العقيدة
رسائل في
أسماء الله الحسنى
الجزء الأول
تأليف
محمد بن شامي شيبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده الله ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فقد يسر الله لي الكتابة في عقيدة أهل السنة والجماعة، ومن ذلك هذا الكتاب –كتاب الرسائل-وهي مائة رسالة أكثرها في أسماء الله الحسنى، وبعض الرسائل القليلة فيما ورد في القرآن أو في السنة أنه أُطلق على الله ، وكان عملي في هذا الكتاب :
أ- أذكر اسم الله أو ما أُطلق على الله وأذكر دليله من القرآن أو من السنة والصفة المشتقة من الاسم غالباً0
ب- أذكر معنى ذلك الاسم أو ذلك المُطلق غالباً0
ج- أذكر بعضاً من الدروس بأدلتها من القرآن أو من السنة النبوية0
د- لا أذكر إلا حديثاً صحيحاً، أو حسناً مما صححه أو حسنه بعض أهل العلم المعتبرين0
هـ- اجتهدت أن تكون هذه الرسائل مناسبة أن يُخطب بها الجمعة، وأن تُلقى دورات في المساجد أو غيرها، أو كلمات في المجالس والمساجد والمحافل ونحو ذلك0
و- ليعلم القارئ أن أسماء الله ليست محصورة في (99)، كما في حديث عبد الله قال: قال رسول الله : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ) رواه أحمد0
ز- ليعلم القارئ أن منهجنا منهج أهل السنة والجماعة، فأهل السنة والجماعة يُثبتون لله ما أثبته لنفسه أو جاء في سنة رسوله الصحيحة من الأسماء والصفات، إثباتاً بلا تمثيل، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى : 11]. وينفون عن الله ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله .
ح- ما ثبت لله من الأسماء والصفات مع عقل أصل المعنى، وأما كمال المعنى والكيف فأهل السنة يفوضونه إلى الله .
ط- هذه الرسائل وفيها مواعظ هي دعوة للمسلم أن يعرف ربه، وأن يدعوه بأسمائه الحسنى، وقد قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف : 180]. هذا وأسأل الله العلي القدير أن ينفعني بها أولاً، ومن قرأها، أو سمعها، وأن يجعلها قربةً لي ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين0
وكتبه الفقير إلى ربه
محمد بن شامي مطاعن شيبة
27 ربيع الأول 1431هـ
الرسالة الأولى
الله
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد:
أخي المسلم: اعلم أنك عبدٌ لله جل وعلا، فهل عرفت ذلك ووعيته ؟
الله الإله المعبود الذي يجب أن تعبده وحده لا شريك له، فاجعل ذلك نصب عينيك؛ لأنه لم يخلقك إلا لعبادته، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56].
الله هو المستحق للعبادة وحده دون سواه فلا تعبد غيره من حجر أو شجر أو قبر أو غير ذلك, فقد أمرنا الله بإفراده بالعبادة، فقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة : 31]. ونهانا عن اتخاذ آلهة أخرى، فقال تعالى: وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل : 51].
• الله هو الإله الحق وأما غيره فباطل، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان : 30]. فأخلص لله العبادة ولا تشرك بالله شيئا!
• احذر من الشرك بالله في عبادته بدعاء غيره، فإن أبيت إلا أن تدعو مع الله غيره فأنت من المعذبين، وقد قال تعالى: فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ [الشعراء : 213].
• احذر من الخذلان والذم وذلك بالإشراك بالله وقد قال تعالى: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا [الإسراء : 22].
• إذا عرفت أن ربك وإلهك هو الله، فاصرف كل العبادات له وحده لا شريك له فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود : 123]. واستعن به وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ واذكره كثيراً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وسبِّحه وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا 0
• أكثر من دعاء الله لحديث النعمان بن بشير عن النبي : ( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) رواه أبو داود0
• وادع الله باسمه الأعظم لحديث عبد الله بن بُريدة عن أبيه أن رسول الله : ( سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فَقَالَ لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ) رواه أبو داود 0
• اجعل حياتك كلها لربك "لله"، وذلك بالقيام بأمره وأمر رسوله ، والانتهاء عمّا نهانا الله عنه أو نهانا عنه رسوله ، واعلم أنه ليس لك الخِيَرَة في ذلك، وقد قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [الأحزاب : 36].
• الجأ إلى الله في كل أمورك، وأحبه وأحب رسوله لتجد حلاوة الإيمان، لحديث أنس بن مالك عن النبي قال: ( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) رواه البخاري.
• افرح بطاعة الله، وكن معتزاً بطاعته وطاعة رسوله ، وقد قال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون : 8].
• إذا دعوت بهذا الاسم "الله"، فقل ما ورد في حديث أبي هريرة : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ) رواه مسلم0
الرسالة الثانية
الرَّبّ
أيها المسلم: إن من أسماء الله الحسنى: الرّب ، والرّبّ هو المالك المتصرف في هذا العالم، المدبِّر له في كل وقت، وتصير الأمور كلها إليه أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى : 53]. والرب هو:المربي لجميع العالمين بنعمه المدبر لهم الذي شرع لهم ما يصلحهم.
فعليك أيها العبد:
أ- أن تعبد ربك جلّ و علا وحده دون سواه، وأن تستمرّ في عبادته حتى يأتيك الموت، قال تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر : 99].
ب- أن تستشعر أنه سبحانه هو المنعم عليك، فتحمده وتشكره في كل لحظة من لحظات حياتك بقلبك ولسانك وجوارحك، وأن تسأله كل ما تحتاجه، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ( مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ ) رواه الترمذي وهو صحيح.
ج- اثن - أيها العبد - على الله بأنه ربك، ومن ذلك ما جاء في (سيد الاستغفار) كما في حديث شداد بن أوس : ( أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لَهُ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ لَا يَقُولُهَا أَحَدُكُمْ حِينَ يُمْسِي فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَلَا يَقُولُهَا حِينَ يُصْبِحُ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) رواه الترمذي وهو صحيح.
د- إذا افتتحت - أيها العبد - صلاتك من الليل، فأثن على الله بما ثبت عنه في حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: ( سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ قَالَتْ كَانَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ أَنْتَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) رواه أبو داود وهو صحيح0
فيشرع لك أن تدعوا الله بهذا الاسم أو بأي اسم من أسمائه الحسنى، وقد كان أكثر دعوة يدعوا بها ما ورد في حديث أنس قال: ( كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) رواه البخاري. وما ورد في حديث أبي بكر الصديق أنه قال لرسول الله : ( عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) رواه البخاري.
هـ- إذا أخذت مضجعك فأَثْنِ على الله، وادع بما ورد في حديث أبي هريرة عن النبي : ( أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى مُنَزِّلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ زَادَ وَهْبٌ فِي حَدِيثِهِ اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنْ الْفَقْرِ ) رواه أبو داود وهو صحيح.
و- إذا أصابك الكرب فيُشرع لك أن تُثني على الله، وأن تدعوه بما ورد في حديث ابن عباس : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) رواه الشيخان.
ز- استعذ بالله ( رب الناس, رب الفلق) وذلك بقراءة المعوذتين، لحديث عُقْبَةَ بن عامر قال ( بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالْأَبْوَاءِ إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَتَعَوَّذُ بِأَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَأَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وَيَقُولُ يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَا بِهِمَا فِي الصَّلَاةِ ) رواه أبو داود صحيح.
الرسالة الثالثة
المُتكبِّر
اعلم أن من أسماء الله الحسنى: المتكبَّر ,كما قال تعالى: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر : 23]. فهو سبحانه المتكبر على العُتاة، المتعالي عن صفات خلقه، المتنزّه عن النقائص والعيوب، الذي له الكبرياء في السماوات والأرض.
• من صفات الله الكبرياء وهي رداؤه، كما في الحديث القدسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّار ) رواه أبو داود وهو صحيح.
إذا علمت ذلك فيشرع لك ما يلي:
أ- عليك أن تتواضع ولا تتكبر، لحديث عياض بن حمار عن النبي أنّه خَطَبَهم فقال: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ) رواه ابن ماجه وبنحوه عند مسلم .
ب- احذر من الكبر ! لا تردّ الحق بل تقبله من أي أحد, ولا تحقر الناس بالتكبر عليهم أو بظلمهم، لحديث عبد الله بن مسعود عن النبي قال: ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ) رواه مسلم.
ج- لا تردَّ شيئاً من دين الله، بل تقبّل ذلك بكل سرور ومحبة وإذعان، وتواضع بقبول ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ، واعلم أنك إن رددت شيئاً من دين الله فإنّ عندك شيئا من الكبر، واجعل هذا نصب عينيك.
د- احذر من الوقوع في الكبر! واعلم أنك إن تكبرت فإنك تنازع الله في صفة الكبرياء ( رداؤه ) وإذا نازعت الله في كبريائه عذّبك الله , كما في الحديث القدسي، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّار ) رواه أبو داود وهو صحيح0
هـ- يشرع لك أن تسبِّح الله في ركوعك في الصلاة وفي سجودك، كما كان النبي ، ففي حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: ( قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً ) رواه أبو داود وهو صحيح.
و- احذر من الكبر! واعلم أن عقوبة المتكبرين شديدة، ومن عقوبتهم:
• أنهم يُجزون عذاب الهون ( الخزي ) كما قال تعالى: فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف: 20].
• أنهم يُحشرون أمثال الذر، ويُساقون إلى سجنٍ في جهنم وغير ذلك، ففي حديث سنن الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال: ( يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ ) حسن.
• أن الله يطبع على قلب المتكبر الجبار كما قال تعالى: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر : 35].
الرسالة الرابعة
الوَارث
من أسماء الله الحسنى: الوارث ، كما قال الله تعالى: وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ [الحجر : 23].
ومن صفاته أنه يرث الأرض ومن عليها كما قال تعالى: "إنا نحن نرث الأرض ومن عليها"، وأنه تعالى يورث الأرض من يشاء لأن الأرض له كما قال تعالى عن موسى أنّه قال لقومه : إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [الأعراف : 128].
فالله يرث الأرض ومن عليها، فيُميت جميع الأحياء - فلا يبقى حيٌّ سوى الله - إذا جاء أجلهم، وهو سبحانه الباقي بعد فناء خلقه، الوارث لهم بعد موتهم.
فيا أخي المسلم:
أ- اعلم أن الدنيا فانية ذاهبة، فلا تُعلّق قلبك بها، واجعلها طاعة لله ، وأمّا ما كان عندك من مال أو غيره من الدنيا فإنما أنت مُستَخلف فيه، فأنفق مما استخلفك الله فيه، وقد قال : وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد : 7].
ب- اعلم أنّ المال الذي بيدك إنما هو مال الله، فأعط منه الفقراء والمحتاجين، وأنفق منه في وجوه الخير، وقد قال : وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور : 33].
ج- اسأل الله أن يجعلك من ورثة جنة النعيم كما سأل إبراهيم ربه فقال تعالى: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء : 85].
د- حقِّق الصفات التي جاءت في أول سورة المؤمنون لتكون من ورثة جنة الفردوس، وقد قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون : 1 - 11].
هـ- اتق الله ، وقم بما أوجب الله عليك، وانته عما حرّم الله عليك، وسارع بالخيرات لترث الجنة، وقد قال : تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم : 63]. وأما إن قصَّرت بترك بعض الواجبات أو بالوقوع في المحرمات فإنك تكون من أهل الوعيد.
و- إذا أورثك الله الأرض ومكَّنَك فيها بسُلطة أو بغيرها فقم بما في هذه الآية: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج : 41].
ز- اعلم أنّه ليس لك من مالِك إلا ما أنفقته أو أكلته أو لبسته، كما في حديث مُطَرِّفٍ عَنْ أَبيه قال: ( أَتَيْتُ النَّبِيَّ وَهُوَ يَقْرَأُ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ قَالَ يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي قَالَ وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ) رواه مسلم. فسارع إلى الإنفاق من مالك ليكون لك عند الله ، وليكن مالك أحب إليك من مال وارثك كما في حديث عبد الله قال النَّبيُّ : ( أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ قَالَ فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ ) رواه البخاري 0
ح- اعلم - أيها المسلم- أن الأرض لله يُورثها من يشاء من عباده، وأن الله قد كتب كما قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء : 105]. وأن الله جل وعلا سوف يُزهق الباطل، ويُورث عباده المؤمنين أرضَ الكفار وديارَهم كما قال تعالى: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [الأحزاب : 27].
ط- أخي المسلم إذا كنت لم يُولد لك فادع الله أن يهبك ذريةً طيبة، وليكن من دعائك: رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء : 89]. اللهم هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل فلان - من أهلك - واجعله ربّ رضياً.
الرسالة الخامسة
المُحـسِن
من أسماء الله الحسنى: المُحسن ، لحديث شدَّاد بن أَوْس قال: ( حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ اثْنَتَيْنِ، أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُحْسِنٌ يُحِبُّ الإِحْسَانَ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، ثُمَّ لِيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) رواه الطبراني في المعجم الكبير وهو حسن. ومن صفات الله تعالى أنه يُحسن إلى عباده كما قال تعالى: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص : 77]0
• فالله محسنٌ إلى عباده في إنعامه عليهم، وفي إحسانه خلقه كل شيء، وفي جزائه على الحسنة بعشر أمثالها إلى أكثر من ذلك، وفيما شرعه لعباده وغير ذلك.
• فيا أخي المسلم يشرع لك ما يلي:
أ- يجب عليك أن تحسن في عبادة الله، تُخلص فيها لله وتتابع فيها رسول الله وقد قال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة : 5] ولحديث عائشة عن رسول الله قال: ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري0
ب- انظر - أيها العبد - إلى الإحسان الذي آتاك الله، فإنه لا يُعدّ ولا يُحصى، فقم بالإحسان في طاعته، واعلم أن الله سيجازيك على إحسانك بأكثر منه، وقد قال : وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل : 97].
ج- اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تأت بهذه فاعبد الله كأنه يراك، واستشعر المراقبة، لحديث أَبِي هريرة قال: ( كَانَ النَّبِيُّ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الْإِيمَانُ قَالَ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ قَالَ مَا الْإِسْلَامُ قَالَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) رواه البخاري0
د- أحسن إلى والديك مُطبِّقاً هذه الآية: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت : 8]. وبالوالدين إِحْسَاناً [ الإسراء : 23 ] . وادع لهما رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء : 24]. وأحسن في القول لهما وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [الإسراء : 23]. وأحسن في معاملتهما حتى تلقى الله0 هـ- ادع إلى الله بالقول الحَسَن "الموعظة الحسنة"، وقد قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل : 125] واهتم بالدعوة إلى الله على منهج القرآن وسنة النبي .
و- أحسن إلى الخلق بالإنفاق على الفقراء و الأيتام، وأحسن في كل شأن من شئونك، وقد قال تعالى: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص : 77] بل أحسن حتى في القِتْلة وذبح الذبيحة لحديث شداد بن أوس قال: ( حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ اثْنَتَيْنِ، أَنَّهُ قَالَ:ِإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُحْسِنٌ يُحِبُّ الإِحْسَانَ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، ثُمَّ لِيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) رواه الطبراني في المعجم الكبير وهو حسن.
ز- تخلَّقْ بحُسن الخلق تنال القرب من النبي يوم القيامة، لحديث جابرٍ أَنَّ رسولَ اللَّه قال: ( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ ) رواه الترمذي وهو صحيح.
وتنال بيتاً في أعلى الجنة، لحديث أبي أمامة قال: قال رسول الله : ( أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ) رواه أبو داود وهو حسن0
ح- أحسن في طاعة الله، وإلى الأهل، وإلى الخلق، تنال محبة الله ورعايته، وقد قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة : 195]. وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل : 128]0
ط- أحسن إلى من أحسن إليك وقم بمكافأته، وقد قال تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن : 60]. ولحديث أسامة بن زيد قال: قال رسول الله : ( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ ) رواه الترمذي وهو صحيح0
ي- أحسن في عبادة ربك لتحصل على الحسنى وزيادة ( النظر إلى وجه الله الكريم )، وقد قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس : 26]. فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله في الجنة، وفي حديث جرير بن عبد الله قال: ( كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) رواه البخاري 0
ك- أحسن إلى جارك بدعوته إلى الله ، وفي القول، وفي المعاملة والجوار، لحديث أبي شُريح الخزاعي أن النبي قال: ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ ) رواه مسلم 0
الرسالة السادسة
الوِتْر
من أسماء الله: الوِتر ، لحديث أبي هريرة عن النبي قال: ( لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَْ ) رواه مسلم.
• فالله فرد واحد لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، ولا نظير له في ذلك كله.
فيا أخي المسلم :
أ- اعبد الله وحده لا شريك له، واعتن بتوحيده، وحقِّق هذا التوحيد بالقيام به خالياً من الشوائب، مُطهراً من الشرك الأكبر والأصغر، ومن الذنوب التي تُضعف الأيمان، وقد قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء : 36].
ب- يُشرع لك - أيها العبد - أنّ كلّ عبادة لله من قولٍ أو فعلٍ جاءت وتراً عن النبي أن تقوم بها وتراً كما جاءت في السنة المطهرة، وهذه العبادات منها ما حدّده الشرع كالطواف بالبيت سبعاً، والسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط، فيجب أن تفعلها كذلك, ومنها ما يُسنّ أن تكون وتراً كغسل الميت، لحديث أُمِّ عطيَّة رضي الله عنها قالت: ( دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا قَالَ وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ مَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ ) رواه مسلم. فكن في ذلك متقيداً بسنة رسول الله 0
ج- اهتمّ بصلاة الوتر، وقد قال : ( أوتروا يا أهل القرآن فإن الله وتر يحب الوتر ) رواه أبو داود وهو صحيح. وليكن وِترُك قبل الصبح، لحديث أبي سعيد عن النبي قال
أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) رواه مسلم0
د- ما فعله النبي مرةً وتراً ومرةً شفعاً فافعله كذلك، مرةً وتراً ومرةً شفعاً؛ تأسياً بالنبي ، ومن ذلك الوضوء، فقد توضأ مرةً مرةً، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، فافعل كفعله .
هـ- اعلم أنّ ما جاء في السنة وتراً فإن الله يُحبه، فأحِبّ ما يُحبه الله ويُحبه رسوله لتحصل على الثواب العظيم من الله .
و- اعلم أن لله تسعة وتسعين اسماً ( وتراً )، وهذه الأسماء -التسعة والتسعين- يُشرع إحصاؤها لحديث أبي هريرة أن رسول الله : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه لبخاري.
ومعنى إحصائها كما يلي:
1- حفظها بعددها.
2- فهم معانيها وتدبرها حسب الاستطاعة.
3- دعاء الله بها، وقد قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف : 180]. فاجتهد أيها المسلم في إحصائها لتحصل على الثمرة (دخول الجنة).
ز- أسماء الله ليست محصورة في تسعة وتسعين، وفي حديث عبد الله عن رسول الله قال: ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ) رواه أحمد, صحيح. فيا أيها المسلم اسأل الله مطبقاً هذا الحديث عندما تُصاب بالهم والحزن.
الرسالة السابعة:
الوَاسِـع
من أسماء الله الحسنى: الواسع ، كما قال تعالى: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 247]. ومن صفاته السعة كما قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [النساء : 130].
• فالله قد وسعت رحمته كل شيء، ووسع علمه كل شيء، ووسع غناه ورزقه جميع خلقه، ووسع جوده كل خلقه، وهو واسع في صفات الكمال، وفي العظمة والإحسان والجود والحكمة والمغفرة والعفو واللطف ونحو ذلك.
فيا أخي المسلم :
أ- اعلم أنك عبدٌ لله ، وعليك أن تعبده في كل وقت وفي أي مكان، وإذا ضُيِّق عليك في مكان فانتقل إلى مكان آخر لتعبد الله فيه، وقد قال تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت : 56].
ب- أنفق من مالك في وجوه الخير لتحصل على السعة من الله بمضاعفة الثواب لك، وقد قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 261].
ج- اجتهد في الطاعات – الحسنات- لتحصل على سعة جود الله بمضاعفتها لك، وقد قال : مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام : 160]. ولحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ لَهُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ) رواه ابن ماجه وهو صحيح 0
د- أقبل على الله ، واسأله حاجتك، فإنّه سبحانه ذو الفضل العظيم، والإنعام الواسع، والعطاء السخي، وفي حديث أبي ذر عن النبي فيما روى عن الله تبارك وتعالى، وفيه: ( يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ) رواه مسلم.
هـ- إذا علمت أن الله واسع المغفرة فلا تقنط من رحمته، بل عُد إليه عندما تقع في الذنب، وقد قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر : 53]. ووعد سبحانه عباده المغفرة والفضل فقال : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 268]. وقال : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف : 156].
و- إذا كان عندك زوجة فلا تؤذها ولا تظلمها، وإذا أصبحت غير راغبٍ فيها، وأنّ بقاءها عندك تكون كأنها بلا زوج –كالمعلقة - فاتركها بإحسان أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق : 2]. فإن الله سوف يغنيها عنك ويغنيك عنها، وقد قال : وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [النساء : 130]0
ز- اعلم أن الله يسمعك، فقد وسع سمعه الأصوات كلّها وقد علم كل شيء وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [الأعراف : 89]. فاستح من الله جل وعلا، ولا تتكلم بمعصية الله، ولا تعمل بمعصية الله، وكن مراقباً ذلك في قولك وعملك وقلبك، واحرص أن تكون مطيعاً لله في كل وقت وفي أي مكان، وفي حديث أبي ذر قال: ( قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ) رواه الترمذي وهو صحيح.
ح-كن واسع الصدر والخلق، وقد قال رسول الله : ( لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط وجه وحسن خلق ) رواه ابن أبي شيبة وهو صحيح.
ط- وسِّع على أهل بيتك، وعلى الفقراء والمساكين، وذلك حسب ما عندك من السعة، وقد قال : لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق : 7]. وأوسع على المدين ولا تضايقه إذا كان معسراً، وكن متسامحاً مع المحتاجين ونحوهم.
ي- إذا جاء أخوك المسلم إلى المجلس فأوسع له، وفي حديث أبي شيبة عن النبي قال: ( إذا جاء أحدكم فأوسع له أخوه فإنما هي كرامة أكرمه الله به ) رواه البيهقي في شعب الإيمان وهو حسن. وقال
إذا انتهى أحدكم إلى المجالس ، فإن وسع له فليجلس ، وإلا فلينظر أوسع مكان يراه فيجلس فيه ) رواه البيهقي في شعب الإيمان وهو حسن.
ك- تخلق بالخلق الواسع (الصبر)، وكن ذا صبر عظيم على طاعة الله، وعلى أقدار الله المؤلمة (المصائب)، وفي حديث أبي سعيد الخدري : ( أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى إِذَا نَفَدَ مَا عِنْدَهُ قَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدًا مِنْ عَطَاءٍ أَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ ) رواه أبو داود.
ل- احرص على أن يكون مجلسك واسعاً، لحديث أبي سعيد الخدري قال: ( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا ) رواه أبو داود وهو صحيح.
الرسالة الثامنة
المـُعـطِي
من أسماء الله الحسنى: المعطي وقد قال : "ولا معطي لما منعت" ،ومن صفاته أنه يعطي لحديث حميد بن عبد الرحمن قال: ( سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ) رواه البخاري.
ومن صفات الله أنه يعطي عباده كما قال : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى : 5]. وأنه سبحانه ذو العطاء كما قال : وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا [الإسراء : 20].
• فالله جل وعلا هو المعطي لعباده كل خير, المحسن إليهم, المتفضل عليهم بالبر والإحسان، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وفي حديث وَرَّادٍ مولى المغيرة بن شعبة قال: ( كَتَبَ الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللّه كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) رواه الشيخان.
فيا أخي المسلم:
أ- اعلم أن الله هو الذي أعطاك كل خير, ويسّر لك كل فضل, وهداك إلى الإيمان فأحبّه سبحانه وأحبّ رسوله لحديث أنس بن مالك عن النبي قال: ( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّار ِ) رواه البخاري. وقم بطاعة الله وطاعة رسوله واحذر من الذنوب والمعاصي كل الحذر.
ب- اعلم أن الله هو الذي أعطاك كل مسألتك، كما قال : وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [إبراهيم : 34]. فكن شاكراً لنعم الله، جاعلاً تلك النعم في طاعة الله ، ولا تجعلها في معصيته سبحانه، واستح منه كل الحياء.
ج- تخلق - أيها المسلم - بخلق الإعطاء، وأعط الفقراء والمساكين والمحتاجين، ومن سألك شيئاً ولا حرج عليك فيه فأعطه ولا تمنعه، وفي الحديث: ( وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا يُسْأَلُهُ ) رواه أحمد وهو صحيح.
د- اسأل الله جل وعلا كل شيء تريده من المباحات والخيرات، واسأل الله أن يهديك وأن يُطعمك وأن يكسوك، لحديث أبي ذر عن النبي فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ) رواه مسلم.
هـ- تخلَّق بالسخاء والكرم، وأعط العطايا والهبات لوجه الله ، وقد أعطى النبي رجلاً غنماً بين جبلين, واهد الهدايا واقبلها، فقد كان يقبل الهدية ويثيب عليها. و- تخلّق بالصبر الجميل، فما أُعطي أحدٌ عطاءً أوسع من الصبر، وكن صابراً محتسباً حتى تلقى الله .
ز- أعط الأجير حقه فوراً ولا تبخسه، وقد قال في حديث عبد الله بن عمر : ( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ) رواه ابن ماجه.
ح- إذا صليت فقرأت سورة فَسَوِّ بين الأركان فيها، لحديث: ( أَعْطُوا كُلَّ سُورَةٍ حَظَّهَا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ) رواه أحمد وهو صحيح.
ط- إذا أُعطيت شيئاً فوجدت فكافئ من أعطاك، وإلا فأثن به، وقد قال : ( مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ ) رواه أبو دود ( حسن ).
ومن تحلّى بما لم يٌعط فإنه كلابس ثوبي زور لحديث أسماء رضي الله عنها