من أنواع العبادة
7- تلاوة القرآن
وتدبُّره، وتعلُّمه، وتعليمه، والعمل به
وقد قال تعالى : اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ...الآية [العنكبوت: 45]. وقال تعالى : لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 29].
بعض الدروس على هذه العبادة
1. يجب عليك -أيها العبد- أن تتعلّم من كتاب الله وسنة رسوله ما لا تصح عبادتك إلا به، كالفاتحة .
2. ويشرع لك -أيها العبد- أن تتعلم القرآن وتعلِّمه، كما قال : ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) رواه الشيخان , فتجلس في حِلَق القرآن، وتدرّس القرآن، وتشجع على تدريسه، وتدعم ذلك بمالك ووقتك حسب استطاعتك .
3. يجب عليك -أيها العبد- أن تعمل بهذا القرآن، ولا تجفو عنه، ولا تغلو فيه، وقد قال في حديث عبد الرحمن بن شبل : ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَغْلُوا فِيهِ وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ ) رواه أحمد (صحيح) , ولا تجعل القرآن لتأكل به في المآتم ونحوها، وإنما يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والرقية به، لقوله : ( إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ ) رواه البخاري .
4. لِتَسْتشفِ -أيها العبد- بالقرآن لجميع الأمراض القلبية والبدنية, ومن أنفع الرقى الرقية بالفاتحة كما في قصة اللّديغ، والله سبحانه هو الشافي .
5. عليك -أيها العبد- أن تبتغي بقراءة القرآن وجه الله، وقد قال في حديث جابر : ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَابْتَغُوا بِهِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يُقِيمُونَهُ إِقَامَةَ الْقِدْحِ يَتَعَجَّلُونَهُ وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ ) رواه أبو داود وأحمد (حسن) .
6. ولْتسألِ الله بالقرآن ولا تسأل به الناس، وقد قال في حديث عمران بن حصين : ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجِيءَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ ) رواه أحمد (صحيح) .
7. لتقرأ -أيها العبد- القرآن، ولْتقرأ البقرة وآل عمران، كما قال في حديث أبي أمامه : ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ) رواه مسلم . " الْبَطَلَةَ : السَّحَرَةُ" .
8. أيها العبد يحرم عليك المجادلة بالباطل في القرآن، وقد قال في حديث أبي هريرة : ( الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ ) رواه أبو داود والحاكم (صحيح), وقال في حديث جندب : ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ ) رواه الشيخان .
9. لتجتهد أيها العبد في قراءة القرآن، وفهمه والتفقه فيه، فقد قال في حديث ابن عمرو : ( اقرأ القرآن في كل شهر اقرأه في عشرين ليلة اقرأه في عشر اقرأه في سبع و لا تزد على ذلك ) رواه الشيخان , وقال : ( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) رواه الشيخان , ولتحرص أيها العبد على فهم تفسير القرآن حتى لو أخذت تفسيراً مختصراً .
من أنواع العبادة
8- الرجاء " يرجو لقاء الله "
كما قال تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110].
بعض الدروس على هذه العبادة
أ- أيها العبد، ظن بربك خيراً لتجد خيراً ولا تظن بربك شراً وقد قال في حديث واثلة : ( قَالَ اللَّهُ :أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ ) رواه الحاكم وغيره (صحيح) , وقال في حديث أبي هريرة : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ ) رواه أحمد (صحيح) .
ب- أحبب لقاء الله ليحب الله لقاءك، ولا تكره لقاء الله فيكره الله لقائك، كما قال في حديث أبي هريرة : ( قَالَ اللَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ ) رواه البخاري .
ج- إذا أحببت لقاء الله فتقرّب إلى الله بالطاعات؛ ليتقرب إليك وليوفقك ويعينك على كل خير، كما في حديث أنس عن يرويه عن ربه: ( إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) رواه البخاري .
د- ادع الله عند الكرب بما في حديث أبي بكرة قال رسول الله : ( دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ) رواه أبو داود (حسن).
هـ- لتكن خائفاً من الله، راجياً له فالخوف يمنعك من معاصي الله، والرجاء يحدوك إلى القيام بالطاعات، وقد قال تعالى: ( وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) [الإسراء:57]. وقال في حديث أبي هريرة : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنْ الْجَنَّةِ وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ النَّارِ ) رواه البخاري .
و- واحذر أيها العبد من الاعتماد على رحمة الله بدون طاعة الله، بل يجب عليك الحذر من الذنوب، وعليك القيام بما أوجب الله عليك، وقد قال تعالى : أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [ الزمر : 9 ].
من أنواع العبادة
9- الاستعاذة بالله والالتجاء إليه
كما قال تعالى : وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف: 200].
بعض الدروس على هذه العبادة
• استعذ بالله -أيها العبد- من الشيطان الرجيم إذا قرأت القرآن الكريم، كما قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [ النحل : 98 ] .
واستعذ بالله من همزات الشياطين وأن يحضروك، كما قال تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [ المؤمنون : 97-98 ]. وأن تستعيذ بالله عندما ينزغك نزغٌ من الشيطان،كما قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف: 200].
• ويشرع لك أيها العبد أن تستعيذ بالمعوذات ( قل هو الله أحد )، و( الفلق )، و( الناس ) حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً، لحديث معاذ بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله قال له: ) قُلْ فَقُلْتُ مَا أَقُولُ قَالَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثًا يَكْفِيكَ كُلَّ شَيْءٍ) رواه النسائي والترمذي (حسن) , وفي حديث عقبة بن عامر أن قال: ( مَا تَعَوَّذَ بِمِثْلِهِنَّ أَحَدٌ ) رواه النسائي (صحيح) .
• تعوّذ -أيها العبد- بالله من الفتن، فقد قال في حديث أبي سعيد : ( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ ) رواه مسلم .
• تعوذ -أيها العبد- بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، لقوله في حديث أبي هريرة : ( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ ) رواه البخاري .
• تعوذ بالله من جار السوء في دار المقام، لقوله في حديث أبي هريرة : ( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَارِ السَّوْءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ عَنْكَ ) رواه النسائي (صحيح) .
• تعوذ بالله من يوم السوء، وليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة، لقوله في حديث عقبة بن عامر : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْمِ السُّوءِ، وَمِنْ لَيْلَةِ السُّوءِ، وَمِنْ سَاعَةِ السُّوءِ، وَمِنْ صَاحِبِ السُّوءِ، وَمِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ ) رواه الطبراني في الكبير (حسن) .
• تعوذ بالله من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، لقوله : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَهْوَاءِ ) رواه الترمذي (صحيح) .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث أبي هريرة : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (صحيح) .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث عبد الله بن عمرو فقال: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ ) رواه النسائي والحاكم (صحيح) .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث أنس فقال: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَعَمَلٍ لَا يُرْفَعُ وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ ) رواه أحمد (صحيح) .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث أبي هريرة فقال: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ ) رواه البخاري.
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ ) رواه مسلم .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث شَكَل فقال: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي ) رواه أبو داود والحاكم (صحيح) .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث ابن عمر فقال : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ) رواه مسلم .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث أنس فقال : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ) رواه الشيخان .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث عائشة رضي الله عنها فقال : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ) رواه الشيخان .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث أبي هريرة فقال : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (صحيح) .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث أنس فقال : ( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والجبن والبخل ، والهرم والقسوة ، والغفلة ، والعيلة والذلة والمسكنة ، وأعوذ بك من الفقر والكفر ، والفسوق ، والشقاق ، والنفاق والسمعة ، والرياء ، وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون ، والجذام ، والبرص ، وسيئ الأسقام ) رواه الحاكم (صحيح) .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث أبي هريرة فقال : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (حسن) .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه في حديث أبي اليسر فقال : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ التَّرَدِّي وَالْهَدْمِ وَالْغَرَقِ وَالْحَرِيقِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا ) رواه النسائي (صحيح) .
• تعوذ برضا الله مما تعوذ منه في حديث عائشة رضي الله عنها فقال : ( اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ) رواه مسلم .
• تعوذ بالله مما تعوذ منه رسول الله في حديث ابن عمر فقال: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) رواه النسائي وابن ماجه (صحيح) .
• تعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة، كما جاء عنه أنه: ( كان يَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه النسائي (صحيح) .
• تعوذ بالله من سوء العمر، وفتنة الصدر، ففي الحديث: (كَانَ النَّبِيُّ يَتَعَوَّذُ مِنْ خَمْسٍ ) وذكر منها: ( وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ سُوءِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الصَّدْرِ ) رواه النسائي (صحيح) .
• تعوذ بالله من الشح، ففي الحديث: ( كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الشُّحِّ ) رواه النسائي (صحيح) .
• تعوذ بالله من شر مَنيِّك، ومن شر قلبك، وفي حديث شَكَل أن النبي قال له: ( قُلْ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَشَرِّ بَصَرِي وَشَرِّ لِسَانِي وَشَرِّ قَلْبِي وَشَرِّ مَنِيِّي قَالَ سَعْدٌ وَالْمَنِيُّ مَاؤُهُ ) رواه النسائي (صحيح) .
• تعوذ بالله أن ترد إلى أرذل العمر، وفي حديث سعد أنه كان يدعو ويقول: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبُخْلِ ) الحديث وفيه: ( وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ) رواه النسائي وبعضه في الصحيح (صحيح) .
• وتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ومن تعوُّذ النبي : ( أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ) رواه مسلم .
• إذا دخلت المسجد فقل كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أَنَّهُ
كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ أَقَطْ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ ) رواه أبو داود (صحيح) , وغير ذلك مما ورد في السنة الصحيحة .
• من استعاذ بالله فأعذه إن كان في حق، كما قال في حديث عمر : ( مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ...الحديث) رواه أبو داود (صحيح) .
من أنواع العبادة
10- الاستغاثة بالله من جلب خير أو دفع ضر
كما قال تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ الأنفال : 9 ].
دروس على الاستغاثة
• إذا نزل بك همٌ أو غمٌ يُشرع لك أن تقول ما جاء في حديث ابن مسعود : ( أنه كان إذا نزل به هم أو غم قال يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ) رواه الحاكم (حسن) .
• وإذا طلبتَ الغوث بالمطر، فيُشرع لك أن تقول ما جاء في حديث أنس أنه رفع يديه في الاستسقاء ثم قال : ( اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ) رواه الشيخان .
• إذا استُغيث بك -أيها العبد- فيما لا يقدر عليه إلا الله فقل ما جاء في الحديث: ( أن منافقاً كان يؤذي المؤمنين فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث رسول الله من هذا المنافق فقال : "إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله ) رواه الطبراني في الكبير (حسن) .
• ما كان العبد قادراً عليه فإنه يجوز الاستغاثة به في ذلك، وقد قال تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [ القصص : 15 ].
• أيها المسلم أعِنْ ذا الحاجة الملهوف، فقد قال في حديث أبي موسى : ( عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ أَوْ قَالَ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ فَيُمْسِكُ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ ) رواه الشيخان. وقال في حديث أبي ذر : ( عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ ) الحديث وفيه: ( وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ...الحديث) رواه أحمد والنسائي (صحيح) .
من أنواع العبادة
11- المحبة
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]. وقال تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [ المائدة : 54 ]. وقال في حديث أنس : ( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ) رواه الشيخان.
أنواع المحبة
1- المحبة التي هي عبادة لله: وهي المحبة التي تكون في القلب ومعها الذل والرهبة والرغبة , ولا تُسمّى عبادة إلا مع ذلك، فالمحبّ الصادق في محبته هو المطيع للمحبوب، الساعي فيما يرضيه، المتجنِّب لما يكره المحبوب , فيجب على العبد إفراد الله بهذه المحبة، فإذا أشرك فيها مع الله كان شركاً أكبر .
2- المحبة في الله: وهي من أنواع العبادة، وتكون بمحبة ما يحبه الله ورسوله، وهي واجبة على العبد، كمحبة الرسل والأنبياء وعباد الله الصالحين، ومحبة العبادات كالصلاة والزكاة، وكل ما يحبه الله ورسوله، وهذه المحبة تابعة لمحبة الله، فيجب أن يحب ما يحبه الله، وأن يبغض ما يبغضه الله ورسوله .
3- المحبة مع الله: كمحبة المشركين لمعبوداتهم، فهي محبة مع رغبة ورهبة، فهذه هي المحبة الشركية (شرك أكبر) .
4- محبة تكون معصية لله ولا تكون شركاً: كمن يحب الله ورسوله، (عنده أصل المحبة لله ولرسوله ولدينه) ولكنه يحب بعض المعاصي والذنوب، ويحب العصاة، ويحب نفسه أكثر من محبته لله ولرسوله ، ولم يشرك بالله الشرك الأكبر، فهذا عاصٍ لله؛ لأن المحبة الكاملة وجوباً أن يحب الله ورسوله كما قال : ( أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ) رواه الشيخان .
5- المحبة الطبيعية: كمحبة الولد، والأهل، والوالد، والزوجة ( ليس فيها رغب ورهب وانزعاج قلب بذلك ) فهذه محبة جائزة، وإذا كان قصد العبد الإعانة بها على طاعة الله فهي عبادة , فإن صدّت العبد عن طاعة الله أو مالت به إلى ما حرّم الله كان عاصياً لله آثماً .
بعض الدروس على المحبة
1- أيها العبد الذي تدّعي أنك صادق في محبتك لله ولرسوله ، عليك أن تقدّم طاعة الله ورسوله على كل أحد، ولْتدرس نفسك في هذه الآية: قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة : 24].
2- مسألة مهمةٌ جداً: عليك أيها العبد أن تدرس نفسك في تطبيق هذا الحديث، وهو قوله : ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) رواه الشيخان, فإن كنت تحب لإخوانك المسلمين ما تحب لنفسك فهذه هي المحبة الكاملة وجوباً، وإن كنت تحب لنفسك أكثر، فأنت ناقص الإيمان الواجب، فتكون آثماً .
3- لتحذر أيها المسلم أن يحملك حب الولد والمال على الشرك بالله، أو معصية الله، كما حصل لبعض ذرية آدم فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا [الأعراف:190]. ولا تبخل أيها المسلم بما أوجبه الله عليك من أجل أولادك، وقد قال في حديث أبي سعيد : ( الولد مجبنة و مبخلة محزنة ) رواه أبو يعلى (صحيح) .
4- احرص -أيها المسلم- أن تكون محبتك لأخيك المسلم في الله، لا لغرضٍ آخر، ليكون اجتماعكما وافتراقكما على ذلك، فمن فعل ذلك كان من السبعة الذين يُظلهم الله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، وقد قال : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ) الحديث وفيه: ( وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ) رواه الشيخان .
5- لتكن محبتك لله ولرسول الله وللعلماء وللصالحين , وكلما كان العبد أكثر طاعة لله فلتكن محبتك له أكثر من غيره، بل أحبب الأخيار حتى وإن لم تعمل بعملهم، وفي حديث أنس : ( قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ الرَّجُلَ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ الْخَيْرِ وَلَا يَعْمَلُ بِمِثْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ) رواه الشيخان , وفي حديث أبي ذر أنه قال:
( يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ كَعَمَلِهِمْ قَالَ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ فَإِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ) رواه أبو داود (صحيح) .
6- إذا أحببت عبداً (رجلاً أو امرأة في الله) فأخبره أنك تحبه، وقد قال في حديث المقدام بن معد يكرب : ( إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ ) رواه أبو داود والترمذي وأحمد (صحيح) وقال في حديث أبي ذر : ( إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَلْيَأْتِهِ فِي مَنْزِلِهِ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ لِلَّهِ ) رواه أحمد (صحيح) .
7- إذا كنت تحب الله فأطعه، وكلما كان المرء أكثر حباً لله كان أكثر تقرباً إليه، فيحبه الله (تقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض) وقد قال فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ) رواه البخاري .
8- واعلم أيها العبد أنك كلما تقربت إلى الله بالفرائض وبعدها بالنوافل أحبك الله، ( أكثر من التقرب إلى الله بالنوافل ) فإن الله إذا أحبك حصلت على خير عظيم، ومنه ما جاء في حديث أبي هريرة أنه قال : ( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ) رواه الشيخان .
9- احذر -أيها العبد- من الوقوع فيما حرّم الله عليك مما يبغضه الله ورسوله حتى لا يبغضك الله، واعلم أن العبد إذا أبغضه الله فهو كما قال في حديث أبي هريرة : ( وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنِّي أَبْغَضْتُ فُلَانًا فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ ) رواه الترمذي (صحيح) .
10- لتكن محبتك في الله وموالاتك في الله، ومعاداتك في الله، وبغضك في الله، فتلك أوثق عرى الإيمان، كما قال في حديث ابن عباس : ( أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ: الْمُوَالاةُ فِي اللَّهِ، وَالْمُعَادَاةُ فِي اللَّهِ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ ) رواه الطبراني في الكبير (صحيح) .
11- إذا أحببت عبداً فلتكن محبتك له على قدر طاعته لله، وبغضك له على قدر ما عنده من معصية الله؛ لأن الولاء والبراء يتفاوت, ويجب البراءة من فعل العبد للمعصية، ولمّا حصل من خالد بعض الشيء قال : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ) رواه البخاري .
12- أيها العبد، لتكن محبة الله عندك مقدمة على كل شيء، فإذا أحببت الله عز وجل أحبك , بل قد يحصل لك ابتلاء من الله لأنه يحبك، وقد قال في حديث أنس : ( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ) رواه الضياء والبيهقي في الشعب (صحيح) , فإذا ابتُليت فاصبر، واعلم أن ذلك الابتلاء قد يكون فيه رفع لدرجتك، وغير ذلك من الخير .
13- أيها العبد، قدم محبة الله على كل شيء، ولا يحملك طمعٌ في الدنيا على الإقلال من محبة الله، واعلم أن الله قد يحميك الدنيا لأنه يحبك، وقد قال في حديث قتادة بن النعمان : ( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ ) رواه الترمذي والحاكم (صحيح) .
14- من ادّعى محبة الله (أنه يحب الله) فعليه بطاعته بالقيام بأوامره وترك نواهيه، وعليه بمتابعة رسوله ، وقد ادّعى قومٌ محبة الله فاختبرهم الله، وقال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران : 31]. وكلما زاد العبد في التقرب إلى الله بالطاعات زادت محبته لله، وإذا وقع في الذنوب نقصت محبته لله إلا أن يتوب إلى الله .
15- من تدبر أسماء الله وصفاته ومن أسماء الله ( الجميل، الحميد، الشكور، الرزاق، المعطي، المانع ) فإنه يحب الله محبةً لا تقاربها محبة، فتراه مقبلاً على ربه، منتهياً عما نهاه عنه، فتدبّر ذلك. والله الموفق.
من أنواع العبادة
12-الخوف من الله والوجل منه
كما قال تعالى: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ آل عمران : 175 ]. وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [ المؤمنون : 60 ]. فالخوف من العبادات القلبية العظيمة التي لا تصلح إلا لله تعالى، كالرجاء والمحبة والتوكل على الله، فتكميل هذه العبادة تكميل لكمال التوحيد الواجب، والنقص فيها نقص لكمال التوحيد الواجب، فالنقص إثم.
أقسام الخوف
ينقسم الخوف إلى أربعة أقسام :
1- الخوف من الله: وهو عبادة واجبة، وقد نهى الله المؤمنين أن يخافوا غيره، فقال تعالى: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ آل عمران : 175 ].
2- خوف السّر (وهذا الخوف شركي): كمن يخاف من أصحاب القبور (الموتى) أن يضروه , أو يخاف من الأصنام أن تصيبه بسوء، فهذا شرك أكبر ينافي أصل التوحيد .
3- الخوف المحرّم: كمن يخاف من بعض الخلق فيترك ما أوجبه الله عليه، أو يفعل ما حرم الله عليه بلا إكراه ( وهذا الخوف عند بعض العلماء هو من الشرك الذي ينافي كمال التوحيد الواجب ) وفي الحديث أنه قال : ) أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ ) رواه ابن ماجه (صحيح) .
4- الخوف الطبيعي: وهو جائز، كالخوف من سبع أو من عدو أو من سيل ونحو ذلك، وقد قال تعالى عن موسى : قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [ القصص : 33 ]. وقوله : فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ [الشعراء:21] .
دروس على عبادة الخوف
1- الشيطان يخوِّف المؤمنين الموحدين من أوليائه ليترك المؤمنون ما فرض الله عليهم، فعلى العبد المؤمن أن لا يخاف من أولياء الشيطان (أعداء الله)، وإنما يكون خوفه من ربه، وقد قال تعالى : إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ آل عمران : 175 ].
2- أيها المسلم، إن كنت تخاف الله فقم بما أوجب الله عليك، واترك ما حرّمه عليك، واحذر عذاب الله وخف منه، وقد قال تعالى لرسوله : قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [ الزمر : 15 ] .
3- سارع -أيها المسلم- إلى كل طريق يؤدي إلى النجاة من عذاب الله ويؤدي إلى الجنة، وقد قال في حديث أبي هريرة : ( مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ) رواه الترمذي (صحيح) .
4- أيها المسلم، اهرب من النار، واجتهد في ذلك، وفكر في نجاة نفسك وفكاك رقبتك، وقد قال : ( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) رواه مسلم , وقال في حديث أبي هريرة : ( مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا وَلَا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا ) رواه الترمذي (حسن) .
5- تفكّر -أيها المسلم- في قبرك واستعدّ لذلك، فهو منظر فظيع , واجعل ذلك على البال، وقد كان عثمان ( إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا الْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ ) رواه الترمذي وابن ماجه (حسن) .
6- أيها المسلم، خَفْ من عذاب الله، وتفكّر في هذا الحديث، وهو قوله في حديث أبي ذر : ( وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ ) رواه الترمذي وابن ماجه (حسن) .
7- كن -أيها المسلم- ممن يعملون بالطاعات ويخافون أن لا يتقبل منهم، لما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) رواه الترمذي وابن ماجه (حسن) .
8- أيها المسلم، إن الملائكة يخافون الله كما قال تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [ النحل : 50 ]. فلتكن خائفاً من الله، وليكن خوفك حائلاً بينك وبين معاصي الله، ولا تقنط من رحمة الله (كن خائفاً راجياً ) كما قال تعالى : وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [ الإسراء : 57 ] .
9- إذا قرأت القرآن فمررت بآية خوف فتعوّذ , وإذا مررت بآية رحمة فاسأل , وإذا مررت بآية فيها تنزيه لله فسبح؛ لأنه كما في حديث حذيفة قال: ( كَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ خَوْفٍ تَعَوَّذَ و إِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَنْزِيهٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَبَّحَ ) رواه مسلم .
10- ابك خوفاً من الله واجتهد في طاعة الله وتأمل أنك لا تدري ما يفعل بك وقد كان ( يسمع لصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ الْبُكَاءِ وهو يصلي)رواه النسائي وأحمد والحاكم وابن حبان/صحيح , وقال في حديث أم العلاء رضي الله عنها: ( وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ) رواه البخاري .
11- تطلب أن تكون من السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله الذين ذكرهم ومنهم: ( وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) رواه الشيخان .
12- اقرأ سورة هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وتأثر بما فيها فإنها قد شيبت رسول الله وقد قال أبو بكر رضي الله عنه : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ قَالَ شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) رواه الترمذي والحاكم (صحيح) .
13- إن العالِم وغيره من الموحدين ممن قوي إيمانهم هم الذين يقولون كلمة الحق والعدل عند السلطان الجائر ولا يخافونه، ولا يخافون إلا الله، وقد قال في حديث أبي سعيد : ( أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ) رواه ابن ماجه (صحيح) .
من أنواع العبادة
الاستعانة بالله
وهي طلب العون من الله عز وجل كما قال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]. وقال تعالى عن يعقوب عليه السلام: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [ يوسف : 18 ].
أقسام الاستعانة
تنقسم الاستعانة إلى قسمين:
1) القسم الأول: ما هو عبادة لله ولا يجوز أن يصرف إلى غير الله وهي الاستعانة فيما لا يقدر عليه إلا الله .
2) القسم الثاني: ما يجوز أن يستعان بالعبد فيه وهو ما يقدر عليه غير الله .
دروس على الاستعانة
أ- عليك أيها العبد أن تستعين بالله، فإنه إذا لم يعنك الله فلا يتيسر لك شيء، وقد قال لابن عباس : ( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ) رواه الترمذي والحاكم وأحمد (صحيح) , وقال في حديث أبي هريرة : ( احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ) رواه مسلم .
ب- يشرع لك أيها العبد أن تستعين بالله على ذكره وشكره وحسن عبادته (قبل سلامك من صلاتك)، وقد قال لمعاذ : ( أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي (صحيح) .
ت- لا تُعن أحداً على الظلم، وقد قال تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]. وقال في حديث ابن عمر : ( مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ ) رواه ابن ماجه والحاكم (صحيح) .
ث- أيها العبد أعن أخاه في أموره، ومن ذلك أن تُعينه على دابته، كما قال في حديث أبي هريرة : ( كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ...الحديث ) وفيه: ( وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ...الحديث ) رواه الشيخان .
ج- يشرع للمسلمين الاستعانة بالله في كل أمورهم، ومن ذلك الاستعانة بالله على جهاد الكفار وقد قال في حديث حذيفة : ( فُوا لَهَمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ) رواه أحمد (صحيح) .
ح- اعلم أيها العبد أن الله عز وجل إذا أعانك على طاعته فهذا من توفيق الله لك (فمن عمل الطاعة فقد وفّقه الله لعملها) فأكثر من حمد الله وشكره والتقرب إليه والتوبة إليه، فإنه هو الموفق للتوبة ولقبولها غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ [غافر : 3] .
خ- استعن -أيها العبد- بالله واصبر، وصلّ مستعيناً بذلك، كما قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وقد كان النّبيّ : ( إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى ) رواه أحمد وأبو داود (حسن) .
د- يجوز الاستعانة بالمشركين للضرورة ونحوها؛ لأنه استعان بابن أريقط هادياً خِرِّيتاً .
ذ- التسمية على الطعام أو غيره، هي استعانةٌ بالله وتبرك باسمه سبحانه وتعالى.
من أنواع العبادة
14- الـــذّبح
والذبح: هو إزهاق روح الحيوان وإراقة دمه .
أنواع الذبح
1- ذبح عبادة تقرباً إلى الله: كالهدي والأضحية والعقيقة ونحو ذلك، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [ الأنعام : 162 ، 163 ]. وقال تعالى : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر : 2]. وقد ( أَهْدَى النَّبِيُّ مِائَةَ بَدَنَةٍ ) رواه البخاري , وقد ( ضَحَّى النَّبِيُّ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ) رواه الشيخان , وقال في حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: ( الْعَقِيقَة حَقٌ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ ) رواه أحمد .
فيشرع للمسلم هذه الذبائح من هدي، أو أضحية، أو عقيقة تقرباً إلى الله ، ولا تكون هذه العبادات ( الهدي للتمتع والقران ونحوه، والأضحية، والعقيقة ) إلا من بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) فمن ضحّى أو عقَّ أو جعل هديَه من غير بهيمة الأنعام، كان مبتدعاً في الدين لمخالفته هدي النبي في ذلك .
2- ذبح عادة : كالذبح للضيف أو ليأكله ونحو ذلك , لكن فيه جهة عبادة لله من حيث أنه يسمي الله عليه، فإذا ترك التسمية عليه متعمداً لم يحلّ أكله، لقوله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [ الأنعام : 121 ].
3- ذبح لغير الله: وهذا شرك بالله عز وجل (شرك أكبر)، كالذبح للجن والقبور، وكذا لو قصد بإراقة الدم والتعظيم فلاناً من الناس ونحو ذلك، وقد قال : ( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ) رواه مسلم .
والذبح لغير الله يتناول :
- من ذبح لغير الله حتى لو ذكر اسم الله، كمن يذبح للجن، فهو شرك أكبر في العبادة.
- من ذبح وذكر غير اسم الله، حتى لو أراد وجه الله، فهذا أشرك في الربوبية (شرك أكبر).
4- ذبح بدعة: كالذبح لله وباسم الله عند القبور تقرباً إلى الله تعالى، أو كمن ذبح دجاجة أو بطاً قاصداً بها عقيقة أو أضحية، فهذا بدعة في الدين، وهذا محرم (لأن البدع محرمة).
أقسام الذبح الذي لا محذور فيه
وينقسم الذبح الذي لا محذور فيه إلى قسمين :
1- الذبح الذي هو تقرب إلى الله: كالهدى والأضاحي والعقيقة فهذا يجب أن يكون قصد الذابح التقرب إلى الله وأن يذكر اسم الله على الذبيحة وقد قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ الأنعام : 162].
2- الذبح الذي هو جائز: كالذبح للأكل، فهذا يجب على الذابح أن يذكر اسم الله على الذبيحة، ولا يجب عليه قصد التقرب إلى الله ،لكن يحرم قصد التقرب إلى غير الله .
مسائل
تتعلق بالذبح
المسألة الأولى: لو ذبح ما لا يؤكل لحمه تقرُّباً لغير الله وتعظيماً له، فإن ذلك من الشرك الأكبر ( مُخرجٌ من ملةِ الإسلام ) .
المسألة الثانية: الذبح لله وباسم الله في الأماكن التي بها أوثان، أو بها عيدٌ من أعياد الجاهلية، هذا الذبح بدعة محرمة، فلا تفعل ذلك أيها المسلم؛ لأنّ رجلاً نذر أن ينحر إبلاً ببُوانة فأتى النبي َ فقال: ( إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ قَالُوا لَا قَالَ هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ قَالُوا لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَوْفِ بِنَذْرِكَ ) رواه أبو داود (صحيح) , وهذا الابتداع يعود إلى عمل الذابح، وأما الذبيحة فإنه يحل أكلها .
المسألة الثالثة: أيها المسلم، إذا نسيت التسمية على الذبيحة، فإنها تَحِل ولا تحرُم؛ لقوله في حديث ثوبان : ( وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) رواه الطبراني في الكبير (صحيح).
المسألة الرابعة: يشرع لك أيها العبد إذا ذبحت للأكل أو للضيف، أن تكون قاصداً التقرب إلى الله عز وجل بإراقة الدم، لتكون عبادة تُثاب عليها بقصدك، وقد قال : ( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) رواه الشيخان .
المسألة الخامسة: يجب عليك أيها العبد التسمية على الذبيحة، ويسنُّ أن تكبِّر بعد التسمية "الله أكبر"، وفي حديث جابر بن عبد الله قال: ( شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ الْأَضْحَى بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ فَأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي ) رواه الترمذي وأبو داود (صحيح) .
بعض الدروس على الذبح
1- أيها العبد، اجتهد أن تُضحّي إذا كنت ذا سعةٍ وقادراً على التضحية، والأفضل أن تُضحّي بالكبش الأقرن، وقد قال في حديث أبي هريرة : ( مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا) رواه ابن ماجه والحاكم (صحيح). وقد ( ضَحَّى النَّبِيُّ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ) رواه الشيخان عن أنس .
2- إذا كنت حاجّاً متمتعاً أو قارناً (فالهدي واجب)، فليكن هديُك من الإبل؛ فإنّ النبي أهدى إبلاً (رواه مسلم) ويجوز الهدي من البقر والغنم.
3- إذا وُلد لك مولود ( ذكر )، فعُقّ عنه بشاتين، وإن وُلد لك ( أُنثى ) فعُقّ عنها بشاة، وقد قال في حديث أمّ كِرز الكعبية : ( عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ ) وفي لفظ: ( لَا يَضُرُّكُمْ أَذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إِنَاثًا ) رواه أبو داود (صحيح). وقال في حديث سمُرة : (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسمَّى ) رواه أبو داود (صحيح).
4- أيها المسلم، إذا تيسّر لك أن تهدي هدياً إلى بيت الله الحرام من بهيمة الأنعام، حتى ولو كنت مقيماً في بلدك، فهذا سنة، فإنّ في حديث عائشة رضي الله عنها: ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَهْدَى مَرَّةً غَنَمًا مُقَلَّدَةً ) رواه الشيخان. وعنها رضي الله عنها: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُهْدِي مِنْ الْمَدِينَةِ...الحديث) رواه الشيخان.
5 -أيها المسلم، كل ما كان مشروعاً من الهدي والأضاحي والعقيقة ونحو ذلك، أو أي ذبيحة، فقم به ولا تبخل على نفسك، واحتسب ذلك عند الله ، واجعل هذه الآية نصب عينيك : قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ الأنعام : 162 ].
من أنواع العبادة
15- النــّذر
كما قال تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا