الإنساآلة والدماغ

لقد كان اتجاه من الأعلى للأسفل أقل نجاحا في حقل علم الإنسا آلة الذي يدرس الآليات التي بإمكانها تمييز العوائق والالتفاف حولها . وقد بني أولإنسا آلة متحرك أطلق عليه اسم SHAKY عام 1969 في معهد البحوث في ستانفورد ، وكان يشبه علبة صفيح ضخمة تجلس على عجلات وفي أعلى الصفحة كانت هناك آلات تصوير تلفزيونية ، وكاشفات للمجال ، وهوائي راديو لوصله مع كمبيوتر بعيد . ولقد كان بإمكان هذا الجهاز أن يتعرف على الأجسام الهندسية فقط في بيئة يتم التحكم فيها بعناية ، وحتى عند ذلك فقد استغرق منه الانتقال عبر الغرفة عدة ساعات . ولسوء الحظ لم يحصل تقدم كبير أبعد من ( شيكي ) خلال الـ 30 عاما المنصرمة . لقد كانت إحدى المصاعب التي اعترضت أجهزة الإنسان الآلي المتحركة هي مشكلة ( التعرف على الأنماط ) الشهيرة ، فهذه الأجهزة البدائية المتحركة تستطيع أن ترى ، ولكنها لا تستطيع فهم ما تراه . وعندما تمسح آلة تصويرها غرفة ، فإنها تقسم الصورة إلى آلاف النقط الصغيرة ، والتي يجب مقارنتها نقطة فنقطة مع الصورة المخزنة في ذاكرتها . ويستغرق هذا الأمر من ساعة إلى عدة أيام . إن قيادة السيارة التي تتطلب التعرف على مشهد متغير باستمرار غير ممكنة حتى بالنسبة لأقوى أجهزة الإنساآلة . وكذلك فإن التعرف على الوجوه مشكلة صعبة بشكل خاص.

ومن الصعب على أجهزة الكمبيوتر التعرف على وجه إنسان إذا أدير هذا الوجه لعدة درجات فقط . ولكن عقولنا البشرية تستطيع التعرف على البيئات الجديدة المحيطة ، كما يمكنها أن تميز وجها واحدا من بين آلات الوجوه في جزء من الثانية . وربما كانت ثلاثة الأرطال ونصف من الأعصاب الموجودة فوق أكتافنا أكثر الأجسام تعقيدا في النظام الشمسي .

وعلى الرغم من أنه بإمكاننا أمساك الدماغ وتفكيكه عصبا عصبا فإنه لا تتوافر لدينا إلا أبسط الأفكار حول طريقة عمله . لقد سحر العلماء بحقيقة أن الدماغ مؤلف من عدد من الطبقات التي تمثل التقدم التدريجي لعملية تطورنا . وبما أن الطبيعة مقتصدة ، وهي تعيد عادة استخدام أشكال أدنى لتصبح أشكالا أرقى بدلا من أن تدمرها ، فإن عقولنا تعمل كمتاحف تحتفظ بتاريخها التطوري ، ونتيجة لذلك فإن عقولنا تتألف من طبقات عدة متميزة ومتحورة ، تبدأ من أكثر الطبقات بدائية وتحتوي على طبقات متتالية أكثر تقدما تحيط بالطبقات السابقة . إن الطبقة الأولى من المخ والأكثر عمقا ، والتي يدعوها البيولوجي باول مالكين القاعدة العصبية ، هي التي تتحكم ، في وظائف الحياة الأساسية مثل التعرق وخفقان القلب ودوران الدم ، وتتألف من النخاع الشوكي وجذع المخ والمخ الأوسط . وتؤلف القاعدة العصبية في الأسماك معظم المخ ، وتحيط بالقاعدة العصبية طبقة الزواحف وهذه الطبقة مشتركة بيننا وبين الزواحف ، مما حدا بالبعض إلى تسميتها ( مخ الزواحف ) وتضم : الفص الشمسي والجسم المخطط والكرة الدماغية الشاحبة ، وتتحكم هذه الطبقة في السلوك العدواني والتراتب الاجتماعي وتحديد منطقة النفوذ . وحول هذه يوجد النظام الحرفي ، الذي يوجد في الثدييات ، وهو يتحكم في العواطف والتصرف الاجتماعي بشكل رئيسي وفي الشم والذكريات أيضا . ومع تطوير الثدييات لعلاقات اجتماعية معقدة من أجل البقاء ، فقد كانت هناك حاجة إلى الجزء الأعظم من الدماغ ، من أجل معالجة مشاكل العيش ، وديناميكيته في مجموعة مترابطة . وأخيرا تحيط بكل الطبقات السابقة القشرة المخية الجديدة ، التي تتحكم في التفكير واللغة وإدراك المكان وعدة وظائف أخرى ، وعلى نقيض أدمغة الحيوانات الأخرى الملساء، فإن أدمغتنا تحتوى على تلافيف مميزة على سطحها، تزيد من مساحة القشرة الدماغية ، ومن هذه الزاوية فإننا نرى أن أجهزة الإنسان الآلي الحالية لا تزال في المرحلة الأكثر بدائية، إذ إنها تملك إلا القاعدة العصبية .

ولم يتطور إلى الآن لدى هذه الأجهزة إدراك للترتيب الاجتماعي ، أو أي عواطف أو مهارات اجتماعية أو عقلية ، كالتي تتميز بها الحيوانات الأكثر تعقيدا من الأسماك ولكننا نستطيع ، من خلال هذا العرض ، أن نقدر تعقيد دماغ الحيوان والمسافة التي علينا قطعها ، من أجل أن نصل إلى إمكانات المخ البشري ، ويعد ميجل فيراسورو هو أحد فيزيائيي الكم المسحورين ببنية الدماغ البشرية ، وقد عين أخيرا مديرا للمركز الدولي الشهير للفيزياء النظرية في تريستا بإيطاليا ، الذى تشارك في إدارته الأمم المتحدة . وقد حاز فيراسورو في الأساس سمعته الدولية من جراء عمله على نظرية الأوتار الفائقة الدقة ، ولقد أطلق اسم علم الجبر الفيراسوري على نظريته في تماثل الأوتار الفائقة الدقة تكريما له . ولكن فيراسورو هو واحد من فيزيائيي الكم ، الذين قادهم انبهارهم بالذكاء الصناعي إلى مجال الشبكات العصبية ونظريات المخ . ويعتقد فيراسورو أن قدرة الشرائح الدقيقة ستقترب يوما من القدرة الحاسوبية للعقل البشري . ويسأل (هل يعني هذا)
(أن المخ كمبيوتر )؟ لقد تجاوزت أجهزة الكمبيوتر المتوافرة لدينا إلى الآن القدرة الحاسوبية لأدمغة بعض الحيوانات أو قاربتها . وبإمكان كمبيوتر من نوع جديد أن يعالج معلومات بمعدل 200 مليون بايت ثانيه ، ويعادل هذا من ناحية السرعة فقط دماغ الحلزون الذي يحتوى 100 ألف خلية عصبية ، ويستطيع الكمبيوتر (CRAY3 ) وهو أحد أسرع أجهزة الكمبيوتر على الأرض – أن يعالج بمعدل 100 بليون بايت ثانيه ، ويمكن مقارنة هذا بدماغ الفأر الذي يحتوي حوالي 65 مليون خلية عصبية . وبالمقارنة يقدر بعض العلماء أن الدماغ البشري يمكن أن يحسب بمعدل 100 تريليون بايت ثانيه ، أو أسرع بحوالي 1000 مرة من CRAY3 . وبما أن القدرة الحاسوبية تتضاعف مرة كل 18 شهرا ، فمن الممكن اشتقاق تقدير حسابي للزمن الذي تتجاوز فيه أجهزة الكمبيوتر القدرة الحاسوبية للعقل البشري، إذا لم يحث توقف في التقدم نتيجة لانتهاء العصر السيليكوني . وإذا استمرت الميول الحالية ، فيمكننا بناء أجهزة كمبيوتر بسرعة الدماغ البشري ، تحتوي على القدر ذاته من المعلومات في وقت مبكر في القرن الحادي والعشرين ، وربما في العقود القليلة القادمة ستمتلك حتى أجهزة الكمبيوتر الشخصية القدرة الحاسوبية للدماغ البشري . في عام 1996 منحت وزارة الطاقة عقدا بقيمة 83 مليون دولار لشركة آى . ب .م ، لبناء أسرع كمبيوتر في العالم بحدود عام 1998 ، ويمكن لهذا الجهاز تداول 3 تريليونات عملية في الثانية ، ومعالجة 2،5 تريليون بايت من المعلومات ، وبهذا فإن يصبح على مقربة من قدرات الدماغ البشري . إن اعتراض فيراسورو الأساسي على الاتجاه من الأعلى للأسفل هو أن الدماغ ليس آلة تورنج ، وفي الحقيقة فهو ليس كمبيوتر على الإطلاق .

إن ابتكار أجهزة كمبيوتر أسرع فأسرع بأمل تقليد الدماغ البشري مسعى لا طائل له . ولمعرفة ذلك فمن الضروري فهم كيفية توصيل الدماغ ، فهناك حوالي 200 بليون خلية عصبية في المخ أو ما يناهز عدد النجوم في مجرد درب التبانة ، وهي تطلق نبضات ربما 10 ملايين بليون مرة في الثانية . وعلى الرغم من أن نبضات العصب تنتقل بمعدل بطىء جدا يبلغ 300 قدم ثانية ( أو بحدود 200 ميل / ساعة ) ، فإن الدماغ يعوض عن هذا البطء بواسطة التعقيد البالغ لوصلاته المتوازية ، ويشير فيراسورو إلى أن كل خلية عصبية ترتبط بحوالي 10 آلاف خلية عصبية أخرى ، ولذا فإن الدماغ يعمل ( كمعالج على التوازي ) ، منفذا تريليونات العمليات في الوقت ذاته كل ثانية. ومع ذلك فهو لا يستهلك سوى حوالى الطاقة التي يستهلكها مصباح كهربائي عادي . ولتقرير كفاءته فإنه إذا تمكن المرء بوسيلة ما من بناء كمبيوتر عادي بقوة دماغ الإنسان ، فإنه سيستهلك بحدود 100 ميجاوات ، وهي طاقة كافية لتزويد بلدة بأكملها بالكهرباء . وبالرغم من أن أجهزة الكمبيوتر يمكنها أن تحسب بسرعة الضوء تقريبا ، إلا أنها تقوم بهذه الحسابات واحدة تلو الأخرى . أما الدماغ فيحسب بالمقارنة بسرعة الحلزون ، ولكنه يعوض عن هذا البطء بإجراء تريليونات العمليات في الوقت ذاته ، ونتيجة للطريقة التي يعمل بها الدماغ ، فإن أجزاء كبيرة منه يمكن أن تهلك نتيجة لسكتة دماغية . ومع ذلك يستطيع الدماغ أن يعمل ويستعيد بعض الوظائف المفقودة ، وبالمقابل يمكن لآلة تورنج أن تتحطم بالكامل عند ضياع ولو ترانزستور وحيد صغير ، ولذا فالدماغ يتحمل العطل إلى حد بعيد . وبالنسبة إلى فيراسورو فإن المخ هو بالفعل شبكة عصبية معقدة جدا ، وهذا هو أساس مدرسة من الأسفل إلى الأعلى للذكاء الاصطناعي.

سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا

كم انا سعيد وانا واقف هنا

اروي ناظري بحروفك المفعمه

بالاشياء الجميله