رجوع، نعم.



القارئ: [بل الاستقراء يدل على أَنه كلما كَانَ
الرجل أعظم استكبارا عَن عبَادَة الله كَانَ أعظم إشراكا بِاللَّه لِأَنَّهُ كلما
استكبر عَن عبَادَة الله ازْدَادَ فقرا وحاجة إِلَى المُرَاد المحبوب الَّذِي هُوَ
الْمَقْصُود مَقْصُود الْقلب بِالْقَصْدِ الأول فَيكون مُشْركًا بِمَا استعبده من
ذَلِك.



وَلنْ يَسْتَغْنِي الْقلب عَن جَمِيع الْمَخْلُوقَات إِلَّا
بِأَن يكون الله هُوَ مَوْلَاهُ الَّذِي لَا يعبد إِلَّا إِيَّاه وَلَا يَسْتَعِين
إِلَّا بِهِ وَلَا يتوكل إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا يفرح إِلَّا بِمَا يُحِبهُ ويرضاه
وَلَا يكره إِلَّا مَا يبغضه الرب ويكرهه وَلَا يوالى إِلَّا من وَالَاهُ الله
وَلَا يعادي إِلَّا من عَادَاهُ الله وَلَا يحب إِلَّا لله وَلَا يبغض شَيْئا
إِلَّا لله]
.


الشيخ:
هذا يحصل لبعض عباد الله، لا لكل مسلم وكل مؤمن، لأن الإيمان يتفاوت تفاوت عظيم،
الإنسان يكمل عنده الإيمان ويكون بهذه الصفة، وإنسان يعتريه ما يعتريه من النقص،
فليس معنى ذلك أنه إذا اعتراه النقص أنه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:49 am

يكون مؤمن، ولكن ما يدرك الدرجات العليا، ولا يصل إلى حقائق الإيمان التي وصل
إليها الكمل من عباده، فتأمل مثلا حارث رسول الله
r لما رجع من غزوة ذات الرقاع، وصار
في مكان يريد النوم، يبيتون فيه، قال
r: «من
يحرسنا هذه الليلة»
، فتبرع رجل من الأنصار ورجل من المهاجرين، وقال
لهم: كونوا في هذا المكان، وعين لهم مكان
r، مكان معين في هذا الشعب، لما
صاروا فيه قال أحدهم للآخر: ما الداعي إلى أن كلانا يبقى متيقظا، أما أن تكفيني
أول الليل وأكفيك آخره، أو تكفيني آخره وأكفيك أوله، قال: بل اكفني أوله، يقول
المهاجري وأكفيك آخره، فقام يصلي، ما يتركون هم الأمر يقول: ينظر ينتظر كذا، يحرس
ويصلي، ما يذهب عليهم وقت بدون عبادة، فقام يصلي، فجاء مشرك قد أصيبت زوجته، وأقسم
لا يرجع حتى يصيب في أصحاب محمد دم، فجاء وشاهد الرجل يصلي فأطلق عليه السهم،
فالسهم وقع في بدنه، فاستمر يصلي أزاله واستمر يصلي، ثم أطلق السهم الثاني، فأزاله
واستمر يقرأ، والثالث لما ضربه الثالث، أيقظ صاحبه، لما استيقظ صاحبه وجد الدم
يسيل، قال: سبحان الله لماذا ما أيقظتني من أول الأمر؟ قال: والله لولا أني خفت أن
أضيع ثغرا أمرني به رسول الله
r لم أوقظك، لأني كنت في آية كرهت
أن أقطعها قبل أن أنهها، كيف يعني هذا؟ تحمل الألم والضرب والدماء الذي يسيل لوجود
لذة الخطاب، تلاوة الآيات، يقول: ما أردت أن أقطعها قبل أن أنتهي منها، فمثل هذا
هل يقارن بمن مثلا يقرأ القرآن مجرد تلاوة فقط، بدون أن تصل المعاني إلى قلبه؟
وبين هذا وهذا تفاوت، وبينهما أيضا أعمال كثيرة، الناس درجات، ولهذا السبب صارت
الجنة درجات متفاوته، وكل يسكن الدرجة التي تناسب عمله وإيمانه، كلما كان الإيمان
أقوى وأتم، صار العمل كذلك تبعا لذلك، والمنزلة هكذا، والله عليم حكيم، فاوت بين
عباده بهذه الأشياء، فالمقصود أنه الذي لا يستغني عن ربه جل وعلا طرفة عين ولا
يلذ، تلذ حياته إلا بعبادته والركون إليه والتوكل عليه والاستعانة به هذا المؤمن
الكامل، وإلا كثيرا من المؤمنين ربط هذه المعاني في ربطها إما أعمال تؤثر على
إيمانه، من محاب الدنيا وغيرها وقد لا تظهر، أو ذنوب، ذنوب أيضا تتراكم وتكون مثلا
مانعة حائلة بينه وبين أن يصل إلى مثل هذه الحال نعم.



القارئ: [فَكلما قوي إخلاص دينه لله كملت عبوديته
لله واستغناؤه عَن الْمَخْلُوقَات وبكمال عبوديته لله تكمل تبرئته من الْكبر
والشرك.



والشرك غَالب على النَّصَارَى وَالْكبر غَالب على
الْيَهُود]
.


الشيخ: الشرك غالب على النصارى، لأن النصارى جهلة يعبدون بلا علم، أما اليهود
فعندهم الكبر، هم علماء عندهم علم، ولكن عندهم إباء وتكبر وعدم انقياد للحق، هذا
الغالب وهذه الأمة فيها هذه الصفة، لأننا أخبرنا من قبل نبينا
r أننا نتبع من سبقنا من الأمم،
فقيل له: اليهود والنصارى؟ قال: «نعم أو قال: فمن »،
نعم.



القارئ: [قَالَ تَعَالَى فِي النَّصَارَى [31
التَّوْبَة]
:
{اتَّخذُوا
أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله والمسيح ابْن مَرْيَم وَمَا
أمروا إِلَّا ليعبدوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يشركُونَ
} وَقَالَ فِي الْيَهُود [87 الْبَقَرَة] : {أفكلما جَاءَكُم رَسُول بِمَا لَا تهوى أَنفسكُم
استكبرتم ففريقا كَذبْتُمْ وفريقا تقتلون
}].


الشيخ: الأحبار هم العلماء، مأخوذ من الحبر، لأن أصل العلم بالكتابة، كما قال
الله جل وعلا:
{اقرأ
باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم
}، أصل التعليم
بالقلم بالكتابة، وسمي حبرا، لأن أصل علمه وصوله إلى معلوماته بالحبر الذي هو مادة
الكتابة، فأخذ من هذا، أما الرهبان فهم العباد من الرهبنة وهي الذل والعبادة لله
جل وعلا، والغالب أن الرهبان في النصارى والأحبار في اليهود، هذا هو الغالب، عندهم
علم ولكنهم أهل كبر وعناد، والنصارى فهم أهل تعبد ولكنه تعبد بجهل نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى [146 الْأَعْرَاف]
:
{سأصرف عَن آياتي الَّذين
يتكبرون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَإِن يرَوا كل آيَة لَا يُؤمنُوا بهَا وَإِن
يرَوا سَبِيل الرشد لَا يتخذوه سَبِيلا وَإِن يرَوا سَبِيل الغي يتخذوه سَبِيلا
}] .


الشيخ: وهذا دليل على أن الإنسان يفعل ذلك باختياره ومقدوره، يعني يرى الحق
حقا ويعرف أنه حق ولا يتبعه ولا يريده، ويرى الباطل أنه باطل ويريده ويتبعه ويحبه،
فالله جعل للإنسان إرادة، ويتبع الإرادة القدرة، فإذا وجدت الإرادة والقدرة لابد
أن يوجد المراد، بهذا يتبين أن الإنسان مخلوق وعمله مخلوق، لأن الإرادة والقدرة
مخلوقتان لله جل وعلا، غير أن الاختيار جعل للإنسان، يعني جعل له قدرة خلقها الله
فيه، وإرادة خلقها الله فيه، ثم قيل له: هذا طريق الخير وهذا طريق الشر، فإن فعلت
الخير جزيت أفضل منه، وإن فعلت الشر جزيت به والأمر إليك، فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر، هذا بعد الإيمان وبعد مجيء الرسول، وبعد إقامة الحجج وإظهار البينات،
فبهذا استحق الإنسان إما ثواب أو عقاب، ليس كما يقول أهل الضلال، ينقسموا في هذا
إلى قسمين، قسمين متقابلين تماما، قسم قالوا: إن الأمر كله للإنسان هو الذي يخلق
فعله وهو الذي يكفر ويؤمن بدون أن يكون لله عليه منة أو فضل، وقسم قالوا: إن
الإنسان بمنزلة الآلة التي تدار، فإذا نظرنا إلى هذين القولين، على الأقل أن نقول
أحدهما باطل على الأقل، وإلا فالواقع كلاهما باطل عل الإطلاق، فإن كان يعني ما فيه
منهما قول من الأقوال الباطلة، إلا وقد يشتمل على شيء من الحق نعم.



القارئ: [وَلما كَانَ الْكبر مستلزما للشرك والشرك
ضد الْإِسْلَام وَهُوَ الذَّنب الَّذِي لَا يغفره الله قَالَ تَعَالَى [48
النِّسَاء]
:
{إِن الله
لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء وَمن يُشْرك بِاللَّه
فقد افترى إِثْمًا عَظِيما
} وَقَالَ [116
النِّسَاء]
:
{إِن الله
لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء وَمن يُشْرك بِاللَّه
فقد ضل ضلالا بَعيدا
} كَانَ الْأَنْبِيَاء جَمِيعهم مبعوثين
بدين الْإِسْلَام فَهُوَ الدَّين الَّذِي لَا يقبل الله غَيره لَا من الْأَوَّلين
وَلَا من الآخرين].



الشيخ: الإسلام معناه الإسلام لله، الاستسلام لله بالطاعة والانقياد له، هذا
الدين الذي بعثت به الرسل، وأما كونهم مثلا دينهم واحد، يعني شرائعهم مختلفة، أما
أصل الدين الذي هو عبادة الله فلا يختلف، كل الرسول جاءوا به، أن اعبدوا الله، ما
فيه رسول يقول: اعبدوا الله واعبدوا جبريل، أو اعبدوا فلان وفلان أبدا، من أول
الخليقة إلى أن تنتهي، الدين واحد من ناحية العبادة، أما من جهة الأوامر والشرائع،
فهي قد تختلف، الله له أن يحكم بما يشاء، وله أن يثبت ما يشاء ويمحوا ما يشاء، أما
الأوامر التي قد يكون فيها شيء من الزيادة على قوم، فهذه الأمة خفف عنها كثيرا، و
لهذا جاء قول الرسول
r، إن هذه الملة يعني حنيفية في
العبادة والدين نحو هذا الكلام، وسمحة في العمل سهلة، قال الله جل وعلا:
{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وهذا يقوله عندما
يشرع الشرائع، ذكر هذا في الصوم، وذكر أن المريض والمسافر أنه خفف عنهما، وأنها
يعني لها أن يفطرا ويصوما أياما أخرى ليست من رمضان، وكذلك عند النكاح، أنه يجوز
للإنسان إن لم يجد الطول للحرة، يجوز أن يتزوج الأمة، ثم في النهاية قال:
{يريد الله ليبين لكم}، قال: {يريد الله أن يهديكم سنن الذين من قبلكم}، فهذه إرادة دينية
شرعية، يعني فيها التيسير والتسهيل، وليست هذه الإرادة تشمل غير المسلمين، بل لمن قبل
الدين فقط، ومن هنا قال العلماء: أن إرادة الله تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية
قدرية، وإرادة دينية عملية شرعية نعم.



القارئ: [قَالَ نوح [72 يُونُس] : {فَإِن توليتم فَمَا سألتكم من أجر إِن أجري
إِلَّا على الله وَأمرت أَن أكون من الْمُسلمين
} وَقَالَ فِي حق إِبْرَاهِيم
[130-132 الْبَقَرَة] :
{وَمن يرغب عَن مِلَّة إِبْرَاهِيم إِلَّا من سفه
نَفسه وَلَقَد اصطفيناه فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين *
إِذْ قَالَ لَهُ ربه أسلم قَالَ أسلمت لرب الْعَالمين
} إِلَى قَوْله: {فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} وَقَالَ يُوسُف [101 يُوسُف] : {توفني
مُسلما وألحقني بالصالحين
} وَقَالَ مُوسَى [84-85
يُونُس]
:
{يَا قوم إِن كُنْتُم آمنتم
بِاللَّه فَعَلَيهِ توكلوا إِن كُنْتُم مُسلمين * فَقَالُوا على الله توكلنا
} وَقَالَ تَعَالَى [44 الْمَائِدَة] : {إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور
يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا
} وَقَالَت بلقيس [44 النَّمْل] : {رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان
لله رب الْعَالمين
} وَقَالَ [111 الْمَائِدَة] : {وَإِذ أوحيت إِلَى الحواريين أَن آمنُوا بِي
وبرسولي قَالُوا آمنا واشهد بأننا مُسلمُونَ
} وَقَالَ [19 آل عمرَان] : {إِن الدَّين عِنْد الله الْإِسْلَام} وَقَالَ [85 آل عمرَان] : {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل
مِنْهُ
}


وَقَالَ تَعَالَى [83 آل عمرَان] : {أفغير دين الله يَبْغُونَ وَله أسلم من فِي
السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها
}].


الشيخ: كل هذا يدل على أن الإسلام هو الانقياد لله جل وعلا وطاعته والاستسلام
له، حتى الاستسلام لا يزال الناس يستعملونه، يعني لا يكون عنده أي إباء وأي
اعتراض، مستسلم منقاد وأطاع، ولهذا كان هذا هو الذي أمر الله جل وعلا به عباده
كلهم في الأصل هذا هو الأصل، الإسلام يدخل فيه الدين كله نعم.



القارئ: [فَذكر إِسْلَام الكائنات طَوْعًا وَكرها
لِأَن الْمَخْلُوقَات جَمِيعهَا متعبدة لَهُ التَّعَبُّد الْعَام سَوَاء أقرّ
الْمقر بذلك أَو أنكرهُ]
.



الشيخ: الكائنات هذه استسلامها استسلام قهر، كون أو كون وقدر، وإن كانت مثلا
ليست مكلفة، فهي مطيعة لله جل وعلا منقادة له لا يمكن أن تتأبى عليه، كل الكائنات
منقادة لله جل وعلا، وقد يكون هذا أيضا زيادة على ذلك عبادة يعني ما كلفت، ولهذا
قال:
{إن كل من في السماوات والأرض
إلا آتي الرحمن عبدا
}، وأخبر أنها كلها تسبح بحمده، كل من في
السماوات والأرض يسبحون ولكن لا نفقه
تسبيحهم، والصحيح من أقوال العلماء في هذا أن التسبيح بلسان المقال وليس بلسان
الحال، لأن منهم من يقول: تسبيح الكائنات بلسان الحال، بمعنى أن العاقل إذا نظر
إليها صارت دليلا على وجوب عبادة الله، سبح الله جل وعلا، هذا بلسان الحال،
والصحيح خلاف هذا، أنها هي نفسها تسبح، ولهذا ثبت أن الطعام كان يسمعون تسبيحه عند
الرسول
r الصحابة، والحصى والجذع كان يحن والحجر كان يسلم على النبي r، يقول: السلام عليك يا رسول الله،
وقد أخبر الله جل وعلا أن الجبال كانت تسبح مع داوود وغيرها، وذكر الله جل وعلا
أشياء يعني تتكلم مثل قول الله جل وعلا:
{كلما
جاءوا شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون، وقالوا لجلودهم لما
شهدتم علينا، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة
}، {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا
أبصاركم ولا جلودكم، ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعلمون
}، فهذا ما جاء،
يعني أعضاء الإنسان تشهد عليه وتتكلم وتنطق بالنطق الذي يعرفه هو وغيره ويسمعه،
الأعضاء كلها، هذه يعني على ظاهرها يجب أن نفهمها على ظاهرها، وكذلك الكائنات تسبح
حقيقة ولكن لا نعرف، وما من مخلوق من مخلوقات الله المتحركة والجامدة إلا وهي تخضع
لله وتعبده، وذكر الله جل وعلا شيء من هذه النماذج، في قوله جل وعلا لما أعطى
سليمان منطق الأشياء، فعرفه لها، حتى يعني فيها الفصاحة والبلاغة، لما قالت الذرة
النملة، لما أتوا على واد النمال:
{قالت
نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم
ضاحكا من قولها
}، قول فصيح بليغ، يعني للاتقاء من الخطر، خطر كونهم يحطمونهم، يحطمون الذر،
وكذلك الهدهد لما تفقد الهدد ما وجده، فسأل عنه، قالوا: ما موجود غائب، فتوعده
لأذبحنه أو ليأتيني ببرهان يعني بدليل، فجاءه ببرهان جاء يقابله كلام عجيب بجرأة،
قال: أحطت بما لم تحط به، يقابل سليمان بهذا المنطق:
{أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني
وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من
دون الله
}، إلى آخره، ثم جعله رسول أرسله بكتاب، فإذاً الأشياء عندها عبادة لله جل
وعلا، وعندها شعور سواء كانت حية أو غير حية، فالهدهد جاء بهذه صار داعية إلى
التوحيد، ويذكر أنه أيضا أراد أن يمزح على سليمان حتى، فقال له: يا نبي الله أريد
أن أغديت وأعشيك أنت وجنودك، أنت تغدينا وتعشينا الهدهد؟ قال: نعم بشرط أن يكون في
الجزيرة الفلانية التي في ا لبحر، فقال: طيب ما فيه مانع، فذهب هو وجنوده، وصلوا
المكان ذهب الهدهد يأتي بالعشاء وبالغداء فجاب جرادة، يمسكها بمنقاره وغمسها في
البحر أمام سليمان، وقال: يا بني الله من يفوته اللحم لا يفوته المرق هذا غداؤكم،
يقول: بقي سليمان يضحك عاما سنة وهو يتذكر هذه الضحك، يعني كل هذا يدل على عقل،
لهم عقول نعم.



القارئ: [وهم مدينون لَهُ مدبرون فهم مُسلمُونَ لَهُ
طَوْعًا وَكرها لَيْسَ لأحد من الْمَخْلُوقَات خُرُوج عَمَّا شاءه وَقدره وقضاه
وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِهِ وَهُوَ رب الْعَالمين ومليكهم يصرفهم كَيفَ
يَشَاء وَهُوَ خالقهم كلهم وبارئهم ومصورهم وكل مَا سواهُ فَهُوَ مربوب مَصْنُوع
مفطور فَقير مُحْتَاج معبد مقهور وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْوَاحِد القهار الْخَالِق
البارئ المصور.



وَهُوَ وَإِن كَانَ قد خلق مَا خلقه بِأَسْبَاب فَهُوَ
خَالق السَّبَب والمقدر لَهُ وَهَذَا مفتقر إِلَيْهِ كافتقار هَذَا وَلَيْسَ فِي
الْمَخْلُوقَات سَبَب مُسْتَقل بِفعل خير وَلَا دفع ضرّ بل كل مَا هُوَ سَبَب
فَهُوَ مُحْتَاج إِلَى سَبَب آخر يعاونه وَإِلَى مَا يدْفع عَنهُ الضِّدّ الَّذِي
يُعَارضهُ ويمانعه.



وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَحده الْغنى عَن كل مَا سواهُ لَيْسَ
لَهُ شريك يعاونه وَلَا ضد يناوئه ويعارضه قَالَ تَعَالَى [38 الزمر]
: {قل أَفَرَأَيْتُم مَا تدعون من دون الله إِن
أرادني الله بضر هَل هن كاشفات ضره أَو أرادني برحمة هَل هن ممسكات رَحمته قل حسبي
الله عَلَيْهِ يتوكل المتوكلون
}].


الشيخ: جاء في تفسير هذه الآية، أن الله U أمر قال: قل لهؤلاء المشركين
أرأيتم ما تدعون من دون الله، يعني أخبروني هل هذه الآلهة التي تدعون من دون الله،
إن أرادني الله بضر تكشف الضر وتزيله عني؟ أو أرادني برحمة يمكن أن تمسك الرحمة
ولا توصلها إلي؟ يقول مجاهد: فسألهم فسكتوا، لأنهم يعلمون أنها ليست كذلك، لا تنفع
ولا تضر نعم، فهم يعرفونها، ولهذا كانت دعوتهم إياها وعبادتهم لها مجرد طلب شفاعة
يقولون: اشفعي لنا، وعرف أنهم يقولون: إننا أصحاب ذنوب، وهذه لا ذنوب لها فنجعلها
وساطة ببيننا وبين ربنا، يكفي هذا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:50 am

شرح


رسالة العبودية


المجلس
السابع















لفضيلة
الشيخ



عبد الله الغنيمان


-حفظه
الله-













 شرح رسالة العبودية C:%5CDOCUME%7E1%5CPCUSER%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsohtmlclip1%5C01%5Cclip_image002


القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين.



قال المصنف رحمه الله في رسالة العبودية:
[
فَذكر إِسْلَام الكائنات طَوْعًا وَكرها لِأَن
الْمَخْلُوقَات جَمِيعهَا متعبدة لَهُ التَّعَبُّد الْعَام سَوَاء أقرّ الْمقر
بذلك أَو أنكرهُ وهم مدينون لَهُ مدبرون فهم مُسلمُونَ لَهُ طَوْعًا وَكرها لَيْسَ
لأحد من الْمَخْلُوقَات خُرُوج عَمَّا شاءه وَقدره وقضاه وَلَا حول وَلَا قُوَّة
إِلَّا بِهِ وَهُوَ رب الْعَالمين ومليكهم يصرفهم كَيفَ يَشَاء وَهُوَ خالقهم كلهم
وبارئهم ومصورهم وكل مَا سواهُ فَهُوَ مربوب مَصْنُوع مفطور فَقير مُحْتَاج معبد
مقهور وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْوَاحِد القهار الْخَالِق البارئ المصور.



وَهُوَ
وَإِن كَانَ قد خلق مَا خلقه بِأَسْبَاب فَهُوَ خَالق السَّبَب والمقدر لَهُ
وَهَذَا مفتقر إِلَيْهِ كافتقار هَذَا وَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَات سَبَب مُسْتَقل
بِفعل خير وَلَا دفع ضرّ بل كل مَا هُوَ سَبَب فَهُوَ مُحْتَاج إِلَى سَبَب آخر
يعاونه وَإِلَى مَا يدْفع عَنهُ الضِّدّ الَّذِي يُعَارضهُ ويمانعه.



وَهُوَ
سُبْحَانَهُ وَحده الْغنى عَن كل مَا سواهُ لَيْسَ لَهُ شريك يعاونه وَلَا ضد
يناوئه ويعارضه]
.


الشيخ: بسم الله
الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد
وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا وبعد.



في هذا المقطع الذي
ذكر، ذكر الربوبية العامة، والحكم الكوني العام، القدري الذي لا يخرج عنه شيء سواء
كان عاقلا أو غير عاقل، وهذا لا اختيار للمخلوق فيه، ولهذا لا يثاب على ذلك، إلا
إذا صار عنده نية صالحة في هذا، وقصد ذلك في طاعة لله جل وعلا واستسلام له، أما
كون تجري هذه ا لكائنات على وفق تقديره ومشيئته فلا دخل للخلق في ذلك، سواء رضوا
أو سخطوا، فهو جل وعلا المدبر لكل شيء الذي يتصرف فيه، ولكن بعض الناس لا يعقل هذا
ولا يستشعر به، فيصبح يتعلق على الأسباب، ويرى وينظر إلى الأسباب إلى أنها هي التي
صار بها كذا وكذا، وقد يكون هذا قريبا أو بعيدا، لهذا تجد مثلا كثيرا من الناس
يعتمد على الشيء الذي يتصرف فيه، فإذا وقع في أمر مقدر وجدته إما يلوم نفسه أو
يلوم الآخرين الذين كانوا جزء من السبب أو بعض السبب على هذا، وربما غضب غضبا
شديدا، ووجدته يلعن ويشتم وغير ذلك، مع أنه لا دخل للناس في هذا، غير أن الأسباب
التي يتسبب فيها الإنسان هو مسئول عنها، يجب أن يسأل عن ذلك، ولهذا نقول: أن ما
تقوله الطائفة التي تعتمد على أن الإنسان أنه مدبر، أنه لا يمكن أن هذا الكون وهذه
الحياة تستقيم وتسير على وفق الحياة على هذا المذهب، ولا يمكن أن يستقيم هذا المذهب،
لأنهم يجعلون الإنسان العاقل الذي يتصرف هو المسئول في هذا، فلابد أن يسأل، وهذا
شيء فطر الله
U عليه الخلق، حتى ا لصغار مثلا، الولد الصغير إذا ضربه أحد فبكى،
فتقول: اسكت ما حد ضربك ما يقتنع، لأن الله جل وعلا فطر الخلق على أن كل أثر له
مؤثر ولابد، ولابد أن يؤخذ الإنسان بفعله، بغض النظر عن كون المدبر للأصل والمقدر
هو الله جل وعلا، وإن كانت الأمور جرت بغير عاقل مكلف هذا أمر، وإن كانت بعاقل
مكلف، فلابد أن يسأل عن أفعاله إن كان هو سبب أو جزء من السبب، ثم يجب أن يكون
التعلق بالله جل وعلا، وأن نعلم أن الله جل وعلا هو المدبر لكل شيء وهو المصرف لكل
حركة وسكون، فهذا يدخل في الإيمان بالقدر، أقدار الله جل وعلا، ولا ينافي النظر
إلى السبب، ولهذا أمرنا بفعل السبب الذي جعله الله سببا، وأمرنا ألا نعتمد عليه،
أن نعتمد على ربنا جل وعلا، فلابد من الجمع بين هذا وبين الأمر الشرعي، نجمع بين
الأمر القدري وننظر إلى السبب، سبب وليس هو الذي يعتمد عليه في الشيء الذي يقع أو
لا يقع، ثم نوفق بينه وبين الشرع الذي أمرنا به، حتى تستقيم الأحوال، ونصبح عبيدا
لله جل وعلا نعم.



القارئ: [قَالَ تَعَالَى [38 الزمر] : {قل أَفَرَأَيْتُم مَا تدعون من دون الله إِن
أرادني الله بضر هَل هن كاشفات ضره أَو أرادني برحمة هَل هن ممسكات رَحمته قل حسبي
الله عَلَيْهِ يتوكل المتوكلون
}].


الشيخ: يعني أن
المعبودات أنها لا تصرف فيها، فكيف تتجهون إليها وتطلبون منها الشفاعة وهي لا تنفع
ولا تضر؟ فهذا أصل في أن العبادة والتعلق تعلق القلب فيمن يجلب النفع ويدفع الضر،
فإن لم يكن كذلك فهو باطل، لهذا أمره الله جل وعلا أن يسأل المشركين، أفرأيتم يعني
أخبروني، مما تدعون من آلهتكم، إن أرادني الله جل وعلا بضر، هل تستطيع أن تكشف هذا
الضر أو تمنعه، وهل تزيله أو تخففه أو تمنعه قبل حصوله؟ أو أرادني برحمه، والضر
هنا فسر إما بالمرض أو بالفقر أو بإدالة عدو وما أشبه ذلك، والرحمة فسرت بضد ذلك،
بالعافية والرزق والصحة والتوحيد والنصر، يقول: هل تستطيع أن تمنع هذا، يقول
مجاهد:فسألهم فسكتوا، لأنهم يعلمون أنها لا تفعل شيء، وهذا أمر ظاهر، ثم قال له جل
وعلا:
{قل حسبي الله}، يعني هو كافيني
في كل ما يتوقع، من أذى أو ضر، التجأ إليه وأجعله عمدتي واتكالي عليه،
{حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون}، وهذا كثير في
القرآن، ويبين جل وعلا أن المعبودات لا تنفع ولا تضر، وتكون عبادتها ضرر بلا نفع،
وليس معنى ذلك أن هذا منها، هذا من الفاعل نفسه، الضر من الفاعل لأنه وضع العبادة
في غير موضعها فصار ظالما، فيعاقب على ظلمه، نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِن يمسسك الله بضر فَلَا كاشف لَهُ إِلَّا
هُوَ وَإِن يمسسك بِخَير فَهُوَ على كل شَيْء قدير
} وَقَالَ تَعَالَى
عَن الْخَلِيل: [78-82 الْأَنْعَام] :
{يَا قوم إِنِّي بَرِيء مِمَّا تشركون * إِنِّي
وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من
الْمُشْركين * وحاجه قومه قَالَ أتحاجوني فِي الله وَقد هدان وَلَا أَخَاف مَا
تشركون بِهِ إِلَّا أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئا
} إِلَى قَوْله: {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم
أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن وهم مهتدون
} ].


الشيخ: هذا من تمام
المناظرة التي وقعت بين إبراهيم وقومه على القول الصحيح من المفسرين، لأن بعض
المفسرين قال في هذا قولا باطلا، هو أن إبراهيم أول ما عقل ونظر شاهد كوكبا قال:
هذا ربي ثم ترقى إلى آخره، وهذا لا يجوز، والصحيح أن هذه مناظرة، يعني لأن قومه
كانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل، فناظرهم في ذلك، يقول: هذا ربي؟ والأفول
هو الذهاب، وإذا كان إلها كيف يذهب؟ الإله الذي يعبد يجب أن يكون رقيبا شاهدا،
يراقب معبوده ويعلم تصرفاته، ويكون عليه أيضا حسيبا في ذلك، أما إذا غاب وذهب،
معنى ذلك أنه لا يصح أن يكون إله، وهكذا يترقى من شيء إلى شيء، إلى أن قال:
{وحاجه قومه}، يعني أن هذه
الحجة بدأت من الأول، لما تبرأ من شركهم، وأخبر أن آلهتهم كلها لا تنفع ولا تضر،
ثم كعادة المشركين يهددون من نعاهم أن آلهتهم قد تضره، كما قالوا لهود عليه
السلام:
{إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا
بسوء
}، يعني بجنون، لأنك خالفت الجميع وجئت بشيء لا نعرفه، فأنت مجنون، والذي جنك
هو بعض الآلهة لأنك خالفتها، قال:
{إني أشهد
الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون
}، يعني اجتمعوا
أنتم كلهم واستدعوا آلهتكم ثم اصنعوا ما تستطيعون صنعه بي، فلن تصلوا إلى هذا، هذا
تحدي لهم، وكذلك الآية التي مرت معنا بالنسبة لنبينا
r فإنه تحداهم أن يضروه بشيء
وآلهتهم ما استطاعوا، وكذلك نوح:
{يا قوم
إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فاجمعوا أمركم وشركائكم
}، إلى آخره، فهذه
سنة الكافرين، كانوا يخوفون من خالفهم بآلهتهم، إلى الآن على هذه السبيل وهذه
الطريقة، لو جئت إلى عابد القبر وقلت له: اتق الله القبر ما ينفعك ولا يضرك، اعبد
ربك، قال: أخوفك هذا الولي، إذا خالفته تراه يعمل فيك ويعمل فيك، فهم على سنة
واحدة سائرون، ففي هذه المناظرة قال في النهاية: كيف أخاف ما أشركتم، يعني كيف
تخوفوني بأصنامكم وكيف أخافها وأنتم لا تخالفون الله لأنكم أشركتم به؟ ثم قال: أي
الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟ سواء كان ثم جاء الحكم، وسواء كان الحكم هذا
من تمام المناظرة، كما كان لإبراهيم، أو أنه حكم، حكم الله به بين إبراهيم وقومه،
فقال:
{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم
بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون
}، فجاء الأمن بأل التي تدل على الكمال
والاستغراق، وغلبة الشيء، يعني الأمن يكون لهم في الدنيا والآخرة، وهم مهتدون إلى
ما خلقوا به وأمروا به وهو عبادة الله وحده جل وعلا نعم.



القارئ: [وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَن
عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عَنهُ أَن هَذِه الْآيَة لما نزلت شقّ ذَلِك على
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا: يَا رَسُول الله أَيّنَا لم
يلبس إيمَانه بظُلْم؟ فَقَالَ: " إِنَّمَا هُوَ الشّرك ألم تسمعوا إِلَى قَول
العَبْد الصَّالح [13 لُقْمَان]
:
{إِن
الشّرك لظلم عَظِيم
} ".


وَإِبْرَاهِيم الْخَلِيل إِمَام الحنفاء المخلصين حَيْثُ بعث وَقد طبق الأَرْض
دين الْمُشْركين قَالَ الله تَعَالَى [124 الْبَقَرَة]
:
{وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه
بِكَلِمَات فأتمهن قَالَ إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا قَالَ وَمن ذريتي قَالَ
لَا ينَال عهدي الظَّالِمين
} فَبين أَن عَهده بِالْإِمَامَةِ لَا
يتَنَاوَل الظَّالِم فَلم يَأْمر الله سُبْحَانَهُ أَن يكون الظَّالِم إِمَامًا
وَأعظم الظُّلم الشّرك.



وَقَالَ تَعَالَى [120 النَّحْل] : {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا لله حَنِيفا
وَلم يَك من الْمُشْركين
} وَالْأمة هُوَ معلم الْخَيْر الَّذِي
يؤتم بِهِ كَمَا أَن الْقدْوَة الذي يقْتَدى بِهِ. وَالله تَعَالَى جعل فِي
ذُريَّته النُّبُوَّة وَالْكتاب].



الشيخ: هذا من
معاني الأمة، معنى من معاني الأمة، وإلا الأمة تطلق على أشياء كثيرة، منها الجماعة
كما هو معروف،
{لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة
من الناس
}، هذا ظاهر جدا، ومنها الملة والدين والنحلة، هذه أمتكم أمة واحدة، يعني دينكم
وشرعكم، وأنا ربكم فاعبدون، يعني أن الذي يؤمر به الخلق هو عبادة الله، يعني ما
جاء رسول إلا يأمر الناس بعبادة الله، هذه الأمة، هذه أمتكم أمة واحدة، كقوله جل
وعلا:
{إن الدين عند الله الإسلام}، ومنها كذلك
الطائفة من الزمن، كما قال الله جل وعلا في قصة يوسف عليه السلام الذي رأى الرؤيا،
قال: اذكرني عند ربك، الذي ظن أنه ينجوا، فأنساه الشيطان ذكر ربه، فلما رأى الملك
الرؤيا العجيبة التي، تذكر قال:
{وادكر
بعد أمة
}، يعني بعد أيش؟ بعد وقت فات، {ولئن
أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة
}، أمة معدودة يعني وقت محدد، فهنا فيه
إطلاقات غير هذه للأمة نعم.



القارئ: [وَالله تَعَالَى جعل فِي ذُريَّته النُّبُوَّة وَالْكتاب
وَإِنَّمَا بعث الْأَنْبِيَاء بعده بملته]
.



الشيخ: الأمور التي
تأتي في القرآن، والمعاني التي قد يكون لفظها واحد ومعانيها مختلفة، هذه وغيرها من
ألفاظ القرآن ومعانيه ومفرداته، نافعة جدا الإنسان أنه يعرفها ويتتبعها حتى لا يقع
في الخطأ، وكذلك المعاني، المعاني نفسها قد تأتي مثلا ألفاظ في القرآن، يعني ألفاظ
لفظها واحد، ولكن المعنى يختلف، والاختلاف قد يكون مختلفا يجب أنه ينظر إلى مراد
المتكلم فيه، ومراد المتكلم يتبين بالنظر والحال وكذلك بما يحيط بالكلام نفسه،
وهذا قد يتعلق بصفات الله جل وعلا وأفعاله، ويتعلق بما يؤمر به الإنسان، لهذا
نقول: لا يجوز للإنسان أن يأخذ شيئا على وتيرة واحدة، ثم يتمسك به دائما، يجب أن
يكون مقصوده ونظره إلى مراد المتكلم، ومراد المتكلم يتبين بالقرائن والسياق،
والنظر إلى الحال، فمثال ذلك مثال، الأمثلة كثيرة، ولكن المثال في صفات الله
تعالى، فيتبين أن أهل السنة ليس مقصودهم أنهم يأخذوا الشيء، يجعلوه قاعدة وتيرة
واحدة، مثلا: لفظة المجيء المضافة إلى الله، هل نأخذها على وتيرة واحدة، وإذا جاءت
كلها نقول: يجب أن يكون هذا على ظاهره، لا يجوز هذا، قول الله جل وعلا:
{هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظل من الغمام
والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور
}، إذا قال لنا قائل
مثلا: هل ينظرون إلى أن يأتيهم الله، يعني يأتيهم عذابه أو يأتيهم جنده وملائكته،
أو يأتيهم أمره، أو يأتيهم سلطانه، كما تقول المؤولة هكذا يقولون، نقول: هذا باطل،
الإتيان أضيف إلى الله جل وعلا فعلا، يفعله حقيقة، ولم يأتي الشيء الذي يصرفه، ولا
في ذلك محذوف، ولهذا قال: وجاء ربك، وإن كان هذا، قد يقول أهل الباطل: أن هذا من
مجاز الحذف، فالمجاز يقولون: أنه موجود في لغة العرب، والتقدير وجاء أمر ربك، وجاء
ملك ربك، نقول: هذا نفس المعنى يأباه ويبطله، لأنه جاء في قول الله جل وعلا:
{هل ينظرون أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو
يأتي بعض آيات ربك
}، فهذا التعداد والتنوع يأبى هذا التأويل من كل جانب، ويجعل هذا التأويل
باطلا، فإذاً كيف يقال هذا في هذه الآية، ويقال في آية أخرى، ما يستطاع أنها تؤول
إلا بنوع من التكلف، لكن إذا جاء مثلا شيء يجب أن ننزه ربنا عنه، وهو مضاف إلى
الله، فنقول هكذا: في قوله جل وعلا:
{فأتاهم
الله من حيث لم يحتسبوا
}، {فأتى
الله نبيانهم من القواعد
}، الله يأتي من سيسان الحيطان؟ لا يجوز،
إذا قال لك المبطل مثلا، أنت تناقض، لماذا هنا تقول: هذا العذاب يأتيهم عذاب الله،
وهناك تقول: يأتي الله؟ نقول: لا نتناقض لأننا ننظر إلى مراد المتكلم وما يليق به
جل وعلا، ونعلم أن هذا لا يليق بجلال الله جل وعلا أنه يأتي من تحت، إنما الله جل
وعلا يأتي من العلو، الذي في قوله جل وعلا:
{فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم
الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار
}، إن قال لك قائل
مثلا، يلزمك أن تقول في هذه الآية كما قلت في آية البقرة، أقول: لا يلزمني لأن هذا
شيء معلوم وهم بني النضير، أتاهم عذاب الله وجنده مع رسوله
r، فخربوا بيوتهم بأديهم وأدي
المؤمنين خوفا ورعبا مما أحاط بهم من جنود الله جل وعلا مع رسوله، فهم قوم عاصين
في هذه الحياة، الله لا يأتي إلى الأرض في هذا الوقت في هذه الحياة، وهكذا القول
الذي يعين المعنى هو السياق والقرينة، فإذا تبين لنا مراد المتكلم فليس تأويلا، بل
هو الظاهر وهو الحقيقة نعم.



القارئ: [قَالَ تَعَالَى [123 النَّحْل] : {ثمَّ أَوْحَينَا إِلَيْك أَن اتبع مِلَّة
إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا كَانَ من الْمُشْركين
} وَقَالَ تَعَالَى [68 آل عمرَان] : {إِن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ
وَهَذَا النَّبِي وَالَّذين آمنُوا وَالله ولي الْمُؤمنِينَ
}].


الشيخ: المقصود
الثناء على إبراهيم عليه السلام، والأمر بإتباع طريقته في التبري من المشركين،
فيكون اتجه إلى ربه وتعلق به وحده، وتبرأ من كل معبود دونه، وأمرنا أن نتأسى به في
هذا، ولهذا نهينا أن نتأسى به في دعائه لأبيه واستغفاره لأبيه، ولهذا قال:
{إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك}، يعني هذا لا
تتأسوا به، ولا تستغفروا للمشركين ولو كانوا آباؤكم نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى [67 آل عمرَان] : {مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيّا وَلَا
نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين
}].


الشيخ: وإبراهيم
يتنازعه كل طائفة، اليهود يزعمون أنه منهم والنصارى كذلك والمشركون كذلك، فأخبر
الله جل وعلا أنه ليس من طائفة من هذه الطوائف، بل هو حنيفا لله، والحنيف هو
المائل عن كل قصد وإرادة وفعل بالاختيار والفعل الذي يعتمد إلى توحيد الله وحده،
فهو مجانب أهل الأرض كلهم بعباداتهم واتجاهاتهم إلى عبادة الله وحده، وهذا هو
الحنيف في لغة العرب، فالحنيف في لغتهم هو الموحد، الموحد الذي يعبد الله وحده،
لهذا لما جاء عدي ابن حاتم وهو عربي، ولكنه دخل في النصرانية وكان نصرانيا، فقال
له الرسول
r: «لماذا تفر من النصرانية، أتفر بأن
يقال: الله أكبر»
، هل تعلم أن هناك شيء أكبر من الله؟ تفر من أن يقال
لا إله إلا الله، هل هناك إله غيره؟ لما ذكر أن النصارى اتخذوا أحباركم ورهبانهم،
فقال له: أنا حنيف، ولذلك برأ الرسول
r قوله أنا حنيف يعني أنا موحد، قد
دخلت في التوحيد، وتركت هذا الدين وهذا المذهب، المقصود أن كلمة حنيف في اللغة
العربية تطلق على الموحد الذي لا يعبد إلا الله، نعم.



القارئ: [وَقَالَ تَعَالَى [135-136 الْبَقَرَة] : {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى تهتدوا قل بل
مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا كَانَ من الْمُشْركين * قُولُوا آمنا بِاللَّه
وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا أنزل إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق
وَيَعْقُوب والأسباط
} إِلَى قَوْله: {وَنحن لَهُ مُسلمُونَ} ].


الشيخ: الآية التي
سبقت في كون الصحابة لما نزلت هي قوله:
{الذين
آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون
}، نقول: أنها شقت
على الصحابة وقالوا: أينا لم يلبسوا إيمانهم بظلم، وذلك أن الصحابة فهموا منها أن
الظلم مطلق الظلم، يعني كل سيئة فهي ظلم، وأن من عمل سيئة أنه لا يكون له أمن ولا
اهتداء، هذا الذي شق عليهم، عند ذلك أخبرهم الرسول
r بأن الظلم الذي ليس معه أمن مطلق
هو الشرك، أما الظلم ما عدا الشرك، وإن كان ظلما، فلا يقتضي أن يكون صاحبه ليس له
أمن أبدا، وليس له اهتداء أبدا، وإن أصيب بما يصاب من جراء مثلا ذنوبه، فالعاقبة
تكون على الجميع، ولهذا جاء ا لتعريف بأل،
{الذين
آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن
}، الأمن هنا يشمل
الأمن في الدنيا والأمن في الآخرة، لا يصيبه العذاب في الدنيا مما يصيب الكفار ولا
يصيبهم عذاب في الآخرة، وقوله: «ألم تسمعوا قول
الرجل الصالح»
،
{يا بني
لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم
}، يعني الشرك هو الظلم المطلق الذي معه لا
أمن ولا اهتداء، أما الذنوب فمعها أمن ومعها اهتداء، ولكن ليس هو الأمن الكامل ولا
الاهتداء الكامل، وإذا لم يكن الإنسان معه الأمن الكامل والاهتداء الكامل، فإنه
يصاب بعذاب في الدنيا أو بعذاب في الآخرة، ولكن لا يكون كالذي معه شرك، وهذا الذي
بين لهم، وهذا يفهمون هذا تماما، ولهذا علموا أن مطلق الذنوب أنها تؤثر في الإيمان
نعم.



القارئ: [وَقد ثَبت فِي " الصَّحِيح " عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أَن " إِبْرَاهِيم خير الْبَريَّة " فَهُوَ أفضل
الْأَنْبِيَاء بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ خَلِيل الله تَعَالَى]
.



الشيخ: النبي من
النبي بعد النبي من هو النبي؟ هذا نبينا
r، فلابد أنه لا يكون بعد نبينا،
ولكن بعد النبي يعني صار معروفا، يعني ما يحتاج أن يقال بعد نبينا معروف لدى
المخاطبين، وإذا كان معروفا جاز هذا، أما إذا كان في مقام أداء الشهادة أن أداء
الواجب الذي لابد منه، فلابد من تعيينه باسمه العلم، أن تقول محمد، إذا قلت في
التشهد، أشهد أن لا إله إلا الله تقول: أشهد أن النبي رسول الله يجوز؟ أشهد أن
النبي رسول الله أو أن سيدنا رسول الله؟ لا يجوز ولا يكون، لابد أن تذكره باسمه
العلم، تقول: أشهد أن محمدا عبده ورسوله، ولهذا يذكر هذا في الأذان وفي الشهادات
وفي غيرها، وعندما يتشهد الإنسان وهو كافر في دخوله وهو يدخل الإسلام لابد أن يذكر
اسمه العلم، ولا يكون هذا معارضا بقوله تعالى:
{لا تجعلوا دعاء النبي بينكم كدعاء بعضكم بعضا}، المعنى يقول
المفسرون: لا تقولوا يا محمد، ولكن قولوا: يا نبي الله يا رسول الله، هذا لا
يدخله، لأن هذا لابد منه يتعين، ولهذا هو
r كانت يقول في تشهده: أشهد أن
محمدا عبده ورسوله، هو نفسه يتلفظ بهذا، أشهد أن محمدا عبده ورسوله، ما يقول: أشهد
أني عبد الله ورسوله، فقد حفظ ذلك وصار يعلم الصحابة هذا الشيء مثل ما يعلمهم
السورة من القرآن كما في حديث عبد الله بن مسعود، وذكر السيد فيه يجوز؟ السيد هذا
من البدع لم يأتي، يقول: أشهد أن سيدنا رسول الله، لأنه الآن صار يذكر في الخطب
وفي المقامات التي يجتمع فيها الناس، وجاءت وبعضهم يخجل أنه يقول: أشهد أن محمدا
عبده ورسوله لماذا؟ لأن كثيرا من المخرفين يعيب عليه، يقول: أنتم تبغضون الرسول
وتكرهونه لأنكم لا تقولون سيدنا، لا يجوز مثل هذه الأشياء أنها تؤثر في الإنسان،
يجب أن يقول الحق ويقوم به ويعلمه للناس، الصحابة هكذا، بل جاء النهي، لما جاء
إليه قوم، كما في حديث وفد بني عامر قالوا: أنت سيدنا وابن سيدنا، قال: «قولوا بقولكم أو بعض قولكم»، قالوا: أنت خيرنا
وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا، قال: «
يا أيها الناس لا يستجرينكم الشيطان، لا أحب أن
ترفعوني فوق منزلتي، أنا عبد الله ورسوله فقولوا: عبد الله ورسوله»
، إذا قلنا مثل هذا معناه امتثلنا أمره، وإذا تركناه، مع أنه
بلا شك أنه سيد، لأن السيد هو المقدم المطاع المقدم في قومه، ولهذا لما جاء ذكر
التعليل والفضل، كما في حديث الشفاعة، قال: «أنا سيد
الناس ولا فخر أتدرون ما ذلك؟»
، فذكر العلة، لأنه هو المقدم في هذا،
المقدم في ذلك الموقف، الذي قال الله جل وعلا فيه:
{ومن الليل
فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا
}، والمقام المحمود على القول الصحيح هو الشفاعة التي تكون في
الموقف، لأنها تشمل الخلق كلهم، من أولهم إلى آخرهم، فهذا المقام الذي يحمده عليه
الأولون والآخرون، لأنه والشفاعة كانت بإذن ربه جل وعلا، وهو الذي وعده ربه جل
وعلا إياها رفعا لذكره وإكراما له وإلا فالأمر كله بيد الله جل وعلا، نعم.



القارئ: [وَقد ثَبت فِي " الصَّحِيح
" عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير وَجه أَنه قَالَ:
« إِن الله اتخذني خَلِيلًا
كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا »
. وَقَالَ: « لَو كنت متخذا من أهل
الأَرْض خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن صَاحبكُم خَلِيل الله »
يعْنى نَفسه].


الشيخ: يعني معنى
هذا أن الخلة لا تقبل المشاركة، فالخليل هو الذي تخلل القلب كله، فلم يبقى فيه
موضع لغير الخليل، لهذا قال: «لو كنت متخذ من أهل
خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا»
، لأن أبا بكر هو أحب الصحابة إليه، وهو
كما قال
r
«أمن الناس علي بصحبة ومال»، فلم يزل مصاحبا له منذ دخل في الإسلام إلى أن فرق بينهما الموت،
والموت فرق الأبدان، وإلا فالمعنى موجود، ومن العجائب في هذا أنه لما توفي الرسول
r ، الصحابة كلهم صاروا يقولون لأبي بكر:
خليفة رسول الله، ولم يحدث هذا لغير أبي بكر، لما استخلف عمر قالوا نقول: خليفة،
خليفة رسول الله قال: هذا شيء بعيد، ولكن أنتم المؤمنون وأنا أميركم، قولوا: أمير
المؤمنين، فانقطع، ما فيه خليفة لرسول الله، وهذا لا ينافي قوله: الخلفاء
الراشدون، فالخليفة يطلق على الذي يخلف غيره، فعمر خلف أبا بكر، وعثمان خلف عمر،
وعلي خلف عثمان، وهكذا الخلفاء واحد يخلف الثاني، أما أن يقال: الناس مثلا آدم أنه
خليفة الله فهذا خطأ، الله ليس له خليفة تعالى الله وتقدس، فالخليفة لمن يغيب أو
يذهب أو يموت، فلا يقوم مقامه، أما الله جل وعلا فهو الرقيب الذي هو حي لا يموت،
فالمقصود أن صلة أبي بكر برسول الله
r
صلة قوية جدا، وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص، لما أرسله في سرية ذات السلاسل،
لأنه كانوا من أقربائه، أمره على هذه السرية وأمرهم بالخروج بالذات، فتخلف أمرهم
فتخلف ليسلم على الرسول
r،
يقول لما صليت معه، قال: ألم تخرجوا، قال: قلت: بلى ذهبوا، ولكني تخلفت لأصلي معك،
قال: « الأمر الذي ذهبوا به لا تدركه بالصلاة معي»،
فسأله أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة»،
الرسول ما يخاشي أحدا، بعض الناس مثلا لو قيل له: أتحب زوجتك، ما يخبر يقول: مالك
ولهذا، ولا يذكر ذلك، رسول الله
r
لا يداهن أحد يذكر الواقع، لما قيل أي الناس أحب إليك: قال: «عائشة»، فقلت: من الرجال، قال: «أبوها»، فهو أحب الناس إليه
r، يقول: ثم قلت من، يعني بعد ذلك؟ قال: «عمر»، يقول: فلما خفت ألا يذكرني سكت، والمقصود
أن الرسول
r قال: «لو كنت
متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبو بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله»
،
يعني أن الخلة لا تقبل المشاركة في من هو غير الخليل، ولهذا هذا لا ينافي كونه يحب
من يحبه، فالحب غير الخلة، الخلة هي أعلى مراتب الحب ليس فوقها شيء إلا العبادة،
والعبادة لا يجوز أن تكون إلا لله جل وعلا وحده، نعم، وبهذا يتبين خطأ الذين
يقولون: إبراهيم خليل الله ونبينا حبيب الله، والحبيب أقدم من الخليل وأتم، هذا
خطأ نعم.



القارئ: [وَقَالَ: " لَا تبقين فِي
الْمَسْجِد خوخة إِلَّا سدت إِلَّا خوخة أَبى بكر "]
.


الشيخ: الخوخة هي
النافذة التي تخرج إلى المسجد، كان النبي
r اتخذ بيوته على حائط المسجد، ففتح
إليه خوخة، يعني باب يخرج معه ويدخل معه، فاقتضى به الصحابة الذين جعلوا بيوتهم
على حائط المسجد، فتحوا أيضا عليه حتى يدخلوا ويخرجوا من قريب، ففي مرض موته قال: «كل هذه تسد إلا خوخة أبي بكر»، يقول أهل السنة:
هذا إشارة إلى أنه الخليفة بعده، وإشاراته هذه كثيرة وقد تكون قريبة من التصريح،
منها قوله: «مروا أبو بكر فليصلي بالناس»،
تقول عائشة: علمت أن الذي يكون بعد رسول الله سيكره الناس، لأنه لا أحد يعدل رسول
الله
r، أن تقوم مقامه وتصلي مكانه وتخطب خطبه وهكذا، أنت لا تساوي شيئا
مما هو عليه، كانت هذه نظرتها، تقول: فقلت له يا رسول الله أبو بكر رجل رقيق أسيف
إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء، لو أمرت غيره أن يصلي بالناس، لو أمرت
عمر، فقال: « مروا أبو بكر فليصلي بالناس»،
تقول: فذهبت إلى حفصة وقلت لها: اذهبي فقولي له أبو بكر كذا وكذا الشيء الذي
قالته، فذهبت حفصة فقالت للرسول ذلك،
فقال: «
إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصلي بالناس»، فذهبت حفصة وتقول: لم ألقى منك خيرا، يعني أن الرسول غضب من
ذلك وقال هذا القول: «إنكن صواحب يوسف» ،
والمقصود أن هذا من الأمور الظاهرة على أن الرسول
r أراد أبا بكر أن يكون هو الخليفة بعده، وفيه
أشياء كثيرة، حتى ادعى بعض أهل السنة قال:
إن فيها نصوص نعم.



القارئ: [وَقَالَ: « أَلا وَإِن من كَانَ
قبلكُمْ كَانُوا يتخذون الْقُبُور مَسَاجِد أَلا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُور
مَسَاجِد إني أنهاكم عَن ذَلِك »
. وكل هَذَا فِي " الصَّحِيح " وَفِيه أَنه قَالَ
ذَلِك قبل مَوته بأيام وَذَلِكَ من تَمام رسَالَته فَإِن فِي ذَلِك تَمام تَحْقِيق
مخالته لله الَّتِي أَصْلهَا محبَّة الله تَعَالَى للْعَبد ومحبة العَبْد لله
خلافًا للجهمية]
.


الشيخ: الجهمية
ينكرون أن الله يحبه أحد أو يحب أحد، وهذا من العجب، لأن هذا هو أصل الدين، أصل
الدين الإسلامي، هذا مما يدل على أنهم ليس مقصدهم الحق، وإنما مقصدهم إفساد
العقائد عقائد المسلمين نعم.



القارئ: [وَفِي ذَلِك تَحْقِيق تَوْحِيد الله وَألا
يعبدوا إِلَّا إِيَّاه ردا على أشباه الْمُشْركين وَفِيه رد على الرافضة الَّذين
يبخسون الصّديق رَضِي الله عَنهُ حَقه وهم أعظم المنتسبين إِلَى الْقبْلَة إشراكا
بِعبَادة عَليّ وَغَيره من الْبشر.

والخلة هِيَ كَمَال الْمحبَّة المستلزمة من العَبْد كَمَال الْعُبُودِيَّة لله
وَمن الرب سُبْحَانَهُ كَمَال الربوبية لِعِبَادِهِ الَّذين يُحِبهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ.



وَلَفظ الْعُبُودِيَّة يتَضَمَّن كَمَال الذل وَكَمَال
الْحبّ فَإِنَّهُم يَقُولُونَ قلب متيم إِذا كَانَ متعبدا للمحبوب والمتيم المتعبد
وتيم الله عبد الله وَهَذَا على الْكَمَال حصل لإِبْرَاهِيم وَمُحَمّد صلى الله
عَلَيْهِمَا وَسلم.



وَلِهَذَا لم يكن لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل
الأَرْض خَلِيل إِذْ الْخلَّة لَا تحْتَمل الشّركَة فَإِنَّهُ كَمَا قيل فِي
الْمَعْنى:



قد
تخللت مَسْلَك الرّوح مني ... وبذا سُمي الْخَلِيل خَلِيلًا


بِخِلَاف أصل الْحبّ فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد
قَالَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح فِي الْحسن وَأُسَامَة:
« اللَّهُمَّ إني أحبهما
فأحبهما وَأحب من يحبهما »
. وَسَأَلَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ: أَي النَّاس أحب إِلَيْك؟
قَالَ:
«عَائِشَة
»
.


قَالَ:
فَمن الرِّجَال؟ قَالَ: "أَبوهَا ". وَقَالَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ:
« لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا
رجلا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله »
. وأمثال ذَلِك كثير].


الشيخ: لأن الله جل
وعلا يجب المؤمنين ويحب التوابين ويحب المتطهرين، ويحب المحسنين ويحب الذين
يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، فمقتضى محبة الله جلا وعلا هي طاعته
وإتباع أمره، وكذلك الذي يحبه الله ويحبه رسوله، وقال الله جل وعلا:
{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، وإتباع الرسول r هو علامة محبة الله جل وعلا، ولا
تحصل إلا بهذا، فالمحبة مشتركة ولها درجات، فهؤلاء المؤمنون الله يحب المؤمنين
والمحسين والتوابين والمتطهرين والتوابين، وهم ليسوا على نمط واحد، على درجات، فكل
من كان لله أتقى وأورع، فحب الله له أتم وأكثر، وكذلك هم أيضا يتفاوتون في حبهم
لله، ولهذا تفاوتت درجاتهم في الجنة، فبعضهم في أعلى عليين وبعضهم في أدنى الجنة
نعم.



القارئ: [وَقد أخبر تَعَالَى أَنه يحب الْمُتَّقِينَ وَيُحب
الْمُحْسِنِينَ وَيُحب المقسطين وَيُحب التوابين وَيُحب المتطهرين]
.



الشيخ: المقسطين
يعني أهل العدل، الذين يعدلون فيما ولوا وما حكموا به، نعم.



القارئ: [وَيُحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان
مرصوص وَقَالَ [54 الْمَائِدَة]
:
{فَسَوف
يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
} فقد أخبر بمحبته
لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ ومحبة الْمُؤمنِينَ لَهُ حَتَّى قَالَ [165 الْبَقَرَة] :
{وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا لله} .


وَأما الْخلَّة
فخاصة وَقَول بعض النَّاس: إِن مُحَمَّدًا حبيب الله وَإِبْرَاهِيم خَلِيل الله
وظنه أَن الْمحبَّة فَوق الْخلَّة قَول ضَعِيف فَإِن مُحَمَّدًا أَيْضا خَلِيل
الله].



الشيخ: هو قول باطل
وليس قول ضعيف، قول باطل، لأن خلاف الأدلة، وما كان خلاف الأدلة فهو باطل، نعم.



القارئ: [فَإِن مُحَمَّدًا أَيْضا خَلِيل الله كَمَا
ثَبت ذَلِك فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المستفيضة.



وَمَا يرْوى أَن الْعَبَّاس يحْشر بَين حبيب وخليل وأمثال
ذَلِك فأحاديث مَوْضُوعَة لَا تصلح أَن يعْتَمد عَلَيْهَا]
.


الشيخ: الموضوع لا يصلح لشيء أصلا، لأن الموضوع معناه المكذوب، الذي كذب على
رسول الله
r، فلا يستدل بها فقط، بل يجب ألا يلتفت إليها بشيء نعم.


القارئ: [وَقد قدمنَا أَن محبَّة الله تَعَالَى هِيَ
محبته ومحبة مَا أحب كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
« ثَلَاث من
كن فِيهِ وجد حلاوة الْإِيمَان: من كَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا
سواهُمَا وَمن كَانَ يحب الْمَرْء لَا يُحِبهُ إِلَّا لله وَمن كَانَ يكره أَن
يرجع فِي الْكفْر بعد إِذْ أنقذه الله مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقى فِي النَّار »
. أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن من كَانَ فِيهِ
هَذِه الثَّلَاث وجد حلاوة الْإِيمَان لِأَن وجد الْحَلَاوَة بالشَّيْء يتبع
الْمحبَّة لَهُ فَمن أحب شَيْئا أَو اشتهاه إِذا حصل لَهُ مُرَاده فَإِنَّهُ يجد
الْحَلَاوَة واللذة وَالسُّرُور بذلك واللذة أَمر يحصل عقيب إِدْرَاك الملائم
الَّذِي هُوَ المحبوب أَو المشتهى. وَمن قَالَ: إِن اللَّذَّة إِدْرَاك الملائم -
كَمَا يَقُوله من يَقُوله من المتفلسفة والأطباء - فقد غلط فِي ذَلِك غَلطا بَينا
فَإِن الْإِدْرَاك يتوسط بَين الْمحبَّة واللذة فَإِن الْإِنْسَان مثلا يَشْتَهِي
الطَّعَام فَإِذا أكله حصل لَهُ عقيب ذَلِك اللَّذَّة فاللذة تتبع النّظر إِلَى
الشَّيْء فَإِذا نظر إِلَيْهِ التذ بِهِ واللذة الَّتِي تتبع النّظر لَيست نفس
النّظر وَلَيْسَت هِيَ رُؤْيَة الشَّيْء بل تحصل عقيب رُؤْيَته وَقَالَ تَعَالَى
[71 الزخرف]
:
{وفيهَا
مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين
} وَهَكَذَا جَمِيع مَا يحصل للنَّفس من
اللَّذَّات والآلام من فَرح وحزن وَنَحْو ذَلِك يحصل بالشعور بالمحبوب أَو
الشُّعُور بالمكروه وَلَيْسَ نفس الشُّعُور هُوَ الْفَرح وَلَا الْحزن.



فحلاوة الْإِيمَان المتضمنة من اللَّذَّة بِهِ والفرح مَا يجده الْمُؤمن
الْوَاجِد حلاوة الْإِيمَان تتبع كَمَال محبَّة العَبْد لله وَذَلِكَ بِثَلَاثَة أُمُور:
تَكْمِيل هَذِه الْمحبَّة وتفريقها وَدفع ضدها. فتكميلها أَن يكون الله وَرَسُوله
أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا فَإِن محبَّة الله وَرَسُوله لَا يكْتَفى فِيهَا
بِأَصْل الْحبّ].



الشيخ: تكميل أيش؟ تكميل هذه المحبة وتفريعها، ودفع ضدها، أما تفريعها فمعناه
محبة ما يحبه، وبعض ما يكره، وأما دفع ضدها بأن لا يكون هناك مشاركة في هذه
المحبة، ولا يكون مثلا لها مشارك فيما محبة الله جل وعلا، ودفع ضدها كراهة ما
يبغضه، يعني أن تكره ما يبغضه الله جل وعلا، وتكميلها أيضا أن يكون الرسول
r أحب إليك من نفسك وولدك والناس
أجمعين، فهذا من كمال محبة الله جل وعلا، ولهذا قال: «أن
يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما»
، وكذلك من الفروع، أن تحب ما
يحبه الله، من فروعها، وتطبيقها، وكذلك كونك مثلا تبغضك ما يضاد ذلك، هذا لابد
منه، ولهذا فسر يقول: وتفريعها أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، يعني تحب ما يحبه
الله، هذا هو تفريع المحبة لله، ودفع ضدها أن تكره ا يبغضه الله جل وعلا، بل ما
تكفي الكراهة فقط، لابد من البغض والمعاداة، نعم.



القارئ: [وَدفع ضدها أَن يكره ضد الْإِيمَان أعظم من
كَرَاهَته الْإِلْقَاء فِي النَّار.



فَإِذا كَانَت محبَّة الرَّسُول وَالْمُؤمنِينَ من محبَّة
الله وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب الْمُؤمنِينَ الَّذين
يُحِبهُمْ الله لِأَنَّهُ أكمل النَّاس محبَّة لله وأحقهم بِأَن يحب مَا يُحِبهُ
الله وَيبغض مَا يبغضه الله والخلة لَيْسَ فِيهَا لغير الله نصيب بل قَالَ: "
لَو كنت متخذا من أهل الأَرْض خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا " علم
مزِيد مرتبَة الْخلَّة على مُطلق الْمحبَّة.



وَالْمَقْصُود هُوَ أَن الْخلَّة والمحبة لله تَحْقِيق
عبوديته وَإِنَّمَا يغلط من يغلط فِي هَذِه من حَيْثُ يتوهمون أَن الْعُبُودِيَّة
مُجَرّد ذل وخضوع فَقَط لَا محبَّة مَعَه وَأَن الْمحبَّة فِيهَا انبساط فِي
الْأَهْوَاء أَو إد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:51 am

بِمُقْتَضى الْحبّ وَإِن كَانَ جهلا وظلما كَانَ ذَلِك
سَببا لِبُغْض المحبوب لَهُ ونفوره عَنهُ بل سَببا لعقوبته.



وَكثير من السالكين سلكوا فِي دَعْوَى حب الله أنواعا من
أُمُور الْجَهْل بِالدّينِ: إِمَّا من تعدِي حُدُود الله وَإِمَّا من تَضْييع
حُقُوق الله وَإِمَّا من ادِّعَاء الدَّعَاوَى الْبَاطِلَة الَّتِي لَا حَقِيقَة
لَهَا كَقَوْل بَعضهم: أَي مُرِيد لي ترك فِي النَّار أحدا فَأَنا برِئ مِنْهُ،
فَقَالَ الآخر: أَي مُرِيد لي ترك أحدا من الْمُؤمنِينَ يدْخل النَّار فَأَنا
مِنْهُ بَرِيء. فَالْأول جعل مريده يخرج كل من فِي النَّار.



وَالثَّانِي جعل مريده يمْنَع أهل الْكَبَائِر من دُخُول
النَّار]
.


الشيخ: حتى فرعون، حتى فرعون وإبليس ما يريد أن يكون في النار فهم يخرجونهم،
هذا جنون، والجنون فنون، قد يكون يتعدى المعقول، لا يعقل، والمريد أي مريد، يعني
المريد في لغتهم وفي اصطلاحهم، هو التلميذ الذي يتبعه ويطيعه ويتأدب بآدابه، كأن
النار بأيديهم والنار بأيديهم يتصرفون فيها، وهذا لا يكفي أن يقال أنه جنون، هذا
خروج عن جنس العقل نعم.



القارئ: [وَيَقُول بَعضهم: إِذا كَانَ يَوْم
الْقِيَامَة نصبت خَيْمَتي على جَهَنَّم حَتَّى لَا يدخلهَا أحد]
.



الشيخ: ايش خيمته، الخيمة، يخرج من هذه الدنيا بكفن يستر به بدنه، ثم يتمزق
بسرعة ويصبح هو أفقر ما يكون، وسوف يخرج من قبره كيوم ولدته أمه، حافيا عاريا لا
يملك نعالا ولا يملك ما يستر به عورته، لا يكون عنده شيء، لا شك أن هذا جهل، جعل
وضلال نسأل الله العافية نعم، كيف مثل هذا يسمى شيخ ويكون مثلا يقتدى به، ولولا أن
الناس يقعون في جهل فزيع، يدعي العلم من ليس عنده علم، ويدعي السلوك والأدب مع
الله وعبادته من هو من أبعد الناس، من كإبليس ولا أبعد من ذلك، وهكذا الشيطان يضحك
ببني آدم، كما أخبرنا ربنا جل وعلا أنه أقسم لله أنه سوف يحتنكن ذرية بني آدم أيش
معنى يحتنكن؟ يجعلهم تحت حنكه يتصرف فيهم كيف يشاء، عبارة أنهم يصرفهم كيف يريد،
استثنى من ذلك عباد الله المخلصين، الذين خلصهم الله جل وعلا من إتباع الشيطان،
وهؤلاء من أكبر أتباع الشيطان، لأنه يغتر بهم من يغتر، الذين يرون أنهم أولياء
نعم، من عجائب يعني كون الإنسان، يعني من أعجب الأشياء سلوك الإنسان وتصرفه،
أحيانا يتصرف تصرف أقبح من تصرف الحيوانات وأقبح من تصرف الكلاب، والله ربما تكون
الكلاب أحسن منه، من أراد أن ينظر إلى شيء من ذلك فليقرأ بعض الكتاب، مثل وهو كتب
عجيب، كيف مثلا مطابع المسلمين تطبع هذه الكتب وتنشرها بين المسلمين؟ الكتب التي
يسمونها طبقات الأولياء، مثل كتب الشعراني وكتب النبهاني، جامع كرامات الأولياء
وغيرها، كلها دعوى للشرك والكفر بالله إلا ما شاء الله، حتى يذكر فيها شيء يخجل
منه الإنسان، هذا اللي هو من باب التحذير من باب يعني العبرة، وإلا قد يزيغ القلب،
ويصبح القبح عنده حسن، الشعراني يقول في بعض سادته الذي يسمونه سادته كبرائه الذين
هم من شيوخه، يقول: أحدهم يأتي إلى المسجد يخطب الناس وليس عليه مزعة ثياب، كما
ولدته أمه له شعور وله مناظر قبيحة، الصغير قد مثلا النظر إليه يكون مستساغ،
الكبير النظر إليه قبيح جدا في مثل هذه الأشياء، كيف يكون هذا؟ كيف يذكر هذا
ويجعله على من المناقب؟ أيش وجه يجعله من المناقب، يقول: أنه لا يبالي بالقادح
والمادح، يعني أصبح لا عقل له، ويذكر من هذا النوع أشياء كثيرة من هذا القبيل، كيف
مثل هذا الكتاب ينشر به هذه الأشياء ثم يطبع وينشر ويقرأ، ويقال أنه طبقات
الأولياء، فالواقع أنه طبقات الشياطين، ولكن شياطين من أين؟ من بني آدم نسأل الله
العافية، طبعا ها الجنس من جنس الذين يقولون: الشيخ بهذا، فهم موجودون في كل بلد
وفي كل وقت نسأل الله العافية.



القارئ: [وَمثل هَذَا قد يصدر فِي حَال سكر
وَغَلَبَة وفناء يسْقط فِيهَا تَمْيِيز الْإِنْسَان أَو يضعف حَتَّى لَا يدْرِي
مَا قَالَ. وَالسكر هُوَ لَذَّة مَعَ عدم تَمْيِيز وَلِهَذَا كَانَ من هَؤُلَاءِ
من إِذا صَحا اسْتغْفر من ذَلِك الْكَلَام]
.



الشيخ: السكر هذا الذي يصيبه سكر ليس من سكر الخمر، سكر عقلي، إما لأن الشيطان
يستولي عليه ويصبح عندما يسمع الغناء يذهب عقله ويتصرف تصرف البهائم، وإذا مثلا
ذهب عنه هذا الوجد الذي يسمونه الوجد، إذا تواجدوا ذهبت عقولهم نهائيا، ويرقص
ويغني حتى يستولي الشيطان على قلبه، ثم يصبح يتصرف تصرف البهائم، وإلا فالبهائم
أحسن منه، ثم إذا قيل له: إنك فعلت كذا وكذا، ينكر هذا، يقول: ما وقع مني شيء لأنه
أيش؟ قد ذهب عقله عند ذلك، هذا يقع من بعضهم نعم.



القارئ: [وَالَّذين توسعوا من الشُّيُوخ فِي سَماع
القصائد المتضمنة للحب والشوق واللوم والعذل والغرام كَانَ هَذَا أصل مقصدهم فَإِن
هَذَا الْجِنْس يُحَرك مَا فِي الْقلب من الْحبّ كَائِنا مَا كَانَ]
.



الشيخ: يحرك حب الشهوات في الواقع، يحرك حب الشهوات، وإن زعموا أن هذا حب لله
فهو كذب، حب للأغاني والنغمات الجميلة، وقد يكون حب الصبيان المردان، وقد يكون حب
النسوان، وهذا يجتمعون جميعا، وتحصل هذه الأشياء منهم، فكل ما خالف ما جاء به
المصطفى
r لا ينتج إلا الضلال والبعد عن الله جل وعلا نعم.


القارئ: [وَلِهَذَا أنزل الله محنة يمْتَحن بهَا
الْمُحب فَقَالَ [31 آل عمرَان]
:
{قل إِن
كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله
}].


الشيخ: هذه الآية يسمونها آية المحنة، لأن فيها الامتحان، امتحان الذين قالوا:
إنا نحب الله حبا شديدا، فأنزل الله جل وعلا هذه الآية:
{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
ويغفر لكم ذنوبكم
}، فهذا علامة محبة الله التمسك بما جاء به المصطفىr، أما أن يدعي الإنسان أنه يحب
الله ويحب الرسول وهو يخالف أمره، فهذه دعوى غير مقبولة وغير مستساغة نعم.



القارئ: [فَلَا يكون محبا لله إِلَّا من يتبع
رَسُوله وَطَاعَة الرَّسُول ومتابعته لَا تكون إِلَّا بتحقيق الْعُبُودِيَّة
وَكثير مِمَّن يَدعِي الْمحبَّة يخرج عَن شَرِيعَته وسنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَيَدعِي من الْحَالَات مَا لَا يَتَّسِع هَذَا الْموضع لذكره حَتَّى قد يظنّ
أحدهم سُقُوط الْأَمر وَتَحْلِيل الْحَرَام لَهُ وَغير ذَلِك مِمَّا فِيهِ
مُخَالفَة شَرِيعَة الرَّسُول وسنته وطاعته.



بل قد جعل الله أساس محبته ومحبة رَسُوله الْجِهَاد فِي
سَبيله وَالْجهَاد يتَضَمَّن كَمَال محبَّة مَا أَمر الله بِهِ وَكَمَال بغض مَا
نهى الله عَنهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي صفة من يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [54
الْمَائِدَة]
:


{أَذِلَّة
على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ
لومة لائم
} .وَلِهَذَا كَانَت محبَّة هَذِه الْأمة لله أكمل من محبَّة من قبلهَا
وعبوديتهم لله أكمل من عبودية من قبلهم].



الشيخ: كل الأمة، الأمة من ذكر كما سبق، أنهم كيف يصنعون هذه الأشياء؟ ولكن
مقصوده الذين اتبعوا الرسول
r واقتدوا به وأطاعوا أمره واجتنبوا
ما نهى عنه نعم.



الشيخ: [وَلِهَذَا كَانَت محبَّة هَذِه الْأمة لله
أكمل من محبَّة من قبلهَا وعبوديتهم لله أكمل من عبودية من قبلهم وأكمل هَذِه
الْأمة فِي ذَلِك هم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن كَانَ بهم
أشبه كَانَ ذَلِك فِيهِ أكمل فَأَيْنَ هَذَا من قوم يدعونَ الْمحبَّة؟ وَفِي
كَلَام بعض الشُّيُوخ: الْمحبَّة نَار تحرق فِي الْقلب مَا سوى مُرَاد المحبوب.
وَأَرَادُوا أَن الْكَوْن كُله قد أَرَادَ الله وجوده فظنوا أَن كَمَال الْمحبَّة
أَن يحب العَبْد كل شَيْء]
.



الشيخ: أراد الله وجوده، لأن وجوده مفعول، لأن هذه الإرادة الكونية فعندهم لا
فرق بين الإرادة الكونية والإرادة الدينية، فهم يقولون: نحن بطاعة دائمة لا نخرج
عنها، وهذا قصور وضلال بين، فإذاً يكون الشيطان أيضا في طاعة، لأن الله أراد وجوده
وأراد كونه نعم.



القارئ: [فظنوا أَن كَمَال الْمحبَّة أَن يحب
العَبْد كل شَيْء حَتَّى الْكفْر والفسوق والعصيان وَلَا يُمكن لأحد أَن يحب كل
مَوْجُود بل يحب مَا يلائمه وينفعه وَيبغض مَا يُنَافِيهِ ويضره وَلَكِن استفادوا
بِهَذَا الضلال اتِّبَاع أهوائهم ثمَّ زادهم انغماسا فِي أهوائهم وشهواتهم فهم يحبونَ
مَا يهوونه كالصور والرئاسة وفضول المَال والبدع المضلة زاعمين أَن هَذَا من
محبَّة الله وَمن محبَّة الله بغض مَا يبغضه الله وَرَسُوله وَجِهَاد أَهله
بِالنَّفسِ وَالْمَال.



وأصل ضلالهم: أَن هَذَا الْقَائِل الَّذِي قَالَ: إِن
الْمحبَّة نَار تحرق مَا سوى مُرَاد المحبوب، قصد بِمُرَاد الله تَعَالَى:
الْإِرَادَة الكونية فِي كل الموجودات.



أما لَو قَالَ مُؤمن بِاللَّه وَكتبه وَرُسُله، هَذِه
الْمقَالة، فَإِنَّهُ يقْصد الْإِرَادَة الدِّينِيَّة الشَّرْعِيَّة الَّتِي هِيَ
بِمَعْنى محبته وَرضَاهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: تحرق من الْقلب مَا سوى المحبوب لله.
وَهَذَا معنى صَحِيح فَإِن من تَمام الْحبّ لله أَلا يحب إِلَّا مَا يُحِبهُ الله
فَإِذا أَحْبَبْت مَا لَا يحب كَانَت الْمحبَّة نَاقِصَة. وَأما قَضَاؤُهُ وَقدره
فَهُوَ يبغضه ويكرهه ويسخطه وَينْهى عَنهُ فَإِن لم أوافقه فِي بغضه وكراهته
وَسخطه لم أكن محبا لَهُ بل محبا لما يبغضه. فاتباع هَذِه الشَّرِيعَة وَالْقِيَام
بِالْجِهَادِ بهَا من أعظم الفروق بَين أهل محبَّة الله وأوليائه الَّذين
يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ]
.


الشيخ: وقوله: أن قضائه وقدره فهو يبغضه ويكره ويسخطه، يعني لا يلزم أن يكون
القضاء كله، لأن القضاء والقدر قد يتفق مع الأمر الذي يأمر به، فإذا كان متفقا فهو
يحبه، كذلك إذا كان مخالفا فالله جل وعلا أراد أن توجد المتضادات حتى يتبين الحق
من الباطل، ويتبين المجاهد من عدمه، وإلا لو لم يوجد الكفر ويوجد الشرك ما تبين
الذين يجاهدون في إنكاره وفي إزالته ووقع الجهاد منهم، نسأل الله جل وعلا أن
يوفقنا للحق ويهدينا إليه، والسؤال هنا قبل أن، مر معنا أن كلمة أمة في القرآن
تأتي بعدة معاني، من يذكر لنا ثلاثة منها نعم، كلمة الأمة، الزمن أيش مثال؟
والمعنى الثاني: الإمام القدوة نعم، الطائفة طائفة من الناس، طب فيه معنى رابع، هو
ذكره ا لطائفة هي الجماعة، طيب الحب الذي يجب أن يكون لله جل وعلا ما الفرق بينه
وبين محبة الرسول
r؟


الطالب: ..


الشيخ: يكفي خلاص كل واحد يأخذ مكانه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:51 am

شرح


رسالة العبودية


المجلس
الثامن















لفضيلة
الشيخ



عبد الله الغنيمان


-حفظه
الله-













 شرح رسالة العبودية C:%5CDOCUME%7E1%5CPCUSER%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsohtmlclip1%5C01%5Cclip_image002


القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين نبينا محمد وعلى آله
وصحبه والتابعين.



قال المصنف
رحمه الله في رسالة العبودية: [
فإتباع هَذِه الشَّرِيعَة
وَالْقِيَام بِالْجِهَادِ بهَا من أعظم الفروق بَين أهل محبَّة الله وأوليائه
الَّذين يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَبَين من يَدعِي محبَّة الله نَاظرا إِلَى
عُمُوم ربوبيته أَو مُتبعا لبَعض الْبدع الْمُخَالفَة لشريعته فَإِن دَعْوَى هَذِه
الْمحبَّة لله من جنس دَعْوَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى الْمحبَّة لله بل قد تكون
دَعْوَى هَؤُلَاءِ شرا من دَعْوَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى لما فيهم من النِّفَاق
الَّذين هم بِهِ فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار كَمَا قد تكون دَعْوَى
الْيَهُود وَالنَّصَارَى شرا من دَعوَاهُم إِذا لم يصلوا إِلَى مثل كفرهم.



وَفِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من التَّرْغِيب فِي محبَّة
الله مَا هم متفقون عَلَيْهِ حَتَّى إِن ذَلِك عِنْدهم أعظم وَصَايَا الناموس.



فَفِي
الْإِنْجِيل أعظم وَصَايَا الْمَسِيح: (أَن تحب الله بِكُل قَلْبك وعقلك ونفسك)
وَالنَّصَارَى يدعونَ قيامهم بِهَذِهِ الْمحبَّة وَأَن مَا هم فِيهِ من الزّهْد
وَالْعِبَادَة هُوَ من ذَلِك وهم بُرَآء من محبَّة الله إِذْ لم يتبعوا مَا أحبه
بل
{اتبعُوا مَا أَسخط الله وكرهوا
رضوانه فأحبط أَعْمَالهم
} [28 مُحَمَّد] .


وَالله يبغض الْكَافرين
ويمقتهم ويلعنهم وَهُوَ سُبْحَانَهُ يحب من يُحِبهُ لَا يُمكن أَن يكون العَبْد
محبا لله وَالله تَعَالَى غير محب لَهُ بل بِقدر محبَّة العَبْد لرَبه يكون حب
الله لَهُ وَإِن كَانَ جَزَاء الله لعَبْدِهِ أعظم كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح
الإلهي عَن الله تَعَالَى أَنه قَالَ: « من تقرب
إِلَيّ شبْرًا تقربت إِلَيْهِ ذِرَاعا وَمن تقرب إِلَيّ ذِرَاعا تقربت إِلَيْهِ
باعا وَمن أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة "»
].



الشيخ: الحمد لله
رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا
محمد وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.



الشيخ: فالمحبة كما
سبق، محبة الله محبة تأله وخضوع وذل، ولابد أن تشتمل على الخوف والرجاء، يخاف ربه
جل وعلا أن يعاقبه بذنوبه ويرجوا ثوابه ورحمته وعفوه، فيكون محبا لله جل وعلا حب
خضوع وذل وعباده، وهذا شيء يخص الله، لا يجوز أن يشاركه المخلوق فيه، أما المحاب
الأخرى فهي مثل ما سبق، أي تكمل محبة الله، لأنها تكون محبة له ومحبة فيه، مثل
محبة الرسول
r
ومحبة من يطيع الله، ثم دليل هذه المحبة امتثال أمره واجتناب نهيه، فإذا رأيت
الرجل حريصا على فعل ما أمره الله جل وعلا به، ومجتنبا لما نهاه الله عنه، فهذا
عنوان المحبة أنه يحب ربه جل وعلا، وإذا رأيته متساهلا متهاونا، أو لا يبالي فتكون
المحبة ضعيفة أو قد تكون معدومة لا وجود لها، والناس يتفاوتون في هذا تفاوت عظيم،
فالمقصود أن المحبة لها دليل، ودليلها مثل ما قال الله جل وعلا:
{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، فالآية تدل على
أن الذي لا يتبع الرسول
r
فإن الله لا يحبه، لهذا جاء التصريح في آيات،
{ومن يطع الرسول فقد أطاع الله}، يقول الله جل
وعلا:
{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك
فيما شجر بينهم
}، والتحكيم تحكيمه في كل شيء، في العقائد وفي الأعمال وفي كل ما يقع الإنسان
فيه، ولهذا قال:
{فيما شجر بينهم}، ومعنى شجر يعني
ما حصل الخلاف فيه، فإذا لم يحكم الرسول
r في الإتباع وفي
الخلاف وفي العقائد وفي الأعمال كلها، فهو لم يحب ربه جل وعلا الحب الواجب الذي به
ينجوا من عذاب الله، ولهذا قال: فإن دعوى هذه المحبة لله من جنس دعوى اليهود
والنصارى، لأن ا ليهود والنصارى قالوا كما قال الله جل وعلا:
{وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه}، ولهذا رد عليهم
بقوله:
{قل فلم يعذبكم بذنوبكم}، لو كنتم أحباب
الله ما عذبكم، ولكنكم عصيتم الله فعذبكم بذنوبكم، فالدعوى غير مقبولة حتى يكون
لها دليل، ثم ذكر أن من هذه الأمة من يكون أشر من اليهود والنصارى، فهم يدعون
دعاوى مجردة عن الفعل وعم ما يكون في القلوب من أعمال القلوب التي هي من الخوف
والرجاء والخشية والإنابة وغير ذلك، التي هي أصل الإسلام، ما يذكر الحديث هذا
يقول: والله جل وعلا يبغض الكافرين ويمقتهم، يعني أن من خالف أمر الله جل وعلا
وعصى رسله فهو يبغضه، والمقت هو أشد البغض وأعلاه، يبغضه ويمقته ويلعنهم أيضا،
ويكون هو سبحانه يحب من يحبه، ولكن يحبه بالفعل، بالإتباع إتباع رسوله وامتثال
أمره واجتناب نهيه، ولهذا يقول جل وعلا:
{إن الله
يحب المتقين
}، ويحب المحسنين ويحب التوابين ويحب المتطهرين، والمتطهر قد يكون متطهرا طهرا
كاملا، وقد يكون التطهر بالمياه لأن الطهارة من الأنجاس المعنوية مقدم على ذلك،
فهو يحب المتطهر من الحدثين الحدث الذي هو مخالفة الله جل وعلا ومخالفة رسوله
بالتوبة والرجوع إلى الله، ويحب المتطهر من الأحداث التي تعن للرجل تمنعه من
الصلاة ونحوها، وكذلك كل الأفعال التي يفعلها إتباعا لأمره واجتنابا لنهيه، وذكر
الحديث الذي يقول كما في الحديث الصحيح الإلهي، الإلهي نسبة إلى الله، يعني أنه
قاله قولا منه، فالحديث الإلهي هو الحديث القدسي، يعني ما أضيف إلى الله قولا
ومعنى، بخلاف الحديث النبوي فإنه ما أضيف إلى النبي
r قولا ولفظا، ومعناه
يكون من الله، لأن الله جل وعلا يقول:
{وما ينطق
عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى
}، فأخبر أن كل ما ينطق به الرسول r
فهو وحي، ولكن هذا لفظه ومعناه من الله جل وعلا، في الحديث الإلهي عن الله تبارك
وتعالى أنه قال: «من تقرب إلي شبرا تقربت إليه
ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة»
،
وهذا الحديث اختلف العلماء فيه ومن معناه، لأنه ظاهر وواضح، منهم من يثبت هذه الأشياء
لله جل وعلا أنه يتقرب إلى عبده بالمسافات وبالمشي وبالهرولة، وهذا بعيد، لأن
قوله: «من تقرب إلي ذراعا، تقرب إلي شبرا، أتاني
يمشي»
، هذا معلوم أن العبد يتقرب إلى الله بالطاعة، وليس بالمسافات
والأذرع والأشبر والركض والمشي، وإنما هذا عبارة عن السرعة في فعل الطاعة
والانقياد لها بالقوة أو بالضعف، على حسب ما يقوم في قلب الإنسان، وهذا القدر يعني
الذي يتعلق بالعبد، تثقون على أنه هذا معناه، أنه يتقرر أن العبد يتقرب إلى الله
بالطاعة وليس بالمسافات والأذرع وغيرها، فلما كان الناس يختلفون في هذا، منهم من
يكون انقياده وطاعته كاملة، فيكون كالذي يركض بسرعة، ومنهم من يكون أقل من ذلك،
وفي هذه جاء الاختلاف في هذا، ثم إذا جاءت المقابل يعني الذي أضيف إلى الله
اختلفوا فيه، والحق أن المقابل لما يقوم بالعبد مثل الذي يقوم به، فإذا كان العبد
يتقرب إلى ربه جل وعلا بالطاعات، فالله يتقرب إليه بما يناسب ذلك، يعني بالقبول
والإثابة، وإسراع قبول التوبة وغيرها، ولا يكون فيه إثبات مشي ولا هرولة ولا غيره،
وهذا هو ظاهر قول الرسول
r،
نعم.



القارئ: [وَقد أخبر الله سُبْحَانَهُ أَنه يحب الْمُتَّقِينَ والمحسنين
وَالصَّابِرِينَ وَيُحب التوابين وَيُحب المتطهرين بل هُوَ يحب من فعل مَا أَمر
بِهِ من وَاجِب ومستحب كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح:
« لَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه
فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ »
الحَدِيث].



الشيخ: يعني وهذا
الحديث أيضا أشكل على كثير من الناس، «لا يزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل»
، وهذا يعني بعد أداء الفرائض، لأنه في الحديث: «إن الله لا يقبل من العبد النوافل حتى يؤدي ما افترض عليه»،
وفي الحديث الآخر «أحب ما يتقرب به العبد ما افترض
الله عليه»
، أو نحو هذا، فالفرض هو الذي يجب أن يعتنى به أكثر من
النوافل، أما كونه يعتني بالنوافل ويقصر في الفرائض فهذا إما من قلة فهمه وفقهه،
أو أنه بحيث لا يبالي بذلك، بل إنه يفعل الأشياء حسب قراره وحسب ميوله، هذا يكون
مقصرا في العلم وفي العمل، وإذا تقرب الإنسان، «لا
يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل»
، يعني بعد أداء الفرائض، لأن النوافل لا
تقبل حتى تؤدى الفرائض، وأحب ما يتقرب العبد إلى ربه ما افترضه الله عليه،يقول: « حتى أحبه»، يعني أنه يفعل النافلة، والنافلة هو
كل عمل صالح لم يفترض عليه، وهذا أنواع، لأن أبواب الخير واسعة وكثيرة جدا، من
الصلاة والصدقات والذكر وتلاوة القرآن، وإرشاد الناس وتعليمهم، وأمرهم بالمعروف
ونهيهم عن المنكر حسب ما أمر الله جل وعلا به، والباب واسع وأبواب الخير كثيرة،
لهذا يقول
r
في حديث معاذ: «ألا أدلك على أبواب الخير»،
أبوب الخير، إذا كان الخير له أبواب فإذا دخل الإنسان مع الباب فطرقه كثيرة جدا،
قال له : بلى: قال: «الصوم جنة»، الصوم
يعني نوع الصوم جنة معناه ستر تستتر به ووقاية تتقي بها عذاب الله جل وعلا، وقال: «وصدقة السر تطفئ
الخطيئة كما يطفئ الماء النار»
، يعني هذا نوع والأول نوع، ثم
قال: «وصلاة المرء في جوف الليل»، يعني
أنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، ثم قال له: «ألا
أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه»
، قلت بلى، قال: «رأس الأمر الإسلام وعموه الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل
الله، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله»
، ملاك الشيء هو الذي تستطيع أن
تملك هذه الأبواب وتسيطر عليها، قلت: بلى، قال: « كف
عليك لسانك»
، فقلت: أفنؤاخذ بما نتكلم به؟ قال: «ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم أو قال على وجوههم إلا
حصائد ألسنتهم»
، لأن هذا يدخل في الأبواب كلها، فإذا رأيت الرجل مثلا
يراعي كلامه ولا يتكلم إلا بالشيء الذي ينفع فمعنى ذلك أنه مالك لأمره، ومراع
لأعماله ومحاسب لنفسه، ومراقب لربه جل وعلا، إلا إذا كان يطلق لسانه في كل شيء،
فقد مثلا يقع في أشياء كثيرة فيها غوائل تغتاله، فالمقصود أن قوله: «
لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»، هذا صريح في أن الله يحب العبد، ولكن يحب من يطيعه، وكل ما
كثر في الطاعة ازداد حب الله له، يقول: «فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي
بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي
في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره إساءته»
، نقول: هذه فيها
إشكالات عند بعض الناس، كيف الله يكون السمع ويكون البصر ويكون اليد ويكون الرجل،
ثم كيف يتردد؟ والرسول
r إذا تكلم بشيء فهو
يتكلم ببيان واضح لا إشكال فيه، ولكن يجب أن يتحقق، ولا يحمل على الشيء الذي يصطلح
عليه الناس، ويكون فيما بينهم يتعارفون إليه فقط، ولا ينظرون إلى لغة الرسول
r، فمعنى قوله: «كنت بصره الذي يبصر به»، يعني أنه يصبح بصره لله إذا نظر فهو
ينظر لله إما مفكرا ومعتبرا بمخلوقات الله جل وعلا، وإما جالبا بنظره طاعة الله،
ولا ينظر إلى معصية، وكذلك السمع يستمع السمع ما ينفعه، وهذا كله بتوفيق الله، إذا
كان العبد هكذا صار مثلا نظره طاعة، وبصره طاعة، وصار عطائه وأخذه بيده طاعة لله،
ومشيه برجله طاعة لله، وتصبح تصرفاته كلها طاعة، وهذا معنى قول يبصر بالله ويسمع
بالله ويبطش بالله، ثم تردد فسر، الآن نقول أنه كما يقول بعض الناس صفة التردد، لا
يجوز أن يقال: صفة التردد، ولهذا فسره الرسول بقوله: «يكره
الموت وأنا أكره مسائته ولابد له منه»
، فهذا التردد الذي فسر بهذا،
يعني أن يفعل الشيء الذي يكرهه، ولكن لابد من فعله لأن هذه الحياة ليست مقر، بل هي
ممر، ولابد من الموت ومقدماته من مرض وغيره، فيكون واضحا ليس فيه إشكال نعم.



القارئ: [وَكثير من المخطئين الَّذين
ابتدعوا أَشْيَاء فِي الزّهْد وَالْعِبَادَة وَقَعُوا فِي بعض مَا وَقع فِيهِ
النَّصَارَى من دَعْوَى الْمحبَّة لله مَعَ مُخَالفَة شَرِيعَته وَترك المجاهدة
فِي سَبيله وَنَحْو ذَلِك ويتمسكون فِي الدَّين الَّذِي يَتَقَرَّبُون بِهِ إِلَى
الله بِنَحْوِ مَا تمسك بِهِ النَّصَارَى من الْكَلَام الْمُتَشَابه والحكايات
الَّتِي لَا يعرف صدق قَائِلهَا وَلَو صدق لم يكن قَائِلهَا مَعْصُوما فيجعلون
متبوعيهم شارعين لَهُم دينا كَمَا جعل النَّصَارَى قسيسيهم وَرُهْبَانهمْ شارعين
لَهُم دينا ]
.


الشيخ: يعني أن بعض
الكلمات التي يقولونها ويدعونها لا تدل على الحقيقة، يكون فيه كذب، كالذي يقول:
أنا لا أعبد الله خوفا من النار ولا طمعا في الجنة، وإنما أعبده حبا له، وآخر
يقول: لو كنت أعبد الله جل وعلا لأجل الجنة أو خوفا من النار، يسأل الله أن يحرقه بالنار،
وهذا كذب في الواقع، كذب ظاهر كل يعرف أنه كذب، مثلا لو وضع الإنسان في النار ما
استطاع أنه يصبر، بل إذا أصيب بألم تجده يسرع بطلب الشفاء، وأخذ العلاج ودعاء الله
أن الله يشفيه، فالإنسان ضعيف، ولكن الدعاوي عريضة، يدعي دعاوي هو فيها كاذب مثل
هذه، وإلا لو كان الأمر كما يقول، ولماذا ربنا جل وعلا يكثر من ذكر الجنة والنار
والنعيم والعذاب وهذه الأشياء؟ حتى يكون هذا مانع من اقتراف المعاصي وداعيا
للطاعات، فهو ترهيب وترغيب، الإنسان محتاج إلى هذا، فهو في أمس الحاجة إلى ذلك،
وإنما على العبد العاقل أن يسأل ربه العافية دائما، في الدنيا والآخرة، كما قال
الرسول
r:
«أفضل ما سألتم الله العافية»، أو نحو
هذا، فالله يعافي الإنسان من الألم ومن الفتنة ومن غير ذلك، فهو ضعيف الإنسان ضعيف
لابد له من العمل والسبب الذي يقيه من المؤذيات والمؤلمات، ولابد له من الشيء الذي
يفرح به ويتنعم به، وإلا هلك، فالمقصود أن الإنسان ظلوم جهول، يجهل الأشياء ثم هو
يظلم نفسه، يجهل ربه ويجهل كما قال الله جل وعلا:
{يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم}، فهو غرور جهول
وظلوم، ومعلوم أنه إذا اجتمعت هذه الصفات في الإنسان فإنها قد تهلكه إن لم يتداركه
الله جل وعلا برحمة منه نعم .



القارئ: [ثمَّ إِنَّهُم ينتقصون الْعُبُودِيَّة وَيدعونَ أَن
الْخَاصَّة يتعدونها كَمَا يَدعِي النَّصَارَى فِي الْمَسِيح والقساوسة ويثبتون
لخاصتهم من الْمُشَاركَة فِي الله من جنس مَا تثبته النَّصَارَى فِي الْمَسِيح
وَأمه والقسيسين والرهبان إِلَى أَنْوَاع أخر يطول شرحها فِي هَذَا الْموضع]
.



الشيخ: يعني يقصد
بهذا أنهم يقسمون الشرع إلى ظاهر وإلى باطن، فيقولون مثلا: العبادات الظاهرة مثل
الصلاة والصوم والحج وما أشبه ذلك، يقولون: هذه مهمة الناس الذين يأخذون بالظاهر،
وهي طريقة العوام، وأما الخواص فهم من وراء ذلك كله يأخذون بالبواطن والأمور التي
يفسرونها بأنها هي الخلاصة، والشرع ليس فيه ظاهر وباطن، فالرسول
r
أخبرنا أن دخول الجنة يترتب على إقامة الصلاة، شهادة أن لا إله إلا الله أو عبادة
الله وحده لا شريك له، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج، هذه الأمور
الخمسة من قام بها فهو من أهل الجنة، ولم يذكر الأمور التي يقولونها ويجعلونها هي
الأساس، في الواقع أنهم يخالفون للشرع وما جاء به الرسول
r، مخالفة ظاهرة،
نعم.



القارئ: [وَإِنَّمَا الدَّين الْحق هُوَ تَحْقِيق الْعُبُودِيَّة لله
بِكُل وَجه وَهُوَ تَحْقِيق محبَّة الله بِكُل دَرَجَة وبقدر تَكْمِيل
الْعُبُودِيَّة تكمل محبَّة العَبْد لرَبه وتكمل محبَّة الرب لعَبْدِهِ وبقدر نقص
هَذَا يكون نقص هَذَا وَكلما كَانَ فِي الْقلب حب لغير الله كَانَت فِيهِ عبودية
لغير الله بِحَسب ذَلِك]
.



الشيخ: وسبق أن
العبودية أنها فرض على كل عاقل، كل مكلف، وأن العبودية لا تكون إلا بما جاء به
الرسول
r،
فإذا تعبد الإنسان بغير ما جاء به المصطفى
r فهو مبتدع ضال،
والبدع كلها ضلال، فلا تقبل من العبد، بل تكون طريقه وسلوكه مما هو سبب لعذابه
وبعده عن الله، وإن ادعى أنه يحب الله، لأن الدعوة لا تقبل إلا بدليل كما سبق نعم.



القارئ: [وكل محبَّة لَا تكون لله فَهِيَ بَاطِلَة وكل عمل لَا يُرَاد
بِهِ وَجه الله فَهُوَ بَاطِل فـ " الدُّنْيَا ملعونة مَلْعُون مَا فِيهَا
إِلَّا مَا كَانَ لله " وَلَا يكون لله إِلَّا مَا أحبه الله وَرَسُوله
وَهُوَ الْمَشْرُوع]
.



الشيخ: يعني أن
الملعون ما كان مخالفا لدين الله وشرعه، ولهذا قال: «الدنيا
ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله»
، فالله جل وعلا شرع لعباده
الشرائع وأمره بعباده، فيكون الملعون الكفر والبدع والمخالفات، ومن يعتنق هذا، لا
يكون في هذا مثلا متمسك بمن يزعم بأن الملعون المال والملعون التعلق بالدنيا،
وغيرها مما قد يشغل ويلهي، لأن هذا أباحه الله لنا،
{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات
من الرزق قل هي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة
}، يعني لهم خالصة،
أما في هذه الدنيا فيشاركهم فيها الكفار، وهي ليست لهم، ولهذا إذا تغلب عليهم
المؤمنون أخذوا الأموال وهي حل لهم، ويسمى هذا فيء، إذا تركوه خوفا من المسلمين،
والفيء هو الرجوع، يعني رجع إلى محله، فهو أول عند من لا يستحق، لأنهم يأكلون نعم
الله ويتقوون بها على معاصيه، وعلى الكفر به، فالمعصية على معصية، فالمقصود أن هذا
لا يشمل الأمور المباحة التي أباحها الله جل وعلا، كما يقوله بعض الذين لا يفهمون
كتاب الله وخطاب رسوله
r،
فاللعن الظاهر، فاللعن هو الطرد والإبعاد عن الرحمة والخير، فالدنيا الملعونة هي
الكفر والبدع والضلالات التي فيها، أما ما كان يقصد به الآخرة، وما شرعه الله وما
أباحه الله، فلا يدخل في هذا، لهذا من السنن التي أمرنا بها وهي مستحبة، نسأل ربنا
نقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ومن الأمور
الواجبة أننا نطلب الرزق، ونطلبه من الله،
{وابتغوا
عند ا لله الرزق واعبدوه
}، كيف يعني يقدم الرزق على العبادة؟ لأن
طلب الرزق عبادة، فإذا أهمل الإنسان الواجب عليه من يعني الغذاء له الذي يتغذى به
أو لأبنائه ومن تحت يده، فهو مسئول عن هذا وظالم، سوف يسئل عن ذلك، وكفى بالمرء
إثما أن يضيع من يعول، غير أن هذا من كونه فطر الإنسان عليه، يجب أن يكون عند الإنسان
نية وقصد حسن، حتى يثاب على هذا، أنه مثلا إذا طلب الرزق وأكل أنه ينوي أنه يتقوى
بهذا على طاعة الله، ويكف نفسه عن التطلع لما في أيدي الناس، فإذا كانت هذه نيته
وهذا مقصودهن صار أكله حسنات يثاب عليه، وكذلك النوم، إذا نام ينوي بذلك أنه يتقوى
على أداء الفرض الذي فرض عليه وهو صلاة الفجر، يقوم بنشاط ويؤديها، ويكف سمعه
وبصره عن النظر إلى ما لا يجوز، وإذا كان هذه نيته، فيكون نومه عبادة، أما إذا غفل
عن ذلك صار النوم والأكل مباح، والمباح ليس لك ولا عليك، يعني لا تؤاخذ به ولا
تثاب عليه، فالمقصود أن اللعن الذي قد يشكل على بعض الناس، لا يدخل في الأمور
المباحة التي أباحها الله جل وعلا، وأمر أن نطلبها منه جل وعلا، قد تكون هذه قد
تكون واجبة وقد تكون مباحة فقط نعم.



القارئ: [فَكل عمل أُرِيد بِهِ غير الله لم يكن لله وكل عمل لَا
يُوَافق شرع الله لم يكن لله بل لَا يكون لله إِلَّا مَا جمع الوصفين: أَن يكون
لله وَأَن يكون مُوَافقا لمحبة الله وَرَسُوله]
.



الشيخ: يعني يكون
موافقا للشرع الذي جاء به الرسول، هذا في العبادات كلها، وكل فعل أو قول أو عمل أو
اعتقاد لا يوافق ما جاء به الرسول فهو مردود، نعم.



القارئ: [وهو الواجب والمستحب كما قال تعالى].


الشيخ: وهو الواجب
لأنه ينقسم إلى قسمين، ينقسم إلى واجب ومستحب، أما المباح لا يدخله هذا إلا
بالنية، إذا نوى الإنسان الخير حصل له، نعم.



القارئ: [كَمَا قَالَ تَعَالَى [110 الْكَهْف] : {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا
صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا
} ].


الشيخ: العمل
الصالح هو ما وافق الشرع، والشرك الثاني لا يشرك بعبادة ربه أحدا.



القارئ: [فَلَا بُد من الْعَمَل الصَّالح وَهُوَ الْوَاجِب
وَالْمُسْتَحب وَلَا بُد أَن يكون خَالِصا لوجه الله تَعَالَى كَمَا قَالَ
تَعَالَى [112 الْبَقَرَة]
:
{بلَى من
أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن فَلهُ أجره عِنْد ربه وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم
يَحْزَنُونَ
} . وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «
من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد »
وَقَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: « إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ
وَإِنَّمَا لكل امْرِئ مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته
إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته لدُنْيَا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة
يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ »
].



الشيخ: هذان
الحديثان حديث عائشة في صحيح مسلم: «
من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، رواه البخاري من غير هذا الطريق، وحديث عمر: «إنما الأعمال بالنيات» إلى آخره، يقول العلماء:
هذان اشتملا كل ما جاء به الرسول
r، فالأول ميزان
للأعمال الظاهرة التي تعمل بالجوارح، والثاني للأعمال الباطنة التي هي أصل الأعمال
كلها، كل عمل لابد أن يكون أصله النية، فالنية هي أعمال القلوب ومراداتها، ولهذا
قال جل وعلا:
{من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا
يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما
كانوا يعملون
}،
وهذا الحديث له سبب، والحديث كثير من الأحاديث له أسباب، ولكن هذا سببه قد
جاء مرويا فيه نفس القصة، وهو أن رجلا خطب امرأة في مكة، فأبت عليه وقالت: حتى
تهاجر، إن هاجرت فلا بأس، وإن لم تهاجر، فهاجر، فذكر ذلك للنبي
r وهذه المرأة يقال لها: أم قيس فقال هذا
الحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما
نوى»
، فجعل الأعمال كلها معتبرة بالنيات، وصحتها بالنيات، واعتبارها
شرعا بالنية، لأنه قال: «من كانت هجرته إلى الله
ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله»
، يعني أنه تحصل على مراده ومقصوده، «وإن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما
هاجر إليه»
، يعني ليس له من الأجر والثواب إلا ما نوى، فالمقصود أن
الأعمال الظاهرة مبناها على الأعمال الباطنة التي في القلب، لأن القلب هو الذي
يبعث الجوارح، ولهذا سماه الرسول
r ملك الأعضاء،
فالملك هو الذي يأمر الجنود ويمتثلون لأمره، فالأعضاء جنود للملك، والمقصود يعني
عقل الإنسان وفكره الذي يدعوه إلى العمل، ولابد للعاقل من ذلك، كما سبق، أن الذي
يبعث على العمل هو النية، وإذا قام الإنسان يتوضأ، الذي أقامه نية الوضوء، وإذا
جاء إلى المسجد، فمجيئه الذي جاء به هو النية أولا سبقت الفعل، ولهذا قال العلماء:
النية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، لا يتلفظ بها كما يقول بعض الناس إذا قام
ليصلي قال: اللهم إني نويت أن أفعل كذا وكذا، فهذا قوله نويت يعني يعلم ربه بما في
قلبه، هذا مخالف لشرع النبي
r، المقصود أنه لابد
للإنسان في العمل أن يكون عمله على وفق الشرع، وأن يكون خالصا لله جل وعلا، وهذان
شرطان في كل عمل يعمله، ولا يقبل العمل بدون ذلك نعم.



القارئ: [وَهَذَا الأَصْل هُوَ أصل
الدَّين وبحسب تَحْقِيقه يكون تَحْقِيق الدَّين وَبِه أرسل الله الرُّسُل وَأنزل
الْكتب وَإِلَيْهِ دَعَا الرَّسُول وَعَلِيهِ جَاهد وَبِه أَمر وَفِيه رغب وَهُوَ
قطب الدَّين الَّذِي تَدور عَلَيْهِ رحاه]
.


الشيخ: والقطب هو
الذي يجعل في وسط الرحا لتدور عليه، أو مثلا يسمى الغية، التي تركز في الأرض ثم
يجعل فيها حبل طويل، وتربط بالدابة في هذا الحبل وترعى مما حولها وهي تدور على هذه
الغية، وهي القطب، ولهذا يسمى الأفلاك التي تدور عليها بقية الأفلاك تسمى قطب،
والأفلاك التي في السماء الظاهرة التي تشاهد تدور على قطبين، قطب يمين وقطب شمال،
فهي مشاهدة، إلا أن الذي جهة الجنوب بعيد لا نشاهده، أما جهة الشمال فهو قريب لنا ونشاهده،
فالنجوم تدور عليه ولهذا يسمى قطب، فالقطب هو الشيء الذي يدور عليه ما جعل دائرا
على هذا الشيء، ومعنى ذلك أن الشرع الذي شرعه الرسول أمره قطب، والنية قطب، أن
تكون النية خالصة صالحة، يراد بها وجه الله جل وعلا، نعم.



القارئ: [والشرك غَالب على النُّفُوس وَهُوَ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث:
«هُوَ فِي هَذِه الْأمة " أخْفى من
دَبِيب النَّمْل»
،].



الشيخ: غالب على
النفوس، ولهذا كثر الشرك في الناس، في الأمم السابقة وفي هذه الأمة، وهو أنواع
كثيرة جدا، ولهذا أخبر أنه منه ما هو خفي، حتى مثل بما هو أخفى شيء، وهو دبيب النمل
على الصفا وفي ظلمة الليل من يشعر بهذا؟ هذا خفي جدا، وهو شرك النيات والمقاصد،
لأن هذا يطلع عليه رب العالمين جل وعلا.



القارئ: [وَفِي حَدِيث آخر: قَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله كَيفَ
ننجو مِنْهُ وَهُوَ أخْفى من دَبِيب النَّمْل؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم:
« أعلمك كلمة إِذا قلتهَا نجوت من دقه
وجله قل: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أشرك بك وَأَنا أعلم وأستغفرك لما لَا
أعلم »
].



الشيخ: ويجب أن
يقول هذا مع صدق في قلبه وامتثال لأمر ربه، ولجوء صادق إلى ربه جل وعلا، حتى يعيذه
من ذلك، أما مجرد قول وهو يفعل هذا الشيء لا ينفع نعم.



القارئ: [وَكَانَ عمر يَقُول فِي دُعَائِهِ: (اللَّهُمَّ اجْعَل عَمَلي
كُله صَالحا واجعله لوجهك خَالِصا وَلَا تجْعَل لأحد فِيهِ شَيْئا) .



وَكَثِيرًا
مَا يخالط النُّفُوس من الشَّهَوَات الْخفية مَا يفْسد عَلَيْهَا تَحْقِيق محبتها لله
وعبوديتها لَهُ وإخلاص دينهَا لَهُ كَمَا قَالَ شَدَّاد بن أَوْس: يَا بقايا
الْعَرَب يَا بقايا الْعَرَب إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم الرِّيَاء والشهوة
الْخفية]
.


الشيخ:
الشهوة الخفية هي حب الرياسة والعلو على الناس والترأس عليهم، والحظية بمدحهم
والثناء عليهم وإشارتهم إليه، فلان فيه كذا، وفلان فيه كذا وهو الذي يحسن كذا،
فهذا من الشهوات الخفية، ولهذا السبب نهى رسول الله
r عن المدح في الوجه، أو ا لمدح مطلقا، لأن الإنسان قد يغتر بالمدح،
قال:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:52 am

«أحثوا التراب في وجوه المداحين»، لأن المدح في الغالب أنه يكون كذب، وإذا
مدحت في وجهك، فاعلم أن الذي مدحك سوف يذمك في غيبتك، ولهذا من الحكم التي تناقلها
العلماء، من تكلم في حضرتك ما ليس فيك، فسيتكلم في غيبتك بما ليس فيك، ولهذا
يقولون عن الواقع، والمقصود أن الترأس والترفع عن الناس هذا النفس تحبه وتميل
إليه، ولهذا تحتاج إلى مجاهدة، أنها تجاهد في هذا حتى إن الإنسان قد يغالط نفسه،
إذا جاءه من يثني عليه ويمدحه وإن كان هو أعلم، الممدوح أعلى من المادح في نفسه،
ربما تجده يقول: لعلي كما يقولون، ثم يميل إلى قولهم، هذا يترتب عليه مفاسد كثيرة،
وعلى كل حال الإنسان ضعيف، لهذا لما سمع الرسول
r رجلا يثني على آخر
قال: «ويلك قطعت عنقه إن كنت فاعلا ولابد فلا يسمعك»،
أو قال: «إذا أثنى أحدكم على الآخر فليقل أحسبه كذا
وكذا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا»
، فالمقصود أن طبيعة الإنسان
وما جبل عليه أنه يحب أنه يترفع على الناس، وأن الناس يثنون عليه، ويمدحونه حتى
تحظى نفسه بالتقديم في المجالس وفي الكلام وفي غير ذلك، وكل هذا من شهوات النفوس
التي لا تنفع بل تضر، ولا تنفع الإنسان، والنفس تحتاج إلى جهاد، إن لم تجاهد ويعرف
الإنسان قدر النفس وخفاياها وغوائها يقع في ذلك وهو لا يشعر نعم.



القارئ: [وَقيل لأبي دَاوُد السجسْتانِي: وَمَا الشَّهْوَة الْخفية؟
قَالَ: حب الرِّئَاسَة]
.



الشيخ: الرئاسة
مطلقا يعني الترفع عن الناس مطلقا، يعني لا يلزم أن يكون رئيس كبير، يعني إذا كان
رئيس قوم أو مقدم عند قوم، ولو كانوا جماعة قليلة فهذا منه يدخل فيه نعم.



القارئ: [وَعَن كَعْب بن مَالك عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
« مَا ذئبان
جائعان أرسلا فِي زريبة غنم بأفسد لَهَا من حرص الْمَرْء على المَال والشرف
لدينِهِ »
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن
صَحِيح]
.



الشيخ: الزريبة زريبة الغنم هي ما
تجتمع الغنم فيه، مثل الحظائر التي تبنى إما بشجر أو بما يمنعها من الذهاب، فإذا
اجتمعت وجاءها ذئبان جائعان لا يتركان فيها شيء، لأن طبيعة الذئب لا يأخذ الشيء
الذي يكفيه، يقتل الغنم كلها، لا يقتل الشيء الذي يقتله فقط، لأنه يتركها له فيما
بعد يتردد عليها، حتى يقتاتها في أوقات طويلة، وهذا شيء مجرب، إذا وجد الذئب الغنم
ليس معها أحد أفسدها أكلها كلها، فإذا كان ذئبان جائعان معناهما أنهما يحيطان
بالغنم، ولا يند منها شيء، لذا يقول: «ما ذئبان
جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه»
،
والشرف هو الرئاسة، والمال قد يستولي على النفس حبه
ويترك ما وجب عليه، فيجب أن يكون هذا كله طلبه باعتدال، وبإتباع لأمر الله جل
وعلا، نعم.



القارئ: [قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح].


الشيخ: هذا الحديث شرحه ابن رجب رحمه الله برسالة، وهي رسالة جيدة في الواقع
ينبغي أنها تقرأ نعم.



القارئ: [فَبين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
الْحِرْص على المَال والشرف فِي إِفْسَاد الدَّين لَا ينقص عَن إِفْسَاد الذئبين
الجائعين لزريبة الْغنم وَذَلِكَ بيّن فَإِن الدَّين السَّلِيم لَا يكون فِيهِ
هَذَا الْحِرْص وَذَلِكَ أَن الْقلب إِذا ذاق حلاوة عبوديته لله ومحبته لَهُ لم
يكن شَيْء أحب إِلَيْهِ من ذَلِك حَتَّى يقدمهُ عَلَيْهِ وَبِذَلِك يصرف عَن أهل
الْإِخْلَاص لله السوء والفحشاء كَمَا قَالَ تَعَالَى [24 يُوسُف]
:
{كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء والفحشاء إِنَّه من
عبادنَا المخلصين
}] .


الشيخ: تقدمت هذه الآية الكلام عليها في السابق، وهي في آخرها قراءتان
المخلصين والمخلصين وكلاهما حق، والمخلص هو الذي أخلص لله جل وعلا أعماله فصارت
خافية خالصة ليس فيها شيء لغيره، والإخلاص هو المنجي، حتى إن الكفار المشركين
كانوا إذا وقعوا في شدة أخلصوا لله فنجوا نجاهم، كما قال الله جل وعلا:
{فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين فلما نجاهم
إلى البر إذا هم يشركون
}، فالإخلاص هو المفزع الذي يفزع إليه، غير
العقلاء إذا وقعوا في أمر عظيم، ومن هذا حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار
فانطبقت عليهم السخرة، فدعوا الله بأعمالهم الصالحة الخالصة لله، فنجاهم الله جل
علا، والقراءة الأخرى المخلصين، الذين اختارهم الله جل وعلا وجعلهم خلاصة الناس
وخلاصة العباد، فهم من اختيار الله وجل علا، وهاتين القراءتين تنطبق على يوسف عليه
السلام، والسوء يكون عاما في كل ما يسوء الإنسان عاقبته، والذنوب كلها عاقبتها
تسوء الإنسان، أما الفحشاء فالغالب أنه يطلق على
الزنا وما يجلب إليه، فهو لأنه فحش في نفوس أهل الاستقامة، هو من أقبح
الأشياء وأفحشها، لهذا قال الله جل وعلا:
{إنه كان
فاحشة وساء سبيلا
}، لأن سبيله سبيل سيء خبيث نعم.


القارئ: [فَإِن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله
مَا يمنعهُ عَن عبوديته لغيره وَمن حلاوة محبته لله مَا يمنعهُ عَن محبَّة غَيره
إِذْ لَيْسَ عِنْد الْقلب السَّلِيم أحلى وَلَا ألذ وَلَا أطيب وَلَا أسر وَلَا
أنعم من حلاوة الْإِيمَان المتضمن عبوديته لله ومحبته لَهُ وإخلاص الدَّين لَهُ]
.



الشيخ: يعني هذا في الدنيا، يجد الإنسان إذا كانت عبادته خالصة وصادقة، يجد
لذة وراحة، وكان السلف الذين يعرفون هذه الأمور ويتقون بها، يقول: أكره إليه أن
يطلع الصبح، لأنه يتعبد ويتهجد ويخلوا بربه، يود أن الليل يمتد ويطول، حتى يطول
صلته بربه وخلوته به، بعضهم يقول إذا كان في مثل هذه يقول: إذا كان أهل الجنة في
مثل هذا النعيم فهم في نعيم عظيم، وهذا الذي يشير بعض الناس وبعض العلماء وبعض
الذين يتعبدون بالحق، إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، ومقصوده
جنة التلذذ بطاعة الله جل وعلا والأنس به وبقربه وعبادته، ولهذا ينكر بعضهم أن تكون
العبادات تكاليف، يقول: ليست تكاليف بل هي نعيم، نعيم القلوب، ولكن ما كل يدرك هذا
نعم.



القارئ: [وَذَلِكَ يَقْتَضِي انجذاب الْقلب إِلَى
الله فَيصير الْقلب منيبا إِلَى الله خَائفًا مِنْهُ رَاغِبًا رَاهِبًا كَمَا
قَالَ تَعَالَى [33 ق]
:
{من خشِي
الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بقلب منيب
}].


الشيخ: الإنابة هي كمال الطاعة والانقياد، يعني ينقاد إلى ربه انقيادا كاملا،
والخشية تتضمن الخوف والرجاء، في ضمنها يخاف، وفي أيضا يعني معناها الخوف وفي
ضمنها الرجاء، فجعل هذا لله، وخشي الرحمن بالغيب، بالغيب يعني الله لا يشاهد،
وإنما بالأخبار التي جاءت منه، واتبعها
نعم.



القارئ: [إِذْ الْمُحب يخَاف من زَوَال مَطْلُوبه
أَو حُصُول مرغوبه فَلَا يكون عبد الله ومحبه إِلَّا بَين خوف ورجاء كَمَا قَالَ
تَعَالَى [57 الْإِسْرَاء]
:
{أُولَئِكَ
الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة أَيهمْ أقرب ويرجون رَحمته
وَيَخَافُونَ عَذَابه إِن عَذَاب رَبك كَانَ محذورا
}] .


الشيخ: الآية تدل على أن التنافس في الطاعة أنه مطلوب، لقوله: {يبتغون إلى ربهم الوسيلة}، والوسيلة ليست
التي يقولها الناس وهي التعلق بالمخلوق، أو سؤال المخلوق، هذا شرك، فلا يكون وسيلة
إلى الله، بل يكون هذا قاطعا عن الله، وإنما الوسيلة الطاعة، الطاعات التي تقرب
إلى الله، كل طاعة أمر الله بها وجاء بها الرسول فهي الوسيلة التي توصل إلى مرضاة
الله جل وعلا وإلى ثوابه، وقولهم: أيهم أقرب، يعني كل واحد يريد أن يكون أقرب إلى
الله من الآخر، فهذا الذي يدل على المنافسة في الطاعة، ينبغي أن نتنافس فيها، لا
يكون فلان أعلم منك درجة، بل ينبغي أنك تسعى وتعمل وتنافس في درجة الآخرة، بخلاف
الدنيا فإن التنافس فيها مذموم، لأنه يلهي عن الآخرة، ويقطع عن العمل الذي يكون
فيه رفعة العامل عند الله جل وعلا غالبا نعم، يقول: ويخافون عذابه، يرجون رحمته
ويخافون عذابه، هذا لابد منه في التعبد، ولهذا يسمى هذا ركنا العبادة، الرجاء
والخوف، ويجب أن يكون الأمر متعادل أو الرجاء أرجح، والخوف لا يجوز أن يكون متعديا
في المشروع، لأن الخوف يجب أن يكون مانعا من ترك الواجب واقتراف المحرم فقط، ولا
يزيد عن هذا، فإن زاد عن هذا صار يأس، وصار مذموما لا يجوز أن الإنسان يفعله، لأن
رحمة الله جل وعلا أوسع من غضبه، والخوف لا يخاف الإنسان أن الله يحيف عليه أو
يمنعه شيئا يستحقه، وإنما يجب أن يخاف من ذنوبه فقط، والمقصود أن الخوف يعني حده، أن
يمنع الإنسان من ترك ما وجب عليه، أو فعل ما حرم عليه، ولا يزيد على ذلك نعم.



القارئ: [وَإِذا كَانَ العَبْد مخلصا لله اجتباه ربه
فأحيا قلبه واجتذبه إِلَيْهِ فَيَنْصَرِف عَنهُ مَا يضاد ذَلِك من السوء والفحشاء
وَيخَاف من حُصُول ضد ذَلِك بِخِلَاف الْقلب الَّذِي لم يخلص لله فَإِن فِيهِ طلبا
وَإِرَادَة وحبا مُطلقًا فيهوى مَا يسنح لَهُ ويتشبث بِمَا يهواه كالغصن أَي نسيم
مر بِهِ عطفه وأماله فَتَارَة تجتذبه الصُّور الْمُحرمَة وَغير الْمُحرمَة فَيبقى
أَسِيرًا عبدا لمن لَو اتَّخذهُ هُوَ عبدا لَهُ لَكَانَ ذَلِك عَيْبا ونقصا وذما]
.



الشيخ: المحرمة، الصور المحرمة يعني الشيء الممنوع عليه من جانب المرأة
الأجنبية أو غيرها، أو غير المحرمة كالزوجة مثلا، لا يجوز أن تصده عن طاعة الله،
وأن تلهيه عما أوجب الله عليه، فإن كانت كذلك فهذا مذموم، فيكون أسيرا وعبدا لذلك
الذي اتخذه واستولى على قلبه وصار عمله تبعا لذلك، أو ينقص تنقص عبادته حسب ما قام
بقلبه من نقص عبودية الله جل وعلا، وطاعته وإتباع أمره واجتناب نهيه، لأنه إذا كان
مثلا الأشياء هذه تجذبه وتستولي على شيء من قلبه، فلابد أن يترك شيئا من الواجب،
ويفعل شيئا من المحرامات نعم.



القارئ: [وَتارَة يجتذبه الشّرف والرئاسة فترضيه
الْكَلِمَة وتغضبه الْكَلِمَة ويستعبده من يثني عَلَيْهِ وَلَو بِالْبَاطِلِ
ويعادي من يذمه وَلَو بِالْحَقِّ.



وَتارَة يستعبده الدِّرْهَم وَالدِّينَار وأمثال ذَلِك من
الْأُمُور الَّتِي تستعبد الْقُلُوب والقلوب تهواها فيتخذ إِلَهًا هَوَاهُ وَيتبع
هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله.

وَمن لم يكن خَالِصا لله عبدا لَهُ قد صَار قلبه معبدًا لرَبه وَحده لَا شريك لَهُ
بِحَيْثُ يكون الله أحب إِلَيْهِ من كل مَا سواهُ]
.


الشيخ: ومن لم يكن خالصا لله عبدا له قد صار قلبه، هذا تابعا للكلام الأول،
ووجود مثلا الفاصلة هذه ما يجوز، لأن الفاصلة تجعل الكلام غير متصل، وهذا من تمام
الكلام، ومن لم يكن خالصا لله عبدا لله قد صار قلبه معبد لربه وحده لا شريك له،
حيث يكون الله أحب إليه، كل هذا كلام يصير واحد ما أتى الخبر نعم.



القارئ: [بِحَيْثُ يكون الله أحب إِلَيْهِ من كل مَا
سواهُ وَيكون ذليلا لَهُ خاضعا وَإِلَّا استعبدته الكائنات واستولت على قلبه
الشَّيَاطِين فَكَانَ من الغاوين]
.



الشيخ: وإلا هذا هو الخبر، يعني وإن لم يكن كذلك استعبدته الكائنات، الكائنات
يعني المخلوقات كلها، سواء كانت ممن حل أو مما حرم، ومعلوم التفاوت في هذا نعم.



القارئ: [فَكَانَ من الغاوين إخْوَان الشَّيَاطِين
وَصَارَ فِيهِ من السوء والفحشاء مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله. وَهَذَا أَمر
ضَرُورِيّ لَا حِيلَة فِيهِ]
.



الشيخ: ضروري يعني الناس ما يخرجون عن هذا الشيء، إما أن يكون الإنسان عبدا
لله خالصا له، أو يكون عنده عبودية لله، وعنده عبودية لغير الله، وهو لما استولى
عليه، أو يكون عبدا لغير الله تماما، لهواه أو لشياطين الإنس والجن، أو للمظاهر
التي حوله من أموال وغيرها، وإن ظهر للناس أنها ليس كذلك فهو لا ينفك عن هذا،
ولهذا قال: هذا أمر ضروري، لا حيلة فيه، وهذا من سنة الله، من لم يبعد الله عبد
غيره ولابد، لأن الإنسان خلق عبدا، لا يمكن أن يتخلص عن هذا، حتى الملاحدة الذين
يقولون: أنهم لا يعبدون شيء، فهم لا ينفكون عن العبادة، فهم يعبدون شهواتهم،
يعبدون بطونهم وفروجهم، أو يعبدون رؤساءهم أو يعبدون رئاساتهم ولابد، فالأمر في
هذا واضح نعم.



القارئ: [فالقلب إِن لم يكن حَنِيفا مُقبلا على الله
معرضًا عَمَّا سواهُ وَإِلَّا كَانَ مُشْركًا قَالَ تَعَالَى [30-32 الرّوم]

:
{فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا
فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدَّين
الْقيم وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ * منيبين إِلَيْهِ واتقوه وَأقِيمُوا
الصَّلَاة وَلَا تَكُونُوا من الْمُشْركين * من الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا
شيعًا كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ
} .


وَقد جعل الله سُبْحَانَهُ إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم أَئِمَّة لهَؤُلَاء
الحنفاء المخلصين أهل محبَّة الله وعبادته وإخلاص الدَّين لَهُ كَمَا جعل
فِرْعَوْن وَآل فِرْعَوْن أَئِمَّة الْمُشْركين المتبعين أهواءهم قَالَ تَعَالَى
فِي إِبْرَاهِيم [72-73 الْأَنْبِيَاء] :
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة
وكلا جعلنَا صالحين
}].


الشيخ: ووهبنا له إسحاق هذا ولد، ويعقوب هو النافعي لأنه حفيده، وكلا جعلنا
صالحين يعني من أبنائه، وهذا استجابة لدعوته حينما دعا ربه جل وعلا، ولهذا جعل
النبوة في ذريته، فأي نبي بعث بعده هو من ذرية إبراهيم، وكذلك الكتاب، يعني الكتاب
أنزل على الأنبياء نعم.



القارئ: [{وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا وأوحينا
إِلَيْهِم فعل الْخيرَات وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَكَانُوا لنا عابدين
}].


الشيخ: هذا الثناء وهو الذي ينفع، أن يكونوا عابدين لله جل وعلا ليس لنفوسهم
ولأهوائهم، وعباد الله الذين يكونون نظرائهم، فكما ميزهم الله عن ذلك فصاروا أئمة
يقتدى بهم ويهتدى بهديهم، ويأمر الله جل وعلا أن نقتدي به،
{ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا}، {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه}، من هم الذين معه؟
هل إبراهيم كان معه أحد في دعوته؟ الذين معه إذا قالوا لقومهم، لوط صار لها قوم:
{إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من
دون الله
}، الذين معه كل الأنبياء الذين جاءوا بهذا الدين الذي هو عبادة الله وحده،
نعم.



القارئ: [وَقَالَ فِي فِرْعَوْن وَقَومه [41-42
الْقَصَص]
:
{وجعلناهم
أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار وَيَوْم الْقِيَامَة لَا ينْصرُونَ * وأتبعناهم فِي
هَذِه الدُّنْيَا لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة هم من المقبوحين
} وَلِهَذَا يصير
أَتبَاع فِرْعَوْن أَولا إِلَى أَلا يميزوا بَين مَا يُحِبهُ
الله ويرضاه وَبَين مَا قدر الله وقضاه بل ينظرُونَ إِلَى الْمَشِيئَة الْمُطلقَة
الشاملة ثمَّ فِي آخر].



الشيخ: هذا مثل ما سبق المشيئة المطلقة الشاملة، والمشيئة المقصود بها الإرادة
الكونية، والإرادة قسمها أهل السنة إلى قسمين، إرادة قدرية كونية خلقية، يعني أن
الله خلق الخلق بها، وهي التي يقول جل وعلا للشيء فيها كن فيكون، وكل شيء لا يخرج
عنها سواء كان محبوبا أو مكروها مذموما، وهذه لا يلزم أن يكون مرادها محبوب لله،
ومرضي له، قد يكون محبوب وقد يكون مكروه مبغض، كوجود السحر والكفر والمعاصي، لا
توجد إلا بإذن الله بمشيئته، كل شيء، وإن كان المسئول عنها هو الفاعل لها،
والإرادة الثانية الإرادة الدينية العملية الشرعية، وهذه التي هي مرادها، يعني
كونها تمتثل وتفعل هذا الذي يحبه الله ويأمر به، ولكن لا يلزم من وجوده، لا يلزم
أن توجد، ولهذا أكثر الناس عصوا أمر الله، لأن الله أمرهم بطاعته وخلقهم لعبادته،
صاروا لا يعبدون، يعبدون الشياطين شياطين الجن والإنس، فالفرق بين الإرادتين، أن
الإرادة الكونية تتعلق بتكوين الأشياء ووجود الأشياء، وهي عامة شاملة لا يخرج عنها
شيء، أما الإرادة الدينية فهي تتعلق بالأمر فقط، بأمره ودينه فقط، ولا يكون يمتثل
لها إلا أهل الطاعة، وفي أهل الطاعة، مثلا إذا وقعت الطاعة لله، فهذا اتفقت فيه
الإرادتان، وإذا وقعت المعصية من رجل مكلف، فقد تخلفت الإرادة الدينية ووجدت
الإرادة الكونية القدرية، فهذا يدل على أن مراد الإرادة الدينية محبوب مأمور به،
حب ما يحبه الله كونه ووجوده، ولا يلزم أن يوجد، لا يلزم، والإرادة القدرية لابد
من وجود مرادها، ولا يتخلف، ولكن لا يلزم أن يكون محبوب لله، قد يكون مكروه لله،
كوجود المعاصي وجود الكفر وجود الشياطين وغير ذلك، لولا الإرادة الكونية ما وجدت
هذه، لأن الله جل وعلا هو المتصرف في الكون كله، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن،
فهذا التقسيم تقسيم لابد منه، لأنه دل عليه كتاب الله، وكذلك أحاديث رسوله وكذلك
الواقع، الله جل وعلا يقول:
{فمن يرد
الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد
في السماء
}، فالأمر الديني يقول جل وعلا في الصوم: {ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
}، اليسر هنا تخفيف، التخفيف والتسهيل على
العباد، فعند المتكلمين من أشاعرة وغيرهم لا يقسمون هذا التقسيم، فيقعون في
المشاكل في مثل هذا، الذي يستشكلونها كثيرا ولا يتخلصون منها نعم.



القارئ: [ثمَّ فِي آخر الْأَمر لَا يميزون بَين
الْخَالِق والمخلوق بل يجْعَلُونَ وجود هَذَا وجود هَذَا. وَيَقُول محققوهم:
الشَّرِيعَة فِيهَا طَاعَة ومعصية والحقيقة فِيهَا مَعْصِيّة بِلَا طَاعَة
وَالتَّحْقِيق لَيْسَ فِيهِ طَاعَة وَلَا مَعْصِيّة. وَهَذَا تَحْقِيق مَذْهَب
فِرْعَوْن وَقَومه الَّذين أَنْكَرُوا الْخَالِق وأنكروا تكليمه لعَبْدِهِ مُوسَى
وَمَا أرْسلهُ بِهِ من الْأَمر وَالنَّهْي]
.



الشيخ:
طيب نريد واحد يعيد هذا الكلام الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الدينية من؟
نعم، هذه أول شيء الإرادة الكونية، والدينية؟ الشرع يعني، هذه تكون لغير المسلمين،
طيب أيش الفرق بين المشيئة والإرادة من يقول؟ طيب يكفي خلاص.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelwahab
ديري عتيق
ديري عتيق
avatar


الساعة :
دعاء
عدد المساهمات : 118
نقاط : 247
التقيم : 3
تاريخ الميلاد : 19/05/1991
تاريخ التسجيل : 25/04/2012
العمر : 33

 شرح رسالة العبودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح رسالة العبودية    شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 6:53 am

شرح


رسالة العبودية


المجلس
التاسع















لفضيلة
الشيخ



عبد الله الغنيمان


-حفظه
الله-













 شرح رسالة العبودية C:%5CDOCUME%7E1%5CPCUSER%5CLOCALS%7E1%5CTemp%5Cmsohtmlclip1%5C01%5Cclip_image002


القارئ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على سيد ولد آدم أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.



قال المصنف
رحمه الله في رسالة العبودية: [
وَأما إِبْرَاهِيم وَآل
إِبْرَاهِيم الحنفاء من الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤمنِينَ بهم فهم يعلمُونَ أَنه لَا
بُد من الْفرق بَين الْخَالِق والمخلوق وَلَا بُد من الْفرق بَين الطَّاعَة
وَالْمَعْصِيَة وَأَن العَبْد كلما ازْدَادَ تَحْقِيقا لهَذَا الْفرق ازدادت محبته
لله وعبوديته لَهُ وطاعته لَهُ وإعراضه عَن عبَادَة غَيره ومحبة غَيره وَطَاعَة
غَيره.



وَهَؤُلَاء الْمُشْركُونَ الضالون يسوون بَين الله وَبَين
خلقه والخليل يَقُول [75-77 الشُّعَرَاء]
: {أَفَرَأَيْتُم
مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ * أَنْتُم وآباؤكم الأقدمون * فَإِنَّهُم عَدو لي إِلَّا
رب الْعَالمين
} ويتمسكون بالمتشابه من كَلَام الْمَشَايِخ كَمَا فعلت النَّصَارَى.


مِثَال ذَلِك: اسْم (الفناء) فَإِن الفناء ثَلَاثَة أَنْوَاع:


نوع للكاملين من الْأَنْبِيَاء والأولياء.


وَنَوع للقاصدين من الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ.


وَنَوع لِلْمُنَافِقين الْمُلْحِدِينَ المشبهين.


فَأَما الأول: فَهُوَ الفناء عَن إِرَادَة مَا سوى الله، بِحَيْثُ لَايحب
إِلَّا الله وَلَا يعبد إِلَّا إِيَّاه وَلَا يتوكل إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا يطْلب
من غَيره وَهُوَ الْمَعْنى الَّذِي يجب أَن يقْصد بقول الشَّيْخ أبي يزِيد حَيْثُ
قَالَ: (أُرِيد ألاّ أُرِيد إِلَّا مَا يُرِيد) أَي المُرَاد المحبوب المرضي
وَهُوَ المُرَاد بالإرادة الدِّينِيَّة وَكَمَال العَبْد أَلا يُرِيد وَلَا يحب
وَلَا يرضى إِلَّا مَا أَرَادَهُ الله ورضيه وأحبه وَهُوَ مَا أَمر بِهِ أَمر
إِيجَاب أَو اسْتِحْبَاب وَلَا يحب إِلَّا مَا يُحِبهُ الله كالملائكة والأنبياء
وَالصَّالِحِينَ وَهَذَا معنى قَوْلهم فِي قَوْله [89
الشُّعَرَاء]
:
{إِلَّا
من أَتَى الله بقلب سليم
} قَالُوا: هُوَ السَّلِيم مِمَّا سوى الله
أَو مِمَّا سوى عبَادَة الله أَو مِمَّا سوى إِرَادَة الله أَو مِمَّا سوى محبَّة
الله فَالْمَعْنى وَاحِد وَهَذَا الْمَعْنى إِن سمي فنَاء أَو لم يسم هُوَ أول
الْإِسْلَام وَآخره وباطن الدَّين وَظَاهره.



وَأما النَّوْع الثَّانِي: فَهُوَ الفناء عَن شُهُود السوى، وَهَذَا يحصل
لكثير من السالكين فَإِنَّهُم لفرط انجذاب قُلُوبهم إِلَى ذكر الله وعبادته ومحبته
وَضعف قُلُوبهم عَن أَن تشهد غير مَا تعبد وَترى غير مَا تقصد لَا يخْطر بقلوبهم
غير الله بل وَلَا يَشْعُرُونَ إِلَّا بِهِ كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى [10 الْقَصَص] :
{وَأصْبح فؤاد أم مُوسَى فَارغًا إِن كَادَت
لتبدي بِهِ لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا
} قَالُوا فَارغًا من كل شَيْء إِلَّا من
ذكر مُوسَى. وَهَذَا كثيرا مَا يعرض لمن دهمه أَمر من الْأُمُور: إِمَّا حب
وَإِمَّا خوف وَإِمَّا رَجَاء يبْقى قلبه منصرفا عَن كل شَيْء إِلَّا عَمَّا قد
أحبه أَو خافه أَو طلبه بِحَيْثُ يكون عِنْد استغراقه فِي ذَلِك لَا يشْعر
بِغَيْرِهِ.



فَإِذا قوي على صَاحب الفناء هَذَا فَإِنَّهُ يغيب بموجوده عَن وجوده وبمشهوده
عَن شُهُوده وبمذكوره عَن ذكره وبمعروفه عَن مَعْرفَته حَتَّى يفنى من لم يكن
وَهِي الْمَخْلُوقَات العَبْد فَمن سواهُ وَيبقى من لم يزل وَهُوَ الرب تَعَالَى
وَالْمرَاد فناؤها فِي شُهُود العَبْد وَذكره وفناؤه عَن أَن يُدْرِكهَا أَو
يشهدها وَإِذا قوي هَذَا ضعف الْمُحب حَتَّى يضطرب فِي تَمْيِيزه فقد يظنّ أَنه
هُوَ محبوبه كَمَا يذكر أَن رجلا ألْقى نَفسه فِي اليم فَألْقى محبه نَفسه خَلفه
فَقَالَ: أَنا وَقعت فَمَا أوقعك خَلْفي؟ قَالَ: غبت بك عني فَظَنَنْت أَنَّك
أَنِّي.



وَهَذَا الْموضع زلت فِيهِ أَقوام وظنوا أَنه اتِّحَاد وَأَن الْمُحب يتحد
بالمحبوب حَتَّى لَا يكون بَينهمَا فرق فِي نفس وجودهما وَهَذَا غلط فَإِن
الْخَالِق لَا يتحد بِهِ شَيْء أصلا بل لَا يُمكن يتحد شَيْء بِشَيْء إِلَّا إِذا
استحالا وفسدت حَقِيقَة كل مِنْهُمَا وَحصل من اتحادهما أَمر ثَالِث لَا هُوَ
هَذَاوَلَا هَذَا كَمَا إِذا اتَّحد المَاء وَاللَّبن وَالْمَاء وَالْخمر
وَنَحْو ذَلِك وَلَكِن يتحد المُرَاد والمحبوب وَالْمرَاد وَالْمَكْرُوه ويتفقان
فِي نوع الْإِرَادَة وَالْكَرَاهَة فيحب هَذَا مَا يحب هَذَا وَيبغض هَذَا مَا
يبغض هَذَا ويرضى مَا يرضى ويسخط مَا يسْخط وَيكرهُ مَا يكره ويوالي من يوالي
ويعادي من يعادي.



وَهَذَا الفناء
كُله فِيهِ نقص.



وأكابر
الْأَوْلِيَاء - كَأبي بكر وَعمر والسابقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين
وَالْأَنْصَار - لم يقعوا فِي هَذَا الفناء فضلا عَمَّن هُوَ فَوْقهم من
الْأَنْبِيَاء وَإِنَّمَا وَقع شَيْء من هَذَا بعد الصَّحَابَة].



الشيخ: بسم الله
الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسوله الكرام، وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا.



هذا الاصطلاح الذي
ابتعده الصوفية، وهو الفنا، ثم تقسيم الأفنا إلى كذا وكذا لا حاجة له، ولو أن
الشيخ رحمه الله أعرض عنه لكان أولى وأحسن، وأبين وأصلح، لأن كلام الشيخ في الفناء
المقصود به الإخلاص، أن يكون الإنسان مخلصا لله جل وعلا محبا له، ومريدا لما يريده
الله، ومبغضا لما يبغضه الله ومعاد لأعداء الله، وهذا كونه يقال: أنه يوالي الله
ويحب لله ويعمل لله ويترك لله، أوضح وأحسن وأقرب للحق من أن يقول الفناء، أنه فنا
بكذا وفنا بكذا، على كل حال هو اصطلاح صوفي ما عرف إلا من قبل الصوفية، ثم التقسيم
تقسيم خطأ، لأن المسلمين بالنسبة للأمر والنهي والعبادة أمرهم واحد، ما قسموا إلى
خاصة وعامة، ويفنى فيه أهل السوى ويفنى في المراد ويفنى في كذا إلى آخره، على كل
حال هذه الاصطلاحات الحادثة المبتدعة لا تأتي بخير، وإنما تأتي بشر وتأتي بأمور قد
تكون مشكلة على بعض الناس، فيقع فيها، ولاسيما إذا تكلم بذلك مثل شيخ الإسلام، مثل
العلماء الكبار المعروفين، فإنه يطلب المعنى ويجتهد فيه، وقد يخطئ الإنسان ذلك ولا
يدري، فمقصوده بالفنا كما عرفنا، أن الإنسان يكون مقصوده ومراده مراد ربه جلا
وعلا، هذا هو الإخلاص لله جل وعلا، وكذلك يكون الذي يبغضه الله يكون مبغضا عنده،
والذي يكون يحبه الله محبوبا عنده، وهل الناس يختلفون في هذا؟ لا يختلفون إلا
اختلاف المعرفة التي تقوم بقلوبهم، ثم يتبع ذلك العمل، لأن العمل تبع للعلم
والمعرفة التي تقوم في القلب، وهذا أمر ظاهر وجلي ومعروف عند المسلمين، أن الناس
في الإيمان والعمل ليسوا سواء، فهذا هو المقصود بهذه الأنواع التي ذكر الفنا بكذا
إلى آخر كلامه، هم يقولون: مثلا يفنى بمحبوبه عن نفسه، فهذا من الجنون، الجنون
الذي هو نقص لا يكون عند أهل العقل أهل العلم، لهذا مثل ما قال: هذا لا يوجد في
الصحابة ولا في أولياء الله، وإنما وجد فيها بعد لما كثرت الأفكار وكثرت المناهج
التي بعضها جاء من غير دعوة إسلام، اكتسبت من أديان أخرى، وأرادوا أنهم يلصقونها
بالإسلام، ويجعلونها أسماء واصطلاحات قد يعسر فهمها على كثير من الطلاب، فكثير من
الناس إذا قيل الفناء أيش الفناء؟ الفناء معروف أنه انعدام هذا الشيء، ومقصودهم
بالفناء الاصطلاح الذي اصطلحوا عليه نعم.



القارئ: [وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ من هَذَا النمط مِمَّا فِيهِ غيبَة
الْعقل وَعدم التَّمْيِيز لما يرد على الْقلب من أَحْوَال الْإِيمَان.



فَإِن
الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانُوا أكمل وَأقوى وَأثبت فِي الْأَحْوَال
الإيمانية من أَن تغيب عُقُولهمْ أَو يحصل لَهُم غشي أَو صعق أَو سكر أَو فنَاء
أَو وَله أَو جُنُون]
.


الشيخ: إذا قال
مثلا الإنسان أنا، إذا مثلا وقع في المخالفات، وقع في، مثل يقول: أنا الله يجوز أن
نعذره؟ يقول: أنا فنيت في ربي عن نفسي، ولهذا تكلم في هذا الكلام الذي يريد به
الحق، نقول: هذا لا يجوز، ولا يجوز أن نعذره في ذلك، هذا وقع في ذلك من وقع، وكان
يقول: ما في الجبة إلا الله، يعني أنه غاب عن نفسه وغاب عن شهوده فيما يزعم أنه
يحب الله جل وعلا فلا يشعر بما حوله، هذا إذا كان كذلك صحيح فهذا نقص، نقص وعيب،
نقص في العقل ونقص في السلوك، الأمور المبتدعة لا تأتي إلا بشر لا تأتي بخير،
والمثال الذي ذكرناه وقلنا: سقط محبوبه في البحر فاسقط نفسه خلفه فقال له: أنا
سقطت بدون إرادتي فما الذي أسقطك؟ قال: ذبت عن نفسي فيك، فظننت أنك أنا، أيه العقول
هذه؟ هذا إذا وقع فهو نقص ظاهر جدا وجنون أيضا نعم.



القارئ: [وَإِنَّمَا كَانَ مبادئ هَذِه الْأُمُور فِي التَّابِعين من
عباد الْبَصْرَة فَإِنَّهُ كَانَ فيهم من يغشى عَلَيْهِ إِذا سمع الْقُرْآن]
.



الشيخ: هذا شيء
آخر، كان يغشى عليه إذا سمع القرآن أو سمع المواعظ، هذا يكون معناه أن الوارد على
قلبه يكون قويا، فلا يحتمله وقد يموت، وهذا وقع في كثير من التابعين وأتباع
التابعين، إذا سمع المواعظ وسمع بعض ا لآيات التي بها التخويف سقط وأغشي عليه وقد
يموت، مثل قاضي البصرة، فإنه تقدم ليصلي بالناس، صلاة الفجر فقرأ سورة المدثر،
فلما جاء إلى قوله: نقر في الناقور، فأغشي عليه وسقط، حركوه فإذا هو ميت، وغيره،
فهذا ما وجد في الصحابة، والذي يذكر مثل ما ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه
الكافي الدواء الشافي والجواب الكافي، أن عمر كان يقرأ الآية ثم يمرض ويعاد، هذا
ليس صحيحا، كان يقرأ نعم ويبكي، لكن ما فيه أنه يعاد أن يسقط، ولم يقع هذا من
الصحابة، لأن الصحابة إيمانهم قوي، وعقولهم قويا، وإيمانهم كالجبال، أما الذين
جاءوا من بعدهم نعم، وقد يحصل في الوقت الحاضر هذا، وهذا هو السبب، كون الوارد على
القلب قوي ومؤثر كثيرا فلا يحتمله قلبه ثم يغمى عليه، وهذا نقص ليس من الكمال هذا
من النقص، فحالة الصحابة أكمل وأتم، نعم.



القارئ: [وَمِنْهُم من يَمُوت كَأبي جهير الضَّرِيروزرارة بن
أوفى قَاضِي الْبَصْرَة]
.



الشيخ: زرارة بن
أوفى هو قاضي البصرة الذي مات في القراءة نعم].



القارئ: [وَكَذَلِكَ صَار فِي شُيُوخ الصُّوفِيَّة من يعرض لَهُ من
الفناء وَالسكر]
.



الشيخ: في قصص
الزهاد والوعاظ، هذا تعقيبه إذا كان صحيحا، وبعضه صحيح وبعضه قد يكون فيه مبالغات
والله أعلم، ولكن كل هذا ليس مطلوبا، ولا
ينبغي أن يثنى على الإنسان في ذلك نعم.



القارئ: [مَا يضعف مَعَه تَمْيِيزه حَتَّى يَقُول فِي تِلْكَ الْحَال
من الْأَقْوَال مَا إِذا صَحا عرف أَنه غالط فِيهِ كَمَا يحْكى نَحْو ذَلِك عَن
مثل أبي يزِيد وَأبي الْحُسَيْن النوري وَأبي بكر الشبلي وأمثالهم ]
.



الشيخ: أبو بكر
الشبلي له أشياء كثيرة وغيره كلهم، أبا يزيد البسطامي ذكر عنه كلام سيء جدا، وكان
يقول: رأيت الله، قال: لو رأيت فلان، قال له: رأيت كذا وكذا، هو كلام لا ينبغي أن
يذكر، هو شيخ الإسلام يقول: أن هذا يعني يؤوله على هذا التأويل، حيث أنه يقول أنه
يغيب عن عقله، عقله يغيب في هذه الأمور لضعف المورود عليه وكونه يحب أمر الله ويحب
وعده أو يتأثر به، ثم يتكلم كلاما لا يشعر به، يقول: بدليل أنه إذا عوتب فيما بعد
ينكر، ويقول: ما قلت هذا الشيء ولا خرج مني، يقول: وهذا دليل على أنه يغيب عقله
وشعوره ويكون معذورا في ذلك، لكن الذي يكون معذور يكون مأجور؟ لا يستويان نعم،
والشبلي كان يقول: أنا لا أعبد الله، على حسب ما يروى عنه والله أعلم هل يصح ولا
لا يصح، أنا لا أعبد الله شوقا لجنته أو إرادة لجنته أو خوفا من ناره، وإنما أعبده
حبا له، وابتلي بحبس البول فصار يذهب، وكان يعلم الصبيان، يذهب إليهم ويقول:
استغفروا لشيخكم الكذاب، ما تحمل، ما استطاع أن يتحمل هذا المرض الذي أصيب به، صار
يصيبه الألم، إذا كان لا يتحمل هذا كيف يتحمل النار؟ يقول:لو أحرقني بالنار، لصرت
أسبح وأكبر وأهلل، وأرى أني في نعيم، هذه كلها رعونات وكلاما لا يجوز أن يغتر به،
فالإنسان مسكين لا يتحمل عذاب الله، عذاب الدنيا لا يتحمله، فكيف بعذاب الآخرة،
فإن العذاب إذا وقع فيه يكون شديد، لهذا يقول: يجب أنك تسأل ربك العافية في الدنيا
والآخرة، فعذاب الدنيا يكون مؤلم وشديد ويحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى قوة تحمل قد لا
توجد، نعم، ومثل ذلك يروى أيضا عن رابعة العدوية وعن غيرها، ولكن نقول: إذا صحت
هذه فلا يجوز أن يقتدى بها، فهم قالوها من باب اجتهادهم وتصورهم بأنهم بهذه
الحالة، ولكن إذا وقعوا في العذاب يختلف الأمر، إذا مسهم العذاب يعلمون أنهم
ضعفاء، وأنهم لا يتحملون ذلك نعم.



القارئ: [ومعروف الْكَرْخِي والفضيل بنعِيَاض بل وَبِخِلَاف
الْجُنَيْد وَأَمْثَاله مِمَّن كَانَت عُقُولهمْ وتمييزهم]
.



الشيخ: الفضيل بن
عياض رحمه الله، لما مات ابنه وقيل له: ابنك مات، ضحك ويقولون أن هذا يدل على
الرضا أنه راض بالقدر، فهل هذا يكون أكمل من الرسول
r، لا، مات ابنه
وصارت تزرف عيناه ويقول: «يحزن القلب وتدمع العين،
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون»
، هذا
أكمل، لأنه كما قال: هذه رحمة يرحم بها الضعيف الذي أصيب بهذا الألم الشديد، الموت
ما هو سهل، ويقف عند أمر الله
U،
كونه ضحك لأنه قدر قدره الله فأنا أفرح به، يضحك، هذه حالة ولكن حالة المصطفى أتم وأكمل وأولى بأن تتبع، ولا تتبع
حالات الناس الآخرين نعم.



القارئ: [فَلَا يقعون فِي مثل هَذَا الفناء وَالسكر
وَنَحْوه بل الكمل تكون قُلُوبهم لَيْسَ فِيهَا سوى محبَّة الله وإرادته وعبادته
وَعِنْدهم من سَعَة الْعلم والتمييز مَا يشْهدُونَ [بِهِ]
الْأُمُور على
مَا هِيَ عَلَيْهِ بل يشْهدُونَ الْمَخْلُوقَات قَائِمَة بِأَمْر الله مُدبرَة
بمشيئته بل مستجيبة لَهُ قانتة لَهُ فَيكون لَهُم فِيهَا تبصرة وذكرى وَيكون مَا
يشهدونه من ذَلِك مؤيدا وممدا لما فِي قُلُوبهم من إخلاص الدَّين وَتَجْرِيد
التَّوْحِيد لَهُ وَالْعِبَادَة لَهُ وَحده لَا شريك لَهُ.



وَهَذِه هِيَ الْحَقِيقَة الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا الْقُرْآن وَقَامَ بهَا أهل
تَحْقِيق الْإِيمَان والكمل من أهل الْعرْفَان وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِمَام هَؤُلَاءِ وأكملهم وَلِهَذَا لما عرج بِهِ إِلَى السَّمَاوَات وعاين مَا
هُنَاكَ من الْآيَات وأوحي إِلَيْهِ مَا أُوحِي من أَنْوَاع الْمُنَاجَاة أصبح
فيهم وَهُوَ لم يتَغَيَّر حَاله وَلَا ظهر عَلَيْهِ ذَلِك بِخِلَافمَا
كَانَ يظْهر على مُوسَى من التغشي صلى الله عَلَيْهِم وَسلم أَجْمَعِينَ.



وَأما النَّوْع الثَّالِث مِمَّا قد يُسمى فنَاء: فَهُوَ أَن يشْهد أَن لَا
مَوْجُود إِلَّا الله وَأَن وجود الْخَالِق هُوَ وجود الْمَخْلُوق].



الشيخ: موسى عليه
السلام شاهد أمرا هائل، وهو تدكك الجبل فصعق، يعني أنه مثل هذا شاهد جبلا يتدكدك،
لا يثبت في هذا الضعيف مثل المخلوق الذي، أما الرسول
r ما شاهد الشيء مثل
هذا الشيء، حتى يقول: أنه بقي على طبيعته ما أصابه، ثم لا ندري ما حصل له في
السماوات، لما رأى من سدرة المنتهى وغشيها من أمر الله ما غشيه، الله جل وعلا أخبر
أنه رأى من آياته الكبرى، والله أعلم ما هي الآيات التي رآها، ولكن ليس كتدكك الجبل الذي موسى طلب من
الله جل وعلا أن يراه، وهو مقصود أن موسى غشاه هذا الشيء، يعني لما شاهده، ولهذا
الله جل وعلا يخبرنا أن الصعقة تصيب الناس إذا فوجئوا بأمر عظيم، يصعقوا والإنسان
يذهب عقله، فإذا نفخ في الصور يصعق من في السماوات ومن في الأرض من شدة النفخة بل
ما هو أقل من هذا كثير، فالله أخبرنا عن قوم صالح أن جبريل صاح بهم صيحة فأخذتهم
الصيحة، وهي صيحة جبريل، صوته صاح بهم فسقطوا رماد، كأنهم نفس واحدة، فإذا جاء
الإنسان الذي فوق طاقة الإنسان لا يثبت، يموت وينتهي، فموسى عليه السلام رأى من
هذا النوع فغشي عليه، فلما أفاق قال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، يعني تبت
أني أسأل هذا السؤال، لأن هذا لا يحتمله الإنسان في هذه الحياة نعم].



القارئ: [وَأما النَّوْع الثَّالِث مِمَّا قد يُسمى فنَاء: فَهُوَ أَن
يشْهد أَن لَا مَوْجُود إِلَّا الله وَأَن وجود الْخَالِق هُوَ وجود الْمَخْلُوق]
.



الشيخ: وهذا كفر بالله
جل وعلا، كفر بالله، الشهود هذا، لأنه معناه لا يميز بين الخالق والمخلوق، فيصير
كل شيء عنده شيء واحد، وهم في هذا يقعون في الكفر وقد يشعرون وقد لا يشعرون، لهذا
يقول أحدهم: أنا دائما في طاعة، إن عصيت أمره الشرعي أطعت أمره القدري، ويقول
أحدهم: أصبحت منفعلا لما يراد بي ففعلي كله طاعات، حتى الزنا والسرقة والتعدي،
يزعم أنه طاعة، لأنه موافق لايش؟ للأمر الكوني، لأنه لا يقع شيء في الكون إلا
بإرادة الله الكونية القدرية، هذا معناه أنه انسلاخ من الشرع، وإتباع للشيء الذي
يراه ويتصوره أنه طاعة وهو معصية، الإنسان مثلا يترك الصلاة ويقول: هذه طاعة؟ لأن
هذا مقدر؟ هذا لا يمكن أنه يستساغ أبدا، نعم.



القارئ: [فَلَا فرق بَين الرب وَالْعَبْد فَهَذَا فنَاء أهل الضلال
والإلحاد الواقعين فِي الْحُلُول والاتحاد وَهَذَا يبرأ مِنْهُ الْمَشَايِخ]
.



الشيخ: نعم وهذا
يبرئ منه، الشيخ لما كان في وقت كثر فيه هذه الأنواع، وغيرها من الأمور المخالفات،
صار يتكلم في حالاتهم ثم يتلمس لهم الأعذار لبعضهم أنهم يكون هذا بخلاف عادتهم،
ولكن الذي يخالف الشرع ويخالف هدي الرسول
r يستحق أنه يعاقب،
ويستحق أنه يقاطع، ويستحق أنه يحذر منه، ويخبر الناس بأن طريقته غير سليمة، وأنه
مخالف لما جاء به المصطفى
r
حتى لا يغتر به الناس، أما هو في نفسه فقد
يعذر لأنه اجتهد في هذا، ووصل للشيء الذي يرى أنه مجتهد، إن كان مثل المشايخ،
المشايخ المفترض أنهم يعرفون، يعرفون الحق من الباطل، والإلحاد الذي هو الحلول أو
الاتحاد، الحلول كما قالت النصارى: إن الإنسان حل في الإله، اللاهوت حل في
الناسوت، ولهذا هذا ما يقوله إلا بعضهم ليس كلهم، ولهذا قالوا: إن عيسى هو الله،
يعني أن الله حل به، وهكذا قال اليهودي الخبيث الماكر الذي جاء لإفساد دين
المسلمين ابن سبأ، قال: إن إلهنا حل في علي، فعلي هو إلهنا، فالحلول معناه أن يحل
الإله في الإنسان أو في المخلوق أو في أي شيء، يعني المخلوق سواء كان حيوان أو
إنسان أو غيره، وبعضهم إذا رأى من يعجبه صورته من امرأة أو أمرد أو ما أشبه ذلك
يقول: هذا إلهنا والله حل فيه، هذا كفر، كفر بالله جل وعلا وإلحاد، وضلال بين وظاهر،
أما الاتحاد، الاتحاد جنون، وإهدار للعقول نهائيا، لأنهم يقولون: الله هو المخلوق،
ولا فيه اثنين، لا يجوز أن تقول: خالق ومخلوق، كل شيء هو الخالق، ولهذا بعضهم
يقول: أنا الله والله، يصرح بهذا، ويقول: إذا صليت، صليت لنفسي، وإذا سبحت، سبحت
لنفسي، وإذا جاء رسول فهو مني إلي، وليس هناك فرق بين خالق والمخلوق، ولما قيل
لمثل هذا: كلامك هذا يقتضي أنه لا فرق بين الماء والخمر، ولا بين الزوجة والأم،
فقال: وهو كذلك، ولكن المحجوبون قالوا بالفرق فقلنا عليكم، أما نحن فلا فرق، فهل
هذا يمكن أن نقول أنه ضلا فقط؟ هذا إهدار للعقول وإهدار للشرع، وضلال متناهي،
والمقصود الفرق بين الحلول والاتحاد، الاتحاد اتحد الخالق بالمخلوق فصار شيئا
واحد، والحلول الخالق جل وعلا حل بالمخلوق، دخل فيه فصار، فكله كفر بالله جل وعلا،
فهل هذا وجد في الأمم السابقة، ما نعرف أن هذا وجد في الأمم السابقة، إلا ما قالت
النصارى، ولكنه في هذه الأمة في قوم يزعمون أنهم هم العارفون، يطلقون على أنفسهم
العارفين أو الأولياء، كل هذا اشتغال فيه، وذكره لا فائدة فيه ولا خير فيه أصلا،
لأنه ضلال متناهي وليس بعده ضلال نعم.



القارئ: [إِذا قَالَ أحدهم: مَا أرى غير الله أَو لَا أنظر إِلَى غير
الله وَنَحْو ذَلِك، فمرادهم بذلك مَا أرى رَبًّا غَيره وَلَا خَالِقًا وَلَا
مُدبرا غَيره وَلَا إِلَهًا لي غَيره وَلَا أنظر إِلَى غَيره محبَّة لَهُ أَو
خوفًا مِنْهُ أَو رَجَاء لَهُ؛ فَإِن الْعين تنظر إِلَى مَا يتَعَلَّق بِهِ الْقلب
فَمن أحب شَيْئا أَو رجاه أَو خافه الْتفت إِلَيْهِ وَإِذا لم يكن فِي الْقلب
محبَّة لَهُ وَلَا رَجَاء لَهُ وَلَا خوف مِنْهُ وَلَا بغض لَهُ وَلَا غير ذَلِك
من تعلق الْقلب لَهُ لم يقْصد الْقلب أَن يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا أَن ينظر
إِلَيْهِ وَلَا أَن يرَاهُ وَإِن رَآهُ اتِّفَاقًا رُؤْيَة مُجَرّدَة كَانَ كمن
لَو رأى حَائِطا وَنَحْوه مِمَّا لَيْسَ فِي قلبه تعلق بِهِ.

والمشايخ الصالحون رَضِي الله عَنْهُم يذكرُونَ شَيْئا من تَجْرِيد التَّوْحِيد
وَتَحْقِيق إخلاص الدَّين كُله بِحَيْثُ لَا يكون العَبْد ملتفتا إِلَى غير الله
وَلَا نَاظرا إِلَى مَا سواهُ لَا حبا لَهُ وَلَا خوفًا مِنْهُ]
.



الشيخ: هذا بينه
الرسول
r
غاية الكلام، وهذه المشايخ كلامهم يجب أن يعرض على كلام الرسول
r،
فإن وافقه قبل لأنه وافق كلام رسول الله
r، وإن خالفه يجب أن
يرمى به وجوههم ولا يبالى بهم مهما كان،
ولا يكون العبد عبدا لله جل وعلا إلا بتجريد المتابعة لرسول الله
r،
وإخلاص العمل لله جل وعلا، ومثل هذا ما يحتاج إلى أن يبينه فلان وفلان، لأن الرسول
r
جاء به واضحا جليا وهو دعوته، بل لب دعوته إلى الله جل وعلا، فأول ما قرع أسماع
الناس من قوله، قوله: «قولوا لا إله إلا الله»،
وإذا كان الإله هو الله وحده، ولا يجوز أن يأله غيره ويتجه إليه ويعبد غيره فهذا
هو الإخلاص، هو الذي بينه
r
ووضحه نعم.



القارئ: [بل يكون الْقلب فَارغًا من الْمَخْلُوقَات خَالِيا مِنْهَا
لَا ينظر إِلَيْهَا إِلَّا بِنور الله، فبالحق يسمع وبالحقوبالحق يبصر، وبالحق
يبطش وبالحق يمشي فيحب مِنْهَا مَا يُحِبهُ الله وَيبغض مِنْهَا مَا يبغضه الله
ويوالي مِنْهَا مَا وَالَاهُ الله ويعادي مِنْهَا مَا عَادَاهُ الله وَيخَاف الله
فِيهَا وَلَا يخافها فِي الله ويرجو الله فِيهَا وَلَا يرجوها فِي الله فَهَذَا
هُوَ الْقلب السَّلِيم الحنيف الموحد الْمُسلم]
.



الشيخ: سبق أن
القلب السليم، الذي سلم من التعلق بغير الله، هذا هو القلب السليم، وقد أخبر الله
جل وعلا أنه لا ينجوا من عذابه إلا من أتى الله بقلب سليم، فهو سالم أن يكون عنده
شيء من الشرك صغيره وكبيره، أما إذا صار عنده شيء من الشرك، سواء كان من الشرك
الخفي، أو من الشرك الجلي الكبير أو الصغير، فإنه لم يسلم فقد يناله شيء من
العذاب، ولكن القلب لما غلب عليه، كما أن العبد لما غلب عليه من العبودية، ولهذا
صار كثير من المسلمين يلقى في النار، فيبقى فيتفاوتون فيها على قدر مخالفاتهم، إذا
كان أصل الإيمان موجود عندهم في قلوبهم مستقر ما خرج منه، فهو يطهرون من هذه
التعلقات التي تعلقوا بها بغير الله جل وعلا، فإذا مات الإنسان سالما قلبه من
التعلق بالمخلوق الذي هو تعلق التأله والعبادة، فإنه لا يناله عذاب، وهو الذي أخبر
الله جل وعلا أنه لا خوف عليه ولا هو يحزن، والخوف هو من أمور المستقبلة المتوقعة،
والحزن يكون على الأمور الفائتة التي فاتت، فهو لا يحزن على ما يفوته من الدنيا،
ولا يخاف فيما يستقبله من الأمور الآخرة، لأنه صار عبدا لله مخلصا له العمل، هذا
أمر واضح لا خفاء فيه، وهو دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم، كل رسول يأتي يقول:
اعبدوا لله ما لكم من إله غيره، والإله هو الذي يأله القلب، عبادة وتعلقا ورجاء
وخوفا، ولهذا قال قوم هود لهم لما دعاهم إلى هذا:
{أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آبائنا}، فهم فهموا هذا
تمام الفهم، أن العبادة لله وأن كل ما يعبد من دون الله يجب أن يترك ويجتنب، وهذا
هو الإخلاص، هو الإخلاص وهو الذي إذا تحلى به الإنسان فقد جاء ربه بقلب سليم إذا
مات عليه نعم.



القارئ: [فَهَذَا هُوَ الْقلب السَّلِيم الحنيف الموحد الْمُسلم
الْمُؤمن الْمُحَقق الْعَارِف بِمَعْرِِفَة الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ
وتحقيقهم وتوحيدهم.



فَهَذَا
النَّوْع الثَّالِث الَّذِي هُوَ الفناء فِي الْوُجُود هُوَ تَحْقِيق آل فِرْعَوْن
ومعرفتهم وتوحيدهم كالقرامطة وأمثالهم]
.


الشيخ: هو عبادة
المخلوق، في الحقيقة عبادة المخلوق لكل ما في معنى الكلمة من العبادة، واجتناب
عبادة الله جل وعلا نعم.



القارئ: [وَأما النَّوْع الَّذِي عَلَيْهِ أَتبَاع الْأَنْبِيَاء
فَهُوَ الفناء الْمَحْمُود الَّذِي يكون صَاحبه بِهِ مِمَّن أثنى الله عليهم]
.



الشيخ: يجب أن
نقول: هو الإخلاص، الإخلاص لله جل وعلا، وأما الاصطلاحات الصوفية التي فيها الخفا،
لا ينبغي أن ننشرها وأن نتكلم فيها، لأنها لا تزيد الأمر إلا تعمية، ومعروف أن إذا
كانوا مثلا يعدلون عما قاله الرسول إلى شيء يصطلحون عليه فإن هذا نقص، ولماذا ننشر
كلامهم ونعتني به، ولأن هناك أناس يتبعونهم ويفتنون بهم، هذا مقصود الشيخ، كثير من
الناس صار كلام هؤلاء أرغب عندهم من كلام الله وكلام رسوله، واصطلاحاتهم يتمسكون
بها غاية التمسك، ولهذا صار يتكلم بهذا من أجل أن يبين لهم نعم.



القارئ: [الَّذِي يكون صَاحبه بِهِ مِمَّن أثنى الله
عَلَيْهِم من أوليائه الْمُتَّقِينَ وَحزبه المفلحين وجنده الغالبين.



وَلَيْسَ مُرَاد الْمَشَايِخ وَالصَّالِحِينَ بِهَذَا
القَوْل أَن الَّذِي أرَاهُ بعيني من الْمَخْلُوقَات هُوَ رب الأَرْض
وَالسَّمَاوَات فَإِن هَذَا لَا يَقُوله إِلَّا من هُوَ فِي غَايَة الضلال
وَالْفساد إِمَّا فَسَاد الْعقل وَإِمَّا فَسَاد الِاعْتِقَاد فَهُوَ مُتَرَدّد
بَين الْجُنُون والإلحاد.



وكل الْمَشَايِخ الَّذين يقْتَدى بهم فِي الدَّين متفقون
على مَا اتّفق عَلَيْهِ سلف الْأمة وأئمتها من أَن الْخَالِق سُبْحَانَهُ مباين]
.


الشيخ: ينبغي أن نعرف أن الكلام الذي يصدر من المشايخ ومن غيرهم، الذي يحتاج
إلى أن نؤوله حتى يتفق مع ما جاء به الرسول
r، هل يكون هذا كمال
ولا يكون نقص؟ هذا من النقص في الواقع، من النقص، العدول عن الأمور الواضحة التي
جاء بها ا لرسول
r
في الحقيقة أنها نقص وليس كمالا، ولكن ماذا يصنع الناس إذا كانوا على هذه الطريقة؟
لابد من إرجاعهم إلى الحق ببيان الحق الذي يجب عليهم أن يسلكوه ويقولوه، فإذا صار
مثلا قولهم، وإن كان فيه غموض وكان فيه خفاء، له محمل على المحامل الصحيحة التي
تتفق مع ما جاء به المصطفى حمل على ذلك، وإن كان ما جاء به الرسول من القول والفعل
أولى وأكمل وأتم وأبين وأقرب إلى الفهم، ولكن إذا فتن الناس بذلك، لابد من بيانه،
فلابد من الكلام فيه، فهذه عادة الشيخ التي يتكلم بها، لأن كثيرا من الناس أشكل
عليه الفناء أيش هو الفناء؟ هل الرسل جاءت بالفناء؟ تفنى بكذا وتقسيم الفناء إلى
كذا وكذا، والفناء معناه وما يتعلق به، يعني اصطلاحي أمر مصطلح لهم نعم.



القارئ: [وَلَيْسَ فِي مخلوقاته شَيْء من ذَاته
وَلَا فِي ذَاته شَيْء من مخلوقاته وَأَنه يجب إِفْرَاد الْقَدِيم عَن الْحَادِث
وتمييز الْخَالِق عَن الْمَخْلُوق وَهَذَا فِي كَلَامهم أَكثر من أَن يُمكن ذكره
هُنَا.



وهم قد تكلمُوا على مَا يعرض للقلوب من الْأَمْرَاض
والشبهات فَإِن بعض النَّاس قد يشْهد وجود الْمَخْلُوقَات فيظنه خَالق الأَرْض
وَالسَّمَاوَات لعدم التَّمْيِيز وَالْفرْقَان فِي قلبه بِمَنْزِلَة من رأى شُعَاع
الشَّمْس فَظن أَن ذَلِك هُوَ الشَّمْس الَّتِي فِي السَّمَاء.



وهم قد يَتَكَلَّمُونَ فِي الْفرق وَالْجمع وَيدخل فِي
ذَلِك من الْعبارَات ]
.


الشيخ: نقول: هذا أيضا اصطلاح ثاني الفرق والجمع، وهو من كلام الصوفية
واصطلاحاتهم الفرق والجمع، الفرق بين الحق والباطل، والجمع بينهما، ولكن هم لهم
اصطلاح غير هذا، ولا يجوز أن يكون عندهم الإنسان من هؤلاء يخفى، ولهذا من يأتون
بالكلام يزعمون أنه لا يفهمه إلا هو، ويقول: نحن في أمور تخفى على عامة الناس وعلى
علماء الظاهر، يسمون العلماء إما علماء الظاهر أو علماء الشريعة، ونحن علماء
الحقيقة وعلماء الأمر الباطن، فهل الشرع جاء بتقسيم الناس إلى عالم حقيقة وعالم
شريعة؟ أو عالم ظاهر وعالم باطن؟ أو أنه سالك لهذا ولهذا؟ هذا كله من الأمور
المبتدعة المخترعة التي صار فيها تفرقة، وصار فيها أيضا صار فيها في الواقع
اشتباه، وصار فيها لكثير من الناس مداخل للشيطان، نعم.



القارئ: [فَإِن العَبْد إِذا شهد التَّفْرِقَة
وَالْكَثْرَة فِي الْمَخْلُوقَات يبْقى قلبه مُتَعَلقا بهَا مشتتا نَاظرا
إِلَيْهَا وتعلقه بهَا إِمَّا محبَّة وَإِمَّا خوفًا وَإِمَّا رَجَاء]
.



الشيخ: فإن العبد إذا شهد التفرقة والكثرة في المخلوقات، المخلوقات كثيرة
ومتفرقة، ولكن ليس المراد هذا، المراد تعلق القلب ورجاءه وحبه وخوفه، هذا يجب أن
يكون لله جل وعلا وحده، المخلوقات كلها فقيرة إلى الله جل وعلا محتاجة إليه،
والإنسان ميزه الله جل وعلا على سائر المخلوقات بالعقل والفكر، وكذلك جعله محلا
للأمر والنهي، ما كل المخلوقات محل لعبادته، فالمخلوقات فطرت على هذا خلقة، أما هو
يجب أن يكون هذا باختياره، باختياره ومقدوره، نعم.



القارئ: [فَإِذا انْتقل إِلَى الْجمع اجْتمع قلبه
على تَوْحِيد الله وعبادته وَحده لَا شريك لَهُ فَالْتَفت قلبه إِلَى الله بعد
التفاته إِلَى المخلوقين فَصَارَت محبته إِلَى ربه وخوفه من ربه ورجاؤه لرَبه
واستعانته بربه وَهُوَ فِي هَذَا الْحَال قد لَا يسع قلبه النّظر إِلَى
الْمَخْلُوق ليفرق بَين الْخَالِق والمخلوق فقد يكون مجتمعا على الْحق معرضًا عَن
الْخلق نظرا وقصدا وَهُوَ نَظِير النَّوْع الثَّانِي من الفناء.

وَلَكِن بعد ذَلِك الْفرق الثَّانِي وَهُوَ أَن يشْهد أَن الْمَخْلُوقَاتقَائِمَة
بِاللَّه مدبره بأَمْره وَيشْهد كثرتها مَعْدُومَة بوحدانية الله سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى وَأَنه سُبْحَانَهُ رب المصنوعات وإلهها وخالقها ومالكها فَيكون - مَعَ
اجْتِمَاع قلبه على الله إخلاصا ومحبة وخوفا ورجاء واستعانة وتوكلا على الله
وموالاة فِيهِ ومعاداة فِيهِ وأمثال ذَلِك - نَاظرا إِلَى الْفرق بَين الْخَالِق
والمخلوق مُمَيّزا بَين هَذَا وَهَذَا يشْهد تفرق الْمَخْلُوقَات وَكَثْرَتهَا
مَعَ شَهَادَته أَن الله رب كل شَيْء ومليكه وخالقه وَأَنه هُوَ الله لَا إِلَه
إِلَّا هُوَ.



وَهَذَا هُوَ الشُّهُود الصَّحِيح الْمُسْتَقيم وَذَلِكَ
وَاجِب فِي علم الْقلب وشهادته وَذكره ومعرفته وَفِي حَال الْقلب وعبادته وقصده
وإرادته ومحبته وموالاته وطاعته.



وَذَلِكَ تَحْقِيق شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
فَإِنَّهَا تَنْفِي عَن قلبه إلوهية مَا سوى الْحق وَتثبت فِي قلبه إلوهية الْحق.



فَيكون نافيا لإلوهية كل شَيْء من الْمَخْلُوقَات مثبتا لإلوهية
رب الْعَالمين وَرب الأَرْض وَالسَّمَاوَات وَذَلِكَ يتَضَمَّن اجْتِمَاع الْقلب
على الله وعَلى مُفَارقَة مَا سواهُ فَيكون مفرقا فِي علمه وقصده فِي شَهَادَته
وإرادته فِي مَعْرفَته ومحبته بَين الْخَالِق والمخلوق بِحَيْثُ يكون عَالما
بِاللَّه تَعَالَى ذَاكِرًا لَهُ عَارِفًا بِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِك عَالم بمباينته
لخلقه وانفراده عَنْهُم وتوحده دونهم وَيكون محبا لله مُعظما لَهُ عابدا لَهُ
راجيا لَهُ خَائفًا مِنْهُ محبا فِيهِ مواليا فِيهِ معاديا فِيهِ مستعينا بِهِ
متوكلا عَلَيْهِ مُمْتَنعا عَن عبَادَة غَيره والتوكل عَلَيْهِوالاستعانة
بِهِ وَالْخَوْف مِنْهُ والرجاء لَهُ والموالاة فِيهِ والمعاداة فِيهِ وَالطَّاعَة
لأَمره وأمثال ذَلِك مِمَّا هُوَ من خَصَائِص إلهية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.



وَإِقْرَاره بإلوهية الله تَعَالَى دون مَا سواهُ يتَضَمَّن
إِقْرَاره بربوبيته وَهُوَ أَنه رب كل شَيْء ومليكه وخالقه ومدبره فَحِينَئِذٍ
يكون موحدا لله.



وَيبين ذَلِك أَن أفضل الذّكر لَا إِلَه إِلَّا الله كَمَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا الْحَمد الله ". وَفِي "
الْمُوَطَّأ]
.


الشيخ: جاء في الصحيح أيضا ما هو أوضح من هذا: «أفضل
قلت أنا والنبيين من بعدي»
، قال: «أفضل
الدعاء دعاء عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من بعدي لا إله إلا الله»
،
والسبب في فضل هذه الكلمة أنها تدل على الإخلاص والتوحيد، التوحيد في الباطن وفي
الظاهر، ومعلوم أن الإنسان لا يكون ناجيا وعابدا على الحقيقة، إلا إذا كان عمله
خالصا لله، ومقصود به وجهه جل وعلا فقط، والكلمة هذه تدل على هذا، فهي واضحة في
ذلك، ولكن كثير من الناس لا يفهمها، لا يفهم السبب لعدم فهم هذه الكلمة وبعدهم عن
اللغة العربية وعن معناها، وحياتهم التي كانوا يزاولونها في أمور تناقض معنى هذه
الكلمة، ولهذا تجدهم مثلا يقول أحدهم: لا إله إلا الله، ويذهب يستنجد بصاحب القبر
ويسأله مثل ما يسئل الله جل وعلا، وإذا قلت له في ذلك قال: أنا أقول: لا إله إلا
الله، وأنا أصلي، كيف مثلا تقول لي أنا هذا شرك، وأنا أقول أن الرسول
r
يقول: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة»
، وأشه ذلك من الأمور التي يتشبثون بها وهي ضلال بين، لأن ليس المقصود قول لا إله
إلا الله باللفظ دون المعنى، يجب أنه إذا قال: لا إله إلا الله يفهم معناها ويعمل
بمدلولها، وإلا لا فائدة في ذلك، مجرد كلام يتلفظ به يكون مثل كلام السكران، أو
الذي يهزوا بشيء لا يدري ما هو ولا ينفعه، والمقصود أن فضل الذكر بها، هو لأجل ذلك
لأجل أنها إخلاص وتوحيد لله جل وعلا، وكلما
كان الإنسان مخلصا لله جل وعلا، فإن عمله أحب لله جل وعلا من غيره وإن قل،
فالمهم الإخلاص، وأن يكون العمل موافقا للشرع، أما كثرة العمل وهو على غير إخلاص
لا فائدة فيه ولا عبرة به، ويكون الإنسان ممن يظن أنه على خير، وهو يتقرب إلى
النار، كما قال الله جل وعلا:
{وجوه يومئذ
خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية
}، هي عندها عمل تكد وتتعب وتنصب لذلك،
وفيها خشوع،كيف يكون فيها خشوع وعمل ونصب، ثم النتيجة أنها تصلى نارا حامية؟ إما
لأنها غير مخلصة لله جل وعلا، أو أنها على بدع وضلال، ليست على دين الرسول
r،
ولا يكون إلا هذا، إما هذا أو هذا فقط، فهذا نقول: أن كون هذه فضيلة يعني لا إله
إلا الله، لأنها هي الأصل في هذا، الأصل الإله، أنه يكون تعلقه وتألهه بربه وحده،
ولا يجوز أن يتعلق قلبه خوفا ورجاءا وتألها بمخلوق من المخلوقات، الناس منهم من
يستكثر هذا ومنهم من يستقل، لهذا أقول: هذا هو أصل الدين الذي خلق الله جل وعلا
الجن والإنس له، فهو بقولك لا إله إلا الله، ولهذا كانت الرسل هذه دعوتهم، كل رسول
يأتي إلى أمة، أول ما يتكلم به عندهم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، لا يأتي
يقول: صلوا وتصدقوا وكذا وكذا، هذا لا يكون إلا بعد، الرسول بقي ثلاثة عشر سنة في
مكة يدعوا إلى هذا، فقط عندهم قتل وعندهم زنا وعندهم سرقات وعندهم ظلم، أي نعم أنا
أعرف، أي نعم أن هذا إثم محرم، ولكن حتى لو انتهوا لا فائدة يجنونها من وراء ذلك،
إلا إذا قالوا: لا إله إلا الله، عبدوا الله بذلك، وهذا أيضا يرسل الدعاة بهذا
الأمر، كما في الصحيحين، لما أرسل معاذ إلى اليمن قال: «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب»، أهل الكتاب هم اليهود والنصارى،
وكلاهما كان موجود في اليمن، «فليكن أول ما تدعوهم
إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أجابوك إلى ذلك، فأعلمهم أن الله افترض
عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة»
، فقوله: «فإن هم أجابوك إلى ذلك»،
معناه يعني مفهومه أنهم إن لم يقولوا لا إله إلا الله لا يدعون إلى الصلاة، ولا
فائدة في الصلاة منهم أصلا، لأن هذا هو الأصل الذي يبنى عليه العمل كله، قول لا
إلا الله، فلابد منها، ولابد من فهمها والعمل بما دلت عليه، فهذا مثل ما يقول أيضا
فيما بعد صار في جميع أحواله يقول: «أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا
بحقها وحسابهم على الله»
، الدين الواجب كله من حقها، كل الواجب
والمستحب من حق لا إله إلا الله، كما فهم ذلك الصحابة، أبو بكر والصحابة معه،
فالمقصود أن هذا الذي يجب أن يركز عليه ويفهم فإذا جاء مثل هذا الحديث : «أفضل الذكر لا إله إلا الله »، يعني هذا هو أصل
الدعوة، أصل الدين أصل العبادة، كل العبادة ترجع إليه إلى هذا، ولكن لو سئلت كثيرا
من المسلمين أيش معنى الإله؟ يمكن قد يسحن وقد لا يحسن، والغالب أنهم لا يحسنون،
أكثرهم لا يدري أيش معنى الإله؟ وكثير منهم يقول: معنى الإله الرب، هو المتصرف وهو
الخالق، هكذا يقول: معنى الإله الخالق، حتى خفي هذا على بعض العلماء المتكلمون،
وإذا رأيت ماذا يقول الرازي في تفسيره في تفسير قوله جل وعلا، الرازي الذي ملأ
الأرض من الكتب، يغلط في هذا، أيش السبب؟ شيء يعني،لما جاء إلى قوله جل وعلا في
سورة الأعراف:
{وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا
يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون
}، تكلم في هذا كلام غريب عجيب، يعني معنى كلامه يقول: هذا من
العجائب، كيف قوم موسى يشاهدون فلق البحر، ويشاهدون ما يشاهدون من آيات الله العصا
وانفجار المياه والعيون من حجر، حجر يحمل تنفجر منه اثنى عشر عين لكل سبط عين، ثم
يطلبون من موسى أن يجعل لهم رب، هذا صحيح الكلام هذا؟ طلبوا أن يجعل لهم رب ولا
يجعل لهم إله؟ إله، إله يألهونه ويعبدونه، والأشعري رحمه الله، الأشعري على كبره
وكثرة علمه لما جاء إلى الكلام في هذا قال: الإله هو القادر على الاختراع، هكذا
يقول في كتابه، الإله القادر على الاختراع، الإله هو القادر على الاختراع؟ هذا
معنى الرب، هو الذي يخترع ويغلب، أما الإله فهو الذي يأله ويعبد ويقصد بالعبادة،
فالمقصود إذا مثلا العامة جهلوا هذا ليس غريبا، والسبب الإعراض عما جاء به المصطفى
r والاشتغال بكلام
الناس، وكلام المشايخ أهل التصوف وغيرها، يبتعد الإنسان عن الشيء، ثم قد يأخذ
اصطلاحات ويسير عليها ثم العبادة، لو سألت كثيرا من المسلمين الآن، ما هي العبادة
مفهوم العبادة ما هو؟ يقول لك: العبادة الصلاة والصوم والحج، العبادة تشمل كل ما
تعلق الإنسان به طلبا لنفعه أو دفعا للضر، العبادة أشمل من أن تكون صلاة وصوم وحج
فقط، كل ما كلف به الإنسان تكليفا من الله ومن رسوله ففعله أو تركه عبادة،
فالعبادة يدخل فيها الفعل ويدخل فيها الترك، ويدخل فيها العقيدة، ويدخل فيه الفعل
بالجوارح والقول وغير ذلك، ولهذا لما عرف العلماء الإيمان، علماء السلف، قالوا:
الإيمان عقيدة، قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، من المؤسف الآن أن
كثيرا من طلبة العلم مختلفون في تعريف الإيمان، حتى يوجد في ا لرسائل التي تخطب في
الجامعات، يتساءلون هل العمل شرط في الإيمان أو أنه العمل يكون جزء من الإيمان أو
كذا إلى غيره؟ يعني هذا الإيمان الذي جاء به الرسول
r جاء بأمر قطعي لا
يجوز أنه يختلف فيه، ثم كيف يكون العمل شرط، والإيمان يتقدم على العمل؟ الفقهاء
لما ذكروا الشروط قالوا: شروط الصلاة تتقدم عليها، هل الشروط توجد في المهية ولا
قبلها؟ قبل المهية، فكيف يكون العمل شرط، يعني مقدم قبل المشروط، الشرط يكون قبل
المشروط، قبل وجود المشروط لابد، لكن كل هذا كونهم مثلا أعرضوا عن ألفاظ الرسول
r، وعن المعاني التي جاء بها الرسول r وعن وضوحها وجلائها واضحة وجلية، والسلف
أيضا في تعريفهم ماذا؟ بين، يقولون: الإيمان يتكون من هذه الأمور الثلاثة، الإيمان
هذه الأمور يعني كلها يتكون منها الإيمان، فإذا فقد واحد منها فقد الإيمان، إنسان
مثلا، هذا يذكرونه بالإجماع، مثل ما ذكر الإجماع النووي على هذا، يقول: اتفق
العلماء على من اعتقد صحة الإيمان وعمل بذلك ولم يتكلم ويقول: أشهد أن لا إله إلا
الله أنه من أهل النار، وأنه كافر ما جاء بالإيمان، لابد أن يتكلم أولا يشهد أن لا
إله إلا الله، وهذا القول يتبعه الأقوال الأخرى، ثم يعمل بمقتضى هذا، ولابد أن
يكون في قلبه اعتقاد صحة هذا الشيء، ويكون عالما به، أنه حق جاء به المصطفى،
فمجموع هذه الأمور الثلاثة هي الإيمان، وإذا فقد واحدا منها فقد الإيمان، نعم.



القارئ: [وَفِي " الْمُوَطَّأ " وَغَيره عَن طَلْحَة بن
عبيد الله بن كريز
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح رسالة العبودية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى دير الزور :: المنتدى الديني derezzor :: قسم التشريع السماوي-
انتقل الى:  

 شرح رسالة العبودية Button1-bm

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر المنتدى ~

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى دير الزور على موقع حفض الصفحات
اخر مواضيع المنتدى
<div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_ticker/news_widget" title="News Widget">News Widget</a></div>
أفضل 10 فاتحي مواضيع
ابن الفرات
 شرح رسالة العبودية Vote_rcap1 شرح رسالة العبودية Voting_bar شرح رسالة العبودية Vote_lcap 
حمدان
 شرح رسالة العبودية Vote_rcap1 شرح رسالة العبودية Voting_bar شرح رسالة العبودية Vote_lcap 
مهند الاحمد
 شرح رسالة العبودية Vote_rcap1 شرح رسالة العبودية Voting_bar شرح رسالة العبودية Vote_lcap 
ديري نشمي
 شرح رسالة العبودية Vote_rcap1 شرح رسالة العبودية Voting_bar شرح رسالة العبودية Vote_lcap 
الاسمر
 شرح رسالة العبودية Vote_rcap1 شرح رسالة العبودية Voting_bar شرح رسالة العبودية Vote_lcap 
ريم الساهر
 شرح رسالة العبودية Vote_rcap1 شرح رسالة العبودية Voting_bar شرح رسالة العبودية Vote_lcap 
نبض الأمل
 شرح رسالة العبودية Vote_rcap1 شرح رسالة العبودية Voting_bar شرح رسالة العبودية Vote_lcap 
الدير نت
 شرح رسالة العبودية Vote_rcap1 شرح رسالة العبودية Voting_bar شرح رسالة العبودية Vote_lcap 
ديرية حرة
 شرح رسالة العبودية Vote_rcap1 شرح رسالة العبودية Voting_bar شرح رسالة العبودية Vote_lcap 
العاشق لاحباب
 شرح رسالة العبودية Vote_rcap1 شرح رسالة العبودية Voting_bar شرح رسالة العبودية Vote_lcap 
المواضيع الأخيرة
» دورة مهارات تقييم الاداء الوظيفي للمديرين والمشرفين
 شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالإثنين فبراير 03, 2020 12:32 pm من طرف Manal

» دورة التحليل الفنى لتداولات الأسهم
 شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء يناير 22, 2020 11:48 am من طرف Manal

» التحليل. الاحصائى .للبوصات
 شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالثلاثاء يناير 21, 2020 11:53 am من طرف Manal

» دورة اساسيات الرقابة الصحية على الاغذية
 شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالإثنين يناير 20, 2020 9:28 am من طرف Manal

» تطبيق نظام haccp في إعداد وتصنيع وتداول الغذاء
 شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأحد يناير 19, 2020 9:24 am من طرف Manal

» دورة ادارة مخاطر التأمين الصحي
 شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالخميس يناير 16, 2020 10:22 am من طرف Manal

» #دورة_ إدارة_الجودة_الشاملة_في_مجال_المشتريات_والمخازن
 شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأربعاء يناير 15, 2020 8:39 am من طرف Manal

» التحليل .المالِى. spss
 شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالثلاثاء يناير 14, 2020 9:42 am من طرف Manal

» دورة. التحليل .المالِى
 شرح رسالة العبودية Icon_minitimeالأحد يناير 12, 2020 9:11 am من طرف Manal