الجواب: هذا الأثر خارج محل النزاع، إذ النزاع فيمن ترك
الصلاة والأعمال الظاهرة، بعد علمه بوجوبها، وتمكنه من أدائها، أما من جهل بوجوبها
حتى مات، ولم يدر ما صلاة ولا زكاة ولا صيام، مع كونه مسلما يقول لا إله إلا الله،
فهو معذور.الجواب
عن حديث معاذ بن جبل في بعثه إلى اليمن.وجه
الشبهة: الإسلام يصح من صاحبه ولو لم يعمل، إذ لا يجوز لأحد أن يأمر بشيء دون ركنه
وشرطه الذي لا يصح إلا به.الوجه
الأول: من أغرب من رأيت، وهو من جنس استدلال الخرافيين أن العصمة تثبت بالشهادتين
مع النواقض، فالإسلام يثبت ابتداءً دون عمل، ولكن استمرار حكم الإسلام مشترط
بالعمل.الوجه
الثاني: يلزم تكفيره، لأن الإيمان بالملائكة أو الكتب أو القدر غير مصحوب بشرط
الإيمان، فهو كافرٌ إذًا.الوجه
الثالث: أن الرجل إذا أسلم، وحضر وقت الصلاة طولب بها، فليس هناك إمهال كما يدعي
بعضهم! والمطلوب هو فعلها، لا الإقرار بوجوبها.الوجه
الرابع: أن هذا خارج عن محل النزاع؛ لأن الخلاف فيمن بلغه الحكم، وتمكن من الفعل،
لا من لم يبلغه أو لم يتمكن.الوجه
الخامس: أن معاذًا راوي الحديث، يرى كفر تارك الصلاة، وهو من أعلم الصحابة
وأفقههم، وهو أحق الناس بفهم الحديث، فلم يَفهم ما فهمه المخالف.كشف
الشبهات العقليةمؤدّى
هذه الشبهات = التشكيك فيما أجمع عليه أهل السنة من ركنية العمل، والالتفات على
مفهوم " التلازم بين الظاهر والباطن " والالتفاف على مقولات شيخ الإسلام
في مسألة التلازم، والتشغيب على ما قرره العلماء المعاصرون من أن مقولة "
العمل شرط كمال في الإيمان هي مقولة المرجئة.الشبهة
الأولى: مراد السلف بقولهم " الإيمان قولٌ وعملٌ " بيان الإيمان المطلق، وأما مطلق الإيمان – أي
القدر الذي لا بد منهُ لصحة الإيمان – فلا يدخل فيه العمل، بل هو التصديق وعمل
القلب وقول اللسان. الجواب
من وجه.الأول:
لم يكتفِ السلف بقولهم " الإيمان قول وعمل " حتى يقال أرادوا الكامل، أو
الأصل، بل بينوا (لا يجزئ)(لا يقبل).الثاني:
على قول المخالف أن العمل من الإيمان المطلق، فمعنى قوله أن العمل ثمرة، فإن نفى
التلازم كان مرجئا، وإن لم ينفه كان الخلاف لفظيا، كما سبق تقريره من كلام شيخ
الإسلام. (7/50)الثالث:
أعلم الناس بمقولات السلف والأئمة شيخ الإسلام احتج بهذا الإجماع على كفر تارك
الصلاة وعلى كفر تارك العمل.الرابع:
صرح شيخ الإسلام بأن الكافر لو صدق وأقر بلسانه لم ينفعه ذلك حتى يقترن التصديق
بالعمل الباطن وقول اللسان بالعمل الظاهر.الخامس:
يقال أجمع السلف أن تارك الصلاة كافرٌ، وهو عمل، فكيف تثبت إجماعهم أنهم قصدوا
الإيمان المطلق؟السادس:
قد يقول: تارك العمل بالكلية كافر، فكيف تغفلون عن تارك الصلاة؟ أجيب: بأن من لم
يكفر تارك الصلاة من السلف نجزم بأنهم كفروا تارك العمل بالكلية،وهذا ما صرح به
الشيخ ابن باز – رحمه الله -.الشبهة
الثانية: ميّز السلف بين الأصل والفرع، وعمل الجوارح من الفرع، فإن قيل: إن العمل
من أصل الإيمان فهو عبث!الجواب
من وجوه. الأول: لا ننازع في أن للإيمانِ أصلًا وفرعًا،
لكن ننازع في أن ما سمي فرعا هل يجوز تخلفه؟ فهو وإن كان فرعا إلا أنه فرع لازم للأصل.الثاني:
من قسم الأصل والفرع لم يتفق على تحديدهما، فمنهم من جعل قول اللسان من الأصل كما
قاله ابن منده والمروزي، ومنهم من جعله من الفرع كما هو قول شيخ الإسلام في مواضع،
وتارة لا يجزم بأنه فرع، وانظر إلى كلام شيخ الإسلام(2/382).الثالث:
أن الصلاة من أعمال الجوارح المسماة بـ (الفرع) انعقد إجماع الصحابة على كفر
تاركها، فدل أن الكفر ليس محصورا في الفرع.الرابع:
المخالف عاجز عن إدراك هذا التلازم بين العمل الظاهر، وعمل القلب الباطن، ولو هُدي
إليه لزالت الشبهات.ملاحظة:
كان منشأ الرد في هذه الشبهة على كتاب " شرح ألفاظ السلف في الإيمان "
للزهراني، وقد ثبتَ تراجعه بفضل الله.الشبهة
الثالث: التلازم بين الظاهر والباطن إنما هو في الإيمان الكامل لا في أصل الإيمان،
فالتلازم لا يتحقق إلا إذا كان الإيمان كاملا في القلب، أي زائدًا عن الأصل،
فحينئذ تنتج الأعمال، وأما قبل ذلك فيصح الإيمان، وإن لم يكن ثمة عمل.الشبهة
الرابعة: حول مفهوم الإجزاء – للعمل – عند
السلف، وهذه والتي قبلها شبه ركيكة ما وددت وضعهما هنا، بعد كل التوضيح من هذا
المجلد والذي قبله.الشبهة
الخامسة: حول المرجئة وشرط الكمال، كيف يُقال بأن العمل شرط كمالي وينسب إلى
المرجئة، وهي لا تقول بذلك؟الجواب
من وجوه.الأول:
ليست المرجئة مذهبًا واحدًا، فمع اشتهارهم بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، إلا
متأخري الأشاعرة أثبتوا ذلك، وهم معدودون من فرق المرجئة، ليس لإخراجهم العمل
فحسب، بل لقولهم إن النطق باللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا فقط، وليس ركنا،
إلى مخالفات أخرى في مفهوم الاستثناء، والكفر، وقد بسطنا هذا القول.الثاني:
أن مقولة (العمل شرط كمال) قررها
الأشاعرة، وأثبتوها في مصنفاتهم، بل لا تكاد تعرف قبلهم، وقد جاء من ينسب نفسه إلى
مذهب السلف في الإيمان، فلم يبعد كثيرا عن هذه المقالة.قال
شيخ الإسلام (والمرجئة أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان، فمن قصد منهم إخراج عمل
القلوب أيضا وجعلها هي التصديق، فهذا ضلالٌ بين، ومن قصد إخراج العمل الظاهر قيل
لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه، وانتفاءُ الظاهر دليل انتفاءِ
الباطن) الشبهة
السادسة: حول العمل المطلوب من الإيمان، هل هو الصلاة؟ أو المباني الأربعة ؟ أو
الواجبات؟ أو أي عمل مهما كان؟ والمخالف يريد أن يشكك ويشغب وأنها مسألة غير
منضبطة، فكيف يزعم بأنها محل إجماع؟ وأنه لو قيل: العمل المطلوب هو الصلاة، لقال
هذه مسألة خلافية معتبرٌ فيها الخلاف؟!الجواب
من وجهين:الأول:
يجبُ الاتفاق أن ترك العمل الظاهر بالكلية كفر ناقض للإيمان؛ للإجماع وهذا هو
تحرير محل النزاع، وليس النزاع في رجل أتى ببعض الأعمال، أو أنه يكفر بتركه ساعة
أو دهرا، ويجاب: متى يكفر بترك عمل القلب؟ بلحظة أو ساعة أو درهم، وهذا تكلف لم
يبحثهُ السلف، فإن قال قائل: سلمنا أن ترك العمل الظاهر بالكلية كفر، ولم يشترط
السلف عملا معينا، بل يختلف باختلاف الحال والمقام والبلوغ، فهل يكفي أن يكون هذا
العمل نافلة من النوافل، أم واجبا من الواجبات؟فالجواب:
نص شيخ الإسلام أنه لا بدّ من واجبٍ من الواجبات التي اختص بها محمد صلى الله عليه
وسلم، وأنه لا يكفي في ذلك الأعمال التي يشترك فيها المسلم وغيره، من نحو أداء
الأمانة، وصدق الحديث، والعدل في القسمة والحكم.وما
ذهب إليه شيخ الإسلام يؤيده ما جاء عن سفيان وإسحاق من تكفير تارك الفرائض كلها،
من المباني الأربعة وغيرها، وصرح به من المعاصرين الشيخ عبد الرحمن البراك بقوله
(وينبغي أن يُعلم أن المكلف لا يخرج من كفر الإعراض – المستلزم لعد قراره – بفعل
أي خصلة من خصال البر، وشعب الإيمان .... وإنما يتحقق عدم هذا الإعراض والسلامة
منه بفعل شيء من الواجبات التي تختص بها شريعة الإسلام التي جاء بها الرسول صلى
الله عله وسلم-كالصلاة والزكاة والصيام والحج- إذا فعل شيئا من ذلك إيمانًا
واحتسابًا، وقال شيخ الإسلام (فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من
الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم) (7/621).الثاني:الشبهة
السادسة: أن المسألة راجعة إلى الخلاف في حكمِ تاركِ الصلاة؛لأنه إن أتى بجميع
الأعمال وترك الصلاة فقد كفر، وإن ترك جميع الأعمال وصلى: لم يكفر.الجواب
أنه بالنظر إلى أحوال المكلفين لا تخرج عن أربعة أحوال:الأولى:
أن يترك جميع العمل الظاهر، الصلاة وغيره فلا شك في كفره لناقضين: (1) ترك العمل
(2) ترك الصلاة.الثاني:
أن يأتي بالصلاة فهذا مسلمٌ سلم من الناقضين، لم يترك العمل لكون الصلاة عملا ولم
يترك الصلاة.الثالث:
أن يأتي ببعض الأعمال كالزكاة والصوم، ويدع الصلاة فهذا سلم من ناقض ترك العمل،
ولكن يكفر بترك الصلاة عند من يرى كفره.الرابع:
أن يأتي بالأعمال الظاهر من الصلاة والزكاة وغير ذلك، فقد سلم من الناقضين.وبهذا
يتبين أن المسألة لا ترجع إلى الخلاف في حكم تارك الصلاة، وقد ينازع المخالف في
الحالة الأولى فيظن أن أنه لا يكفر عند من لا يرى كفر تارك الصلاة، والأمر بخلاف
ذلك.ودليل
ذلك:الأول:
الشافعي في أحد قوليه والمزني والشيخ محمد بن عبد الوهاب فيما نقله المخالف يصرون
بأن ترك العمل كليا كفر، ولا يكفرون تارك الصلاة.الثاني:
ما سبق نقله عن إسحاق من تكفير تارك عامة الفرائض، ونسبة القول المخالف إلى
المرجئة، مع أنه يرى الخلاف في تكفير تارك الصلاة مسألة اجتهاد.الثالث:
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله – (العمل عند الجميع – أي من لم يكفر تارك الصلاة
لكونه شرط كمال أم شرط صحة؟ - شرط صحة .. إلا أن جنس العمل لا بد منه لصحة الإيمان
عند السلف جميعا، هذا الإيمان عندهم: قول وعمل واعتقاد لا يصح إلا بها مجتمعةً).
وللشيخ صالح آل الشيخ كلام قريبٌ من هذا.الشبهة
التاسعة: حول الخلاف اللفظي مع مرجئة الفقهاء.الجواب
من وجهين. الأول:
شيخ الإسلام جعل الخلاف " لفظيا " بمن أثبت التلازم بين الظاهر والباطن،
وأقر بإنه إذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، وانظر كلام شيخ الإسلام 7/557).الثاني:
لشيخ الإسلام قولان في مسألة " هل يثبت مرجئة الفقهاء عمل القلوب أم لا
" فمرة جزم بأن عمل القلوب ليس من الإيمان كعمل الجوارح، وهو موافق لقول جهم
والصالحي والأشعري، ومرة قال: إن لم يدخلوا عمل القلب وافق قول جهم، وإن أدخلوا
عمل القلب لزمهم إثبات عمل الجوارح، انظر (7/194).الشبهة
العاشرة: العمل في اصطلاح السلف يشمل قول اللسان.الجواب
من وجوه.الأول:
لا ريب أن قول اللسان يدخل في العمل، لكنه ليس العمل الذي أرادهُ السلف بقولهم:
الإيمان قول وعمل، وإلا كان كلامهم عيا وتكرارا، بل أرادوا بالقول: قول اللسان،
وقول القلب، وانظر كلام الآجري في (الشريعة) (2/611) في التفريق بين قول اللسان
وعمل الجوارح.الثاني:
لم يكنِ النزاع بين السلفِ والمرجئةِ حول نطق اللسان، هل هو من الإيمان أم لا، إذ
عامة المرجئة المتقدمين – قبل جهم – على أن قول اللسان من الإيمان، بل لم يكن
النزاع في عمل القلب؛ لأن المرجئة يثبتونه، وإنما النزاع في عمل الجوارح، واشتد
إنكار الإمام أحمد على شبابة بن سوار القائل بهذا القول بقول أحمد (هذا قولٌ خبيث
ما سمعتُ أحدًا يقول به ولا بلغني).الثالث:
يلزم على قول المخالف أن لا يكون ثمّ إرجاء، إذ المرجئة يجعلون قول اللسان من
الإيمان، فهم موافقون لأهل السنة في أن الإيمان قول وعمل، كما يلزم أن تبديع السلف
للمرجئة لا وجه له، ويلزم التهوين من شأن العمل، وحمل النصوص الداعية إليه على قول
اللسان، وهذا ضلالٌ بيّن.الشبهة
الحادية عشرة: قولهم لو كان ترك العمل كفرا لصرح العلماء بذلك.الجواب
من وجهين.الأول:
عدم التسيلم، قد صرح سهل التستري، كما نقله شيخ الإسلام ومحمد بن عبد الوهاب،
وأيضا نقل عن الآجري.الثاني:
يقال للمخالف: هذا عمل القلب كفرٌ باتفاقنا، ومع ذلك قلّ أن تجد التصريح، فهل يعني
أنه ليس كفرًا؟ بل ما ورد في التصريح بكفر تارك عمل الجوارح، أكثر مما ورد في عمل
القلب.الشبهة
الثانية عشرة: إن البحث في هذه المسألة من باب الترف.الجواب
من وجوه.الأول:
المسألة التي يترتب عليها كفر وإيمان ليست من بابِ الترف، وفي عرض المسألة تأصيل
كلام أهل السنة في بيان منزلة العمل.الثاني:
من ثمارها إيقاف طالب الحق على فهم المسألة لكثير من النصوص التي تنازعت فيها
الفرق، كأحاديث الشفاعة، ونصوص الوعد بصفة عامة، وفي عرضها تأصيل لمسألة التلازم
بين الظاهر والباطنالثالث:
لو كانت من باب الترف لما اهتم أهل العلم ببيانها، ولما حذورا من الكتب المخالفة
فيها، واعتبروها داعية لمذاهب الإرجاء المذموم، وقائل هذه المقالة يظن أن النزاع
صوري أو لفظي أو لا ثمرة، بل هو حقيقي، وفي هذا القدر كفاية!. (249/2)
ليُعلم أن هذه الأقوال لا تخرج عن واحد من ثلاثة أمور:الأول: أن
يكون قولا لمتأخر، بعد الصحابة والتابعين فهو محجوجٌ بالإجماع قبله.الثاني: أن
يكون قولا متحملا، فلا قيمة له في هذا الباب.الثالث: أن
يكون قولا نتفق نخن والمخالف على خطئه، فلا يجوز له الاحتجاج به.وقد تبين لي
بعد طولِ البحث أنه لا يوجد قول صريح يؤيد ما ذهب إليه المخالف، إلا ما جاء عمن
تأثر بالبدع الكلامية، وخالف مذهب السلف في جملة من الاعتقاد، كما سيأتي عن ابن
حزم والبيهقي.(251/2)
توضيح كلامِ سفيانِ بن عيينة.قال (ومن
تركها – أي خلة من خلال الإيمان – كسلا أو تهاونًا أدبناه، وكان بها عندنا ناقصًا)
فلو كان ترك العمل كفرًا لم يكتف بالتأديب والنقاص، والجواب من وجهين.الأول:
خارجٌ عن محل النزاع، فليس النزاع فيمن ترك خلة أو فرط في عمل، بل من ترك العمل
بالكلية.الثاني:
سبقَ النقل عنه بتكفير تارك الفرائض.(252/2)
توضيح كلام الشافعي.قال (ثم
الإيمان أصل وفرع، وأصله ما إذا تركه العبد كفر، كالمعرفة والتصديق .. وفرعه إذا
ما تركه العبد لم يكفر، ولكن يعصي في ترك البعض كالصلوات المفروضات) فهو جعل العمل
من الفرع، ولم يكفر تارك الفرع، والجواب من أوجه.الأول: هذه
الرسالة منسوبة للشافعي باسم " الفقه الأكبر" ولا تصح نسبتها إليه.الثاني:
غاية ما في نقل " ولكن يعصي إذا ترك البعض " أي: بعض الفرع، وليس كلامنا
عن هذا.الثالث: لم
يجعل الشافعي من الأصل " قول اللسان " فيلزم المخالف أن يحكم بإسلام
تارك القول.(254/2)
توضيح كلام الحميدي.قال (وأن لا
نقول كما قالت الخوارج " من أصاب كبيرة فقد كفر " ولا تكفير بشيء من
الذنوب، إنما الكفر في ترك الخمس التي قال رسول صلى الله عليه وسلم " بني
الإسلام على خمس .. " فلا يسمى شيء من الأعمالِ كفرًا إلا في الخمس، والجواب
من وجهين:الأول: أن
هذا من أعجب ما وقفتُ عليه، فليس في كلامه ما يؤيد أنه لا يكفر تارك العمل
بالكلية، بل كلامه ظاهر في تكفير تارك الصلاة والصوم، ونسبَه إليه ابنُ رجب،
والقائل بهذا قائلٌ بكفر تاركِ جميع العمل ضرورةً.الثاني: أنه
صرح في رسالته هذه، بأنه لا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل وقول إلا بنية، ولا قول
وعمل ونية إلا بسنّة.(257/2)
توضيح كلام الإمام أحمد.قال (ولا
يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله جاحدًا لها)
فهو يرى أنه لا كفر إلا في الجحود للفرائض، لا مطلق الترك، والجواب من وجوه.الأول: أن
هذه الرسالة – وإن اشتهرت – فإنها لا تصح سندا لجهالة أحمد البردعي راويها عن
أحمد.الثاني: على
فرض الصحة، فليس معناه حصر الكفر في هذين القسمين، فهناك كثير من المكفرات المجمع
عليها.(263/2)
مخالفتان في كلام الإمام المروزي.الأولى: قال
(ومن لم ينقص منه – أي الأصل – لم يزل عنه مسمى الإيمان) ولا يوافق عليه، فإن
الفاسق لا ينال الاسم المطلق، وعلق شيخ الإسلام (إن أريد بذلك أنه بقي معه شيء من
الإسلام والإيمان فهذا حق ... وإن أريد أنه يطلق عليه دون تقييد: مؤمن ومسلم في
سياق الثناء والوعد بالجنة فهذا خلاف الكتاب والستة.الثانية:
قال (فإن نقصت الزيادة التي بعد الأصل: لم ينقص الأصل الذي هو الإقرار بأن الله
حق، وما قاله صدق، لأن النقص من ذلك شكّ في الله، أحق هو أم لا؟ وفي قوله: أصدق هو
أم كذب؟) ولا يوافق عليه، فظاهر عبارته أن الإيمان الذي في القلب (التصديق) لا
يدخلُه النقص، وقد نبه عليه شيخ الإسلام (7/413) والعجب أني لم أر أحدًا من
المخالفين نبّه على هذين الأمرين، مع كثرة استشهادهم بهذا الموضع، واللهُ أعلم. (279/2) مخالفات ابنِ حزم في مسائل "
الإيمان ".زعمُه أن
التصديقَ لا يزيدُ ولا ينقصُ: (ولا سبيل إلى التفاضل في هذه الصفة فصح أن الزيادة
التي ذكر الله عزوجل في الإيمان ليست في التصديق أصلا، ولا في الاعتقاد ألبتة فهي
ضرورة في غير التصديق، وليس هاهنا الأعمال فقط، فصح يقينًا أن أعمالَ البر بنصّ
القرآن) فهل يقال إن شيخ الإسلام زكى جميع ما قاله ابن حزم في هذا الباب؟خطؤثه في
حكاية مذهب الكرامية: قال (وذهب قوم إلى أن الإيمان هو إقرار باللسان بالله تعالى،
وإن اعتقد الكفر بقلبه فإذا فعل ذلك فهو مؤمن من أهل الجنة، وهذا قول محمد بن كرام
السجستاني وأصحابه) لكن بيّن شيخ الإسلام أن الكرامية يعتبرون الباطن في الآخرة (=
بعد أن ذكر القول = لكن أصحابه لا يخالفون في الحكم، فإنهم يقولون : إن هذا الإيمان
باللسان دون القلب هو إيمان المنافقين وأنه لا ينفع في الآخرة) وقال (حتى الكرامية
الذي يسمون المنافق مؤمنا ويقولون: الإيمان هو الكلمة، يقولون: إنه لا ينفع في
الآخرة إلا الإيمان الباطن).خطؤه في
حكاية مذهب الأشعري في الكفر: فأثبت لهم أن (الإيمان إنما هو معرفة الله بالقلب،
وإن أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته، فإذا عرف الله
بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة) الفصل (3/249)وسوى في
مواضع بين نسبته لجهم ولأبي الحسن الأشعري، ولكن الصحيح أن بينهما فرقا، فالأشعري
وإن نصر قول جهم في الإيمان – في أحد قوليه- إلا أنه لا يجعل من أظهر اليهودية
والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه مؤمنا من أهل الجنة، بل يقول: إن ما يظهر من
ذلك دليل على كفر الباطن، راجع مجموع الفتاوى (7/149).خطؤه على
أبي حنيفة: وذلك أنه نسبَ إليه من آمن بالله وكذب الرسول فهو مؤمن وكافر، وهذا
لازم لقول جهم دون أبي حنيفة – رحمهما الله -.زعمُه أن
الإيمان والإسلام شيءٌ واحد: وقد سبق الرد عليه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.نسبته إلى
مقاتل بن سليمان ما ليس له: قال ابنُ حزم (وقال مقاتل بن سليمان وكان من كبار
المرجئة: لا يضر مع الإيمان سيئة جلت أو قلت أصلا، ولا ينفع مع الشرك حسنة أصلا)
وقال شيخ الإسلام (والأشبه أنه كذب عليه).الفِصل
(5/74) شرح الأصفهانية (ص182).توضيح ثناء
شيخ الإسلام على الإمام ابن حزم –رحمهما الله-: هذا يؤيد أن
ثناء شيخ الإسلام على سبيل الإجمال والتغليب، ولا يعني صحة جميع ما ذكره ابن حزم
في هذا الباب.(296/2)
مخالفة الإمام البيهقي لمذهبِ أهل السنة والجماعة.(1) سلك في
الاستدلال طريقة السلف، وخالفهم في كثير من المسائل عند التطبيق لذلك الاستدلال.(2) اختار
في الاستدلال على وجود الله طريقة القرآن الكريم، إلا أنه وافق الأشاعرة في
الاستدلال بالجواهر والأعراض على حدوث العالم زاعما صحته، لأنه في نظره استدلال
شرعي وأيده بطريقة إبراهيم عليه السلام.(3) عدم
موافقته للسلف في القول بحدوث الحوادث بذات الله تعالى، لذلك قال بقدم جميع الصفات
الذات العقلية، وعدم حدوث شيء منها.(4) مخالفته
للسلف في نفيه تسلسل الحوادث في جانب الماضي، ولذلك رأيناه يقول بحدوث صفات الفعل
العقلية.(5) البيهقي
وافق السلف فيما أثبته من صفاتِ الذات الخبرية، وخالفهم في تأويل ما بقي منها، حيث
أثبت اليدين والوجه والعينين، وأوّل ما سوى ذلك، كاليمين والكف والأصابع والساق والقدم؛
لأنها ثابتة بخبر الآحاد.(6) إثباتُه
أن قولَ السلف في " الصفات " هو (التفويض).(7) يقول
بقول الأشاعرة بأن كلام الله نفسي قديم، وأنه بدون حرف ولا صوت ومعنى واحد.( يتفق مع
السلف في إثبات رؤية المؤمنين لله، ولكن يخالف بنفي الجهة.(9) يقول
بقدم تأثير قدرة العبد في فعله، وهو يوافق الأشاعرة القائلين بالكسب، الذي لا
حقيقة له.(10) ينفي
تأثير الأسباب في مسبباتها، وهو مذهب الأشاعرة. (316/2) توضيح ما اشتبه من كلام شيخ الإسلام ابن
تيمية – رحمه الله -:طرق
مغالطاتهم على كلام الشيخ: (1) الأخذ بالمتشابه وهجر المُحكم (2) التقاط العبارات
المجملة، أو المحتملة، أو الموهمة، والإعراض عن الصريحةِ الواضحة (3) المغالطة في
دلالةِ بعضِ العباراتِ (4) قطع الكلام المستدلّ به عن السِّباقِ واللحاق الذي لا
يتضح إلا بهما (5) بتر الكلام أو إبداله أو توظيف النص على غير المراد (6) الأخذ بالمجمل وترك المفصل (7) العدول عن
المذهب الحق المنصور. (المدخل إلى آثار
شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال ص 76) قاله الشيخ بكر بن عبد الله أبو
زيد.تذكير
بأمرين:الأول: عبر
شيخ الإسلام عن رأيِه في تكفير تارك عمل الجوارح بعبارات متعددة، وألفاظ متنوعة،
وقد سبقَ كثير من هذا.الثاني: شيخ
الإسلام يرى كفرَ تاركِ الصلاة، ويحتج بإجماع الصحابة، إذا من قال بكفر تارك
الصلاة، فهو قائلٌ بكفر تارك العمل.الموضع
المشتَبه الأول: قال (وأما من كان معه أول الإيمان فهذا يصح منه، لأنه معه إقراره
في الباطن، بوجوب ما أوجبه الرسول، وتحريم ما حرمه، وهذا سبب الصحة، وأما كماله
فيتعلق به خطاب الوعد بالجنة والنصرة والسلامة من النار).الجواب من
وجهين.الأول: ليس
الكلام عن ترك العمل بالكلية، فهو خارجٌ عن محل النزاع.الثاني: أن
المخالف لم يفقه الضمير في (يصح منه) وخلاصة الكلام أن الإيمان له مبدأ وكمال،
فمبدؤه الإتيان بالشهادتين، وكماله فعل الواجبات والمستحبات وترك المحظورات، فهو
خارج عن محل النزاع، وإنما بتْرُ النصوص!.الموضع
المشتبه الثاني: قال (إن شعبَ الإيمان قد تتلازم عند القوة، ولا تتلازم عند الضعف)
دل أن عمل الجوارح وإن كان لازما، إلا زواله على يدل على ضعفِ الملزوم لا انتفائه.الجواب من
وجوه.الأول: كلام
شيخ الإسلام في مواضع كثيرة أن انتفاءَ اللازم يدل على انتفاءِ الملزوم، لا على
ضعفه، بل جعله شرطا للقول بأن الخلاف مع مرجئة الفقهاء لفظي.الثاني:
يتعين معرفة مراد شيخ الإسلام بـ(شعب الإيمان) فصنيع القوم يوهم أنه يتحدث عن
الظاهر والباطن، أو قول اللسان وقول القلب، وعمل القلب وعمل الجوارح، وإنما الحق
أنّ صنيعَ شيخِ الإسلام هو أنه يتحدث عن شعب الإيمان بمعناها الواسع الشامل، التي
هي بضع وسبعون شعبة، وأنها لا تتلازم حال ضعفِ الإيمان، بل قد لا تتلازم في قوته.الموضع
المشتبه الثالث والرابع: يُردُّ عليهما بهذا الملخص الكامل الذي وُضع لأجله.الموضع
المشتبه الخامس: قال في مناظرته مع ابن المرحل (إن مَن ترك فروع الإيمان لا يكون
كافرًا حتى يتركَ أصلَ الإيمان وهو الاعتقاد، ولا يلزم من فروع الحقيقة التي هي
ذات شعب وأجزاء زوال اسمها كالإنسان إضا قطعت يده، أو الشجرة إذا قطع بعض فروعها).الجوابُ من
وجهين.الوجهُ
الأول: إن أريد بقوله (الاعتقاد) قول القلب وعمله – كما هو مذهب شيخ الإسلام في
هذا الإطلاق- فتقدير وجود عمل القلب من دون عمل الجوارح ممتنع.الوجه
الثاني: يتعين حمل (فروع الإيمان) على بعض العمل لا كله، لأمور:الأمرُ
الأول: ما تم نقله في جمهور السلف من الصحابة والتابعين إلى أن تكفير من ترك العمل
مطلقا.الأمر
الثاني: تكفير الشيخ لتارك الصلاة، فتعين حمل كلامه على " الفروع " دفعا
للتناقض والاضطراب.الأمر
الثالث: لا أعلم أحدا توسع في تقرير مسألة التلازم بين الظاهر والباطن كشيخ
الإسلام، فكيف ينسب هذا له؟الأمر
الرابع: قوله في الشجرة (إذا قطع بعض فروعا) فيه أشارة أنه يريد ترك بعض الأعمال،
لا جميعها. تكميل: رد
شيخ الإسلام على الجهمية القائلين بأنّ من نفى الشرع إيمانه دل على أنه ليس ف قلبه
شيء من التصديق أصلا، وأنها سفسطة عند جماهير العقلاء (مجموع الفتاوى 7/148).(366/2)
توضيح كلام الإمام ابن أبي العز الحنفي.قال (وقد
أجمعوا أنه لو صدّق بقلبه وأقر بلسانه وامتنع عن العمل بجوارحه: أنه عاصٍ لله
ورسول مستحق للوعيد) فأوهم المخالف أن ابن أبي العز يحكي الإجماع أنه لا يكفر تارك
العمل.الجواب من
وجوه.الأول:
العصيان لا ينافي الحكم بكفره، فالكافر والمشرك والمنافق جميعهم عصاة لله ورسوله
مستحقون للوعيد.الثاني: حمل
العصيان على عدم الكفر؛ ثم الإجماع على عدم كفر ترك العمل، فإنه إجماع لا يُشك في
بطلانِه، لاختلافهم تكفير تارك الصلاة، واختلاف السلف في تكفير تارك المباني
الأربعة.الثالث: أن
ابن أبي العز يتكلم عن الأحناف وأن ما وقع بينهم وبين الجمهور صوري، فدفع التوهم
على الحنفية بنسبتهم إلى غلاةِ المرجئة، إذ قد يخيَّل لمن يقف في كلامهم في إخراجِ
العمل من مسمى الإيمان، وقولهم بتساوي أهل الإيمان في أصله، أنهم يقولون: لا يضر
مع الإيمان ذنب، وأن أهل المعاصي غير معرضين للوعيد، ثم بين أن الخلاف صوري في حال
إثباتهم التلازم بين الظاهر والباطن، يرجع لكلامه في شرح الطحاوية (2/508).(371/2)
توضيح كلام الإمام ابن رجب الحنبلي.قال عن حديث
(لم يعملوا خيرا قط) أي من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم، ثم قال (وهذا
يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد
الذين لم يعملوا خيرا قط في جوارحهم).وقال (معلوم
أن الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان، وبها يخرج من يخرج
من أهل النار فيدخل الجنة).الجواب من
وجوه.الأول: قدمت
الكلام على تخريج معنى الحديث، وأن اللجنة الدائمة حملته على من ترك العمل لعذر،
فمجرد هذا التفسير للحديث لا يعني تبني مذهب المرجئة القائلين بإسلام من ترك أعمال
الجوارح بالكلية مع القدرة.الثاني: في
كلامه (ومعلوم .. ) أين العمل القلبي؟ فإن تقدير وجود القلب مع انتفاء عمل الجوارح
ممتنع.الثالث:
الظاهر من كلام ابن رجب أنه يرى كفر تارك الصلاة، فقد حكى الأقوال والأدلة دون ذكر
المخالف انظر جامع العلوم والحكم (ص44) وانظر كلامه صريحا (فتح الباري 5/50).(378/2) رد
ما اعتمدوا عليه من كلام ابن حجر العسقلاني.قال في
الفتح (فالسلف قالوا: هو اعتقادٌ بالقلب ونطقٌ باللسان وعملٌ بالأركان، وأرادوا
بذلك أنّ الأعمالَ شرطٌ في كمالِه، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقصان ...
والمعتزلة قالواك هو العمل والنطق والاعتقاد والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا
الأعمال شرطا في صحته، والسلف جعلوها شرطًا في كمالِه).الجواب من
وجوه.الأول: أن
هذا معتقد الأشاعرة، ونسبته للسلف لا تصح.الثاني:
تقدم ذكرُ الإجماع، ولا عبرة بما يخالفه.الثالث:
يمكن أن يفهم كلام ابن حجر على محمل حسن، قال الدكتور عبد الله الزاحم – معنى –
أراد الحافظ آحاد العمل، لا جنس العمل؛ لأن المعتزلة يرون أن كل عمل شرط لصحة
الإيمان، وإن حُمِل على جنس العمل فهو لازم قول المرجئة (تقريظة لكتاب: التبيان
لعلاقة العمل بمسمى الإيمان) لعلي بن أحمد بن سوف.الرابع:
إنكار الشيخ ابن باز عليه، وأقر كلام الشيخ
علي الشبل، والشيخ علوي السقاف.الخامس:
إنكار الشيخ عبد الرحمن بن البراك، وأنه مذهب المرجئة، وبيان علماء نجد مخالفتهم
للحافظ. (الدرر السنة في الأجوبة النجدية 12/7).خاتمة
للنتائج الأخيرة من كتاب " الإيمان عند السلف "(1) لا تصح دعوى الإجماع أن الإيمان في اللغة التصديق.(2) الإيمان
لغة: الإقرار المتضمن تصديق القلب وانقياده.(3) الإيمان
الشرعي مركب من القول والعمل، بإجماع أهل السنة.(4) الأيمان
أصله ما في القلب، وفرعه ما يظهر على البدن، وبينهما تلازم.(5) الإيمان
يزيد وينقص بالوحيين والإجماع.(6)
الاسثناء في الإيمان يجوز تركه وفعله باعتبار حالين، واستثناء السلف راجع إلى خمس
اعتبارات.(7) جمهور
الأمة على التفريق بين الإسلام والإيمان، وأن الإيمان درجة أعلى من الإسلام.( الأدلة
دلت على تلازم الإيمان والإسلام.(9) لا يصح
جعل الشهوة وإرادة الدنيا مانعا من التكفير، ولا يصح اشتراط قصد الكفر، وبطلانه من
الوحيين والإجماع.(10)
المرجئة تعتقد الاعتقاد للتكفير بالمكفرات القولية والعملية.(11) الجهم
ومن وافقه ذهبوا: أن الإيمان هو المعرفة، والكفر هو الجهل، وأن قول اللسان وعمل
القلب والجوارح ليس من الإيمان، وأن الإيمان شيء واحد لا يتفاضل، ولا يُستثنى منه.(12) حصر
الكفر في القلب ذهب إليه كثير من أهل الإرجاء، لكن منهم من لا يقصره على التكذيب
والجهل بل يضيف ما يناقض عمل القلب كالعداوة والاستخفافز(13) خلاف
الكرامية في " المنافق " مع أهل السنة في الاسم لا في الحكم.(14)
المعتمد عند الأشاعرة المتأخرين: أن العمل شرط كمال، والإيمان يزيد وينقص،
والإيمان هو التصديق بالقلب، وأن قول اللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا.(15) قول
الأشاعرة المتأخرين بالموافاة = أي أن الإيمان هو ما مات عليه العبد ويوافي به ربه
وهذا مجهول للعبد فيستثني = محدَث مبني على نفي قيام الأفعال الاختيارية باللهِ
تعالى؛ لأن الموافاة هي ما سبق في علم الله ما يكون عليه(16) متأخرو
الأشاعرة يثبتون عمل القلب، ويدخلون ذلك تحت التصديق، ويفرقون بينه وبين المعرفة
مذهب جهم.(17) الكفر
عندهم هو " التكذيب " أو " الجهل " وفعل الكفر المجمع عليها
علامة على الكفر، ويجوز أن يكون فاعل ذلك مؤمنا في الباطن، ومنهم من يقول: هذه
علامة على التكذيب في قلبه، فيحكم بانتفاء التصديق منه.(18) الماتريدية
يرون الإيمان هو التصديق ولا يزيد ولا ينقص، ولا يٌستثنى منه، وقول اللسان شرط
لإجراء الأحكام الدنيوية فقط، ومنهم من أثبت الزيادة والنقصان.(19) حاصل مرجئة الفقهاء: الإيمان تصديق وقول، لا يزيد ولا ينقص ولا يستثنى فيه،
وعمل الجوارح ليس من الإيمان، وكذلك عمل القلب على ما ترجح لدي، وهو محل تردد عند
شيخ الإسلام.(20) الخلاف
لفظي بين أهل السنة والمرجئة لمن أثبت التلازم.(21) من
قال: الإيمان قول وعمل، يعني إثبات أمرين:الأول: لا
يجزئ القول ولا يصح من دون العمل.الثاني:
الكفر يكون بالقول، والعمل، كما يكون في الاعتقاد والترك.(22) من زلّ
في هذا الباب مع كراهته للإرجاء، وذمه للمرجئة لا يقال " مرجئ " بإطلاق،
بل " وقع في الإرجاء ".(23)
التلازم بين الظاهر والباطن يأباه أهل الإرجاء، وجعلت له قسما مستقلا وعلاقته بكفر
الإعراض.(24) ترك
العمل الظاهر بالكلية كفر مخرج من الملة، لأربعة أدلة:الأول:
التلازم.الثاني:
ركنية العمل، إجماعاالثالث: كفر
تارك الصلاة، إجماعا، نُقِلَ من اثني عشر إمامًا.الرابعة:
حقيقة كفر الإعراض، من ترك العمل، وهو راجع لمسألة التلازم.(25)
نقولاتي بلغت عن مائة وعشرين نقلا، عن خمسين عالمًا، من الصحابة والتابعين إلى
زماننا، وتبين أن المعاصرين لا يختلفون في هذه المسألة.هذا وإني
أتوجه لإخواني الذين حادوا عن الصواب في هذه المسألة، بنصيحتين:الأولى، لمن
انشغل منهم بالتأليف والكتابة، أن يتقو الله تعالى، وألا يوردوا في نقولهم كلاما
لأهل البدع المخالفين للسنة، وألا يضربوا كلام أهل العلم بعضه في بعض، فللاستدلال
آدابه وقواعده، التي لا تخفى عليهم.والثانية:
لعامة طلبة العلم المريدين للخير الباحثين عن الحق، أن يلزموا ركْبَ علمائهم، وأن
يأخذوا العلم على أيديهم، وأن يحذروا زلة العالم، وزيغة الحكيم، وأن يعلموا أن
للمنهج السلفي حملةً وورثةً وأئمةً وهداةً، فيا فلاح وسعد من كان مع هؤلاء.أسأل الله
أن يبصرنا بالحق وأن يجعلنا من أهله والدعاء إليه.وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبِهِ وسلم. ثم وضع
المؤلف ملحقا من فتاوى " اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ": (395)في التحذير
من كتاب " إحكام التقرير في أحكام التكفير " لمراد شكري، وهو ما زال على
مذهبه في الإرجاء، إلا أنه زاد شيئا غير كفر التكذيب، فهو قال لنا " كان لا
بد من توضيح " لا " تراجع " !
ثم التحذير من كتاب " ضبط الضوابط " لأحمد الزهراني، وقد ثبتَ تراجعه
بفضل الله، ثم التحذير من كتاب " حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط
المرجئة " لعدنان عبد القادر ثم من
كتابي " التحذير من فتنة التكفير " و " صيحة نذير " وقد كُتب
في تخبطه في مسألة الإيمان، وقد كذَب من زعم من اللجنة تراجعها عن فتواها، وما زال
يلبّس على الناس بقوله " الإيمان قول وعمل واعتقاد " ولا يوضح كمال
العمل أو صحته، تلبيسًا وتدليسا. انتهى الكتاب في خاتمة التلخيص
أوجه شكري لفضيلة الشيخ إحسان العتيبي، فكان
أول صدورِه ودخوله لبيته نصحُه إيايَ بقراءته؛ لكون المؤلف ممن تعمَّق في هذه
المسألة، وأكثر من الحوار معهم في المنتديات، حتى لمَّ بشعب شبهاتها.
ومن مزايا الكتاب: تحرير أقوال شيخ الإسلام في
مسائل الإيمان، وجمع كل أقواله في مسألة " التلازم " و " ركنية
العمل " و " الأصل والفرع " وغير ذلك، مما كان المخالِف يعمد إلى
موضع وموضعين، ثم يبني تأصيله على قول شيخ الإسلام، وهو منهُ براء، وكذلك توضيح
الخلاف اللفظي أو الحقيقي بين المرجئة وأهل السنة.
ومن مزايا الكتاب: اقتصارُ الكتابِ على مسألة
أصليَّة جزئية، أصلية من حيثُ كونها إجماعا من إجماعات السلف، ولما ينبي عليها من
ثمرة، جزئية من حيثُ الموضوع وهو " العمل " وهذه فائدة التخصص في الفن،
فضلا عن التمكن والتمعن في مسألة من مسائل فنِّه.
ومن مزايا الكتاب: الرد المؤصل، وتفنيد الأفكار
دون التعرض للأشخاص، وهذا معينٌ على قَبول الحق من المخالف، ناهيك عن القارئ
المتجرد المتحرر.
ومن مزايا الكتاب: رجوع الكتاب إلى أصول أهل
السنة والجماعة : القرآن فالسنة، مملحًا بأقوال السلف وفهمهم وإجماعاتهم.
ومن مزايا الكتاب: توضيح مناهج بعض من تكلم في
الإيمان باسم أهل السنة، وليس منهم فيها، كالبيهقي وابن حزم، أو الزلات كما وقع من
المروزي وغيره.
أسأل الله أن ينفع بالكتاب طلبة العلم، وأن يرشدهم
ويعينهم على فهم السلف لهذه المسألة، وأن لا يغتروا بما يقوله بعض المشايخ من
التهوين بها، وأن ينفع بهذا التلخيص المقتضب من أصل ثمانمائة صفحة - تقريبا - لـ
ثلاثين ورقة، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
أخوكم / أبو الهمام البرقاوي
1433هـ 2012م.