- أن في الجنة باب الريان يدخل منه الصائمون : وقد قال : ( وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ) رواه الشيخان. وقال : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ) رواه الشيخان.
8- أن صيام يوم في سبيل الله يباعد الله به حر جهنم عن صاحبه سبعمائة خريفاً : كما قال : ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ حَرَّ جَهَنَّمَ عَنْ وَجْهِهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ) رواه النسائي وابن ماجة (صحيح) , ورواه الشيخان بنحوه .
الدرس الثامن
فضل قيام رمضان
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد:
فإنّ قيام الليل مشروع (مسنون) ، وقد ذكر الله تعالى الذين يُصلُّون صلاةَ الليل فقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان:64]. وقال تعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ السجدة: 16،17] .
ولذا أيها المسلم اجتهد في رمضان في قيام الليل، وذلك كما يلي :
1- اعلم أنّ النبي ع قد سنّ لنا قيام شهر رمضان ، وفي حديث عائشة لزوج النبي ع : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ع صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ع فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ) رواه الشيخان.
2- وليكن قيامك ( صلاة الليل في رمضان ، التراويح) إنّما تقومه إيماناً بالله وبما أعدّه من الثواب لمن قام رمضان ، واحتساباً (طلباًً لثواب الله) ، ولا يكن الدافع لك إلى القيام في رمضان رياء أو سمعة ، أو مال ، أو لطلب رياضة المفاصل أو نحو ذلك ، فان قمت رمضان إيماناً واحتساباً تحقَّق لك ما قال ع حيث قال : ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه الشيخان.
3- وليس لقيام رمضان ( التراويح ) عدد معين محدود لا بد منه ، فإذا صلّيت - أيها المسلم- مع الإمام فاستمرَّ معه حتى ينصرف ؛ ليُكتب لك قيام ليلة ، وقد قال ع : ( مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ) رواه الترمذي وابن ماجه (صحيح) .
4- لكن الأفضل لك - أيها المسلم- أن تصلي التراويح مع الإمام الذي يُصلي إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة ، ويُطيلها ويخشعُ فيها ، وكذلك إمام المسجد لو يصلي إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة ويٌطيل فيها فهذا هو الأكمل والأفضل ، وفي حديث عائشة ل أنّها سُئلت : كيف كانت صلاة النبي ع في رمضان ؟ فقالت : ( مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ) رواه الشيخان . وفي حديث ابن عباسٍ س أنّه قال : ( كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي بِاللَّيْلِ ) رواه البخاري .
5- والأولى لإمام المسجد الذي يصلي بالناس التراويح أن يسلّم بهم من كل ركعتين ، ويوتر بواحدة ؛ حتى لا يشُقَّ عليهم ، أو يقع عندهم شيء من التشويش ، وفي حديث عائشة لقالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ع يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ ) رواه الشيخان . وقال ع في صلاة الليل : ( مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى ) رواه الشيخان.
وللمصلي أن يسرد وتره خمساً ، أو سبعاً ، أو تسعاً ، ولكن إذا صلّى تسعاً جلس في الثامنة ، فيتشهد ثم يقوم فيصلي التاسعة ويتشهد ويدعو ويسلم ، ولكنّ السرد إنّما يكون للمصلي إذا صلّى وحده أو بجماعةٍ اختاروا ذلك.
6- والأفضل إطالة الصلاة (صلاة التراويح) أو غيرها من قيام الليل ، فعن السائب بن يزيد س قال : ( أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ) رواه مالك (صحيح). وقال ع : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ ) رواه مسلم .
ليحذر الذي يصلي بالناس من السرعة التي تذهب بالخشوع والطمأنينة ! وليقم الإمام ببعض التدبُّر ، فإذا مرّ بآيةٍ فيها سؤال سأل الله ، أو تسبيح سبّح الله ، كما فعل ع .
7- يجوز للنساء الحضور لصلاة التراويح في المساجد ، إذا أُمِنَت الفتنة منهنّ أو بهنّ، وقد قال ع : ( لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ) رواه الشيخان.
ويشرع للنساء أن يبدأن بالصف المؤخَّر عكس الرجال ، وأن ينصرفن عندما يسلم الإمام فوراً من انتهاء الصلاة . والله الموفّق .
الدرس التاسع
فلنعتنِ بصيامنا !
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد :
فإن الصيام - ومنه صيام رمضان - حسّاس متأثر بأعمال الصائم وأقواله ، فعليك - أيها المسلم - أن تعتني بصومك عنايةً فائقةً جداً ؛ ليكون صومك مقبولاًً عند الله عز وجل ، مُحققاًً ثمرة تقوى الله بما يلي :
1- احفظ صومك حفظاً تاماً من الكلام الزور ( الكذب وغيره ) ( كل كلام باطل محرم) ، ولا تتكلم بكلمة حتى تعيها وتتفهّمها وتتبيّن فيها ، فإن كانت كلمةً صالحةً سديدةً فتكلم بها ، وإن كانت كلمةً محرّمةً فدعها ، وتذكّر أنّك إن تكلمت بها فقد تذهب بثواب صومك ، وتصبح ليس لك من صومك إلا الجوع والعطش ، وقد قال ع : ( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ ) رواه احمد وابن ماجه (صحيح) . وعند الطبرانيّ في الكبير : ( رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ) صحيح.
2- احفظ صومك من العمل بالزّور ( الأعمال المحرمة ) ، وحاسب نفسك على أعمال جوارحك ( رجليك – يديك – مطعمك – مشربك – ملبسك – دوائك – عملك – كل الأمانات – حقوق الله – حقوق العباد - حقوق النفس الواجبة )، وقم بكل ما أوجب الله عليك ، ودع كل ما حرّمه الله عليك ، واعلم أنّك إن لم تترك قول الزور والعمل به ، فليس لك من صيامك إلاّ الجوع والعطش ، وقد قال ع : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه البخاري .
3- تجنّب اللغو في القول ، والفاحش من الكلام في صومك ، وتجنّب كل ما يكون طريقاً لإثارة الشهوة التي توقع الصائم في الإفطار من الصوم الواجب ، أو تُضعف ثوابه ، وهو ما يسمَّى ( الرفث ) ، واعلم أن الصّوم ليس تركاً للطّعام والشّراب فقط ، ولكنه عن المحرمات كلها ، وعمّا يوقع فيها ويكون سبباً لها ، وقد قال ع : ( ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث...الحديث ) رواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (صحيح).
4-ابتعد عن الجهل وأنت صائم ، لا تجهل على احدٍ من الناس ، أو الحيوانات ، حتى أنّك لا تجهل على أولادك ، أو زوجتك ، أو موظفيك أو غيرهم ؛ وذلك لتحافظ على صيامك ، ولا ترفث مع زوجتك بما قد يؤدي إلى الإمذاء أو غيره ؛ لأنه يُضعف ثواب صومك ، وقد يكون الجهل أو الرفث يذهبُ بثواب صومك فاحذر ! وقد قال ع : ( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ ) رواه البخاري.
5- إذا كنت صائماً فحافظ على ثواب صيامك ، اترك الصخب ! اترك الخصام والصياح ! وكن هادئاً مرتاح البال ، وإذا كان عندك خصومة لتصيح فيها وهي بحق ، فأخِّرها حتى ينتهي الصيام ، وقد قال ع : ( وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ) رواه البخاري .
6-كن شديد المحافظة على صومك ( على صحته وعلى كمال ثوابه ) وعليه حتى لو سبّك أحدٌ أو قاتلك أو شاتمك فلا تردّ عليه إلّا بكلمة : ( إني صائم ، إني صائم ) ، وقد قال ع : ( وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ ...الحديث ) رواه الشيخان . وفي لفظ عند البخاري : ( فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ) .
انتبه لصيامك ! وصُنْه عما يذهب به ، أو يُضعف ثوابه ، أو يؤثر فيه ، وكن عاقلاً ، هادئاً ، رزيناًً ، مُتسامحاًً في ما هو لك ، بعيداً عن كل لفظةٍ أو حركةٍ مُحرّمةٍ أو فيها شبهة. والله الموفّق.
الدرس العاشر
رمضان شهر القرآن
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد:
أيها المسلم : إنّ شهر رمضان هو الشهر الذي قال الله تعالى عنه : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان ﴾ [البقرة : 185]. فإذا علمت ذلك فاجتهد بما يلي :
1- اجتهد في قراءة القرآن بنيةٍ خالصةٍ لله تعالى ، وقلبٍ حاضرٍ ، وتلاوته بتأنٍّ وتروٍّ بدون عجلة ، ولكن بتدبُّرٍ وفهمٍ ووعيٍ وترتيلٍ ، وقد قال الله تعالى لرسوله ع : ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ﴾ ِ[المزمل: 4].
وإذا قرأت بعضاً من الآيات وفهمت ما فيها فاسأل نفسك عن تطبيق ذلك والعمل به ، اجمع بين الفقه في القرآن والعمل بما تعلمه ، وقد قال الله تعالى : ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الألباب ﴾ [ ص : 29 ] .
2- إذا تيسَّر لك أن تتدارس القران مع بعض طلبة العلم ممَّن هو عالمٌ بالقرآن ، ومعانية وأحكامه ؛ ليفيدك في بيان الآيات وشرحها فذلك أمرٌ طيبٌ ، وابحث عمّن تدرس معه القرآن في ليالي رمضان ، وإذا كان من أولادك وأهلك ممن يسهل المدارسة معه أو مِن مُحبِّيك فهو أفضل ، فإنّ مدارسة القرآن في شهر رمضان وتفهُّمه من أفضل الأعمال الصالحة.
وقد قال ابن عباس م: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ع أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ ع أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ) رواه الشيخان. وإذا حصل لك المدارسة للقرآن ، وفهمت بعضاً من الآيات ، فكن مطبِّقاً لها فوراً ، ومن ذلك أنّك ستمرُّ عليك آيات الإنفاق والحث على فعل الخير ، فكن جواداً كريماً بكل خيرٍ وعطاءٍ وصدقةٍ.
3- إن لم يتيسر لك أحدٌ من طلاب العلم ، فخُذ لك تفسيراً مُيسّراً للقرآن ، بحيث تراجع الآيات التي قرأتها في هذا التفسير الذي يعينك على فهم القرآن ، وليكن التفسير من التفاسير التي على منهج السلف في العقيدة ، والعبادة ، والأخلاق ، واقرأ القرآن في شهر رمضان على قدر الاستطاعة ، ثلاث مرات ، أو مرّتين ، أو أكثر أو أقلّ ، وفي حديث عبد الله بن عمرو م : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ فِي شَهْرٍ قَالَ إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ يُرَدِّدُ الْكَلَامَ أَبُو مُوسَى وَتَنَاقَصَهُ حَتَّى قَالَ اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ قَالَ إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ) رواه أبو داوود (صحيح).
4- عندما تتلو القرآن زيِّن القرآن بصوتك ، فقد قال ع : ( زيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ ، فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْناً ) رواه الحاكم (صحيح) . واقرأ قراءة الخاشع لله ، الذي يخشى الله ، بظهور ذلك في قراءته ، وقد قال ع في حديث جابر س: ( إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ الَّذِي إِذَا سَمِعْتُمُوهُ يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ ) رواه ابن ماجه (صحيح).
5- اقرأ القرآن في رمضان أو غير رمضان ، وتدبّر في قراءة القرآن ، ومن ذلك التدبُّر : إذا مررت بآيةٍ فيها ذكر الجنة فاسأل الله الجنة ، وإذا مررت بآيةٍ فيها ذكر النار فاستعذ بالله من النار، وإذا مررت بآيةٍ فيها ذكر الرحمة فقل : اللهمّ ارحمني أو نحو ذلك ، أو بآية استغفار فاستغفر الله ، أو بآيةٍ فيها تسبيح فسبِّح الله ، أو سؤال فاسأل الله ، أو بآيةٍ فيها ذكر آيات الله كالليل والنهار والشمس والقمر، وكل ما خلق الله ، فتفكّر في هذا الخلق الذي فيه دلالة على قدرة الله العظيمة ؛ لتعود ذاكراً لله ، قائماً ، وقاعداً ، وعلى جنبك ، وقد ازداد الإيمان عندك ، بل إذا قرأت القرآن في النوافل فافعل كما كان ع يفعل ، فإنّه صلى ليلةً فكان ع ( إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ) رواه مسلم .
اعمل لك ولأهلك في رمضان برنامجاً مع القران .
6-من أفضل المدارسة للقرآن أن تكون في المسجد ، وقد قال ع : ( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم. فاحرص على ذلك أيها المسلم !
7- تأدّب بآداب قراءة القرآن المستحبة ، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن ، وإذا مررت بآية سجدة فاسجد ، وكن على طهارة. والله الموفق.
الدرس الحادي عشر
عمرة في رمضان تعدل حجة
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد :
فإنّ الأعمال الصالحة لها فضل في شهر رمضان ، ومن تلك الأعمال الصالحة : العمرة في رمضان. فيا أيها المسلم:
1- إن تيسر لك أن تعتمر في شهر رمضان ، في أي وقتٍ منه ، في أوّله ، أو آخره ، أو وسطه ، فافعل ، فقد قال لام سنان الأنصاريّة : ( مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ قَالَتْ أَبُو فُلَانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا قَالَ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي ) رواه البخاري .
2- وإذا تيسّر لك أن تذهب بوالديك إلى العمرة ، أو أسرتك ، فهذا أمرٌ طيبٌ ، واجتهد في البعد عن الزِّحام ، كما لو اعتمرت في أول شهر رمضان ، وإذا كان والداك قد ماتا أو مات أحدهما ، فاعمل لكل واحدٍ منها عمرة في رمضان ، أو اعمل للميت منهما واعتمر بالحي معك ، فإنّه بحمد الله قد تيسّرت أمور العمرة ، ولم تكن مكلفه ، بل هي يسيرة جداً ، ونفقتها يسيرة على من كان قريباً من مكة ، أو في هذه البلاد مع سهولة المواصلات ، فاغتنم الفرصة ! وقد قال : ( الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ) رواه الشيخان
3- إذا كنت موظفاً فلا تترك عملك وتذهب إلى العمرة ، إلّا إذا أخذت إذناً من عملك ؛ لأنّ العمل أمانه ، ويجب المحافظة عليه ، والقيام به ، وأمّا العمرة فقد تكون نافلة ، والواجب مقدمٌ على المندوب ، وهذا التوجيه عام لأئمة المساجد وغيرهم ، فعلى المسلم أن يتنبّه لذلك.
4- وإذا سافرت في العمرة فهذا السفر ( مشروع ) وهنا أحوال :
أ – إن كان الصوم يضرُّ بك في بدنٍ ونحوه فأفطر ولا تصم ، فان صمت مع الضرر كنت عاصياً ، والنبي ع : (خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ) رواه المسلم .
ب- وإن كان الصوم لا يضرُّ بك ، ولكن يلحقك بعض المشقة -من الحرارة- بالصوم ، فالفطر أفضل لك ؛ لأنه : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ع فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ ) رواه الشيخان.
ج- وان كان الصوم والفطر عندك سواء ، فأنت مُخيّرٌ ، إن شئت فصُم وان شئت فافطر ؛ لأنّ حمزة بن عمرو الأسلمي س قال للنبي : ( أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ ) رواه الشيخان .
د- اعلم -أيها المسلم- أنّك إن سافرت في رمضان أو في غيره وكنت تعمل عبادات ولم تعملها في السفر فإنّه يُكتب لك مثل ما كنت تعمل في إقامتك ، وكذلك لو مرضت ، فإنّه يُكتب لك ، وقد قال : ( إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا ) رواه البخاري .
هـ- لكن إن كنت مسافراً فاستفد من سفرك أيضاً في التنقل بالصلاة على راحلتك ( وأنت راكب في السيارة ، أو في الطائرة ، أو في غيرها ) ولا تصلِّ السنن الرواتب إلا ركعتي الفجر والوتر ؛ لأنّه كان : ( يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ ) رواه الشيخان. والله الموفق.
الدرس الثاني عشر
رمضان تربية للمؤمنين
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد:
فإنّ صيام رمضان يُربِّي النفوس المؤمنة على كل خير ، بل ويربِّي المجتمع على طاعة ربِّه ، ولذا أيّها المسلم في رمضان :
1- اهتمّ في حياتك بتربيةِ نفسِك على طاعة الله ﻷ ، واهتمّ بتربية أولادك على العبادات العظيمة التي لها أثرها في القلوب والنفوس ، ومن تلك العبادات المثمرة :
أ- الصلاة : فلتكن في شهر رمضان محافظاً عليها أشدّ المحافظة ، على الفرائض ثم النوافل كقيام رمضان ، بل وربِّ نفسك على المحافظة على الصلاة ، لقوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [ المعارج : 34 ] . واعلم أنّك إن أهملت في الصلاة المفروضة فأنت في الصيام أكثر إهمالاً ، مهما ادَّعيت المحافظة عليه ، حافظ على الصلاة بطهارتها ، وخشوعها ، وواجباتها ، وأثرها عليك ، فإنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر .
ب- ربِّ أولادك المُمَيِّزين على الصلاة في رمضان وغيره ، وهذه التربية الواجبة ( بأمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين ، وبضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين إذا امتنعوا )، وقد قال ع : ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أحمد وأبو داود (صحيح) .
ج- رَبِّ أولادك التربية المسنونة على صيام شهر رمضان ، وهذه التربية للأولاد المميزين من الذكور والإناث ، والاجتهاد في أن ينشأ الولد على طاعة الله ﻷ ، وقد قالت الرُّبيِّع: ( أَرْسَلَ النَّبِيُّ ع غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ ) رواه الشيخان . وهذا في عاشوراء لمَّا كان واجباً ، قلت : وكذلك رمضان فإننا يُشرع لنا أن نربي أولادنا على صيامه.
د- وإذا كنت أيّها المسلم لك أولاد مُميِّزون ، ودخل عليكم شهر رمضان ، فاجتهد أن يصوموا رمضان ، واستعدَّ لهم ببعض اللُّعب التي يتسَلّون بها عن الطعام والشراب ( احذر من اللّعب المحرَّمة كالتماثيل ، وأدوات الموسيقى ، والغناء ، أو الصور ونحو ذلك ) ولْيقُم الأب والأم في البيت بالتعاون على هذه التربية للأولاد ، ومنح الجوائز للأولاد من الذكور والإناث في شهر رمضان ، ولتكن الأم عيناً على الأولاد بالمتابعة في البيت حسب الاستطاعة ، ولْيكن الأب حريصاً على الذهاب بالأولاد الذكور معه إلى المسجد ( ويذهب بهم إلى المسجد ) ، وليعلم الوالدان أنّ لتربيتهما أثراً بإذن الله ، وعليهما أن يتوكّلا على الله ، ويلجأ كلُّ واحدٍ منهما إلى ربه ويدعو لأولاده ، وقد قال الله تعالى : ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60] .
هـ- أيها الأب والأم ، اعملا برنامجاً لأولادكما في رمضان ، بحيث يكون مُسليّاً ، ومُفيداً ، ومُتناسباً مع أعمار الأبناء والبنات ومستوياتهم ، ومُشوِّقاً لهم ، ومُرغباً في طاعة الله ، ومُقبِّحاً الذنوب والمعاصي ، واعلما أنّكم مسئولون عن الأولاد يوم القيامة ، وقد قال ع : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه الشيخان. وقال ع : ( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ) رواه الشيخان.
و- أيها الأب والأم ، ادعوا لأنفسكما ولأولادكما وأنتما صائمان ، فقد قال ع : ( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ دَعْوَةُ الْصَّائِمِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُوم ) رواه البيهقي في الشعب (صحيح). وقال ع : ( ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر ) رواه البيهقي في السنن الكبرى وحسّنه الألباني رحمه الله . ربِّيا أنفسكما على دعاء الله في كل وقت ، وعلى اغتنام أوقات الإجابة. والله الموفق .
الدرس الثالث عشر
رمضان فرصة لا تعوّض
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد :
• أيها المسلم : إن رمضان فرصةٌ إذا ذهبت فكيف تعوض ؟ ولذا انتبه لنفسك حتى لا تذهب عليك هذه الفرصة (شهر رمضان) ! واستغلّ هذه الفرصة بكل ما تحمل هذه الجملة (استغلّ) وقم بكل عمل شرعه الله سبباً لمغفرة الذنوب ولدخول الجنة ، وقد قال : ( أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ ، فَمَاتَ ، فَدَخَلَ النَّارَ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، قَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ ، فَمَاتَ ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَأُدْخِلَ النَّارَ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، قَالَ : وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ) رواه الطبراني في الكبير (صحيح).
• أيها المسلم : إذا دخل عليك رمضان فانتبه لصيامك ، وحافظ عليه أشدّ المحافظة ، وتجنّب كل شيء يفسد الصوم أو فيه شبهة ، أو يذهب بثواب الصوم ، أو يكون طريقاً إلى إضاعة الوقت ، أو إلى كثرة الكلام الذي لا فائدة فيه ، أو الاشتغال بما لا نفع فيه في الدنيا والآخرة ، بل احذر أن يمضي عليك يومٌ من رمضان وأنت في شكٍّ من صحة صومك ، أو في اشتباه ، أو أن يكون ذلك اليوم قد أضعت ثوابه في كلامٍ فارغٍ ، واعزم عزماً صادقاً من أول ليلة على استغلال رمضان ، وعلى تجنب كل ما يُلهي ، واصدُق في التوبة إلى الله عز وجل ، واستعن بالله ، واترك الكسل ، فقد قال : ( وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ ) رواه مسلم .
• أيها المسلم : تنبّه لصومك ، ولا تُطع شهوة البطن ، فتُضيع صومك في بعض الأيام كما يفعل من يتسّحر بعد طلوع الفجر ، أو وهو يسمع المؤذن الذي يؤذن بعد طلوع الفجر ، فهذا النوع ليسوا صائمين ، وإنما هم متلاعبون ، وكذلك من يشرب الشاي أو القهوة أو غيرها وقد طلع الفجر ، فإنه بعد الفجر يحرم جميع المفطرات على الصائم ، وقد قال : ( إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ ) رواه الشيخان .
• أيها المسلم : استغلّ ليالي رمضان في الصلاة ، وقراءة القرآن ، وذكر الله ، والاستغفار والتسبيح والتهليل , واستغلّ الثلث الأخير من الليل ، واعلم أن في الليل ساعة إجابة كلّ ليلة ، وقد قال : ( إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ) رواه مسلم . اِسألَ الله كل ليلة ما تُحب من الخير من أمور الدنيا والآخرة ، وألحّ على الله بالدعاء .
استغلّ نهار رمضان في الصيام الواجب ، وفي أعمال الخير ،كالصدقة ، وذكر الله (اذكر الله في الطريق ، وفي سيارتك ، وعملك ، وعلى فراشك ، وبادر إلى الصلوات المكتوبة ، واعتن بقراءة القرآن ، ولا تسكت عن الذكر ، وفي الحديث
لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) رواه الترمذي وغيره (صحيح) . وابتعد عن الجلسات التي فيها إضاعة للوقت بغير ذكر الله .
• إن كنتَ موظفاً فأدِّ الأمانة في رمضان بما يلي :
الدوام الحقيقي ، وإنجاز الأعمال الموكلة إليك ، واترك عنك الأعذار عن أداء العمل بأنك صائم ؛ لأنك بأداء الأمانة ترغب بأن يكون صومك مُكفِّراً ذنوبك ، أما الخيانة فإن صومك (الخائن) لا يُحقق المراد منه , واحفظ لسانك حفظاً تاماً عن كل كذبٍ أو غيبةٍ أو محرمٍ ( اقفل على لسانك من كل محرم ) .
واستعن بالله ثم بالقيلولة على قيام الليل ( تنام وقت القيلولة ، أو عندما تعود من عملك) لأن القيلولة تفيدك لقيام الليل والنشاط في الليل للعبادة ، وقد قال : ( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ) حسنه الألباني رحمه الله .
الدرس الرابع عشر
رمضان شهر المسابقة للخير
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبة ، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد:
فيا أيها المسلم ، شمِّر إلى الجنة في هذا الشهر الكريم ، شهر رمضان ، واجتهد في كل عمل صالح بما يلي :
1- المسارعة إلى الأعمال الصالحة : وقد قال تعالى : ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133،134] .
2- أسرع ولا تتأخر ولا تتباطأ عن كل خير ، ومن ذلك :
أ- النفقة في سبيل الله في كل وجوه البر ، وفي حال عسرك ويسرك ، ولا تحتقرنَّ من المعروف شيئاً ولو قلّ ، ولا تقل : أنا دخلي قليل ، بل تصدّق ولو بالشيء اليسير ، وقد قال ع : ( لا تحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ) رواه مسلم. وقال ع : ( لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ) رواه مسلم
ب- اكظم غيظك ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ ، وقد قال ع في حديث معاذ بن أنس س : ( مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ ) رواه أهل السنن (حسن) .
ج- اعفُ عن الناس ، ولا تنتقم لنفسك ، ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ ، وقد قال تعالى : ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله ﴾ [ الشورى : 40 ] . وفي حديث أبي هريرة س قال ع : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ) رواه مسلم . ولما سُئلت عائشة ل عن خُلُقِ رسول الله ع فقالت : ( لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ ) رواه الترمذي (صحيح) .
د-كن من المحسنين ؛ لتكون ممن يُحبهم الله ، وقد قال تعالى : ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ . فأحسن في عبادتك ، اخلص فيها لله ، مُتابعاً رسول الله ع ، وقد قال ع : ( الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) رواه الشيخان . وهذه مرتبة عظيمة ( المراقبة ) ، وأحسن إلى كل أحد حتى الحيوانات ، وحتى في الذبح ، وقد قال ع : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) رواه مسلم .
3- سابق إلى كل خير ، وإلى كل ما يقرِّبك إلى الله ومغفرته وجنته ، وقد قال تعالى : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ...الآية ﴾ [الحديد:21]. فحقِّق الإيمان بالله ورسله ، قم بما أوجب الله عليك ممَّا أمر به الله ورسوله ع، وانته عمّا حرّمه عليك الله ورسوله ع ، وأكثر من التقرب إلى الله بالنوافل ، واعلم أنّك في هذا الشهر الكريم شهر رمضان ، قد فتحت لك أبواب الجنة ، فسارع وسابق إليها ، وقد قال ع : ( إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ ) رواه الشيخان .
4-أيها المسلم ، اجتهد في كل طاعة لله ، ومنها قول : لاحول ولا قوة إلا بالله ، فقد قال ع في حديث قيس بن سعد بن عباده س : ( أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) رواه الترمذي (صحيح) . وحافظ على أوسط أبواب الجنة ، وقد قال ع : ( الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَحَافِظْ عَلَى وَالِدَيْكَ أَوْ اتْرُكْ ) رواه ابن ماجه (صحيح) . والله الموفق.
الدرس الخامس عشر
استغلال الشهر بالطاعات
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد :
إنّ شهر رمضان هو شهر الخير ، والصيام ، والقيام ، فجديرٌ بك - أيها المسلم- أن تستغلّه في كل عملٍ صالحٍ ، ومن ذلك :
1- أكثر من ذكر الله ﻷ ، ومن الحسنات ؛ لأنّ الحسنات تُضاعف في الزمان الفاضل ، وإذا كنت في مكة أو في المدينة ، فاعلم أنّ الحسنات تُضاعف في المكان الفاضل ، فاجتهد في ذلك في الصلاة ، وكل عمل يقرِّبك إلى الله ، وقد قال ع : ( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ) رواه احمد وابن ماجه (صحيح) .
2- تطلَّب الطاعات التي هي أعلى الطاعات ، وكن ذا همةٍ عاليةٍ في هذا الشهر ( رمضان ) ، فشارك في كل عملٍ رفيعٍ ، وفضله عظيم ، ومن تلك الطاعات : إصلاح ذات البين ( اعمل لك برنامجاًً للإصلاح بين المخاصمين ، وبين الأقارب المتهاجرين ، والقبائل المتناحرين) ، وقد قال ع : ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ ) رواه أبو داود والترمذي وأحمد (صحيح).
3- إذا كان بينك وبين أحدٍ المسلمين شحناء ، فاذهب إليه واعفُ عنه ، وقم بما يُذهب تلك الشحناء ، بل أحسن إليه في هذا الشهر ( رمضان) ، حتى وإن كان قد أساء إليك ، واطلب الثواب من الله ﻷ وليغفر لك ذنوبك ، وقد قال ع : ( تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا ) رواه مسلم. وفي لفظ : ( أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) رواه مسلم.
4- من أفضل الأعمال ( الطاعات) الدعوة إلى الله ﻷ ، فقم بعمل برنامجٍ دعويٍ ( في المسجد) أو ( في الحي ) ، وتقوم المرأة بعمل برنامجٍ دعويٍ ( في الدار النسائية للقرآن الكريم ) ، وقد قال تعالى : ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ...الآية ﴾ [النحل: 125]. وقد قال ع : ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً...الحديث ) رواه البخاري .
ومن أعظم ما تبلِّغ به : أحكام الصوم ، بيان المفطِّرات ، ما شُرع في رمضان ، التحذير من الوقوع فيما يُذهب ثواب الصوم .
وتكون دعوة الناس عن طريق الكلمات أو المحاضرات ، أو توزيع الشريط الإسلامي ، أو القراءة من كتاب ، أو توزيع المطويَّات المفيدة ، أو غير ذلك من الأعمال الدعوية التي يستفيد منها المجتمع.
5- اجتهد في أعمالٍ تنفع المسلمين ، ومنها تسجيل الفقراء في جمعيات البرِّ الخيرية ، ومساعدة الجمعيات الخيرية على عملها ، وعلى إيصال الصدقات إليها ، والقيام بمعاونتها في التوزيع ، وإعطاء اليتامى ونحو ذلك ، والسعي في تفريج الكُرَب عن المسلمين ، وقد قال ع : ( وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري.
الدرس السادس عشر
رمضان شهر الصبر
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبِة ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد:
اعلم أيها المسلم أنّ رمضان هو شهرُ الصَّبر، ولذا :
1- اصبر على صيامِ شهرِ رمضان لوجه الله تعالى ، فإنّ صومَه ركنٌ من أركان الإسلام ، وتَطَوَّع بصيام ثلاثة أيامٍ من كلّ شهر ، وقد قال ع : ( صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ ) رواه احمد ، وقال ع : ( صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدْرِ ) رواه البزّار (صحيح).
2- اصبر على كلِّ طاعةٍ تؤديها لله ﻷ ، واستفد من الصّوم الصّبر على الطّاعة ، والصّبر على المعصية ، والصبر عن الذنوب والمعاصي ، واحتسب أجرك عند الله الذي يوفِّي الصابرين أجرهم ،كما قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب ﴾ [ الزمر : 10 ] .
3- عش بقيَّة عمرك مُتصبِّراً مُستعِفّاً مُستغنياً ؛ ليصبِّرك اللهُ ويُعفَّكَ ويُغنيك ، ولا تسأل النَّاس ، ولا تقف على أبواب من عندهم المال سائلاً ، وفي حديث أبي سعيدٍ س : ( إِنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ع فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ ) رواه الشيخان .
4- إنّك تصبر في صيامك عن الطعام والشراب ، فاستفِد من ذلك في ترك القات والدّخان والشِّيشَة وغيرها من المحرمات لوجه الله تعالى ، وليكن صبرك عن هذه المحرمات طاعةً لله لا لشيءٍ آخر ؛ لتحصلَ على الثوابِ العظيمِ بكتابتِها حسنةً ، وقد قال ع : ( قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ فَقَالَ ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ ) رواه مسلم .
5- استفد من صيامِ رمضان أنَّك تصبر على أذى النّاس ، في مخاطبتهم ودعوتهم إلى الله ﻷ ، وتعليمهم ، والحرص على ما ينفعهم ، ولا تكن قليل الصبر ، غير مخالطٍ للناسِ ولا نافعٍ لإخوانك المسلمين ، وقد قال ع في حديث ابن عمر س : ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ) رواه الترمذي وابن ماجه (صحيح) .
6- اعلم أنّ الحياة كلّها لا بد لها من الصبر ، ومجاهدة النفس على الأعمال الصالحة حتى تموت ، فتخلَّق بالصبر ، وجاهد نفسك في القيام بطاعة الله ، صابراًً بعيداًً عن الذنوب ، وقوِّ إيمانك ، واسْعَ في زيادته وارتفاعه ، وكن سمحاً ، فإذا جمعت بين الصّبر والسّماحة حقَّقتَ أفضل الإيمان ، ولمَّا سُئِل ع : أي الإيمان أفضل ؟ فقال: ( الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ ) . بل وأَوْصِ إخوانك المسلمين بالصَّبر ، وقد قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [سورة العصر] . والله الموفق.
الدرس السابع عشر
شهر الانتصارات
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبيّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد :
• فإنّ شهر رمضان شهرٌ مباركٌ ، نصر الله فيه المسلمين في غزوة بدر الكبرى على عدو الله وعدوهم المشركين ، وسمّى ذلك : يوم الفرقان ؛ لأن الله فرّق فيه بين الحق والباطل ، وكان ذلك في رمضان السنة الثانية من الهجرة ، وكان سبب هذه الغزوة أن النبي قد بلغه أن أبا سفيان قد توجّه راجعاً من الشام إلى مكة بعير قريش ، فدعا النبيُّ أصحابَه إلى الخروج لأخذ تلك العير ؛ لأن قريشاً محاربون لله ولرسوله ، وخرج النبي وأصحابه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً يطلبون العير ، ولا يريدون الحرب ، ولما علم أبو سفيان بهم بعث صارخاً إلى قريش ليحموا عِيرَهم ، وسلك طريقاً على ساحل البحر ، وخرجت قريشُ بأشرافهم في نحو ألف رجل، ومعهم الفتيات يغنين بهجاء المسلمين ، ونجا أبو سفيان بالعير ، وأرسل إلى قريش ليرجعوا ، فأبوا إلا الحرب ، وجمع الله بين المسلمين وبين عدوهم ، ووقعت المعركة ، ونصر اللهُ رسولَه وأصحابَه على كفار قريش ، وقُتِل من الكفار سبعون وأُسِر سبعون , لقد نصر الله الفئة القليلة التي تقاتل لإعلاء كلمة الله ، وأذلّ الله المشركين ، فيا أيها المسلم :
1- اعلم أن الله ناصرٌ دينه مهما طغى الكفار وتجبروا ، وقد قال الله تعالى : ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [ الحج : 40 ]. فعلى المسلمين أن يقوموا بما أمرهم الله به ، وينتهوا عما نهى الله عنه ، وأن يعتزُّوا بدينهم ، وأن يقوموا بالدفاع عن دينهم لينصرهم الله على عدوهم ، وقد قال تعالى : ﴿ اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:200] .
2- أيها المسلم : ادعُ الله عز وجل أن ينصر المسلمين على أعدائهم الكفار ، وقد علّمنا الله ذلك ﴿ وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة:250].
3- أيها المسلم : اُدعُ الله على الكفار الذين هم صناديد ، وأذاهم على المسلمين أعظم ، وهم يخططون الخطط للعالم ؛ لمحاربة الإسلام وأهله ورميهم بالتطرف ونحو ذلك ، وليكن دعاؤك عليهم بأعيانهم بالهلاك ، فإنّ النبي قد دعا على أربعةٍ من صناديد قريش ، وهم : أبو جهل ، وشيبة بن ربيعة ، وأخوه عتبة ، وابنه الوليد بن عتبة ، فعن ابن مسعود س أن النبي : ( اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ ع الْكَعْبَةَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ غَيَّرَتْهُمْ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا ) رواه البخاري.
4- اُدعُ الله عز وجل بنجاة المستضعفين ، وادعُ الله على الكفار الذين يؤذون المسلمين ، أن يصيبهم الله بالقحط ، والجدب ، وأن يَشْدُدَ الله وطأته عليهم ، وليكن دعاؤك عليهم إذا رفعت رأسك من الركعة الآخرة (دعاء القنوت) ، فعن أبي هريرة س أنّ النبي : ( كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ ) رواه الشيخان.
• وفي شهر رمضان كانت غزوة فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة ، وأصبحت بلداً يُقام فيه التوحيد بدلاً عن الشرك ، فلله الفضل والمِنّة ، فعلى من دخل مكة أو كان من سكَّانها أن يعلم أنها بلدُ الله الحرام ، وأن الحسنات فيها تضاعف ، فليجتهد في فعل الحسنات ، وليحذر من الذنوب فيها وفي غيرها ؛ لأن الذنوب فيها تَعظُم ، وقد قال تعالى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ الحج : 25 ]. انتبه يا من أنت في مكة !