دروس وعبــــــر
من صحيح القصص النبوي
جمع وترتيب
شـحاتة صقــــــــــر
ﻻ
ظ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ پآلله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾.
أما بعد:فإن خيرَ الحديث كلامُ الله ، وخيرَ الهدي هدي محمد ص ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فهذه رسالة بها بعض القصص الصحيحة التي أخبرنا بها النبي ص يأخذ منها المسلم العبرة والعظة ، فقد قال الله ﻷ عن خبر المرسلين مع قومهم وكيف أنجى الله ﻷ المؤمنين وأهلك الكافرين:﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
(يوسف :111).
وللقصص تأثير عظيم في تربية النفس ؛ فتأمل أمْرَ اللهِ ﻷ للنبي ص أن يقُصَّ على الناس ما يعْلَمُه من القصص ، قال الله ﻷ:﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الأعراف:176).
وقصص الُسٌابُقُين التي ذُكِرَتْ في الكتاب والسنة الصحيحة تثبت قلوب المؤمنين ، قال الله ﻷ:﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ (هود:120). فإن النفوس تأنس پآلاقتداء ، وتنشط على الأعمال ، وتريد المنافسة لغيرها ، ويتأيد الحق بذكر شواهده ، وكثرة من قام به.
ومعظم القصص التي في هذه الرسالة رواها الإمامان البخاري ومسلم ، أو أحدُهما ، وما لم يروِه البخاري ولا مسلم ورواه غيرُهما فقد ذكره الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة).
ومنهج كتابة هذه القصص هو ذِكْرُ نَصّ القصة ، ثم ذِكْرُ بعض معاني الكلمات الغريبة ، ثم ذِكْرُ العبر والعظات التي استنبطها أهل العلم من القصة. وليس لي من عمل في هذه الرسالة إلا الجمع والترتيب ، واللهَ نسأل أن ينفع المسلمين بها وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وأمينِه على وحْيِه ـ سيدنا وإمامنا ونبينا محمد بن عبد الله ـ وعلى آله وأصحابه ، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
شحاتة محمد صقر
saqrmhm@gawab.com
1- حبس الشمس لنبي الله يوشع بن نون ؛.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:قَالَ رَسُولُ الله ص: «غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ:« لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَـمَّـا يَبْنِ بِهَا ، وَلَا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ،وَلَا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلَادَهَا ».
فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ:« إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللهمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا ».
فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ الله عَلَيْهِ ، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتْ ـ يَعْنِي النَّارَ ـ لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا.
فَقَالَ:«إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا ؛ فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ» فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ ، فَقَالَ :« فِيكُمْ الْغُلُولُ ؛ فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ».
فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِيَدِهِ ، فَقَالَ:« فِيكُمْ الْغُلُولُ» ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا ؛ فَجَاءَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا، ثُمَّ أَحَلَّ الله لَنَا الْغَنَائِمَ ، رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا » .
(رواه البخاري ومسلم).
غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ : أَيْ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ . وَهَذَا النَّبِيُّ هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُون ؛ فقَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ أَخْرَجَهَا الإمام أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ :قَالَ رَسُولُ الله ص: «إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ لِبَشَرٍ إِلَّا لِيُوشَعَ بْنِ نُون لَيَالِيَ سَارَ إِلَى بَيْتِ الْـمَقْدِسِ ».
بُضْعَ اِمْرَأَةٍ : الْبُضْع: النِّكَاحُ ؛ يُقَالُ مَلَكَ فُلَانٌ بُضْعَ فُلَانَةَ .
وَلَـمَّا يَبْنِ بِهَا: أَيْ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا .
خَلِفَاتٍ: جَمْعُ خَلِفَةٍ وَهِيَ الْحـَامِلُ مِنْ النُّوقِ ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ النُّوقِ .
وِلَادَهَا :نتاجها.
فَغَزَا : أَيْ بِمَنْ تَبِعَهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ.
فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ : أَيْ قَرَّبَ جُيُوشَهُ لَهَا.
فَقَالَ لِلشَّمْسِ:« إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ »:أَمْرَ الْـجَمَادَاتِ أَمْرُ تَسْخِيرٍ ، وَأَمْرَ الْعُقَلَاءِ أَمْرُ تَكْلِيفٍ.
اللهمَّ اِحْبِسْهَا عَلَيْنَا: أَيْ قَدْرَ مَا تَنْقَضِي حَاجَتُنَا مِنْ فَتْحِ الْبَلَدِ.
فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتْ ـ يَعْنِي النَّارَ ـ لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا:أَيْ لَمْ تَذُقْ لَهَا طَعْمًا ، وَهُوَ بِطَرِيقِ الْـمُبَالَغَةِ.
إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا :الغُلُولُ هُوَ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ.
فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَلَزِقَتْ : فِيهِ حَذْفٌ يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ ، أَيْ فَبَايَعُوهُ فَلَزِقَتْ.
رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا: فِيهِ اِخْتِصَاصُ الْأُمَّةِ الإسْلاميَّة بِحِلِّ الْغَنِيمَةِ ، وَكَانَ اِبْتِدَاءُ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَفِيهَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ فَأَحَلَّ الله لَهُمْ الْغَنِيمَةَ ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ ت.
من عبر القصة:
1- أَنَّ فِتَنَ الدُّنْيَا تَدْعُو النَّفْسَ إِلَى الْـهَلَعِ وَمَحَبَّةِ الْبَقَاءِ ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بُضْعَ اِمْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ عَلَى قُرْبٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ قَلْبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهَا وَيَجِدُ الشَّيْطَانُ السَّبِيلَ إِلَى شَغْلِ قَلْبِهِ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَةِ ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْـمَرْأَةِ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا.
2- أَنَّ الْأُمُورَ الْـمُهِمَّةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُفَوَّضَ إِلَّا لِحَازِمٍ فَارِغِ الْبَالِ لَهَا ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ تَعَلُّقٌ رُبَّمَا ضَعُفَتْ عَزِيمَتُهُ وَقَلَّتْ رَغْبَتُهُ فِي الطَّاعَةِ ، وَالْقَلْبُ إِذَا تَفَرَّقَ ضَعُفَ فِعْلُ الْـجَوَارِحِ وَإِذَا اِجْتَمَعَ قَوِيَ.
3- أَنَّ الأمم الُسٌابُقُة كَانُوا يَغْزُونَ وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَ أَعْدَائِهِمْ وَأَسْلَابَهُمْ ، لَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بَلْ يَجْمَعُونَهَا ، وَعَلَامَةُ قَبُولِ غَزْوِهِمْ ذَلِكَ أَنْ تَنْزِلَ النَّارُ مِنْ السَّمَاءِ فَتَأْكُلَهَا ، وَعَلَامَةُ عَدَمِ قَبُولِهِ أَنْ لَا تَنْزِلَ وَمِنْ أَسْبَابِ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنْ يَقَعَ فِيهِمْ الْغُلُولُ ، وَقَدْ مَنَّ الله عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَرَحِمَهَا ، فَأَحَلَّ لَهُمْ الْغَنِيمَةَ ، وَسَتَرَ عَلَيْهِمْ الْغُلُولَ، فَطَوَى عَنْهُمْ فَضِيحَةَ أَمْرِ عَدَمِ الْقَبُولِ .
2- امرأتان خطَف الذئبُ ابنَ إحداهما
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تأَنَّ رَسُولَ الله ص قَالَ:« كَانَتْ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا ، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا .
فَقَالَتْ لِصَاحِبَتِهَا:«إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ»، وَقَالَت الْأُخْرَى:«إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ ».
فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ ؛فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى .
فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ إ فَأَخْبَرَتَاهُ ، فَقَالَ :«ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا » ؛ فَقَالَتْ الصُّغْرَى:« لَا تَفْعَلْ، يَرْحَمُكَ الله ، هُوَ ابْنُهَا » ؛ فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى »(رواه البخاري ومسلم) .
لَا تَفْعَلْ : لَا تَشُقّهُ.
إِنَّ دَاوُدَ ؛قَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى لِسَبَب اِقْتَضَى بِهِ عِنْده تَرْجِيح قَوْلهَا ، إِذْ لَا بَيِّنَة لِوَاحِدَة مِنْهُمَا ، فَيُحْتَمَل أَنْ يُقَال : إِنَّ الْوَلَد الْبَاقِي كَانَ فِي يَد الْكُبْرَى وَعَجَزَتْ الْأُخْرَى عَنْ إِقَامَة الْبَيِّنَة .
وَاحْتَالَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ إ بِحِيلَة لَطِيفَة أَظْهَرَتْ مَا فِي نَفْس الْأَمْر ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمَّا أَخْبَرَتَا سُلَيْمَان بِالْقِصَّةِ فَدَعَا بِالسِّكِّينِ لِيَشُقّهُ بَيْنهمَا ، وَلَمْ يَعْزِم عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَاطِن ، وَإِنَّمَا أَرَادَ اِسْتِكْشَاف الْأَمْر.
فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ لِذَلِكَ ؛ لِجَزَعِ الصُّغْرَى الدَّالّ عَلَى عَظِيم الشَّفَقَة ، وَلَمْ يَلْتَفِت إِلَى إِقْرَارهَا بِقَوْلِهَا هُوَ اِبْن الْكُبْرَى ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا آثَرَتْ حَيَاته ، فَظَهَرَ لَهُ مِنْ قَرِينَةِ شَفَقَةِ الصُّغْرَى وَعَدَمِهَا فِي الْكُبْرَى ـ مَعَ مَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ الْقَرِينَة الدَّالَّة عَلَى صِدْقهَا ـ مَا هَجَمَ بِهِ عَلَى الْـحُكْم لِلصُّغْرَى .
من عبر القصة: 1- أَنَّ الْفِطْنَة وَالْفَهْم مَوْهِبَة مِنْ الله ﻷ لَا تَتَعَلَّق بِكِبَرِ سِنّ وَلَا صِغَره .
2- أَنَّ الْـحَقّ فِي جِهَة وَاحِدَة .
3- أَنَّ الْأَنْبِيَاء يَسُوغ لَهـُمْ الْـحُكْم بِالِاجْتِهَادِ وَإِنْ كَانَ وُجُود النَّصّ مُمْكِنًا لَدَيْهِمْ بِالْوَحْيِ ، لَكِنّ فِي ذَلِكَ زِيَادَة فِي أُجُورهمْ ، وَلِعِصْمَتِهِمْ مِنْ الْخَطَأ فِي ذَلِكَ ؛ إِذْ لَا يُقَرُّونَ عَلَى الْبَاطِل ؛ لِعِصْمَتِهِمْ.
3-اِسْتِعْمَال الْحِيَل فِي الْأَحْكَام لِاسْتِخْرَاجِ الْـحُقُوق ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلَّا بِمَزِيدِ الْفِطْنَة وَمُمَارَسَة الْأَحْوَال .
3- ابتلاء نبي الله أيوب ؛
عن أنس بن مالك ت أن رسول الله ص قال:« إنَّ نَبِيَّ الله أيُّوبَ ف لَبِثَ بِهِ بلاؤُه ثَمَانِ عَشْرةَ سنَةً ، فرفَضَه القَرِيبُ والبَعِيدُ إلا رَجُلَيْن مِنْ إخْوانِه كَانَا يغْدُوَان إليه ويَرُوحَان .
فقال أحَدُهُما لصاحِبِه ذاتَ يومٍ : «تَعْلمُ والله لقد أذْنَبَ أيُّوبُ ذنْبًا ما أذْنَبَهُ أحَدٌ مِن العالمَين» ، فقال له صاحبه : «و ما ذَاك ؟ ».
قال :« منذُ ثمانِ عشرةَ سنَةً لم يرْحَمْهُ اللهُ فيكشِف ما به».
فلما راحَا إلى أيُّوب لم يصْبِر الرجُل حتى ذَكَرَ ذلك له ، فقال أيُّوب:«لا أدْرِي مَا تَقُولَان غَيْرَ أنَّ اللهَ ـ تَعَالَى ـ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أمُرُّ پآلرجُلَيْن يَتَنَازَعَان ، فيذْكُرَان اللهَ ، فأرْجِع إلى بَيْتِي فأكَفِّر عَنْهُمَا ؛ كَرَاهِيَةَ أنْ يُذْكَرَ اللهُ إلَّا فِي حَقٍّ ».
وكانَ يخرجُ إلى حَاجَتِه فإذا قَضَى حَاجَتَهُ أَمْسَكَتْهُ امرَأَتُه بِيَدِه حتى يَبْلُغَ ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأَ عَلَيْهَا ، وأوحِي إلى أيُّوب أن ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ (ص:42).
فاسْتَبْطَأَتْهُ فَتَلَّقَّتْهُ تنْظُر ـ وقَدْ أَقْبَلَ عليْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللهُ ما بِهِ مِنَ البَلَاء ، وهُوَ أحْسَنُ مَا كَان ـ ، فلَمَّا رأَتْهُ قَالَتْ : «أيْ بَارَكَ اللهُ فِيكَ ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللهِ هَذَا الـمُبْتَلَى؟ واللهِ على ذلك مَا رَأَيْتُ أشبَهَ مِنْكَ إذْ كانَ صَحِيحًا ». فقال : «فَإِنِّي أنَا هُوَ ».
وكانَ لَه أنْدَرَان ( أي بَيْدَرَان ) : أنْدر للقمْحِ و أنْدر للشَّعِير ، فبعَثَ اللهُ سحَابَتَيْن ، فلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ القَمْحِ أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ ، وأَفْرَغَتْ الأخْرَى في أنْدَرِ الشَّعير الوَرِقَ حَتَّى فَاضَ».[رواه أبو يعلى في( مسنده )وأبو نعيم في (الحلية)وصححه الألباني].
الأَنْدَر:البَيْدَرُ:الجُرْن:الموضع الذي يُدْرَس فيه القمح ونحوه وتجفف فيه الثمار.
من عبر القصة:1- الصبر عاقبته إلى خير في الدنيا والآخرة.
2- شدة تعظيم أيوب ؛ لربه فقد كان يُكَفّر عن الذين يتنازعون ، فيذْكرون الله خشية أن يُذْكَرَ اللهُ إلا في حق.
3- عِظَم وفاء زوجَةِ أيوب ؛ لزوجها ، وبِرّها به ، وكذا صديقاه ، فالمصائب تكشف معادن البشر.
4- هذا الحديث مما يدل على بطلان الحديث الذي في (الجامع الصغير) بلفظ :« أبَى الله أن يجعل للبلاء سلطانًا على عبده المؤمن». قال الألباني إنه حديث موضوع.
4- النبي الذي أحرق قرية النمل
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تأَنَّ رَسُولَ الله ص قَالَ :«نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ ، فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا ، ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ: فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً ».
(رواه البخاري)
وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ت عَنْ رَسُولِ الله ص: «أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ؛ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ :أَفِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ».
لَدَغَتْهُ: أَيْ قَرَصَتْهُ . جَهَازهِ :مَتَاعه .
وَقَرْيَة النَّمْل:مَوْضِع اِجْتِمَاعهنَّ.
فَهَلَّا نَمْلَة وَاحِدَة: فَهَلَّا أَحْرَقْتَ نَمْلَة وَاحِدَة ، وَهِيَ الَّتِي آذَتْكَ ، بِخِلَافِ غَيْرهَا فَلَمْ يَصْدُر مِنْهَا جِنَايَة .
من عبر القصة:1- هَذَا الْـحَدِيث مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْع ذَلِكَ النَّبِيّ جَوَاز قَتْل النَّمْل وَجَوَاز التَّعْذِيب بِالنَّارِ ، وَأَمَّا فِي شَرْعنَا فَلَا يَجُوز إِحْرَاق الأحياء بِالنَّارِ إِلَّا فِي الْقِصَاص بِشَرْطِهِ ؛ فَإِذَا أَحْرَقَ إِنْسَانًا فَمَاتَ بِالْإِحْرَاقِ ، فَلِوَلِيِّهِ الِاقْتِصَاص بِإِحْرَاقِ الْـجَانِي .
2- لَا يَجُوز قَتْل النَّمْل كما لا يجوز قتل غيره من الحيوانات إلا الصائل (أي المعتدي) ، والمُؤْذِي منها ؛ فيجوز قتلُه ؛ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ م قَالَ:«إِنَّ النَّبِيَّ ص نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ:النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْـهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ». (صحيح رواه أبو داود).
وَالصُّرَد:طَائِر ضَخْم الرَّأْس وَالْمِنْقَار لَهُ رِيش عَظِيم نِصْفه أَبْيَض وَنِصْفه أَسْوَد .
3- يُسْتَثْنَى من الحيوانات التي يجوز قتلها الفواسق الخمس، فإنهن يقتلن في الحل والحرم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص:«خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ:الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ » (رواه البخاري).
4- الْحَيَوَان يُسَبِّح الله تَعَالَى حَقِيقَة ، وقد أخبرنا الله ﻷ أن كل شيء يسبح بحمده ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ (الإسراء:44) .
5- لو تركها لدارت إلى يوم القيامة
عن أبي هريرة تقال:«أصَابَ رَجُلاً حَاجَةٌ فخَرَجَ إلى الْبَرِّيَّة ، فقَالَتْ امْرَأَتُه:«اللهُّمَّ ارْزُقْنَا مَا نَعْتَجِنُ وما نَخْتَبِزُ، فجَاءَ الرَّجُلُ و الجَفْنَةَ ملْأَى عَجِينًا ، وفي التَنُّور الشِّوَاء ، والرَّحَى تَطْحَنُ ، فَقَالَ :«مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟» ، قالتْ:«مِنْ رِزْقِ الله» ، فَكَنَسَ مَا حَوْلَ الرَّحَى ، فقال رسول الله ص:«لَوْ تَرَكَهَا لَدَارَتْ أو طَحَنَتْ إلَى يَوْمِ القِيَامَة ».(رواه الطبراني وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة).
الْبَرِّيَّة :الصحراء.
الجَفْنَةَ:إناءٌ كبير يُعْجَن به ، ويقَدُمِ به الطعام.
التَنُّور:الفرن يُخْبَزُ فيه.
الشِّوَاء:اللَّحم الصالح للشواء.
من عبر القصة::1-إثبات الكرامة لعباد الله الصالحين ، وقد دلَّتْ على ذلك نصوص كثيرة ، تبلغ مبلغ التواتر.
والإيمان بكرامات الأولياء من عقيدة أهل السنة والجماعة.
ولكن لا تكون الكرامة إلا للأولياء الأتقياء ؛ فخوارق العادات قد تجري على يد أفسد أهل الأرض ، ومن ذلك ما أخبرنا به الرسول ص عن الدجَّال.
2- عِظَم فضل الدعاء ، فالله ﻷ استجاب دعاء هذه المرأة.
6- ميت أحياه الله ﻷ
قال رسول الله ص:«خَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى أتَوْا مَقْبَرةً لهـُم مِن مَقابِرِهِمْ ، فَقَالُوا :«لَوْ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْن ، ودَعَوْنَا اللهَ ﻷ أنْ يُخْرِجَ لَنَا رَجُلًا مِمَّنْ قَدْ مَاتَ نَسْأَلُه عَن الْـمَوْت » .
ففعلوا . فبَيْنَمَا هُمْ كذلك إذْ أَطْلَع رجُلٌ رأْسَه مِن قَبرٍ مِن تِلْكَ المقَابِر، خِلَاسِيّ ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُود .
فَقَال :« يَا هَؤُلاء مَا أَرَدتُّم إليَّ ؟ فقَد مِتُّ مُنْذُ مائَة سَنَةٍ ، فما سَكَنَتْ عَنِّي حَرَارَةُ الموْتِ حتَّى كَانَ الآنَ ؛ فادْعُوا اللهَ ﻷ لِي يُعِيدُني كَمَا كُنْتُ » .(أخرجه أحمد في ( الزهد ) و ابن أبي شيبة في (المصنف ) وصححه الألباني)
خِلَاسِيّ: أسمر اللون.
من عبر القصة:1- قدرة الله على إحياء الموتى.
2- يستحب لمن أراد أن يدعو بأمر عظيم أن يصلي قبل دعائه ركعتين.
7- عاقبة الغش
قال رسول الله ص:«إِنَّ رَجُلًا كَانَ يَبِيعُ الْـخَمْرَ فِي سَفِينَةٍ وَكَانَ يَشُوبُ الْـخَمْرَ بِالْـمَاءِ وَمَعَهُ قِرْدٌ ، فَأَخَذَ الْكِيسَ فَصَعِدَ الدَّقَلَ فَجَعَلَ يُلْقِي دِينَارًا فِي الْبَحْرِ وَدِينَارًا فِي السَّفِينَةِ حَتَّى جَعَلَهُ نِصْفَيْن ».
(رواه الإمام أحمد وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة)
الدَّقَلَ : خشبة يُمَدُّ عليها شِرَاعُ السفينة .
* لم تكن الخمر محرمة في شريعة ذلك الرجل، وكذلك كانت في أول الإسلام.
من عبر القصة:1-تحريم الغش كخلط اللبن پآلماء.
2- المال الحرام قد يهلك في الدنيا قبل الآخرة.
8-بقرة تتكلم وذئب يتكلم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:صَلَّى رَسُولُ الله ص صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:«بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا ، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ».
فَقَالَ النَّاسُ:« سُبْحَانَ اللهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ».
فَقَالَ :« فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ، وَمَا هُمَا ثَمَّ.
« وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا ، اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي ؛ فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي».
فَقَالَ النَّاسُ:«سُبْحَانَ الله ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ ».
قَالَ:« فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» وَمَا هُمَا ثَمَّ. (رواه البخاري)
قَوْله ص :« فَإِنِّي أُؤْمِن بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْر وَعُمَر» مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَخْبَرَهُمَا بِذَلِكَ فَصَدَّقَاهُ ، أَوْ أَطْلَقَ ذَلِكَ لِمَا اِطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمَا يُصَدِّقَانِ بِذَلِكَ إِذَا سَمِعَاهُ وَلَا يَتَرَدَّدَانِ فِيهِ .
وَمَا هُمَا ثَمَّ: لَيْسَا حَاضِرَيْنِ ، وَهُوَ مِنْ كَلَام الرَّاوِي.
إِذْ عَدَا الذِّئْب : مِنْ الْعُدْوَان .
قال الحافظ ابن حجر /: وَقَدْ وَقَعَ كَلَام الذِّئْب لِبَعْضِ الصَّحَابَة فِي نَحْو هَذِهِ الْقِصَّة ، فَرَوَى أَبُو نُعَيْم فِي ( الدَّلَائِل) عَنْ أُهْبَان بْن أَوْس تقَالَ : « كُنْت فِي غَنَم لِي ، فَشَدَّ الذِّئْب عَلَى شَاةٍ مِنْهَا ، فَصِحْتُ عَلَيْهِ ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبه يُخَاطِبنِي وَقَالَ :«مَنْ لَهَا يَوْم تَشْتَغِل عَنْهَا؟ تَمْنَعنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ الله تَعَالَى».
فَصَفَّقْت بِيَدِي وَقُلْت :« وَاللهِ مَا رَأَيْت شَيْئًا أَعْجَبَ مِنْ هَذَا»، فَقَالَ:«أَعْجَب مِنْ هَذَا ، هَذَا رَسُول الله ص بَيْن هَذِهِ النَّخَلَات يَدْعُو إِلَى الله ».
فَأَتَى أُهْبَان إِلَى النَّبِيّ ص فَأَخْبَرَهُ وَأَسْلَمَ ».
فَمَنْ لَهَا يَوْم السَّبُع: مَعْنَاهُ مَنْ لَهَا يَوْم يَطْرُقهَا السَّبُع - أَيْ الْأَسَد - فَتَفِرّ أَنْتَ مِنْهُ فَيَأْخُذ مِنْهَا حَاجَته وَأَتَخَلَّف أَنَا لَا رَاعِي لَهَا حِينَئِذٍ غَيْرِي .
وَقِيلَ : إِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ عِنْد الِاشْتِغَال بِالْفِتَنِ فَتَصِير الْغَنَم هَمَلًا فَتَنْهَبهَا السِّبَاع فَيَصِير الذِّئْب كَالرَّاعِي لَهَا لِانْفِرَادِهِ بِهَا .
من عبر القصة:
1-يحب على المسلم أن يُصَدِّق پآلأخبار التي جاء يها القرآن أو صَحَّ بها السندُ عن رسول الله ص ، مهما كان الخبر مستغربًا ، لا فرق في ذلك بين الحديث المتواتر والآحاد.
أما القصص الَمِوِضّوِعَة والمكذوبة التي لم تصح الأحاديث بها فلا تجوز روايتها إلا لِبَيان ضعفها وكذبها.
2- فضل أبي بكر وعمر ب ، فقد أخبر النبي ص عن عظيم إيمانهما وقوة يقينهما .
3- يجوز وعظ الناس بعد الصلاة.
4- كان الذئب ـ وهو حيوان ـ سببًا في إسلام أهبان بن أوس ت، فماذا قَدُمِنا ـ نحن المسلمين ـ لنشر دين الله ﻷ في الأرض.
9- تكلم في المهد ودعا الله ﻷ
قال رسول الله ص:«كَانَتْ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ ، فَقَالَتْ: «اللهمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ».
فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ:«اللهمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ»، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ت:« كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ ص يَمَصُّ إِصْبَعَهُ».
ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتْ:«اللهمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ » ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ:«اللهمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا » .
فَقَالَتْ:« لِمَ ذَاكَ؟».
فَقَالَ:«الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنْ الْـجَبَابِرَةِ ، وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ : سَرَقْتِ زَنَيْتِ ، وَلَمْ تَفْعَلْ» (رواه البخاري).
وفي رواية أخرى رواها البخاري:«... فَقَالَتْ:« اللَّهُمَّ لَا تُمِتْ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا» ، فَقَالَ:« اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ » ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ ، وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلْعَبُ بِهَا ،فَقَالَتْ:«اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا»، قال رسول الله ص:«فَقَالَ:اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا». فَقَالَ:«أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَأَمَّا الْمـَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا تَزْنِي ، وَتَقُولُ: حَسْبِيَ اللهُ ، وَيَقُولُونَ: تَسْرِقُ ، وَتَقُولُ: حَسْبِيَ اللهُ» .
ذُو شَارَة:أَيْ صَاحِب حُسْن ، وَقِيلَ : صَاحِب هَيْئَة وَمَنْظَر وَمَلْبَس حَسَن يُتَعَجَّب مِنْهُ وَيُشَار إِلَيْهِ .
ثُمَّ مُرَّ:بِضَمِّ الْمِيم عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ .
الـجَبَّار : العاتي المتكبر القاهر للناس.
من عبر القصة:
1- أَنَّ نُفُوس أَهْل الدُّنْيَا تَقِف مَعَ الْخَيَال الظَّاهِر فَتَخَاف سُوء الْحَال ، بِخِلَافِ أَهْل الإيمانِ الصادِقِ فَوُقُوفهمْ مَعَ الْحَقِيقَة الْبَاطِنَة فَلَا يُبَالُونَ بِذَلِكَ مَعَ حُسْن السَّرِيرَة ، كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَنْ أَصْحَاب قَارُون حَيْثُ خَرَجَ عَلَيْهِمْ :﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْل مَا أُوتِيَ قَارُون﴾ ، ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم :وَيْلكُمْ ثَوَاب اللهِ خَيْر ﴾.
2-أَنَّ الْبَشَر طُبِعُوا عَلَى إِيثَار الْأَوْلَاد عَلَى الْأَنْفُس بِالْخَيْرِ لِطَلَبِ الْـمَرْأَة الْخـَيْر لِابْنِهَا وَدَفْع الشَّرّ عَنْهُ وَلَمْ تَذْكُر نَفْسهَا .
10-ثلاثة في غار
روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ت عَنْ رَسُولِ اللهِ ص أَنَّهُ قَالَ:« بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمْ الـْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْـجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِله ، فَادْعُوا الله تَعَالَى بِهَا ؛ لَعَلَّ الله يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ» .
فَقَالَ أَحَدُهُمْ:«اللهمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِي وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا.
فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ».
فَفَرَجَ الله مِنْهَا فُرْجَةً فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ .
وَقَالَ الْآخَرُ:«اللهمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَجِئْتُهَا بِهَا ـ (وفي رواية لمسلم أيضًا: فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي) ـ فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ:« يَا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفْتَحْ الْـخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ» ، فَقُمْتُ عَنْهَا ، ـ (وفي رواية للبخاري: فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ) ـ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً » فَفَرَجَ لَـهُمْ .
وَقَالَ الْآخَرُ:«اللهمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ:«أَعْطِنِي حَقِّي» ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا ، فَجَاءَنِي فَقَالَ:«اتَّقِ الله وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي»، قُلْتُ:«اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا فَخُذْهَا ، فَقَالَ:«اتَّقِ الله وَلَاتَسْتَهْزِئْ بِي» ، فَقُلْتُ:«إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ ، خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا» ، فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ».
فَفَرَجَ الله مَا بَقِيَ ، وَخَرَجُوا يَمْشُونَ».
الْغَار : النَّقْب فِي الْجَبَل .
فَإِذَا أَرَحْت عَلَيْهِمْ : إِذَا رَدَدْت الـْمَاشِيَة مِنْ الْمـَرْعِي إِلَيْهِمْ ، وَإِلَى مَوْضِع مَبِيتهَا.
( نَأَى بِي ذَات يَوْم الشَّجَر) المَعْنَى: أَنَّهُ اِسْتَطْرَدَ مَعَ غَنَمه فِي الرَّعْي إِلَى أَنْ بَعُدَ عَنْ مَكَانه زِيَادَة عَلَى الْعَادَة فَلِذَلِكَ أَبْطَأَ.
الْحِلَاب:الْإِنَاء الَّذِي يُحْلَب فِيهِ ، وَقَدْ يُرِيد بِالْحِلَابِ هُنَا اللَّبَن الْمـَحْلُوب .
وَالصِّبْيَة يَتَضَاغَوْنَ:أَيْ: يَصِيحُونَ وَيَسْتَغِيثُونَ مِنْ الْـجُوع.
فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي: حَالِي اللَّازِمَة.
وَقَعْت بَيْن رِجْلَيْهَا: جَلَسْت مَجْلِس الرَّجُل لِلْجِمَاع .
لَا تَفْتَح الْـخَاتَم: الْـخَاتَم كِنَايَة عَنْ بَكَارَتهَا.
إِلَّا بِحَقِّهِ: بِنِكَاحٍ لَا بِزِنًا .
بِفَرَقِ أَرُزٍّ:الْفَرَق إِنَاء يَسَع ثَلَاثَة آصَع.والصاعُ مِكيالٌ لأَهل المدينة يأُخذ أَربعة أَمدادٍ. والـمُد مُقَدَّر بأَن يَمُدَّ الرجل يدَيْه فيملأَ كفيه.
فَرَغِبَ عَنْهُ: كَرِهَهُ وَسَخِطَهُ وَتَرَكَهُ .
أَلَمَّتْ بِهَا سَنَة: وَقَعَتْ فِي سَنَة قَحْط .
مَنْ مِنهم عَمَلُه أَفْضَلُ مِنْ عَمَل الْآخَرَيْنِ؟
صَاحِب الْأَبَوَيْنِ فَضِيلَته مَقْصُورَة عَلَى نَفْسه ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ كَانَ بَارًّا بِأَبَوَيْهِ .
وَصَاحِب الْأَجِير نَفْعه مُتَعَدٍّ وَأَفَادَ بِأَنَّهُ كَانَ عَظِيم الْأَمَانَة.
وَصَاحِب الـْمَرْأَة أَفْضَلُهمْ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبه خَشْيَة رَبّه ، وقَدْ شَهِدَ اللهُ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ بِأَنَّ لَهُ الْـجَنَّة حَيْثُ قَالَ:﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه وَنَهَى النَّفْس عَنْ الْـهَوَى فَإِنَّ الْـجَنَّة هِيَ الْمَأْوَى﴾.(النازعات:40-41).
وَقَدْ أَضَافَ هَذَا الرَّجُل إِلَى ذَلِكَ تَرْك الذَّهَب الَّذِي أَعْطَاهُ لِلْمَرْأَةِ فَأَضَافَ إِلَى النَّفْع الْقَاصِر النَّفْع الْـمُتَعَدِّي ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ عَمّه ، فَتَكُون فِيهِ صِلَة رَحِم أَيْضًا ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَة قَحْط فَتَكُون الْـحَاجَة إِلَى ذَلِكَ أَحْرَى.
من عبر القصة:1- يُسْتَحَبّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَال كَرْبه ، وَغَيْره بِصَالِحِ عَمَله ، وَيَتَوَسَّل إِلَى اللهِ تَعَالَى بِهِ ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فَعَلُوهُ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ ، وَذَكَرَهُ النَّبِيّ ص فِي مَعْرِض الثَّنَاء عَلَيْهِمْ ، وَجَمِيل فَضَائِلهمْ .
2- فَضْل الْعَفَاف وَالِانْكِفَاف عَنْ الْـمُحَرَّمَات ، لَا سِيَّمَا بَعْد الْقُدْرَة عَلَيْهَا ، وَالْـهَمّ بِفِعْلِهَا ، وَيَتْرُك لِلهِ تَعَالَى خَالِصًا .
3-أَنَّ تَرْك الْـمَعْصِيَة يَمْحُو مُقَدِّمَات طَلَبهَا ، وَأَنَّ التَّوْبَة تَجُبّ مَا قَبْلهَا.
4- جَوَاز الْإِجَارَة وَفَضْل حُسْن الْعَهْد ، وَأَدَاء الْأَمَانَة ، وَالسَّمَاحَة فِي الْـمُعَامَلَة .
5-إِثْبَات كَرَامَات الْأَوْلِيَاء ، وَهُوَ مَذْهَب أَهْل السنةِ والجماعةِ.
6-فَضْل الْإِخْلَاص فِي الْعَمَل .
7-أثر التقوى في تخليص العبد من كربه وبلائه ؛ قال ﻷ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق:2).
8- الأثر الطيب للأمر پآلمعروف والنهي عن المنكر فقد نَهَتْ المرأة ابنَ عمِّها لَـمـَّا وَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا فَقَالَتْ:« يَا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفْتَحْ الْـخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ ، فَقَامَ عَنْهَا »، فصان الله ﻷ عِرضَها ؛ فلم تقع في الفاحشة ، وَتَرَكَ لها الْمِائَةَ دِينَارٍ.
9- فَضْل بِرّ الْوَالِدَيْنِ وَفَضْل خِدْمَتهمَا وَإِيثَارهمَا عَمَّنْ سِوَاهُمَا مِنْ الْأَوْلَاد وَالزَّوْجَة وَالْأَهْل وَغَيْرهمْ وَتَحَمُّل الْـمَشَقَّة لِأَجْلِهِمَا .
* ما سبب تَرْكه أَوْلَاده الصِّغَار يَبْكُونَ مِنْ الْـجُوع طُول لَيْلَتهمَا مَعَ قُدْرَته عَلَى تَسْكِين جُوعهمْ؟
قِيلَ : كَانَ فِي شَرْعهمْ تَقْدِيم نَفَقَة الْأَصْل (الوالدين) عَلَى غَيْرهمْ. وَقِيلَ : لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ زِيَادَة عَلَى سَدّ الرَّمَق.
11- صَوْتٌ فِي سَحَابَةٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تعَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ:« بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ:«اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ » ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْـمَاءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ الْمـَاءَ ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْـمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ ، فَقَالَ لَهُ :«يَا عَبْدَ اللِه مَا اسْمُكَ؟»
قَالَ :«فُلَانٌ »، لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ .
فَقَالَ لَهُ:« يَا عَبْدَ الله لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي؟ »
فَقَالَ :« إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ ـ لِاسْمِكَ ـ ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟»
قَالَ:«أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ » (رواه مسلم)
الْحـَدِيقَة:الْقِطْعَة مِنْ النَّخِيل ، وَيُطْلَق عَلَى الْأَرْض ذَات الشَّجَر .
تَنَحَّى:مال وقَصَدَ .
الْـحَرَّة :أَرْض بها حِجَارَة سُود كثيرة .
الشَّرْجَة: جَمْعهَا شِرَاج ، وَهِيَ مَسَائِل الْمـَاء فِي الْحِرَار.
المِسْحَاة:آلة يدوية تستخدم في الزراعة ، وَهِيَ كَالْمِجْرَفَةِ إِلَّا أَنَّهَا مِنْ حَدِيد.
من عبر القصة:1- فَضْل الصَّدَقَة وَالْإِحْسَان إِلَى الْـمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل.
2-فَضْل أَكْل الْإِنْسَان مِنْ كَسْبه ، وَالْإِنْفَاق عَلَى الْعِيَال .
3-إذا رضي الله ﻷ عن العبد سخر له ما شاء من الأرض والسماء.
4-رعاية الله وحفظه للصالحين من عباده.
5-الاتزان في أمور hov hofvhv s,vdh hgd,l،hofhv e,vm s,vdh وإعطاء كل ذي حق حقه.
12-أحبَّه الله ﻷ لِحبِّه لأخّيَه في الله
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تعَنْ النَّبِيِّ ص:«أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا ، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: «أَيْنَ تُرِيدُ؟»
قَالَ:«أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ».
قَالَ:« هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟»
قَالَ :«لَا ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ ﻷ».
قَالَ :«فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ».
(رواه مسلم)
أَرْصَدَهُ :أَقْعَدَهُ يَرْقُبهُ .
الْـمَدْرَجَة :الطَّرِيق .
نِعْمَة تَرُبُّهَا :أَيْ تَقُوم بِإِصْلَاحِهَا ، وَتَنْهَض إِلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ.
من عبر القصة:1- فَضْل الْمـَحَبَّة فِي اللهِ تَعَالَى ، وَأَنَّهَا سَبَب لِـحُبِّ اللهِ تَعَالَى الْعَبْد.
2-فَضِيلَة التزاور في الله ﻷ.
3- أَنَّ الْآدَمِيِّينَ قَدْ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة .
4- فضل الإخلاص .
13- سَقَى كَلْبًا فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تأَنَّ رَسُولَ الله ص قَالَ:«بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ ، فَقَالَ:«لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي ».
فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ ؛ فَشَكَرَ الله لَهُ ؛ فَغَفَرَ لَهُ ».
قَالُوا:« يَا رَسُولَ الله ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟»
قَالَ:« فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ». (رواه البخاري)
بَيْنَا: بَيْنَمَا.
يَلْهَث:لَهَثَ الْكَلْبُ: أَخْرَجَ لِسَانه مِنْ الْعَطَش.
الثَّرَى:الْأَرْض النَّدِيَّة.
خُفّه:الـخُفّ: ما يُلبَس في الرِّجْل من جِلْدٍ رقيق.
ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ:أَيْ أمسك أَحَد خُفَّيْهِ الَّذِي فِيهِ الْـمَاء بفمه، وَإِنَّمَا اِحْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يُعَالِج بِيَدَيْهِ لِيَصْعَد مِنْ الْبِئْر ، وَهُوَ يدل على أَنَّ الصُّعُود مِنْهَا كَانَ عَسِرًا .
رَقِيَ: صَعِدَ.
وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِم أَجْرًا:أَيْ فِي سَقْي الْبَهَائِم أَوْ الْإِحْسَان إِلَى الْبَهَائِم .
فِي كُلّ كَبِد رَطْبَة أَجْر: أَيْ كُلّ كَبِد حَيَّة ، وَالْـمُرَاد رُطُوبَة الْحـَيَاة ، أَوْ لِأَنَّ الرُّطُوبَة لَازِمَة لِلْحَيَاةِ فَهُوَ كِنَايَة ، أَيْ الْأَجْر ثَابِت فِي إِرْوَاء كُلّ كَبِد حَيَّة .
قَالَ الدَّاوُدِيُّ : الْمـَعْنَى: فِي كُلّ كَبِد حَيّ أَجْر ، وَهُوَ عَامّ فِي جَمِيع الْـحَيَوَان .
وَقَالَ النَّوَوِيّ :إِنَّ عُمُومه مَخْصُوص بِالْـحَيَوَانِ الْـمُحْتَرَم ـ وَهُوَ مَا لَمْ يُؤْمَر بِقَتْلِهِ ـ فَيَحْصُل الثَّوَاب بِسَقْيِهِ ، وَيَلْتَحِق بِهِ إِطْعَامه وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ وُجُوه الْإِحْسَان إِلَيْهِ .
وَقَالَ اِبْن التِّين:لَا يَمْتَنِع إِجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومه ، يَعْنِي: فَيُسْقَى ثُمَّ يُقْتَل لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نُحْسِن الْقِتْلَة وَنُهِينَا عَنْ الْـمُثْلَة.
14- بَغِيّ سَقَت كَلْبًا فَغَفَرَ اللهُ لَها
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تعَنْ رَسُولِ اللهِ ص قَالَ:« غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا ، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا ، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمـَاءِ ؛ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ ». (رواه البخاري).
ولفظ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تعَنْ النَّبِيِّ ص:«أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا »(رواه مسلم).
الْبَغِيّ: الزَّانِيَة ، وَالْبِغَاء هُوَ الزِّنَا .
رَكِيٍّ:ِبِئْرٍ.
يُطِيفُ بِبِئْرٍ: يَدُور حَوْلهَا.
أَدْلَعَ لِسَانه: أَيْ أَخْرَجَهُ لِشِدَّةِ الْعَطَش .
الْـمُوق: الْـخُفّ:وهو ما يُلْبَس في الرِّجْل من جلد رقيق.
نَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا :أي أخْرَجَتْ له الماءَ بِخُفِّها مِن البِئْرِ.
من عبر القصتين:1-عِظَم أجر من أحسن إلى الحيوان.
2- الـْحَثّ عَلَى الْإِحْسَان إِلَى النَّاس ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَتْ الْـمَغْفِرَة بِسَبَبِ سَقْي الْكَلْب فَسَقْي الْـمُسْلِم أَعْظَم أَجْرًا.
3- عِظَم فضل الله ﻷ وسعة رحمته ؛ فهو يعطي العطاء الجزيل على العمل القليل.
15- تَجَاوَزَ عَن الناس ، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ
قال رسول الله ص:« إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَتَاهُ الْمـَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ ، فَقِيلَ لَهُ :«هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ؟».
قَالَ:« مَا أَعْلَمُ».
قِيلَ لَهُ :«انْظُرْ».
قَالَ:«مَا أَعْلَمُ شَيْئًا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَأُجَازِيهِمْ فَأُنْظِرُ الْـمُوسِرَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ».
فَأَدْخَلَهُ الله الْـجَنَّةَ».(رواه البخاري).
وفي رواية في (صحيح مسلم) أَنَّ رَسُولَ الله ص قَالَ:«كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ الله يَتَجَاوَزُ عَنَّا ، فَلَقِيَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ »
أُجَازِيهِمْ:التجاوز :المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء ، وقبول ما فيه نقص يسير.
من عبر القصة: 1-سعة رَحُمًة الله ﻷ فقد غفر الله له بهذا العمل على الرغم من قِلَّتِه.
2- فضل إنظار الموسر والتجاوز عن المعسر .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ تطَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ ، فَقَالَ:« إِنِّي مُعْسِرٌ ».
فَقَالَ:« آللهِ؟» ، قَالَ :«آلله».
قَالَ:« فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ص يَقُولُ:« مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ».
(رواه مسلم)
كُرَب:جَمْع كُرْبَة .
يُنَفِّس:أَيْ يَمُدّ وَيُؤَخِّر الْـمُطَالَبَة ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ يُفَرِّج عَنْهُ.
16-أَخَّرَ غُصْنَ شَوْكٍ عَن الطَّرِيقِ ، فَغَفَرَ الله لَهُ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تأَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ:«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ ، فَشَكَرَ الله لَهُ فَغَفَرَ لَهُ »
(رواه البخاري ومسلم).
من عبر القصة:1- فَضْلُ إِمَاطَة الْأَذَى عَنْ الطَّرِيق، وَهُوَ كُلّ مُؤْذٍ ، وَهَذِهِ الْإِمَاطَة أَدْنَى شُعَب الْإِيمَان.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تعَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ:« لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْـجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ».(رواه مسلم).
يَتَقَلَّب فِي الْـجَنَّة: يَتَنَعَّم فِي الْجـَنَّة .
17- توبة قاتل المائة نفس
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّتأَنَّ نَبِيَّ الله ص قَالَ:« كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: «لَا » ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً.
ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ ، فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟
فَقَالَ:« نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ.انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدْ اللهَ مَعَهُمْ ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ».
فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمـَوْتُ.فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ.
فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ:«جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى الله» ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ:« إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ».
فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ:«قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ».
فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ؛ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ ».(رواه مسلم).
وفي رواية للبخاري:«... فَأَدْرَكَهُ الْمـَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَأَوْحَى الله إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي وَأَوْحَى الله إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ »
نَصَفَ الطَّرِيق: بَلَغَ نِصْفهَا .
نَاءَ : مَالَ أَوْ نَهَضَ مَعَ تَثَاقُل ، والْـمَعْنَى :مَالَ إِلَى الْأَرْض الَّتِي طَلَبَهَا .
فَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي:أَيْ إِلَى الْقَرْيَة الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا .
وَإِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي:أَيْ الْقَرْيَة الَّتِي قَصَدَهَا.
وَأَمَّا قِيَاس الْـمَلَائِكَة مَا بَيْن الْقَرْيَتَيْنِ ، وَحُكْم الْـمَلَك الَّذِي جَعَلُوهُ بَيْنهمْ بِذَلِكَ ، فَهَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ عِنْد اِشْتِبَاه أَمْره عَلَيْهِمْ ، وَاخْتِلَافهمْ فِيهِ أَنْ يُحَكِّمُوا رَجُلًا مِمَّنْ يَمُرّ بِهِمْ ، فَمَرَّ الْـمَلَك فِي صُورَة رَجُل ، فَحَكَمَ بِذَلِكَ .
من عبر القصة:1- مَشْرُوعِيَّة التَّوْبَة مِنْ جَمِيع الْكَبَائِر حَتَّى مِنْ قَتْل الْأَنْفُس ، وَيُحْمَل عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَا