منتدى دير الزور
عزيزي الزائر الكريم .. زيارتك لنا أسعدتنا كثيراً .. و لكن لن تكتمل سعادتنا إلا بانضمامك لأسرتنا .. لذا نرجوا منك الضغط على زر التسجيل التالي من فضلك
واملىء حقول التسجيل ،ملاحة ضع بريد صحيحا لتفعيل عضويتك من بريدك الشخصي
بعد التسجيل تصلك رسالة بريدية على بريدك الشخصي تجد فيها تعليمات تفعيل العضوية
وشكرا
مع تحيات ادارة منتديات دير الزور
منتدى دير الزور
عزيزي الزائر الكريم .. زيارتك لنا أسعدتنا كثيراً .. و لكن لن تكتمل سعادتنا إلا بانضمامك لأسرتنا .. لذا نرجوا منك الضغط على زر التسجيل التالي من فضلك
واملىء حقول التسجيل ،ملاحة ضع بريد صحيحا لتفعيل عضويتك من بريدك الشخصي
بعد التسجيل تصلك رسالة بريدية على بريدك الشخصي تجد فيها تعليمات تفعيل العضوية
وشكرا
مع تحيات ادارة منتديات دير الزور
منتدى دير الزور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لا للظلم لا لسرقة أحلام الشعب السوري لا لسرقة خيرات الشعب السوري لا لسرقة عرق الشعب السوري لا لسرقة دماء الشعب السوري لا لحكم الأسرة الواحدة لا لآل الأسد الحرية لشعبنا العظيم و النصر لثورتنا المجيدة المصدر : منتديات دير الزور: https://2et2.yoo7.com
 
الرئيسيةمجلة الديرأحدث الصورالتسجيلدخولمجلة الديرزخرف نيمك الخاص بالفيس بوكأضف موقع

مساحة اعلانية
مساحة اعلانية Check Google Page Rank منتديات دير الزور 3 بيج رنك

 

  تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:02 am


التصنيـف العـام > تفسير القرآن الكريم

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Paper بيانات الكتاب ..
العنوان تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم
المؤلف محمد بن شامي شيبة
نبذة عن الكتاب
تاريخ الإضافة 5-4-1430
عدد القراء 9797
رابط القراءة
رابط التحميل  تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Zip << اضغط هنا >>


تفسير سورة الفاتحة





لفضيلة الشيخ العلامة


محمد بن شامي شيبة


حفظه الله





























بسم الله الرحمن الرحيم


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
(6)



التفسير :


ابتدئ قراءتي باسم الله الرحمن الرحيم مستعيناً به
متبركاً به معتمداً عليه ـــ الثناء على الله بأسمائه الحسنى وصفات الكمال ونعوت
الجلال وأنه المحمود على كل حال , وهو رب المخلوقين كلهم الذي خلقهم ورزقهم ورباهم
بنعمه وهدى من شاء منهم بفضله وإحسانه وأضل من شاء منهم بعدله ـــ الرحمن بعباده
رحمة كثيرة ، الرحيم بالمؤمنين الذي وسعت رحمته كل شيء ـــ مالك يوم القيامة
والجزاء والحساب فلا مالك في ذلك اليوم سواه ( لمن الملك اليوم ـ لله الواحد
القهار ) ـــ نعبدك وحدك ونستعين بك دون سواك ونعتمد عليك فلا حول ولا قوة لنا إلا
بك ـــ أرشدْنا ووفقْنا ، إلى الطريق الذي لا عوج فيه الموصل إلى رضاك وجنتك
بالعمل بدينك واتباع أمرك والانتهاء عن نهيك ـــ وهذا الصراط هو طريق الذي أنعمت
عليهم بالإيمان والعمل الصالح من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وليس
طريق من غضبت عليهم ممن علم الحق ولم يعمل به كاليهود ولا طريق من ضل عن دينك ممن
ترك الحق عن جهل وضلال كالنصارى 0






ما جاء في الفاتحة والاستعاذة والتسمية :




1) الفاتحة هي السبع
المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه النبي
r وهي
أعظم سورة في القرآن وقد قال
r : ((لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ
فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا
أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ
سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ
السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ)) رواه البخاري 0





2) الفاتحة رقية وهي أم الكتاب وفي حديث أبي سعيد
الخدري قال : ((
كُنَّا
فِي مَسِيرٍ لَنَا فَنَزَلْنَا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ
: إِنَّ
سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ وَإِنَّ نَفَرَنَا غَيْبٌ فَهَلْ مِنْكُمْ
رَاقٍ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كُنَّا نَأْبُنُهُ بِرُقْيَةٍ فَرَقَاهُ فَبَرَأَ
فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ شَاةً وَسَقَانَا لَبَنًا فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ
أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً أَوْ كُنْتَ تَرْقِي قَالَ لَا مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِأُمِّ
الْكِتَابِ قُلْنَا لَا تُحْدِثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ أَوْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ
اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ
))رواه البخاري
،
أيها المسلمارق نفسك أو غيرك من أي مرض بالفاتحة " ولك أن ترقي
بالقرآن كله فكله شفاء ورحمة للمؤمنين" .



3) فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ومما جاء في
ذلك : أن ملكاً أتى النبي
r
فقال له : ((
أَبْشِرْ
بِنُورَيْنِ
أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ
وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ
)) رواه مسلم بنحوه من حديث ابن عباس 0





4) لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بالفاتحة فهي ركن على
الإمام والمأموم والمنفرد وقد قال
r
في حديث أبي هريرة : ((
مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ
خِدَاجٌ)) رواه مسلم 0





5) مشروعية الاستعاذة قبل قراءة القرآن لقوله تعالى
(
فاستعذ بالله من الشيطان
الرجيم
) أخي المسلم : استعذ بالله قبل قراءة القرآن في الصلاة أو خارجها
سواء بدأت من أول السورة أو من وسطها أو آخرها وذلك عند كل قراءة 0






6) مشروعية التسمية عند قراءة سورة من أولها لأن
البسملة هي آية للفصل بين السور وهي بعض آية في سورة النمل وهي ليست آية من
الفاتحة على الصحيح 0






بعض الدروس من سورة
الفاتحة :






1) أخي المسلم : لنكثر من
حمد الله والثناء على الله بذلك وقد قال
r في
دعائه : ((
لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى
نَفْسِكَ
)) رواه مسلم ، ونحمد
الله على كل حال ولنقل كما قال
r : ((وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ)) ، وفي حديث جابر أن رسول الله r قال :
((
أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ
)) رواه ابن ماجه (حسن)
0






2) أخي المسلم ( إذا صلى أحدنا وقرأ الفاتحة فليجعل
قلبه يقظاً خاشعاً عند كل آية متدبراً وقد قال
r في
حديث أبي هريرة : ((
قال اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي
وَإِذَا قَالَ { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيَّ
عَبْدِي وَإِذَا قَالَ { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي وَقَالَ
مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
} قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ { اهْدِنَا
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ
)) رواه مسلم 0





3)
اعلم
أخي المسلم : أن الله هو مالك يوم القيامة وحده دون سواه ((
لمن الملك اليوم ، لله الواحد القهار )) فتهيأ من الآن واستعد لذلك اليوم في كل لحظة من لحظات عمرك فإنه
يوم الجزاء والحساب واجعله على البال في حركاتك وسكناتك فلا تقدم إلا على خير
وطاعة وابتعد عن كل معصية لله وكلما قرأت الفاتحة تذكر الحساب والجزاء على الأعمال
يوم القيامة 0
والله الموفق





4)
إن الطرق ثلاث



أ‌-
الأول :


طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وهي طاعة الله ورسوله
r والابتعاد
عن معصية الله وعن معصية رسوله
r فهذا الطريق اسلكه يا أخي
المسلم وادع الله أن يوفقك إليه وأن يدلك ويرشدك إليه

(
اهدنا الصراط المستقيم )
واسأل الله أن يجعلك هادياً مهدياً وفي حديث عمار : ((
اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ)) رواه النسائي (صحيح) ،
وأسأل الله الهدى وقل كما قال رسول الله
r في
حديث ابن مسعود : ((
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى)) رواه مسلم 0



ب‌-
الثاني
:



طريق المغضوب عليهم ( الذين
عملوا الحق ولم يعلموا به ) كاليهود ، وهذا الطريق تجنبه واسأل الله أن ينجيك منه
وأن يجنبك إياه ، بل وعليك أن تعمل بكل ما علمت من القرآن والسنة ، فمن علم ولم
يعمل ففيه شبه من اليهود .




ت‌-
الثالث
:



طريق الضالين ( الذين يعبدون
الله على جهل وضلال تاركين الحق ) كالنصارى ، وهذا الطريق تجنبه واسأل الله أن
ينجيك منه وأن يجنبك إياه ، بل عليك أن تتعلم دينك وتعمل به ، وقد قال
r
في حديث عدي بن حاتم ((
الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَ النَّصَارَى ضُلَّالٌ)) رواه الترمذي وأحمد
(صحيح) .



أخي المسلم : احذر من طريق اليهود والنصارى ومن التشبه
بالكفار من يهود أو نصارى أو غيرهم وقد قال
r
" من تشبه بقوم فهو منهم " رواه


عدل سابقا من قبل Admin في الخميس يوليو 12, 2012 3:52 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:04 am

تفسير سورة الذاريات

لفضيلة الشيخ العلامة :

محمد بن شامي شيبة

حفظه الله

الآيـــات
{ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (Cool يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)}
التفسير:
أقسم بالرياح التي تثير السحاب وتذروا التراب وغيره ، وأقسم بالسحب التي تحمل الماء فتكون موقرة بحمله لكثرته، وأقسم بالسفن التي تجري على ظهر الماء بيسر وسهولة ، وأقسم بالملائكة التي تقسم الأرزاق وأمر الله بإذن الله بين عباده ، أن ما وعدتم به من البعث والحساب والجزاء لخبر صادق لا شك فيه ، وأن الجزاء على الأعمال يوم القيامة لكائن لا محالة ، وأقسم بالسماء ذات الجمال والبهاء والحسن والبناء الشديد المحبوك ( المحكم ) ، إنكم أيها الكفار ، لفي قول مضطرب لا يلتئم ولا يجتمع في رسول الله  وكتابه ( القرآن ) فمنكم من يقول في النبي  أنه كاذب ومنكم من يقول ساحر ومنكم من يقول مجنون ومنكم من يقول في القرآن أنه سحر أو شعر أو أساطير الأولين ونحو ذلك ، يضل ويصرف عن الاهتداء بالقرآن ومتابعة الرسول  من ضل وأعمى الله قلبه فصرفه عن الانتفاع بكتابه والإيمان برسوله  ممن لا فهم له ولا اعتبار ، لعن الكذابون الذين يقولون لا نبعث وهم في ريب وشك من دين الله ، الذين هم في عماية وظلمة الكفر والشك غافلون لاهون عن دين الله وعن الآخرة ، يسألون استهزاءاً واستبعاداً وتكذيباً متى يوم القيامة الذي فيه الجزاء والحساب ؟ ، فأجابهم الله : يوم الجزاء والحساب هو يوم يعذبون في نار جهنم ويحرقون بها ، ويقال لهم في النار توبيخاً لهم ذوقوا عذابكم الذي كنتم به تستعجلون في الدنيا .

بعض الدروس من الآيات:
1) أخي المسلم : إننا مبعوثون وعلى أعمالنا مجزيون ومحاسبون فهل اجتهدنا في إعتاق رقابنا وفكاك أنفسنا وقد قال  في الحديث ((كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها )) رواه مسلم /ألا فالنجاء ، النجاء . والله الموفق .
2) أيها لمسلم : إن هذه الآيات ( المخلوقات ) ـ الرياح التي تذر التراب والغبار وتثير السحب هي آية من آيات الله الدالة على قدرته العظيمة ولذلك فإن الرياح تكون رحمة فتلقح النباتات وغيرها ( لواقح ) وتكون الريح عذاباً كما قال  في حديث ابن عباس ((نصرت بالصبا و أهلكت عاد بالدبور)) رواه الشيخان0 فهل :
أ‌- تفكرنا في هذه الآيات إذا رأينا الرياح وكذلك إذا رأينا السحب ورأينا السفن وهي تجري على الماء .
ب‌- وإنه ليشرع إذا رأى أحدنا الريح أن يقول كما قال  في حديث عائشة ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ)) رواه الشيخان .
3) أخي المسلم : لنحذر من الغفلة عن يوم القيامة بل علينا التنبه واليقظة والاجتهاد في عمل الطاعات والمسارعة بالتوبة إلى الله عز وجل وكثرة الاستغفار والإكثار من النوافل بعد القيام بالفرائض والبعد عن المحرمات والشبهات ولندرس سيرة رسول الله  لنرى حرصه  على كل طاعة في بيته وفي طريقه وعلى راحلته وفي مجلسه ففي حديث جابر أنه  ((كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة)) رواه الشيخان ، هل أنا وأنت إذا كنا راكبين سيارة أو طائرة نتنفل بالصلاة وفي حديث ابن عمر قال ((إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ يَقُولُ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ مِائَةَ مَرَّةٍ)) رواه أبو داود وابن ماجه (صحيح) ، هل أنا وأنت نقول ذلك في المجلس وكان  كما في حديث أبي هريرة ((كَانَ يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ)) رواه ابن ماجه (صحيح) ، هل أنا وأنت صمنا الاثنين والخميس ؟ ((البدار ، البدار )) .

الآيـــات
{ إِ نَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}
التفسير:
إن المتقين ربهم بفعل ما أمرهم به واجتناب ما نهاهم عنه في حدائق وبساتين جميلة عظيمة وعيون ماء عذب فرات جارية، آخذين ما أعطاهم ربهم من النعيم المقيم والسرور والغبطة ، إنهم كانوا قبل هذا النعيم محسنين في الدنيا بالقيام بما أمرهم الله به وانتهائهم عما نهاهم الله عنه ، كان هؤلاء المحسنون لا ينامون إلا قليلاً من الليل فهم يصلون لله ويدعونه ويستغفرونه ويسألونه أكثر الليل ، وفي وقت الأسحار (( قبل الفجر )) هم يستغفرون الله لذنوبهم، وفي أموالهم جزء لمن سألهم من المحتاجين ولمن لا يسأل حياءً وتعففاً ، وفي الأرض آيات وبراهين دالة على عظمة الله واستحقاقه العبادة وحده دون سواه للموقنين بإيمانهم فلا يرتابون ، وفي خلق أنفسكم آيات على عظمة الله وأنه يجب أن يعبد وحده لا شريك له أفلا تتفكرون في ذلك ، وفي السماء رزقكم مما ينـزل الله منها من الأمطار التي هي سبب لنبات كل الثمار والحبوب وما توعدون من خير وشر فهو مكتوب في اللوح المحفوظ ، أقسم برب السماء والأرض أن ما وعدتكم به حق لا مرية فيه من أمر القيامة والبعث والجزاء فهو كائن لا محالة فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون .
بعض الدروس من الآيات:
(( تنبه لهذا البرنامج ))
1) أخي المسلم : إن من صفات أهل الجنة أنهم في الدنيا :
أ‌- هم (( محسنون )) في أمورهم كلها فعلي وعليك بالإحسان وقد قال  ((الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)) (صحيح) ، وهذا هو المراقبة ، فلنراقب أنفسنا ولنعلم أن الله يرانا ولا يخفي عليه شيء من أمورنا وقال  ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ)) الحديث (رواه مسلم ) ، فلنكن محسنين حتى نلقي الله عز وجل
ب‌- هم يقومون بالليل (( يتهجدون )) وقد قال  في حديث أبي مالك الأشعري ((إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام و ألان الكلام و تابع الصيام و صلى بالليل و الناس نيام)) رواه أحمد وابن حبان (حسن) ، أخي المسلم : تهجد بالليل ما تيسر لك .
ت‌- أنهم (( يستغفرون وقت السحر )) وفي الحديث الصحيح قوله  في حديث جبير بن مطعم ((ينزل الله في كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ حتى يطلع الفجر)) رواه أحمد والنسائي (صحيح) ، فيا أخي : استغل هذا الوقت في الاستغفار والسؤال والتوبة .
ث‌- أنهم (( ينفقون ويتصدقون على السائل وغيره )) فهل تصدقنا ؟ أيها المسلم : لنحاول ولنسعى في تحقيق هذه المسائل الأربع فعسى الله أن يدخلنا جنات النعيم .
ج‌- وليعلم العبد أنه مهما اجتهد في طاعة الله فهو كما قال  في حديث عتبة ((لَوْ أَنَّ رَجُلًا يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ يَمُوتُ هَرَمًا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَحَقَّرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه أحمد (حسن).
2) أيها المسلم : لنتفكر في أنفسنا فمن تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله لعبادة الله تعالى ولكن ما أكثر الذين لا يتفكرون في ذلك وإنما هم في غفلة عن هذا الأمر (( أفلا تبصرون )) فيا أخي :
أ‌- تفكرفي نفسك واخرج من هذا التفكير بالعودة إلى الله والقيام بطاعته والاجتهاد فيها وترك معاصيه0
ب‌- لندع الله عز وجل ((اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا)) رواه مسلم ، لثبوت ذلك عن النبي  في حديث زيد بن أرقم .
ت‌- لنستعذ بالله من شرور أنفسنا وقد قال  في حديث أبي هريرة ((قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ قَالَ قُلْهَا إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي (صحيح) .
ث‌- ليعترف أحدنا بأنه ظلم نفسه ويسأل الله المغفرة كما قال  في حديث أبي بكر ((قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) رواه الشيخان .
3) أيها المسلم : إن رزقي ورزقك عند الله قد كتب فكل منا سيأخذ ما كتبه الله له وإنما نبذل الأسباب فقط وقد قال في حديث ابن مسعود ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة )) الحديث وفيه ((ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ )) (رواه الشيخان) ، وقال  في حديث زيد بن ثابت ((فتَعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ)) رواه أحمد وغيره(صحيح) ، وقال  في حديث جابر : ((لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت)) رواه في الحلية وحسنه الألباني رحمه الله ، فإذا علمنا ذلك فلنقنع بما آتانا الله ولنشكر الله على ما أعطانا ولنطلب الرزق من الله وحده ولا نذم أحداً من الخلق على ما لم يؤتنا الله ولنطلب الحلال دون الحرام كما قال  في حديث جابر : (خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ )رواه ابن ماجه (صحيح) والله الموفق 0




الآيـــات
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)}
التفسير:
هل بلغك ـ أيها الرسول ، خبر ضيف إبراهيم الذين أرصد لهم إبراهيم الكرامة وهم ملائكة كرام على الله ، حين دخلوا على إبراهيم فقالوا مسلمين عليه : سلاماً فرد عليهم السلام بقوله سلام عليكم أنتم قوم غير معروفين ، فمال إلى أهله خفية فجاء ضيفه بعجل سمين مشوي ( حنيذ ) ، فأدنى العجل منهم وقال لهم متلطفاً : ألا تأكلون ؟ ، فلما رأي إبراهيم ضيفه لا تصل أيديهم إلى الطعام ولا يأكلون أضمر في نفسه خوفاً منهم ، قالوا : لا تخف وبشروه بابن يكون ذا علم كثير بدين الله (( وهو إسحاق )) من زوجته سارة ، وعندما سمعت سارة البشارة لإبراهيم بولد منها فأقبلت على الملائكة وصرخت صرخة عظيمة ولطمت وجهها وقالت تعجباً : كيف ألد وأنا عجوز وعقيم لا أحبل ، قالت الملائكة لسارة : إن الذي قلناه قاله ربك وقضاه ،إنه هو الحكيم في تصريف وتدبير شئون عباده القادر على كل شيء الذي يضع الشيء في موضعه ، العليم بمصالح عباده ومن يستحق منهم الكرامة .
بعض الدروس من الآيات:
1) أخي المسلم :
س1: ما حكم الضيافة ؟
ج1: حكمها الوجوب ـ سواءً في القرى أو في البوادي أو في المدن وقد قال  في حديث أبي شريح ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ)) رواه الشيخان ،لنسأل أنفسنا هل قمنا بحق الضيف .
س2: هل الضيف على حال واحد أم بينهم تفاضل ؟
ج2: الضيف يتنوع فإذا كان كريم قوم فهذا يتميز في الكرامة لقوله  في حديث ابن عمر ((إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ)) رواه ابن ماجه (حسن) ، وكذلك فمن الضيف من يذبح لضيافته (الإبل) ، ومنهم من يذبح لضيافته (البقر) ، ومنهم من يذبح لضيافته (الغنم) ، ومنهم من يعطي أقل من ذلك وهكذا .
س3: هل الناس يتفاوتون في إكرام الضيف ؟
ج3: نعم فمن الناس من يرى أن إكرام الضيف إذا قدم له كوباً من الشاي ومنهم بخلاف ذلك ، وذلك يعود إلى حال من نزل عنده الضيف فالبخيل يستكثر الشيء التافه والكريم يستقل الشيء الكثير وهكذا والوسط هو العدل (( هل أنا وأنت ممن يتصف بالجود والكرم فقد كان  ((أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ)) رواه الشيخان من حديث أنس .
2) أخي المسلم لنحرص على إفشاء السلام على من عرفنا ومن لم نعرف من المسلمين (( وإذا دخلنا منزلاً فلنسلم وقد قال  في حديث ابن عمر ((أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَكُونُوا إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ)) رواه ابن ماجه (صحيح) ، وفي حديث عبد الله بن بسر كان رسول الله إذا أتي باب قوم ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)) رواه أحمد وأبو داود (صحيح) .
3) أخي المسلم : أدخل السرور على أخيك المسلم بالبشارة بالخير وكان  في حديث أبي موسى إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال  ((بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا)) رواه أبو داود/صحيح ، وقال  في حديث أبي هريرة ((أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا)) رواه البيهقي في شعب الإيمان (حسن) ، لتكن ممن يفرح لأخيه المسلم بالخير ويبشره به . والله الموفق



الآيـــات
{ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)}
التفسير:
قال إبراهيم ـ عليه السلام ـ للملائكة : فما شأنكم وفيم جئتم ؟ ، قالت الملائكة : إنا أرسلنا من الله إلى قوم كافرين واقعين في الجريمة البشعة ( إتيان الفاحشة ) وهم قوم لوط ، لنرجمهم بحجارة من طين مطبوخ بالنار حتى تحجر ، معلمة عند الله للمسرفين على أنفسهم بالكفر والعصيان، فأخرجنا من كان في قرية لوط من المؤمنين بالله حتى لا يصيبهم العذاب ، فما وجدنا في قرية لوط إلا بيتاً واحداً ممن أسلم لله وهم لوط وأهل بيته إلا امرأته ، وتركنا في هذه القرية بعد إهلاكهم علامة واضحة على قدرة الله العظيمة في إهلاك أعدائه وجعلناها عبرة وعظة بما أنزلنا بهم من العذاب والنكال وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة ففي ذلك عبرة للمؤمنين الذين يخافون عذاب الله الموجع المؤلم ،وفي موسى يوم أرسلناه إلى فرعون بدليل باهر وحجة قاطعة فكفر فرعون فأغرقناه عبرة لمن خاف عذاب الله المؤلم الموجع ، فأعرض فرعون استكباراً وعناداً وتعززاً بجموعه وقوته وقال عن موسى : إنه ساحر أو مجنون ، فأخذنا فرعون وجنوده فطرحناهم في البحر فغرقوا وهو آت بما يلام عليه من الكفر والعناد والتكذيب ، وفي إهلاك عاد عبرة وعظة لمن خاف عذاب الله المؤلم ، فقد أرسلنا عليهم الريح المفسدة التي لا خير فيها ولا تنتج نفعاً ، ما تدع من شيء مرت عليه إلا صيرته كالشيء الهالك البالي، وفي خبر ثمود وإهلاكهم عبرة وعظة لمن خاف عذاب الله الموجع ، إذ قيل لهم : تمتعوا إلى وقت فناء أجلكم الذي حدد لهلاككم ، فأعرضوا وتكبروا عن أمر الله لهم فأهلكهم الله بصاعقة العذاب وهم ينظرون الموت بأعينهم يأخذهم ، فما قدروا أن يقوموا من أماكنهم ولا أن يهربوا وينهضوا مما نزل بهم من عذاب الله وما كانوا قادرين على أن ينتصروا مما هم فيه ، وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلاء فأغرقناهم وفي ذلك عبرة وعظة لمن خاف عذاب الله المؤلم ، إنهم كانوا قوماً خارجين عن طاعة الله ظالمين أنفسهم بالكفر والتكذيب والعناد .
بعض الدروس من الآيات:
1) الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا (( فإذا جاء الإسلام وحده كما قال تعالى (( فله اسلموا )) فإنه يدخل فيه الإيمان فيشمل الشعائر الظاهرة كالإيمان والإسلام وكالشهادتين وكالصلاة والزكاة والحج والصوم ، ويشمل الأمور الباطنه وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وإذا جاء الإيمان وحده دخل فيه الشعائر الظاهرة فيشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ويشمل الشهادتين والصلاة والزكاة والحج والصوم وغير ذلك كما قال  ((آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ)) الحديث وفيه ((وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ)) رواه الشيخان ، (( وإذا جاء الإسلام والإيمان مجتمعين كان الإسلام للشعائر الظاهرة ، والإيمان للأمور الباطنه كما في حديث جبريل لما سأل النبي  عن الإسلام فقال ((الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ)) ولما سأله عن الإيمان ((الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)) رواه مسلم .
2) أخي المسلم : س1 : هل أنا وأنت ممن يخافون عذاب الله الأليم ؟ إذا كنا كذلك فما هو الشاهد على ذلك ؟
ج1 : إذا كنا نخاف عذاب الله الأليم فإن الدليل على ذلك أن يعتبر أحدنا بالآيات ويأخذ العظة والعبرة منها ومن ذلك ما أصاب الكفار السابقين من عذاب الله وما لحقهم من الهلاك والدمار كالذي أصاب (( قوم لوط ـ قوم فرعون ـ قوم عاد قوم نوح وثمود )) ليقف كل واحد منا وليتفكر في ما أصاب تلك الأمم وما هي من الظالمين ببعيد .
3) أخي المسلم : ليكن أحدنا خير شخص في أسرته وخير بيت في حيه وفي قريته ومدينته وتلك هي الهمة العالية ، هي همة الرسل عليهم الصلاة والسلام فهم خير البشر والصفوة المختارة وكذلك أسرهم وبيوتهم (( وليطلب أحدنا معالي الأمور وأسرته كذلك وقد قال  في حديث الحسين بن على ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وأَشْرَافَهَا ، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا)) رواه الطبراني في الكبير (صحيح) ، وفي حديث سهل ((إن الله عز وجل يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها)) رواه الحاكم (صحيح) .
4) أخي المسلم : إن الفسق : الخروج عن طاعة الله هو سبب الهلاك وهو الطريق إلى الشرور إلى نار جهنم والفسق يزيد ولذا فكلما ابتعد العبد عن طاعة الله زاد فسقه وإنه لجدير بالعبد أن يبتعد عن الفسوق (( بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان )) ومن يرضى أن يكون فاسقاً ؟ ومن يرضى لنفسه أن يكون على خطر الوقوع في عذاب الله ؟ لكن يا أخي الحل الوحيد لمن وقع في الفسق الأصغر أو الأكبر أن يتوب إلى الله عز وجل قبل الموت (( قبل الغرغرة)) بل أن التوبة هي على الجميع وقد قال  في حديث الأغر المزني ((تُوبُوا إِلَى ربكم فَإِنِّي أَتُوبُ إلى الله فِي اليوم مِائَةَ مَرَّةٍ )) رواه مسلم 0
الفسق الأكبر : الكفر بالله عز وجل الكفر الأكبر .
الفسق الأصغر : الذنوب دون الكفر الأكبر .






الآيـــات
{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}
التفسير:
والسماء بنيناها وجعلناها سقفاً محفوظاً رفيعاً بقوة وقد وسعنا أرجاءها ونحن قادرون على البناء والتوسعة ، والأرض جعلناها فراشاً للمخلوقات فنعم الماهدون لها نحن (( جعلناها كالمهاد وهو الفراش )) ، ومن كل شيء من المخلوقات خلقنا صنفين ذكراً وأنثى وخيراً وشراً وسماءاً وأرضاً وبراً وبحراً وغير ذلك لتعلموا أن الله الخالق الواحد لا شريك له فوجب أن تعبدوه وحده دون سواه ، فاهربوا ـ أيها العباد ـ من عذاب الله ونقمته إلى رحمته وذلك بالقيام بأوامره والانتهاء عن نواهيه وبإتباع رسوله ، إني لكم ( رسول ) منذر من عذاب الله ومحذر لكم منه (( بين يدي عذاب شديد ))، ولا تعبدوا مع الله إلهاً أخر غيره ، إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد ، وإنذاري لكم واضح بين أخوفكم بعذاب الله إن عبدتم غيره وعصيتموه، وكما قال لك هؤلاء المشركون أنك ساحر أو مجنون فكل أمة من الأمم السابقة قالوا لرسولهم : ساحر أو مجنون ، هل أوصى بعضهم بعضاً بهذه المقالة لرسولهم (( ساحر أو مجنون )) ؟ لا بل هم قوم متجاوزون الحد في الطغيان وتشابهت قلوبهم فقال متأخرهم كما قال متقدمهم ، فأعرض ـ أيها الرسول ـ عن الكفار فلا لوم عليك لأنك قد بلغتهم ما أرسلك الله به ، وعظ هؤلاء الكفار وغيرهم واستمر في الدعوة إلى الله بما أرسلت به ، فإن الموعظة ينتفع بها المؤمنون،وما خلقت الجن والإنس إلا لعبادتي وحدي دون سواي ولا يشركوا بي شيئاً وقد أمرتهم بذلك وأرسلت إليهم الرسل بدعوتهم إلى عبادتي وأنزلت به الكتب ، ما أريد من الجن والإنس من رزق لا لهم ولا لغيرهم ، وما أريد أن يطعموني فإني أطعم ولا أُطعم وأنا الغني عن الخلق كلهم وأنتم أيها الخلق فقراء إلى الله وحده وهو الرزاق للخلق كلهم ، وهو صاحب القوة المتين الشديد الذي لا يعجزه شيء فلا يقهر ولا يغالب ، فإن للذين ظلموا أنفسهم بالكفر نصيباً من العذاب سوف ينـزل بهم مثل نصيب أصحابهم من الأمم الماضية ممن مات على الكفر فلا يستعجلون العذاب فإنه واقع بهم لا محالة ، فهلاك شديد للذين كفروا من يوم القيامة الذي وعدهم الله به في الدنيا .
بعض الدروس من الآيات:
1) أخي المسلم : لنتفكر في خلق السموات وفي جعل الله الأرض فراشاً ممهدة ، وفي خلق الله (( من كل شيء زوجين )) ولنهرب إلى الله (( اهرب إلى الله ـ فر إلى الله )) ويكون الهروب إلى الله منه إليه { الهرب من عذاب الله بترك معاصيه والقيام بطاعته } وقد قال  ((وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ)) وقال  في حديث البراء ((لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ)) (رواه الشيخان) ، لنهرب من النار إلى الجنة وذلك بالحذر من الشهوات فقد قال  ((حفت النار بالشهوات)) رواه مسلم ,والاجتهاد في الطاعات وإن كانت تشق على النفوس فقد قال  ((حفت الجنة بالمكاره)) رواه مسلم ,وفي حديث جبريل لما أرسله الله إلى النار وفيه أنه قال ((خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا)) رواه الترمذي (صحيح) .
2) رسالة إلى أُختي المسلمة :
اهربي إلى الله من العذاب ، اجتهدي في الطاعات واحذري من الذنوب ، واسمعي هذا الحديث عن ابن عباس قال ، قال  ((اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ)) رواه الشيخان ــ أختي المسلمة : اصبري في هذه الحياة ، وانتبهي لنفسك فأكثري من النوافل بعد الواجبات وترك المحرمات وتذكري النار ( نار جهنم ) وقد قال  في حديث أبي هريرة ((مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا وَلَا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا)) رواه الترمذي (حسن) .
3) أيها المسلم : لنذكر الناس بهذا القرآن وسنة رسول الله  في المجالس والدروس والخطب والكلمات والعمل وغير ذلك ، وذلك حسب الاستطاعة فإن المؤمن يتعظ بالذكرى وينتفع بها وهذا التذكير هو طريقة رسولنا (( فلنكن مستغلين كل الفرص في تذكير الناس وقد قال  في حديث عبدالله بن عمر ((بلغوا عني و لو آية)) (رواه البخاري) .
4) أخي المسلم : إنما خلقنا الله لنعبده وحده لا شريك له فلتكن حياتنا كلها عبادة لله بحيث تكون أعمالنا وأقوالنا ومعاملاتنا نريد بها وجه الله وتكون على ما شرع الله عز وجل كما قال تعالى لرسوله  (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )) ليحذر العبد من أن يجعل حياته للعب واللهو فإنه لم يخلق لذلك .... تنبه رحمك الله .
5) أخي المسلم : إن الرزق من عند الله فهو الرزاق فليعتمد أحدنا على الله في طلب الرزق وإنما بفعل السبب وقد قال ابن مسعود ((أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي (صحيح) .




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:05 am

تفسير سورة الرحمن

لفضيلة الشيخ العلامة :

محمد بن شامي شيبة

حفظه الله

الآيـــات
{ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (Cool وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)}
التفسير:
الرحمن ـ اسم من أسماء الله تعالى ، له صفة الرحمة التي وسعت كل شيء ، علم من شاء من عباده القرآن ويسر له فقهه وتلاوته والعمل بما جاء فيه ، خلق الله الإنسان من مني يمنى وخلق أباه أدم من تراب ، علم الله الإنسان النطق باللسان والإبانة عما يختلج في نفسه ، الشمس والقمر يجريان متعاقبين بحسبان دقيق لا يختلف ولا يضطرب ، النجوم التي في السماء وشجر الأرض تسجد لله مطيعة خاضعة منقادة لله ، والسماء رفعها الله على الأرض فجعلها سقفاً محفوظاً ، ووضع العدل في الأرض حيث أمر به الناس وأوجبه على عباده في كل شيء ، لئلا تجوروا في الوزن ولتعدلوا فيه ، وأقيموا الوزن بالعدل ولا تبخسوا الوزن ولا تنقصوه إذا وزنتم لأحد بل عليكم أن تفوا به ، والأرض مهدها الله للخلق لتستقر لهم وتقوم حياتهم عليها ، وخلق الله في الأرض فاكهة مختلفة الألوان والطعوم ، والنخل ذات أوعية الطلع الذي يطلع فيه العنقود ثم ينشق عن العنقود فيكون بسراً ثم رطباً ثم ينضج ويتناهي نفعه واستواؤه ، وخلق الله في الأرض الحب كالبر والشعير والدخن في نبته وزرعه الأخضر ، وخلق في الأرض كل أنواع الريحان ذات الريح الطيب من الزهر والورد وغيرها ، فبأي نعم ربكما الكثيرة المتوالية أيها الإنس والجن تكذبان ؟ ، خلق الله أدم أبا الناس من طين يابس كالفخار ( ما طبخ من الطين ) وخلق الله الجان من لهب النار الخالص ، فبأي نعم ربكما أيها الإنس والجن تكذبان ؟ .

بعض الدروس من الآيات:
1) من أسماء الله : ( الرحمن ) :
أ‌- ويشتق له منه صفة الرحمة ( الذاتية ) التي رحم بها الخلق كلهم ، كما أنه سبحانه من أسمائه الرحيم ويشتق له من صفة الرحمة ( الفعلية ) التي رحم بها عباده المؤمنين فنثبت لله هذين الاسمين وما تتضمن من الصفات بلا تمثيل كما قال تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .
ب‌- هناك رحمة مخلوقة وهذه الرحمة تشمل ما جاء في حديث أبي هريرة وهو قوله  ((إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه مسلم ، ( إني وإياك يشرع لنا أن نتخلق بهذه الرحمة فليرحم كبيرنا صغيرنا وغير ذلك) وقد قال  في حديث عبد الله بن عمر ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا)) رواه أحمد والترمذي (صحيح) ـ وتشمل الرحمة ( الجنة ) فإنها مخلوقة وقد أخبر  (فَقَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي)) رواه مسلم ، (( وعلي وعليك أن نطلب رحمة الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه لنحصل على ما وعد الله به عباده المؤمنين ( الجنة ) التي يرحم الله بها من يشاء من عباده )) .
ت‌- أخي المسلم : إن كل ما في هذا العالم من المخلوقات التي سخرها الله من السموات وجعلها سقفاً محفوظاً وبسط الأرض وجريان الشمس والقمر والفلك وغير ذلك مما خلقه الله وجعل للعباد فيه من المصالح ما لا يعلمه إلا الله فهو من آثار رحمة الله بعباده وكل نعمة على عباده هي من آثار رحمته وأعظم آثار رحمته إرسال رسله وإنزال كتبه هداية لعباده وإخراجاً لهم من الضلال إلى الهدى ومن الظلمات إلى النور (( إذا علمت هذا وإني وإياك نتقلب في رحمة الله كل لحظة وكل ما نراه ونلمسه وغيره فهو من رحمة الله بك وبي فهل شكرنا الله على ذلك وخضعنا له وتقربنا إليه وسألناه أن يرحمنا ؟ (( أخي نسأل الله أن يرحمنا في كل وقت ولنعزم المسألة وقد قال  في حديث أبى هريرة ((لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ)) رواه الشيخان ، وإذا كان أحدنا مريضاً مرض الموت أو غيره فليدعوا الله أن يغفر له وأن يرحمه وفي حديث عائشة قالت سمعت رسول الله  يقول عند وفاته ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى)) رواه الشيخان .
ث‌- أخي المسلم : (( لنسلك كل طريق يطلب به أحدنا رحمة الله عز وجل مما دل عليه القرآن والسنة ومن ذلك الاستماع إلى القرآن بإنصات )) (( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )) ومن ذلك الاستغفار (( لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون )) ومن ذلك سؤال الله الرحمة (( واغفر لنا وارحمنا )) ومن ذلك سماحة البيع والشراء كما قال  ((رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا قضى سمحا إذا اقتضى)) رواه البخاري ، ومن ذلك قوله  ((رحم الله عبدا قال فغنم أو سكت فسلم)) حسنه الألباني رحمه الله ، وغير ذلك ((فشمر أخي عن ساعد الجد في تطلب رحمة الله وأسأل الله أن يرحمني وإياك في الدنيا والآخرة .
2) أخي المسلم : إن أحدنا إذا تعلم القرآن والفصاحة والبلاغة في كلامه لأصبح خطيباً مفوهاً أو كاتباً ذا قلم سيال أو صحفياً أو غير ذلك فليتق الله بحيث يجعل ذلك البيان في نصرة الحق والثناء على الحق وأهله وليتجنب نصرة الباطل فما أكثر الكتاب أصحاب الأقلام السيالة ولكنهم يكتبون في الصحافة أو في المجلات ونرى أن كتابتهم هي في نصرة الباطل والتلبيس على الناس ولو أنهم اتقوا الله فسخروا أقلامهم لنصرة القضايا الحقه ودافعوا عنها لأن للكتاب من الأثر على القراء الشيء الكثير وقد قال  في حديث ابن عمر ((إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا)) رواه البخاري ، (( وليعلم أولئك الكتاب الذين يستعملون فصاحتهم وبلاغتهم في نصرة القضايا الحقيرة كمن يدافع عن الغناء ويروج الشائعات عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنهم سوف يسألون يوم القيامة وسوف يجازون شر الجزاء إن لم يتوبوا إلى الله (( وليتق الله أصحاب الصحف والمجلات فإن عليهم منع صحفهم ومجلاتهم من كتابة المنكرات والشائعات ونحوهم . والله الموفق

3) أيها المسلم : يجب علي وعليك العدل فيما أوجب الله فيه العدل كما قال الله (( والسماء رفعها ووضع الميزان )) وقال  في حديث أبي هريرة (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل )) الحديث (رواه الشيخان) ، فعلى كل من ولي ولاية العدل فيها سواء كانت ولاية كبرى أو صغرى كإدارة وظيفة أو إدارة شركة ويجب عليه العدل بين الموظفين وإعطائهم حقوقهم وعدم بخسهم أو بخس بعضهم وعدم التفريق بتفضيل بعضهم لأجل قرابة أو صداقة أو نحو ذلك وليتذكر هذا الوالي أو المدير وقوفه بين يدي الله يوم القيامة ، ويجب العدل بين الأهل وغيرهم وقد قال  في حديث عبد الله بن عمر : ((إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ)) رواه مسلم ، [ انتبه أيها المسلم أن تأتي يوم القيامة وقد ظلمت ولم تعدل فترى أصحاب العدل على يمين الرحمن على منابر النور وأنت في عذاب الله ] خذ هذه النصيحة التي ذكرتها لك قبل موتك والله الموفق .
4) أخي المسلم إذا قرأنا سورة الرحمن وجئنا الآية (( فبأي آلاء ربكما تكذبان )) فإنه يشرع أن نقول : لا شيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ، لحديث جابر قال خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ{ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }قَالُوا لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ )) رواه الترمذي (حسن) .
5) أيها المسلم : إذا رأيت الأزهار والورود (كالفل والياسمين والريحان ) فتذكر :
أ‌- قدرة الله العظيمة الذي خلق هذا الريحان ذا الرائحة الطيبة مع اختلاف الألوان والروائح فهذا فل وهذا ورد وهذا ياسمين وهذا بنفسج وغير ذلك فازدد لله حباً وطاعةً وتقرباً وخوفاً من عذابه وانتقامه (( لنقبل على طاعة الله ولنجتنب معاصيه))
ب‌- تذكر أن ذلك من النعم التي أنعم الله بها على عباده فاجعلها في طاعة الله لا في معصيته (( ولتحذر المرأة أن تخرج بتلك الروائح بين الرجال الأجانب ولتتذكر أنها بذلك تعرض نفسها لعذاب الله ))
ت‌- أخي المسلم : كن ( طيب الريح ) من تلك الورود أو العطور الطيبة أو الرياحين أو غير ذلك وقد كان ((كَانَ يعْجِبُهُ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ)) رواه أبو داود والحاكم عن عائشة (صحيح) وقال  في حديث أبي سعيد((أَطْيَبُ الطِّيبِ الْمِسْكُ)) (رواه مسلم)
ث‌- العطور التي فيها كحول (مسكرة ) نجسة لأنها خمر والخمر نجس عند جماهير العلماء فلا يجوز استعمالها والله الموفق .

الآيـــات
{ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)}
التفسير:
الله هو خالق مشرقي الشمس في الصيف والشتاء ، وخالق مغربي الشمس في الصيف والشتاء ، فهو ربهما والمتصرف فيهما بما شاء ، فبأي نعم ربكما أيها الإنس والجن تكذبان وقد أنعم عليكم نعماً لا تعد ولا تحصى ؟ ، أرسل البحرين العذب والملح على بعضهما فالتقيا ، بينهما حاجز فلا يختلط أحدهما بالأخر بل يبقى العذب عذباً فراتاً والمالح ملحاً أجاجاً حتى مع تلاقيهما ، فبأي نعم ربكما أيها الإنس والجن تكذبان ؟ ، يخرج من البحرين اللؤلؤ والمرجان فتتحلون وتنتفعون به ،فبأي نعم ربكما أيها الإنس والجن تكذبان ؟ ، ولله وحده السفن الضخمة المخلوقات التي تجري في البحر بما ينفع الناس كأنها الجبال في كبرها وضخامتها وارتفاعها، فبأي نعم ربكما أيها الإنس والجن تكذبان ؟ كل من على الأرض من الأحياء فإنه ذاهب ميت ، ويبقي وجه ربك ذو المجد والكبرياء والعظمة والإكرام لعباده المؤمنين ، فبأي نعم ربكما أيها الإنس والجن تكذبان ؟ يسأل الله كل من في السموات والأرض من المخلوقات حوائجهم فلا غنى لأحدهم عن الله لحظة من اللحظات ، كل يوم هو في شأن : يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين ، ويعطي ويمنع وينصر ويخذل ويوفق ويهين ويهدي ويضل فلا إله إلا هو ولا رب سواه ،فبأي نعم ربكما أيها الإنس والجن تكذبان ؟ .
بعض الدروس من الآيات:
1) أيها المسلم : إن الله عز وجل يمتن علينا بنعمه وكلما ذكر بعض النعم في سورة الرحمن قال (( فبأي آلاء ربكما تكذبان )) فلنتأمل تلك النعم الكثيرة ومنها ما في مشارق الشمس ومغاربها من المصالح وما في البحار المالحة والعذبة من المنافع وما يخرج من البحار من الحلية ( اللؤلؤ والمرجان ) وما في السفن من المصالح للعباد وغير ذلك من النعم التي لا تعد ولا تحصى وفي ذلك دلالة على قدرة الله العظيمة ، ولذا يا أخي لنقف عند هذه النعم أو بعضها متفكرين متدبرين شاكرين الله على نعمه فلا شيء من نعم ربنا نكذب فله الحمد ، أخي قل لنفسك هل جلست يوماً مع نفسك ؟ تتفكر في هذه النعم مصدقاً أنها من عند الله شاكراً الله عليها مثنياً بها على الله مستغلاً لها في طاعة الله وقد قال تعالى (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) وهل عرفت قدرة الله العظيمة فخضعت له ذليلاً منكسراً بين يديه تائباً إليه مقبلاً عليه ترجوا ثوابه وتخاف عقابه ؟ كل منا يدرس نفسه في ذلك . والله المستعان
2) أيها المسلم : إذا وقفت على البحر فتفكر في النعم التي يسوقها الله لك من البحر من حمل البضائع في السفن بأقل أجرة ومن الطعام الذي نأكله من البحر (( لحماً طرياً )) من السمك ومن ما يتحلى به من الحلية الثمينة (( اللؤلؤ والمرجان )) ومن العنبر المستخرج من البحر وما فيه من الروائح الطيبة ( طيب ) بل إن من فضل الله علي وعليك أنه أباح لنا ميتة البحر فقال  في حديث ابن عمر ((أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ)) رواه بن ماجه والحاكم (صحيح) ، ومن نعم الله وفضله علينا أن جعل لنا ماء البحر طهوراً فقال  في حديث أبي هريرة ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)) (رواه أهل السنن وأحمد)(صحيح)، بل إننا في هذا الزمان نرى ما وضع على البحار من محطات التحلية للمياه وذلك من نعم الله علينا فهل نزداد شكراً لله على نعمه ونكون أكثر طاعة لله و بعداً عن معاصيه ؟ وهل نعي قدرة الله العظيمة في ذلك كله فنخاف منه ونرجوه ونقبل عليه ونخشى نقمته إن عصيناه ؟ وكل واحد منا عليه أن يتأمل نفسه فيما ذكرناه .
3) أيها العبد : كلنا ميتون ولا يبقى إلا وجه الله وقد قال  في حديث ابن عباس((أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ)) (رواه مسلم) ، وسنصير إلى الله عز وجل في الدار الآخرة فيحكم فينا بحكمه العدل وسيجازينا بأعمالنا فلنشمر إلى الآخرة بالاستعداد لها بالإيمان والعمل الصالح والتوبة وحب الله ورسوله  وكل طاعة لله عز وجل وابتعاد عن معصيته فإن التقرب إلى الله يشمل فعل الطاعات وترك الذنوب لله عز وجل وخوفاً منه وتذكر أخي المسلم خروجك من الدنيا وأن التراب يأكلك إلا عجب الذنب كما قال  في حديث أبي هريرة ((كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ)) رواه مسلم ، فتجهز لآخرتك بما يبقى واستعد لها بما تجده أمامك وهو ما كان من عمل صالح ابتغي به وجه الله .
4) إثبات صفة الوجه لله عز وجل وهي من الصفات الذاتية ( لا تنفك عن الله ) وإثباتها بلا تمثيل (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .
5) إن الله كل يوم هو في شأن سبحانه لكن ما شأني وشأنك مع الله في كل ساعة ولحظة من حياتنا ؟ إن علينا أن نكون في طاعة وتوبة إلي الله وانكسار قلب ورغبة فيما عنده وفرح بطاعته وبعد عن معصيته وكثرة استغفار وذكر ودعاء وتفكر في مخلوقاته وآلائه ( نعمه ) وشكر له ودعوة إلى دينه وإنفاق في سبيله ونشر للخير في عباده وكلما أقبل العبد على ربه أقبل الله عليه وفي حديث عائشة أنه  قال ((فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا)) رواه الشيخان ، وليكن عملي وعملك هدياً قاصداً بما نطيق وقد قال  ((اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ)) الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة (صحيح) ، وقال  في حديث بريده ((عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ)) رواه أحمد والحاكم (صحيح) ، وقال  في حديث عائشة ((وَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ)) (صحيح) .










الآيـــات
{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40)}
التفسير:
سأتفرغ لحسابكم ومجازاتكم على ما عملتموه في الدنيا أيها الثقلان ( الجن والإنس ) فأجازي كلاً بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فبأي نعم ربكما تكذبان ( أيها الثقلان ) ؟ يا معشر الجن والإنس إن قدرتم أن تهربوا من حكم الله وأمره فيكم فاخرجوا من جوانب السموات والأرض ولكنكم لا تستطيعون فإن قدر الله وحكمه محيط بكم أينما كنتم ولا تقدرون على النفاذ والخروج إلا بقوة وأمر من الله وأما أنتم فلا قوة لكم ولا سلطان معكم لأنكم ضعفاء فقراء إلى الله لا تملكون لأنفسكم حولاً ولا قوة ، فبأي نعم ربكما تكذبان ( أيها الثقلان ) ؟ يرسل عليكما ( أيها الثقلان ـ الجن والإنس ) لهب من نار وصفر مذاب فيصب على رؤوسكم فلا يدفع ولا يمنع بعضكم عن بعض عذاب الله وهذا لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملائكة بإرسال ذلك عليكم ، فبأي نعم ربكما تكذبان ( أيها الثقلان ) ؟ فإذا انشقت السماء يوم القيامة وانفتحت أبواباً لنزول الملائكة (( ونزل الملائكة تنـزيلاً )) فصارت السماء كأنها وردة حمراء في لونها وذابت فكانت كالزيت وكالدهن الحار المغلي في صفائه وكالفضة المنصهرة في الصفاء وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم ، فبأي نعم ربكما تكذبان ( أيها الثقلان ) ، فيوم القيامة لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان سؤال استفهام ، أو أنه لا يسأل في بعض مواقف القيامة ويسأل في موقف آخر ، فبأي نعم ربكما تكذبان ( أيها الثقلان ) .
بعض الدروس من الآيات:
1) أخي المسلم : لنتأمل هذا الوعيد من الله لعباده أنه سيتفرغ لمحاسبتنا ومجازاتنا ، والله عز وجل لا يشغله شيء عن شيء ، بل والله لو أن شخصاً مهماً توعد أحدنا وقال له (( سأتفرغ لك وأريك شغلك )) لاهتم وعرف هذا الوعيد الشديد وأخذ يفكر في الخلاص فما بالي وبالك والله هو الذي يتوعدنا ؟ ألا فلنشمر إلى طاعة ربنا وترك معصيته ولنتب إليه ولنقبل عليه حباً له وخوفاً منه ورجاءاً فيما عنده ولنعد العدة للقاء الله بالمسارعة إلى كل ما يقرب إليه وإلى جنته ويباعد عن النار وقد قال  في حديث أبي هريرة ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)) رواه الحاكم (صحيح) ، ولنحذر من الذنوب كل الحذر ولنعتذر إلى الله بالتوبة والإنابة وفي الحديث ((و لا أحد أحب إليه العذر من الله)) (رواه الشيخان) .
2) أخي المسلم : إن رحمة الله قريب من المحسنين فلنحسن في أعمالنا وأقوالنا حتى نلقى الله عز وجل وكلما كان العبد مقبلاً على ربه تائباً من ذنبه راجياً خائفاً فهو على خير لكن العبد إذا كان متمادياً في الذنوب والمعاصي فلا يتوب ولا يرعوي فهو على خطر لأن الذنوب طرق إلى عذاب الله وقد قال  في حديث أنس ((مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ)) رواه الترمذي (صحيح) ، وقال  في حديث عائشة ((وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ)) رواه الشيخان ، فلنتجنب الذنوب ولنكثر من التوبة حتى لا يتعرض أحدنا لمناقشة الحساب . والله الموفق
3) أيها العبد : أين نهرب من الله ؟ (( لا مفر ولا مهرب منه إلا إليه )) ولذلك علينا أن نعلق قلوبنا بربنا دون غيره وأن نتوجه إليه بالعبادة دون سواه وأن نفعل ما يرضيه سبحانه مهما غضب غيره من الخلق ويشرع لنا أن ندعوه فنقول كما قال  في حديث البراء ((لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ)) رواه الشيخان.
4) إن العبد لا يسأله الله يوم القيامة سؤال استفهام ، ولكنه قد يسأل في بعض المواقف سؤال تقرير كما قال تعالى (( وقفوهم إنهم مسئولون )) وكما قال تعالى (( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون )) فإن الله يعلم أعمال عباده لا يخفى عليه منهم شيء وقد يكون السؤال في بعض المواقف من الملائكة ، فنحمل كل آية على موقف من مواقف القيامة . والله أعلم
5) عظم أهوال يوم القيامة (( كيف بي وبك في ذلك اليوم العظيم أمام تلك الأهوال وإنما يذكرها لنا هذا القرآن ذلك اليوم ( يوم القيامة ) لنستعد له بكل ما تحمل هذه لجملة ( الاستعداد ليوم المعاد ) بل قد ألف في ذلك العلماء رحمهم الله كتباً وقد كان  في حياته كلها مستعداً لذلك حتى قال ((أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)) (صحيح) ، لماذا يا أخي لا نكون عباداً شكورين لله وقد قل هذا الصنف وقد قال تعالى ((وقليل من عبادي الشكور)) لنسارع إلى كل خير قبل الموت فلعل الله أن يرحمنا برحمته التي وسعت كل شيء ولعل الله أن يؤمننا من مخاوف يوم القيامة وقد وعد الله عباده المؤمنين أن يؤمنهم كما قال تعالى (( أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )) فلنبذل الأسباب لذلك . والله الموفق





















الآيـــات
{ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ (44) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61)}
التفسير:
يعرف المجرمون بعلاماتهم ومنها زرقة العيون وسواد الوجوه فتجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار ، فبأي نعم ربكما (أيها الثقلان ) تكذبان ؟ يقال لهم توبيخاً وتقريعاً ك هذه نار جهنم التي كنتم تكذبون بوجودها ها هي حاضرة ترونها عياناً ، فتارة يعذبون في الجحيم وتارة يسقون من الحميم وهو ( شراب بلغ الغاية في الحرارة ) ((وسقوا ماءاً حميماً فقطع أمعائهم)) فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ ولمن خاف الوقوف بين يدي الله يوم القيامة فعمل بأوامر الله واجتنب نواهيه جنتان ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ وهاتان الجنتان ذواتا أغصان نضرة حسنة تحمل من كل ثمرة نضيجه فائقة ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ في هاتين الجنتين عينان من الماء تجريان تحت الأشجار والغرف ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ ، في هاتين الجنتين من كل نوع من أنواع الفواكه صنفان ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ ولمن خاف مقام ربه جنتان وهم متكئون فيها على فرش بطائنها من غليظ الديباج الجميل ، وثمر الجنتين قريب إليهم فما شاءوا تناولوا ولو على أي صفة كانوا (( قطوفها دانية )) ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ في هذه الفرش نساء قاصرات النظر بأعينهم على أزواجهن فلا يرين شيئاً في الجنة أحسن وأجمل من أزواجهن ، لم يطأهن قبل أزواجهن إنس ولا جان ـــ فبأي نعم ربكما (أيها الثقلان) تكذبان ؟ كأن هؤلاء النساء في جمالهن وحسنهن الياقوت في صفائه والمرجان في بياضه وبهائه ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ ما جزاء من أحسن العمل في الدنيا بطاعة الله إلا الإحسان إليه في الآخرة بدخول الجنة وأن له الحسنى وزيادة ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ .
بعض الدروس من الآيات:
1) أيها المسلم : لنحرص أن يكون أحدنا من المؤمنين الأتقياء الذين يعرفون بعلاماتهم يوم القيامة بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء ولنهتم بالوضوء كما جاء عن النبي  ولنتعلمه تعلماً حقيقياً وقد قال  في حديث أبي هريرة ((إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ)) رواه الشيخان ، ومن الاهتمام بالوضوء إسباغه وقد قال  في حديث أبي مالك الأشعري ((إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ شَطْرُ الْإِيمَانِ)) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة (صحيح) ، وقال  في حديث على ((إسباغ الوضوء في المكاره و إعمال الأقدام إلى المساجد و انتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا)) رواه الحاكم (صحيح) ، ومن الاهتمام بالوضوء تخليل الأصابع والمبالغة في الاستنشاق لغير الصائم لقوله  في حديث لقيط ((أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا )) رواه أحمد وأهل السنن (صحيح) ، والوضوء علامة أمة محمد  يوم القيامة بآثار الغرة والتحجيل وأما المجرم فعلامته يأتي بها في وجهه فالحذر من صفات المجرمين وأعمالهم .
2) أخي المسلم : لنستعذ بالله من عذاب جهنم وقد كان  يقول في دعائه ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، وقال  في حديث أبي هريرة ((اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ خَمْسٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ)) الحديث رواه النسائي (صحيح) .
3) أيها المسلم لتسأل نفسك ولأسأل نفسي هل نحن خائفان من مقام ربنا يوم القيامة ؟ فمن كان خائفاً من مقام ربه فله جنتان كما في الآية (( ولمن خاف مقام ربه جنتان )) هل قمنا بأوامر ربنا وتركنا نواهيه للحصول على هاتين الجنتين ؟ وقد قال  في حديث أبي موسى ((جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ)) رواه الشيخان .
4) أخي المسلم : (( لنشمر إلى الجنة ـ رحمك الله ـ واستمع إلى أنهارها فهي تفجر من الفردوس في قوله  ((فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا دَرَجَةً وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الْأَرْبَعَةُ وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ)) رواه الترمذي وغيره (صحيح) .
5) أيها المسلم : (( لنشمر إلى الجنة ـ رحمك الله ـ واستمع كلام رسول الله  عن نساء أهل الجنة وبعض صفاتهن وجماع أزواجهن فقد قال  في حديث أبي هريرة عن أهل الجنة ((وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ)) رواه الشيخان ، وقال  في حديث أبي سعيد ((إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ)) الحديث وفيه ((وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى مِثْلِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَائِهَا)) رواه الترمذي وغيره (صحيح) ، وفي حديث أبي هريرة ((وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ)) الحديث رواه الترمذي (صحيح) ، وروي البخاري ومسلم نحوه وقال ((يُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْجِمَاعِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ يُطِيقُ ذَلِكَ قَالَ يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ)) رواه الترمذي وغيره (صحيح) ، وفي حديث أبي هريرة ((وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ)) (صحيح) ،وقال  ((وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا يَعْنِي الْخِمَارَ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) رواه البخاري ، وقال  ((وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ يَعْنِي سَوْطَهُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) رواه البخاري .
6) أيها المسلم : ((إن سلعة الله الجنة وهي غالية فلنجتهد في طلبها ولنشمر مسارعين إليها في كل زمان وفي كل مكان ولا يبلغها إلا الخائف من الله المقبل عليه بفعل أوامره وترك نواهيه ، أما المعرض عن الله فهو بعيد عن الجنة ، ولنحذر من الذنوب فإنها مخاطر وأهلها من أصحاب الوعيد وقد قال  في حديث أبي هريرة ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)) رواه الترمذي (صحيح) ، أخي : أجعل الجنة على البال دائماً واجتهد فى طلبها مستمراً داعياً الله لأن يرزقك إياها وقد قال  ((فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ)) الحديث, رواه الترمذي (صحيح) ، ولنسأل الله أن يقسم لنا من طاعته ما يبلغنا جنته كما قال  في حديث ابن عمر ((اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ)) الحديث رواه الترمذي والحاكم (صحيح) . والله الموفق
الآيـــات
{ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)}
التفسير:
ومن دون الجنتين اللتين قبلهما جنتان أخريان دونهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة والجودة والجمال ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ قد اسودتا من الخضرة من شدة الري من الماء،فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ فيهما عينان فياضتان بالماء لا تنقطعان ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ فيهما أنواع الفواكه ونخل ورمان ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ في هاتين الجنتين نساء حسان الأخلاق والوجوه والأجسام كريمات الأخلاق خيرات ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ نساء جميلات واسعات العيون مع الجمال قد قصر طرفهن في الجنة فلا ينظرن إلي غير أزواجهن ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ لم يجامع هؤلاء الحور إنس قيل أزواجهن ولا جان بل هن أبكار ، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ ،أهل الجنة يتكئون على وسائد خضر وفرش وبسط جميلة حسنة، فبأي نعم ربكما ( أيها الثقلان ) تكذبان ؟ تقدس اسم ربك وتنـزه وكثرت بركاته ، ذو العظمة والكبرياء والإكرام لعباده الصالحين .

بعض الدروس من الآيات:
1) أخي المسلم ( لنشمر إلى الجنة وإلى خيامها ونعيمها واستمع إلى رسول الله  يحدثنا عن الخيمة في الجنة فقال  ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الْآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُونَ)) رواه البخاري ، ورواه البخاري من حديث أبى عمران وقال : ((ثَلَاثُونَ مِيلًا)) ، وروي مسلم من حديث أبى عمران ((إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا )) الحديث ، وقال  في حديث أبى مالك ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَلَانَ الْكَلَامَ وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ)) رواه أحمد (حسن) ،( أخي اتصف بهذه الصفات الأربع : إطعام الطعام للفقراء وغيرهم ـ أحسن الكلام للناس ـ أكثر من الصيام ـ تهجد من الليل ) .
2) أخي المسلم : ذكر الله الجنتين الأولين وذكر الجنتين اللتين دونهما والدليل على شرف الأولين على الأخريين من وجوه منها :
أ‌- أنه وصفها قبل من دونهما والتقديم دليل الاعتناء .
ب‌- أن الله قال (( ومن دونهما جنتان )) وهذا واضح في تقدم الجنتين الأولين وعلوه على الآخرين
ت‌- أنه قال في الجنتين الأولين (( ذواتا أفنان )) ففيهما فنون الملاذ .
ث‌- أنه قال في الأولين ((فيهما عينان تجريان )) وقال في من دونهما (( عينان نضاختان )) والجري أقوى من الفوران قاله ابن كثير : وقد تقدم في الحديث (( جنتان من ذهب أنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة أنيتهما وما فيهما فالأوليان للمقربين والأخريات لأصحاب اليمين ، (( فلنشمر إلى الجنات ونسأل الله أن يجعلنا من أصحاب الجنتين الأولين (( جنتان من ذهب )) . والله الموفق
3) من فوائد الرمان أن شرب عصيره يفيد في أمراض الحمى الشديدة وفي الإسهال الذي له مدة طويلة مع الشخص وفي الدوسنتاريا الأميبيه ولضعف البصر وإن أكل الرمان يفيد في تصفية الدم ( قشر الرمان المجفف يطحن ويؤخذ منه ملعقة فإنه يغذي المعدة إذا استعمله وشرب بعده حليب ) ( قشر الرمان مع الزنجبيل والحبة السوداء مع العسل للدوسنتاريا ) .
4) أن المرأة التي هي مقصورة في بيتها أفضل من المرأة التي تكثر الخروج من بيتها لغير غرض صحيح وكلما كانت المرأة أكثر بقاء في منزلها كانت أكمل ممن تخرج من المنزل (( أيتها المرأة المسلمة اتق الله وابقي في البيت ولا تخرجي من منزلك إلا لضرورة أو حاجة وليس عندك من يأتي بها لك من الرجال (( وقرن في بيوتكن )) ومن ذلك لا تخرجي إلى السوق فإنه ملئ بكلاب البشر الذين ينظرون إليك ويسعون في أذيتك ومطاردتك ولا تسمعي كلام أولئك الناعقين بخروج المرأة وقيادتها للسيارة فإنهم إنما يريدون إفسادك في الأخلاق واختلاطك مع الرجال ، ولا تعملي في عمل مختلط مع الرجال مهما كان الأمر ، واقصري بصرك على زوجك فقط وكوني من النساء الصالحات الطيبات . والله الموفق
5) إن البركة نحصل عليها باسم الله (( بسم الله )) فسم الله أيها المسلم وأكثر من دعاء الله (( يا ذا الجلال والإكرام )) فقد قال  في حديث ربيعة بن عامر ((أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) رواه أحمد والنسائي (صحيح) .











الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:06 am

تفسير سورة الطور

لفضيلة الشيخ العلامة :

محمد بن شامي شيبة

حفظه الله

الآيـــات
{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (Cool يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)}
التفسير :
أقسم بالطور ( الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام ) وأقسم بالقرآن المكتوب المسطر ، القرآن المكتوب في الجلود الرقيقة ، وأقسم بالبيت الذي تعمره الملائكة بعبادة الله وهو في السماء ،وأقسم بالسماء التي جعلناها سقفاً مرفوعاً على الأرض، وأقسم بالبحر المضرم ناراً تتأجج عند قيام القيامة ، إن عذاب ربك لنازل بالكفار لا محالة ، ولا يقدر أحد أن يدفع عن الكفار نزول العذاب بهم ، يوم تتحرك السماء تحريكاً شديداً فيضعف تماسكها وتتشقق أجزائها ، وتذهب الجبال ذهاباً فتصير هباء منبثاً وتنسف عن أماكنها ، فهلاك شديد يوم القيامة للمكذبين رسل الله الكافرين به ، الذين هم في الدنيا يخوضون في الباطل ويتخذون دينهم هزواً ولعباً متشاغلين بذلك عن الإيمان بالله وطاعته ، يوم القيامة يدفع الكفار ويساقون إلى نار جهنم بشدة وعنف وقوة ، ويقال لهم تقريعاً وتوبيخاً : هذه النار التي ترونها وتعذبون فيها هي التي كنتم تكذبون بها في الدنيا ، فهل هذا العذاب الذي أنتم فيه سحر أم أنتم لا تبصرون بأعينكم ، ويقال للكفار : ادخلوا نار جهنم فتغمركم من جميع الجهات وذوقوا عذابها ونكالها وحرقها فاصبروا على عذابها أو لا تصبروا فلا محيد لكم عنها ولا خلاص لكم منها فصبركم وعدمه عليكم سواء ، إنما تجزون بهذا العذاب بما كنتم تعملون في الدنيا من الكفر والتكذيب والإعراض عن الله وإن الله لا يظلم أحداً بل يجازي كلاً بعمله .
بعض الدروس من الآيات :
1) يسن أن يقرأ العبد بسورة الطور في صلاة المغرب في بعض الأحيان لقول جبير بن مطعم سمعت النبي (( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ )) رواه الشيخان .
2) يسن أن يقرأ إمام الحرم المكي بالطور في بعض الأحيان كأيام الحج ونحوها لقول أم سلمة ((شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي قَالَ طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بْالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ)) رواه البخاري .
3) إن البيت المعمور هو في السماء السابعة وقد قال  في حديث الإسراء ((ثُمََّّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا قَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ )) رواه الشيخان .
4) أخي المسلم : إذا وصلت إلى مكة حاجاً أو معتمراً أو غير ذلك فاغتنم الفرصة بالإكثار من الطاعات في ( المسجد الحرام ) لتحصل على مضاعفة الحسنات ومن الطاعات :
أ‌- (( الصلاة )) فقد قال  في حديث جابر ((صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ)) رواه أحمد وابن ماجه (صحيح) ، وكذلك إذا ذهبت إلى مسجد رسول الله  في المدينة فاغتنم الفرصة بالتنفل في مسجده  بالصلاة .
ب‌- (( الطواف بالكعبة )) فقد قال  في حديث ابن عمر ((مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ)) رواه ابن ماجة (صحيح) ، وقال  في حديث ابن عمر ((مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعًا فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا يَضَعُ قَدَمًا وَلَا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً)) رواه الترمذي والنسائي (صحيح) ، يا من وصل إلى مكة ويا من هو ساكن مكة اغتنموا هذه الفرصة في المسجد الحرام بالصلاة والطواف وغيرها من القربات إلى الله ولا تذهب أيامكم ولياليكم في تشاغل عن أعمال الخير وعن الصلاة والطواف ، يا من وصل إلى المدينة أو هو ساكن بها أكثر من نوافل الصلاة بمسجد رسول الله . والله الموفق
5) أخي المسلم : لنقرأ هذه السورة بتمعن واتعاظ واعتبار أو لنستمع لمن يقرأها باتعاظ وفهم وقد روي عن عمر  أنه استمع قراءة رجل (( والطور حتى بلغ إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع )) فقال عمر قسم ورب الكعبة حق ورجع إلى منزله فمكث شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه ، وروي عن عمر  أنه قرأ (( إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع )) فربا لها ربوة أعيد منها عشرين يوماً ، أخي إن عذاب الله واقع لا يدفعه أحد ألا فلنهرب من عذابه ولنفر إلى لله من نقمته بمن عصاه (( ألا فالنجاء ، النجاء )) .
الآيـــات
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)}
التفسير :
إن الذين اتقوا ربهم بفعل ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه في جنات ونعيم لا ينقطع ، يتفكهون بما أتاهم الله من النعيم من أصناف الملاذ من مآكل ومشارب وملابس ومساكن وغير ذلك وقد نجاهم الله من عذاب النار ، كلوا أيها المتقون من طعام الجنة واشربوا من الشراب المعد لكم هنيئاً ثواباً وجزاءً لكم على إيمانكم وأعمالكم الصالحة تفضلاً من الله وإحساناً ، هؤلاء المتقون متكئون على سرر قد صف بعضها مقابلاً البعض (( على سرر متقابلين )) وزوجناهم بنساء حسان صالحات واسعات الأعين قد غلب بياض أعينهن على سوادها ، والذين آمنوا بالله ورسله واتبعتهم ذريتهم بالإيمان والعمل الصالح ألحقنا ذريتهم بهم في المنزلة وجعلناهم معهم في الدرجة وإن لم يبلغوا عمل آبائهم لتقر عين الآباء باجتماع ذريتهم معهم في منازلهم ، وما نقصنا أحداً منهم من عمله ومنزلته شيئاً ، وكل إنسان مرتهن بعمله ولا يؤاخذ أحدٌ بذنب غيره ، وألحقناهم زيادة في النعيم بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويشتهونه ويلتذون به ، يتعاطون في الجنة كأس الخمر لذة للشاربين لا يحصل بهذا الخمر لغو في القول وهذيان ولا فحش ولا إثم ، ويطوف على هؤلاء المتقين في الجنة غلمان خدم لهم كأنهم في الجمال والحسن والبهاء والنظافة اللؤلؤ المصون في صدفه ، وأقبل بعض المتقين على بعض في الجنة يتحادثون ويتساءلون فيما بينهم عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا وما صاروا إليه في الآخرة من النعيم والكرامة ، قالوا إنا كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلينا خائفين من عذاب الله فقمنا بأمره وانتهينا عن نهيه ، فتصدق الله علينا وأجارنا من عذاب النار السموم الحار المحرق، إنا كنا في الدنيا قبل الآخرة نتضرع إلى الله ونعبده دون سواه وندعوه أن ينقذنا من عذاب جهنم ويدخلنا الجنة فاستجاب الله لنا وأعطانا سؤالنا ، إنه هو اللطيف بعباده المحسن إليهم المصلح أحوالهم عم بره جميع خلقه ولطف بعباده الرحيم بعباده المؤمنين .
بعض الدروس من الآيات :
1) أخي المسلم ( إن ثمرة التقوى ) (( في جنات ونعيم )) إلى قوله (( وزوجناهم بحور عين )) فهل نحقق تقوى الله بالقيام بما أوجبه علينا وترك ما نهانا عنه والتقرب إلى الله بالنوافل ....) لنحصل على هذا الفضل العظيم بفضل الله ورحمته وإحسانه وتفضله فقد وعد سبحانه المتقين بذلك والله لا يخلف الميعاد ، فلنبادر أخي إلى ذلك إلى الجنة ـ وما فيها من النعيم ((مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)) وفي حديث جابر أن رسول الله  قال ((إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز و جل : هل تشتهون شيئا فأزيدكم ؟ فيقولون : ربنا و ما فوق ما أعطيتنا ؟ فيقول : رضواني أكبر)) رواه الحاكم (صحيح) ، لنسرع لنسرع ، لنسابق لنسابق ، لنجتهد لنجتهد من الآن . والله الموفق
2) رسالة إلى المؤمنين :
أيها المؤمنون اجتهدوا في طاعة الله عز وجل وأكثروا من النوافل بعد القيام بالواجبات وترك المحرمات والمكروهات واعلموا أن الله عز وجل يرفع درجات المؤمنين بما يلي :
أ‌- بالأعمال الصالحة (( هم درجات عند الله )) .
ب‌- إذا كان الآباء في الدرجة الأعلى والذرية لم تصل إلى منزلتهم في الجنة فإن الله يلحق الذرية بآبائهم تفضلاً منه وإنعاماً فيجعلهم مع آبائهم في منزلتهم (( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم )) الآية .
ت‌- باستغفار الأولاد وقد قال  في حديث أبي هريرة ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ)) رواه أحمد (صحيح) ، وقال  ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)) رواه مسلم .
3) أخي المسلم : هل أنا وأنت مشفقون من عذاب الله خائفون منه فقد قال أهل الجنة (( إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين .... )) الآية ، فإن كنا خائفين من عذاب الله يوم القيامة فلنجتهد في طاعة ربنا والقيام بها والفرح بذلك ولننته عن معصية الله ولنعش عابدين لله غير مشركين به ولقد قال الله لرسوله (( قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم )) ولقد كان  يصلي ويبكي خوفاً من ربه فأين أنا وأنت من ذلك فالجنة غالية فهل من مقبل طالب لها وقد قال  في حديث أبي ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)) رواه الحاكم (صحيح) .
4) أخي المسلم : لنكثر من دعاء الله فقد قال أهل الجنة (( إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم )) ومن سؤال الله ما جاء في حديث أنس أنه  قال ((مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ الْجَنَّةُ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ النَّارِ )) رواه الترمذي والنسائي (صحيح) ،فلنكثر من سؤال الله الجنة وأن يجيرنا من عذاب النار .
5) من أسماء الله (( البر )) وهو اللطيف بعباده البر بخلقه فهو يحسن إليهم ويصلح أحوالهم وهو العطوف على عباده عم بره جميع خلقه فلم يبخل عليهم برزقه ، وهو البر بالمحسن في مضاعفة الثواب له ، البر بالمذنب في الصفح والتجاوز والعفو عنه ، فيا أخي إذا عرفت أن الله هو البر : فعليك أن تحبه وتعبده وحده لا شريك له وتحمده على لطفه وكرمه ونعمه التي أنعم بها عليك وأن تتخلق بالبر والإحسان وقد قال  ((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ)) الحديث رواه مسلم .

الآيـــات
{ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40)}
التفسير :
فذكر ـ أيها الرسول ـ عباد الله بهذا القرآن وبلغ ما أرسلت به فلست بحمد الله وبما أنعم الله عليك بكاهن الذي يأتيه الرائي من الجن بالكلمة يتلقاها من خبر السماء ، ولا مجنون يتخبطه الشيطان من المس ولا يدري ما يتكلم به بل أنت أكمل الناس عقلاً ، بل يقول الكفار أن الرسول محمد  شاعرٌ ننتظر به قوارع الدهر حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومما يدعوا إليه ، قل لهم أيها الرسول : انتظروا موتى فإني منتظر معكم هلاككم وستعلمون لمن تكون العاقبة الحميدة والنصرة في الدنيا والآخرة ، بل إن عقول الكفار تأمرهم بهذا القول الذي يقولونه فيك من الأقاويل الباطلة وهم يعلمون أنها كذب ولكنهم قوم متجاوزون الحد في الضلال معاندون فهذا الذي يحملهم على ما قالوه فيك أيها الرسول ، بل يقول الكفار إن محمداً اختلق هذا القرآن وافتراه من عند نفسه ، بل كفرهم وعدم إيمانهم هو الذي حملهم على هذه المقالة، فليأت الكفار بكلام مثل القرآن في إعجازه وبلاغته إن كانوا صادقين أن الرسول  اختلق هذا القرآن وافتراه ، وهل خلق الكفار من غير خالق أم هم أوجدوا أنفسهم ؟ إنهم لم يخلقوا من غير خالق ولا أوجدوا أنفسهم ، بل الله هو الذي خلقهم فيجب أن يعبدوه وحده لا شريك له ، وهل الكفار خلقوا السموات والأرض ؟ إنهم يعلمون أن الخالق هو الله وحده ولكن عدم إيقانهم بتوحيد الله ووجوب عبادته دون سواه هو الذي يحملهم على ذلك، وهل عند الكفار خزائن ربك من الأرزاق والنعم فهم يتصرفون في الملك والعطاء والمنع ؟ إنهم لا شيء عندهم من خزائن الله ، أم هم أهل السيطرة والقوة والملك التام والانتصار على سواهم والمحاسبة للخلائق ؟ إنهم ليس لهم شيء من ذلك كله بل هم مغلوبون مقهورون أمام الله فهو القوي العزيز ، أم للكفار سلم ودرج يصعدون فيه إلى الملأ الأعلى فيستمعون الوحي ؟ فليأت الذي يستمع لهم ببرهان وحجة على صحة ما هم فيه من القول والفعل ، أم لله تعالى البنات ولكم أيها الكفار الأبناء الذكور كما تزعمون ذلك افتراءاً وزوراً ، أم تسأل أيها الرسول : الكفار أجرة على بلاغك إياهم رسالة الله فهم في تبرم بما أثقلهم من دفع الغرامة التي تطلبهم إياها ؟ إنك لا تسألهم على ذلك شيئاً .
بعض الدروس من الآيات :
1) أيها الدعاة : انطلقوا في تذكير العباد بهذا القرآن وبسنة رسول الله  واعلموا أن الله قد أنعم عليكم فهداكم لدينه وعلمكم كتابه وسنة رسوله  فما أعظمها من نعمة فأدوا ما كلفتم به ولا تهتموا بما يقوله الكفار والفجار عنكم وتأسوا برسول الله  فقد قيل عنه (( شاعر ، كاهن ، مجنون ، مفترٍ ، إلى غير ذلك )) وهو  ثابت في دعوته مستمر فيها حتى أدى وبلغ ونصح إلى أن جاءه اليقين من ربه ( الموت ) ولقد أوذي  أذى شديداً وقال ((لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ)) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أنس (صحيح) ، اجعلوا رسول الله قدوتكم وسيروا في دعوتكم على بركة الله وعلى منهج رسول الله  .
2) من أساليب الدعوة إلى الله في القرآن أنه يستدل بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية
( العبادة ) فيقول للكفار : إذا كنتم لم تخلقوا من غير خالق ولم تخلقوا أنفسكم فقد تقرر أن الله الذي هو الخالق لكم وأنتم تقرون بذلك فيجب عليكم أن تعبدوه وحده لا شريك له ، لماذا أيها الدعاة لا نستعمل هذا الأسلوب مع الكفار ومع الطغاة والعصاة لله المعرضين عنه ، فإن من تأمل في هذه الآيات (( أم خلقوا من غير شيء .... )) إلى أخر الآيات بجد وتعقل لا بد أن يتأثر في قلبه حتى الكافر وهذا جبير بن مطعم يقول ((سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ{ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ }قَالَ كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ)) رواه الشيخان ، وكان جبير مشركاً إذ ذاك وكان سماع هذه الآيات مما حمله على الدخول في الإسلام ، فليسلك الدعاة هذا الاستدلال بخلق الناس وخلق السموات والأرض وغيرها من المخلوقات على وجوب عبادة الله وترك الشرك .
3) أخي المسلم : ليحذر أحدنا من الوقوع في أمور الجاهلية بحيث إذا ولدت امرأته ابناً ذكراً فرح واستبشر وإذا ولدت أنثي (بنتاً) استاء وتكدر ، فإن الأبناء والبنات كلهم هبة من الله لعبده (( يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً )) بل يا أخي المسلم : إذا رزقك الله بنتاً فهذا خير لك وانظر أن هناك من هو عقيم فليس عنده بنت ولا ابن فاحمد الله واشكره وكم من البنات فيها خير لأبيها وأمها ولأسرتها بل من رزقه الله بنتاً أو ابناً فليحرص على تربيته تربية كريمة صالحة فإن الابن والبنت أمانة والأب والأم راعيان في الأسرة وقد قال  في حديث ابن عمر ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) رواه الشيخان ,يا أخي ويا أختي المسلمة اهتمي بالبنت فأرسليها إلى الدور النسائية لتتعلم القرآن وتحفظه وادخليها مدرسة تحفيظ القرآن الكريم وقومي بتشجيعها على حفظ القرآن الكريم ثم فهمه وفقهه فإذا كبرت فعلميها كيف تدعوا إلى الله في الدور والمدارس والمجالس وكل مجال من مجالات الدعوة إلى الله فلعل الله أن يجعل من هذه البنت خيراً كثيراً وينقذ بها غيرها من المعاصي ويجعلها قرة عين لأمها وأبيها وكذلك الابن . والله الموفق 0








الآيـــات
{ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)}
التفسير :
أم عند الكفار علم الغيب فهم يكتبون منه ليحاجوك به ؟ ليس الأمر كذلك فإنه لا يعلم الغيب إلا الله ، بل يريد الكفار مكراً وخداعاً بك وبدينك لينفروا الناس بذلك القول ، فالذين كفروا سيرجع وبال وعاقبة مكرهم على أنفسهم، أم للكفار إله غير الله يستحق أن يعبد ؟ تعالى الله وتنـزه وتقدس عما يشركون به من الأصنام والأوثان ، فهو وحده المستحق للعبادة دون سواه ، وإن ير الكفار بأعينهم قطعاً ساقطاً عليهم من السماء بالعذاب الذي ينزل بهم لما صدقوا ولما آمنوا بل يقولون هذا سحاب مركم بعضه فوق بعض ، فدع ـ أيها الرسول ـ الكفار وهم في كفرهم وضلالهم حتى يلاقوا يوم القيامة الذي فيه عذابهم وهلاكهم ، يوم القيامة لا ينفعهم كيدهم الذي استعملوه في الدنيا شيئاً ولا يجدون من ينصرهم من عذاب الله فيرده عنهم ، وإن للذين ظلموا أنفسهم بالكفر عذاباً في دار الدنيا قبل يوم القيامة من القتل والأسر والقحط والجدب وفي القبر غير ذلك ، ولكن أكثر الكفار لا يعلمون أن العذاب نازل بهم في الدنيا قبل يوم القيامة وأنا نبتليهم في الدنيا بذلك لعلهم يرجعون ويؤمنون ، واصبر ـ أيها الرسول ـ على أذى الكفار واستمر في دعوتك وتبليغ رسالة ربك فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا ونحن نحفظك ونحميك وننصرك ، وسبح بحمد ربك حين تقوم من نومك وإلى صلاتك ومن مجلسك ، ومن الليل فسبح الله واذكره في صلاة الليل وساعاته وعند غياب النجوم حينما يطلع الفجر فصل الركعتين اللتين قبل صلاة الفجر وسبح الله واذكره .
بعض الدروس من الآيات :
1) أخي المسلم : إن الذين يعادون الدعاة ويعادون أهل الخير ويؤذون الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ويكيدون للمؤمنين هم المكيدون الخاسرون الهالكون ، فليحذر المسلم من الكيد والمكر والأذى للمؤمنين والدعاة والصالحين ، وفي الحديث القدسي : يقول الله تعالى ((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ )) رواه الشيخان ، أخي كن مع أهل الخير والصالحين وساعدهم في أعمالهم الصالحة وفي أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فإن لم يتيسر لك معاونتهم فادع الله لهم بالتوفيق والنجاح .
2) أخي المسلم ـ أخي الداعية إلى الله ـ أختي المسلمة ـ أختي الداعية إلى الله : سوف تؤذون في هذه الدنيا ولكن اصبروا واجعلوا هذا الحديث في أذهانكم ((احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ )) الحديث وفيه ((وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ جفت الْأَقْلَامُ ورفعت الصُّحُفُ )) رواه أحمد والترمذي(صحيح) وتذكروا قول الله لرسوله  (( فإنك بأعيننا )) فالله هو الحافظ لرسوله  ولأتباعه السائرين على طريقته .
3) أخي المسلم : (( لنكثر من تسبيح الله عز وجل )) ومن ذلك :
أ‌- لنسبح الله عندما نقوم من المجلس الذي حصل فيه لغط للجالس كما جاء في حديث أبي هريرة أن رسول الله  قال ((مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ)) رواه الترمذي والحاكم (صحيح) .
ب‌- نسبح الله في أخر المجلس إذا أردنا أن نقوم سواء حصل في المجلس لغط أم لا لقول أبي برزة الأسلمي : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِأَخَرَةٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنْ الْمَجْلِسِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيمَا مَضَى فَقَالَ كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ)) رواه أبو داود والنسائي (صحيح) .
ت‌- ولنسبح الله حتى وإن كان المجلس مجلس ذكر أو مجلس خير كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص  ((كَلِمَاتٌ لَا يَتَكَلَّمُ بِهِنَّ أَحَدٌ فِي مَجْلِسِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَّا كُفِّرَ بِهِنَّ عَنْهُ وَلَا يَقُولُهُنَّ فِي مَجْلِسِ خَيْرٍ وَمَجْلِسِ ذِكْرٍ إِلَّا خُتِمَ لَهُ بِهِنَّ عَلَيْهِ كَمَا يُخْتَمُ بِالْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيفَةِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ )) رواه أبو داود (صحيح) .
ث‌- لنسبح الله ولنأت بالذكر إذا تعار أحدنا من الليل لقوله  في حديث عبادة بن الصامت ((مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ)) رواه البخاري .
ج‌- لنسبح الله عند اختفاء النجوم بحيث طلع الفجر .
4) أخي المسلم : اعتن بركعتي الفجر ( سنة الفجر ) ومما يسن في هاتين الركعتين :
أ‌- شدة تعاهدهما فقد قالت عائشة أن رسول الله  ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحًِ)) رواه الشيخان .
ب‌- تخفيفهما لأنه  كما قالت عائشة ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَيُخَفِّفُ حَتَّى إِنِّي أَقُولُ هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ)) رواه الشيخان .
ت‌- أن يركعهما العبد حتى وإن أبطأ بالخروج بحيث يصلي مع الناس الصلاة تامة لأنه  (( أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُؤْذِنَهُ بِصَلَاةِ الْغَدَاةِ فَشَغَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِلَالًا بِأَمْرٍ سَأَلَتْهُ عَنْهُ حَتَّى فَضَحَهُ الصُّبْحُ فَأَصْبَحَ جِدًّا قَالَ فَقَامَ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ وَتَابَعَ أَذَانَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا خَرَجَ صَلَّى بِالنَّاسِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ شَغَلَتْهُ بِأَمْرٍ سَأَلَتْهُ عَنْهُ حَتَّى أَصْبَحَ جِدًّا وَأَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ رَكَعْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَصْبَحْتَ جِدًّا قَالَ لَوْ أَصْبَحْتُ أَكْثَرَ مِمَّا أَصْبَحْتُ لَرَكَعْتُهُمَا وَأَحْسَنْتُهُمَا وَأَجْمَلْتُهُمَا)) رواه أبو داود (صحيح) .
ث‌- يقرأ فيهما (( قل يأيها الكافرون )) (( وقل هو الله أحد )) لأنه  قرأ فيهما كذلك )) رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، أو يقرأ فيهما ما جاء في حديث ابن عباس ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا{ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا }الْآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ وَفِي الْآخِرَةِ مِنْهُمَا{ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }لثبوت ذلك عنه  رواه مسلم .
ج‌- يسن الاضطجاع على اليمين بعد الركعتين لقوله  في حديث أبي هريرة ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ)) رواه أبو داود (صحيح) .
ح‌- ويسن أن يفعل كما في حديث عائشة قالت كان رسول الله  ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ)) رواه الشيخان .
خ‌- ومن لم يصلهما حتى صلى الفجر صلاهما بعد الفجر ولا شيء عليه لحديث قيس بن عمرو قال ((رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) رواه أبو داود (صحيح) .
د‌- قال  ((رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) رواه مسلم .
















الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:07 am

تفسير سورة القمر

لفضيلة الشيخ العلامة :

محمد بن شامي شيبة

حفظه الله





الآيـــات
{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (Cool}
التفسير :
اقتربت القيامة وانشق القمر شقين لما سأل كفار مكة النبي  أن يريهم آية فشق الله له القمر ، وإن يرى الكفار دليلاً وحجة على صحة رسالة محمد  يعرضوا عن تصديقه والإيمان به وبما أنزله الله عليه من القرآن ولا ينقادوا له ويقولوا هذا الذي شاهدناه من الحجج سحر قوي دائم باطل مضمحل لا دوام له وسيذهب وكذب الكفار رسولنا محمد ا واتبعوا ما أمرتهم به أهوائهم من جهلهم ولم يتعقلوا في ذلك , وكل أمر من هدى أو ضلال أو خير أو شراً فهو واقع بأهله ومستقر بصاحبه يوم القيامة إما في نعيم أو في جحيم ، ولقد جاء الكفار من أخبار المكذبين من الأمم السابقة وما حل بهم من العقاب والنكال ما فيه واعظ لهم وزاجر عن التكذيب والشرك بالله وإن هذا القرآن حكمة بلغت الغاية في وضوحها وزجرها وتحذيرها من التكذيب والعصيان وموارد الهلاك , فلا تفيد النذر قوماً كذبوا بالحق لما جاء هم ولم ينتفعوا بالعظة لما بلغتهم بل أعرضوا واتبعوا أهوائهم ، فأعرض ـ أيها الرسول ـ عن هؤلاء المعرضين عن الآيات المكذبين بالحق , وانتظرهم يوم يدع الداعي إلى شيء منكر فظيع وهو موقف الحساب وما فيه من الأهوال ، فهؤلاء الكفار ذليلة أبصارهم يخرجون من قبورهم كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب جراد منتشر في الأفاق، مسرعين إلى داعي الله إلى الموقف لا يخالفون ولا يتأخرون يقول الكافرون : هذا يوم عسير شديد الهول ( على الكافرين غير يسير ) .
بعض الدروس من الآيات :
1) أيها المكلف ( من الإنس والجن ) إن القيامة قربت وقد قال  في حديث سهل بن سعد ((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ)) رواه الشيخان ، وقال  في حديث ابن عمر ((بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ )) رواه أحمد (صحيح) ، وإنا والله لمنتقلون عن هذه الدار الدنيا لأنها زائلة , فقل لي بربك ماذا عملت لآخرتك وبماذا استعددت لموتك وآخرتك وليوم القيامة الذي قرب ؟ إن علي وعليك أن نهتم بآخرتنا كل الاهتمام وأن نجعلها نصب أعيننا وأن نجتهد بكل ما نستطيع من الطاعات إلى الله عز وجل وأن نغتنم فرصة الأعمار في كل طاعة وحسنة وقربة إلى ربنا سبحانه وتعالى واجعل هذا الحديث في بالك وهو قوله  في حديث ابن عباس((اغتنم خمسا قبل خمس ومنها : حياتك قبل موتك)) رواه الحاكم والبيهقي في الشعب(صحيح) ، فكل لحظة من لحظات عمري وعمرك هي فرصة فلا نضيعها فيما لا يفيد أحدنا عند الله عز وجل . والله الموفق
2) وإذا كانت الآخرة قد قربت فإن الدنيا قد أذنت بانقطاع وولت حذاء فنحن على وشك الانتقال منها إلى الآخرة فلننتقل منها بخير ما يحضرنا أخذاً بوصية رسول الله  لنا في حديث عتبة بن عزوان ((فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لَا زَوَالَ لَهَا فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا وَ وَاللَّهِ لَتُمْلَأَنَّ أَفَعَجِبْتُمْ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنْ الزِّحَامِ)) الحديث رواه مسلم ، لنجعل هذا الحديث نصب الأعين والأفهام والعمل والتطبيق مسارعة إلى ذلك .
3) قال ابن مسعود ((انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْهَدُوا)) رواه الشيخان ، وعن ابن مسعود قوله تعالى (( اقتربت الساعة وانشق القمر )) قال : انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلْقَتَيْنِ فَسَتَرَ الْجَبَلُ فِلْقَةً وَكَانَتْ فِلْقَةٌ فَوْقَ الْجَبَلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ )) رواه مسلم ، وفي حديث أنس ((أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا)) رواه البخاري ومسلم (( آية انشقاق القمر الثابتة وإعراض الكفار عن هذه الآية وغيرها يدل على عتوهم وتكبرهم )) .
4) أخي المسلم : إن العاقل ليتعظ وينـزجر عما نها عنه الله ورسوله  والمؤمن بالله ورسوله يكفيه أن يأتيه آية في كتاب الله أو حديث عن رسول الله  في نهيه فينتهي ولكن كلما ضعف الإيمان في القلب واتبع المرء هواه فإنه لا ينتهي عن الذنب بل يسلك بعضهم المبررات لفعله ( فكم جاءنا من الزجر عن الآثام ) واذكر بعض تلك الذنوب التي جاء عنها الزجر بأساليب متنوعة في القرآن والسنة وهو ( الربا ) مثلاً فقد جاء الزجر عنه بــ :
أ‌- نهانا عنه القرآن فقال الله تعالى (( ولا تأكلوا الربا )) .
ب‌- مثل القرآن حال آكلي الربا يوم القيامة فقال (( لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس )) .
ت‌- لعن آكل الربا كما قال  في حديث جابر ((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ)) رواه مسلم .
ث‌- ذم القرآن اليهود بأكل الربا (( وأكلهم الربا وقد نهوا عنه )) .
ج‌- ما أخبر به النبي  عن آكل الربا فقال ((مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّة)) رواه ابن ماجه (صحيح) .
ح‌- و ما جاء في التشنيع والتقبيح في أكل الربا كما قال  في حديث عبد الله بن حنظلة ((دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ عِنْدَ اللهِ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً )) رواه أحمد (صحيح) ، فيا أيها المسلم : اتق الله ولينـزجر أحدنا فوراً عن الذنوب والمعاصي وما ذكرناه هو من أساليب الزجر عن المحرمات . والله الموفق
5) إذا حصلت آية في الكون فإني وإياك علينا أن نعلم أن الله يخوف بها عباده فنخاف الله ونرجع إلى الله وندعو الله كما في كسوف الشمس والقمر فقد قال  في حديث أبي بكرة ((وَ لَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ)) (رواه البخاري)( ورواه الشيخان عن ابن عمر وعن المغيرة) ، وكم نرى من الآيات في الكون ولكن لا نتفهم تلك الآيات ولا يتأثر الكثير منا بذلك مع أنه  لما كسفت الشمس في عهده قام فزعاًً وصلى صلاة الكسوف . والله الموفق


الآيـــات
{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)}

التفسير :
كذبت قبل كفار قريش قوم نوح رسولهم نوحاً وقالوا : إن نوحاً مجنون وانتهروه وزجروه وتوعدوه ـ فدعا نوح ربه قائلاً : يارب أني ضعيف عن مقاومة هؤلاء الكفار وتوعدهم فانتصرلي منهم ـ فاستجبنا لنوح دعاءه على قومه : ففتحنا أبواب السماء بماء كثير متدفق منصب ـ وشققنا الأرض عيونا تنبع بالماء حتى التنانير التي هي محل النيران نبعت عيونا ً فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدره الله وقضى أن يهلكهم به ( الطوفان ) ـ وحملنا نوحاً والذين معه على سفينة ذات ألواح ومسامير دقت في الألواح ربط بعضها ببعض ـ تجري السفينة على الماء بمرأى منا وحفظ منا , وأغرقنا الكفار جزاء لهم على كفرهم وانتصاراً لعبدنا نوح عليه السلام ـ ولقد تركنا فعلتنا بهم علاقة فعلتنا بهم علامة على قدرة الله العظيمة في اهلاك أعدائه وفيها عبرة وعظة فهل من متعظ ومعتبر فكيف كان عذابي لمن كفر بي وكذب رسلي ؟ لقد كان شديداً مهلكاً وإنذاراً عظيماً واقعاً موقعه ـ ولقد سهلنا القرآن في لفظه ومعناه للتلاوة والحفظ والفقه والتدبر والعمل فهل من متعظ بهذا القرآن ؟
بعض الدروس من الآيات :
1) إن الأمم السابقة المكذبة لرسل الله عليهم الصلاة والسلام قد طعنوا في رسل الله ( أن الرسول مجنون ) وانتهروا الرسل وعادوهم وتهددوهم وقال قوم نوح لنوح (( لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين )) وقد أوذي رسولنا محمد  أذى كثيراً وقالوا (( ساحرُ ومجنون)) وغير ذلك ولما أرسله الله عز وجل إلى الكفار قال (( إذاً يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة)) هل وعينا هذا ؟ إذا كنا وعينا حقاً فلندع الناس إلى الله ولنتوقع أن يحصل لنا منهم ما حصل لرسل الله من أذى ( بالكلام ) فيقال عن الداعية إلى الله ( مجنون ) (متطرف) (متشدد) ( معقد ) ( مهستر ) ( خبل ) وغير ذلك أو أذى بالفعل ( التحريش عليه ) ( رجم سيارته بالحجارة ) كما يفعل السفهاء ( التضييق عليه من أعداء الله والسفهاء ) وغير ذلك وهي :
أ‌- ما على الداعية إلا أن يصبر ويحتسب أجره على الله ويستمر في دعوته إلى الله متأسياً برسول الله  الذي أوذى كثيراً وقال  ((رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)) رواه الشيخان من حديث ابن مسعود .
ب‌- وللداعية أن يدعوا على أعداء الله كما دعا نوح ربه (( أني مغلوب فانتصر )) وكما دعا رسول الله  على كفار قريش ((اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ)) (صحيح) .
2) أخي المسلم : إن قدرة الله عظيمة (( فقد حمل نوحاً ومن معه على ألواح مسمره بالمسامير (( سفينة )) تجري فوق أمواج المياه الغزيرة المتدفقة ، فهل قدرنا الله حق قدره وهو ذو القدرة العظيمة والقوة والمجد والعظمة ، فعبدناه حق عبادته وخضعنا له وتمسكنا بما أرسل به رسوله  آخذين العظة والعبرة مما فعله سبحانه بأعدائه ( بإغراقهم بالطوفان وهم قوم نوح) وبإنجاء المؤمنين منهم ( على ظهر سفينة خشب ومسامير ) لنقف عند هذه الآيات متعظين (( فهل من مدكر )) ؟ .
1) أخي المسلم : لنجتهد في عمل الطاعات (( القيام بما أمرنا الله به والإنتهاء عما نهانا الله عنه فمن تحقق له ذلك فإنه يحصل على :
أ‌- أن يحفظه الله وينجيه من الكرب ومن المهالك فيكون بمرأى من الله وحفظ ورعاية كما نجى نوحاً ومن معه في السفينة وكانت تجري بحفظ الله لها ورعايته لمن فيها من المؤمنين .
ب‌- أن العبد كلما استقام على دين الله وانخرط في طاعته كان أقرب إلى ربه فلنتطلب الطاعات المقربة إلى الله بعد أداء الواجبات ومن ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة وهو قوله  ((يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال : يا رب كيف أعودك و أنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟ أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده ؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني فقال : يا رب و كيف أطعمك و أنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال : يا رب كيف أسقيك و أنت رب العالمين ؟ قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي)) الحديث رواه مسلم ، هل أنا وأنت حرصنا على عيادة المريض ـ وإطعام المحتاج ـ وسقي المحتاج لنحصل على ما في هذا الحديث ؟ (( لنحرص ولنجتهد ولنعمل )) .
2) إثبات صفة العين لله على ما يليق به بلا تمثيل (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وقد قال  في حديث ابن عمر لما سئل عن الدجال ((أن ربكم ليس بأعور و إنه أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية)) رواه البخاري وغيره ، أخي الكريم : إذا كنا نؤمن أن الله يرانا فلا نعصيه سبحانه ؟ ألا نستحي منه فنعرض عن المعاصي ونتمسك بطاعة الله عز وجل ، ليعلم أنا وأنت أننا مكشوفون أمام ربنا فهو يرانا ويسمعنا ويعلم أحوالنا فحري بنا أن نراقبه جل وعلا (( أن تعبد الله كأنه يراك فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) .

الآيـــات
{ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)}
التفسير :
كذبت عاد رسولهم هوداً عليه السلام ، فكيف كان عذابي الذي أهلكتهم به ؟ لقد كان عذاباً مهلكاً شديداً ، إنا أرسلنا على عاد ريحاً عاتية قوية ذات صوت شديد في يوم شؤم مستمر عليهم حتى هلكوا واتصل بعذاب الآخرة ، تلك الريح تقتلع الناس فترفع أحدهم ثم تنكسه على أم رأسه فيسقط إلى الأرض فتثلغ رأسه فيبقى جثة بلا رأس فتدعهم كأصول النخل المنقلع، فكيف كان عذابي لعاد وإنذاري لهم ؟ لقد كان عذاباً شديداً مهلكاً أليماً،ولقد سهلنا القرآن للحفظ والفهم والتذكر والتذكير والعمل به فهل من متعظ يا عباد الله بهذا القرآن ، كذبت ثمود رسولهم صالحاً الذي أنذرهم عذاب الله ، فقالوا : أنتبع إنساناً مثلنا لا يتميز علينا بشيء واحد ونحن جماعة كبيرة فكيف نسلم قيادنا لواحد منا ، إنا إن اتبعناه لفي خيبة وخسارة وبعد عن الصواب وجنون ، كيف ألقي الوحي على صالح من بيننا ؟ إنه لم يوح إليه بل هو كذاب فيما أدعاه من الرسالة متكبر ومتجاوز في حد الكذب ، سوف يعلمون عند نزول العذاب من الكذاب المتكبر أهم أم صالح عليه السلام ؟ إنا مخرجوا الناقة لهم من الصخر ومرسلوها ابتلاء واختباراً لهم فانتظر يا صالح ماذا يفعلون وما يحل بهم من عذاب الله واصبر على إبلاغ رسالتك وعلى أذاهم ، وأخبرهم يا صالح أن الماء مقسوم بينهم وبين الناقة ، كل نصيب من الماء يحضره الذي هو له ويمنع ممن ليس له ، فنادى قوم ثمود صاحبهم وشجعوه على عقر الناقة فتناول الآلة وعقر بها الناقة ، فكيف كان عذابي الذي أهلكتهم به وإنذاري لهم ؟ لقد كان شديداً مهلكاً ، وذلك العذاب أننا أرسلنا على ثمود صيحة واحدة فبادوا عن آخرهم فكانوا بعد هلاكهم كالزرع والنبات اليابس وعشب الحظائر التي تجعل للبهائم ، ولقد سهلنا القرآن للحفظ والتلاوة والفهم والعمل فهل من متعظ بأوامره ونواهيه ؟
بعض الدروس من الآيات :
1) أخي المسلم : انظر كيف كان عذاب الله لتلك الأمم التي كذبت الرسل (( إنه عذاب مهلك شديد مؤلم )) ولينظر العصاة لربهم أنهم إن لم يتوبوا إلى ربهم فإنهم يعرضون أنفسهم لغضب الله ومقته ونقمته ولعنته وناره فكم من الذنوب التي لعن أصحابها (( كما لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه )) كما قال  ((ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق بوالديه ، والديوث ، ورجلة النساء )) رواه الحاكم من حديث ابن عمر (صحيح) ، وكما قال  في حديث أبي هريرة ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لا ينظر إليهم و لهم عذاب أليم : شيخ زان و ملك كذاب و عائل مستكبر)) رواه مسلم وغير ذلك فأصحاب الذنوب من المسلمين على خطر ولذا (( فأنا وأنت علينا أن نتوب إلى الله قبل الموت وقبل الغرغرة ولا يغتر المسلم بمجرد الرجاء بلا خوف وكذلك لا يبقى خائفاً بلا رجاء لكن الرجاء بلا خوف ليس صحيحاً وكذا الخوف بلا رجاء فالعاقل هو الذي يبذل الأسباب ويتوكل على الله ويخاف ربه ويرجوه فيعمل الصالحات ويتجنب الذنوب فإن أذنب تاب وندم واستغفر)). والله الموفق
2) أخي المسلم : إن عاقبة الذنوب ومغبتها خطيرة (( سيعلمون غداً من الكذاب الأشر )) فلا يتساهل المسلم بالذنوب لأن الله قد نهاه عنها وبين القرآن والسنة عواقبها كما قال تعالى (( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس )) وإن بعض الناس يخاف أن يعصي المسئول في عمله ولكن يعصى ربه ولا يبالي فليتق الله العبد في ذلك
3) أيها المسلم : لا يكن أحدنا اشقى بلده أو أشقى قريته أو أشقى من في المجلس أو أشقى من في عمله بل ينبغي أن يكون أحدنا خير أهله وخير أهل قريته وخير أهل مدينته وخير من في عمله وخير من في المجلس وذلك بنشر الخير والنهي عن المنكرات والدعوة إلى الله عز وجل ومحبة ما يصلح للمسلمين ومن يقوم بنفع إخوانه وقد قال  في حديث جابر((مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ)) (رواه مسلم) ، كل مجلس أو قرية أو مجتمع فيه من هو خيرهم ومنه من هو شرهم فممن أنا وأنت ؟ لنكن خيرهم لا من شرهم أو شرهم .
4) إذا كلمك الناس ونادوك وطلبوا منك فعل الشر والمنكر وشجعوك على ذلك وحرضوك فلا تكن ممن يستجيب لذلك بل أحرص على عدم الاستجابة إلى أي عمل منكر مهما كان الذي طلبه منك فقد قال  في حديث على ((لا طاعة لأحد في معصية الله إنما الطاعة في المعروف)) رواه الشيخان ، اجعل هذا التوجيه في ذهنك وقلبك حتى تلقى الله عز وجل لتنجو من المهالك ولتسلم من عذاب الله يوم القيامة . والله الموفق 0
الآيـــات
{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)}
التفسير :
كذبت قوم لوط رسول الله لوطاً الذي أنذرهم بآيات الله وبعذاب الله إن لم يؤمنوا به ، إنا أرسلنا على قوم لوط حصباء ( حجارة ) بعد قلب قراهم عليهم فهلكوا ، إلا آل لوط فقد نجيناهم من العذاب في أخر الليل ، إنعاماً منا على آل لوط في إنجائنا إياهم من العذاب ومثلما أنجينا آل لوط فإنا نجازى من شكرنا فننجيه من الهلاك، ولقد حذر لوط قومه انتقامنا وخوفهم أخذنا بالعذاب فشكوا فيه ولم يلتفتوا إليه ، ولقد حاولوا لوطاً أن يفعلوا الفاحشة بأضيافه من الملائكة ، فطمسنا أعينهم وأبصارهم ، فذوقوا يا قوم لوط الكفرة عذابي وإنذاري لكم فقد كان شديداً ، ولقد جاءهم في الصباح الباكر عذاب مستقر فيهم لا محيد لهم عنه ولا انفكاك لهم منه بل استمر بهم حتى هلكوا في الدنيا واتصل بذلك عذاب نار جهنم ، فذوقوا ـ أيها الكفار ـ من قوم لوط عذابي الشديد ومغبة تكذيبكم بما أنذركم به لوط ، ولقد سهلنا القرآن للتلاوة والحفظ والفهم والعمل فهل من متعظ بالقرآن ، ولقد جاء فرعون وقومه التخويف بعذاب الله والتحذير منه على لسان موسى عليه السلام إن هم كذبوا ، كذب فرعون وقومه بالمعجزات العظيمة كلها التي أيدنا بها رسولنا موسى ( تسع آيات ) فأخذناهم بإبادتهم بشدة أخذ عزيز يذل ويقهر من عاداه وكذب رسله مقتدر على ما يريد لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ، أكفاركم يا أهل مكة خير من أولئك الكفار المذكورين من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وقومه حتى لا ينزل بهم عذاب الله ؟ أم أن لكم براءة من عذاب الله أنزلها الله في الكتب الإلهية السابقة ، بل يقول الكفار معتقدين : نحن جمع متناصرون منتصرون على من حاربنا فلا يغلبنا أحد ، سيغلب جمع الكفار ويتفرق شملهم ويولون هاربين أمام جموع المؤمنين المجاهدين في سبيل الله كما حصل في غزوة بدر ، بل يوم القيامة موعد الكفار لمجازاتهم على كفرهم وعصيانهم والقيامة أشد عذاباً وأعظم بلية وداهية ، وعذابها أمر من عذاب الدنيا ( يوم بدر ) .
بعض الدروس من الآيات :
1) أخي المسلم : إذا حصل لأحد من الناس شيء من المصائب أو نقمة من الله منه ونجاك الله فهي نعمة من الله عز وجل عليك فعليك أن تشكر الله على هذه النعمة ، وإن الله عزوجل يجزي الشاكرين القائمين بطاعته المنتهين عن معاصيه ، فهل أنا وأنت من هؤلاء فمن كان من هؤلاء المطيعين لله فليبشر بإنجاء الله له من النقم (( كذلك نجزي من شكر )) .
2) أيها المسلم : إن مرتكب الذنوب والمعاصي قد عرض نفسه لنقمة الله منه ولذا علينا أن نترك الذنوب لله عز وجل وأن نحذر منها ولنعلم أنها طرق إلى عذاب الله وإلى نار جهنم كما قال  في حديث أبي هريرة ((مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ)) رواه مسلم ، وكما قال  في حديث أبي هريرة ((مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ)) رواه أحمد وأهل السنن (صحيح) ، وكما قال  في حديث ابن عباس ((من صور صورة عذبه الله بها يوم القيامة حتى ينفخ فيها و ليس بنافخ)) الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي (صحيح) ، وكما قال  في حديث أبي هريرة ((من شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)) رواه الشيخان ، وهذا السم يشمل كل أنواع السموم مثل (( الدخان ـ الشيشة ـ القات ـ المخدرات من مشروب أو إبر أو شم وغير ذلك )) فيا من يشرب الدخان والجراك والشيشة ونحوها فيهلك نفسه بذلك فقد سم نفسه وهو داخل في هذا الوعيد الشديد فليتق الله وليتب إلى الله عز وجل و"أحاديث الوعيد تمر كما جاءت لتكون أبلغ في الزجر وصاحبها تحت مشيئة الله يوم القيامة إذا كان موحداً إن شاء الله عذبه بقدر ذنبه ثم أدخله الجنة وإن شاء عفا عنه . والله الموفق
3) حق الضيف :
أ‌- وجوب الضيافة بإكرام الضيف وقد قال  في حديث أبي شريح ((من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم و ليلة و الضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة)) الحديث رواه الشيخان .
ب‌- وجوب نصرة الضيف إذا كان مظلوماً والمدافعة عنه ممن أراده من الظلمة حسب الاستطاعة وقد قال  في حديث أنس ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)) الحديث رواه البخاري.
4) يا أيها الدعاة : خوفوا المعرضين عن الله وحذروهم بطش الله وانتقامه ممن عصاه وبينوا لهم ذلك من القرآن ومن سنة رسول الله  فإن هذا منهج من مناهج الرسل عليهم الصلاة والسلام والقرآن مملوء بأن الرسل أنذروا قومهم وخوفوهم وكذلك نرى أن سنة رسول الله  فيها الكثير من العقوبات المرتبة على المعاصي (( عقوبة السرقة ـ عقوبة الزنا ـ عقوبة الكذب ـ عقوبة الخيانة ـ عقوبة شرب الخمر ـ عقوبة لبس الحرير للرجال وكذلك عقوبة الشرب والأكل في أواني الذهب والفضة )) وغير ذلك وليكن البيان لكل مدعوا بما عنده مما يحتاج دعوته فيه واسلكوا هذا المنهج فهو منهج جميل نبوي كريم وقد قال  (( إني نذيرلكم بين يدي عذاب شديد )) .
5) أيها المسلم : إن الذين يعصون الله ويعاندون رسوله  نقول لهم : تعاندون من ؟ تعاندون دين الله تعاندون العزيز المقتدر ، فيا أيها العاصي لله : أنظر من عصيت ، وفكر في هذا الأمر جيداً قبل الوقوع في المعصية واستح من الله وخف منه واعرف أنه قادر عليك وأنه إذا أخذ عدوه فإنه لا يبالي به وإذا عاقب على الذنب فإن عقابه شديد وعذابه أليم وتأمل قصة ذلك الرجل الذي خرج متبختراً في حلة فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة كما قال  في حديث أبي هريرة ((بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة)) رواه الشيخان ، ذنبه : تكبر وعجب وتبختر ، والعقوبة : خسف في الأرض وغوص فيها إلى يوم القيامة .
6) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  قال ((وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ وَقَالَ حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ})) رواه البخاري.
















الآيـــات
{ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) }
التفسير :
إن المجرمين في ضلال عن طرق الحق والرشد وفي نكد وضيق وشتات مما هم فيه من الشكوك والاضطراب ، يوم القيامة يسحبون في نار جهنم على وجوههم ويقال لهم تقريعاً وتهكماً : ذوقوا حر نار جهنم وما فيها من النكال والعذاب ، إنا كل شيء خلقناه بقدر سابق (علم ـ وكتابه ـ ومشيئة ـ وخلق ) ، وما أمرنا إذا أردنا خلق شيء إلا أن نأمر به مرة واحدة لا تحتاج إلى تأكيد بثانية فيكون ذلك الذي نأمر به موجوداً كلمح البصر فلا يتأخر طرفة عين ، ولقد أهلكنا أمثالكم من الأمم السابقة المكذبين للرسل ، فهل من متعظ بما أخزى الله تلك الأمم وأنزل بهم من العذاب ، وكل شيء عملوه فهو مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملائكة ، وكل صغير وكبير من أعمال العباد فهو مجموع عليهم ومسطر مكتوب في صحائفهم ، إن المتقين الله بفعل أوامره وترك نواهيه في حدائق وبساتين غناء جميلة وأنهار عذبة تجري تحت غرفها وأشجارها ، في مجلس حق لا لغو فيه وفي دار كرامة الله ورضوانه وفضله وإحسانه عند الله الملك العظيم المقتدر على كل شيء 0
بعض الدروس من الآيات :
1) أيها المسلم : إذا رأيت شخصاً ( رجلاً أو امرأة ) يعمل في معصية الله فاعلم أنه ضال بتلك المعصية وضلاله بقدر عصيانه لربه ، (إذا رأيت أيتها المرأة امرأة متبرجة أو تختلط بالرجال في عمل أو غيره فاعلمي أنها ضالة في هذه المعصية ) ، ( إذا رأيت أيها الرجل موظفاً يماطل الناس ويتأخر عن الدوام أو يأكل هدايا من المراجعين أو يستغل وظيفته لأخذ الأراضي والأموال ونحو ذلك فاعلم أنه ضال في هذه المعصية ) وهكذا بقية الذنوب [ لكن علي وعليك أن نحمي أنفسنا من الضلال بالتمسك بأمر الله ورسوله  والانتهاء عما نهى عنه الله ورسوله  فإن الضلال لا يعالج إلا بالرجوع إلى الهدى الذي جاء به رسول الله  وقد قال  للأنصار: ((أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي)) (رواه الشيخان)
2) واعلم أن أولئك الضلال المنحرفين الذين يعصون الله ورسوله  والذين يسعون لكسب الدنيا والأموال بالطرق المحرمة بأكل أموال الناس بالباطل كما يحصل في هذا الزمان أو أي نوع من الضلال فإنك تجدهم كالكلاب المسعورة اللاهثة وراء شهواتهم فهم لا يفكرون في الدار الآخرة ولا يحسبون لها حساباً وأعظم الضلال وأشده من يشرك بالله كمن يدعوا أصحاب القبور كالبدوي وغيره وقد قال تعالى : (( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون )) لنحذر من كل أنواع الضلال سواءً كان كفراً أو بدعةً غير مكفرة أو معصية أخرى 0
3) القدر ويتعلق به أمور منها :
أ‌- وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره وقد قال  : ((الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ))رواه مسلم { الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان }
ب‌- إثبات مراتب القدر الأربع وهي : [ علم الله بالأشياء قبل كونها ـ وكتابته لها قبل وجودها ـ ومشيئته لها قبل خلقها ـ وخلقها ]
ت‌- إن الله عز وجل يهدي من يشاء فضلاً منه كما قال تعالى : (( ومن يهد الله فما له من مضل )) (( قل إن الهدى هدى الله )) ، ويضل من يشاء عدلاً منه كما قال تعالى (( ومن يضلل الله فما له من هاد )) والله عز وجل قد بين للعبد طريق الخير والشر فييسر الله العبد للخير إن سلك طريق الخير ، وييسره لغيره إن سلك طريقاً آخر كما قال تعالى : (( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى )) وكل عبد ميسر لما خلق له وقد قال  في حديث علي : ((فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فييسرون إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فييسرون إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ.)) (رواه الشيخان) ، وقال  : ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) ( رواه الشيخان) 0
ث‌- إن كل شيء فهو بقدر وقد قال  في حديث ابن عمر : ((كل شيء بقدر حتى العجز و الكيس)) رواه مسلم 0
ج‌- على العبد أن يستعين بالله وأن يترك الكسل فإن اجتهد فأصابه أمر فليقل قدر الله وما شاء فعل ولا يقل لو فعلت لكان كذا وقد قال  في حديث أبي هريرة: ((وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)) (رواه مسلم)
ح‌- إن كل شيء قد قدر وكتب وفرغ منه ولكن علينا أن نعمل ونجتهد في طاعة الله وترك معصيته وقد قال  : ((جفت الأقلام و رفعت الصحف )) (صحيح)
خ‌- قد أخبر  أنه سيكون أقوام يكذّبون بالقدر كما قال  في حديث ابن عمر : ((سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ )) رواه أحمد والحاكم (صحيح) ومن كذّب بالقدر فهم مجوس هذه الأمة لقوله  في حديث ابن عمر : ((لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ ومَجُوسُ أُمَّتِي الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا قَدَرَ إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ) رواه أحمد (حسن ) 0
د‌- إن مقادير الخلائق كلها قد كتبت قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة كما قال  في حديث عبد الله بن عمرو : ((كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)) رواه مسلم 0
ذ‌- قال  في حديث عبادة : ((إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)) رواه أبو داود (صحيح) 0
ر‌- من لم يؤمن بالقدر فهو كافر الكفر الأكبر وقد قال  في حديث علي بن أبي طالب : ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله بعثني بالحق و يؤمن بالموت و يؤمن بالبعث بعد الموت و يؤمن بالقدر خيره و شره)) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة ( صحيح ) 0
ز‌- أخي المسلم الإيمان بالقدر مع الاجتهاد في طاعة الله راحة للنفس وتسليم لله عز وجل وقد قال  لابن عباس : ((و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك)) الحديث, رواه أحمد والترمذي (صحيح ) 0
4) أخي المسلم : إن من أراد الجنات والأنهار الجارية والمقعد الصدق والحياة الكريمة فعليه بتقوى الله عز وجل بفعل أوامره والانتهاء عن نواهيه وعليه بمتابعة رسوله  حتى يلقى الله عز وجل ( ألا فلنشمر أيها المسلم إلى الله بطاعته وطلب رضوانه ومحبته ورجائه والتقرب إليه فإنه مالك الدنيا والآخرة وقد وعد المتقين الجنة وهو سبحانه لا يخلف الميعاد ، فأهل الجنة عند مليك عظيم وقد قال  في حديث عبد الله بن عمرو : ((إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا)) رواه مسلم ، ( إذا رغبت أن تكون من هؤلاء المقسطين عن يمين الرحمن على منابر النور فاعدل في حكمك ، واعدل في أهلك ، واعدل فيما ولّيت ) . والله الموفق










الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:07 am

تفسير سورة النجم

لفضيلة الشيخ العلامة :

محمد بن شامي شيبة
حفظه الله




الآيـــات
{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (Cool فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) }
التفسير :
أقسم بالنجم إذا سقط ومنه الثريا إذا سقطت مع الفجر والنجم إذا رمي به الشياطين، ما ضل الرسول  عن الهدى وما عدل عن الحق إلى غيره بل هو  في غاية الاستقامة على الصراط المستقيم ، وما يقول قولاً عن هوى نفسه وغرضها ، إنما يقوله من القرآن والسنة وحي أوحاه الله إليه  ليبلغه إلى الناس كاملاً موفوراً ، علم جبريل عليه السلام رسول الله  وجبريل ملك شديد القوى عظيمها ، وجبريل صاحب منظر حسن وقوة شديدة فتبدى لرسول الله  على صورته التي خلقه الله عليها واستقر، وجبريل حين بدا لرسول الله  على صورته واستقر في الأفق الأعلى ( مطلع الشمس ) ، ثم اقترب جبريل من الرسول  شيئاً فشيئاً حتى صار جبريل بقرب الرسول  في المسافة قدر قوسين أو أقرب من ذلك ، فأوحى الله إلى عبده ورسوله محمد  ما أوحاه بواسطة جبريل عليه السلام ، ما كذب قلب النبي  ما رآه محمد ببصره ومن ذلك أن صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى عليه منهبطا من السماء إلى الأرض ساداً عظم خلقه مابين السماء والأرض ، أفتجادلون أيها المشركون الرسول  وتنكرون عليه ما رآه من الآيات تلك الليلة ، ولقد رأى رسول الله  ببصره جبريل مرة أخرى على صورته التي خلقه الله عليها ، وكان تلك الرؤية عند سدرة المنتهى ( وهي شجرة النبق في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها ) ، عند سدرة المنتهى جنة المأوى التي تأوي إليها أرواح المؤمنين والشهداء ، إذ يغشى سدرة المنتهى ما يغشى من الأمور العظيمة ومن ذلك فراش من ذهب ، ما مال بصر النبي  يميناً ولا شمالاً وما جاوز المحل الذي حدد له ، لقد رأى رسول الله  ببصره ليلة المعراج آيات كبرى من آيات الله الدالة على قدرته وعظمته فقد رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها ورأى سدرة المنتهى والجنة والنار وغير ذلك .
بعض الدروس من الآيات :
1) أول سورة أنزلت فيها سجدة ( والنجم ) لقول ابن مسعود : ((أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ وَالنَّجْمِ قَالَ فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ إِلَّا رَجُلًا رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ )) رواه البخاري ومسلم 0
( أخي إذا قرأنا هذه السورة فلنسجد كما سجد النبي صلى الله عليه وسلم فإن سجود التلاوة سنة )
2) أخي المسلم : إن الله خلق النجوم وجعلها رجوماً للشياطين وزينة للسماء وعلامات يهتدي بها المسافرون وحفظاً للسماء من كل شيطان مارد فجعل الله فيها خيراً ودفعاً للشر لكن أنا وأنت هل نكون متحلين بصفات الخير التي كلفنا الله بها ونكون حرباً على الفساد والإثم والمعاصي ساعين في دفعها ناهين عنها كما كلفنا الله بذلك :
أ‌- لنكن دالين الناس على الحق والهدى داعين الناس إليه وإلى كل خير وقد قال  في حديث جابر : (( كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ )) رواه البخاري ، وقال  في حديث ابن عباس : ((كل معروف صدقة و الدال على الخير كفاعله )) رواه البيهقي في شعب الإيمان (صحيح)0
ب‌- لنكن محاربين ومدافعين الفساد والظلم والعدوان فنسعى في محاربة السحرة والكهان والمشعوذين ونسعى في نهي الناس عن الذنوب والمعاصي والكفر حسب الاستطاعة وقد قال  في حديث أبي بكر : ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ وَلَا يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ اللَّهُ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِعِقَابِهِ )) رواه أحمد (صحيح) ، وفي حديثه الآخر (( إذا رأوا الظالم )) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (صحيح) .
3) إن الله عز وجل قد زكى رسوله  :
أ‌- زكاه كله فقال (( ما ضل صاحبكم وما غوى )) ، وقال تعالى (( وإنك لعلى خلق عظيم )) ، وفي الحديث أن الله قال له  ((أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ )) .
ب‌- وزكى كلامه فقال تعالى (( وما ينطق عن الهوى ـ إن هو إلا وحيى يوحى )) .
ت‌- وزكى معلمه فقال تعالى (( علمه شديد القوى ـ ذو مرة فاستوي )) وقال تعالى (( ذي قوة عند ذي العرش مكين ـ مطاعٍ ثم أمين )) .
ث‌- وزكى قلب رسوله  فقال تعالى (( ما كذب الفؤاد ما رأى )) .
ج‌- وزكى بصر رسوله  فقال تعالى (( ما زاغ البصر وما طغى )) .
ح‌- وزكى كتابه فقال تعالى (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد )) وقال الله لرسوله  ((وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ)) رواه مسلم من حديث عياض بن حمار .
هـ) وزكى أصحابه فقال تعالى (( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً ) الآية
أخي المسلم ( لقد زكى الله رسولنا وكتابه وأصحابه فهل نحن سائرون على منهجه  وعاملون بما جاء في كتابه وسنة رسوله  ومتأسون به وبخلفائه الراشدين الذين قال فيهم  في حديث العرباض ((فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ)) الحديث رواه أحمد وابن ماجة (صحيح) ، وهل نحن محبون لأصحابه الكرام ونترضى عنهم (( رضي الله عنهم )) ، إن علينا أن نكون كذلك حتى نلقى الله عز وجل .
4) فكل ما تكلم به النبي  حق وفي حديث عبد الله بن عمرو ((كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ فَقَالُوا إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقٌّ)) رواه أبو داوود وأحمد (صحيح) ، لنحذر من مخالفة قوله  فمن خالف قوله  فقد ترك الحق ووقع في الباطل .
5) إن رسول الله  رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها مرتين وقال  ((إنما ذلك جبريل ما رأيته في الصورة التي خلق فيها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء و الأرض )) رواه الشيخان عن عائشة ، وفي حديث عبد الله أن محمداً  قال ((رأيت جبريل له ستمائة جناح)) رواه البخاري ، وقال  في حديث عبد الله بن مسعود ((رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عَلَيْهِ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ يُنْثَرُ مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ)) رواه أحمد (صحيح) .
فالمراد بقوله تعالى (( ولقد رآه نزلة أخرى )) أن  رأى جبريل .
6) أن الرسول  لم ير ربه بعينه وفي حديث أبي ذر قال ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ)) رواه مسلم ، قلت وأما قوله  في رواية (( رأيت نوراً )) فإنه  قد رأى الحجاب وقد قال  عن ربه ((حِجَابُهُ النُّورُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ النَّارُ)) الحديث (صحيح) ، وأما قوله  في حديث ابن عباس ((رأيت ربي عز و جل)) رواه أحمد (صحيح) فهو مختصر من حديث المنام حيث قال فيه ((أَتَانِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ اللَّيْلَةَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ أَحْسِبُهُ يَعْنِي فِي النَّوْمِ)) الحديث رواه أحمد (صحيح) .
7) قال عبد الله بن مسعود : (({ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فِي حُلَّةٍ مِنْ رَفْرَفٍ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )) رواه الترمذي (صحيح )
Cool س ـ ماذا أعطى الله رسوله  عند سدرة المنتهى ؟
ج ـ لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى قَالَ انْتَهَى إِلَيْهَا مَا يَعْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقٍ قَالَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا لَمْ يُعْطِهِنَّ نَبِيًّا كَانَ قَبْلَهُ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ خَمْسًا وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغُفِرَ لِأُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ مَا لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا )) روه الترمذي (صحيح) .
أخي المسلم لنهتم بالصلوات الخمس كل الاهتمام ولنعرف فضل خواتيم سورة البقرة فمن قرأ الآيتين في آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه كما في الحديث الصحيح , ولنحذر من الشرك كل الحذر ولنجتنب الذنوب والمعاصي وأشدها بعد الشرك الكبائر . والله الموفق

الآيـــات
{ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) }
التفسير :
أخبروني ـ أيها المشركون ـ عن الأصنام التي تعبدونها من دون الله وهي اللات والعزى هل يسمعونكم إذا دعوتموهم أو ينفعونكم أو يضرون ؟ ، وأخبروني عن الصنم (مناة) الثالثة بعد اللات والعزى هل تسمعكم وهل تنفع أو تضر ؟ ، أتنسبون لكم ـ أيها المشركون ـ الذكر من الأولاد وتنسبون الأنثى إلى الله مما لا ترضونه لأنفسكم، تلك القسمة في نسبة الذكور لكم والإناث إلى الله قسمة جائرة ظالمة ، ما أصنامكم هذه ـ أيها المشركون ـ إلا أسماء لا وجود لها ولا حقيقة في الواقع لأنه لا إله إلا الله ، وإنما هي أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم افتراءً و كذباً ما أنزل الله بها من حجة ولا برهان بالإذن بعبادتها ، وما يتبع هؤلاء المشركون في عبادة هذه الأصنام إلا الظن الكاذب بلا علم ولا يقين ويتبعون هوى النفوس المشربة بالضلال ، ولقد جاءهم من ربهم الهدى بعبادته سبحانه وحده لا شريك له فأعرضوا عنه وتركوه ، هل للإنسان ما تمناه من الأماني الكاذبة كهؤلاء المشركون الذين تعلقوا بأن أصنامهم تشفع لهم ؟ ليس له ما تمنى من ذلك ، فالأمر كله لله فهو مالك الدنيا والآخرة المتصرف فيهما فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وكثير من الملائكة في السموات مع أنهم مقربون لا تنفع شفاعتهم أحداً بقليل أو كثير إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء أن يشفع ويرضى عن المشفوع له 0
بعض الدروس من الآيات :
1) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ{ اللَّاتَ وَالْعُزَّى } كَانَ اللَّاتُ رَجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ )) رواه البخاري ، (( والعزى اشتقت من العزيز وكانت شجرة عليها بناء واستار بنخلة وهي بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها )) قاله ابن جرير ، ومناة كانت بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة ، وكانت اللات لثقيف بالطائف )) .
2) أخي المسلم : عندما تتأمل حال العرب في الجاهلية وما كانوا يعبدون من الأشجار والأحجار والقبور (( اللات والعزى ومناة )) ونحوها تعرف ذلك الجهل المطبق وتعرف ما أنعم الله به علي وعليك بهذا الدين (( الإسلام )) وما أكرمنا الله به ببعثة محمد  فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وفتح الله به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فهل يا أخي تمسكنا بهدي رسولنا  واتبعناه في كل ما أمرنا به وانتهينا عما نهانا عنه ـ كل واحد منا يسأل نفسه عن ذلك ـ فمن اتبع رسول الله  فقد طلب لنفسه النجاة ودخل في النور وترك الظلمات ومن خالف محمداً  فقد طلب لنفسه الهلاك وبقي في الظلمات .
3) إن هناك من يعبد غير الله في هذه الأزمنة وإذا كانت اللات كانت تعبد في الجاهلية وكذلك العزى ومناة وغيرها فكم يوجد اليوم (( لات ـ وعزى ـ ومناة وغيرها )) فهي تعبد ولكن بأسماء أخرى وهي عبادة القبور (( أليس اللات رجلاً كان يلت سويق الحاج فلما مات عكفوا على قبره )) فكم من ميت قد مات وعكف الناس على قبره وحجوا إليه ، فما الفرق بينه وبين قبر اللات ؟ (( ما الفرق بين قبر اللات والبدوي وغيره من القبور التي تعبد اليوم و يطاف بها ويطلب من أصحابها الحوائج بل قد حصل الشرك بها في الإلوهية والربوبية ، والله المستعان ))
وهنا هذه رسالة إلى الدعاة
أيها الدعاة إلى الله ـ أيها العلماء ـ يا طلاب العلم ـ ادعوا هؤلاء المشركين الذين يعبدون (( لات )) هذا العصر (( وعزى ـ ومناة )) هذا العصر وأنكروا عليهم واسعوا في دعوتهم بكل ما تستطيعون حتى وإن سميت المعبودات اليوم بأسماء أخرى , وإني لأ جزم أنه لو قام أشخاص بتسمية القبر الذي يعبدونه (( اللات )) لأنكر عليهم أكثر المسلمين لأنه اللات ، ورد في القرآن الإنكار على عابديه بينما لا فرق بين اللات وغيره في العبادة وإنما الأسماء فقط مختلفة والمعنى واحد فكل ذلك شرك بالله وكفر به وخروج عن ملة الإسلام ، وإنكم أيها الدعاة عليكم أن تبينوا عدم الفرق بين (( اللات والعزى ومناة )) وبين المعبودات في هذه العصر حتى يعي المسلمون ذلك ويعودوا إلى الله عن عبادة القبور وغيرها من المعبودات مثل عبادة ( القانون ) وجعله محل شريعة الله .
4) شروط الشفاعة المثبتة النافعة بإذن الله :
أ ) إذن الله للشافع .
ب ) ورضاه عن المشفوع له .
5) رسالة إلى عباد اللات والعزى والبدوي وغيرها في هذا العصر
أيها الذين يقفون على قبور الموتى (( البدوي ـ أبو طير ـ العيدروس ـ السيدة زينب ـ الحسين ـ وغيرهم )) فيدعون الموتى من دون الله ويسألونهم الحاجات ، إنكم تماثلون الذين عبدوا اللات والعزى بالنسبة لكم ، أما المعبودون فمنهم الصالحون الذين لا يرضون ذلك ومنهم غير الصالحين ، وكل من دعا صاحب قبر أو دعا (( بوذا )) أودعا غير ذلك من دون الله فلا فرق بينه وبين عباد اللات والعزى ومناه الثالثة الأخرى فهم سواء (( فأخبرونا عن البدوي وغيره ممن تدعون من دون وعن بوذا ونحوه هل يسمعونكم إذا دعوتموهم وهل ينفعونكم أو يضرون )) إنهم لا يسمعون ولا ينفعون ولا يضرون فاتقوا الله وعودا إليه وتوبوا من هذا الشرك الأكبر إلى الله (( أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم )) .
6) أخي المسلم : لنجتهد في طاعة الله عز وجل ولا نتكل على مجرد الأماني وأما التمني فهو كما يلي :
أ‌- إذا تمنى العبد فليكثر من ذلك وليتمنى الخير مع الاجتهاد في العمل وقد قال  في حديث عائشة ((إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه)) رواه الطبراني في الأوسط (صحيح) ، فلنتمن كل خير .
ب‌- يشرع أن يتمنى العبد الحصول على مثل من آتاه الله القرآن أو آتاه الله مالاً على ما جاء في قوله  في حديث ابن عمر ((لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ )) رواه الشيخان ، وفي حديث ابن مسعود ((وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا)) رواه الشيخان ، وفي حديث أبي هريرة ((فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ)) رواه البخاري ، إذا رأينا حافظاً للقرآن فلنتمن مثله ، وإن رأينا ذا مالا فلنتمن مثل ما عنده من المال ، وإذا رأينا عالماً فلنتمن مثل علمه وهكذا .
ت‌- ما يكون يوم القيامة في حديث آخر من يدخل الجنة وفيه أن الله يقول له تمن فيتمنى فيقال له ((لَكَ ذَلِكَ ومثله)) الحديث رواه الشيخان من حديث أبي هريرة (صحيح) وعن أبي سعيد((وعشرة أمثاله)).





















الآيـــات
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)}
التفسير :
إن الذين لا يؤمنون بيوم القيامة بل يكذبون به وينكرونه فهؤلاء يسمون الملائكة تسمية الإناث ويقولون بأن الملائكة بنات الله ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، ومالهم به من علم صحيح ولا دليل يصدق ما قالوه بل هو كذب وزور وكفر , إن يتبعون إلا الظن الكاذب ، وإن الظن لا يجدي شيئاً ولا يقوم أبدا مقام الحق ، فأعرض عن الذي أعرض عن الحق وهجر القرآن وإنما أكثر همه وقصده الحياة الدنيا الزائلة ، فطلب الدنيا والسعي لها هو غاية ما قصدوه ووصلوا إليه إن ربك هو أعلم بمن أعرض عن الحق والهدى وهو أعلم بمن سلك طريق الهدى الموصل إلى الفوز العظيم وسيجازي كلاً بعمله ، ولله ملك السموات والأرض وما فيهما المتصرف فيهما ، ليعاقب المسيئين العاصين بما عملوا ويثيب الذين أحسنوا بامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه بأحسن ما كانوا يعملون ، هؤلاء المحسنون هم الذين يتركون كبائر الذنوب والفواحش إلا الصغائر , إن ربك كثير الغفران لمن اجتنب الكبائر فقد وسعت رحمته كل شيء ومغفرته لمن تاب , هو بصير بكم عليم بأحوالكم وأفعالكم التي ستصدر عنكم حين أنشأ أباكم آدم من التراب وحينما كنتم أجنة في بطون أمهاتكم ، فلا تزكوا أنفسكم بمدحها بالإيمان والصلاح والتقى ، هو أعلم بمن اتقاه حقيقة وقام بأمر الله وانتهى عن نهيه 0
بعض الدروس من الآيات :
1) إن الظن ينقسم إلى أقسام :
أ‌- الظن الذي لا يستند إلى دليل وهذا لا يجوز العمل به بل هو مذموم وقد قال صلى  ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ)) رواه الشيخان من حديث أبو هريرة .
ب‌- الظن المستند إلى دليل ( الظن الغالب ) وهذا علم يعمل به كما يتحصل للعالم من الأدلة من الظن فيذهب إليه .
ت‌- ظن الخير المشروع ( الظن بالله ) فيظن العبد بربه خيراً وقد قال  في الحديث القدسي يقول الله تعالى ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، فيا أخي المسلم : لا تظن بأخيك المؤمن إلا خيراً إلا إن جاهر بالذنوب فإنه عند ذلك يظن به السوء وليكن ظني وظنك بربنا خيراً مع الإقبال عليه وطاعته وترك معاصيه ولا يفعل المسلم الذنوب ولا يتوب منها ويقول سيغفر لي ويكون مرجئاً تاركا العمل الصالح فهذا غير سائغ من العبد . والله الموفق 0
2) أنواع تزكية النفوس :
أ‌- تزكية النفوس بالثناء عليها ومدحها بالتقوى والصلاح فيقول الشخص ( أنا رجل صالح وأنا تقي ) ونحو ذلك فهذا منهي لقوله تعالى ( فلا تزكو أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) ، لنحذر من هذه التزكية لأنفسنا .
ب‌- تزكية الأشخاص في التسمية كما لو سمى بنته ( بره أو سمى ابنه التقي ) فهذا منهي عنه ولما سميت ( بنت زينباً ) قال  ((لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ فَقَالُوا بِمَ نُسَمِّيهَا قَالَ سَمُّوهَا زَيْنَبَ)) رواه مسلم .
ت‌- التزكية بمدح الشخص في وجهه والثناء عليه فهذا منهي عنه وما أكثر المداحين الكذابين اليوم فمن فعل فإنه يحثى في وجهه التراب وقد قال المقداد بن الأسود ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ)) رواه مسلم .
ث‌- التزكية للشخص بالثناء عليه بما يعلم أنه فيه فهذا منهي عنه إلا إذا كان مادحاً لا محالة فليقل ما جاء في قوله  (( قَالَ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ ثَلَاثًا مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ )) رواه الشيخان ، ولا يمدحه أمامه لقوله  ((وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا)) رواه الشيخان .
ج‌- تزكية النفوس بالإيمان والعمل الصالح والتقوى فهذا هو المشروع الذي أو جبه الله فقال تعالى (( قد أفلح من زكاها )) .
أيها المسلم : ليقم كل منا على أنفسنا بتزكيتها بالإيمان والعمل الصالح والتوبة إلى الله عز وجل ولا نتكلم بمدح أنفسنا والثناء عليها وعلينا أن ننظر إلى أنفسنا أننا ظالمون أنفسنا أمام الله ظلماً كثيراً ولما سأل أبو بكر رسول الله أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته قال له قل ((اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ)) الحديث (صحيح) ، أيها المسلم أيها الشاعر أيها الصحفي أيها المجالس للذين يحبون المدح والثناء اتقوا الله وخافوه وراقبوه ودعوا عنكم المدح الكاذب والمدح في الوجه واعلموا أنكم سوف تسألون يوم القيامة فمن منكم خالف أمر رسول الله  فمدح في الوجه فإنه يستحق أن يحثى في وجهه التراب لأنه هين عاص لرسول الله  ( انتبهوا ـ انتبهوا ) .
3) إذا رأينا يا أخي المسلم من أقبل على الدنيا وحطامها وزينتها ومناصبها وجاهها ومالها وأعرض عن دين الله عز وجل فلم يأبه للقرآن ولم يطبق ما قاله رسول الله  فإن علينا أن ننصحه ثم نعرض عنه (( فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا )) فلا نتخذه صديقاً ولا جليساً ولا نواليه ونبقى له ناصحين وعن المنكر ناهين في حدود الاستطاعة ( فاتقوا الله ما استطعتم ) لنجعل هذا منهجا لنا في الحياة .
4) يجب اجتناب كبائر الذنوب وصغائرها لكن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر كما قال تعالى ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً ) وتكفر الصغائر بما جاء في قوله  في حديث أبي هريرة ((الصلوات الخمس و الجمعة إلى الجمعة و رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) (رواه مسلم) ، وقال  ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) الحديث رواه الشيخان من حديث أبي هريرة ، أخي المسلم يجب علينا أن نتجنب كبائر الذنوب وصغائرها وأن نعيش طائعين لله عز وجل فمن وقع في شيء من الذنوب فليتب إلى الله عز وجل وقد قال  ((التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ)) (صحيح) رواه ابن ماجه من حديث ابن مسعود (حسن) .
5) اللمم : هي صغائر الذنوب ( والإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة عند بعض العلماء ) ( لنتق الله أيها المسلم ) .
الآيـــات
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)}
التفسير :
أرأيت ـ يا رسولنا ـ الذي أعرض عن طاعة الله ورسوله فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ، وأعطى قليلا من المال ثم قطع عطاءه وشح بماله ، هل عند هذا الشحيح علم الغيب أنه سوف ينفد ما في يده من المال حتى يمسك معروفه عن الناس فهو يرى ذلك عياناً ؟ ليس الأمر كذلك وإنما إمساكه عن المعروف والبر بخلاً وشحاً وهلعاً، أم لم يخبر بما ورد في التوراة التي جاء بها موسى عليه السلام ، وأم لم يخبر بما ورد في الصحف التي جاء بها إبراهيم الذي وفى بما أمره الله به وبلغه وأدى رسالته إلى خلقه ، أنه لا تحمل نفس ذنب غيرها بل كلٌ مسئول عن عمله ومجزي به ، وأن ليس للعبد من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه ، وإن سعي العبد يبصر يوم القيامة فيجازى عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، ثم يجازي الله العبد على عمله الجزاء الأكمل الذي لا نقص فيه ، وإن إلى ربك نهاية ومرجع المخلوقين يوم القيامة وأعمالهم للجزاء والحساب ، وأنه – سبحانه - هو خلق الضحك والبكاء في عبادة وأفرح من شاء فأضحكه ، وأحزن من شاء فأبكاه، وأنه ، سبحانه ـ هو أمات في الدنيا وأحيا في الآخرة وخلق الموت والحياة ابتلاء واختبارا لعباده ،وأنه ،سبحانه ،خلق الصنفين الذكر والأنثى ، خلق الزوجين من مني الذكر إذا صب في رحم الأنثى ، وأن على الله بعث الخلق بعد موتهم يوم القيامة للحساب والجزاء، وأنه ـ سبحانه ـ هو أغنى بعض عباده بأن ملكهم المال وأخر لهم وأعطاهم ما يقتنونه ويدخرونه كما شاء ، وأنه ـ سبحانه ـ هو رب وخالق هذا النجم ( الشعرى ) وهو كوكب خلف الجوزاء كان المشركون يعبدونه 0
بعض الدروس من الآيات :
1) أيها العبد : لنحذر من الإعراض عن القرآن وسنة رسول الله  وهذا الأعراض ينقسم إلى قسمين :
أ‌- إعراض كلي وهذا من وقع فيه فهو كافر الكفر الأكبر كاليهود والنصارى والمشركين والمنافقين كما قال تعالى (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى )) الآيات .
ب‌- إعراض جزئي فإن كان إعراضاً عن الأصول كالاعراض عن الإيمان بالقدر أو عن الإيمان بكتب الله المنزلة أو إعراض عن توحيد الله كما يفعل عباد القبور عند البدوي والعيدروس وغيرهم فهذا يعتبر إعراضاً كلياً فهو كفر أكبر وإن تسمى صاحبه بأنه مسلم وإن كان إعراضاً عن بعض الواجبات بتركه كسلاً فقط كترك الصلاة المفروضة الخمس أو ترك بعضهاً فهذا كفر أكبر لقوله  في حديث جابر ((بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ)) (رواه مسلم) ،وإن كان الإعراض بترك بعض الواجبات الأخرى كسلاً مما لا يكفر بتركه أو تركه طمعاً في مال أو رياسة لا كرها لذلك الواجب كمن ترك الأمانة وخان فيها وكمن ترك صلاة الجماعة كسلاً فهذا الإعراض فسق ولا يكفر به ، أخي المسلم : إذا بلغك شيء عن الله أو عن رسوله  مما أمر به أو نهى عنه فعليك الامتثال بفعل المأمور وترك المنهي عنه مما حرمه دين الإسلام فإن لم تفعل فأعلم أن عندك شيئا من الإعراض وتب إلى الله فوراً .
2) أيها المسلم : أنفق في الصدقات في وجوه الخير لوجه الله الكريم وإذا أنفقت :
أ‌- أبشر بالخلف من الله والزيادة لك من الله عز وجل وقد قال  لبلال ((أنفق يا بلال ! و لا تخش من ذي العرش إقلالا)) رواه البزار عن بلال (صحيح) .
ب‌- لا تحص ما تنفق ( لا تعده ولا تقل أنفقت كذا أو كذا ) بل تصدق بلا إحصاء ولا عد .
ت‌- لا توع ولا تربط على المال ولا تحرص عليه بتكديسه في الأرصدة بل أنفق منه (( هكذا وهكذا )) في كل وجوه الخير والبر وقد قال  في حديث أسماء ((أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ)) رواه الشيخان .
3) أخي المسلم:لنحرص أنا وأنت على ما ينفعنا بعد موتنا ولنجتهد في ذلك من اليوم بتحقيق ما يلي :
أ‌- بكل عمل صالح نقدمه ونحن أحياء ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )
ب‌- حاول واجتهد في تربية أولادك أن يكونوا صالحين حتى يدعوا لك بعد موتك .
ت‌- أعمل لك صدقة جارية سواءاً وقفاً على حلقات القرآن الكريم أو على الذرية أو الفقراء أو ببناء مسجداً وغير ذلك من أعمال الصدقات التي تبقى بعد موتك .
ث‌- اجتهد في احظار علم ينتفع به كطبع كتب العلم والتأليف والنشر للعلم الذي ينفع وقد قال  ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة .
ج‌- اجتهد في إحياء سنة من سنن هذا الدين وادع إليها فقد قال  في حديث أبي هريرة((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا)) (رواه مسلم) ، وفي الحديث (( من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة)) الحديث(رواه مسلم) ، أخي أعلم أنك بعد موتك تكون في قبرك ولا أحد يفكر فيك إلا من رحم الله ممن يدعوا لك فاجتهد في ما يأتيك بعد موتك حتى لا تبقى في قبرك قد انقطع عملك .
4) أيها المسلم : إنني وإياك راجعون إلى الله لكن هل فكرنا في رجوعنا إلى ربنا بعد الموت ويوم القيامة فاستعددنا له غاية الاستعداد بكل عمل صالح خاضعين لله مقبلين على ما يرضيه منتهين عما يسخطه مستغفرين تائبين فيا أخي تفكر في هذا الموضوع جيداً لأنه لا بد من حصوله فالعاقل يحسب له كل حساب وأما السفيه فإنه لا يفكر في ذلك ولا يستعد له بل جعل حياته كلها ضحكاً ولعباً ولا يدري ما وراءه وقد قال  في حديث أبي ذر ((إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ)) رواه الترمذي (حسن) إن المعاد إلى الله إلى الجنة أو إلى النار .
5) أيها المسلم :
س1 : من الذي أعطاك ما يسرك فأضحكك ؟
ج1: إنه الله وحده .
س2ـ : من الذي قدر عليك المصائب فحزنت : وبكيت ( أبكاك )
ج2 ـ إنه الله وحده .
س3: من الذي خلقك من نطفة تصب في الرحم ؟
ج 3: إنه الله وحده .
س4 : من الذي سيبعثك ويجازيك ؟
ج4: إنه الله وحده .
س5: من الذي أغناك وأعطاك ما تدخره من الأموال وغيرها ؟
ج5: إنه الله وحده .
إذن فاعبد الله وتوكل عليه , واجعله مقصدك في عملك وقولك ونيتك وتوجه إليه عابداً ولنعمه شاكراً ولما عنده من الخير مؤملاً ومن عذابه خائفاً واعلم أنه هو سبحانه الذي يحفظك ويرعاك فأخلص له العبادة وقم في نشر دينه داعياً إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ومنفقاً على عباده الفقراء والمساكين فانك تجد ذلك عند الله واجعل أمورك كلها لربك فإنه هو المعين والموفق ومن تمسك بطاعته نجا وأفلح في الدنيا والآخرة . والله الموفق

الآيـــات
{ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62) }
التفسير :
وأن الله أهلك عاداً الأولى وهم قوم هود فقد أخذهم الله بالعذاب لما كذبوا رسول الله هوداً ، وأهلك ثمود وهم قوم صالح فقد أخذهم الله بالعذاب الشديد لما كذبوا صالحاً فلم يبق منهم أحداً ، وأهلك الله قوم نوح من قبل هؤلاء الأمم ، إنهم كانوا أشد تمرداً وأعظم جرما من الذين من بعدهم ، وقرى قوم لوط قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود فأهلكهم ودمرهم ، فغشاها من العذاب ما غشاها من العذاب الشديد المهلك ، فبأي نعمة من نعم الله التي أنعم بها عليك وعلى الخلق تشكك أو تكذب أيها الإنسان ، هذا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نذير أرسل من عند الله يخوف بعذاب الله كما أرسل المرسلون من قبله وليس بدعاً من الرسل ، قربت القيامة ، ليس للقيامة أحد يدفعها من دون الله ولا يكشف أمرها ويظهره إلا الله ولا يعلم وقت قيامها إلا الله وحده ، أفمن هذا القرآن تعجبون ـ أيها المشركون ـ من أن يكون صحيحا وتكذبون به وهو منزل من عند الله ؟ ،وتضحكون ـ أيها المشركون ـ من هذا القرآن سخرية واستهزاءاً ولا تبكون خوفاً من وعيده وقوارعه كما يفعل الموقنون به ، وأنتم لا هون في اشتغالكم بالباطل كالغناء وغيره معرضون عن الاتعاظ , غافلون عما أمركم الله به،فاسجدوا لله واخضعوا له وأخلصوا له العبادة وحده دون سواه ؟ 0

بعض الدروس من الآيات :
1) أخي المسلم : لقد قربت القيامة ولقد قال  في حديث أنس وسهل بن سعد((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ)) رواه الشيخان ، ألا فلنستعد للقيامة فإنها قريبة وأمرها (( كلمح البصر بل هو أقرب )) ولنعمل يا أخي المسلم طالبين ما عند الله في الدار الآخرة ولا يكن عملنا للدنيا فقط وقد قال  في حديث أبي ((بشر هذه الأمة بالسناء والدين و الرفعة و النصر و التمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب)) رواه أحمد وابن حبان (صحيح) .
2) أيها المسلم : إن رسولنا محمد  نذير بين يدي عذاب شديد ، بل هو كمن أعجله شدة ما عاين من الشر عن أن يلبس عليه شيئاً فبادر إلى إنذار قومه قبل حلول الشر بهم فجاءهم عريانا مسرعا حتى قال  في حديث أبي موسى ((إني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء)) (رواه الشيخان) إذا كنا عرفنا أنه  نذير مسرع خائف علينا من الشر والهلاك فهل اتبعناه في كل ما جاء به ؟ ادرس نفسك في هذا الموضوع ـ ولأدرس نفسي فيه .
3) يا أيها المسلمون : إذا سمعنا هذا القرآن أو قرأناه فهل نبكي خوفاً من الله فإن رسول الله  لما قرأ عليه ابن مسعود القرآن قال حسبك (( فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ )) (صحيح) ، اقرأ وتدبر وتفهم وابك وطبق واعمل مجتهداً في ذلك
4) يا أيها المغنون اتقوا الله ـ يا أيها المستمعون للغناء اتقوا الله ـ يا أيها المخرجون للغناء في قنواتهم ووسائلهم اتقوا الله ـ واعلموا جميعاً أنكم ترتكبون محرماً مفسداً للشباب والرجال والنساء في تعلقهم بالحب والعشق والسعي في انتشار الفاحشة والتفكير فيها وإثارة الشهوات وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أَبُي عَامِرٍ وْ أَبُي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ (( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ )) الحديث رواه البخاري وقال  في حديث عمران ((ليكونن في هذه الأمة خسف و قذف و مسخ و ذلك إذا شربوا الخمور و اتخذوا القينات و ضربوا بالمعازف)) رواه الترمذي وغيره (صحيح) ، الأصل في المعازف التحريم إلا ما خرج بدليل كالدف للنساء في العرس ونحو ذلك .
5) إذا قرأت هذه الآية (( فاسجدوا ... )) الآية ، فاسجد فإن هذا مشروع ( مندوب إليه ) وقد قال ابن عباس (( سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ )) رواه البخاري ، فليسجد القارئ وكل مستمع للقارئ إذا قرأ سجدة ممن حضر من الإنس والجن والرجال والنساء والكبار والصغار من المميزين . والله الموفق




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:08 am

تفسير سورة الواقعة

لفضيلة الشيخ العلامة :

محمد بن شامي شيبة

حفظه الله

الآيـــات
{ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (Cool وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)}

التفسير:

إذا قامت القيامة ، ليس لقيام القيامة نفس تكذب بها إذا قامت وليس لقيامها إذا أراد الله كونها دافع يدفعها ، والقيامة خفضت أعداء الله إلى النار ورفعت أولياء الله إلى الجنة ، إذا حركت الأرض فاهتزت واضطربت اضطراباً شديداً وزلزلت زلزالاً قوياً ، وفتت الجبال فتاً ودكت ، فصارت غباراً مفرقاً منتشراً يسطع ثم يذهب فلا يبقى منه شيء ، وكنتم أصنافاً ثلاثة ، فأصحاب المنزلة العالية ، ما أعظم منزلتهم وأعلى قدرهم وأجزل ثوابهم على أعمالهم الصالحة ، وأصحاب المنزلة الدنيئة الهابطة ، ما أحقر منزلتهم وأخس قدرهم وأحط درجتهم وأسوأ جزاءهم ، والسابقون في الدنيا إلى الإيمان والعمل الصالح وطاعة الله ورسوله  السابقون إلى المطالب العالية والدرجات العلا في الجنة ، أولئك المقربون عند ربهم المكرمون في الدرجات العلا من الجنة ، مقرهم جنات النعيم الدائم الذي لا ينقطع ، يدخل جنات النعيم جماعة كثيرة من الأمم الماضية ومن أمة محمد  ،ويدخل جنات النعيم قليل من آخر أمة محمد  ، وهم في جلوسهم في جنات النعيم على سرر منسوجة بالذهب جميلة ، وهم متكئون على تلك السرر يتقابلون بوجوههم ليس أحد وراء أحد في حديثهم ومجالسهم .

بعض الدروس من الآيات:







1) أخي المسلم : إن الدنيا ليست دار إقامة ورفعة ولكن الآخرة والعمل بالقرآن والسنة هي الرفعة والمنزلة العالية ولذلك فإن الدنيا مهما ارتفع فيها الشيء ولكنه يوضع وقد قال  في حديث أنس ((إن حقا على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدنيا إلا وضعه)) رواه البخاري ، وأما الآخرة فمن رفعه الله فيها فإنه لا يوضع وإنما الرفعة فيها بطاعة الله وطاعة رسوله  وقد قال  ((إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)) رواه مسلم من حديث عمر ، فإن كنا نتطلب الرفعة عند الله في الدار الآخرة فعلينا بطاعة الله وترك معاصيه ومن تخاذل عن طاعة الله ورسوله فهو موضوع يوم القيامة (( خافضة رافعة )) .
2) أيها المسلم : إذا دعي أحدنا إلى طاعة وعمل خيري فليسابق إلى ذلك وليسارع إليه بلا تردد وليجعل أحدنا هذه الآية أمامه (( والسابقون السابقون )) كما لودعي إلى بناء مسجد وهو قادر أو دعي إلى صدقة أو دعي إلى كفالة حلقة قرآن أو دعي إلى حفر بئر للمسلمين أو دعي إلى صيام الاثنين والخميس والبيض أو دعي إلى الإصلاح بين الناس أو دعي إلى محاضرة أو درس أو علم شرعي أو دعي إلى الكتابة في الصحافة والمجلات عن الأمور الشرعية ووعظ الناس وتذكيرهم بربهم أو دعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الخير (( سارع ـ سابق ـ اجتهد ـ لا تتردد )) وقد كان أصحاب رسول الله  إذا دعاهم إلى الخير سارعوا وتسابقوا ولما قال لهم  (( تصدق رجل من صاع بره من درهمه ... إلخ )) ماذا نرى ؟ لقد جاء أحدهم كما في الحديث: قال الصحابي (( فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ)) رواه النسائي (صحيح)) وإن أبا بكر  لما دعي إلى الإنفاق جاء بماله كله وجاء عمر بنصف ماله رضي الله عنهم جميعاً .
3) أخي المسلم : ليكن أحدنا ذا همة عالية في كل شأن من شئونه (( همته عالية في طلب العلم ـ همته عالية في المحافظة على الفرائض بكل دقة ومتابعة نفسه في ذلك ـ همته عالية في المحافظة على النوافل ـ همته عالية في عدم الانتقام لنفسه همته عالية في الدعوة إلى الله عز وجل ـ همته عالية في إصلاح قلبه وسلامة صدره ـ همته عالية في الجود بماله والكرم والنفقة في وجوه الخير وإطعام الطعام ـ همته عالية في المسامحة وطلب الآخرة ـ همته عالية في الذكر والاستغفار والتوبة وبذل المعروف ـ همته عالية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ همته عالية في كل ما هو صالح لأمته من ضروب الخير ولقلبه ونفسه من الأعمال الصالحة ـ بل تكون همته عالية في دعائه ربه فيدعوا الله عز وجل بجوامع الدعاء الوارد في القرآن والسنة ويكون ملحاً في دعاء ربه معتمداً عليه ولا يقول ما نهاه عنه رسوله  لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ وَلْيَعْزِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ)) (صحيح) ، بل يسأل ربه الجنة ويطلبه أعلاها وهي الفردوس كما قال  ((وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا دَرَجَةً وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الْأَرْبَعَةُ وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ )) (صحيح)
4) أخي المسلم : اجعل بقية عمرك ترقياً في درجات الخير وتنقلاً من طاعة إلى طاعة ومواظبة على كل ما يقربك إلى ربك فإن الدنيا راحلة ذاهبة وكل يوم وأنا وأنت نقترب من الآخرة (( مقام الرفعة ـ ومقام الدنو والانخفاض )) ، وليكن أحدنا من أولئك القلة (( وقليل من عبادي الشكور )) ولا ينظر أحدنا إلى الناس ولكن ينظر في أمر نفسه وما يصلح لها بعد موته ويكون فيه منفعته في آخرته التي تدنوا منه كل ثانية . والله الموفق0









الآيـــات
{ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40)}
التفسير:
يطوف على أهل الجنة غلمان يخدمونهم مخلدون على صفة واحدة لا يكبرون عنها ولا يشيبون ولا يتغيرون ولا يموتون ، بأكواب لا خراطيم لها ولا آذان وأباريق لها خراطيم وآذان وكأس والجميع من خمر من عين جارية في الجنة ، وهذه الخمر لا تصدع رؤوسهم ولا تذهب عقولهم بل هي ثابتة مع اللذة الحاصلة بشربها ، ويطوف الغلمان على أهل الجنة بفاكهة مما يتخيرون من أصنافها وأنواعها، ويطوفون على أهل الجنة بلحم طير مما يشتهيه أهل الجنة ، ولأهل الجنة فيها نساء حسناوات واسعات العيون مع جمالها، كأن هؤلاء النساء في الصفاء والجمال والحسن والبهاء اللؤلؤ المحفوظ في صدفه عن مس الأيدي له ونظر العيون إليه ، وهذا النعيم هو جزاء لأهل الجنة بما كانوا يعملونه من الصالحات ، لا يسمع أهل الجنة فيها كلاماً لا غياً لا معنى له أو مشتملاً على معنى حقير ، ولا ما يأثم قائله وسامعه ، إلا أنهم يسمعون قولاً هو التسليم عليهم من الملائكة ومن بعض على بعض ، وأصحاب اليمين ما أعلى منزلتهم وقدرهم ، عندهم في الجنة سدر لا شوك فيه بثماره الغريبة ، وشجر موز متراكم الثمر فبعضه فوق بعض ، وظل ممتد لا يزول ولا ينقص ولا يتحول ،ولهم في الجنة ماء مصبوب يجري متدفقاً في غير أخدود ، وفاكهة كثيرة متنوعة ، غير مقطوعة في زمن بل في كل وقت ولا تمنع عنهم بل متى طلبوا وجدوا، ولهم في الجنة فرش عالية على السرر الرفيعة ، إنا أنشأنا النساء في الجنة للمتقين إنشاءاً جديداً متكاملاً غير ما كن عليه في الحياة الدنيا ، فجعلنا نساء الجنة كلهن أبكاراً عذارى ، متحببات إلى أزواجهن حسنات التبعل على سن واحد متراضيات بينهن ليس بينهن تباغض ولا تحاسد ، جعلنا هؤلاء النساء الأبكار المتساويات في السن لأصحاب اليمين ، طائفة كثيرة من الأمم الماضية ، وطائفة كثيرة من هذه الأمة .
بعض الدروس من الآيات:
1) أيها المسلم : إن أهل الجنة في نعيم مقيم كما قال في حديث أبي سعيد ((في الجنة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر)) رواه البزار ورواه مسلم عن سهل بن سعد (صحيح) ، فهل وعينا ذلك فسارعنا إلى الجنة بكل ما تحمل هذه الجملة ( المسارعة ) يا أخي سارع إلى الجنة فهي دار الراحة والسرور والحبور والمآكل الطيبة والمشارب العذبة والفواكه المتنوعة واللحوم اللذيذة والنساء الجميلات العذارى الأبكار ذوات الأخلاق الكريمة وما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون ، وهي دار كل نعيم في القول والفعل
2) أخي المسلم : (( مما جاء في فاكهة الجنة )) أسأل الله أن يجعلنا من أهلها ، ما جاء في حديث أنس قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا ، فربما رأى الرجل الرؤيا فسأل عنه إذا لم يكن يعرفه ، فإذا أثني عليه معروفا ، كان أعجب لرؤياه عليه . فأتته امرأة فقالت : يا رسول الله ، رأيت كأني أتيت فأخرجت من المدينة ، فأدخلت الجنة ، فسمعت وجبة (1) ارتجت لها الجنة ، فنظرت فإذا فلان بن فلان ، وفلان بن فلان ، فسمت اثني عشر رجلا - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث سرية بمثل ذلك - فجيء بهم عليهم ثياب طلس (2) ، تشخب (3) أوداجهم ، فقيل : اذهبوا بهم إلى نهر البيذج - أو البيرح - قال : فغمسوا (4) فيه ، فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر ، فأتوا بصفحة من ذهب فيها بسرة (5) ، فأكلوا من بسره ما شاءوا ، فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من الفاكهة ما أرادوا ، وأكلت معهم ، فجاء البشير من تلك السرية ، فقال : كان من أمرنا كذا وكذا ، فأصيب فلان وفلان ، حتى عد اثني عشر رجلا ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة فقال : « قصي رؤياك » . فقصتها وجعلت تقول : جيء بفلان ، وجيء بفلان ، كما قال)) رواه أبو يعلى وقال الحافظ المقدسي هذا على شرط مسلم .
3) أخي المسلم : (( مما جاء في صفة طير الجنة )) عن أنس بن مالك قال ((سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْكَوْثَرُ قَالَ ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ قَالَ عُمَرُ إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَتُهَا أَحْسَنُ مِنْهَا )) رواه الترمذي (صحيح) .
4) أخي المسلم : (( مما جاء في ظل الجنة ) جعلنا الله وإياك من أهلها ، عن أبي هريرة أن النبي  قال ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { وَظِلٍّ مَمْدُودٍ })) رواه الشيخان ، وقال  في حديث أبي سعيد وسهل بن سعد ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا)) رواه الشيخان .
5) أيها المسلم : (( مما جاء في عناقيد الجنة )) جعلنا الله من أهلها ، قوله  ((إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا )) رواه الشيخان ، وفي لفظ ((فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ لِآتِيَكُمْ بِهِ فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَوْ أَتَيْتُكُمْ بِهِ لَأَكَلَ مِنْهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يُنْقِصُونَهُ شَيْئًا)) رواه أحمد (صحيح) .
6) أيها المسلم : (( مما جاء في من يصل إليه الرجل من النساء الأبكار في اليوم في الجنة )) قوله  في حديث أبي هريرة (( قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،"هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ؟، فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ)) رواه الطبراني وقال الحافظ أبو عبد الله المقدسي على شرط الصحيح .
7) أيها المسلم : عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله  قال ((سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً قَالَ هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ ادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ قَالَ رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ )) رواه مسلم ، ألا فلنشمر إلى الجنة ولنجتهد في طلبها كل وقت وحين .
Cool كثرة من يدخل الجنة من أمة محمد  وقد قال  في حديث زيد بن أرقم لأصحابه ((مَا أَنْتُمْ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّنْ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ)) رواه أحمد وأبو داود والحاكم (صحيح) .
9) في حديث ابن عمر أن رسول الله  قال : (( إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط إن مما يغنين : ; نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ; ينظرن بقرة أعيان ; و إن مما يغنين به : ; نحن الخالدات فلا يمتنه نحن الآمنات فلا يخفنه ; نحن المقيمات فلا يظعنه)) قال الشيخ الألباني صحيح .

الآيـــات
{ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)}
التفسير:
وأصحاب الشمال ما أسوء مقرهم ومصيرهم فأي شيء هم فيه ، إنهم في هواء شديد الحرارة يشوي وجوههم وماء بلغ نهايته في الحرارة والغليان يصب عليهم ويسقونه فيقطع أمعائهم، وظل من دخان شديد السواد والحرارة ، لا بارد على الأجسام كغيره من الظلال ، ولا حسن المنظر ،إنهم كانوا في الدار الدنيا منعمين على لذات أنفسهم بما حرم الله عليهم لا يلوون على ما جاءتهم به رسل الله ، وكانوا يصرون بإقامتهم على الذنب العظيم وهو الكفر بالله ولا يتوبون منه إلى ربهم ، وكانوا يتولون تكذيباً بيوم القيامة واستبعاداً له : إذا متنا وأصبحنا تراباً وعظاماً مفتته كيف نبعث ؟ إن هذا لبعيد ، كيف نبعث بعد أن نكون تراباً وعظاماً نحن وآباؤنا الذين ماتوا قبلنا وأصبحوا تراباً وعظاماً ؟ إن هذا لمستبعد ، قل يا رسولنا لهم : إن الأولين والآخرين من بني أدم والجن ، سيجمعون إلى عرصات القيامة في يوم معلوم محدد عند الله لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص ، ثم إنكم أيها الضالون عن طريق الهدى المكذبون لله ولرسوله  وبالبعث والحساب والجزاء ، لآكلون في نار جهنم من شجر من الزقوم الكريه المنظر والريح والطعم ، فمالئون بطونكم من شجر الزقوم ، فشاربون على الزقوم من الماء الذي بلغ الغاية في حرارته وغليانه ، وسوف تشربون من الحميم كثيراً كشرب الإبل التي اشتد بها العطش فهي لا تدري لما أصابها المرض، هذا الذي وصفناه من الطعام ( الزقوم ) والشراب ( الحميم ) هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم .

بعض الدروس من الآيات:
1) أخي المسلم : لقد ذكر الله لنا في هذا القرآن :
أ‌- ضيافة المؤمنين الذين عملوا الصالحات عند ربهم يوم القيامة كما قال تعالى (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا )) ، وقال  في حديث أبي سعيد ((تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ)) رواه الشيخان ، وقال  في حديث أنس ((أول شيء يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت)) رواه البخاري ، هل نحن عقلاء فنشمر إلى الجنة وإلى تلك الضيافة الكريمة من رب رحيم ؟ لنجتهد ـ لنسارع إلى الجنة ـ لنسابق ـ لنصر على الطاعات وعدم الذنوب حتى نلقى الله ـ لندع الله في طلب الجنة ـ لنسأل الله الجنة ـ لنقرأ عن الجنة في هذا القرآن وسنة رسول الله  ـ وعن صفات أهلها لنحققها ونعمل بها .
ب‌- ضيافة المجرمين المعرضين عن الله المكذبين لله ورسله وهي أكلهم من شجر الزقوم أكلاً كثيراً ويشربون عليه من الماء الحار شرباً كثيراً جداً فتلك ضيافتهم (( فلنهرب من النار ومن الأسباب التي تؤدي إليها وقد قال  في حديث حارثة الخزاعي ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ)) رواه الشيخان ، ولنجتهد في الهروب من النار بالليل والنهار وقد قال  في حديث أبي هريرة ((ما رأيت مثل النار نام هاربها و لا مثل الجنة نام طالبها)) رواه الترمذي (حسن) ، ولنذكر النساء فيذكر أحدنا زوجته وأمه وبنته وأخته وقريبته وجيرانه والنساء عموماً أن يهربن من النار وأن يجتهدن في ذلك في تجنب أسباب عذاب الله وقد قال  في حديث ابن عباس ((اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ)) رواه الشيخان .
2) الحذر من الترف والتلذذ بالمحرمات وشهوات الدنيا التي حرمها الله عز وجل وليعلم أولئك المترفون أنهم سيلاقون الله فماذا سيقولون ؟ (( يأيها المترفون بأموالكم فيما حرم الله عليكم اتقوا الله عز وجل واتركوا الذنوب وعودوا إلى الله وتوبوا إليه وأصلحوا فيما بقي من أعماركم واستعدوا للموت والآخرة واستحيوا من الله الذي رزقكم المال والغنى فعصيتموه به وتحدثوا بنعمة الله وضعوها في طاعة ربكم وقد قال  في حديث النعمان بن بشير ((التحدث بنعم الله شكر ، وتركها كفر)) الحديث رواه البيهقي في الشعب (حسن) .
3) أيها المسلم : إن علي وعليك إذا وقع من أحدنا الذنب أن يتوب إلى الله فوراً ولا يصر على الذنب فإن الإصرار على الذنوب خطر على العبد حتى لو أصر على صغيرة فإنها قد تصبح كبيرة بإصراره عليها فلنستغفر الله لذنوبنا وقد قال  ((لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ)) رواه مسلم ، ولنعلم أن رحمة الله خير لنا من أعمالنا وقد قال  في حديث زيد بن ثابت وأبي بن كعب ((لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ)) رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد (صحيح) .















الآيـــات
{ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)}
التفسير:
نحن ابتدأنا خلقكم ـ أيها العباد ـ بعد أن لم تكونوا شيئاً ، فلم لا تصدقون بالبعث بعد الموت ، فالذي قدر على ابتداء خلقكم قادر على إعادتكم بطريق الأولى ، أخبروني عن المني الذي تصبونه في أرحام نسائكم، هل أنتم تخلقون هذا المني بشراً أم نحن الخالقون لذلك ؟ نحن قضينا بالموت عليكم ، وما نحن بعاجزين أن نغير خلقكم إلى خلق أخر ، فنحن قادرون على أن نغير خلقكم يوم القيامة وأن ننشئكم في ما لا تعلمونه من الصفات والأحوال والصور، ولقد علمتم أنا أنشأنا كم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على خلقكم ابتداءً قادر على إحيائكم مرة أخرى ، أخبروني عن البذر الذي تلقونه في الأرض، هل أنتم تنبتونه في الأرض أم نحن المنبتون له المخرجونه زرعاً ؟ نحن الزارعون له ، لو نشاء لجعلنا الزرع محطماً يابساً مفتتاً قبل استوائه واستحصاده لظللتم تعجبون مما نزل بزرعكم من اليبس والحطم قبل حصول فائدته ، وتقولون : إنا لمغرمون ما أنفقناه على حرثه وبذره والقيام عليه ، وهذا عذاب عذبنا به، بل نحن محرومون فائدة هذا الزرع وثمرته ولا نصيب لنا فيه، أخبروني عن الماء العذب الذي تشربونه ، هل أنتم أنزلتموه من السحاب إلى الأرض أم نحن الذي أنزله لكم ؟ بل نحن المنزلون له رحمة بكم ، لو نشاء جعلنا هذا الماء مالحاً مراً لا يصلح لشرب ولا لزرع ، فلم لا تشكرون الله عليه فتعبدونه وحده لا شريك له وتتابعون رسوله  .

بعض الدروس من الآيات:
1) أيها المسلم : لنتفكر في خلقنا من هذا الماء المهين ( المني ) وأنا وأنت ضعفاء لا حول لنا ولا قوة إلا بالله العظيم وأن من عصى ربه فلن يستطيع أن يفلت من ربه فنحن في قبضته وتحت قهره ولن نعجز الله فيجب علينا طاعة الله عز وجل بفعل أوامره وترك نواهيه ومتابعة رسوله  وقد قال بسر بن جحاش القرشي ((بَزَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفِّهِ ثُمَّ وَضَعَ أُصْبُعَهُ السَّبَّابَةَ وَقَالَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّى تُعْجِزُنِي ابْنَ آدَمَ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ فَإِذَا بَلَغَتْ نَفْسُكَ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ قُلْتَ أَتَصَدَّقُ وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ)) رواه ابن ماجه (صحيح) .
2) أيها العباد : ليقف أحدنا عند حرثه في مزرعته أو غيرها من أماكن الحرث ليتفكر في هذه الزروع والثمار أن الذي أخرجها هو الله فلا يستطيع أحد أن ينبت حبة واحدة حتى لو اجتمع من في السموات والأرض من الخلق وهذا دال على قدرة الله العظيمة وضعف الخلق كلهم وفي الحديث (( فليخلقوا ذرة )) فإذا كانوا عاجزين عن خلق حبة شعير فعلينا أن لا نعلق قلوبنا بالخلق سواءً بالموتى من أصحاب القبور كما يفعل القبوريون اليوم أو من الأحياء الذين هم عاجزون عن ذلك وليتوجه أحدنا إلى ربه سبحانه خوفاً منه وحباً له واستجابة لأمره ونهيه وليشكر الله على ما أنعم به عليه ويعلم أن النعم هي من الله فيشكر ربه ويثني بها عليه وينفقها في طاعته (( نعمة المال ، نعمة الصحة ، نعمة الحبوب والثمار ، نعمة الفراغ ، نعمة الكلام ، نعمة الوجاهة ، نعمة السمع والبصر ، وغيرها . والله الموفق
3) أيها العباد : هل تفكرنا في نعمة الماء الذي نشربه ولا نستغني عنه والذي تسقي منه مزارعنا وأشجارنا فمن الذي أنزله لنا من السحاب ومن الذي يسر تحليته من البحار ؟ إنه الله عز وجل الذي يسر ذلك كله وجعل من الماء كل شيء حي ، إن في إنزال الماء دلالة على قدرة الله العظيمة فوجب أن نعبد الله وحده دون سواه فهل نشكره على نعمه ونثني بها عليه وقد قال  في حديث أنس ((إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا)) رواه مسلم ،ومن آداب الأكل والشرب:
أ‌- التسمية على الشراب ، والشرب باليمين وقد قال في حديث ابن عمر ((إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ)) رواه مسلم .
ب‌- ومن آداب الشرب أن يتنفس ثلاثاً وفي حديث أنس أنه  كان
((إذا شرب تنفس ثلاثا ويقول : « هو أهنأ وأمرأ وأبرأ)) رواه الشيخان .
ت‌- من شرب لبناً فليقل ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ)) وقد قال  في حديث ابن عباس ((إذا أكل أحدكم طعاما فليقل : اللهم بارك لنا فيه و أبدلنا خيرا منه و إذا شرب لبنا فليقل : اللهم بارك لنا فيه و زدنا منه فإنه ليس شيء يجزي من الطعام و الشراب إلا اللبن)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه (حسن) .
ث‌- حمد الله على الأكله والشربه (( كما مر في حديث أنس )) .
أيها المسلم : لنحمد الله الذي سوانا في هذه الخلقة ( في أحسن تقويم ) ولو شاء الله لجعلني وجعلك في خلقة أخرى وانظر أيها المسلم في من حولك من الأطفال المنغوليين أو التوحد أو غيرهم ممن أراد الله أن يجعلهم في تلك الخلقة فهل وعينا ذلك وعدنا إلى ربنا قائمين بأمره منتهين عن نهيه شاكرين نعمه مقبلين عليه مكثرين من الاستغفار والتوبة والندم على ما فرطنا وأضعنا من أعمارنا وهل دعونا الناس إلى دين الله العظيم ( الإسلام ) وذكرنا بآيات الله مما في القرآن والسنة من كل ما خلقه الله .

الآيـــات
{ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) ) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)}
التفسير:
أخبروني عن النار التي تشعلونها لطعامكم ومصالحكم ، هل أنتم خلقتم شجرتها التي توقد منها النار أم نحن الخالقون لها ؟ بل نحن لا أنتم ، نحن جعلنا هذه النار تذكركم بنار جهنم وجعلناها بلغة للمستمتعين من المسافرين والجائعين وغيرهم من الناس يتبلغون بها في منافعهم من طبخ واستدفاء وإضاءة وغير ذلك من المنافع ، فنـزه الله عن كل نقص وسبح بحمده الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة كالماء والنار وجعل ذلك مصلحة لعباده ، فأقسم بمساقط النجوم لغروبها أو لغير ذلك ، وإن قسمي بمواقع النجوم لقسم عظيم الأهمية لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم عليه ، إن هذا القرآن الذي أنزله الله على رسوله  لقرآن عظيم النفع عالي القدر رفيع المكانة ، في كتاب محفوظ مصون ( اللوح المحفوظ )) لا يمسه في اللوح المحفوظ إلا الملائكة المطهرون من الذنوب وغيرها من الأدناس ، وهذا القرآن منزل من رب العالمين وحياً إلى رسول الله  ، أفبهذا القرآن الكريم أنتم أيها المشركون مكذبون غير مصدقين ، مع أنه حق من عند الله تعالى ؟ وتجعلون شكركم الله على رزقه إياكم أنكم تكذبون بصرف النعم إلى غير الله فتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا فلم تكونوا شاكرين الله وإنما جعلتم ذلك لغيره .
بعض الدروس من الآيات:
1) أيها العباد : ما منا من أحد إلا وعنده ( نار ) في مطبخه أو في بيته لكن هل وقف أحدنا فتذكر هذه النار التي تذكره بنار جهنم فيتنبه من غفلته ويقوم من رقدته ويعود إلى ربه وينتهي عن معصيته ، إن كل شخص يعصي الله عز وجل ولا يستحي منه كما يفعل أصحاب عبادة القبور وأصحاب القنوات الهدامة ، وأهل الكفر والنفاق ، والظلمة ، وغيرهم من أصحاب المعاصي فعليهم أن يقفوا لحظة واحدة عند النار بل ويسألون أنفسهم هل يستطيع أحدهم أن يضع يده فيها علماً أن هذه النار التي عندنا هي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم كما قال  في حديث أبي هريرة ((نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ قَالُوا وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا)) رواه الشيخان ، وفي لفظ في الحديث (( والذي نفسي بيده لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها )) (صحيح) .
2) أخي المسلم : لنتذكر نار جهنم عندما نعيش في أيام الحر الشديد أو في أيام البرد الشديد لأن ذلك من أنفاس نار جهنم وقد قال  في حديث أبي هريرة ((اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهْوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ)) رواه الشيخان ، ففي أيام الحر لنتذكر النار فلا نعصى الله وفي أيام البرد لنتذكر النار فلا نعصى الله . والله الموفق
3) أخي المسلم : لنتذكر أن هذه النار التي عندنا هي من نعم الله علينا في مصالحنا وذلك أنها قد يسر الله لنا الانتفاع بها وقد قال  في حديث أبي هريرة ((إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ)) رواه أحمد (صحيح) ، فلنشكر الله الذي يسر لنا ذلك ولنعبده وحده دون سواه ولننته عن معصيته . والله الموفق
4) أيها المسلم : اعتن بهذا القرآن فقد أوصانا به رسول الله  وقال في حديث أبي سعيد ((وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ وَذِكْرُكَ فِي الْأَرْضِ)) رواه أحمد (حسن) ، اعتن به تلاوة وفهماً وتدبراً وعملاً .
5) يحرم على المحدث حدثاً أصغر أو أكبر أن يمس القرآن ، سواءً كان المصحف ، أو كانت ورقة قد كتب فيها القرآن فلا يباشر مس القرآن بيده وقد قال  في حديث ابن عمر ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) (صحيح) ، ويحرم السفر بالقرآن إلى أرض العدو ( الكفار ) مخافة أن يناله العدو وفي حديث ابن عمر أنه  ((نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ)) رواه الشيخان .
6) يحرم نسبة النعم إلى غير الله كنسبة المطر إلى النجم والنوء وقد قال  ((هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ )) الحديث وفيه ((فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ)) رواه الشيخان ، وهذا الكفر في الحديث ونسبة النعم إلى غير الله :
أ‌- إن نسب النعمة إلى غير الله خلقاً وإنشاءً فهذا ( كفر أكبر ) مخرج من الملة .
ب‌- وإن نسب النعمة إلى غير الله كنسبتها على أن الكوكب سبب فقط فهذا كفر أصغر ( كفر دون كفر ) وكل من اعتقد ما ليس بسبب سبباً في ذلك فهو ( شرك أصغر ) وإن اعتقده فاعلاً مؤثراً أواعتقد السبب فاعلاً مؤثراً بنفسه فهذا ( شرك أكبر ) . والله أعلم 0
















الآيـــات
{ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)]}
التفسير:
فهل إذا بلغت روح أحدكم حلقه حين احتضاره تستطيعون أن تردوها عليه ؟ وأنتم في هذا الحال تنظرون إلى المحتضر وما يكابده من سكرات الموت ولا تقدرون على نفعه بمنع الموت عنه ، ونحن أقرب إليه منكم بملائكتنا واطلاعنا وعلمنا ولكن لا ترون الملائكة ، فهل تستطيعون إن كنتم غير محاسبين على أعمالكم، ترجعون هذه الروح التى بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول ومقرها في الجسد إن كنتم صادقين في إرجاعها ؟ فأما إن كان المحتضر من الذين فعلوا الواجبات والمسنونات وتركوا المحرمات والمكروهات ، فلهذا الذي هو من المقربين راحة عند الموت ورحمة من الله وبشارة بكل خير وفرح وسرور وله جنة نعيم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وأما إن كان المحتضر من الذين فعلوا الواجبات وتركوا المحرمات وهم دون المقربين في الدرجة ، فتبشره الملائكة عند الموت : سلام لك من عذاب الله ومن كل الشرور والمخاوف ولا بأس عليك فأنت إلى سلامة، وأما إن كان المحتضر من المكذبين بالقيامة والبعث والجزاء الضالين عن الهدى ودين الحق، فضيافته في نار جهنم أنه يسقى من الماء الحر الذي بلغ الغاية في الحرارة والغليان (( وسقوا حميماً فقطع أمعائهم )) ، ويحرق في نار جهنم التي تغمره من جميع جهاته إن هذا الذي ذكره الله وأنزله في كتابه وسنة رسوله  لهو الحق الذي لا مرية فيه ، فنـزه الله عن كل نقص وسبح بحمده فإنه العظيم الذي لا أعظم منه في ذاته وربوبيته وألهيته وأسمائه وصفاته .


بعض الدروس من الآيات:
1) أخي المسلم : استعد لساعة الاحتضار ونزول سكرات الموت ، بالإيمان والعمل الصالح لتحصل بفضل الله على البشارة من الملائكة بالمغفرة والرضوان كما قال  في حديث البراء ((إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ قَالَ فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ)) الحديث رواه أحمد وأبو داود (صحيح) ، لنستعد استعداداً حقيقياً لهذا الموقف (( الاحتضار )) .
2) رسالة إلى الكفار والمنافقين : أيها الكفار المعرضون عن دين الإسلام ، أيها المنافقون الذين تظهرون الإسلام وتبطنون الكفر والبغض لدين الله الحق وهو الإسلام اسمعوا ساعة احتضاركم ونزول الموت بكم وماذا فيهما لكم من النكال في قوله تعالى (( وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم )) هل عرفتم هذه الضيافة لكم عند موتكم إنها الماء الذي يغلي وعذاب جهنم واسمعوا ما قاله  حيث قال ((وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ قَالَ فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ)) الحديث رواه أحمد وأبو داود (صحيح) ، أيها اليهود (( يا بني يعقوب )) أيها النصارى (( يا بني يعقوب )) أيها المشركون ـ يا عباد القبور ـ يا عباد البقر وغيرها من الحيوانات والمخلوقات ـ يا بني أدم ـ اتقوا الله جميعاً واعتنوا بساعة نزول الموت بكم فأمنوا بالله ورسوله  واشتروا أنفسكم من الآن (( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) .
3) أنت يا أخي المسلم : الذي اتقى الله فقام بأوامره وترك نواهيه أبشر بالخير عند الموت وبعد الموت فإن روحك بعد الموت هي كما قال  في حديث كعب بن مالك ((إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يبعثه الله إلى جسده يوم يبعثه)) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والإمام مالك (صحيح) (( يَعلُق : يأكل )) فهذه أرواح الموتى من المؤمنين .
4) أما الشهداء فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون ولذا فأرواحهم ليست طيراً وإنما هي في حواصل طيور كما قال في حديث ابن مسعود (( إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في رياض الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش )) (رواه مسلم) .
5) في حديث عقبة بن عامر الجهني قال (( لَمَّا نَزَلَتْ { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } قَالَ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ)) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد (صحيح) ، فحافظ على ذلك في الركوع والسجود لأنه من الأذكار الواجبة .
6) لنكثر من التسبيح والذكر لله عز وجل وقد قال  في حديث أبي هريرة ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ)) رواه الشيخان .









الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:09 am

تفسير سورة الحديد

لفضيلة الشيخ العلامة :

محمد بن شامي شيبة

حفظه الله






بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوي عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)}
التفسير:
نزه الله تعالى وقدسه عما لا يليق به كل ما في السموات والأرض من المخلوقات ، وهو العزيز في ملكه ، الحكيم في صنعه وأقواله وأفعاله وشرعه وجزائه ، لله وحده ملك السموات والأرض وما فيهما يتصرف فيهما كيف يشاء ، يحي بعد العدم ويميت بعد الإحياء ، وهو على كل شيء قدير فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، هو الأول فليس قبله شيء وهو الأخر فليس بعده شيء وهو الظاهر فليس فوقه شيء وهو الباطن فليس دونه شيء وهو بكل شيء عليم فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، هو الله وحده الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام أولها يوم الأحد وأخرها يوم الجمعة ، ثم استوى على عرشه استواء يليق بجلاله ، يعلم ما يدخل في الأرض من مطر وحيوان ونبات وأموات ومعادن وغير ذلك ، ويعلم ما يخرج من الأرض من نبات ومعادن وغير ذلك ، وما ينزل من السماء من ماء ورحمة وعذاب وغيرها وما يصعد في السماء من ملائكة وأعمال صالحة وغير ذلك ، والله معكم بعلمه واطلاعه أينما كنتم ، والله بما تعملون بصير فلا يخفى عليه شيء منكم ، لله وحده ملك السموات والأرض وما فيهما خلقاً وتصريفاً فلا شريك له في ذلك وإلى الله مرد الخلائق يوم القيامة فيجازيهم على أعمالهم فهو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة ، يدخل الله جزء من الليل في النهار كما يحصل في فصل الصيف في بعض البلاد ، ويدخل جزءاً من النهار في الليل كما يحصل في الشتاء ، وهو سبحانه عليم بما في الصدور من الاعتقادات والنيات والأسرار وحديث النفس فلا يخفى عليه شيء من ذلك.
بعض الدروس من الآيات :
1) أخي المسلم : إذا وجد أحدنا شيئاً في نفسه من وسوسة الشيطان فليقل (( هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم )) فقد قال أبو زميل سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ ((مَا شَيْءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي قَالَ مَا هُوَ قُلْتُ وَاللَّهِ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ فَقَالَ لِي أَشَيْءٌ مِنْ شَكٍّ قَالَ وَضَحِكَ قَالَ مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ قَالَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ }الْآيَةَ قَالَ فَقَالَ لِي إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا فَقُلْ{ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ })) رواه أبو داود (حسن) .
2) أيها المسلم : إذا أراد أحدنا أن ينام فليضطجع على شقه الأيمن ثم يقول ما جاء في الحديث قال سهل ـ أحد الرواة : كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول ((اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) رواه مسلم .
3) من أسماء الله تعالى (( الأول ، والأخر ، والظاهر ، والباطن )) وقد ورد في تفسيرها :
أ‌- من النبي  كما في حديث أبي هريرة ((اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ)) رواه مسلم .
ب‌- إذا علمنا هذه الأسماء الأربعة أثبتناها لله بلا تمثيل (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .
ت‌- إذا علمنا ذلك فكل فضل حصل للعبد فهومن ا لله فليجرد العبد النظر إلى مجرد سبق فضل الله ورحمته وأنه سبحانه هو الذي ابتدأ عبده بالإحسان من غير وسيلة من العبد فمن عقل ذلك وفقهه علم فقره إلى ربه فعلق قلبه به وعبوديته له ، ومن فهم أسمه ( الآخر) لم يركن إلى غيره بل توجه إلى ربه وأخلص أعماله وأقواله كلها لله فليس وراء لله شيء يقصده العبد ويعلق قلبه به (( وأن إلى ربك المنتهى )) وإذا علم أسمه ( الظاهر ) ( والباطن ) جعل ربه مقصده ولم يلتفت إلى غيره البته ، وعلم إحاطة ربه ببواطن الأمور فليطهر لربه سريرته وقلبه لأنها شهادة عند ربه . والله الموفق
4) إثبات صفة ( الاستواء ) لله على عرشه استواء يليق بجلاله وإثبات علو الله على خلقه ( ذاتاً ، وقدراً ، وقهراً )) بلا تمثيل (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .
5) إثبات معية الله في لخلقه وهي تنقسم إلى قسمين :
أ‌- معية عامة : بالعلم والاطلاع والإحاطة وهي مع جميع خلقه (( وهو معكم أينما كنتم )) ، لكن يا أخي أنا وأنت إذا علمنا أن الله معنا بعلمه واطلاعه فهل نستحي منه فلا نعصيه ؟ في أي مكان أو زمان ، إذا أراد أحدنا أن يعصي ربه فليقل في نفسه (( إن الله يعلمني ، إن الله يراني ، إن الله يسمعني ، إن الله مطلع علي ، وليعد إلى ربه تاركاً المعصية تائباً إلى الله عابداً له كأنه يراه وقد قال  في الإحسان ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ )) (رواه مسلم) .
ب‌- معية خاصة : وهي للمؤمنين بالتوفيق والهداية والحفظ والرعاية والتسديد والنصر ونحو ذلك كما قال تعالى (( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) وإذا علمنا ذلك فلنكن ملازمين التقوى والطاعة لله في كل زمان ومكان لنحصل على التوفيق والرعاية من الله لنا وكل خير منه سبحانه ، وكلما كان العبد أكثر تقرباً إلى الله بالطاعات كان أولى بهذه المعية وكان الله أقرب إليه وقد قال قال الله تعالى ((إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)) رواه البخاري من حديث أنس .
6) أخي المسلم : لنحرص دائماً أن يكون الله معنا في معيته الخاصة وهي كما ذكرت ( كلما كان العبد طائعاً لله مقبلاً عليه فالله معه بالتوفيق والسداد ) ومن تلك الطاعات التي نص عليها الحديث وهو قوله  قال الله تعالى ((عبدي أنا عند ظنك بي ، وأنا معك إذا ذكرتني)) رواه الحاكم من حديث أنس (صحيح) ، وفي الحديث الأخر ((و أنا معه إذا ذكرني)) ، فلنكن ذاكرين لله ليكون الله معنا ، معنا بالتوفيق والسداد والرعاية ونحوها . والله أعلم
7) أيها العبد : تأمل وتفكر في هذه المسألة :
(( في بعض الأيام يكون الليل طويلاً والنهار قصيراً ، وفي بعض الأيام يكون الليل قصيراً والنهار طويلاً ومجموع ساعات الليل والنهار (( 24ساعة )) فهذه آية عظيمة أنه سبحانه يدخل الليل في النهار ويدخل النهار في الليل فإذا زاد أحدهما نقص الأخر ، لكن هل أنا وأنت :
أ‌- نقف عند هذه الآية التي ذكرت في آيات كثيرة في القرآن وأنها دالة على عظمة الله وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له فإذا وقفنا عندها عدنا إلى الله لنقدره حق قدره ولنعلم أن الأزمنة والساعات والدقائق هي مطيعة لله عز وجل وهو يقلب هذا الزمان كيف شاء فلنقم نحن بطاعة الله لأنه أمرنا ونهانا وكلفنا وحذرنا من معصيته .
ب‌- لنستغل طول الليل في قيام بعضه فإن الليل إذا طال ، طال ثلثه وأفضل القيام هو قيام داود كما قال  عن داود((كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ)) (صحيح) ، إنها فرصة فلا تفت مني ومنك أيها المسلم .
ت‌- لنستغل قصر النهار وبرودته في الصيام وقد قال  في حديث عامر بن مسعود ((الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ)) رواه الترمذي وقال هذا حديث مرسل عامر بن مسعود لم يدرك النبيوصححه الألباني رحمه الله .

الآيـــات
{ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (Cool هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}
التفسير:
آمنوا بالله ورسوله يا من لم تؤمنوا حتى الآن ، وتصدقوا مما في أيديكم من المال الذي استخلفكم الله فيه فإنه قد كان في أيدي من كان قبلكم ثم انتقل إليكم فالذين آمنوا منكم بالله ورسوله وتصدقوا من أموالهم فلهم ثواب عظيم عند الله ونعيم مقيم في الجنة، وأي عذر لكم في ترك الإيمان بالله ورسوله ، والرسول يدعوكم إلى الإيمان بالله ورسوله وقد أخذ الله عليكم الميثاق وأنتم في صلب أبيكم آدم بأن تؤمنوا بربكم ، إن كنتم مؤمنين الإيمان الصادق بربكم فأقبلوا عليه واستسلموا لدينه لتنالوا السعادة والنجاة ، والله الذي ينزل على عبده ورسوله محمد  آيات واضحات ودلائل باهرات وبراهين قاطعات تبين الحق من الباطل ليخرجكم الله بها من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الإيمان والهدى واليقين ، وإن الله في إنزاله الكتاب وإخراجكم به من الظلمات إلى النور لرؤوف بكم ميسر عليكم ، رحيم بكم ، وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ؟ فأنفقوا ولا تخشوا فقراً فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السموات والأرض وعنده خزائنهما وهو الوارث لكل ما فيهما ، وما بأيديكم هو لله وهبه لكم ومسترده منكم ، فلم لا تنفقون منه ؟ لا يستوي في الفضل والثواب منكم من أنفق وتصدق قبل فتح مكة وجاهد الكفار أولئك أعلى منزلة من الذين تصدقوا من بعد فتح مكة وجاهدوا الكفار ، وكلا ممن أنفق وقاتل قبل فتح مكة وبعدها وعد الله الجنة ، والله بما تعملون خبير فلا يخفى عليه شيء من أعمالكم وسيجازي كلا بعمله ، من هذا الذي ينفق ويتصدق مخلصاً لله في إنفاقه وصدقته فيضاعف الله له ثوابه الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وله أجر كريم عند الله بإدخاله الجنة دار النعيم المقيم ، يوم القيامة تنظر المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم متقدماً لهم وعن إيمانهم على الصراط مضيئاً لهم ، يقال لهم : بشراكم هذا اليوم دخول جنات تجري من تحت غرفها وأشجارها الأنهار خالدين فيها أبداً (( وما هم منها بمخرجين )) ذلك النجاة من النار ودخول الجنة والجزاء الحسن هو الفوز العظيم الذي لا أكبر منه .
بعض الدروس من الآيات :
1) أخي المسلم : انفق وتصدق من المال الذي معك فهو مال الله وإنما أنت مستخلف فيه ، أخي مَالك ممسك بالمال ولا تنفقه في سبيل الله :
أ‌- فلا تخشى فقراً وقد قال  ((لَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ)) (صحيح) رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر ، وقال  ((لا توكئ فيوكأ عليك)) رواه البخاري عن أسماء ، فمن أوكي وربط على المال ليمنع الإنفاق منه ، منع من العطاء ، فلا تمنع النفقة فيمنع عنك العطاء .
ب‌- وأبشر بالخلف أيها المنفق ، وأبشر بالتلف أيها الممسك وقد قالفي حديث أبي هريرة ((مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)) رواه الشيخان .
ت‌- أنفق فما أنفقته لك وما تركته فليس لك كما قال  ((وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ)) رواه مسلم .
2) فُضِل من أنفق وقاتل من الصحابة رضي الله عنهم قبل الفتح على من أنفق من بعد فتح مكة وقاتل منهم رضي الله عنهم ، مع أن أصحاب رسول الله  هم خير القرون وقد قال  ((لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ)) رواه مسلم .
3) من أسماء الله عز وجل : (( الرءوف )) :
أ‌- فنثبت ذلك هذا الاسم لله عز وجل ويتضمن صفة (( الرأفة )) وهذا الإثبات بلا تمثيل كما قال تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .
ب‌- الرأفة : أشد الرحمة وأعلاها وأبلغها وأكملها .
ت‌- الرأفة عامة : للخلق في الدنيا وقد قال تعالى (( إن الله بالناس لرءوف رحيم)) وهي الرأفة العامة ، وأما الرأفة الخاصة : فهي لعباده المؤمنين كما قال تعالي (( ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم )) .
ث‌- أن نعلم أن الله رءوف بعباده فعلينا أن نحبه سبحانه حتى يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما كما قال  في حديث أنس((أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)) (رواه الشيخان) ، فمن أحب الله ورسوله ولكن يكون غير الله ورسوله أحب إليه منهما أو كان حبه مساوياً حبهما فإنه يكون ناقص الإيمان الكامل وجوباً ، وعلينا أن نطيع الله عز وجل فلا نعصيه وأن نشكره فلا نكفره ، وأن نتوب إليه لنحصل على رحمته ورأفته الخاصة بالمؤمنين (( ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم )) أخي المسلم لندرس أنفسنا أمام هذه الأمور وتطبيقها . والله الموفق
4) من أسماء الله (( الخبير )) :
أ‌- وهو الذي علم كل شيء وأحاط علمه بالبواطن والخفايا والظواهر والسر والعلن في المعقولات والمحسوسات فلا يخفي عليه شيء ، فنثبت له هذا الاسم بلا تمثيل (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .
ب‌- أخي المسلم : إن الله خبير بأعمالنا فعلينا أن نراقب ربنا في أقوالنا وأعمالنا وأن نتوب إليه من المعاصي وأن نستحي أن يرانا حيث نهانا أو يفقدنا حيث أمرنا . والله الموفق
5) أخي المسلم : أقرض الله قرضاًَ حسناً ولنقف عند هذا الآية (( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجر كريم )) وليقل أحدنا (( إن ربي يطلب مني أن أقرضه من ماله الذي استخلفني فيه ووعدني أن يضاعفه لي وأجراً كريماً فمرحباً بهذه الوصية من ربي لي وسمعاً وطاعة لله وليضع أحدنا يده في ماله متصدقاً معطياً في كل باب من أبواب الخير فرحاً بذلك طالباً المضاعفة من الله مثنياً على ربه وقد قال في حديث أبي هريرة ((مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ)) (رواه الشيخان) ونحوه .
6) أخي المسلم : إن نور المؤمن يوم القيامة على قدر إيمانه ولذا علينا أن نجتهد في تقوية إيماننا ، فكلما كان المرء أقوى إيماناً كان خيراً وأحب إلى الله من ضعيف الإيمان وقد قال  في حديث أبي هريرة ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ)) الحديث رواه مسلم ، لنحرص على أعمال الطاعات من الأعمال القلبية وباللسان وبالجوارح فإنها يزيد بها الإيمان وحري بي وبك أن نستغل الفرصة (الحياة) في زيادة إيماننا ، ولنحذر من المعاصي فإنها ينقص بها الإيمان . والله الموفق0


















الآيـــات
{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)}
التفسير :
يوم القيامة يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا أمهلونا نقتبس من نوركم لنستضيء به ، فيقال لهم توبيخاً واستهزاءاً بهم : ارجعوا ورائكم فابحثوا لكم عن نور ، إشارة إلى أن هذا النور يطلب في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح ، فضرب بين المؤمنين والمنافقين بحائط له باب ، باطنه مما يلي المؤمنين فيه الرحمة ( الجنة ) وظاهره مما يلي المنافقين العذاب ( النار ) ،ينادي المنافقون المؤمنين قائلين لهم : أما كنا معكم في الدار الدنيا نصلي معكم الجمع والجماعات ونقف معكم بعرفات ونؤدي معكم سائر الواجبات ؟ قال المؤمنون للمنافقين : بلى قد كنتم تؤدونها معنا ولكنكم فتنتم أنفسكم بالنفاق وتربصتم بنا الدوائر وأخرتم التوبة ، وشككتم في البعث والجزاء وخدعتكم الأماني الكاذبة حتى جاءكم الموت وخدعكم بإضلاله لكم الشيطان فاتبعتموه ، فاليوم (( يوم القيامة )) لا يقبل الله منكم أيها المنافقون فداء تفتدون به من عذاب الله ولا يقبل من الكفار فداء من عذاب الله ، مصيركم ومحل إقامتكم نار جهنم هي أولى بكم من غيركم وبئس المأوى الذي صرتم إليه ( النار) ، ألم يحن الوقت للذين آمنوا بالله ورسله أن تلين قلوبهم لذكر الله وتخضع وتطمئن عند سماع القرآن فتفهمه وتنقاد له ، ولا يتشبهوا بالذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى لما تطاول عليهم الزمن بدلوا كتاب الله الذي أيديهم واعرضوا عن دين الله وقلدوا الرجال فيه واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله فقست قلوبهم فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد ، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله فقلوبهم فاسدة وأعمالهم باطلة ، اعلموا يقيناً أن الله يحي الأرض الميتة اليابسة بإنزال المطر عليها ، فكذلك يلين القلوب بعد قسوتها ويهدي الحيارى بعد ضلالها ، قد وضحنا لكم البراهين والحجج الدالة على قدرتنا وضربنا الأمثال لكم في ذلك لعلكم تعقلون وتتدبرون وتفقهون ما جاءكم به رسول الله  من العلم والهدى .
بعض الدروس من الآيات :
1) أخي المسلم : إن دار الدنيا هي دار كسب الحسنات والسيئات ولذلك جدير بي وبك أن نستغلها في كسب الحسنات بكل دقائقها وثوانيها وأن نكون فيها بعيدين عن الذنوب والمعاصي ومن أذنب فليتب إلى ربه فوراً ولنحذر من التسويف بتأخير التوبة والعمل الصالح حتى ينزل بنا الموت ( الغرغرة ) فإن من أخر ذلك حتى فاته سوف يندم كل الندم ( وهيهات ) فكر في كل ساعة من عمرك فيم تقضيها ؟ هل في طاعة فاحمد الله أو في معصية فاستغفر الله وتب إليه وتذكر أخي المسلم قول الرسول الكريم  في نصحه لي ولك ((اغتنم خمسا قبل خمس)) ومنها ((حياتك قبل موتك)) ، لنغتنم هذا العمر كله في طاعة ربنا في كلامنا وأفعالنا وهمومنا ، نعم حتى الهموم اجعلها هماً بالحسنات وقد قال  ((مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً)) (صحيح) .
2) إن أعمال القلوب مهمة جداً وليس العبرة بعمل الجوارح إذا كان القلب خرباً فاسداً ( كحال المنافقين ) ، فعلي وعليك أن نعتني بقلوبنا وأن نسعى في إصلاحها وأن نسأل الله أن يصلح قلوبنا ويثبتها على دينه (( بل نكثر من سؤال الله ذلك )) كما قال  في حديث النواس ((يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك )) رواه ابن ماجة (صحيح) ، وفي حديث أم سلمه أنه  ((كان أكثر دعائه : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقيل له في ذلك ؟ قال : إنه ليس آدمي إلا و قلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام و من شاء أزاغ)) رواه الترمذي (صحيح) ، أخي أكثر ، أكثر ، أكثر من هذا الدعاء .
3) أخي المسلم :
أ‌- هل خشع قلبي وقلبك ولان عند سماع القرآن ؟ علينا أن نبحث أنفسنا في هذه المسألة المهمة وعلامة خشوع القلب التدبر والعمل بهذا القرآن وبسنة رسول الله  .
ب‌- هل بكينا عند استماع القرآن كما بكى رسول الله  فقال لبعض أصحابه ((اقْرَأْ عَلَيَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ نَعَمْ فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا }قَالَ حَسْبُكَ الْآنَ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ)) ، لنعيد القلوب عند تلاوة القرآن إلى الله ونسعى في أن نتفهم كلام الله وأن نتأثر به فتدمع العين .
ت‌- هل خشعنا في صلاتنا ( خشوع القلب والجوارح ) ولنحذر من عدم الخشوع في الصلاة وقد قال  في حديث أبي الدرداء ((أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا)) رواه الطبراني في الكبير (صحيح) ورواه الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس ((أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ)) (صحيح) .
4) أخي المسلم : لقد عاتب الله أصحاب رسوله  (( وهم خير الناس بعد الأنبياء والرسل)) فقد عاتبهم الله وقال (( ألم يأن للذين آمنوا )) الآية كما قال ابن مسعود  ((مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ }إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ)) رواه مسلم ، كيف أنا وأنت ألسنا حرى بنا وجدير أن نتلقى هذه الآية ويعود كل منا إلى قلبه ليتأمله فيعاتب نفسه وينقي سريرته ويصلح قلبه ويقوم على هذا القلب بكل ما يصلحه من التلاوة والتفكر والتدبر والنظر في الآيات الكونية ( المخلوقات ) ودراسة الآيات الشرعية ( القرآن ) وحضور المواعظ والدروس والنظر إلى الدنيا أنها للابتلاء والامتحان وأن الآخرة هي خير وأبقي حتى تعلوا همة القلوب فتطلب ما عند الله من الثواب العظيم والأجر الجزيل .
5) يا أخي : إننا في هذا الزمن وما نرى فيه من الفتن فعلينا أن نتفكر في أمرنا وأن نحمي قلوبنا وإنما يكون ذلك بإنكار الفتن والإعراض عنها وبذل السبل للبعد عنها وقد قال  في حديث حذيفة ((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ)) رواه مسلم ، متى رأيت العبد قد أعرض وجانب الفتن وأنكرها فهو على خير ، ومتى رأيت العبد قد ركب رأسه واشرب هواه فهو ممن فتن قلبه نسأل الله العافية .


الآيـــات
{ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)}
التفسير :
إن المتصدقين مما رزقهم الله والمتصدقات مما رزقهن الله ، ودفعوا ما تصدقوا به بنية خالصة ابتغاء مرضات الله وطلباً لثوابه يضاعف الله لهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ولهم ثواب جزيل ومرجع صالح ومآب حسن، والذين آمنوا بالله ورسله كلهم واتبعوا ما جاء به رسل الله عليهم الصلاة والسلام أولئك هم الصديقون أهل منزلة الشرف العالية والمكانة الكريمة ، والشهداء الذين قتلوا في سبيل إعلاء كلمة الله لهم أجرهم العظيم عند الله ونورهم التام يوم القيامة ، والذين كفروا وكذبوا بما أنزلنا على رسلنا من الكتب والحجج أولئك أصحاب نار جهنم خالدين فيها أبداً (( وما هم بخارجين من النار )) ، اعلموا يقيناً ـ أيها العباد ـ أنما الحياة الدنيا لعب يشغل الأبدان ولهو تلتهي به النفوس وزينة تنبهر بها الأبصار وتخدع كما تخدع بالسراب وتفاخر بينكم بالأحساب والمال وغيرها ، وتكاثر في الأموال والأولاد اعتداداً بها وبكثرتها وصفتها في سرعة زوالها وذهابها كمثل مطر أعجب الزراع نباته الأخضر ثم يهيج ذلك الزرع فتراه مصفراً بعد ما كان أخضر نضراً وبعد ذلك كله يكون حطاماً يابساً مفتتاً ، وفي الآخرة عذاب شديد لمن أقبل على الدنيا وأعرض عن طاعة الله وكفر به ، ومغفرة من الله ورضوان لمن آمن بالله واتبع رسوله ولم يغتر بدنياه ، وما الحياة الدنيا لمن ركن إليها واغتر بها وقدمها وترك الآخرة إلا متاع المغتر بالباطل المخدوع بالظاهر ، سابقوا يا أيها العباد ـ بالإيمان بالله ورسله والعمل الصالح والتوبة والاستغفار والتقرب إلى الله بفعل أسباب المغفرة وسابقوا إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض ، هيئت للذين آمنوا بالله واتبعوا رسله ، وتلك المغفرة ودخول الجنة فضل الله يعطيه من أراد من عباده ويوفق إليه من يشاء ، والله ذو الفضل الكبير على عباده ، فهو المتفضل عليهم بكل خير فلا إله إلا هو ولا رب سواه ، ما أصابكم من مصيبة في الأرض بالقحط والجدب والأعاصير المتلفة والزلازل المدمرة وغيرها ولا في أنفسكم كالمرض والفقر وغيرها إلا وقد كتبناها في اللوح المحفوظ من قبل أن نخلق الخليقة وتلك المصيبة ،إن علمه تعالى بالأشياء قبل كونها وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله ، فهو يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، وقد علمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها لكيلا تحزنوا على ما فاتكم مما تحبون من الدنيا ، لأن من آمن بالقدر علم أنه لو قدر شيء لكان ولكي لا تفرحوا بما أعطاكم فرح فخر وبطر وأشر فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم ، والله لا يحب كل مختال في نفسه متكبر فخور على غيره .
بعض الدروس من الآيات :
1) أيها المسلم : اهتم بالصدقات ـ تصدق في كل وجوه الخير واجعل ذلك لوجه الله لا تريد به جزاءً ولا شكوراً ممن تصدقت عليه وإنما تريد بذلك ما عند الله وأبشر بمضاعفة الثواب وقد قال  في حديث أبي هريرة((الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)) (رواه مسلم) ، وقال في حديث أبي هريرة ((مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ)) رواه الشيخان ، أخي المسلم :
أ‌- تصدق ولو بتمرة واحدة أو تصدق بنصف تمرة وقد قال في حديث عدي بن حاتم ((اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)) رواه الشيخان ، فتصدق ولو بالقليل (( ريال ، بطعم ، بشربة ماء ، بلقمة واحدة من الطعام ، بالشيء اليسير )) .
ب‌- تصدق ( إن لم تجد مالاً ) بكلمة طيبة وقد قال في حديث عدي بن حاتم ((فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ)) رواه الشيخان ، هل يا أخي الكلمة الطيبة تصعب عليك لتتصدق بها ؟.
ت‌- تصدق بما أصابك من جرح في جسدك فقد قال  في حديث عباده ((مَا مِنْ رَجُلٍ يُجْرَحُ فِي جَسَدِهِ جِرَاحَةً فَيَتَصَدَّقُ بِهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ )) رواه أحمد (صحيح).
ث‌- إن كنت مريضاً أو أحد أهلك فتصدق لتداو مريضك بالصدقة كما قال  في حديث أبي أُمامة ((داووا مرضاكم بالصدقة)) حسنه الألباني في صحيح الجامع .
2) أيتها المرأة (( أختي المسلمة : تصدقي ولا تمسكي سواءًً كان صدقة بالمال أو بالكلمة الطيبة أو بالقليل كالتمرة ونصف التمرة والجرح كما مر ، تنبهي أيتها الأخت المسلمة لهذا الحديث وهو قوله  ((يا معشر النساء ! تصدقن و لو من حليكن فإنكن أكثر أهل جهنم يوم القيامة )) (صحيح) فتصدقي من الذهب الذي معك حتى وإن كان قليلاً وتصدقي من راتبك الشهري إن كنت موظفة أو من أي مال معك ولا تمسكي المال وتربطي عليه وترصديه في المصارف بلا صدقة ولا إنفاق وقد قال  في حديث أسماء ((لا توكئ فيوكأ عليك)) رواه البخاري ، ولا تردي السائل ولو بشيء قليل فأعطيه (ردوا السائل و لو بظلف محرق) أختي المسلمة : اجعلي هذا الكلام محط اهتمامك ونصب عينك فهو أمر رسول الله  لك وللمسلمات .
3) إن أهل الجنة يتفاضلون فيما بينهم في الدرجات ( بعضهم أعلا من بعض كما قال  في حديث أبي سعيد ((إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنْ الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ)) رواه الشيخان ، أيها الأخ المسلم اجتهد من الآن فأنت في زمان الفرصة والله الموفق .
4) أخي المسلم : لا يغتر أحدنا بالدنيا وليحذر من الركون إليها على حساب الآخرة فإنما الدنيا سراب خادع ولنهتم بالآخرة كل الاهتمام وقد قال  في حديث أبي هريرة ((موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها)) (رواه الترمذي ورواه البخاري عن سهل بن سعد)
5) أخي العاقل المسلم الفاهم : سارع إلى الآخرة وإلى الجنة وإلى طلب المغفرة من الله فالخير قريب والشر قريب فاحرص على الخير وعلى طلب الجنة والهروب من النار وقد قال  في حديث ابن مسعود ((الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ)) رواه البخاري ، المجال مفتوح أمامنا للمسارعة والمسابقة بفعل الصالحات والقيام بالطاعات ووجوب ترك المحرمات .
6) أيها المسلم : استمع هذا الأسلوب العملي في المسابقة إلى الخيرات وهو ما جاء في الحديث الصحيح ((ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً قَالَ أَبُو صَالِحٍ فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِهِ مَنْ يَشَاءُ)) رواه مسلم ، (( إخواني الفقراء اهتموا بالتسبيح والتكبير والتحميد بعد الصلاة المفروضة ولا يفوتكم ذلك حتى تحصلوا على سبق من بعدكم ممن لا يفعل مثلكم )) ، (( إخواني الأغنياء من التجار وغيرهم احرصوا على التسبيح والتكبير والتحميد بعد الصلاة المفروضة فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء )) .
7) أيها المسلم : إن الإيمان بالقدر راحة للنفس ، ولذا أخي :
أ‌- لا تحزن على ما فاتك من أمور الدنيا التي تحب فإن ذلك الذي فاتك لو كان مقدراً لك لما فاتك وقد قال  ((واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك)) (صحيح) ، بل واعلم أنك قد تكره شيئاً وفيه الخير لك وأنك قد تحب الشيء وهو شر لك وما قضاه الله وقدره لك من أمور الدنيا فهو خير لك وقد قال الله تعالى (( وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم)) (( وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً )) .
ب‌- لا تفرح بما أعطاك الله فرح البطر والكبر والفخر على الناس واعلم أن ما أعطاك الله هو رزقه وفضله وإحسانه إليك ولو شاء لمنعه عنك وإنما هو بقدر الله الذي قدره لك وأطع الله فيما أتاك ولا تعصه في ذلك .
ت‌- قال  في حديث عبد الله بن عمرو ((قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات و الأرضين بخمسين ألف سنة)) رواه مسلم ، أخي اعلم أن شيئاً لك سوف يأتيك ولا يتخلف عنك مهما كان الأمر ، وأن شيئاً ليس لك والله لن يأتيك مهما كان الاجتهاد والسعي في تحصيله فبرد على قلبك وأرح نفسك لكن (( اجتهد في طاعة الله وابذل السبب في طلب الرزق وتوكل على الله وسلم أمرك له وأبشر براحة النفس والقلب )) . والله الموفق
الآيـــات
{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
التفسير :
وأهل الفخر والاختيال الذين يبخلون بما أوجب عليهم من الزكاة وغيرها فلا ينفقون في حقه ويأمرون الناس بالبخل والإمساك ويحضون الناس عليه ، ومن يعرض عن أمر الله وطاعته فإن الله هو الغني عن عباده ، المحمود بجلاله الموصوف بصفات الكمال وبإنعامه على عباده كلهم ، لقد أرسلنا رسلنا بالحجج والبراهين القاطعة على صدق دعوتهم وأنزلنا عليهم الكتب المشتملة على العقائد والشرائع والأخلاق وأنزلنا العدل ليحكم الناس به ، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ليردع من أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه وفيه منافع للناس في الصناعات وغيرها ، وليعلم الله من يحمل السلاح جهاداً في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ، إن الله قوي عزيز ينصر من نصر دينه من غير احتياج منه إلى الناس وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض ، ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم إلى قومهم بعبادة الله وحده لا شريك له وجعلنا في أولادهما النبوة والكتب المنزلة على أنبياء الله بالعقائد والشرائع ، فمن ذريتهما من هو مهتد إلى الحق والطاعة لله ، وكثير من ذريتهما خارجون عن طاعة الله عز وجل ، ثم أرسلنا بعد نوح وإبراهيم رسلنا داعين إلى عبادة الله وحده لا شريك له واتبعناهم بعيسى بن مريم وأنزلنا عليه الإنجيل ، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوا عيسى ليناً ورقة وشفقة ، وابتدع النصارى رهبانية باعتزال النساء والانقطاع في الصوامع والأديرة للعبادة ، ما شرعناها لهم إنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم ابتغاء رضوان الله ، فما قاموا بما التزموه مما ابتدعوه ، فأعطينا الذين آمنوا منهم ثوابهم ، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله ، يأيها الذين آمنوا بالله ورسله اتقوا الله بفعل أوامره واجتناب معصيته وآمنوا برسوله محمد  واتبعوه يعطكم الله أجركم ( مضاعفاً ) مرتين ، ويجعل لكم نوراً وهدى تتبصرون به من العمى والجهالة فتعرفون الحق وتعملون به ويغفر الله لكم ذنوبكم ، والله كثير المغفرة لمن استغفره ، رحيم بمن تاب إليه وأناب ،ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من الثواب الذي ضاعفه الله لكم والفضل الذي أعطاكم أن يردوه أو يحصلوا عليه أو يمنحوه غيرهم ، وأن الفضل كله بيد الله فهو المالك له يعطيه من يشاء من عباده والله ذو الفضل العظيم والإنعام الكثير على عباده والإحسان إليهم .
بعض الدروس من الآيات :
1) أيها المسلم : لنحذر من البخل بما أوجب الله علينا من النفقات والزكوات وغيرها ولنخرج كل ما أوجب الله علينا طيبة به نفوسنا ، وفي الحديث ((وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ))رواه أبو داود, والبخل المذموم هو : منع العبد ما أوجب الله عليه وقد قال  في حديث عياض بن حمار ((وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوْ الْكَذِبَ وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ)) رواه مسلم ، وقال  في حديث عبد الله بن عمرو ((إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا)) رواه أبو داود (صحيح) ، وقال  في حديث أبي ذر ((و الَّذِينَ يَشْنَؤُهُمْ اللَّهُ: التَّاجِرُ الْحَلَّافُ وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ ; وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ)) رواه أحمد (صحيح) ، وأما الشح بترك المندوبات فإنه مكروه (( أخي كن كريماً متصدقاً منفقاً في وجوه الخير باذلاً مالك للمحتاجين سمحاً في بيعك وشرائك وقضائك للدين واقتضائك للدين وغير ذلك .
2) أيها المسلمون : إن الحديد فيه قوة وبأس شديد لمجاهدة أعداء الله من الكفار والمنافقين وفيه قوة لإقامة العدل والحق وللقضاء على الباطل والمنكرات فاستعملوه وطوروا الحديد في المصانع ليكون سلاحاً فتاكاً حتى يخافكم أعداء الإسلام (( ليكن عند المسلمين كل أنواع الأسلحة المتطورة البرية والجوية والبحرية )) وقد قال  في حديث ابن عمر ((بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)) رواه أحمد وأبو داود (صحيح) ، وعلى المسلمين أن يتقنوا صناعة الرمي والاهتمام بالأسلحة التي يرمي بها وقد قال  ((أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ)) الحديث (صحيح).
3) تحرم الرهبانية في الإسلام كما يفعل رهبان اليهود والنصارى وأما رهبانية الإسلام المشروعة فهي الجهاد في سبيل الله كما قال  في حديث أبي سعيد ((وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلَامِ)) رواه أحمد (صحيح) .
4) يحرم الابتداع في الدين لأن العبادات مبناها على التوقيف (( ما جاء في القرآن وسنة رسول الله  )) فمن فعل شيئاً ليس في القرآن والسنة تعبداً كما يفعل الصوفية وغيرهم من أهل البدع فهذا مبتدع ضال علماً أن البدع منها ما يكفر صاحبه ومنها ما يكون فاسقاً وقد قال  ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)) (صحيح) .
5) أيها الدعاة إلى الله عز وجل : ادعوا اليهود والنصارى إلى هذا الدين ( الإسلام ) وبشروا من آمن بهذا الحديث وهو قوله  في حديث أبي موسي ((ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ سَيِّدِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ)) رواه الشيخان .
6) ابشروا أيها المؤمنون بالأجر العظيم وتأملوا ما جعل الله لكم من الأجر في هذا الحديث قال  ((مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَقَالُوا لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ فَقَالَ لَهُم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:10 am

تفسير سورة التحريم
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الآيـــات
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) 
التفسير:
يا أيها النبي ( محمد  ) ، لماذا تجعل ما أحله الله لك حراماً على نفسك ؛ طلباً لإرضاء زوجاتك ؟ والله كثير المغفرة واسع الرحمة لمن تاب إليه وأناب .
قد أوجب الله عليكم كفارةً لأيمانكم إذا حنثتم فيها ، والله متولي أمركم برعايته لكم فيما يصلح لكم ، وهو العليم بما ينفعكم وبكل أحوال عباده ، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وجزائه .
وأذكر حينما تحدث النبيُ إلى زوجته ( حفصة ) حديثاً سرياً ، وطلب منها أن لا تخبر بذلك أحداً ، إلا أنها أخبرت به عائشة ، فأطلع اللهُ رسولَه  على إخبار حفصة عائشة بالسر الذي أسره إلى حفصة ، فأخبر النبيُ  حفصة ببعض ما أخبرت به عائشة وترك بعضاً تكرماً منه  ، فقالت حفصة للرسول  : من أخبرك أنني أخبرت عائشة ؟ قال : أخبرني الله العليم بكل شيء ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فهو الخبير بخلقه .
إن تتوبا يا عائشة ويا حفصة إلى الله من ميل قلوبكما إلى ما كرهه رسول الله  من إفشاء سره ، فإن الله يقبل توبتكما ، وإن تتعاونا على رسول الله  فيما يكرهه فإن الله هو متولٍ أمره وناصره وجبريل وصالح المؤمنين ، والملائكة بعد ذلك أعوانٌ له على كل من يؤذيه أو يريده بشر أو عداء .
عسى رب رسول الله  إذا طلقكن أيتها النساء ( أزواج النبي  ) أن يعطيه بدلكن زوجاتٍ خيراً منكن ، منقادات لأمره ، مصدقات بالله ورسوله ، ومستجيبات لأمره ونهيه ، مطيعات له ، تائبات إلى الله ، كثيرات العبادة والخضوع لله ، صائمات ، بعضهن ثيبات وبعضهن أبكار .
يا أيها الذين آمنوا ، اجعلوا بين أهليكم وبين النار وقاية ، بتعليمهم وتأديبهم وأمرهم بطاعة الله ونهيهم عن معاصيه ، فإن تلك النار هي نار شديدة وقودها الكفار والأحجار ، عليها خزنة ملائكة غلاظ القلوب شداد البطش والمعاملة ، لا يعصون الله في أمره ، ويفعلون ما أمرهم الله به .
بعض الدروس من الآيات :
1- يحرم على العبد أن يحرِّم ما أحل الله له من الزوجات أو المباحات ، فإن حرّم على نفسه فقال : " هذا حرام علي ونحوه " فعلى ما يلي :
2- إن كان ما حرمه غير الزوجة : فإن عليه الرجوع عمّا قال ، وعليه كفارة يمين ؛ لقوله تعالى:  قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ  بعد قوله:  لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
3-إن كان ما حرمه هو زوجته : فإن نوى ظهاراً فهو ظهار ، وإن نوى طلاقاً فهو طلاق ، وإن لم ينو طلاقاً ولا ظهاراً فهو يمين ، فعليه كفارة يمين في قول ابن عباس  فقد قال : (إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَقَالَ  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ  ) رواه مسلم .
1- إن ما حرّمه النبي  هو العسل ، فقد قال  في حديث عائشة وحفصة لما قالت له : أكلت مغافير ؟ فقال : ( لَا وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا ) رواه البخاري .

2- يشرع للزوج عدم المناقشة للزوجة في الأمور التي لا تحتاج إلى نقاش ، وإنما تحتاج إلى صفح وعفو وترك ، ولذا تأمل أنه  " عرّف بعض الحديث وترك البعض " بخلاف كثير من الناس اليوم ، فتراه يناقش الزوجة في الأمور التافهة حتى يتعبها ويؤذيها، فلو حصل كلام من الزوجة لقال : أنت قلت لفلانة وفلانة أخبرت فلانة ، وفلانة كلمت زوجها ، وزوجها تحدث إلى أخته ... وهكذا ، ثم تطول القصة ويُزاد فيها ويترتب عليها مشاكل بين الزوج وزوجته والأسرة ، بينما المشروع في مثل ذلك الترك حتى لا تتسرب وتنتشر ويترتب عليها أضرار ومفاسد كثيرة .
يا أخي لنتأدب بهذا الأدب النبوي الكريم .
3- على الزوجة أن لا تفشي سر الزوج إلى أحدٍ حتى من ضرائرها " الزوجات الأخريات " بل تحتفظ به لأن السر أمانة ، ويجب حفظ الأمانة . كما يحرم على الزوجة إيذاء الزوج ويحرم على الزوج إيذاء الزوجة ، بل على كل منهما أن يعامل الآخر بالمعروف . ويجب على الزوجة التوبة إلى الله مما عملته من إساءة إلى زوجها ، وإذا كان حقاً لها فإنها تستحل الزوج مما أساءت فيه إليه وتطلب حقها بأسلوب مباح .
4- أخي المسلم " ماذا قدمنا لأهلينا في سبيل وقايتهم من عذاب الله ؟ هل علمناهم ما أوجب الله عليهم من أصول الإيمان والطهارة والصلاة وغيرها من الأمور ؟ وقد قال  في حديث عبد الله ابن عمرو  : ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) رواه أحمد وأبو داوود (حسن) .
ومن هذا المنطلق :
• تعليم الزوجة والأولاد والأم وغيرهم من الأهل ، كل ما أوجب الله عليهم، وأمرهم بذلك ونهيهم عما حرم الله عليهم ، وقد قال  : (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...الحديث) رواه الشيخان .
• الحرص على تعليم الأولاد وغيرهم أو بعضهم العلوم الشرعية ، وليحرص أحدنا أن يكون ولده عالماً يفيد الأمة " إدخاله حلقة القرآن الكريم ، دروس العلم ، شراء الكتب له والوسائل الحديثة للعلم ، أخذه إلى العلماء ليتفقه في الدين ، وقد قال  : ( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) رواه الشيخان. إدخاله في الجامعة ، وفي الدورات العلمية الشرعية ، وكذلك البنت في الحلقة وغيرها من محاضن العلم . والله الموفق .
5- أختي المسلمة : كوني مسلمة ، مؤمنة ، مطيعة لله ، تائبة إلى الله ، مكثرة من الصيام ، كثيرة العبادة ، فهذه أكمل صفات المؤمنات ، والله الموفق .

الآيـــات
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (Cool يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
التفسير :
يا أيها الكفار : لا ينفعكم الاعتذار اليوم ، إنما تجزون نار جهنم على عملكم من الكفر والإعراض والتكذيب .
يا أيها المؤمنون : توبوا إلى الله توبةً صادقة خالصة من جميع الذنوب ، عسى ربكم أن يمحو ذنوبكم ويدخلكم جنات النعيم التي تجري الأنهار من تحت قصورها وأشجارها .
ويوم القيامة لا يخزي الله النبي والمؤمنين ، بل يكرمهم ويثيبهم ويرفع درجاتهم ، نورهم يسعى قدّامهم وعن أيمانهم ، يقولون : ربنا أتمم لنا نورنا حتى نجتاز الصراط إلى الجنة ، واغفر لنا ذنوبنا ، إنك على كل شيء قدير ، لا يرد قضائك ولا معقب لحكمك وأنت القادر على إتمام نورنا وغفران الذنوب لنا .
يا أيها النبي : جاهد -لإعلاء كلمة الله- الكفار والمنافقين الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام ، بالسيف واللسان والمال وغيرها ، واشدد عليهم ليبقى شأن الإسلام عالياً مهيباً ، ومقر الكفار والمنافقين نار جهنم وساء المصير والمقر والمأوى .
ضرب الله مثلاً في عدم انتفاع الكافر بقرابة المؤمن ، مثل امرأة (نوح) وامرأة (لوط) كانتا زوجتين لرسولين كريمين ، فخانتاهما في الدين (كانتا كافرتين) فلم يمنع هذان الزوجان عن هاتين المرأتين عذاب الله ونقمته ، وقيل للمرأتين : ادخلا النار مع الداخلين فيها من الكفار.
وضرب الله مثلاً في عدم تضرر المؤمن بقرابة الكافر ومخالطته ، مثل ( امرأة فرعون ) التي كانت زوجة لهذا الكافر الذي ادعى الربوبية ، فآمنت بالله ، وقالت تناجي الله : رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ، ونجني من هذا الشرير ( فرعون ) ومن عمله ، ونجني من القوم الظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي .
وضرب الله مثلاً للمؤمنين في تقواهم وصبرهم وعفتهم ، مثل : مريم بنت عمران ، التي أحصنت فرجها عن الرجال ، وحفظت نفسها عن الفواحش ، فأرسلنا إليها جبريل فنفح في جيبها فحملت بعيسى  وصدقت بشرائع الله وكتبه التي أنزلها على رسله ، وكانت من المطيعين لله المنقادين لأمره المنتهين عن نهيه .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : لنتب إلى الله فإن الله قد أمرنا بالتوبة فقال : تُوبُوا إِلَى اللَّهِ .
ومما يتعلق بالتوبة إلى الله :
• أن تكون نصوحاً ، وهي التوبة الصادقة الخالصة لوجه الله تعالى ، وأن يقلع عن الذنب في الحال .
• الندم على ما فات ، وقد قال  ( النَّدَمُ تَوْبَةٌ ) رواه ابن ماجة(صحيح) .
• العزم على أن لا يعود إلى الذنب في المستقبل ، وإن كان الحق لآدمي رده إلى صاحبه أو استحله إن أحلّه .
• حري بالمسلم أن لا يعود إلى الذنب بعد التوبة ، فإن عاد إلى الذنب بعد توبته منه ، فهذا - والله أعلم - دليل على عدم صدقه في توبته وأنه كاذب فيها ، وقد قال  في حديث ابن مسعود  : ( مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِر ) رواه الشيخان .
ليدرس كل واحد منا نفسه في توبته هل هو صادق أم كاذب ؟ .
• أخي المسلم التائب من الذنب : أكثر من الحسنات وقد قال تعالي :  إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ...الآية [ الفرقان : 70 ] .
• أكثر من التوبة والاستغفار ، فإن التوبة عبادة ، ولكنها تجب من كل ذنب وتشرع إن كان لا يذكر ذنباً ، وقد كان  يتوب ويستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة ( صحيح ) .
• التوبة النصوح تجُبُّ ما قبلها ، ويبدل الله سيئاته حسنات ، كما قال تعالى :  فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا  [ الفرقان : 70 ] .
2- أخي المسلم : لنستعذ بالله من الخزي يوم القيامة ! " اللهم إنا نعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ونعوذ بك من خزي يومئذ " يوم القيامة ".
3- أخي المسلم : ادع الله  بأن يجعل لك نوراً ، كما في حديث ابن عباس  لمّا بات عند خالته ميمونة ، وبات رسول الله  عندها قال : فرأيته توضأ ثم قام يصلي وكان يقول في سجوده : ( اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا ) رواه الشيخان .
" قل هذا الدعاء في سجودك في صلاة الليل وفي النوافل ، لعل الله أن ينور عليك يوم القيامة وعلينا جميعاً ! والله الموفق .
4- أيها المسلم : على كل واحد من المسلمين أن يهتم بأمر نفسه ، حتى وإن كان يعيش في أسرة فيها الفسق بارتكاب الذنوب والمحرمات ، فإن المؤمن لا تضره قرابة الكفار ولا تضره قرابة الفساق ومخالطتهم ، ولا تنفع قرابة الصالحين للفساق والكفار ولذا أخي :
• من كان أبوه أو أخوه أو أهله أو أحدهم مرتكباً للمعاصي ، فعليه أن ينصح أباه أو أخاه أو غيرهم ، وأن ينهاهم عن المنكر ، وأن يستقيم بنفسه على دين الله ، ولينظر في امرأة فرعون التي كانت تعيش في جوِّ الكفر والعناد في بيت فرعون ، ولكنها آمنت واتقت ، ولينظر إلى مريم ابنت عمران التي حافظت على عرضها وفرجها وعفتها ، وقد قال  في حديث أبي موسى : (كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام ) رواه الشيخان .
• أختي المسلمة : حافظي على عرضك وعفتك وفرجك، واحذري دعاة الرذيلة ! حتى وإن كانوا يعيشون معك في الأسرة من الأهل والإخوان ، الذين هم مُكبُّون على قنوات المحرمات وعلى الأغاني والتمثيليات ، والنظر إلى النساء والرجال في القنوات التي تبث السموم ، بل قد يكون أبوك أو أخوك أو زوجك من دعاة تحرير المرأة ومروجي الرذيلة والساعين إلى قيادة المرأة للسيارة والتبرج والسفور ، فاحذري كل الحذر ! واجعلي مريم بنت عمران أمام عينيك ، الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ، واحفظي نفسك بطاعة الله والرسول  ، وابشري بالخير ، بل كوني داعية في البيت إلى دين الله وترك المحرمات ، ادعي أباك وأمك وأهلك وزوجك ، وقد قال  : ( وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) رواه الشيخان .
1- إن خيانة امرأة نوح وامرأة لوط هي خيانة في الدين وليست خيانة زنا ، بل كانتا كافرتين وقد قال ابن عباس  : ( ما بغت امرأة نبي قط ، إنما كانت خيانتهما في الدين ) .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:11 am

تفسير سورة التغابن
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الآيـــات
 يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (Cool
التفسير :
يُنـزهُ الله ويقدسُه عن النقص ويحمده كلُ مافي السماوت وما في الأرض ، له التصرف والتدبير في جميع الكائنات ، المحمود على جميع ما يخلق ويقدر ، وهو على كل شيء قدير فما أراد كان بلا مُمانع ولا مُدانع ، وما لم يشأ لم يكن .
الله وحده الذي خلقكم ، فبعضكم كافر بالله وبعضكم مؤمن بالله موحد له ، وقد أراد الله ذلك كوناً فلا بد من وجود كافر ومؤمن ، والله مُطّلع على أعمالكم عالم بها لا يخفى عليه منكم شيء وسيجازيكم عليها .
خلق السموات والأرض بالعدل والحكمة ، وصوركم فأحسن أشكالكم  فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وإليه المرجع فيجازي كل عامل بعمله . يعلم كل مافي السماوات والأرض ، فلا يخفى عليه منها شيء ، ويعلم ما تضمرونه في أنفسكم وما تجهرون به ، والله عليم بما تُكنُّه الصدور من نيات وحديثِ نفسٍ وهموم وغير ذلك ، فلا تخفى عليه خافية في العالم كله .
ألم يبلغكم خبر الذين كفروا من الأمم الماضية ؟ وما حل بهم من العذاب والنقمة عاقبة تكذيبهم وعاقبة فعلهم في الدنيا ؟ ولهم في الآخرة عذاب أليم موجع في نار جهنم .
ذلك الذي حل بهم من النكال في الدنيا والعذاب في الآخرة بسبب أنه كانت تأتيهم رسلهم بالحجج والدلائل الواضحات على صحة رسالاتهم وصدق دعوتهم ، فقالوا مستبعدين : كيف يدلنا على الهدى ويرسل إلينا بشر مثلنا ؟ فكذبوا الرسل وكفروا بما جاءوهم به وأعرضوا عن الحق وردوه ، واستغنى الله عنهم ، والله غني عن الخلق كلهم ، محمود في ذاته وربوبيته وألوهيته وأقواله وأفعاله وجزائه .
ادّعى الذين كفروا كاذبين أنهم لن يبعثوا أحياء بعد الموت ، قل لهم- أيها الرسول – : بلى والله ليبعثنكم الله بعد موتكم أحياء ، ثم لتخبرن بأعمالكم التي عملتوها في الدنيا جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها ويجازيكم الله عليها ، وإن بعثكم ومجازاتكم على أعمالكم سهل يسير على الله .
فصدِّقوا بعبادة الله وحده لا شريك له ، وصدِّقوا برسول الله فيما جاءكم به وتابعوه على ذلك ، وصدِّقوا بالقرآن الذي أنزلناه على رسولنا محمد  .
في هذا القرآن الهدى والنور فاعملوا به ، والله بما تعلمون خبير فلا يخفى عليه شيء من أعمالكم وسيجازيكم عليها .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : لنسبح الله  وننـزهه عما لا يليق به ، ونحمده ونثني عليه الخير كله فإنّا لا نحصي ثناءً على الله ، واعلم أن الله يحب أن يُسبّح بما جاء في حديث أبي هريرة  من الكلمات فقد قال  : (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ) رواه الشيخان .
" لنكثر من هاتين الكلمتين " .
2- أيها المسلم : لقد حسّن اللهُ خَلْقَنا  فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ  ، فلنحمد الله على ذلك ولندع أن يحسِّن الله خُلُقَنا وقد قال  في حديث ابن مسعود : ( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي ) رواه أحمد (صحيح) .
3- أخي ( إن القرآن نور أنزله الله ) فهل أنا وأنت استضأنا بهذا النور في حياتنا ؟. فلنكثر من قراءة القرآن الكريم ابتغاء وجه الله ، فإن القرآن يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه كما قال  في حديث أبي أمامة : ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ ) رواه مسلم . ولتكن قراءتنا للفقه والفهم والعمل . ولنكن -أخي المسلم - من أهل القرآن الذين قال فيهم رسول الله  في حديث أنس  : ( إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ فَقِيلَ مَنْ أَهْلُ اللَّهِ مِنْهُمْ قَالَ أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ ) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة(صحيح) .
الآيـــات
 يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) 
التفسير :
واذكروا يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ذلك اليوم يرث أهل الجنة منازل أهل النار في الجنة ، ويرث أهل النار منازل أهل الجنة في النار ، فتكون الحسرة لأهل النار. ومن يؤمن بالله ويعمل عملاً صالحاً فإن الله يمحو عنه ذنوبه ويدخله جنات تجري الأنهار من تحت غرفها وأشجارها ، خالدين فيها أبداً  وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ  [الحجر:48] ذلك هو الفوز العظيم الذي لافوز أعظم منه.
والذين كفروا بالله ورسوله وكذبوا بآيات الله التي أنزلها على رسله ومنها القرآن ، أولئك هم أهل النار ماكثين فيها  وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ  [البقرة:167] وساء وقبُح مصيرهم ومقرهم وهو النار .
ما أصاب أحداً من البشر من مصيبةٍ كالمرض والفقر والجوع وغيرها ، إلا بتقدير الله وقضائه ومشيئته ، ومن يصدق بالله فيعلم أنها بقضاء الله وقدره ، فيصبر ويحتسب ، يهد الله قلبه ويعوضه عما فات من الدنيا يقيناً صادقاً ، ويُخلف عليه ، والله بكل شيء عليم ، فلا يخفى عليه شيء .
وأطيعوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، وأطيعوا الرسول  باتباع سنته والسير على هديه ، فإن أعرضتم عن هذا الذي أمرناكم به ، فرفضتم طاعة الله ورسوله ، فإنما على رسولنا البلاغ الواضح . وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة .
الله لا إله مستحق للعبادة إلا هو دون سواه ، وعلى الله فليعتمد المؤمنون وليفوضوا أمورهم إليه دون غيره .
ياأيها المؤمنون ، إن بعض أزواجكم وأولادكم عدوٌ لكم ، يشغلونكم عن طاعة الله ويلهونكم عن العمل الصالح ، وقد يسعون في إيقاعكم في المعاصي والذنوب ، فاحذروهم أن تطيعوهم في ذلك ، وقدّموا طاعة الله ورسوله على طاعتهم ورغباتهم ، وإن تعفوا عما حصل منهم لكم وتعرضوا عن معاقبتهم وتستروهم ، فإن الله واسع المغفرة فيغفر لكم ويرحمكم كما غفرتم وصفحتم وعفوتم عنهم.
إنما أموالكم وأولادكم اختبارٌ وابتلاءٌ لكم في هذه الدنيا ؛ ليعلم الله من يطيعه فيشكر ويصبر ويعمل بالطاعة في ولده وماله ، ومن يعصيه فيكفر ويتسخط ويعمل في ذلك بالمعصية ، والله عنده أجر عظيم لمن أطاعه وشكره وصبر على ابتلائه وعمل في ذلك كله بطاعة ربه .
بعض الدروس من الآيات :
1- إن يوم القيامة هو يوم التغابن فليحذر العاقل من الوقوع في الغبن والحسرة عندما يرى من يدخل الجنة ويرى أنه قد ذهب به إلى النار أو أنه على خطر عظيم ، وليشمر المسلم إلى طاعة الله ورسوله  وليجتهد في ذلك غاية الاجتهاد ، حتى يبدله الله بمقعده في النار مقعداً في الجنة وقد قال  في حديث أنس  : ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ  فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا...الحديث ) رواه الشيخان .
2- أخي المسلم ، إن كل مصيبة فهي بمشيئة الله وقدره ، فإذا نزلت بي وبك فعلينا الصبر ( إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى ) ويسن الاسترجاع ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) وأن يدعو المسلم بالخلف والأجر ( اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها ) . وليتعز بمصيبته في رسول الله  ، وقد قال  (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه الشيخان .
أخي : ما أكثر المصائب ! فاصبر واعمل بما ذكرته لك لتكون لك عند الله خيراً .
3- أيها الأخ المسلم : ( اجعل هذا الموضوع الهام في ذهنك وعقلك ) وهو ( إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) ، فمتى رأيت من زوجتك ، أو من ولدك ، أو رأت الزوجة من زوجها أو من ولدها أنه يمنعك عن أعمال الطاعات ، أو يسعى في وقوعك في المحرمات ، فاعلم أن عنده شيئاً من العداوة لك وليس ناصحاً في ذلك ولا صديقاً ولا محباً فلا تطعه في ذلك ، واحذر أن يحملك حب الزوجة أو حب الولد أو يحمل الزوجة حب زوجها على الطاعة في المعصية وترك أعمال الطاعات لله ، وقد حصل هذا من بعض الأولاد والزوجات في زمان النبي  ولما سأل رجلٌ ابنَ عباس عن هذه الآية :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ  قال ابن عباس  : ( هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ  فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ  فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ  رَأَوْا النَّاسَ قَدْ فَقُهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ...الْآيَةَ  رواه الترمذي (حسن) .
لكن أخي المسلم : اعف واصفح عما حصل من الزوجة والأولاد فيما مضى من منعِك من أعمال الخير والطاعات ، واحتسب هذا العفو عند الله ، واحذر مستقبلاً من طاعتهم وموافقتهم في هذا العمل . والله الموفق .
4- إن المال والأولاد ابتلاء واختبار لنا ، فيا ترى هل ننجح في هذا الامتحان أم لا ننجح ؟ لنحذر من الوقوع في البخل بسبب الولد ، فهناك الكثير من الناس يبخل بماله ، فلا يتصدق منه من أجل أن يبقيه لولده ، وقد قال  في حديث يعلى العامري : ( إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ ) رواه ابن ماجة(صحيح) . ولنحذر من الوقوع في محبة المال بحيث نكسبه من معصية الله وننفقه فيها ، وليعلم العبد أنه مسئول ، يسأله الله  عن ماله ،كما قال  : ( مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ) رواه الترمذي (صحيح) .
أيها المسلم ، إننا نعيش في هذه الدنيا في الابتلاء بهذا المال والأولاد ، فلنطع الله بهذا في هذا الابتلاء والاختبار ، ولنجعل طاعة الله مقدمة على كل شيء في القول والفعل وغيرها ، ومن ذلك : أمر الأولاد بالطاعة والصلاة كما قال  ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) رواه أبو داود (صحيح) . والله الموفق .
الآيـــات
 فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) 
التفسير :
فأطيعوا الله بفعل أوامره على قدر استطاعتكم وجهدكم ، واسمعوا ما يأمركم به الله ورسوله سماع استجابة ، وأطيعوا الله ورسوله بفعل ما يأمركم به وترك ما نهاكم عنه ، وأنفقوا مما رزقكم الله في وجوه البر والإحسان ، فثمرة إنفاقكم من الخير عائد إليكم ، ومن يسلم من البخل والحرص الشديد على جمع المال فأولئك هم الحاصلون على كل مطلوب الناجون من كل ما يُخاف منه .
إن تنفقوا من أموالكم ابتغاء مرضاة الله يُضاعف الله لكم ثواب ذلك ويغفر لكم ذنوبكم والله شكور فيكافئ بالكثير على القليل ، حليم فلا يعاجل من عصاه بالعقوبة .
والله جل وعلا هو عالم بكل ما غاب وما حضر فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، العزيز فلا يغالب ولا يمانع ، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وجزائه .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : لنعمل بطاعة الله بكل ما نستطيع وهذا على :
( أ ) ما كان من فعل الأوامر : كالواجبات فيجب القيام بها حسب الاستطاعة كالصلاة ، فقد قال  : ( صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) رواه البخاري . وكذلك غير الصلاة من الواجبات ، ويشرع للمسلم عمل النوافل أيضاً حسب استطاعته .
(ب) ما كان من ترك المحرمات : فيجب تركه فوراً ، ولا يقول قائل : لا أستطيع ؛ لأنها تروك ، وقد قال  : ( فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) رواه الشيخان . ويشرع للمسلم ترك المكروهات .
أخي المسلم : لقد كثرت الآيات والأحاديث الدالة على الإنفاق والصدقة فبادر إلى ذلك وقد قال  : يقول الله تعالى : (مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ ) رواه مسلم .
ومن ثمرة الصدقة :
• إن الله تعالى يضاعفها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، كما في الحديث الصحيح .
• تكفير السيئات ،كما قال  : ( إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ) رواه الترمذي عن أنس  (صحيح) .
• إنّ ثواب الصدقة إذا كان على ذي رحم فهو صدقة وصلة ، كما قال  في حديث سلمان بن عامر : ( الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد (صحيح) .
أيها الأخ تصدق من هذا المال ومن غيره ولا تبخل به . والله الموفق .
3 - أخي المسلم : لنستشعر أن الله عالم بنا في كل لحظة ، فلنكن في كل أحوالنا على طاعة
لله : في المنـزل ، وفي العمل ، وفي الشارع ، وفي المجلس مع الزملاء ، وفي السوق ، وهكذا في الوقت : في الليل أو النهار أو الصباح أو المساء ، إنا إذا فهمنا هذا ، ملأنا وقتنا ومكاننا بما يكون نافعاً لنا عند الله  ، من ذكرٍ وتوبةٍ وتفقه وعمل صالح وقيام بالواجب محتسبين ذلك ، والله الموفق .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:11 am

تفسير سورة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) 

التفسير :
ينـزهُ اللهَ ويقدِّسُه ويمجدُه كلُ ما في السماوات وكل ما في الأرض من المخلوقات ، هو مالك السماوات والأرض المتصرف فيهما بحكمه وهو المُنـزَّه عن النقائص ، الموصوف بصفات الكمال والجلال ، الذي عز فقهر وغلب ، الحكيم في صنعه وشرعه وجزائه .
الله الذي بعث في العرب الذين لا يقرأون ولا يكتبون رسولاً - وهو محمد  - منهم نسباً فهم يعرفونه معرفة تامة ، يقرأ عليهم القرآن ويُطهرهم من الذنوب والمعاصي في قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم ، ويعلمهم آيات القرآن وهديه وسنة رسوله  ، وقد كانوا قبل بعثته  في ضلال عن الطريق المستقيم ، في الشرك والذنوب والجهل ، وأرسل اللهُ محمداً  إلى أناس آخرين لم يحضروا حياة رسول الله  ، وهم في الأصلاب ممن سيولدون بعدُ من العرب والعجم إلى يوم القيامة ، وهو الله العزيز الذي لا يُغالب ولا يُمانع ، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وجزائه ، وذلك الذي أعطاه الله محمداً  من الرسالة وما كان من بعثته  إلى الناس كافة هو فضل الله ومنته على عباده ورحمته بهم ، يُعطي اللهُ هذا الفضل من يشاء من عباده ، والله ذو الفضل الواسع الكبير والإحسان الجزيل .
مَثَل الذين أعطوا التوراة (اليهود) وكُلِّفوا العمل بها ثم لم يعملوا بها ، كمثل الحمار اذاحمل كتباً على ظهره لا يدري ما فيها ، فهو يحملها حملاً حِسّياً ولا ينتفع منها بشيء ، ساء هذا المثل للقوم الذين كذبوا بآيات الله وجحدوا رساله نبيه وأعرضوا عن تعلم شرعه ، والله لا يوفق القوم الظالمين أنفسهم بالكفر والتكذيب إلى الطريق المستقيم.
بعض الدروس من الآيات :
1- أيها المسلم : يشرع أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين لأنه  كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين رواه مسلم من حديث أبي هريرة .
أخي الذي يصلي بالناس الجمعة : طبق السنة في الصلاة بهذا السورة ، وبسبح والغاشية . وفقك الله .
2- أخي المسلم : أكثر من التسبيح ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  : ( مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ وَإِذَا أَمْسَى كَذَلِكَ لَمْ يُوَافِ أَحَدٌ مِنْ الْخَلَائِقِ بِمِثْلِ مَا وَافَى ) رواه أبو داود (صحيح) ولمسلم نحوه دون قوله (العظيم) .
3- أخي المسلم : ان بعثة محمد  هي مِنّةٌ عظيمة من الله على الخلق كلهم ، حيث بعثه الله على حين فترةٍ من الرسل واشتداد الحاجة إليه ، وفي الحديث الصحيح : (وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) رواه مسلم . ولذا أخي ، أنا وأنت بجب أن نفرح بأن جعلنا الله من أمة محمد  ، وأن نقوم بماكلفنا به من عبادة الله وحده لا شريك له ومتابعة رسوله  ، وعدم المخالفة لهديه في كل مناحي الحياة ، وقد قال تعالى :  وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا  [النور:54] ، وقال  : (مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى ) رواه الشيخان . فلنطعه  إذا أردنا الجنة - وكلنا يريدها - ونحذر معصيته  ، وليقم كل واحد منا على نفسه في متابعته لرسوله  .
4- أيها المسلم ، إنّ أي شيء نتعلمه من القرآن وسنة رسول الله  مما أوجب الله علينا ، فإنّ علينا أن نعمل به ، فمن تعلم شيئاً من هذا ولم يعمل به بل تركه وأعرض عنه فإن له نصيباً من هذا المثل  كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا  ،
ويدخل في ذلك : الذم
• من تعلم العلم ليُباهي به العلماء ويُماري به السفهاء أو يصرف وجوه الناس إليه . كما قال  في حديث أبي هريرة  : (مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُجَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ ) رواه ابن ماجة (صحيح) .
• من تعلم العلم من أجل الدنيا ، كما قال  في حديث ابي هريرة  : ( مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (صحيح) .(عرف الجنة : ريحها) .
الآيـــات
 قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (Cool يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) 
التفسير :
قل - أيها الرسول - : يا أيها اليهود إن زعمتم أنكم أبناء الله وأحبابه من دون الناس فتمنوا الموت ؛ لتلقوا الله وتحصلوا على الجنة إن كنتم صادقين في دعواكم أنكم أحِبّاء الله وأن الجنة لكم دون غيركم . ولا يتمنى اليهود الموت أبداً ؛ خوفاً من عذاب الله بسبب ما قدمت أيديهم من الذنوب والمعاصي . والله عليم بالظالمين لا يخفى عليه منهم شيء ، وسوف يجزيهم على ظلمهم .
قل ـ أيها الرسول ـ لليهود : إنّ الموت الذي تهربون منه فإنه نازلُ بكم عند حلول آجالكم ولا مفر منه ، ثم تُرجعون بعد الموت إلى الله العالم بما غاب وما ظهر ، ولا يخفى عليه شيء ؛ فيخبركم بأعمالكم ويجازيكم عليها .
يا أيها المؤمنون ، إذا أذن المؤذنُ لصلاة الجمعة - عند جلوس الإمام على المنبر- فامضوا إلى استماع الخطبة والصلاة ، واتركوا البيع والشراء وما يُلهي ، فترك الأعمال من بيع وغيره والمضي إلى صلاة الجمعة واستماع الخطبة خيرٌ لكم ثواباً وأعظم أجراً إن كنتم تعلمون ما هو أنفع لكم في دنياكم وأخراكم ، فإذا أُدِّيت الصلاة فاذهبوا في الأرض منتشرين لطلب الرزق من الله ، واذكروا الله ذكراً كثيراً في كل حين لتحصلوا على الفلاح ( الظفر بكل مطلوب والنجاة من كل مرهوب ) ، وإذا رأى بعضُ الناس ممن حضر معك الجمعة تجارةً أو شيئاً مما يُلهي ، خرجوا إليها وتركوك ـ أيها الرسول ـ قائماً تخطب ، قُل لهم ـ أيها الرسول - : ما عند الله من الأجر العظيم والثواب الجزيل والنعيم المقيم خير من اللهو والتجارة التي خرجتم إليها وغيرها من زينة الدنيا ، والله خير الرازقين فاطلبوا الرزق منه ؛ بالاستجابة له والقيام بطاعته وطاعة رسوله  ، فهو سبحانه خير من أعطى وأغني وتفضل.
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : إن العبد المؤمن المطيع يحب لقاء الله ولا يكره ذلك ، بخلاف العبد الذي هو بعيد عن الله ومعرضٌ عن ربه ، فإنه يكره لقاء الله ، ولذا ترى اليهود وغيرهم من الكفار يكرهون الموت ويُحبون الحياة ويحرصون عليها  أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ  لكن أنا وأنت ينبغي لنا أن نكون قائمين بأمر الله حتى إذا حان الموت أحببنا لقاء الله فيحب الله لقاءنا ، وقد قال  في حديث عائشة رضي الله عنها : (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ ...الحديث) رواه الشيخان .
2- أيها المسلم : إن الموت لا مفر منه ولا مهرب ! لكن هل استعددنا للموت وما بعده ، فلم يبِت أحدنا إلا وهو على أهبة الاستعداد له ؟
ومن ذلك:
• الوصية : فقد قال  في حديث ابن عمر : (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ ) رواه الشيخان . وقال عبد الله بن عمر  ( مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي ) رواه مسلم .
• إمضاء الصدقات : التصدق من مالك ، فهو الذي لك ، وقد قال  في حديث ابن مسعود  : ( اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَالُكَ مَا قَدَّمْتَ وَمَالُ وَارِثِكَ مَا أَخَّرْتَ ) رواه النسائي وابن ماجة (صحيح) .
أخي : أنفِق من مالك قبل الموت وأنت صحيح ، كما قال  في حديث ابي هريرة  لمّا سأله رجلٌ : أي الصدقة أعظم أجراً ؟ فقال  : (أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ ) رواه الشيخان .
3- أخي المسلم بادر إلى الجمعة مبكراً ، ومما يتعلق بالجمعة :
• يسن التبكير إلى الجمعة لقول  في حديث ابي هريرة  : ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْر ) رواه الشيخان .
• يجب الاغتسال للجمعة لقول  : (غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ)رواه الشيخان
• يسن التسوك والتطيب لقول  : (وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ ...الحديث) رواه مسلم .
• يُسن أن يلبس من أحسن ثيابه ، وأن يُحسن الغسل ، ويتطهر فيحسن الطهور لقوله  في حديث أبي ذر  : ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْسَنَ غُسْلَهُ وَتَطَهَّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَلْغُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ) رواه ابن ماجة (صحيح) .
• من وجد سَعةً فيُسن له أن يشتريَ أو يتخذ ثياباً ليوم الجمعة سوى ثياب مهنته ، لقوله  في حديث عائشة رضي الله عنها : (مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ ) رواه ابن ماجه (صحيح) وفي حديث ابن سلام  : ( لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ) رواه ابن ماجة (صحيح) .
• في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبدٌ مؤمن يسأل الله فيه خيراً إلا أعطاه (آخر ساعة من يوم الجمعة) ، ( أو عند صعود الامام )..
أحرص أخي على اغتنام تلك الساعة ! وادع الله بما أحببت من خيري الدنيا والآخرة .
• يسن قراءة سورة الكهف يوم الجمعة لقوله  في حديث أبي سعيد  : ( إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين) رواه الحاكم (حسن) .
اقرأ سورة الكهف يو م الجمعة .
• أخي المسلم أكثر من الصلاة على النبي  يوم الجمعة وليلة الجمعة ، لقوله  في حديث أنس  : ( أكثروا الصلاة على يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا) رواه البيهقي في السنن (حسن) وفي حديث أبي مسعود  : ( فإنه ليس يصلي علي أحد يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته ) رواه الحاكم (صحيح) .
• يحرم البيع وكل ما يلهي بعد الآذان الثاني (والامام على المنبر) ولا يصح البيع ( البيع باطل ) مع الاثم .
• أخي المسلم ، إنّ طاعة الله والإقبال عليه خيرٌ من الدنيا وما فيها من ملذات وزينة ، فإذا حضرت إلى الجمعة فاستفد من الخطبة وتفهّمها ، وطبِّق ما سمعته فيها ، وعُد إلى أهلك فذكرهم بذلك ، ولا يكن أحدُنا إنّما يفكر في دنياه حتى في حال الخطبة ! ولا يقبل بقلبه على ذكر الله !
من الآن من الآن اجعل هذا أخي في قلبك وعقلك . والله الموفق .




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:12 am

تفسير سورة الحشر
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الآيـــات
 سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) 
التفسير:
نزَّهَ الله تعالى وقدَّسه ومجّدَه كلُ ما في السماوات والأرض من جميع المخلوقات، وهو العزيز منيع الجناب الذي لا يغالب، الحكيم في شرعه وصُنعه وجزائه.
هو الذي أخرج الذي كفروا من يهود بني النضير من ديارهم بالمدينة إلى الشام لمّا نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله ، ما ظننتم أن يخرجوا من ديارهم وحصونهم الحصينة، وظنوا هم أن حصونهم سوف تمنعهم من بأس الله على يد أوليائه، فما أغنت عنهم من الله شيئا وجاءهم من الله ما لم يكن ببالهم، وألقى الله في قلوبهم الخوف الشديد والهلع والجزع، يخربون بيوتهم عند إخراجهم منها بأيديهم وأيدي المؤمنين الذين هدموا عليهم حصونهم ليتمكنوا من قتالهم، فاتعظوا يا أصحاب العقول المفكرة والقلوب الحية بما حصل لهؤلاء.
ولولا أن الله كتب عليهم النفي من ديارهم وأموالهم إلى الشام لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي كما عذب بني قريظة بذلك، ولهم في الآخرة عذاب نار جهنم.
ذلك النفي المصحوب بالهوان الذي حل بيهود بني النضير وما اعد الله لهم في الآخرة من عذاب نار جهنم هو جزاء لهم بسبب أنهم خالفوا أمر الله وأمر رسوله ، ومن يخالف الله ورسوله ويعانده فإن الله يعاقبه أشد العقاب.
ما قطعتم - أيها المؤمنون - من نخلة أو تركتموها قائمة على ساقها بلا قطع ، فذلك بمشيئة الله وقدره وإذنه لكم فيه وليذل ويهين اليهود الخارجين عن طاعة الله وطاعة رسوله .
وما أعطى الله رسوله من أموال يهود بني النضير فما أسرعتم في الحصول عليه على خيل ولا إبل ، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء من عدوه ، فسلط رسوله محمد  على يهود بني النضير ففتح بلادهم صلحاً بدون قتال ولا مشقة في فتحها، والله على كل شيء قدير ، فلا يُغالب ولا يُمانع بل هو القاهر لكل شيء.

بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : كل المخلوقات تسبح الله وتنزهه وتمجده ، لذا فإنني أقدم النصيحة لنفسي ولك أن نُكثر من تسبيح الله  ، ومن ذلك ما قاله  لجويرية رضي الله عنها قال : ( لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ ) رواه مسلم . كم تستغرق هذه الكلمات إذا قلناها ثلاث مرات ؟ إنها تستغرق زمناً يسيراً جداً ، دقيقةً أو أكثر ، فلا يفوتك هذا الفضل ! .
2- أخي المسلم صاحب العقل: لننظر في الآيات الكونية وما أجراه الله على يد رسوله  في إخراج يهود بني النضير ، وفي الآيات الشرعية حتى نعتبر ونتعظ ونوقن أن هذا الكون كله مُدبرٌ من خالق الكون وهو الله ، وأن الله  ناصرٌ رسوله وحزبه المؤمنين ، وأنّ من الأمور التي نصر الله بها رسوله :
( أ ) الرعب : وقد قال : (نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ) رواه الشيخان عن جابر .
(ب) ريح الصبا : كما قال  في حديث ابن عباس  : (نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ ) رواه الشيخان .
(ج ) الملائكة : قال تعالى:  أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ  [الأنفال:9]
( د ) بالمؤمنين : كما قال تعالى : هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:62 ]) فلنعتبر ونتوكل على الله في قتال الكفار ولنتوكل على الله دون سواه.
3- وجوب إخراج المشركين واليهود والنصارى من جزيرة العرب ونفيهم عنها ، وقد قال  في حديث ابن عباس  : ( أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ ) رواه البخاري . وقال  : (لَئِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ) رواه الترمذي والحاكم (صحيح) .
أخي المسلم ، لا تستقدم الكفار من عمال أو خدم أو غيرهم إلى جزيرة العرب ، سواء كانوا وثنيين أو نصارى أو يهوداً أو غيرهم ، واتق الله ! واجعل كلام رسول الله  نصب عينيك .
4- إذا رأى الإمام أو القائد تحريق وإتلاف أموال العدو لأن في ذلك نكاية بهم جاز ذلك ، بل قد يشرع كقطع نخلهم وحرْق زروعهم وثمارهم وتحريق آبارهم الاقتصادية وهدم منازلهم ومصانعهم ؛ لأن رسول الله  : ( حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ ) رواه البخاري. وإذا رأى الإمام أو القائد ترك الأشجار والمصانع وغيرها وعدم إتلافها ورأى المصلحة في ذلك تركها ؛ لأنه ينظر في مصلحة المسلمين.
5- أخي المسلم إنّ اليهود أهل غدر وخيانة ، وقد حاربهم النبي  كما جاء عن ابن عمر  : ( حَارَبَتْ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ ) رواه البخاري .
هل عرفنا اليهود الأعداء الألدّاء ؟ أشدّ الناس عداوة ، هم ومن أشرك بالله عدو للمؤمنين ، وهل جاهدناهم في الله  ؟ لنعرف عدونا !.
6- قال سعيد بن جبير قلت لابن عباسSadسُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ) رواه الشيخان.

الآيـــات
 مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (Cool وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)
التفسير:
ما أعطى الله رسوله  من أموال البلدان بدون قتال فمصرفه لله ورسوله ، ينفق في مصالح المسلمين العامة ، ولقرابة الرسول  ، ولأولاد المسلمين اليتامى الذين فقدوا آبائهم وهم دون البلوغ ، والمساكين ، والمسافر المنقطع بسفره ؛ حتى لا يكون المال يتغلب على أكله الأغنياء ومتداولاً بينهم دون الفقراء ، وما أمركم به الرسول  فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه، واتقوا الله بالقيام بطاعته وترك معصيته، إن الله شديد العقاب لمن اعرض عنه وعصاه.
يصرف من مال الفيء للفقراء المهاجرين الذين طردوا من ديارهم (مكة) ومُنعوا من أموالهم ، فهاجروا يبتغون رزقاً من الله ومرضاته ، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون في إيمانهم قولاً وفعلاً ، وهم سادات المهاجرين رضي الله عنهم وأرضاهم.
والذين سكنوا المدينة من قبل هجرة المهاجرين ، وآمنوا قبل كثير منهم ، فلكرمهم وشرف أنفسهم يحبون من جاءهم من المهاجرين ويواسونهم بأموالهم، ولا يجدون في صدورهم حسداً مما أُعطي المهاجرون من الفيء وغيره، ويقدمون المهاجرين على أنفسهم في كل شيء ولو كان بهم حاجة شديدة إليه، ومن يسلم من البخل والحرص على المال فيبذله في وجوه الخير ، فأولئك هم الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مرهوب.
والذي جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار من المؤمنين يدعون الله : ربنا اغفر لنا ذنوبنا واغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، ولا تجعل في قلوبنا حسداً وبغضاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف بعبادك المؤمنين بإيصال الخير إليهم وصرف السوء عنهم ، رحيم بهم.
بعض الدروس من الآيات :
1- إنّ مصرف الفيء هو كما في هذه الآية  مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ... الآية) والسهم الذي كان لرسول الله  كان يُنفق منه على أهل بيته ،كما في حديث عمر قال: (كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) رواه الشيخان وأحمد وغيرهم.
2- لا يصح الوقف على الأغنياء فقط ،كما لو قال المسلم : "وقفت هذا المبنى على الأغنياء" فلا يصح الوقف ؛ لأنه بهذا الوقف يصبح المال دُولةً (يدور) بين الأغنياء فقط، وهذا هو المختار.
3- أخي المسلم لندرس أنفسنا عند هذه الآية : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا هل أنا وأنت نأتمر بأمر الله ورسوله ، وننتهي عن نهي الله ورسوله؟ ولنتذكر الثواب العظيم لمن قام بأمر الله ورسوله وانتهى عما نهى عنه الله ورسوله فذلك هو الهدى  وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا  [النور:54]. وأما المخالف الذي لا يستجيب ، فليجعل هذا أمام عينيه :  إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ فكل معصية لله ولرسوله فإن صاحبها مُعرّض لعقاب الله  . فلنحذر جميعاً المعاصي ! وإن من فضل الله علينا أنّ أوامره إنما تجب بالاستطاعة ، وأما ما نهى عنه فيجب تركه فوراً ، ولا يقول العاصي : لا أستطيع ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  : (فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) رواه الشيخان .
4- في هذه الآية:
• فضل السابقين الأولين من المهاجرين من أصحاب رسول الله  من مكة إلى المدينة فقد فضلهم اله تعالى في قوله: "وَالسَّابِقُون َالأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ".
• فضل الأنصار من أصحاب رسول الله  وقد قال عمر  : ( أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ خَيْرًا أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا  الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ  أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ ) رواه البخاري . وفي حديث أنس  قال : ( دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالُوا لَا إِلَّا أَنْ تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا قَالَ إِمَّا لَا فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أَثَرَةٌ ) رواه البخاري .
• فضل الذين جاءوا من بعدهم يدعون بالمغفرة لهم ولمن سبقوهم بالإيمان .
أخي المسلم هل أنا وأنت نطلب الله أن يغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا
بالإيمان ؟ وندعو الله أن لا يجعل في قلوبنا حسداً وغلا للذين آمنوا ؟ إنّ علينا أن نكون كذلك.
• من سب أصحاب رسول الله  لما يحملونه من دين الله أو كفّرهم أو كفّر جمهورهم أو فسّقهم أو اعتقد السوء فيهم كلهم أو في جمهورهم فهو كافر الكفر الأكبر لأنه مكذب لله تعالى فيما أخبر به من فضائلهم.
5- أيها المسلم : إن علينا أن نطهّر قلوبنا من الغل والحسد للمسلمين ، وما أكثر الذين فيهم داء الحسد لإخوانهم من المسلمين ! بحيث أنك تراهم يتكلمون في من يحسدونهم ويظهر ذلك في تصرفاتهم ، أما لو كان الحسد في القلب فقط ولكن جاهد العبد نفسه ، فهو على خير ، بحيث يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه ، وتأمل - أيها المسلم - هذا الحديث : قوله  في حديث أنس  : ( يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ ...الحديث) وفيه أن رسول الله  قال ذلك في الغد وبعد الغد وطلع نفس الرجل على مثل حالته الأولى ، وأنّ عبد الله بن عمرو بن العاص  تبع الرجل ومكث عنده يستخبر شأنه ، فوجده ليس عنده عمل كبير ، وسأله ، فقال الرجل : مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ ) رواه أحمد (صحيح) .
لنطهّر قلوبنا من الحسد للمسلمين على ما أعطاهم الله ! ولنجاهد أنفسنا على ذلك! .
6- فضل الايثار في المال ونحوه :
فيا أخي لنتصدق حتى وإن كان أحدنا ذا مال قليل ، وقد قال تعالى :  وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ  وقال  في حديث أبي هريرة  قال : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ جُهْدُ الْمُقِلِّ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) رواه أبو داود والحاكم (صحيح) .
7- أخي المسلم لنحذر من الشح والبخل ! ولنكن أصحاب كرم وعطاء وإنفاق في وجوه الخير وقد قال  في حديث جابر  ( وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ) رواه مسلم .
الشح : هو البخل بالواجب من زكاة أو نفقة أو ضيافة ونحو ذلك .


الآيـــات
 أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) 

التفسير :
ألم تعجب إلى المنافقين يقولون لإخوانهم الذين كفروا من يهود بني النضير : لئن أخرجتم من المدينة لنخرجنّ معكم من المدينة تضامناً ، ولا نتخلى عنكم والوقوف معكم ، لأجل أحد كائناً من كان ، وإن قاتلكم محمد  ورجاله لننصرنكم بقتالهم معكم ، والله يشهد أنهم لكاذبون فيما وعدوا به بني النضير ، لئن أخرجَ الرسولُ  يهود بني النضير من المدينة لا يخرج معهم المنافقون ، ولئن قاتل محمدٌ  والمؤمنون يهود بني النضير لا ينصرهم المنافقون بالقتال معهم ، وعلى فرض أنهم قاتلوا مع اليهود ، يهربون ولا يثبتون ثم لا ينصرهم أحد .
والله ، لأنتم - أيها المؤمنون ـ أشد خوفاً في صدور المنافقين من الله ، ذلك بأن المنافقين قوم لا يفقهون عظمة الله ، ولا يقدرونه حق قدره ؛ ولجبن اليهود فهم لا يقاتلونكم مجتمعين - أيها المؤمنون ـ مبارزةً ومواجهة ، بل إما في قرى محصنة بالأسوار ونحوها ، أو من وراء الجدر والمباني ، عداوتهم فيما بينهم شديدة واختلافهم قوي بينهم ، تظنهم مجتمعين متفقين وهم مختلفون متفرقون غاية التفرق ، لأنهم قوم لا يعقلون الحق ولا يفقهون فاجتمعوا على رده والكفر به ، مَثَل يهود بني النضير كمثل كفار قريش ويهود بني قينقاع ، ذاقوا عاقبة كفرهم من الهزيمة وجلاء بعضهم (بنو قينقاع) في الدنيا ولهم عذاب مؤلم جداً في نار جهنم يوم القيامة ، مثل المنافقين في وعدهم وكذبهم وخداعهم لبني النضير - أن ينصروهم في قتال المسلمين - وضحكهم عليهم بذلك ،كمثل الشيطان حين قال للإنسان : أُكفر ! وزيّن له ذلك ، فلما أطاعه الإنسان وكفر بالله خذله وتنصّل منه وتبرأ وقال :  إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ  فكانت عاقبة الشيطان والإنسان الذي أطاعه في الكفر بالله ، أن أدخلهما الله نار جهنم خالدين فيها لا يخرجون منها ، وذلك جزاء الظالمين أنفسهم بالكفر بالله  .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : إن المنافقين واليهود إخوة في الكفر ، وهم جميعاً حرب على دين الله (الإسلام) فلا تعجب إذا رأيت المنافقين وهم عملاء لليهود في هذا العصر ، حتى وإن تسمّى أولئك المنافقون بأنهم مسلمون ، لكن كيف نغتر أنا وأنت بهؤلاء المنافقين ؟ فيطيعهم الكثير من الناس في ما يقولون ويخدعون به المجتمع ، فتراهم يسعون في كل أمور الفساد لنشرها في الأمة مثل : (حقوق المرأة ) وتلك الحقوق عندهم هي الاختلاط ، والتحرر من الأخلاق ، والسفر بدون محرم ، وممارسة حريتها بدون رقابة ، ومثل : ( المناهج التي للتعليم ) وهي عندهم ينبغي أن تكون خالية من الولاء والبراء ، ومن ذم الكفار ، ومن الكلام في الجهاد في سبيل الله ، ومن كثير من المسائل التي هي من دين الإسلام .
إنّ علينا أن نعي أن المنافقين هم كالشيطان في الشر والفساد والرذيلة والخداع ونشر الكفر وحرب الله ورسوله . فاحذرهم !!.
2- أيها المسلم : لنحذر من صفات المنافقين ، ومن صفاتهم :
إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ، وإذا خاصم فجر وقد قال  في حديث أبي هريرة  : (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه الشيخان .
لنحاسب أنفسنا في هذه الخصال ، حتى لا نشبه المنافقين فيها ، طاعة لله  ولرسوله ، ومن علامة النفاق ما قاله  في حديث أنس  : (آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ ) رواه الشيخان .
3- إنّ اليهود جبناء ، والخوف صفة من صفاتهم اللازمة لهم ولا يمكن أن تفارقهم في يوم من الأيام ، ولذلك على المسلمين قتالهم من أجل إعلاء كلمة الله أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، ومن علامات جبنهم وخوفهم أنهم يخافون من المبارزة في القتال ، وإنما يقاتلون عن طريق التحصُّن والرمي من بعيد بالأسلحة الحديثة ، فلو أن المسلمين دخلوا عليهم لكان ذلك مما لا طاقة لليهود به ولاستسلموا ؛لحرصهم على الحياة الدنيا .
وإذا كان الجبن من صفات اليهود ، فإنه يشرع للمسلم الاستعاذة بالله من الجبن ، وفي حديث مصعب بن سعد عن أبيه  أن رسول الله  كان يدعو : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ ) رواه البخاري .
4- التحذير من الشيطان ومن أساليبه في تزيين المعاصي .
وينظر العبد : إنّ الشيطان يوقع العبد في الهلكة ثم يتبرأ منه فيا أخي :
• اتخذ الشيطان عدواً كما أمر الله ، فاتخذوه عدواً ولا تطع هذا العدو.
• اعلم أن كل معصية لله ، فإن الشيطان يسعى لإيقاعنا فيها ، فليتنبّه أحدنا لذلك كل التنبُّه ! وليحذر كل الحذر ! وفي الحديث : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ ...الحديث ) رواه أحمد والنسائي (صحيح) .
• اعلم أن الشيطان يسعى لنشر العداوة والبغضاء ، ولذلك تجد أكثر العداوة بين الأقرباء ، وبين الجيران ، وبين أهل القرية الواحدة ، وبين أهل المسجد الواحد ، وبين الدول المتجاورة ، وبين الزملاء ، كما يسعى الشيطان لنشر العداوة بين الزوجين حتى يطلق الزوج زوجته ، وهذا مما يفرح به الشيطان أشد الفرح ، فيلتزم جنده الذي سعى في ذلك ويقول : (أنت أنت)رواه ابن حبان (صحيح) وقال  "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم" رواه مسلم / صحيح
إذا علمنا ذلك فلنقم على أنفسنا بتغير هذا المنكر في أنفسنا ، وفي مجتمعنا ، حسب الاستطاعة ، ونحذِّر المجتمع من الشيطان الرجيم.
5- أخي المسلم : يجب علينا أن يكون خوفنا من الله ورهبتنا منه مقدمة على كل شيء كما قال تعالى :  وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ  [البقرة:40] وقال عن عباده الصالحين : وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا  [ الأحزاب : 39 ] وقال تعالى : فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [البقرة:150] والخشية والرهبة عبادة لله  فيُفرد بها دون سواه ، وليحذر المسلم من أن يرهب غير الله كما يرهب من الله وأشد من رهبته لله ،كحال المنافقين  لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ  فمن كان يرهب غير الله أشد من رهبة الله فهو متشبه بالمنافقين ، وقد قال  : (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) رواه أبو داود من حديث ابن عمر (صحيح). والله الموفق .


الآيـــات
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) 
التفسير :
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه ، ولتنظر كل نفس ماذا قدمت من الأعمال الصالحة أمامها ليوم القيامة ، وخافوا الله بالقيام بطاعته واجتناب معصيته ، إن الله عالم بجميع أعمالكم وأقوالكم لا يخفى عليه منكم شيء ، وسيحاسبكم على ذلك . ولا تكونوا مثل الذين تركوا أمر الله ونهيه وأعرضوا عن الله ورسوله، فأنساهم الله العمل الصالح الذي ينفعهم في آخرتهم فعملوا بمعاصيه وتركوا طاعته ، أولئك هم الخارجون عن طاعة الله الهالكون يوم القيامة .
لا يتساوى أهل النار في العذاب والسموم والصراخ والبكاء وأهل الجنة في الفرح والنعيم والجنان ، أصحاب الجنة هم الحائزون لكل مطلوب ، النّاجون من كل ما يُخاف منه .
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ، فخاطبناه به وكلفناه بما فيه ، فتدبّرَ هذا القرآن وفهمه ووعاه لرأيت الجبل قد تصدع وخشع خوفاً من الله على قساوته وشدته ، فكيف يليق بكم - أيها البشر - أن لا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع من خشية الله عند تلاوة هذا القرآن وتدبره ؟ مع أنكم لستم من حجارة صلبة ، بل من لحم وشحم وفيكم عقول وقلوب ، وهذه الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ويتدبرون آيات القرآن فيؤمنون بالله ويطيعونه بعبادته دون سواه .
هو الله الذي لا معبود بحق إلا هو ، عالم الجهر والكتمان والسر والعلانية ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات ، الرحيم بأهل طاعته ، فهو رحمن الدنيا والآخرة
ورحيمهما ، هو الله الذي لا يستحق العبادة غيره ، المالك لكل شيء المتصرف فيها المدبر لها ، المبارَك المنـزَّه عن كل نقص وعيب ، السالم من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله ، المصدق عباده المؤمنين في إيمانهم به ، ورسله فيما أرسلهم به وخلقه فقد آمنهم من أن يظلمهم ، الشاهد على خلقه بأعمالهم الرقيب عليهم ، العزيز بقهر من سواه وانتقامه ممن عاداه ، الذي لا تليق الجبرية إلا له ، ولا التكبر إلا لعظمته ، تقدس وتنـزه وتعالى عما يشركون به من الآلهة الباطلة ، هو الله الخالق لكل المخلوقات المُوجِد لها من العدم ، المُصوِّر لخلقه على هيئات مختلفة كما شاء ، له الأسماء الحسنى كلها التي بلغت الغاية في الحسن والكمال والجلال والجمال ، ينـزهه ويقدسه كل المخلوقات في السماوات والأرض ، وهو العزيز فلا يُرام جنابه ، الحكيم في شرعه وقدره وجزائه فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم ، ليجلس كل واحد منا مع نفسه ويحاسبها : ماذا قدم لآخرته من أعمال الخير والبر مما ينفعه عند ربه بعد موته ؟ فإن كان قدّم خيراً فليحمد الله وليستزد من الخيرات والصالحات ، وإن كان لم يقدم خيراً فليتب إلى الله ويستدرك بقية عمره من هذه اللحظة في اغتنام العمر بعمل الطاعات وترك المحرمات والمسارعة إلى الخيرات ، والاستجابة إلى كل عمل بر وطاعة كما استجاب أصحاب رسول الله  له في أمره ونهيه ومن ذلك ما جاء في حديث جرير  قال : (كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ  فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ  لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ :  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا  وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ  اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ  تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ  يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ) رواه مسلم .
" أخي أسرع إلى ما ينفعك في آخرتك من هذه اللحظة واترك الكسل فإنا راحلون إلى الآخرة"
2- أخي المسلم العاقل ، أن استطعت أن يأتيك الأجل وأنت في طاعة الله فافعل واحرص واجتهد ، وقد قال أبو بكر الصديق في خطبته : (أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ لأَجَلٍ مَعْلُومٍ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْقَضِيَ الأَجَلُ وَهُوَ فِي عَمَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَفْعَلْ ، وَلَنْ تَنَالُوا ذَلِكَ إِلا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، إِنَّ قَوْمًا جَعَلُوا آجَالَهُمْ لِغَيْرِهِمْ فَنَهَاكُمُ اللَّهُ أَنْ تَكُونُوا أمْثَالَهُمْ :  وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأنْسَاهُمْ  أَيْنَ مَنْ تَعْرِفُونَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ ؟ قَدَّمُوا مَا قَدَّمُوا فِي أَيَّامِ سَلَفِهِمْ ، وَحَلُّوا فِيهِ بِالشِّقْوَةِ ، وَالسَّعَادَةِ ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ الأَوَّلُونَ الَّذِينَ بنوُا الْمَدَائِنَ وَحَفَفُوها بِالْحَوَائِطِ ؟ قَدْ صَارُوا تَحْتَ الصَّخْرِ وَالآبَارِ ، هَذَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لا تَفْنَى عَجَائِبُهُ فَاسْتَوْصُوا بِهِ ، مِنْهُ لِيَوْمِ ظُلْمَةٍ وَائْتَضِحُوا بِسَائِهِ وَبَيَانِهِ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، فَقَالَ : كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ، وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين  ، لا خَيْرَ فِي قَوْلٍ لا يُرَادَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ ، وَلا خَيْرَ فِي مَالٍ لا يُنْفَقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ يَغْلِبُ جَهْلُهُ حِلْمَهُ ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ )
رواه الطبراني وقال أبن كثير إسناد جيد.
3- أيها المسلم :
• من صفات الله ما يشرع التخلق به ومنها صفة الكرم ، فُيشرع للعبد أن يكون كريماً.
ومنها صفة الحلم فيشرع للعبد أن يكون حليماً ، وقد قال رسول الله  لأشج عبد القيس : (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ ) رواه مسلم من حديث ابن عباس.
ومنها صفة الرحمة فيشرع للعبد أن يكون رحيماً بالمؤمنين ، وبالصغار وبالحيوان ونحو ذلك وقد قال  في حديث جرير  : ( مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَم ) رواه الشيخان وغير ذلك من الصفات التي شرع التخلق بها.
• من صفات الله ما يحرم التخلق به ومنها صفة الكبرياء فيحرم على العبد التكبر ، وقد قال  في ما يرويه عن ربه  : (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ) رواه أبو داود (صحيح) .
4- أخي المسلم ، في حديث أبي هريرة  أن رسول الله  قال : (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه الشيخان .
إن تيسر لك أن تدرس أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم وسنة رسول الله  لتحصل على هذا الهدف النبيل ( دخول الجنة ) فافعل رحمك الله بما يلي :
• حفظ هذه الأسماء (99 أسماً) .
• فهمها وفقهها ومعرفة دلالاتها حسب الاستطاعة .
• دعاء الله بها كما ورد في القرآن وسنة رسول الله  ، وهذا الدعاء منه ما يكون الثناء بالاسم المتضمن للدعوة ،كما قال  لعائشة رضي الله عنها : ( قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ) رواه الترمذي وابن ماجه (صحيح) .
ومن الدعاء ما يكون بالاسم ( الله ) وهذا كثير جداً ، وإذا دعا بهذا الاسم قال : اللهم ، والدعاء باسم ( الرب ) ( ربنا ) وهذا كثير جداً . والله الموفق .
5- أيها المسلم : ما حالنا مع هذا القرآن في تلاوته والخشوع عند قراءته ، وفهمه والعمل به ، وتعلمه وتعليمه ، والنصيحة له ، ونشره ، وربط الناس به علماً وعملاً وأخلاقاً وسلوكاً وعقيدة ، فلنتأمل حالنا ولندرس قلوبنا ، فكم من قلب أصبح قاسياً بل أقسي من الحجارة ! فلا يتأثر بهذا القرآن ، ولا يذكر الله   فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ  [الزمر : 22].
ويا أخي المسلم لقد بلغ من عظمة هذا القرآن وذكر الله أنه :
• لو كلف الله بهذا القرآن جبلاً لذلّ وخضع وتصدّع ؛ خوفاً وخشيةً من الله العظيم " أين قلبي وقلبك وعملي وعملك بهذا القرآن العظيم ؟"
لنعد إليه من هذه اللحظة بالفهم والعمل !
• إن بعض الجمادات بكى ( الجذع ) ، قال  في حديث جابر  : ( إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنْ الذِّكْرِ) يعني الجذع ) رواه البخاري .
إن الجذع يرغب الذكر فيبكي لفقده فلا إله إلا الله ! .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:13 am

تفسير سورة الصف
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
التفسير :
نزَّه الله وقدَّسه ومدَحه بصفات الكمال ونعوت الجلال كلُّ من في السماوات ومن في الأرض من المخلوقات ، وهو العزيز الذي لا يُغالب ولا يُمانع ، عزَّ كلَّ شيء فقهره ، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وجزائه .
ياأيها المؤمنون ، لم تقولون أقوالاً بألسنتكم ولا تصدقونها بأفعالكم ؟ كمن يَعِدُ منكم أو يقول قولاً وينذر نذراً ولا يَفِي به ولا يصدُقُ فيه . عظُم غضباً وكبُر بُغضاً عند الله أن تقولوا ما لا تعملون به وتطبقونه . إن الله يجب الذين يجاهدون لإعلاء كلمته صفاً متلاصقاً بعضه ببعض كأنهم بنيان مثبت لا يزول ، مُلصقٌ بعضه ببعض في قوته وعدم اختراقه.
واذكر حين قال موسى  لقومه : يا قوم لم توصلون الأذى إلي بالسّب وعدم طاعتي فيما جئت به من عند الله ، وأنتم تعلمون أن الله أرسلني إليكم ؟ فلما عدلوا عن اتباع الحق بعد علمهم به عاقبهم الله ، فصرف قلوبهم عن الهدى وأسكنها الشك والحيرة والخذلان ، والله لا يوفق القوم الخارجين عن طاعته إلى معصيته والإعراض عنه . واذكر حين قال عيسى بن مريم  : يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما نزل في التوراة قبلي ولا أخالف ما فيها من عبادة الله وحده لا شريك له ، ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه (أحمد) وهو الرسول محمد  فآمنوا به ، فلما جاء المُبشَّر به - محمد  - الكفار بالآيات الواضحات ، قالوا : هذا الذي جئت به سحر مبين واضح إفتراءً منهم .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم ، إن تسبيح الله له شأن عظيم ، فلنكثر من التسبيح لله ومن فضل التسبيح:
• ما جاء في حديث أبي هريرة  مرفوعاً : ( مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ ) رواه مسلم.
• حط الخطايا كما قال  في حديث أبي هريرة  : (مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ) رواه الشيخان.
• غرسٌ في الجنة ،كما قال  في حديث جابر  : (مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ) رواه الترمذي (صحيح) ، وغير ذلك من الفضل .
2- أخي المسلم ، لنحذر من أن نقول قولاً وعداً أو عقداً وكلاماً ونخالفه ، فإن من وقع في هذا الأمر وقع في وعيد شديد  كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ  ومن ذلك : الكذب ، فإنه من الكبائر ؛ لأنه قول بلا فعل ، وقد قال عبد الله بن عامر بن ربيعة : (دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قَالَتْ أُعْطِيهِ تَمْرًا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ ) رواه أبو داود (حسن) .
فإذا قلنا فلنصدق ، وإذا وعدنا فلْنَف ، وإذا عقدنا فلْنَف ، وإذا نذرنا فلْنَف ، وإذا التزمنا فلنقم بما التزمنا به ، ويدخل في ذلك من أمَرَ بواجبٍ ونَهَى عن محرم ، ثم ترك الواجب وفعل ذلك المحرم ( يأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويأتيه ) لكن يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى وإن خالفه ، وأما من أمَرَ الناس بالمسنون وترك المكروه فهذا لا يدخل في الذم ، بل يجوز له ترك المسنون وفعل الجائز المباح حتى ولو أمَرَ ونَهَى في ذلك . والله الموفق.
3- فضل الجهاد في سبيل الله ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  ( لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ ) رواه الترمذي (صحيح) . وقال رسول الله  : ( مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ لَهُ عَدْلُ مُحَرَّرٍ) رواه الترمذي وابن ماجة (صحيح) .
وقال  في حديث ابن عمر  ( عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) رواه الترمذي (صحيح) .
4- الصف والتراص مشروع في ما يلي:
• في الجهاد في سبيل الله أمام العدو : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ  .
• في الصلاة : كما قال  في حديث جابر بن سمرة  ( أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ ) رواه مسلم .
أخي المسلم ، إذا صففنا في صلاتنا فلنتراصّ في الصف ، ولا نترك تسوية الصفوف والتراصّ فيها كما هو حال كثير من الناس اليوم في بعض المناطق والقرى والمدن ، وقد قال  : (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) رواه الشيخان.
أخي أهتم بهذا الموضوع الذي يتكرر في اليوم خمس مرات .
5- إنّ رسولنا محمداً  قد بشّر به عيسى  كما في الآية  وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ  وقد قال  ( أنادَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى ...الحديث) وفي لفظ :
( وَبُشْرَى عِيسَى ) رواه أحمد عن ابي أمامه (صحيح) .
أخي المسلم لقد جاءنا محمد  بالهدى والعلم والفلاح . فهل أنا وأنت اتبعناه في كل أمورنا وأعمالنا وأخلاقنا وسلوكنا حتى نلقى الله ؟
اخي : اهتم بهذا الموضوع الهام جداً .
الآيـــات
 وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (Cool هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)

التفسير :
لا أحد أظلم ممن يفتري الكذب على الله ويجعل لله شركاء وأنداداً وبنات وصاحبة وولداً ، وهو يُدعى إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده لا شريك له فيمتنع ، والله لايوفق القوم الظالمين أنفسهم بالشرك والاعراض عن دين الحق . يحاولون أن يبطلوا هذا الحق الذي جاء به رسول الله  وما فيه من النور والهدى بأقوالهم : إنه سحر وشعر وكهانة وأساطير الأولين وغير ذلك من الأقوال الباطلة ، فمثلهم كمن أراد أن يطفيء شعاع الشمس بفيه وهذا مستحيل ، فكذلك يستحيل إبطال هذا الهدى والنور ، والله ناصر دينه ورسوله وكتابه ولو كره الكافرون . والله الذي أرسل رسوله محمداً  بالهدى ودين الإسلام (عبادة الله وحده لا شريك له) لِيُعليه وينصره على سائر الأديان ولو كره المشركون علوه ونصرته .
يا أيها المؤمنون : هل أرشدكم إلى تجارة رابحة عظيمة لا بوار فيها ، تنجون بهذا الربح من عذاب موجع شديد ؟ إنّ هذه التجارة الرابحة هي: تُصدّقون بالله ورسوله التصديق التام وتقاتلون في سبيل اعلاء كلمة الله بأموالكم وأنفسكم ، فهذا خير لكم من تجارة الدنيا الفانية والكد لها والتصدى لها وحدها إن كنتم تعلمون ما فيه الخير لكم مما هو ضار لكم . وربح هذه التجارة أن الله يغفر لكم الزلات والسئيات ويدخلكم جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار ، ومساكن جميلة رفيعة هنيئة العيش طيبة في جنات الإقامة الدائمة والنعيم المقيم ، ذلك هو الظفر العظيم بكل خير ونعيم وقرة عين فلا ظفر أعلا منه . وأزيدكم على ذلك زيادة وعلاوة ومكرمة أخرى تُحبّونها هي نصرٌ من الله لدينكم ولكم على الكفار في جهادكم ، وفتحٌ قريب للأمصار بانتشار دين الإسلام فيها ، وبشر - أيها الرسول - المؤمنين بكل خير في الدنيا والآخرة من النصر والتمكين والحياة الكريمة الطيبة ، والجنة في الآخرة .
يا أيها المؤمنون : كونوا أنصاراً لدين الله في جميع أحوالكم وأقوالكم وأفعالكم وأموالكم مستجيبين لله ولرسوله  كما استجاب أصحاب عيسى  ، فكانوا أنصاراً لدين الله حينما سألهم عيسى  : من مُعيني في الدعوة إلى الله  ؟ قالوا : نحن أنصارك على ما أرسلت به ومؤازروك على ذلك ، فلما بلّغَ عيسى  رسالة ربه إلى قومه اهتدت طائفة من بني إسرائيل على منهج الله الذي جاءهم به عيسى  ، وضلّت طائفةٌ عن منهج الله وكذبوه ، فنصرنا الذين آمنوا واهتدوا على من عاداهم وخالفهم من فرق النصارى ، فأصبحوا عالين عليهم أعزة بنصر الله وتوفيقه.
بعض الدروس من الآيات :
1- أيها المسلمون : إن الكفار يسعون في حربهم لدين الإسلام أن يطمسوا نوره ولكن هيهات ( إن أحداً لا يستطيع أن يطمس نور الشمس ) لكن أنا وأنت يجب علينا أن نسعى في نشر دين الإسلام بالدعوة إلى الله  ولذلك نسأل أنفسنا ماذا قدمنا لديننا على حسب استطاعتنا ؟ وقد قال  : ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ) رواه البخاري . اجتهد رحمك الله في تقديم شيء دعوة إلى الله : بالمال ، بالكلمة ، بالموعظة ، بالكتابة ، بنشر الكتب والأشرطة ، بالقدوة الصالحة ، بالإخلاص ، بمساعدة الناس ، في الإعلام ، في الصحافة في أي مجالٍ من مجالات الحياة .
2- أيها المؤمن :
س1 : هل ترغب في صفقة تجارية رابحة ؟
ج1 : نعم أرغب ذلك.
س2 : ما هذه التجارة الرابحة ؟
ج2 : هي :
• إيمان بالله ورسوله بالاستجابه له  في كل شئون الحياة.
• جهاد في سبيل الله بالنفس والمال.
س3 : ما هو الربح في هذه التجارة ؟
ج3 : الربح هو :
• النجاة من عذاب الله المؤلم .
• الحصول على الخير العظيم الذي هو خير الدنيا وزهرتها.
• مغفرة الذنوب .
• دخول الجنة.
• نصر من الله علي الكفار.
• فتح عاجل بانتشار دين الإسلام في الأمصار.
س4 : أذكر لي بعض صفات مساكن الجنة ؟
ج4 : قال  في حديث علي  : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ) رواه الترمذي (حسن) .
وقال  : (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الْآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُونَ) رواه الشيخان .
3- أيها المؤمن : لنكن أنصار الله بالاستجابة لله ولرسوله  في جميع الأحوال والأقوال والأفعال والأموال وهذا يشمل :
• تطبيق شرع الله (القرآن والسنة) في أنفسنا وحياتنا كلها.
• الوقوف والمساندة مع الدعاة إلى الله ، ومع كل من يقدم لدين الله عملاً (تحفيظ قرآن ، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، جمعيات اغاثة للمسلمين ، مساعدة المحتاجين ، الرد على كُتّاب الصحافة والمجلات الذين يدعون إلى تبرج المرأة وإلى بعض المنكرات ، السعي في قفل القنوات التي تدعوا إلى السِّحر والرذيلة والمحرمات والفواحش ) .
والنبي  لما منعته قريش أن يبلغ رسالة ربه قال : (أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي ) رواه أبو داود وغيره (صحيح).
ماذا قدمنا لنصرة دين الله في أنفسنا وفي أموالنا وكتابتنا وغيرها ؟
لنجتهد ولنقم في ذلك لوجه الله ، طالبين الثواب منه وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ[آل عمران:195].








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:14 am

تفسير سورة الطلاق
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الآيـــات
 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) 


التفسير :
يا أيها النبي : إذا أردت أنت والمؤمنون أن تُطلِّقوا زوجاتكم ، فطلقوهن في طُهرٍ لم تجامعوهنّ فيه أو حوامل ، واحفظوا مدة العدة ؛ لتعرفوا المراجعة فيها إذا أردتم إعادة زوجاتكم إليكم ، واتقوا الله في كل أموركم ، لا تُخرجوا المطلقات الرجعيات من بيوتهن اللاتي يقمن فيها حتى تنقضي العدة ، ولا يحل لهن الخروج لحقِّ الزوج ، إلا أن يأتين بفاحشة واضحة كالزنا ، وتلك شرائع الله ومحارمه ، ومن يخرج عن حدود الله ويتجاوزها إلى غيرها فقد عرّض نفسه لعقوبة الله وظَلَمَها ، لا تدري - أيها المطلق - لعل الله يُحدث بعد طلاقك أمراً لا يخطر ببالك ، بندَمِك على طلاقها فتراجعها .
فإذا شارف المطلقات على انقضاء عدتهن فراجعوهن مع الإحسان إليهن ، أو فارقوهن على وجه جميل وإحسان ، بتركهن حتى تنقضي عدتهن ، واستشهدوا رجلين عدلين من المسلمين على الطلاق والرجعة، وراقبوا الله في الشهادة أن تكون لله ، هذا الذي أمرناكم به من الإشهاد وإقامة الشهادة وأحكام الطلاق والرجعة إنما يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الآخر ، ومن يتق الله فيخافه في أمره ونهيه يجعل له مخرجاً من كل ضيق وكرب في الدنيا والآخرة .
ويرزقه من حيث لا يخطر بباله ، ومن يعتمد على الله في كل أموره فهو كافيه ما يهمه في أمر دينه ودنياه ، وحافظه وميسر أمره . إن الله منفذ أمره في خلقه بما يريد ، قد جعل الله لكل شيء أجلاً وحدّاً وقدراً لينتهي إليه .
والمطلقات اللاتي انقطع عنهن الحيض لكبرهن في السن ، إن شككتم في حكم عدتهن ولم تعرفوه فهو ثلاثة أشهر ، والصغيرات اللاتي لم يحضن فهو كذلك ( ثلاثة أشهر ) ، والحوامل عدتهن أن يضعن حملهن . ومن يخش الله فيعمل بما شرعه له ويترك ما نهى عنه يسهل عليه أمره وييسره عليه .
ذلك المذكور من أحكام الطلاق والرجعة والعدة ، حكم الله وشرعه أنزله إليكم بواسطة رسول الله  لتأتمروا به وتطبقوه ، ومن يتق الله بالعمل بأوامره والانتهاء عن نواهيه يغفر له ذنوبه ويجزل له الثواب على العمل اليسير ويدخله الجنة .

بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : إن كثيراً من الأزواج إذا وقع بينه وبين زوجته خلاف طلقها غير مراع أمر الله ونهيه في طلاقه ، وإنما هو يراعي غضبه ويسير مع هواه ، فتراه يطلقها وهي حائض أو في طهر قد جامعها فيه ، وهذا طلاق (بدعي ) محرّم ، فمن فعل ذلك فعليه أن يراجعها ( يجب عليه ) على ما جاء في حديث ابن عمر  لما طلق زوجته وهي حائض ، فلما علم به النبي  تغيّض منه ، ثم قال : ( لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه البخاري ومسلم . "
فيا أيها المسلم إذا أردت طلاق زوجتك فلا تطلقها إلا في حالتين :
• أن تكون في طهر لم تجامعها فيه.
• أو تكون حاملاً لقوله  (ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا ) رواه مسلم .
• وإن كانت لا تحيض لإياسٍ أو صغيرة ، فطلاقها جائز في كل وقت .
والعدة في الطلاق : إنما هي على المرأة التي دخل بها الزوج ، فإن لم يدخل بها فلا عدة عليها في الطلاق .
2- يحرُم إخراج المطلقة الرجعية من المنـزل ، ويحرم عليها الخروج من المنـزل حتى تنتهي عدتها، ولكن من المؤسف أنّ كثيراً من الأزواج إذا طلق المرأة طلاقاً رجعياً قال : اخرجي من منـزلي ، أو خرجت هي من نفسها ، وهذا المطلق أو هذه المطلقة عصاةٌ لله متعدُّون حدوده سبحانه ، فعليهم التوبة إلى الله . واحذر - أخي المُطلِّق - فلا تُخرج زوجتك المطلَّقة رجعياً من المنزل حتى تنتهي عدتها ، وكذلك أنتِ أيتها المُطلَّقة اتقي الله ! فلا تخرجي حتى تنتهي العدة ، فالمطلقة الرجعية لها النفقة والسكنى مدة العدة وأما غيرها ( غير الرجعية ) فلا نفقة لها ولا سكنى ، لحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها فقد طلقت آخر ثلاث تطليقات ، فقال لها النبي  : ( لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى ) رواه مسلم . فإن كانت المطلقة طلاقاً لا رجعة فيه وهي حامل ، فعلى المُطلِّق نفقة الحمل .
3- أخي المسلم : من طلق زوجته طلاقاً رجعياً ، راجعها ما دامت في العدة ، إذا كان يريدها حقيقةً لا تلاعباً ، ولْيكن ذلك بالإحسان والمعروف ، فإذا كان لا يرغبها فلا يراجعها بل يتركها حتى تنتهي عدتها وتذهب ، وهذا كله بالإحسان والمعروف ، لا كما يفعل المتلاعبون الذين يقول أحدهم : أُنكِّد عيشة المرأة ، أو أُهينَها أو أريها شُغلَها . " اتق الله أيها العبد في المرأة ! وعلى المرأة أن تتقي الله في الزوج " .
4- عدة المطلقة المدخول بها التي تحيض : ثلاث حيضات .
وعدة المطلقة المدخول بها التي انقطع حيضها والصغيرة التي لا تحيض : ثلاثة أشهر .
وعدة الحامل : وضع الحمل .
المطلقة غير المدخول بها : لا عدة عليها في الطلاق
5- عدة المتوفى عنها زوجها إن كانت حاملاً : وضع الحمل ، لقوله تعالى : ¬ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ  ولقصة سُبيعة الأسلمية لما قُتل زوجها وهي حامل فوضعت بعد موته بأربعين ليلة ، فخُطبت فأنكحها رسول الله  . (رواه البخاري) . وأما إن كانت المتوفى عنها زوجها ليست حاملاً : فعدتها أربعة أشهر وعشراً ، دَخَلَ بها الزوج أو لا ؛ لقوله تعالى :  وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة/234] .
6- أخي المسلم : حاسب نفسك ، واتق الله في هذه الأحكام المتعلقة بالطلاق والرجعة والنفقة والسكنى - للمرأة - وغيرها ، ولا يكون أحدنا سائراً مع هواه وغضبه وانتقامه من الزوجة أو من أهلها ، أو تكون الزوجة سائرة مع غضبها وانتقامها من الزوج ، ألا فاتقوا الله جميعاً ! وابشروا بالفرج واليسر وعظم الأجر وتكفير الذنوب والمخرج ، وقد قال ابن مسعود  : (إن أكبر آية في القرآن فرجاً  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا )والله الموفق .

الآيـــات
 أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (Cool فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) 
التفسير :
اسكنوا زوجاتكم المطلقات رجعياً عندكم على حسب سعتكم من الغنى والفقر ، ولا تُدخلوا عليهن الضرر بالمضايقة في السكن ليخرجن ، وإن كن حاملات فيجب عليكم النفقة عليهن حتى يضعن حملهن ، فإن أرضعن لكم أولادكم منهن فأعطوهن أجرة الرضاعة ، وليكن أمركم بينكم بالمعروف من غير إضرار بأم الولد أو بأبيه أو بالولد ، وإن اختلفتم في أجرة الرضاع فأبت الأم ، فستُرضع الطفل امرأةٌ أخرى بأجرة.
ويجب على الزوج الغني أن ينفق على زوجته وعلى ولده حسب غِناه ، وإن كان الزوج فقيراً فعلى قدر حاله ، لا يكلف الله أحداً إلا بقدر ما أعطاه ، وسوف يجعل الله بعد العسر والفقر يسراً وغنى .
وكم من قرية تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله ، فعاقبها عقاباً شديداً في الدنيا ، وعذّبها عذاباً منكرا فظيعاً مؤلماً في الآخرة .
فذاقت نتيجة عملها ومغبَّته ، وكانت عاقبة أمرها خسارة في الدنيا بالعقوبة وفي الآخرة بالعذاب في نار جهنم .
هيأ الله لهم عذاباً مؤلماً فظيعاً في نار جهنم ، فاعتبروا يا أصحاب الأفهام المستقيمة ولا تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم فقد أنزل الله إليكم ما يذكركم ويوجهكم ويدلكم على ما ينفعكم ويحذركم مما فيه هلاككم .
وهذا الذكر هو رسول الله  يقرأ عليكم آيات الله الواضحات ؛ ليخرج الذين آمنوا من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم ، ومن يؤمن بالله ويعمل الأعمال الصالحة يدخله جنات تجري الأنهار من تحت أشجارها وغرفها ،  خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا  ،  وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ قد أحسن الله لهذا المؤمن ما أعطاه من الرزق الكريم في جنات النعيم .
الله الذي خلق سبع سماوات ، وخلق مثلهن من الأرض ( سبعاً ) ، يُنزِّل الوحي بين السماوات والأرض ؛ لتعلموا يقيناً أن الله على كل شيء قدير فلا يعجزه شيء ، وأن الله قد أحاط علمه بكل شيء ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .

بعض الدروس من الآيات :
1- وجوب السكنى للمطلقة - المدخول بها - في طلاق رجعي ( السكنى مدة العدة ) ، فإن كان الطلاق بائناً أو قبل الدخول فلا سكنى لها .
2- إنّ النفقة والسكنى على الزوج وعلى كل منفق ، هي بحسب حال الزوج والمنفق في غناه وفقره ؛ لقوله تعالى :  لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ...الآية  فعلى الأغنياء أن يتقوا الله في النفقة على زوجاتهم وأولادهم وأهليهم الذين تلزمهم نفقتهم ! وكذلك على الفقراء على حسب حالهم  لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا  .
3- للأم أن تطلب أجرة إرضاعها لولدها من أبيه إن كانت مطلقة ، كما في هذه الآية فإن تنازعا في قدر النفقة فرضها القاضي .
4- أخي المسلم : إذا تعسرت عليك الأمور فانتظر اليسر  سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا  وادع الله  أن يبارك في رزقك ، وفي حديث أبي هريرة  : من دعائه  :
( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي ) رواه الترمذي (حسن) . وفي حديث ابن مسعود  : ( اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك ) رواه الحاكم (حسن) . وفي الدعاء بين السجدتين : (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ) رواه أبو داود (صحيح) .
5- أخي المسلم : لنتفكر في خلق السموات والأرض ! فإنه دالٌ على قدرة الله العظيمة فيعظِّم أحدُنا ما شرع الله من الدين القويم ، ويقوم بما أوجب الله عليه وترك ما نهاه الله عنه لوجه الله ، وتعظيماً لله وتقديراً له حق قدره . وكذلك التفكر في كل ما خلق الله ، وقد قال  في حديث ابن عمر  : ( تَفَكَّرُوا فِي آلاءِ اللَّهِ ، وَلا تَتَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ) رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وحسنه الألباني رحمه الله .
6- إنّ الأَرَضين سبع ، وقد قال : ( مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ) رواه الشيخان .
ومن هنا :
• لنحذر من ظلم الناس أرضهم ، فإن ذلك جريمة كبيرة ، وجزاء الظالم أن يُطوّق يوم القيامة من سبع أرَضين ؛ لأن الأرض سبع .
• لنحذر من الذنوب ! فإن الأرض تشهد وتُحدِّثُ أخبارها يوم القيامة ، فمن أذنب عليها فما يدريني ويدريه أن تشهد عليه الأرَضون السبع يوم القيامة ، والله الموفق .
رسالة إلى من يأخذون أرض الضعفاء والمساكين وغيرهم بالأساليب الملتوية والشهادات المزورة نقول : إنتبهوا لأنفسكم من اليوم قبل الموت فأعيدوا الأرض إلى أصحابها وأطلبوا منهم أن يعفوا عنكم وأعطوهم أجرتها لما مضى من المدة وتفكروا في آخرتكم وأن العبد إذا مات ( إنما يكفيه متران في متر ) ليكون قبراً له ويسكن في هذا القبر مدة ( الله أعلم هل تطول أم تقصر ) وهو في هذا القبر فإن تيسر قبره فما بعده أيسر منه وإن لم يتيسر فما بعده أشد منه .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:15 am

تفسير سورة المجادلة
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{: الآيـــات
 قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) 
التفسير:
قد سمع الله قول المرأة (خولة بنت ثعلبة) التي تراجعك في شأن زوجها (أوس بن الصامت) لمّا قال لها : أنت علي كظهر أمي ، وتشتكي إلى الله ما نزل بها وبصبيتها الصغار، والله يسمع تراجعكما والمحاورة التي بينك وبينها، إن الله سميع لأقوالكما من فوق سبع سماوات بصيرٌ بأحوالكما ، ولا يخفى عليه منها شيء.
الذين يظاهرون منكم - أيها المسلمون - من نسائهم فيقول الرجل لزوجته : أنت عليَّ كظهر أمي ، أو كما تحرم علي أمي ، والحقيقة أن نسائهم لسن أمهاتهم، ما أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم، وإن المظاهرين ليقولون قولا منكرا قبيحا وكذباً عظيماً، وإن الله لعفو عن عباده غفور لمن تاب منهم وعاد إلى الله  .
والذي يظاهرون من نسائهم ثم يعودون عن قولهم ويعزمون على جماع زوجاتهم، فعلى من ظاهر عتق رقبة مؤمنة من قبل أن يجامع زوجته، وهذا الحكم يعظكم الله به إلزاما لمن ظاهَرَ من زوجته وأراد العود، والله بما تعملون خبير فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
فمن لم يجد الرقبة المؤمنة أو لم يجد ثمنها ، فيجب عليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يجامع زوجته، فإن لم يستطع الصيام لعذر من الشارع كمرض أو كبر وجب عليه إطعام ستين مسكيناً .
وهذه الأحكام التي شرعت في الظهار لتؤمنوا بالله ورسوله ، في امتثال ما أمر الله ورسوله ، والانتهاء عما نهى عنه الله ورسوله ، وتلك أحكام الله وشرعه قد حدّها الله فيحرم تجاوزها، وللكافرين بها عذاب مؤلم شديد.
إن الذين يشاقون الله ورسوله ويعاندون شرعه ، أُهينوا وأخزوا وذلُّوا كما ذَلّ وأخزي من قبلهم ممن شاق الله ورسله، وقد أنزلنا آياتٍ واضحات محكمات دالة على الحق وداعية إليه، وللكافرين الجاحدين بها عذاب مُذل مُخزٍ في نار جهنم.
واذكروا يوم القيامة وفيه يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيخبرهم بما عملوا من خير أو شر، ضبطه الله عليهم وحفظه وهم قد نسوا ما كانوا عملوا والله على كل شيء شهيد فلا يخفى عليه شيء.

بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم: إن الظِّهار محرم (كبيرة من كبائر الذنوب) ؛لأنه منكر من القول وزور ، فليحذر كل مسلم - ومنهم أنا وأنت - من الوقوع في ذلك بل ونبِّه على إخوانك المسلمين حتى لا يقعوا في هذا المنكر .
ومن المؤسف أن هناك بعض المسلمين لا يزال يحرم زوجته ولا يتعظ فلنتق الله.
2- كفارة الظهار هي على الترتيب عتق رقبة مؤمنة (ذكراً أو أنثى) إن أراد العود ، فإن لم يجد الرقبة أو لم يجد المال لشرائها ، صام شهرين متتابعين قبل الجماع للمظاهر منها ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا حتى يشبعوا أو يعطي كل مسكين نصف صاع من طعام ، وقد دل على الكفارة الآية ولأن النبي  أمر المظاهر بالكفارة.
3- ولا يقرب الزوجة المظاهر منها (لا يجامعها حتى يُكَفِّر) سواء كفَّر بالعتق أو بالصيام أو بالإطعام ؛ لحديث ابن عباس  أن النبي  قال للمظاهر: ( فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ ) رواه أهل السنن (صحيح) .
4- إذا شبَّه زوجته بقرابة كأخته وابنته ونحوهما في الحرمة ، فهو مظاهر .
5- وإذا جامع المظاهر زوجته قبل أن يكفر فهو آثم وعليه كفارة واحدة فقط ، ويحرم عليه جماع زوجته حتى يُكفِّر ؛ لأن في حديث ابن عباس أن الرجل الذي ظاهر من زوجته قال للنبي  إني قد ظاهرت من زوجتي فوقعت عليها قبل أن أكفر! فقال  : ( وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ قَالَ فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ) رواه أهل السنن (صحيح) .
6- إثبات صفة السمع لله  : نعقلُ المعنى ، وأما كمال المعنى والكيف فلا يعلمه إلا الله ، وهذا الإثبات بلا تمثيل كما قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [ الشورى:11 ] .
أخي المسلم ، إذا علمت أن الله يسمع أصوات عباده كلهم ، فلا يخفى عليه ، فهل أنا وأنت نحاسب أنفسنا على ما نقول ، فلا نتكلم إلا بما يرضي ربنا؟ لنحاسب أنفسنا على أقوالنا وأفعالنا، وقد وسع سمع الله الأصوات فلا يخفى عليه منها شيء مهما كثرت وتعددت وتنوعت ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ لقد جائت المجادلة إلى النبي  وأنا في ناحية البيت وما أسمع ما تقول فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى  قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا  ) رواه النسائي وأحمد وابن ماجة والبخاري تعليقاً (صحيح) .
7- أخي المسلم ، إن الله سيجمع الأولين والآخرين في صعيدٍ واحد يوم القيامة ، كما قال  في حديث أبي هريرة  : ( إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ ...الحديث ) رواه مسلم .
كيف بي وبك إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ؟
أخي لنأخذ لذلك اليوم عدته من الآن بالاجتهاد في الأعمال الصالحة والتوبة والاستغفار والله الموفق.

 أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (Cool يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) 
التفسير:
ألم تعلم أن الله يعلم كل ما في السماوات والأرض فلا يخفى عليه شيء من ذلك، ما يكون من ثلاثة يتناجون بينهم بسر إلاَّ والله مطّلع عليهم عالم بهم يسمع كلامهم ويراهم حيث كانوا وأين كانوا فكان رابعهم، أو خمسة يتناجون بسرٍّ إلا كان سادسهم بعلمه، ولا أقل من ثلاثة ولا أكثر من خمسة إلا هو معهم بعلمه وإطلاعه عليهم أينما كانوا، ثم يخبرهم الله يوم القيامة بما عملوا من الأعمال من قليل أو كثير، إن الله بكل شيء عليم فلا يخفى عليه شيء.
ألم تر - أيها الرسول - إلى اليهود الذين نهوا عن المُسارَّة بالكلام المشبوه بإرادة الشر بالمسلمين ، ثم يعودون لما نُهوا عنه من المسارَّة بينهم ، ويُسارُّ بعضهم بعضاً بالإثم الذي يختص بهم وعداوة رسول الله  والمؤمنين ، ويتناجون بينهم فيوصي بعضهم بعضاً بمعصية الرسول  وعداوته، وإذا جاءك هؤلاء اليهود حيّوْك بغير ما حياك به الله فقالوا : السّام عليكم ، ويقولون سراً في أنفسهم : لماذا لا يعذبنا الله بما نقول لمحمد؟ فلو كان رسولا من الله لعاقَبَنا الله بهذا القول له .
إن الله أخر عذابهم لنار جهنم فهي كافيتهم في الدار الآخرة، وبئس المصير مصيرهم ومأواهم ، وهي النار الحامية لهم.
يا أيها الذين آمنوا ، إذا سار بعضكم بعضاً فلا يكون ذلك بما حرُم في خاصته أو فيه تعدٍ بظلم على الناس أو معصية للرسول  ، وليسارّ بعضكم بعضاً بطاعة الله وترك الذنوب، واتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه الذي إليه ترجعون فيجازيكم بأعمالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
إنما كلامكم سراً بينكم بالإثم والعدوان من تسويل الشيطان وتغريره ليصيب المؤمنين بالسوء والحزن، ولكنّ ذلك لا يضر المؤمنين إلا إذا شاء الله وحده، وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون وليفوضوا أمورهم إلى ربهم فكفى به معيناً وحافظاً لمن توكل عليه والتجأ إليه0
بعض الدروس من الآيات :
1- إثبات معية الله لعباده وانه معهم وهي على قسمين :
أ- معية عامة : بالعلم والإحاطة والإطلاع ، فهو سبحانه يعلم عباده ولا يخفى عليه منهم شيء ، فهو يراهم ويسمعهم كما قال تعالى:  أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ...الآية وهذه عامة مع الخلق كلهم.
ب- معية خاصة : بالحفظ والرعاية والنصر والتأييد والتوفيق وهي خاصة بالمؤمنين كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ  [النحل: 128] ، وكما قال  في حديث أنس : ( قال الله  : عبدي أنا عند ظنك بي وأنا معك إذا ذكرتني ) رواه الحاكم (صحيح) .
2- نهى النبي  عن تناجي اثنين دون الثالث ، فلنحذر - أخي المسلم - من ذلك ؛ لقوله  في حديث ابن مسعود: ( إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ ) رواه الشيخان، فإذا أذن الثالث جاز تناجي الاثنين ؛ لقوله  في حديث ابن عمر : ( إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ ) رواه أحمد .
3- أخي المسلم ، لنحذر من المسارّة بيننا بالكلام المحرم أو بأذية المسلم أو غيره ممن يحرم أذيته ، وليكن الكلام السري بيننا بالمعروف ، بصدقة أو بإصلاح بين الناس ، لأن أكثر الناس إنما مسارّتهم لا خير فيها إلا ما قد ذكره الله تعالى:  لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ...الآية  [النساء:114] فإذا ساررت أحداً فكلمه سراً ، كما لو قلت له : فلان رجل محتاج حبذا لو تصدقنا عليه، أو إذا كان عندك يا فلان له شيء فعجل عليه لحاجته الماسة، ويا أخي هناك منكر نريد أن نذهب لإنكاره ، ويا أخي إن فلاناً وفلاناً بينهم مشكلة نريد أن نصالحهم ... وهكذا .
4- أخي المسلم: لنتذكر النجوى يوم القيامة ! لنستعد لذلك من الآن ، فإن الله سيناجي عبده يوم القيامة " فلنقبل على الله بالطاعات ونترك الذنوب والمعاصي" .
وقد قال صفوان بن محرز : بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ  هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ  رواه الشيخان .
5- إذا سلم علينا أهل الكتاب فلنقل : وعليكم ؛ لقوله  في حديث أنس : ( إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ ) رواه الشيخان . وفي حديث ابن عمر قوله  : ( إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ وَعَلَيْكَ ) رواه البخاري .
واعلم أن أهل الكتاب لا يستجاب لهم فينا ولكن يستجاب لنا فيهم ، وقد قال  : ( إنّهُ يُسْتَجَابُ لَنَا فِي الْيَهُودِ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا ) رواه البخاري معلقاً (صحيح) .
6- أخي المسلم: إن الشيطان حريص على أن يدخل الحزن على المؤمنين ، فلنكن أنا وأنت ممن يسعى للتفريج عن المؤمن ، ولا يقوم أحدنا بما يُحزن أخاه المسلم ، وليحاسب أحدنا نفسه على فعله وقوله وتصرفاته حتى لا يكون فيها إحزانٌ لأخيه المسلم وقد قال  : ( بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا) رواه مسلم ، وليحرص أحدنا على انه لا يروع أخاه المسلم وقد قال  في حديث السائب بن يزيد: ( لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ صَاحِبِهِ جَادًّا وَلَا لَاعِبًا وَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ عَصَا صَاحِبِهِ فَلْيَرْدُدْهَا عَلَيْهِ ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي (حسن) .
لا تأخذ شيئا من أخيك المسلم مزحاً لأنه يصاب بالروع كمن أخذت محفظته مزحا أو أخذت فلوسه أو غير ذلك ، فلنحذر ! والله الموفق .
الآيـــات
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) 
التفسير:
يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم توسعوا في المجالس ، فليوسع المؤمن لأخيه في المجلس يوسع الله عليكم في الخير والرزق والأجر والدنيا والآخرة، وإذا قيل لكم انهضوا من المجلس لغرض مباح فقوموا ، فمن أفسح لأخيه وإذا أُمر بالخروج والقيام خرج ، فذلك رفعة في حقه فإن الله يرفع الذين آمنوا منكم الممتثلين لأمره حسب إيمانهم وطاعتهم، ويرفع أهل العلم درجات كثيرة لأنهم ورثة الأنبياء، والله بما تعلمون خبير فلا يخفى عليه منكم شيء.
يا أيها المؤمنون إذا تكلمتم مع الرسول  سراً فتصدقوا بصدقة قبل ذلك ثم ناجوه، فإن تقديم الصدقة خير لكم بكثرة الثواب وأطهر بتكفير الذنوب، فإن لم تجدوا ما تتصدقون به فإن الله واسع المغفرة والرحمة لمن استغفر وتاب إليه وأناب.
أخِفتم من الفقر باستمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول  ؟ فإن لم تتصدقوا وتاب الله عليكم بالعفو عنكم في ترك الصدقة، فأقيموا الصلاة كما شرعها الله لكم على أكمل وجه، وأعطوا الزكاة التي فرض الله عليكم طيبة بها نفوسكم وأطيعوا الله فيما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه وأطيعوا رسوله  بمتابعته، والله خبير بأعمالكم مطلع عليها لا يخفى عليه منها شيء وسيجازيكم عليها.
ألم تنظر إلى المنافقين متعجباً من عملهم الخبيث ، فقد اتخذوا اليهود الذين غضب الله عليهم أولياء من دون الله ورسوله والمؤمنين، فالمنافقون ليسوا منكم – أيها المؤمنون- ولا من اليهود ، ويحلف المنافقون كاذبين أنهم منكم وهم يعلمون أنهم كاذبون في أيمانهم.
هيّأَ الله للمنافقين عذاباً مؤلماً موجعاً في نار جهنم، أنهم ساء عملهم فبعداً لهم وهلاكاً يوم القيامة.
اتخذ المنافقون أيمانهم التي يقسمونها وقاية وستراً يقون بها أنفسهم من القتل وأموالهم أن تؤخذ بتحكيم شرع الله فيهم فيظهرون الإسلام لذلك، وفي الحقيقة أنهم كفار صادون أنفسهم وغيرهم عن دين الله (الإسلام) فلهم عذاب مخزٍ مذل في نار جهنم.
لن تمنع المنافقين أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئاً، أولئك المنافقون هم أهل نار جهنم ماكثون فيها أبداً  وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ  [ البقرة : 167 ] .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم من آداب المجالس التي ينبغي أن نتأدب بها لأنها مما شرعها الله لنا في كتابه وعلى لسان رسوله  ما يلي:
( أ ) إذا دخل أحدٌ المجلس ، فلنوسع له ويتقارب بعضنا من بعض حتى يجد فسحة ليجلس فيها، ولو قال أحد: تفسحوا لأخيكم فكذلك.
(ب) لا يقيم الشخص أخاه المسلم من مجلسه فيجلس فيه ، وإنما يتوسع بعضنا لبعض وقد قال : في حديث ابن عمر : ( لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا ) رواه الشيخان.
(ج) إذا قيل لأهل المجلس قوموا عن المجلس (إلى مجلس آخر أو لغرض مباح أو مشروع) فليقوموا ولا يتأخروا  وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ...الآية .
( د ) لا تفرق بين اثنين جالسين إلا بإذنهما لقوله  في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده  : ( لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي (صحيح).
(هـ) أخي المسلم جالس الصالحين فالجليس الصالح كمثل حامل المسك، ودع جلساء السوء فإن جليس السوء كصاحب الكير.( نافخ الكير)
( و) في حديث أبي سعيد قوله : ( خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا ) رواه أبو داوود وغيره (صحيح).
( ز) مما يشرع ما قاله  في حديث أبي هريرة  : ( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الشَّمْسِ فَقَلَصَ عَنْهُ الظِّلُّ وَصَارَ بَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ فَلْيَقُمْ ) رواه أبو داوود (صحيح).
(ح) اجلس أخي المسلم حيث ينتهي بك المجلس كما قال جابر بن سمرة  : (كُنَّا إِذَا أتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي ) رواه أبو داوود والترمذي (صحيح) .
(ط) المسلم أحق بمجلسه إذا قام ثم رجع لقوله  في حديث أبي هريرة: ( إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ) رواه مسلم .
(ي) في حديث أبي سعيد الخدري  : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ احْتَبَى بِيَدِهِ ) رواه أبو داوود (صحيح) ، ورواه البخاري بنحوه من حديث ابن عمر  .
(ك) ينهى المسلم عن القعدة التي في حديث الشريد بن سويد  قال: ( مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي فَقَالَ أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) رواه أبو داوود (صحيح) .
(ل) يشرع ذكر الله في المجلس وقد قال  في حديث أبي هريرة  : (مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً)رواه أبو داوود (صحيح) .
(م) كفارة المجلس:
(سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ) لثبوت ذلك عنه  في حديث عبدالله بن عمرو وأبي برزة الأسلمي . رواه أبو داوود (صحيح) . وقال : (إنّ ذَلِك كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ ).
2- أخي المسلم : لنحرص على طلب العلم الشرعي من الصغر حتى نموت "ونستمر في ذلك حتى ولو كنا كباراً في السن حتى نلقى الله (الموت)" وقد قال  : ( وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ...الحديث) رواه أهل السنن و أحمد من حديث أبي الدرداء (صحيح) .
3- أيها المسلم : إن المنافقين يوالون اليهود ويحبونهم ويسعون في توثيق العلائق معهم فاعرف هذا رحمك الله :  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ... الآية [الحشر: 11] ، المنافقون وأهل الكتاب أخوة .
الآيـــات
 يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
التفسير:
هذه الآية مرتبطة بما قبلها يوم يُخرج الله المنافقين أحياء من قبورهم جميعاً فلا يغادر منهم أحداً، فيحلفون لله أنهم مؤمنون كما كانوا يحلفون لكم أنهم منكم، ويحسبون أن يمينهم ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس، ألا إنهم هم الكاذبون في ما ادعوه وحلفوا عليه.
استولى وغلب الشيطان على المنافقين حتى تركوا ذكر الله والإيمان به وإتباع رسوله  ، أولئك أتباع الشيطان وجنده السائرون على منهجه، ألا إن أتباع الشيطان هم الخاسرون في الدنيا والآخرة .
إن الذين يشاقون الله ورسوله ويحاربون دين الله ويصدون الناس عنه ويعاندون الرسول  بمخالفته وكراهة ما جاء به أولئك في المقهورين الأذلة المغلوبين الأشقياء في الدنيا وفي الآخرة بدخولهم نار جهنم قد خسئوا وأهينوا فيها.
حكَمَ الله وكَتبَ وقدّر في كتابه الأول (اللوح المحفوظ) :  لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي  فالنصرة لي ولكتابي ولرسولي وعبادي المؤمنين في الدنيا والآخرة ، فمن حاربني ورسلي فهو مهزومٌ مخذول، إن الله قوي لا يغالب ولا يمتنع عليه شيء، عزيز قد قهر كل شيء وذلّ له كل شيء.
لا تجد قوماً يؤمنون بالله الإيمان الصادق ويصدقون بيوم القيامة والجزاء والحساب ويرجون ما عند الله يجعلون محبتهم ومودتهم لمن حارب الله وشاقه وعادى رسوله، ولو كان هؤلاء المشاقون المحاربون آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أو أقرب قريب، أولئك الذين جعلوا ولائهم لله وعدائهم في الله ولا يُقدمون قريباً على ذلك كتب الله في قلوبهم الإيمان وثبته فيها وأيدهم الله بنصر منه وقواهم بحفظه وتوفيقه، ويدخلهم في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار فيها النعيم المقيم خالدين فيها أبداً، قد أحل الله عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً ورضوا عن الله بما وجدوا من الكرامة في تلك الدار.
أولئك أولياء الله الأتقياء الأبرياء فهم حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون بنيل كل مطلوب مما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين والنجاة من كل ما يخاف منه.
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم: إن المال والولد لا يغني عن العبد شيئا يوم القيامة إلا ما كان لله ومن ذلكـ :
* ما أخرجه المسلم من ماله صدقة لوجه الله فإن ذلك له ، ولا تُنقص الصدقة المال، كما في حديث أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله  يقول: ( ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ) الحديث وفيه: (إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ) وفيه (وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ) الحديث رواه الترمذي وابن ماجة (صحيح) .
أخي المسلم ، استغل مالك وأنفق منه لوجه الله وكن بأفضل المنازل .رحمك الله ! *أيها المسلم: اعتن بتربية ولدك لتستفيد منه بعد موتك بالدعاء لك كما قال  : (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ ) وذكر منها ( وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ ) رواه أحمد والترمذي والنسائي (صحيح) .
* أخي ، اجعل لك وقفاً من مالك صدقة جارية ، حتى لو كان وقفاً صغيراً على أعمال البر ، على تحفيظ القرآن الكريم مثلاً أو على اليتامى والمحتاجين أو على الأرامل الفقيرات أو على الدعوة إلى الله  ، أو على عموم أعمال البر ؛ لقوله  : (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ...الحديث)
فاحرص أخي الكريم على ذلك من الآن.
2- أيها المسلم ، لنحذر من الشيطان ، فما أكثر الذين استحوذ عليهم الشيطان ! كما نرى في أكثر العالم من صدهم عن دين الله من الكفار والمنافقين ، نحن المسلمين يسعى الشيطان لإغوائنا وإدخالنا في الذنوب والمعاصي، فلنحذر أيها العقلاء ! ومن الأمور التي يسعى إليها الشيطان وأريد أن نكون يقظين لذلك : أنه يسعى لننسى ذكر الله ، ( فيا أخي لا تنس ذكر الله ) فإن من نسي ذكر الله خُشي عليه من الشيطان الخناس ، ولنجعل ذكر الله على ألسنتنا وفي قلوبنا وجوارحنا عاملين بطاعة الله ومن ذلك :
أولاً : الذكر ، ومنه :
• أذكار الصباح والمساء.
• الأذكار التي بعد الصلوات.
• أذكار النوم.
• أذكار المجلس.
• ذكر الخروج من البيت ودخول البيت.
• ذكر الطعام والشراب والنوم مع الأهل.
بل ذكر الله في الطريق (الشارع) ،ذكر ركوب السيارة ، وذكر النزول، أذكار السفر ، أذكار اللباس ، وغير ذلك .
حافظ على أذكار الصباح والمساء ليحفظك الله من الشيطان.
ثانياً : الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، كما قال تعالى :  وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  [الأعراف: 200] .
3- أخي المسلم :
س1: هل تريد أن تكون ممن كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات .. ؟
ج1: نعم أريد ذلك.
س2: فما هو المؤهل لذلك؟
ج2: المؤهل لذلك : أن تقدم محبة الله ورسوله وطاعة الله ورسوله على كل أحد ولا تُوالي أحداً ممن أعرض عن الله ورسوله ولو كان أقرب قريب إليك حتى لو كان أباً أو أخاً أو ابناً أو زوجةً أو قبيلةً أو صديقاً أو مسئولاً أو حاكماً أو غيرهم ، وقد قال  : (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) رواه الشيخان .
س3: هل تحب أن يحبك الله ، وتكون من حزب الله المفلحين؟.
ج3: نعم أحب ذلك.
س4: ما هي بعض صفات حزب الله؟.
ج2: من صفاتهم أنهم أتقياء أخفياء ، وقد قال  : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ ) رواه مسلم .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:26 am

تفسير سورة الممتحنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) 
التفسير :
ياأيها المؤمنون لا تجعلوا عدوي وعدوكم من الكافرين أولياء ، تخلصون لهم المحبة والودّ ، وقد كفروا بدين الإسلام الذي جاء به رسول الله  من عند الله ، وأخرجوا رسول الله  وأخرجوكم من مكة لأجل إيمانكم بالله ربكم واتباع رسوله  ، إن كنتم خرجتم من مكة – مهاجرين- جهاداً لإعلاء كلمتي وطلباً لرضاي فلا تولوا أعدائي ولا تحبوهم ، ولا توصلوا إليهم أخبار المسلمين وخططهم بالطرق السرية ، وأنا أعلم بما أخفيتم في ضمائركم وما أظهرتم فلا يخفى عليّ شيء منكم ، ومن يوادهم منكم أو يسرب إليهم أسرار النبي  والمسلمين فقد أخطأ طريق الهدى وحاد عن الطريق المستقيم .
إن يظفر بكم هؤلاء الأعداء يكونوا لكم معادين مبغضين ويتناولوكم بأيديهم بالقتل والضرب ، وبِألسنتهم بالسب والشتم ، وأحبُّوا أن تكفروا بدينكم ورسولكم  .
لن تنفعكم قراباتكم ولا أولادكم يوم القيامة ، إذا واليتم الكفار من أجلهم ، يوم القيامة يحكم الله بينكم بالعدل فيُدخل المؤمنين الجنة وأما الكفار فلهم نار جهنم ، والله بما تعملون بصير ، فهو مطلع على أعمالكم وأقوالكم لا يخفى عليه شيء منكم .
قد كانت لكم - أيها المؤمنون- قدوة صالحة في إبراهيم  ومن معه من المؤمنين حين قالوا لقومهم من الكفار : إنا متبرءون منكم ومما تعبدون من دون الله من الأوثان والأصنام ، كفرنا بدينكم ولا نعترف لكم بمودة ، وظهر مُعلناً بيننا وبينكم العداوة ، نعاديكم ونبغضكم صراحةً حتى تؤمنوا بالله وحده وتعبدوه دون سواه ، فتأسّوا بإبراهيم وأتباعه في ذلك . لكن يُستثنى التأسي بإبراهيم في استغفاره لأبيه ، فإن ذلك كان عن وعدٍ وعده إياه ، وقبل أن يتبين لإبراهيم أن أباه عدوٌ لله ، فهذا لا تقتدوا بإبراهيم فيه .
ربنا عليك توكلنا في أمورنا كلها وإليك عدنا تائبين منيبين ، وإليك المرجع يوم القيامة ، ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ؛ بإظهارهم علينا وفتنتنا عن ديننا وارتدادنا عنه ، فيَروْن أنهم على حق ، واغفرلنا ذنوبنا بسترها عن غيرك ، واعف عنها فيما بيننا وبينك ، إنك أنت العزيز الذي لا يُضامُ من لاذ بجنابه ، الحكيم في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك وجزاءك ، لقد كان لكم - أيها المؤمنون - في إبراهيم ومن معه من المؤمنين قدوة حسنة في التأسي بهم في البراءة من المشركين وشركهم ، وإنما يفعل هذا من كان يرجو ثواب الله ومرضاة الله في الدنيا والآخرة ، ومن يعرض عن هذه الأُسوة فيوالي الكفار ، فإنّ الله هو الغني عنه  إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ  [الزمر:7] المحمود في جميع أقواله وأفعاله ، الذي يحمده خلقه في السراء والضراء ، فلا إله إلا هو ولا رب سواه .
بعض الدروس من الآيات :
1- تحريم موالاة الكافرين أعداء الله وأعداء المؤمنين ، ومن والى الكفار فهو ضال عن طريق الهداية كافر بالله وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[المائدة : 51]. وتجب عداوة الكفار ، وأن تكون العداوة مُعلنة ظاهرة إلا أن تتقوا منهم تقاة ، ويجب أن تكون البراءة منهم ومن كفرهم  مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ  .
أيها المسلمون ، لندرس قلوبنا فيما يتعلق بالكفار كلهم ، يهوداً أو نصارى أو وثنيين أو غير ذلك .
2- أخي المسلم :
• إن القرابة لا تنفع عند الله ، ومن وافق قرابته وأهله وولده وزوجته على الكفر فقد خاب وخسر ، حتى لو كان قريباً إلى نبي من الأنبياء (خالف النبي ووافق قرابته على الكفر) ، وفي حديث أنس  : ( أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي قَالَ فِي النَّارِ فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ ) رواه مسلم ، ومن وافق قرابته على الذنوب دون الكفر ، فله نصيبه من ذلك الذنب (من وافق زوجته على التبرج والسفور أو السفر بلا محرم ونحوه ، أو وافق الأبُ ولدَه على إدخال القنوات الفضائية الهدامة في المنزل ، أو وافقت الأم أولادَها الذكور على الاختلاط بالخادمة ، أو وافق الأبُ على ذهاب بنته أو زوجته مع سائقه الأجنبي وهكذا فهؤلاء آثمون ، وكذالك لو وافق المديرُ موظفيه على التأخر عن العمل ومماطلة المراجعين وتأخير الانجاز للأعمال ، أو وافق موظفيه على أخذ الهدايا من المراجعين وغير ذلك من المحرمات) .
أنتبه أخي المسلم لذلك ! وفقك الله .
• أيها المسلم : إن هناك بعضاً من الناس يقدم أخاه أو ولده أو قريبه أو شخصاً من قبيلته ، أو شخصاً من قريته أو من مدينته أو من منطقته أو من جنسيته على غيره في عمل أو وظيفة أو منحة يستحقها الكل ، وتخضع لمعايير معينة وضوابط مرتبة ولكن يلغي تلك المعايير والضوابط أو يتحايل عليها ليقدم هذا الشخص الذي يريده لتلك الاعتبارات (القرابة ، الوطنية ، ...) وإنا نقول لكل من يفعل ذلك : اجعل هذه الآية نصب عينيك  لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ  إن الله سوف يحكم بين العباد ومن ظلمهم ، والله بصير بما يعمل العبد من تحايل وغيره . فاتق ألله أيها المسلم ! ولا تقدم أحداً على أحد بلا حق ، وسوف نُسأل عن ذلك ، فإذا قدّمنا شخصاً بدون حق فماذا سنُجيب يوم القيامة ؟
3- الاقتداء والتأسي بالصالحين في الأعمال الصالحة كالعلماء ، ومثل الجليس الصالح الذي يفيدك ، وقد مثّله الرسولُ  في حديث أبي موسى  فقال : ( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) رواه البخاري .

4- التأسي بإبراهيم  والذين معه ، في البراءة من المشركين وشركهم براءةً صريحة معلنة وإعلان العداوة ظاهرةً والبغضاء صراحةً حتى يؤمنوا بالله وحده ، لكن أنا وأنت يا أخي هل تبرأنا من الكفار ؟ أمّا من كان عمل ذنباً غير الكفر ، فإنه يجب مناصحته والبراءة إلى الله من عمله (المعصية) ؛ لأن المسلم العاصي له الولاية بقدر ما عنده من الإيمان ، ويُتبرأ منه بقدر ما عنده من المعاصي ، وهكذا يجب أن نكون في حياتنا مع العصاة لله ، وإن الرسول  لما حصل من بعض الصحابة أمر وهو خالد بن الوليد قال  : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ) رواه البخاري .
5- أخي المسلم : استغفر لأبيك وأمك المسلمين ، فهذا من برِّهما ،وقد قال نوح  :  رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ...الآية[نوح: 28] ، وقال تعالى :  وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا  [الإسراء: 24] والرسول  استأذن من ربه أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له وأن يزور قبرها فأذن له (صحيح) ، ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وللمسلمين والمسلمات.
الآيـــات
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (Cool إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)

التفسير:
عسى الله أن يجعل بينكم ـ أيها المؤمنون ـ وبين الذين عاديتم منهم- لكفرهم- محبة بعد البغض ومودة بعد النفرة ، بأن يدخلوا في الإسلام فيصبح أنتم وهم أخوة متحابين ، والله قدير على ما يشاء بهداهم إلى الإسلام والتأليف بين القلوب بعد العداوة ، والله غفور للكفار كفرهم إذا أسلموا وأنابوا إلى الله ، وهو الرحيم بكل من تاب اليه من أي ذنب كان . لا ينهاكم الله عن الإحسان إلى الكفار الذين لم يقاتلوكم على دين الإسلام ولم يطردوكم من أوطانكم ولم يساعدوا أو يعاونوا على إخراجكم من دياركم أن تكرموهم وتعدلوا معهم ، إن الله يحب أهل العدل في حكمهم ومعاملتهم ، إنما ينهاكم الله عن موالاة الذين قاتلوكم على الإسلام وطردوكم من دياركم وعاونوا على طردكم وحربكم أن تكرموهم وتحسنوا إليهم ، بل يجب عليكم معاداتهم ، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون لأنفسهم .
يا أيها المؤمنون : إذا جائكم النساء المؤمنات مهاجرات من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام فاختبروهن في صدق إيمانهن ، فإن علمتم صدق إيمانهن فلا ترجعوهن إلى أزواجهن الكفار لأنهن لا يحللن لهم ولا أزواجهم الكفار يحلون لهن ، وأعطوا أزواجهن مثل ما سلموا لنسائهم من المهور ، ولا حرج عليكم أن تتزوجوهن إذا أعطيتموهن مهوراً ، ولا تستمروا على نكاح زوجاتكم الكافرات ، واطلبوا من الكفار أن يسلموكم ما أنفقتم من المهور على زوجاتكم اللاتي ذهبن إلى بلاد الكفار ، وللكفار أن يطلبوا مهور نسائهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين مسلمات ، هذا حكم الله فطبقوه ، والله عليم بعباده لا يخفى عليه منهم شيء ، حكيم في قدره وشرعه وجزائه . وإن ذهبت بعض من زوجاتكم - أيها المؤمنون - إلى الكفار ، وطلبتم من الكفار المهور فلم يعطوكم ، ثم غزوتم فأصبتم غنيمةً فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم من الغنيمة مثل ما دفعوا لهن من المهور ، واتقوا الله في ما أمركم به ونهاكم عنه ، وخافوا عقابه وراقبوه ؛ لأنكم آمنتم بالله ورسوله وكتابه فمن آمن امتثل .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم إن الله جل وعلا هو الذي ألف بين قلوب المؤمنين بفضله ورحمته ، فهو قدير على كل شيء ، وقلوب العباد هي كما قال  : (بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ) رواه مسلم من حديث ابن عمر  .
ولذا :
• ادع الله  أن يثبت قلبك على دينه ، وقد كان أكثر دعاءه  : ( يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ... الحديث ) رواه الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها (صحيح ) ، وفي الحديث : (كَانَتْ أَكْثَرُ أَيْمَانِ رَسُولِ اللَّهِ  لَا وَمُصَرِّفِ الْقُلُوبِ ) رواه ابن ماجه من حديث ابن عمر ( صحيح) .
• اجعل حبك للمسلم في محله الصحيح ، واجعل بغضك في محله الصحيح ؛ ليكون ذلك كله متناسباً مع قدر إيمانه وطاعته لله أو معصيته (الولاء والبراء يجتمع في حق العاصي ، فيحب بقدر ما عنده من طاعة لله ويبغض بقدر ما عنده من معصية لله) ولكن لا تبالغ في حبك أو بغضك زائداً عن الحد المشروع وقد قال  في حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة أُراه رفعه قال: ( أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا ) رواه الترمذي (صحيح) .
2- من كان من الكفار ليس محارباً ولا معاوناً للكفار على الحرب وإخراج المؤمنين من ديارهم ، فهذا الكافر يُحسن إليه ؛ لقوله تعالى :  وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  وقوله تعالى :  لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ...الآية  وفي حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت : ( قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي قَالَ نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ) رواه الشيخان .
فالإحسان إلى هذا النوع من الكفار مشروع . لنحسن إلى هؤلاء الكفار من هذا النوع حتى يرغبوا في الإسلام ، ولْندعهم إلى الله  فلعل الله أن يهدي بي وبك رجلاً ليكون خيراً لنا من حُمْر النعم .
3- إذا أسلمت الزوجة دون الزوج ، وبقيت الزوجة حتى أسلم زوجها في مدة طويلة أو قصيرة ، فإنها ترد على زوجها بالنكاح الأول على المختار من أقوال العلماء ؛ لقول ابن عباس  رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِي بْنِ الرَّبِيعِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا ) رواه الترمذي وابن ماجة (صحيح) .
4- أخي المسلم :
• إذا كانت زوجة أحدنا لا تصلي ، أو كانت تتعامل بالسحر والكهانة أوكانت توالي الكفار وتميل إليهم ، أو غير ذلك من المعاصي التي يكفر بها العبد ولم تنته ولم تتب إلى الله من ذلك ، فيجب فراقها  وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ  .
• إذا كانت الزوجة فاسقة ،كما لو كانت تسب الناس وتلعنهم ، أو تسرق المال أو مشهورة بالكذب والغيبة والنميمة ، أوعندها كبائر الذنوب مما ليس في العرض فإنه ينبغي على الرجل أن ينصحها ويوجهها التوجيه السليم حتى تعود إلى الله وتتوب من ذلك ، فإن امتنعت عن التوبة وترك ذلك ، فالأولى بالرجل أن يفارقها ولا يستبقيها .
• وأما إذا صدر من المرآة شيء مما نهى الله عنه ،كغيبةٍ مرة واحدة ونحوها ، فإنه ينبغي عليه أن يوجهها فوراً ويُنكر عليها ، ولمّا قالت عائشة رضي الله عنها لرسول الله  : ( حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ) رواه أبو داود والترمذي (صحيح) .
• أما إذا كانت المرأة فاسقة في عرضها ، كما لو كانت تكلِّم الرجال بخضوع وريبة أو تخرج إلى أماكن الفُحش ، أو وجد لها علاقات مشبوهة بالرجال ، فهنا غِيرة في الرِّيبة وهي مشروعة ، ومثل هذه المرأة يُنكر عليها فوراً ويفارقها الزوج . والله أعلم.
الآيـــات
 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13) 
التفسير:
يا أيها النبي ، إذا أتاك النساء المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً في عبادته وتوحيده ، ولا يسرقن ولا يرتكبن الزنا ، ولا يقتلن أولادهن ، ولا ينسبن إلى الأزواج أولاداً من الزنا ، ولا يعصينك فيما أمرتهن به مما وجب عليهن ونهيتهن عنه من منكر ، فاقبل بيعتهن واسأل الله أن يغفر لهن ما قد سلف من ذنوبهن ، إن الله واسع المغفرة والرحمة لمن استغفره وتاب إليه .
يا أيها المؤمنون : لا توالوا قوماً غضب الله عليهم بمحبتهم وموادتهم ومناصرتهم قد يئسوا من ثواب الله ورحمته ومغفرته يوم القيامة ،كما يئس الكفار الذين هم في القبور من كل خير ورحمة ، أو كما يئس الكفار الأحياء من الأموات .
بعض الدروس من الآيات :
1- مشروعية أخذ البيعة للإمام ، وعلى المسلم السمع والطاعة لإمامه ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أَمَر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ، وليحذر المسلم أن يبيت وليس في عنقه بيعة لإمامه ، فقد قال  في حديث أبي ذر  ( مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ) رواه أحمد وأبو داود (صحيح ) .
2- هذه الآية  إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ... الآية  قد أخبرت عائشة رضي الله عنها : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ .....غَفُورٌ رَحِيمٌ  قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ  قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ ) رواه البخاري ، فيحرم على المرأة أن تمس يد رجل لا يحل لها وليس محرماً، أو تمس شيئاً من بدنه ، وكذلك الرجل يحرم عليه مس بدن المرأة التي لا تحل له وليس محرماً لها .
3- رسالة إلى المرأة المسلمة :
• أيتها المرأة : احذري من الشرك بالله (الشرك الأكبر والشرك الأصغر) فالشرك أكبر الكبائر .
• احذري من السرقة من أي مال ، وكوني ذات أمانة ؛ لأن بعض النساء ضعيفات النفوس ؛ فهن لا يحفظن الأمانات المالية وقد ذكر ابن عمر  : ( أَنَّ امْرَأَةً مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ فَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فَقُطِعَتْ يَدُهَا ) رواه أبو داود وغيره (صحيح) . والصحيح أن هذه المرأة سرقت فقطعت يدها .
استحي أيتها المرأة من الوقوع في السرقة لأي شيء من حلي أو غيره واستحي من جحد العارية.
• احذري من الزنا كل الحذر !! إن الزنا إهدار كرامتك وعفتك وحيائك فما الذي بقى معك إن وقعت في الزنا من الكرامة والحياء ؟ بل أقول احذري من كل أنواع الزنا التي في قوله  : (فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ ) رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة  .
انتبهي من الوقوع في هذه الجريمة ، واحذري من الطرق المؤدية إليها ، مكالمة تلفونية أو غيرها.
واحذري من هذه الكبــيرة .. الزنا
واحذري من هذه الفضيـحة .. الزنا
واحذري من هذه الفاحشـة .. الزنا
واحذري من هذه القــذارة .. الزنا
• احذري من قتل الأولاد ، ومن ذلك (الإجهاض) ، فلا يجوز الإجهاض إلا للنطفة قبل أربعين يوماً بدواء مباح ولسبب مباح . والله أعلم . أما الإجهاض للنطفة بعد أربعين يوماً فلابد فيه من كتابة الحالة وأخذ الفتوى فيها في حينه من العلماء المحققين .
• احذري لا تُلحقي بالزوج ولداً ليس منه وتنسبيه إلى الزوج ، (وهذا يحصل عند بعض النساء التي تتزوج وهي حامل بالزنا فإذا ولدت نسبت ولدها إلى الزوج ) اتقي الله أيتها المرأة ! .
• احذري معصية الرسول  فيما أمر ونهى ، ومن ذلك ترك النياحة على الميت ، وقد قالت أم عطية رضي الله عنها : ( أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ ) رواه البخاري.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:26 am

تفسير سورة المنافقون
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) 
التفسير :
إذا حضر مجلسك – أيها الرسول- المنافقون قالوا لك بألسنتهم كذباً : نشهد إنك لرسول الله ، والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما أظهروه من الكلام وأضمروه من الكفر بك وبدينك .
اتخذ المنافقون حلفهم وقاية وسترة أمام المسلمين ليحقنوا بذلك دمائهم وأموالهم فأعرضوا عن دين الله ، ومنعوا غيرهم من الدخول فيه ، إنهم ساء وقبح ما كانوا يعملونه .
وسبب سوء عملهم أنهم آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم ، فختم على قلوبهم بالكفر فهم لا يفهمون الإيمان والقرآن والسنة ولا يعون ذلك .
وإذا رأيتهم أعجبتك أشكالهم الحسنة في الأجسام والفصاحة ، وإن يقولوا أصغيت لقولهم لبلاغتهم ، كأنهم لعظم أجسامهم وعدم فهمهم خشب مسندة على الحيطان ، يظنون كل صوت من مصيبة أو كائنة أو خوف نازلاً بهم لخوفهم وهلعهم وجبنهم وريب قلوبهم ، هم العدو اللدود فخذ الحذر منهم ، قبحهم الله وأهانهم وأخزاهم ،كيف يصرفون عن الإيمان والهدى وقد بانت معالمه وسطعت أنواره ؟.
وإذا قيل للمنافقين : تعالوا إلى رسول الله  ، تائبين إلى الله من عملكم القبيح ؛ ليستغفر لكم الرسول  ، لوّوا رؤوسهم رافضين ، ورأيتهم يُعرضون عما دعوا إليه من الحق وهم مستكبرون عن الإيمان احتقاراً لما قيل لهم .
سواء على المنافقين استغفرت لهم - أيها الرسول- أم لم تستغفر لهم ، فإن الله لن يغفر لهم ما عملوه من الذنب العظيم ، لتمكن الكفر من قلوبهم وإصرارهم عليه ، إن الله لا يوفق القوم الخارجين عن طاعته المكذبين لرسوله المعاندين لدينه .
بعض الدروس من الآيات :
1- إنّ الشخص الذي يقول قولاً يعتقد خلافه هو كاذب ، حتى وإن كان كلامه حقيقة في نفس الأمر ؛ لأن المنافقين لمّا قالوا :  نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ  فكلامهم صحيح أن محمداً  رسول الله ، ولكن لما كانوا ينكرون ذلك بقلوبهم حكم الله عليهم بأنهم كاذبون . لا يقل أحدنا خلاف ما في قلبه ، فإن كان يخشى على نفسه فله أن يتأول ،كما قال إبراهيم  عن زوجته ( سارة ) : إنها أختي . فإنه ليس هناك مؤمن ومؤمنة غيرهما فهي أخته في الإيمان ، أما إذا لم يكن هناك عذر فلا يتأول ، والله أعلم .
2- أخي المسلم ، ألدّ الأعداء وأشدهم وأقبحهم هم المنافقون في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة ، وعلى المسلمين أن يأخذوا الحذر منهم  هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ  وهم في هذا الزمان يتسمون بأسماء أخرى ، ويكيدون للإسلام وأهله كما ترى ، ويسعون لتغريب الشباب بإفسادهم في عقائدهم وأخلاقهم ، وإفساد النساء وانتشار الرذيلة وغير ذلك .
احذروا أيها المسلمون من هؤلاء المنافقين .
3- أخي المسلم ، إنّ بعض النّاس يحلف بالله وهو يريد بيمينه شيئاً آخر ، فإن كان يحلف لشخص آخر ، فإنه ليس له أن يحلف إلا على ما يصدقه عليه صاحبه ، وهذا كالأيمان في الدعاوى وقد قال  في حديث أبي هريرة : (يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ ) رواه مسلم .
4- إن المنافقين لا يعلمون ولا يفقهون دين الإسلام وقد قال  عن رجلين من المنافقين : (مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا ) رواه البخاري .
اعلم أخي المسلم أن من خصائص المنافقين الإعراض عن دين الله وعدم التفقه فيه فليحذر أحدنا من هذا الأسلوب ، بل على المسلم أن يتفقه في دينه ليعبد الله على علم ( تفقه في صلاتك ، تفقه في طهارتك ، تفقه في عقيدتك ، تفقه في إدارة بيتك ، تفقه في الدعوة إلى الله  ، وهكذا . والله الموفق .
5- إن الشخص قد تراه جميلاً حسن الهيئة والجسم والشكل والمنطق ، بليغاً في قوله وأسلوبه ، وهو خبيث في قلبه ، مريض بالشبهات والنفاق والشهوات والذنوب ، فلا يغررك الشكل والهيئة ، فليس العبرة بها وإنما العبرة بالتقوى والصلاح .
أخي المسلم لا تغتر بجمال المرأة وجسمها وثقافتها ، ولكن انظر إلى دينها وخلقها وطاعتها لله  فذلك هو الميزان لنكاحها ( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ ) ما أكثر الشباب اليوم الذين لا يركزون في الزواج إلا على الجمال والجسم واللون ونحو ذلك من الاعتبارات! ولا ينظرون إلى الهدى والدين والتقى الذي أوصى به رسول الله  ، ولذلك من بحث عن الجمال المجرد دون دين فلا يوفق في نكاحه . والله الموفق .
الآيـــات
 هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (Cool يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) 
التفسير :
هؤلاء المنافقون هم الذين يقولون لأهل المدينة من الأنصار : لا تتصدقوا على من عند رسول الله  من المهاجرين ولا تساعدوهم بالمال حتى يتفرقوا عنه ويدعوه ، ولله خزائن السماوات والأرض ، فالأرزاق كلها بيده وحده ، ولكن المنافقين ما قالوا تلك الكلمة
 لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ  إلا لأنهم لا يفهمون ولا يعون أن الله هو الرزاق وحده دون سواه ، وأنه هو الذي يرزق الخلق كلهم .
يقول هؤلاء المنافقون : والله لئن رجعنا من الغزو ( غزوة المريسيع ) أو غزوة ( بني المصطلق ) إلى المدينة ليخرجن الأعز منا – يعنون أنفسهم – الأذلّ – يعنون المهاجرين - ، أما علم المنافقون أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وليست للكافرين والمنافقين ، ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك ؛ لأن الله قد أعمى قلوبهم بسبب نفاقهم .
يا أيها المؤمنون لا تشغلكم أموالكم ولا أولادكم عن عبادة الله وطاعته وذكره باللسان والقلب والجوارح ، ومن شغله ماله وولده عن طاعة الله مما أوجب الله فأولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة ، فحياتهم ضنك ، ولهم عذاب أليم في الآخرة .
وأنفقو -أيها المؤمنون- مما أعطيناكم من الرزق فيما أوجب الله عليكم ،كالزكاة والجهاد والصدقات المندوبة ، قبل أن ينـزل بأحدكم الموت فيندم المفرط ويتمنى قائلاً : يارب هلا أمهلتني ولو زمناً يسيراً ، حتى أتصدق وأكن من الصالحين المنفقين في طاعتك ؟.
ولن يُنظِر الله نفس أحدٍ بعد حلول أجلها وانتهاء عمرها ، والله خبير بما تعملونه فلا يخفى عليه شيء منكم وسيجازيكم على ذلك إن خيراً فخير وإن شراً فشر .
بعض الدروس من الآيات :
1- أيها المسلم : إن أمر المنافقين في محاربة الدعوة إلى الله في كل زمان مستمر ، فهم يسعون للتضييق على الدعاة في كثير من بلاد العالم التي لا تحكم بشريعة الله ، ومن وسائل التضييق على الدعاة إلى الله : منعهم من المال الذي يحتاجه الدعاة في نشر دعوتهم عن طريق القنوات وغيرها من الوسائل التي لا بد لها من المال ، فالمنهج عند المنافقين قائم " لا تنفقوا على الدعاة أتباع رسول الله حتى يتركوا دعوتهم " ولكن أيها الدعاه ، لا تهتموا بهذا المنهج فإن الرزاق هو الله ، فاعتمدوا عليه وثقوا به كل الثقة وادعوا الله أن يرزقكم من فضله ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  : (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ) رواه الترمذي (حسن) .
2- رسالة إلى كل مسلم وإلى أصحاب الأموال من التجار وغيرهم
أيها المسلمون ، أيها التجار ، يا أصحاب الأموال : أنفقوا على الدعوة إلى الله  واحذروا من البخل عليها .
ومن الدعوة الى الله : فتح حلقات القرآن الكريم والإنفاق عليها ، وفي الحديث : (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) رواه البخاري . ادعموا مكاتب الجاليات الدعوية وأنفقوا عليها ؛ لأنها تدعوا إلى الدخول في دين الإسلام ، وقد قال  : ( فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ (رواه الشيخان . ادعموا الشباب المسلم ليتعلم العلوم الشرعية بفتح الجامعات الشرعية والإنفاق على طلاب العلم وعلى الكتب العلمية وعلى الشريط الإسلامي وعلى مسابقات المكاتب الدعوية. "ساعدوا طلاب العلم في زواجهم وسكنهم ومواصلاتهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم وغير ذلك " " قوموا بفتح دورات أوليّة تعلم الأساسيات في التوحيد والطهارة والصلاة ونحوها ، وذلك عن طريق مكاتب الدعوة " " خذوا هذه الرسالة بعين الاعتبار في الإنفاق على الدعوة في جميع برامجها ووجوهها في سبيل نشرها في العالم كله" .
3- يا أيها الدعاه إلى الله تعالى : تعاملوا مع المنافقين كما كان يتعامل رسول الله  معهم ، فهو  قد أُمر بجهادهم ، ولكن كان ينظر إلى المصلحة الشرعية ، فإنكم قد تجدون منافقين في المجتمع يحتاج التعامل معهم إلى الرفق بهم من أجل مصلحة الدعوة إلى الله  وقد ذكر ابن إسحاق : أن عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ لما قال لرسول الله  من خشيته أن يقتل شخصٌ أباه ( عبد الله بن أبيّ بن سلول ) فيقع في قتل قاتل أبيه ، وإذا كان قتل أبيه لا بد منه فليأمر النبيُ ابنَه بذلك ، فقال له رسول الله  (بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا ) ، فليكن الدعاة إلى الله فقهاء في التعامل مع المنافقين !.
1- أخي المسلم : علينا أن لا ننشغل عن طاعة الله بالمال والأولاد ، فمن شغله دكانه عن صلاة الجماعة فهو خاسر ، ومن شغله ماله عن الخشوع في صلاته حتى أداها بلا خشوع فهذا خاسر ، ومن شغله ماله عن الحج الواجب أو عن إخراج الزكوات والنفقات الواجبة فهو خاسر ، ومن شغله أولاده عن الطاعات التي أوجبها الله عليه فهو خاسر ، بل يا أخي المسلم ، كن على استعداد لأداء الواجب في كل وقت ولا تنشغل عنه بشيء ، فإذا سمع أحدنا المؤذن فعليه التهيؤ للصلاة وعدم الانشغال بغيرها ، وانظر مدى حرصه  على الصلاة أنه كان : ( إِذَا عَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ وَإِذَا عَرَّسَ قَبْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَيْهِ وَوَضَعَ رَأْسَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ ) رواه أحمد من حديث أبي قتادة . ويظهر لي أنه  إذا عرّس في سفره قبل الصبح أنه لا يضع جنبه للنوم بل يبقى في حالة تأهب واستعداد لصلاة الصبح حتى يطلع الفجر. والله أعلم .
2- أخي المسلم : لينفق كل واحد منا من ماله وجاهه وغيرها قبل نزول الموت عليه ، فإن الأجل إذا حان فلا تأجيل لصاحبه ، فليستغل أحدنا عمره في طاعة ربه ! ومن ذلك الصدقات لوجه الله .
ألا فالمبادرة من الآن ! وقد قال  في حديث أبي هريرة : ( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ...الحديث) رواه مسلم . فيا أخي ، ابذل ما كان فاضلاً عندك من مال أو غيره مما يتصدق به . وقد قال  في حديث أبي أمامة  : ( يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ) رواه مسلم .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:27 am

تفسير سورة الإنسان (الدهر )
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (Cool إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) 
التفسير :
أما قد مضى على الإنسان ( آدم ) وقت طويل - قبل أن تُنفخ فيه الروح – لم يكن شيئاً يُذكر ، فلا عقل ولا حياة ، إنما هو طينٌ لازب .
إنّا خلقنا الإنسان من نطفة ، أخلاطٍ من ماء الرجل وماء المرأة ، نختبره بالأوامر والنواهي ، فجعلناه سميعاً بصيراً ليتمكن بالسمع والبصر من التأهل للفهم والعلم .
إنّا بينّا ووضّحنا له طريق الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والخير والشر ، والنافع والضار ، وهو في ذلك إمّا أن يكون شاكراً لله بسلوك طريق الهدى والخير ، أو كافراً بسلوك طريق الشر والضلال .
إنّا هيّأنا وأعددنا للكافرين بالله سلاسل يُسحبون بها في نار جهنم ، وأغلالاً تُغلّ بها أيديهم في أعناقهم ، وناراً مُستعرة مُلتهبة تُحرقهم .
إنّ المؤمنين المطيعين لله ورسوله يشربون من خمرٍ ممزوجة بالكافور وما فيه من لذة برودته وطيب رائحته وبياض لونه ، مع ما يُضاف من اللذاذة في الجنة . وهذا الذي مُزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقرّبون من عباد الله ، يتصرّفون فيها حيث شاءوا وأين شاءوا من قصورهم ودورهم ومجالسهم .
ومن صفات هؤلاء الأبرار أنهم يؤمنون بما أوجبه على أنفسهم من طاعة الله كالحج والصوم والعمرة ، ويخافون يوم القيامة والجزاء والحساب ، كان شرُّه فاشياً منتشراً كبيراً مُذهلاً ، ويُطعمون الطعام – مع حبهم وشهوتهم له – المساكين والأيتام والأسرى ، مؤثرين هؤلاء على أنفسهم طمعاً فيما عند الله من الثواب ، قائلين بلسان حالهم : إنما نُطعمكم ونؤثركم بالطعام على أنفسنا طلباً لثواب الله ورضاه ،ولا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ولا أن تشكرونا وتمدحونا عند الناس .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم ، لنهتمّ بأسماعنا وأبصارنا فهي من أوعية العلم .
وهذا الاهتمام يتناول ما يلي :
( أ ) أن نستمع إلى ما ينفع ( استماع القرآن – استماع المواعظ التي من القرآن والسنة – استماع العلم من الشريط أو من غيره ) وليسأل أحدنا نفسه ، ما ذا يستمع بإذنه كل يوم مما ينفعه في الدنيا والآخرة ؟ وأن ننظر إلى ما ينفع ( في القرآن بالقراءة – في كتب العلم – في غير ذلك مما ينفع في الدنيا والآخرة ) .
(ب) أن نعرض عن استماع ما يضر في الدين والدنيا  وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ... الآية [ القصص : 55]. وقال  : ( والأذنان وزِنَاهُمَا الإستماع ...الحديث) رواه مسلم . وان نُعرض عن النظر إلى ما يضر في الدين والدنيا ، وقد قال جرير  : سألت رسول الله  عن نظر الفجأة ، فقال : (اصْرِفْ بَصَرَكَ ) رواه مسلم . وقال  لعلي : ( يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ ) رواه ابو داود وغيره (حسن) .
(ج) لنستعذ بالله من شر أسماعنا وأبصارنا ، وفي حديث شَكَل  قال : (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي ثُمَّ قَالَ قُلْ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَشَرِّ بَصَرِي وَشَرِّ لِسَانِي وَشَرِّ قَلْبِي وَشَرِّ مَنِيِّي ) وفي لفظ : ( قُلْ اللَّهُمَّ عَافِنِي مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَبَصَرِي وَلِسَانِي وَقَلْبِي وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي ) روى ذلك كله النسائي (صحيح) .
2- أخي المسلم ، لقد بيّن الله ووضّح لنا جميعاً طريق الخير وطريق الشّر ، فهل وعينا وقمنا في إعتاق أنفسنا من المهالك ؟ فإنّ أحدنا إمّا أن يسير في طريق الخير أو في طريق الشر ، وقد قال  في حديث أبي مالك الأشعري  : (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) رواه مسلم .
ألا فلْنقُم بإعتاق أنفسنا من النار بالقيام بطاعة الله وترك معاصيه ، والرجاء في رحمته وثوابه والخوف من عقابه .
1- أيها المسلم ، إنّ الكأس في لغة العرب هي (الخمر) ، وكل ما جاء في القرآن (كأس ) فهي الخمر ، واعلم أخي :
( أ ) أنه لا يجوز أن نجعل الكأس جائزة في هذه الحياة ؛ لأنه يحرم شرب الخمر في الدنيا ، ومن شربها أُقيم عليه حدّ شرب الخمر ( أربعون جلدة ) أو (ثمانون جلدة ) على الخلاف بين العلماء في حدّها .
(ب) إنّ المؤمنين يشربون في الجنة خمراً ممزوجة بالزنجبيل وممزوجة بالكافور ، بل في الجنة ( أنهار الخمر ) كما قال تعالى :  وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ  [محمد:15] .
وتتميز الخمر في الجنة بخصائص منها :  لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ  [ الواقعة : 19] ، ولا يوجد في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء .
(ج) من شرب الخمر في الدنيا ثلاث مرات وتاب ، تاب الله عليه ، فإن عاد فقد قال  : ( وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ قَالَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ ) رواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو  (صحيح) .
وفي لفظ : (وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ ) رواه الترمذي وأحمد (صحيح) .
إن على المسلم أن يحذر من شرب الخمر والمخدرات التي هي أشد خطراً وأشد فتكاً بالدين والجسم والعقل والمال والمجتمع .
2- يجب الوفاء بنذر الطاعة ، وقد قال  في حديث عائشة رضي الله عنها : (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ ) رواه البخاري. وأما نذر المعصية فيحرم الوفاء به ، وعليه كفارة يمين ؛ لقوله  في حديث عائشة رضي الله عنها : ( لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة (صحيح) . وقال  في حديث عمران بن حصين  : ( وَمَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ ) رواه النسائي (صحيح) .










الآيـــات
 إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) 
التفسير :
هذا من كلام عباد الله الصالحين في الآيات المتقدمة ،فهم يقولون : إنما نفعل ذلك الخير خوفاً من يومٍ ضيق طويل ، تعبس فيه وجوه الكفار وتُقبض من هوله ، فلعلّ الله أن يرحمنا ويلطف بنا في ذلك اليوم ، فنجّاهم الله من شر ذلك اليوم ، وأمنّهم بما خافوا منه سبحانه ، وأعطاهم الله ونوّلهم بسبب صبرهم على الطاعات وعن المعاصي وعلى المصائب جنّةً ناعمةً ومنزلاً رحباً وعيشاً هنيئاً رغداً في النعيم المقيم ، وحريراً ثياباً وفرشاً ولباساً ، مُتكئين في الجنة على الأسرِّة الجميلة ، لا يرون في الجنة شمساً ولا يجدون حراً مُزعجاً ولا برداً مؤلماً ، بل الجو المعتدل والظل ّ الظليل ، وقريبةٌ منهم ظلال أشجار الجنة ، وسُخّرت ويُسّرت لهم ثمار الجنة في تدلّيها عليهم وقُربها منهم بحيث ينالها المؤمن قائماً وقاعداً ومُضطجعاً ، ويطوف عليهم غلمانهم بأواني الطعام وهي من فضة ، وأكواب الشراب التي لا عُرى لها ولا خراطيم وهي زجاج من فضة يُرى ما في بطنها من ظاهرها . وهذه الآنية هي زجاج من فضة على قدر ريِّهم لا تزيد عنه ولا تنقص ( قد قدّرها الغلمان على قدر الشاربين ) .
ويُسقى أولئك الأبرار في الجنة خمراً ممزوجةً بالزنجبيل ، لذيذة الطعم طيبة الريح . والزنجبيل عين في الجنة يشرب منها هؤلاء الأبرار اسمها ( سلسبيل ) لسلاسة سيلها ، وسهولتها في الحلق ، لشاربها وحدة جريها .
ويطوف على أهل الجنة للخدمة غلمان على حالة واحدة لا يتغيرون عنها ولا تزيد أعمارهم ، وهم ماكثون في الجنة ، إذا رأيتهم في انتشارهم وكثرتهم وجمالهم وحسنهم حسبتهم لؤلؤاً مضيئاً منثوراً .
وإذا رأيت هناك في أي مكان في الجنة ونعيمها وسعتها وما فيها من السرور والجمال رأيت نعيماً مقيماً وملكاً عظيماً واسعاً .
فوق أبدان أهل الجنة ثياب من حرير رفيع ( رقيق ) أخضر ، ومما يلي الظاهر سميك فيه بريق ولمعان ، وحُلّوا في أيديهم أساور من فضة ، وسقاهم ربهم شراباً طهوراً من كل دنس ومن كل أذى ومن كل ضرر ، ويُقال لهم – تكريماً وإحساناً إليهم - : إنّ هذا الذي هُيئ لكم من النعيم كان لكم ثواباً على إيمانكم وأعمالكم الصالحة ، وكان سعيكم مقبولاً مرضياً عند الله تعالى :  كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ  [الحاقة: 24] .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم ، لنتصدق ونعمل الأعمال الصالحة خوفاً من الله ذلك اليوم ( يوم القيامة الشديد) فنجعله على البال والخاطر ولا ننساه ، مع رجاء رحمة الله ؛ فإن الخوف والرجاء للعبد كجناحي الطائر ، ولا يُغلّب العبد أحد الجانبين بحيث يقع في المحرم ، لا يغلب جانب الخوف فيقع في القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله ، وقد قال  في حديث ابن عباس  : ( الْكَبَائِرُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) رواه البزار (حسن) . ولا يُغلّب جانب الرجاء فيقع في الأمن من مكر الله 
 فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ  [الأعراف: 99 ] .
تنبّه أخي المسلم لهذه المسألة المهمة !
وإذا اجتنب العبد الكبائر وسدّد ، فليبشر ، وقد قال  في حديث جابر  : ( اجْتَنِبُوا الْكَبَائِرَ وَسَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا ) رواه أحمد (حسن) .
2- أخي المسلم ، إنّما نال المؤمنون الجنة بسبب : ( بِمَا صَبَرُوا ) ، ولذلك فالعبد يحتاج إلى صبر :
( أ ) لنصبر على القيام بطاعة الله ، وقد قال  في حديث علي  : ( إسْبَاغُ الوضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ ، وإِعْمَالُ الأَقْدَامِ إِلَى المَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ يغْسِلُ الخَطَايَا غَسْلاً ) رواه الحاكم (صحيح) .
(ب) لنصبر عن المحرمات (المعاصي) فنبتعد عنها ، ومن وقع فيها فليتب منها إلى الله .
(ج) لنصبر على المصائب ، كالأمراض والفقر وغيرها ، وقد قال  في حديث أبي مالك الأشعري  : ( وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ) رواه مسلم .
3- أيها المسلم الذكر ، تجنّب لبس الحرير فإنه حرام على الذكور حلٌ للإناث ؛ كما قال  ، واعلم أن من لبس الحرير من الرجال في الدنيا ، لم يلبسه في الآخرة ، فقد قال  في حديث أنس  : ( مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ) رواه الشيخان . فمن تاب ، تاب الله عليه ، و ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) كما قال  في حديث ابن مسعود  (رواه ابن ماجة وهو صحيح) .
4- الذين يُحلّون أساور من فضة هم –والله أعلم- الأبرار ، أما المقربون فإنهم يُحلّون كما قال تعالى : ( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ...الآية) [الحج : 23] .
أخي ، لنسارع إلى الجنة وإلى أن يكون العبد من المقربين !  ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ . وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة: 13 ، 14 ] .
3- إن في الجنة نعيماً وملكاً كبيراً ، وفي حديث آخر أهل النار خروجاً وآخر أهل الجنة دخولاً فيها : أنّ الله  يقول له : ( فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا ) رواه الشيخان .
فما بالك أخي بمن قد دخل الجنة متقدماً ! وما أعد الله له من النعيم المقيم !
 وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ  [آل عمران: 133] .
4- من فوائد الزنجبيل :
إذا أُخِذ مع القرنفل والقرفة بمقادير متساوية ، وغُلي على النار ، وشُرب منه ، فإنه يفيد –بإذن الله – لمرض الزكام .
-يؤخذ قشر الرمان مع الزنجبيل والحبة السوداء بمقادير متساوية ، ويُطحن جيداً ، ويُعجن في عسل ، ويؤخذ من المعجون ملعقة بعد كل أكلة ، فهذا يُفيد – بإذن الله – في القضاء على مرض الدوسنتاريا .
الآيـــات
 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) 
التفسير :
إنا نحن نزلنا عليك – أيها الرسول – القرآن تنزيلاً منا ووحياً أوحيناه إليك .فاصبر على ما حكم ربك به مما قضاه وقدّره شرعاً وقدَراً ، واعلم أن الله سيدبرك بحسن تدبيره ، ولا تطع من الكافرين فاجراً في أفعاله أو كفوراً في قلبه ، بل بلغ ما أنزل الله إليك ، وتوكّل عليه ، فإن الله يعصمك من الناس .
وأكثر من ذكر ربك أول النهار وآخر النهار ، وصلّ بالليل وتهجّد لله نافلةً لك في وقت طويل من الليل مع التسبيح والذكر .
إن هؤلاء الكفار ومن على شاكلتهم ، يحبون الدنيا الفانية الزائلة ، ويُقبلون عليها ويدعون وراء ظهورهم يوم القيامة ، فلا يستعدون ولا يعملون لذلك اليوم شديد الهول .
نحن خلقناهم من العدم ، وشددنا خلقهم وأتقنّاه وأحكمناه ، وإذا شئنا أهلكناهم وأتينا بقوم غيرهم ليسوا مثلهم بل أفضل منهم وأطوع لله وأحب إلى الله  .
إنّ هذه السورة موعظةٌ جليلة ، فمن شاء السلامة والنجاة والفوز ، اتخذ إلى ربه طريق القيام بما أمره الله والانتهاء عما نهاه عنه ، والاجتهاد في متابعة رسوله  والرغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل والأجر العظيم الموصل إلى الفلاح والجنة .
وما تشاءون – أيها العباد – أي أمر ، فإنه لا يحصل إلا أن يشاء الله ذلك ؛ لأن كل شيء إنما هو بقضاء الله وقدره ، ولا يقع شيء في هذا الكون إلا بمشيئته سبحانه .
إن الله كان عليماً بأقوال وأفعال عباده ، لا يخفى عليه منهم شيء ، حكيماً في اقواله وأفعاله وشرعه وجزائه .
يُدخل الله من يشاء من عباده في رحمته ، فيوفقه للهدى والخير وعمل الطاعات ، والظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي والإعراض عن الله ، هيأ لهم عذاباً مؤلماً في نار جهنم .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : إن هذا القرآن الذي أنزله الله  على رسوله محمد  وحياً ، قد كلّفنا الله العمل به . فليسأل أحدُنا نفسه في تطبيق هذا القرآن في حياته كلها ، وصبره على هذا العمل والتطبيق الجاد ، حتى يكون القرآن حجة له يوم القيامة ولا يكون حجة عليه ، وقد قال  : (وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ ...الحديث) رواه مسلم . وهذا العمر هو زمان الفرصة لي ولك للعمل بهذا القرآن . يامن يطلب النجاة ، النجاء ! النجاء ! .
2- أخي المسلم ، هل نريد ان نسلك طريقاً إلى الجنة ، فيه نجاتنا وفوزنا ؟ الجواب : نعم ، فلْنَسْلُك :
( أ ) طاعة الله ، بالقيام بأوامره وترك نواهيه ، والسير على هدى نبيه محمد   لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ  [الأحزاب: 21] .
(ب) دراسة هذه السورة وفهمها وأخذ الموعظة منها (تذكرة) والقيام بذلك بكل جدّ ونشاط ورغبة فيما عند الله وخوفاً منه ، ولذلك فإنه يُشرع قراءة هذا السورة في فجر يوم الجمعة ، كما قال ابو هريرة  : (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ) رواه الشيخان .
أخي من يصلي بالناس ، اقرأها في فجر الجمعة مع سورة السجدة ، على ما جاء في الحديث .
وأنت أخي المستمع ، تفهّمها مع سورة السجدة ، واعمل بها .
3- أيها المسلم ، لنحذر كل الحذر من طاعة الكفار وأصحاب المعاصي ، فقد نُهى النبي  عن طاعتهم ، فكيف بي وبك ؟
فلا نُطيع أصحاب المعاملات الربوية ، بكتابتها أو محاسبتها أو حراستها أو غير ذلك ، ولا نُطيع أصحاب الزمر والأغاني ، ولا نُطيع أصحاب الأهواء ( البدع ) كالرافضة والصوفية وغيرها ، ولا نُطيع الكافرين فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ...الآية  [الفرقان:52] بل نحذر من مجالسة هؤلاء الفجرة إلا على سبيل دعوتهم إلى الله والإنكار عليهم وبيان ما هم عليه من المآثم ، وأما إذا أُكره العبد على شيء ، كما لو أُكره على التأمين على السيارة ، ولا يمكن أن يحصل على السيارة إلا بالتأمين عليها ، وهو لا بدّ له من السيارة ، فإنه يجب أن يكون كارهاً بقلبه هذا التأمين ؛ لأنه محرم ، وقد قال تعالى : إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ ...الآية  [النحل:106] بل يجب البراءة من ذنب العاصي ، وقد قال  لمّا حصل من خالد  بعض المخالفة : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ ) رواه البخاري .
4- أخي المسلم ، يُسن لنا أن نتهجد بالليل ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ ) رواه مسلم . والمراد : جوف الليل الآخر ، كما قال  في حديث عمرو بن عبسة  : ( أَفْضَلُ السَّاعَاتِ جَوْفُ اللَّيْلِ الأَخير ) رواه الطبراني في الكبير (صحيح) وأفضل الصلاة في التهجد تكون في ثلث الليل الذي بعد نصفه ، كما قال  : ( وَأَحَبَّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ ) رواه الشيخان واللفظ لمسلم .
5- أيها الأخ المسلم ، لنهتمّ بالآخرة غاية الاهتمام ، ولا نجعل الدنيا هي غاية الاهتمام والعمل ، كما هو الحال عند كثير من الناس اليوم ، وقد قال  : ( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ) رواه مسلم . فيا أخي ، اتق الدنيا ! بل ، تعوّذ بالله من فتنة الدنيا ، وفي حديث سعد  أنه روى عن الرسول  هذه الكلمات وأن رسول الله  كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ) رواه البخاري .
فلنتعوذ من ذلك كله ! والله الموفق .












الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:28 am

تفسير سورة الجن
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (Cool وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) 
التفسير :
قل – أيها الرسول – إنه قد أُوحيَ إليّ من الله أن نفراً من الجن استمعوا القرآن وآمنوا به وانقادوا له ، وقالوا لقومهم : إنّا سمعنا قرآناً عجيباً في بلاغته وفصاحته وبيانه ، ينفُذ إلى القلوب ويزكّي النفوس ، ويخاطب العقول بأكمل أسلوب وأدقّ بيان وأجمله ، وهذا القرآن يهدي إلى السّداد والنجاح ؛ فصدقّنا به واتبعناه ، ولن نشرك بربِّنا أحدا في عبادته بل نعبده وحده لا شريك له ، وأنّ الله تقدّس وتنزّه وتعالى جلاله وعظمته ما اتّخذ زوجةً ولا ولداً ، بل هو أحدٌ صمدٌ ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، وأنّه كان يقول السفهاء منا على الله جوراً وظلماً ، فينسبون إليه الصاحبة والولد تعالى الله عن ذلك ، وأنّا اعتقدنا أنّ أحداً من الإنس والجن لا يفتري على الله كذباً في نسبة الصاحبة والولد حتى سمعنا هذا القرآن وآمنّا به فعلمنا أن الإنس والجن يكذبون على الله في ذلك ، وأنّه كان رجالٌ من الإنس يستعيذون برجال من الجن لخوفهم منهم ، فزاد الجنُّ الإنسَ خوفاً وإرهاباً وذعراً ، وزاد هؤلاء الرجال من الإنس باحتمائهم بالجن إثماً .
وقال الجن لقومهم : وإنّ كفار الإنس اعتقدوا كما اعتقدتم – أيها الجن – أن الله لن يبعث أحداً بعد الموت ( لأن الكفار ينكرون القيامة والبعث ) أو لن يبعث الله بعد هذه المرة رسولاً كما قال ابن جرير-رحمه الله- وأنّا رقينا إلى السماء كعادتنا لاستماع حديث الملائكة فوجدناها قد مُلئت بالحرّاس من الملائكة الشداد وبالنجوم المحرقة التي يُرمى بها من يستمع من الجن ، وأنّا كنّا نتخذ من السماء مقاعد معينة لاستماع حديث أهلها ، أما الآن فمن يستمع فإنه يجد له شهاباً مرصداً له فيُحرقه ويُهلكه ، وأنّا لا نعلم هل هلاك ومصائب وشرور أُريد بمن في الأرض بهذا التغيّر في السماء ؟ أم أراد الله بأهل الأرض خيراً وصلاحاً وهدى .
بعض الدروس من الآيات :
1-القرآن كلام الله ، الذي لا تفنى عجائبه ولا يَخلق عن كثرة ترديد قراءته ، وقد بلغَ في البلاغة والفصاحة ما لا يمكن وصفه ، ومن بلاغته أنّه أُنزل على سبعة أحرف ، كما قال  في حديث ابن عمر  : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواه الشيخان .
فمن أراد أن يتعلم البلاغة والفصاحة وحسن الحديث وجمال التركيب في الجمل ومراعاة حال السامع ؛ فعليه بقراءة القرآن ، ومن أراد أن يتعلم النحو وما يتعلق به ؛ فعليه بالقرآن فهو حجة بلا منازع ، ولذلك يا أخي ، إنّك تجد من قرأَ القرآن قراءةً صحيحةً ؛ أجمل عبارة وأدقّ في خطابه وأبعد عن اللحن في كلامه ، وإن على المعلمين أن يعتنوا بالقرآن في تدريس البلاغة بجميع علومها ( البيان ، المعاني ، البديع ) , وأن يربطوا الطلاب بالقرآن ، بأن تكون الأمثلة من القرآن ، وكذلك يعمل معلمو النحو والأدب وغيرهم ممن له علاقة بالقرآن ، فما ذكرته هو رسالة إلى المعلمين أن يعملوا به حسب الاستطاعة ؛ لما في ذلك من تفهيم الطلاب هذا القرآن ، فإنه إذا أُعطي آية من درسٍ تفهّم معناها واستفاد من ذلك ، وبذلك يدخل معلم البلاغة والنحو ونحوهم بالنية الصادقة في تعليم القرآن تحت قوله  : ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) رواه البخاري .
2-إنّ هذا القرآن يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ في العقيدة والأعمال والأخلاق والمعاملات والآداب ، فهل أنا وأنت قرأنا هذا القرآن وعملنا بما فيه ، فاهتدينا بهديه ، وتمسّكنا بآدابه ، وملأنا قلوبنا من الفقه فيه ومحبته والإيمان به ، وشغلنا كثيراً من أوقاتنا بقراءة القرآن وبالتأمّل والتفكّر والتدبّر في هذا القرآن مطبقين هذه الآية :  فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا  وغيرها من آيات القرآن ؟
وأنّ رسولنا محمداً  كان يقرأ القرآن في كثير من الأوقات والأحوال ، حتى أنه  كان يتكئ في حِجر عائشة رضي الله عنها وهي حائض فيقرأ القرآن ، وكان يستمع القرآن فيبكي  ، كما في حديث ابن مسعود  ، فأين نحن من هذا ؟
3-وجوب الأدب مع الله  ، ومن الأدب أنه لا ينسب الشر إلى الله سبحانه ، كما قال  : (وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ) رواه مسلم . لكن الشر مخلوق فيدخل في عموم قوله تعالى :  وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا  [ الفرقان:2 ] ، ثم إنه لم يخلق اللهُ شراً محضاً من جميع الوجوه ، فما خلق الله شيئاً إلا وفيه مصالح من بعض الوجوه ، ولله حكمة في ذلك فهو الحكيم العليم .
4-أيها المسلم ، لا تخف من الجن فإنهم مخلوق ضعيف لا يضرون أحداً إلا بإذن الله ، لماذا يخاف كثير من الناس من الجن ؟ لقد قال الله تعالى :  فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  [آل عمران:175] ، فهذا الخوف منهيٌ عنه سواء كان من الجن أو من غيرهم ، وهو خوف العبادة ، ( الخوف الذي فيه انزعاج القلب وخضوعه ) أمّا الخوف الطبعي فهذا لا يحرم كالخوف من السبع ونحو ذلك .
5-إن أسفه السفهاء وأجهل الجهلاء من ينسب لله الولد أو الصاحبة أو الشريك أو الفقر أو البخل ، كما يفعل اليهود والنصارى والمشركون ومن كان على شاكلتهم من أهل البدع المُكفّرة ، فإذا رأيت اليهودي أو النصراني أو الوثني أو المبتدع في دين الله ما ليس منه سواء في باب الأسماء والصفات أو غيره ، فليتبادر إلى ذهنك أن هذا أسفه السفهاء ، فلا أسفه من هؤلاء ، وعليه فالسفه قسمان :
• السّفه الأكبر : وهو ما يخرج به صاحبه عن الإسلام فهو ( كافر ) .
• السّفه الأصغر : وهذا بحسب حال الشخص ، فالناس الواقعون فيه متفاوتون ما بين مستقل ومستكثر ( أصحاب المعاصي هم الداخلون في هذا السّفه ، فهم سفهاء ، كالظّلمة للناس ، وشاربي الخمور ، وأصحاب المخدرات ، والكَذَبة ، والخَوَنة ، وأصحاب القنوات الهدامة ، والمطربين والممثلين ، وآكلي الربا ، والعاملين في المؤسسات الربوية بالمعاونة والكتابة ونحو ذلك ، والمسبلي ثيابهم وسراويلهم ومشالحهم ، والذين يسعون وراء النساء للزنا والفجور ، وكالنساء المتبرجات ، وكالموظفين الذين يتأخرون عن أعمالهم بلا عذر أو يماطلون في أعمالهم ولا ينجزونها ، وآكلي الرشوة ونحو ذلك .
• أخي المسلم ، هل أنا وأنت نحمي أنفسنا من هذا السفه ؟
إن هذا السفه كله قد نهانا الله عنه ديننا، وقد قال  : ( فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ... الحديث ) رواه البخاري .
فلنقل صادقين مطبقين : انتهينا انتهينا .





الآيـــات
 وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) 
التفسير :
وأنا – نحن الجن- منا المؤمنون الصالحون الأخيار الأتقياء ، ومنا الكفار والفسّاق وأهل البدع ، كنا مذاهب متفرقة وآراء مختلفة ، وأنا اعتقدنا أنّا لن نفوت الله في الأرض ، بل نحن في قبضته وتحت قهره وسلطانه ، ولن نستطيع الهرب من الله في السماء إذا أرادنا بسوء أو هلاك ، وأنّا لما سمعنا القرآن آمنا به واتبعناه ، فمن يؤمن بربه فيعبده وحده لا شريك له فلا يخاف نقصاً من حسناته ولا زيادةً في ذنوبه يُعاقب عليها ، وأنّا منّا المستسلمون لله المنقادون له ، ومنّا الجائرون عن الحق الناكبون عنه ، فمن استسلم لله وخضع له فأولئك طلبوا لأنفسهم النجاة والفلاح ، وأمّا الجائرون عن الحق فكانوا وقوداً تُسعّر بهم نار جهنم ، وأن لو استقام الكفار على طاعة الله والانقياد له واتّبعوا رسوله  لأسقيناهم ماءً طهوراً مدراراً ، ووسّعنا عليهم أرزاقهم وباركنا لهم فيها ؛ لنختبرهم ونبتليهم فيه فنعلم من يستمر على طاعة الله ويشكر الله ، ومن يرتدّ إلى الغواية ويكفر نِعَمَ الله عليه .
ومن يعرض عن دين الله وكتابه وسنة رسوله  يُدخله الله عذاباً شديداً موجعاً شاقاً لا راحة معه .
وأن المساجد لله وحده ، وإنما بُنيت لعبادته وذكره ، فلا تعبدوا مع الله أحداً ، بل العبادة كلها لله دون سواه .
وأنه لما قام رسول الله  ليلة الجن يدعو ربه في الصلاة كاد الجن أن يركبوه تزاحماً عليه من شدة حرصهم على استماع القرآن .
قل – أيها الرسول – للكفار : إنما أعبد ربي وحده ولا أشرك في عبادته أحداً سواه .
بعض الدروس من الآيات :
1- إن في الجن الصالحين وغير الصالحين ، ويجب على الجن عبادة الله وحده لا شريك له واتباع رسوله  ، والانتهاء عمّا نهى عنه الله ورسوله  ، وأن يجعلوا هذا نصب أعينهم ، وأن يعلموا أن من أعرض عن الله فهو من أهل جهنم ، ومن أطاع الله دخل الجنة ، كما قال تعالى : وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... الآية [البقرة:25] وهي عامة للإنس والجن ، ويحرم على الجن ظلم الإنس والتعدي عليهم في بيوتهم أو طرقهم أو بالتعامل مع السحرة والكهان أو بالعشق للإنس أو غير ذلك ، كما يحرم عليهم أن يظلم بعضهم بعضاً وعليهم التنبُّه لذلك .
2- ذم أهل البدع (الأهواء) سواء كانت في الإنس أو في الجن ، وعلى الإنس والجن البعد عن الأهواء ، وعليهم لزوم صراط الله المستقيم ( النقي من الشرك والبدع ) وعليهم اجتناب المعاصي ، وقد قال  : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ) رواه الشيخان .
3- وجوب صيانة المساجد من :
( أ ) صيانتها من الشرك ووسائله ، فيحرم دفن الموتى فيها ، ويحرم بناء المساجد على القبور ، وقد قال  : (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) رواه الشيخان . ومن ذلك تحريم التصوير في المساجد لأنه من وسائل الشرك .
(ب) صيانتها من القذر ؛ لقوله  في حديث أنس  : ( إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ) رواه مسلم .
(ج) صيانتها من البيع والشراء وإنشاد الضالة ونحوها ، وتبقى لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ونحو ذلك .
4- وجوب السجود على الأعضاء السبعة ؛ لقوله  في حديث ابن عباس  :
( أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعْرَ ) رواه الشيخان .
فعليه :
( أ ) من سجد على ستة أعضاء بلا عذر كمرض ، فإن سجوده لا يصح وتبطل الركعة إن كان ناسياً ، وإن تعمد بطلت صلاته فرضاً أو نفلاً .
(ب) يحرم السجود لغير الله ، فإن سجد لغير الله كان مشركاً بالله شركاَ أكبر .
(ج) يحرم الانحناء ( كما يفعل البعض عند التسليم أو تحية لشخص ) ، وليحذر المسلم من ذلك ! .
( د ) تحرم التحية للأشجار والخرق ونحوها ، كما يُفعل في بعض العالم اليوم ( احذر أخي من ذلك ! ) .
5- أخي المسلم ، احرص على الخير وسارع إليه ، ومن ذلك : استماع القرآن والمواعظ ، فهؤلاء الجن تجمّعوا على رسول الله  يستمعون القرآن فكادوا يتلبّدون عليه لتزاحمهم وحرصهم .







الآيـــات
 قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28) 
التفسير:
قل – أيها الرسول – للكفار : إني لا أملك لكم هدايةً ولا غوايةً ولا أقدر أجلب لكم نفعاً أو أدفع عنكم ضراً ، بل المرجع في ذلك كله إلى الله  .
قل لهم : إنه لن يدفع عني عذاب الله أحد إن عصيته ، ولن أجد من دون الله ملجأً أفرُّ إليه من عذابه غيره ، فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه ، إلا أن الذي أستطيعه ويخلصني وإياكم أن أبلّغ رسالة ربي إليكم بعبادته وحده لا شريك له ؛ فتؤمنوا وتطيعوا ، ومن يعص الله ويخالف رسوله فإنّ له نار جهنم خالدين فيها أبداً  وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ  [البقرة:167] .
حتى إذا رأى الكفار ما يوعدون من العذاب يوم القيامة ( وقد وُعِدوا به في الدنيا ) فسيعلمون يومئذٍ من هو الذي ضعُف ناصره وقلّ عدده ، فلا ناصر له ولا عون معه ، أهم أم الله  ؟ إنهم الأضعف والأقل ، والله الأقوى الأكثر ، فهو الذي ينصر عباده المؤمنين ، وأما الكفار فلا ناصر لهم بالكلية ، وهم أقل عدداً من جنود الله .
قل – أيها الرسول – للكفار : إنني لا أعلم هل العذاب الذي توعدون قريب وقوعه بكم ، أم يجعل له ربي وقتاً بعيداً ، فإنّما أنا نذير لكم ولا علم لي بالساعة متى تقوم ، والله هو وحده عالم الغيب فلا يُطلع على غيبه أحداً من الخلق ، بل ذلك مختص به لا يعلمه سواه ، إلا من رضيه لرسالته من عباده ، فإنه يُطلعه على بعض علم الغيب مع الحماية ، بأن يجعل رصداً من الملائكة يحفظون ما أمام الرسول وما خلفه من الجن ؛ حتى لا يسترقوا شيئاً من الوحي ومن غيرهم ؛ ليعلم النبي أن الرسل قبله قد بلغت عن الله ما أُوحي إليهم كما بلغ النبي ما أُوحي إليه ، وأن الله حفظه بالملائكة من الجن وغيرهم كما حفظهم ، وأن الله قد أحاط علمه بما عند الملائكة والرسل ، فلا يخفى عليه شيء من خلقه ، وأن الله قد أحصى عدد كل شيء ، فلا يخفى عليه شي في الأرض ولا في السماء ، فهو العليم به كله .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم ، إن علم قيام القيامة لا يعلمه إلا الله ، لكن علينا الاستعداد لها من الآن ، ولذلك لمّا نادى ذلك الأعرابي النبي  وقال :يا محمد ، أخبرني عن الساعة ؟ قال  : (وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ قَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ عَمَلٍ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ
قَالَ فَمَا فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ مِمَّا فَرِحُوا بِهِ ) رواه أحمد ( صحيح) .
فلنُعدّ أخي حب الله ورسوله ، وذلك بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه .
2- إن علم الغيب هو مما تفرد به الله  ، ولذلك يا أخي لا تصدق الكاهن ولا العرّاف ولا الساحر ولا تأته ؛ لأن الله  قد جعل حمايةً لوحيه إلى رسله عليهم الصلاة والسلام في ما أوحاه إليهم من الغيب الذي خصّهم به ، ولمّا سُئل  عن الكهان قال : (لا تَأْتُوهُمْ ) رواه النسائي وأحمد (صحيح) . فنهى عن إتيانهم وأخبر  أنه : (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ  ) رواه أحمد (صحيح).
3- إن الرسل قد بلّغوا رسالات ربهم ، ومنهم محمد  ، فقد بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين .
أخي ، لقد بلغنا هذا الدين كاملاً ، لكني أنا وأنت ماذا قدمنا لهذا الدين في تطبيقه والعمل به ؟ في نشره والدعوة إليه ؟ في الدفاع عنه ؟ في الفرح به وتربية الأجيال والأسر والبنين والبنات عليه ؟ والاعتزاز به والثبات عليه وعدم التزحزح مهما كان الأمر ؟
وقد أخبر النبي  أنّ ممن كان قبلنا ، من كان يُنشر بالمنشار من مفرقه ، ويُمشط بأمشاط الحديد مابين لحمه وعظمه ، فلا يثنيه ذلك عن دينه ، فيما نحن اليوم يتنازل البعض عن كثير من دينه لأسباب يسيرة وأمور قليلة ، والله المستعان .
4- أخي المسلم ، اعلم أن الله قد أحصى عدد كل شيء ، فلا يخفى عليه شيء في هذا العالم كله ( في السماوات والأرض ) ، لنحذر أن يُحصي علينا كثرة الذنوب والمعاصي ، ولْنكن أكثر طاعة لله وتقرباً إليه ؛ خوفاً منه ومحبةً له وعملاً في مرضاته وطمعاً في ثوابه وخوفاً من عقابه .
إذا كنّا خائفين من الله فلنسارع إليه مجتهدين في طاعته ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  : (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ) رواه الترمذي والحاكم( صحيح ) .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:28 am

تفسير سورة الحاقة
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (Cool وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) 
التفسير :
القيامة لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد ، والجزاء بالنعيم أو العذاب ، ما القيامة التي يتحقق وقوعها ويعظُم أمرها ؟ وما أعلمك - أيها الرسول- ما القيامة وما يكون فيها من الأهوال العظيمة التي تذهل لها القلوب وتتحير العقول ؟ .
كذّبت ثمود ( قوم صالح ) وعاد ( قوم هود ) بالقيامة التي تقرع القلوب بأهوالها ، فانتقمنا منهم وأهلكناهم ، فأما ثمود فأهلكهم الله بالصيحة الشديدة ، وأما عاد فأهلكهم الله بريحٍ شديدةِ الهبوب ذات صوتٍ  تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى (4) إِلا مَسَاكِنُهُمْ ..الآية  [الأحقاف: 25] . سلّطها الله عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ متتابعات بلا توقّف فأهلكتهم ، فترى القوم فيها هلكى مُلقين على الأرض كأنهم أصول نخل ٍ ساقطة خرابة بالية ، فهل ترى لهم أحداً من بقاياهم بعد إهلاكهم ؟ لقد بادوا عن آخرهم ولم يبق منهم خلف .
وجاء فرعون ومن قبله من الأمم التي كذبت الرسل وقوم لوط بالجريمة الشنيعة ، والذنوب الخاطئة من الشرك والمعاصي والتكذيب ، فكلٌ منهم عصوا رسول ربهم لمّا جاء ، وكذّبوه وعاندوه ، فأخذهم الله بإهلاكهم أخذةً عظيمةً شديدة أليمة .
إنا لمّا زاد ماء الطوفان على الحد وارتفع وكثر في زمن نوح  حملنا أجدادكم الأصول في السفينة وأنجيناكم من الغرق ، وعمّ الطوفان أهل الأرض إلا من كان مع نوح في السفينة ؛ لنجعل حملكم في السفينة وإنقاذكم من الغرق وإهلاك الكافرين عظة وعبرة لكم ، وتعقلها وتفهمها كلُ أذن عقلت عن الله  ، حافظة لما سمعته منتفعة به .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : إن أمر القيامة عظيم ، فماذا أعددنا لها ؟
ليفكر كل واحد منّا في أمر آخرته ، وليجعل ذلك نصب عينيه ومحطّ اهتمامه وشغله الشاغل ، ولا ينسى نصيبه من الدنيا ، ولكن في غير معصية الله . وإن الناظر في سيرة الرسول  يجد أنّ كلها حياة عمل واجتهاد في طلب ما عند الله ، ففي قيام الليل ، قام  حتى تفطّرت قدماه ، وفي النهار يصوم حتى يقولوا لا يفطر ، ويفطر حتى يقولوا لا يصوم ، وهو في الجهاد في سبيل الله  والإنفاق والصدقة ، فلا مجال من المجالات إلا وتجد أنه  يعمل فيه .
أخي ، لنجتهد ، ولنعمل لآخرتنا من الآن حتى نلقى الله  .
2- أيها المسلم : كلما تذكرنا القيامة أو مرّ بنا ذكرها في القرآن أو سنة النبي  أو ذكّرنا بها الواعظ أو خطيب الجمعة ، أو قبرنا جنازةً أو مررنا بالمقابر أو غيرهم ؛ فليكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهني وذهنك : ماذا أعددنا لها ؟ ولنجعل هذا قاعدة نسير عليها ؛ لأنّ النبي  لمّا سأله رجل عن الساعة قال له النبي  : ( مَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ) رواه الشيخان من حديث أنس  .
3- إن الله أهلك عاداً بريح الدبور  بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ، وقد نصر الله رسوله محمد 
بريح الصَّبا ، كما قال  : ( نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ ) رواه الشيخان . ومن نصْر الله  رسوله  بالريح ، قوله تعالى في إرسالها على الأحزاب  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا..الآية  [الأحزاب:9].
4- أخي المسلم :
س1: هل أُذنك واعية ؟ وهل أُذني واعية ؟ وهل نعي هذا القرآن إذا سمعناه ، ونعي ما يقال لنا مما فيه منافع في الدين والدنيا ؟
جـ1 : أجبت فقلت : نعم أُذني واعية .
س2 : ما هو الدليل على ما تقول ؟
جـ 2 : لأنني كلما سمعتُ كلاماً فيه نفع لي في ديني ودنياي فهمته ووعيته وطبّقته .
س3 : وإذا سمعتَ كلاماً هو ضرر في دينك ودنياك ، ماذا تفعل ؟
جـ 3 : أعرض عنه ولا أعمل به .
س4: لماذا تعرض عن الذي تسمعه مما لا فائدة فيه ؟
جـ 4: لأني قد طبّقت ما سمعته في قوله تعالى :  وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ  [ القصص : 55].
س5 : اذكر بعض ما تفعله لصلاح أُذنك ؛ حتى تسمع بها ما ينفعك وتعي ذلك .
جـ 5 : من هذه الوسائل أنني أستمع وأتفّهم وأتفقّه في ما يقال لي وأعرضه على الكتاب والسنة ، فما وافقهما أخذته وما خالفهما تركته .
س6 : اذكر أيضاً بعض ما يُشرع أن تفعله في صالح أُذنك (سمعك ) حتى تكون قائمةً بأمر الله وترك نهيه .
جـ 6 : من ذلك التقرب إلى الله عز وجل بالفرائض والإكثار من النوافل ؛ لقوله  فيما يرويه عن ربه : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ... الحديث ) رواه البخاري .
س7 : اذكر بعض وسائل الوقاية لإصلاح أُذنك ( سمعك ) .
جـ 7 : منها الاستعاذة بالله من شر سمعي ؛ لقوله  لشَكَل بن حميد  : ( قُلْ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَشَرِّ بَصَرِي وَشَرِّ لِسَانِي وَشَرِّ قَلْبِي وَشَرِّ مَنِيِّي ) رواه النسائي والترمذي (صحيح) ، وفي لفظ : ( قُلْ اللَّهُمَّ عَافِنِي مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَبَصَرِي وَلِسَانِي وَقَلْبِي وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي يَعْنِي ذَكَرَهُ ) رواه النسائي ( صحيح) .




















الآيـــات
 فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) 
التفسير :
فإذا نفخ اسرافيل  في القرن النفخة الأولى وهي نفخة واحدة ( نفخة الفناء ) فيفنى كلُّ شيء على الأرض  كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ  [الرحمن: 26، 27] . ورُفعت الأرض والجبال ؛ بقلعها من أماكنها ، فدُكّتا دكّةً واحدةً شديدةً ، فمُدّت الأرض مدّ الأديم العكاظي ، وصارت الجبال هباءً منبثاً في الهواء ، ففي ذلك اليوم قامت القيامة ، وتصدّعت السماء وانشقت فهي في ذلك اليوم ضعيفة متخرّقة البناء ، مسترخية الأجزاء لا تماسك بينها .
والملائكة على حافّات السماء واقفون ، ويحمل عرش ربك يوم القيامة ثمانية من الملائكة الأقوياء ، فلا يعلم قوّتهم وخلقهم إلا الله  .
في ذلك اليوم تُعرضون على الله للجزاء والحساب ، لا يخفى على الله منكم شيء ، فهو يعلم السر وأخفى . فأمّا من أُعطي كتابه بيمينه وهو المؤمن ، فهو في فرحٍ شديد يقول : خذوا اقرءوا كتابي - لأنه يعلم أنّ الذي فيه خير وحسنات - إني تيقّنت بلقاء ربي فعملتُ واستعددتُ له ، فهو في عيشةٍ مرضية وحياة كريمة وقرّة عين لا تنقطع ، في جنةٍ رفيعة القصور ، مرتفعة الدّور ، ثمارها قريبة سهلة التناول ، يُقال لهم تفضُّلاً وإنعاماً : كلوا واشربوا مما في الجنة من كل ما اشتهت أنفسكم هنيئاً سائغاً كريماً ؛ بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في الأيام السّالفة ( الدنيا ) .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : هذه أهوال ( دكّ الأرض والجبال ) و ( انشقاق السماء وتصدّعها ) في ذلك اليوم نُعرض على الله  لمحاسبتنا ومُجازاتنا ، فما الذي قدّمناه استعداداً لذلك اليوم العظيم ، ( الملك يومئذٍ لله ، الجبروت لله ، هو المتكبّر سبحانه ) قال ابن عمر  سمعت رسول الله  على المنبر يقول : ( يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضَهُ بِيَدِهِ وَقَبَضَ بِيَدِهِ فَجَعَلَ يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُهَا ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْجَبَّارُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ قَالَ وَيَتَمَيَّلُ رَسُولُ اللَّهِ  عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي أَقُولُ أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ  ) رواه ابن ماجة ولمسلمٍ نحوه .
أخي ، في ذلك اليوم العظيم لا ينفع ملك ولا مال ولا ولد ولا جاه ولا مناصب إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم .
ألا فلْنأخذ لذلك الموقف عدّته من الآن ! وقد قال عمر  : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتزينوا للعرض الاكبر ، يوم تعرضون لا يخفي منكم خافية.
2- أيها المسلم : إنّ خلق الملائكة عظيم ، وإنّ حملة العرش قد أُذن لرسول الله  أن يُحدث عن أحدهم فقال في حديث جابر  : ( أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ ) رواه أبو داود (صحيح ) .
أخي : إنّ هذا الخلق العظيم يدل على قدرة الله العظيمة وقوّته وأنه يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد لحكمةٍ يعلمها ، فهل قَدَرْنا الله حقّ قدره بالقيام بطاعته وترك معصيته ؟ إنّ العاقل هو الذي يعي هذا ويفهمه ، ويقوم بما أمره به ربّه ؛ حبّاً له وخوفاً منه وإقبالاً عليه . والله الموفق .
3- إنّ العبد يحب أن يأخذ كتابه بيمينه ، لكن هل قمنا بما أمرنا الله به وانتهينا عن نواهيه ليحصل لنا ذلك بفضل الله ورحمته ؟ فمن جاء ربه مؤمناً قد عمل الصالحات فإنّه يأخذ كتاب حسناته بيمينه ، كما قال  في حديث ابن عمر  : ( إنّ الله تَعَالَى يُدْنِي المُؤْمِنَ فيَضَعُ عَلَيهِ كَنَفَه وسِتْرَه مِنَ النَّاسِ ويُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِه فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِه وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ قَال فإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ثُمَّ يُعْطَى كِتَاب حَسَنَاتِهِ بِيَمِينِهِ )
أخي , حقِّق الإيمان الصّادق ولْنُكثر من التوبة والاستغفار والاعتذار إلى الله  قبل أن نلقاه . وهو سبحانه الموفق لكل خير .
4- ليعلم كلُ واحدٍ منا أنّ من قام بطاعة الله ورسوله ، وانتهى عن معاصي الله ، فذلك توفيق من الله ، وكذلك من يسّر الله له دخول الجنة فذلك بفضل الله ورحمته ، وإنما الأعمال سبب ، وقد قال  : ( لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ ) رواه مسلم .
يا أخي ، إنّ لله عليّ وعليك مِنّة وفضل وإحسان في كل طاعة تقدمها ؛ فحريٌّ بي وبك أن نزدادَ شكراً لله على فضله ورحمته . والله الموفق .







الآيـــات
 وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37) 
التفسير :
وأما من أُعطي كتاب سيئاته بشماله في عرصات القيامة ، فيندم ويقول : يا ليتني لم أُعط كتابي ! ويا ليتني لم أعلم ما حسابي الذي سألقاه ! لمِا يرى مما سيلاقي من العذاب ، يا ليت الموتة التي ذقتها كانت الموتة التي لا حياة بعدها ! لم يدفع عنّي مالي عذاب الله ونقمته ، ذهب عني جاهي وسلطاني وجُندي ومنصبي ، وحُجّتي التي أحتجّ بها ، فلم يبق معي شيء من ذلك كلِه ، قال الله لملائكته الزبانية : خذوا هذا الكافر فأجمعوا يديه إلى عنقه في الغل ، ثم في نار جهنّم المحرقة اغمروه فيها ؛ ليصلى حرّها ويُحسّ حَرَقَها ، ثم أدخلوا فيه سلسة طولها سبعون ذراعاً ، فتدخل في إسته ثم تخرج من فيه ثم يُنظمون فيها كما يُنظم الجراد في العود حين يُشوى ، إنه كان لا يُصدّق باستحقاق الله العبادة وحده دون سواه ، والله المُستحق للعبادة هو العظيم في ربوبيته وإلاهيته وأسمائه وصفاته ، ولا يحثُّ ولا يُشجع غيره على إطعام المسكين والفقير والمحتاج ، فلا يؤدي ما وجب عليه في ذلك ، فليس له يوم القيامة قريبٌ يُنقذه من عذاب الله ، ولا شفيع يدفع عنه نقمة الله وبأسه ، ولا طعام له يوم القيامة إلا من صديد أهل النار وما يسيل من الماء والدم من لحومهم ، لا يأكل هذا الطعام إلا المجرمون الكافرون بالله .
بعض الدروس من الآيات :
1-أيها المسلم ، إنّ العبد إن كان ذا مالٍ ولم يكن مؤمناً بالله فإنّ ماله لا ينفعه يوم القيامة عند الله ، وكذلك المسلم إن كان ذا مالٍ ولكنّه مرتكب للذنوب غير مبالٍ بربه فإنّ ماله لن يُغني من الله شيئاً  مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ  فلْيتق اللهَ العبدُ من اليوم ، ولْيعلم أصحاب الأموال أن المال سببٌ لطغيان كثيرٌ من الناس كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى  [العلق: 6، 7] فلْيحسِب أصحاب الأموال حسابهم من الآن بتقوى الله والاستقامة على دينه وإنفاق المال في ما يرضي الله  . والله المستعان .
2-أيها المسلم ، إنّ أصحاب السلطان الذين أعرضوا عن الله سيذهب سلطانُهم وسوف يندمون غاية الندم ولن يُغني عنهم سلطانهم يوم القيامة ولا جُنودهم ؛ ولذا عليهم أن يتقوا الله وأن يجعلوا هذا السلطان في مرضاة الله بإقامة الحدود وتحكيم شرع الله والعدل بين الناس وإعطائهم حقوقهم ولْيجعلوا يوم القيامة نصب أعينهم وعليهم :
( أ ) أن يتّقوا تعذيب الناس بغير حق ، فقد قال  في حديث هشام بن حكيم  : ( إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا ) رواه مسلم .
( ب ) أن يحذروا من الوقوع في الصنف الذين معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، وقد قال  : (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) رواه مسلم
( ج ) أن ينظروا في من كان صاحب سلطان فمات وذهب ، أين سلطانه ؟ لقد ترك سلطانه وذهب عنه ؛ ولذلك تُرك في قبره ليس معه إلا عمله ، فليس معه مال ولا ولد ولا صديق ولا سلطان ولا وجاهه ولا منصب . والله هو الموفق .
( د ) المال والشرف والمناصب والجاه هي أفسد لدين العبد ، كما قال  في حديث كعب بن مالك  : ( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ) رواه أحمد والترمذي ( صحيح ) .
يا أصحاب المال والجاه والمناصب ، انتبهوا ! واتقوا الله في أموركم .
3-ايها المسلم : إنّ طعام أهل النار (غسلين ) قد قيل أنّه الزقوم ، وقد قال  في حديث ابن عباس  : ( لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ ) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة ( صحيح ) .
4-أخي المسلم : إنّ الصداقات والمحبة إن كانت لغير الله فإنّها لا تنفع صاحبها يوم القيامة ؛ ولذلك اجعل صداقتك ومحبتك لوجه الله الكريم ، وافهم ثمرة ذلك ، كما قال  في حديث السبعة الذين يُظلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم : (وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ) رواه الشيخان . والله الموفق .











الآيـــات
 فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) 
التفسير :
فأُقسم بكل ما تشاهدونه من المخلوقات ، وأُقسم بكل ما لا تشاهدونه من المخلوقات إنّ هذا القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله محمد  ، وأنّه قد بلّغه الرسول الكريم محمد  إلى من أُرسل إليهم ، وما هذا القرآن بكلام شاعر كما تفترون ، ولكن كلام الله حقّاً ولكن تصديقكم بالحق قليل ، وما هذا القرآن بقول كاهنٍ وسجعه ، ولكنه كلام الله حقّاً ولكن تذكّركم قليل ، فلو تذكّرتم كثيراً بالتفكر في القرآن لعلمتم أنه كلام الله ، ولكن هذا القرآن مُنزّلٌ من رب العالمين على رسوله محمد  لِيُبلِّغه إلى من أُرسل إليهم ، ولو نسبَ إلينا محمدٌ  بعضاً من الأقوال لم نَقُلْه – وحاشاه  من ذلك –
لانتقمنا منه باليمين باطشين به ، ثمّ لقطعنا منه نياط القلب فيهلك - لأنه إذا قُطع عرق القلب مات الإنسان - فما يقدر أحدٌ منكم أن يمنعه من عقابنا أو يحجز بيننا وبينه إذا أردنا به شيئاً من العقوبة ، وإنّ هذا القرآن لعظةٌ وعبرةٌ عظيمةٌ للمتقين الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، وإنا لنعلم أن بعضكم يُكذّب بهذا القرآن مع بيانه ووضوحه وقوة حُجّته ، وسنجازيهم على تكذيبهم .
وإنّ التكذيب بالقرآن لندامةٌ على الكافرين يوم القيامة حينما يرون عاقبة تكذيبهم بدخولهم النار .
وإن هذا القرآن هو الحق الثابت الذي لا شك فيه ، فهو كلام الله الذي نزّله على رسوله محمد  بالحق مصدقاً لما بين يديه ، فنزِّه الله وقدّسه مما لا يليق به مما ادّعاه المشركون وغيرهم من نسبة الصاحبة والولد والبنات والأنداد وغير ذلك إلى الله ، تعالى الله عمّا يقولون ، فهو سبحانه العظيم في ذاته وربوبيته وأُلوهيّته وأسمائه وصفاته .
بعض الدروس من الآيات :
1-القرآن كلام الله  حقيقةً  وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ  [الشعراء:192]، وإضافته إلى رسول الله  في هذه الآية  إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ  هو إضافة تبليغ وليست إضافة إنشاء ، ويدلّ لذلك قوله  في حديث جابر  : ( أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلْنِي إِلَى قَوْمِهِ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي ) رواه الترمذي وابن ماجة ( صحيح ) ، وكذلك إضافة القرآن إلى جبريل   إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)  [التكوير:19-20] هي إضافة تبليغ ؛ فإن جبريل  بلّغه إلى محمد  ومحمد  بلّغه إلى من أُرسل إليهم .
2رسالة إلى من يتكلّم في المسائل الشرعية وإلى طلاب العلم :
إن كل متقوِّل على الله ما لم يقله ، فإنّ الله سوف يُهلكه ؛ ولذلك يجب على العبد أن يتقي الله  فلا ينسب إلى الله ما لم يقله أو ينسب إلى دين الله ما ليس منه .
وعلى طالب العلم :
( أ ) أن لا يتكلم في مسألة إلا بما علم فيها من كتاب الله أو سنة رسوله  والفقه فيهما ، وإذا أفتى بحديث فليكن عالماً بصحته ، فإن كان الحديث غير صحيح فلا ينسبه إلى رسول الله  ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  : ( مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) رواه ابن ماجة ( صحيح ) .
اجعل هذا الكلام أخي طالب العلم نصب عينيك . والله الموفق .

( ب ) إذا كان طالب العلم ليس فقيهاً متضلّعاً في الفقه ؛ فلينقل ما يحفظه من السنة إلى الفقهاء المتمرسين وله أجرٌ عظيمٌ عند الله على ذلك ، وقد قال  في حديث زيد بن ثابت  : ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ) رواه الترمذي ( صحيح ) وفي حديث ابن مسعود  : ( فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ) رواه أحمد والترمذي ( صحيح ) وفي حديث أنس  : ( فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ) رواه أحمد وابن ماجة ( صحيح ) .
3-أخي المسلم ، لنكثر من تسبيح الله ( سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم )
و ( سبحان ربي العظيم ) وكل ما ورد من التسبيح ، وأمّا في الركوع للصلاة فيُشرع أن يسبح فيقول : سبحان ربي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربي الأعلى ؛ لحديث حذيفة  : ( أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ  فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ ) رواه الترمذي ( صحيح ) . وفي حديث عقبة بن عامر  : ( فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ  إِذَا رَكَعَ قَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا وَإِذَا سَجَدَ قَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا ) رواه أبو داود ( صحيح ) .
4-من صفات الرسول محمد  ( كريم ) كما قال تعالى :  إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ  فهو كريم على ربه  وكان أكرم الناس ، وفي حديث أنس  : ( وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ  لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ أَوْ سَكَتَ ) رواه أحمد والحاكم ( صحيح ) . وفي حديث طلحة بن عبيد الله  ( وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ  لا يَكَادُ يَسْأَلُ شَيْئًا إِلا فَعَلَهُ ) رواه الطبراني في الكبير ( صحيح ) . وقد قال الله  عنه   وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ  [القلم:4] فقد جمع  كل خلق عظيم .





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:29 am

تفسير سورة ( ن )
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (Cool وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) 
التفسير :
نون من الحروف التي استأثر الله بعلمها ، وأقسم بالقلم الذي كتب وتكتب به الملائكة والبشر ؛ لأهميته ونفعه ، وأقسم بما يكتبون به من العلوم النافعة والأحكام الجامعة.
ما أنت - أيها الرسول - بما أنعم الله عليك به من الرسالة والوحي بمجنون لا عقل له ، بل أنت أكمل الناس عقلاً وأسدّهم رأياً ، وإن لك لأجراً عظيماً عند الله على تبليغك للرسالة وأدائك للأمانة ونصحك للأمة ، أجر غير مقطوع بل مستمر دائم إلى يوم القيامة.
وإنك - أيها الرسول- لعلى خُلق عظيم ، أكمل خُلق وأفضل سجايا وأكرم شمائل وأرفع أدب وأزكى سريرة . فسيتّضح لك ولأعدائك الكفار يوم القيامة أيكم على الصراط المستقيم والنهج القويم ، حين يتميز الحق من الباطل والهدى من الضلال ، وستعلم أيها الرسول وسيعلم الكفار أيكم الضال الذي افتُتِن عن الحق وضل عنه ومن هو المجنون .
إن ربك هو أعلم بمن هو من الفريقين منكم ومنهم هو الضال المنحرف عن الحق ومن هو المهتدي ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .
فلا تطع - يا رسولنا- من كذّبك ، وامضِ في تبليغ رسالتك ، فإنك على دينِ قويم وشرعٍ مستقيم .
تمنّى الكفار أن تلين لهم بترك دينك وتبليغ رسالة ربك ، أو بترك بعض ذلك ، فيلينون لك فيما توافقهم فيه ولا ينُازعونك ويُغلظون لك .
ولا تُطِع أيّها الرسول كل كاذب كثير الحلف ، مكابر ضعيف حقير ، مُغتاب ملتمس العيوب للناس مشّاء بالنميمة ينقل الكلام للإفساد في المجتمع وزرع البغضاء بين المسلمين ، كثير المنع للخير مما وجب عليه وما عنده من الخير ، معتد ٍ بتناول ما أباح الله ، بتجاوزه فيه الحدَّ المشروع ، أثيمٍ في تناول ما حرّم الله عليه والوقوع في كثرة الآثام والمعاصي ، فظٍ غليظٍ في بُعده عن الله وإعراضه عنه وتكبُّره وتجبُّره على الخلق ولؤمه وعدم حيائه وخِسّة خلقه ، دَعيٍّ فلا يُعرف له أب ، رجل من قريش له زَنَمَة كزَنمة الشاة ، لأجل أنه صاحب مال يكفر بالله  ويعاند رسوله  ، فيقابل ما انعم الله عليه من المال والبنين بالكفر بالله ، وكان الأجدر به أن يؤمن بالله ويشكره ويُثني عليه وينيب إليه ، إذا قُرئ عليه آيات القرآن قال هذه خرافات وتُرّهات الأمم الماضية ، سنجعل له علامة قبيحة على أنفه يُعرف بها مادام حياً .
بعض الدروس من الآيات :
1-القلم الأول هو الذي كتب مقادير الخلائق بأمر الله  ، وقد قال  في حديث عبادة  : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي ) رواه أبو داود ( صحيح) .
وعند الترمذي : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ اكْتُبْ فَقَالَ مَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ الْقَدَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ ) (صحيح) وفي لفظ عند الترمذي : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ ) (صحيح) . وفي حديث ابن عباس  قوله  : ( إنَّ أوَّلَ شَيءٍ خَلَقَهُ اللهُ القَلَمَ فَأَمَرَهُ فَكَتَبَ كُلَّ شَيءٍ يَكُون ) رواه البيهقي في السنن ( صحيح) .
ولذا يترجح لي أن القلم هو أول المخلوقات . والله أعلم .
2 – أن رسول الله  قد زكّاه الله  تزكيةً تامة ، فقال :  وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ  وقالت عائشة رضي الله عنها : ( كَانَ خُلُقُه الْقُرْآنَ ) رواه مسلم .
أخي المسلم : هل تخلّقنا بخلق رسول الله  (القرآن ) في حياتنا كلها ؟
ومن ذلك :
( أ ) أن يكون أحدنا أحسن مجتمعه خلقاً ، فقد كان  : ( أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ) رواه البخاري عن أنس  .
( ب) أن نكون أصحاب حياءٍ جمّ ، فقد كان  : ( أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا ) رواه الشيخان من حديث أبي سعيد  .
( ج ) لا يقل أحدنا للخادم أو للزوجة ونحوهم ( أُفّ ) ، ولا لشيء فعله لمَ فعلته ، أو لشيء لم يفعله ألا فعلته ، كما كان النبي  ، كما قال أنس  : ( خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَلَا لِشَيْءٍ فَعَلْتُه لمَ فَعَلْتَه وَلاَِ لشَيْءٍَ لَمْ أفْعَلْه أَلاَ فَعَلْتَه ... الحديث ) رواه الشيخان .
( د ) لا يضرب أحدُنا خادماً أو امرأةً أو شيئاً ، وإذا خُيِّر أحدُنا بين شيئين فليختر الأيسر ، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه ، ولا ينتقم أحدنا لنفسه من شيء إلا أن تنتهك حرمات الله  فينتقم لله ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ  بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ وَلَا امْرَأَةً وَلَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ  بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ الْإِثْمِ وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَكُونَ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ  ) رواه أحمد ( صحيح ) .
( هـ) من خُلُقه  ومعالجته لأهل بيته ، أنّه  : ( إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ) رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها .
( و ) من خُلُقه  أنه كان ( طَوِيلَ الصَّمْتِ قَلِيلَ الضَّحِكِ ) رواه أحمد عن جابر بن سمرة  (صحيح)
( ز ) من خُلُقه  أنه كان ( لاَ يَأْكُلُ مُتَّكِئًا ) رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو  ( صحيح ) .
( ح ) من خُلُقه  أنه كان ( لَا يَمْنَعُ شَيْئًا يُسْأَلُهُ ) رواه أحمد عن أبي أسيد الساعدي  (صحيح) .
( ط ) كان  ( يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ تُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ ) رواه أبو داود ( صحيح) .
( ي ) كان  ( يمر بالصبيان فيسلم عليهم ) رواه البخاري عن أنس  .
( ك ) كان  (يَسْتَحِبُّ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ) رواه الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها (صحيح) .
أيها الأخ المؤمن ، قد ذكرت لك جملةً من شمائل رسول الله  لنتخلّق بها ، والله الموفق .
3-أخي المسلم : يجب علينا تجنب الهمز والنميمة فإنها :
( أ ) قال  في حديث حذيفة  : ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ ) رواه الشيخان . القتات : النمام "
( ب ) يُعذّب النمام في قبره ، لقوله  في صاحبي القبرين الذين يُعذبان : (وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ... الحديث ) رواه الشيخان عن ابن عباس  .
3- تحريم الغيبة ، ما أكثر الواقعين في هذا الإثم ( الغيبة ) ! فاحفظ – أخي – لسانك عن الكلام في عباد الله ، واتق الله فإننا والله لمسئولون يوم القيامة عن أعمالنا وأقوالنا ، وإن الغيبة من كبائر الذنوب ، ومنها ما يكون بهتاناً ، وقد سُئل  عن الغيبة فقال : ( ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ) رواه مسلم وأبو داود .














الآيـــات
 إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) 
التفسير :
إنا اختبرنا كفار قريش بالقحط والجدب والقتل والمصائب ، كما اختبرنا أصحاب الجنة
( البستان ) يوم حلفوا ليقطَعُنّ ثمارها وقت الصباح الباكر ؛ لئلا يعلم بهم الفقراء فلا يعطوهم منها شيئاً ، ولا يستثنون في حلفهم ولم يقولوا إن شاء الله ، فنـزل على الجنة ناراً أرسلها الله  فأحرقتها وهم نائمون ، فأصبحت جنتهم كالليل محروقة كالليل الأسود ، فنادى بعضهم بعضاً وقت الصباح أن اذهبوا مبكرين إلى بستانكم إن كنتم جادّين في قطعه وقت الصباح ، فانطلقوا إلى بستانهم مسرعين يحثُّ بعضهم بعضاً بصوتٍ خافت ؛ حتى لا يسمعهم الفقراء ، وأجمعوا أن لا يدخل جنتكم اليوم أي فقير ، بل امنعوهم منها وانطلقوا مبكرين بقصدٍ سيءٍ وغضبٍ على المساكين ، وظنوا أنهم قادرون على تنفيذ ما أجمعوا عليه من منع المساكين والمحتاجين . فلما رأوا جنتهم سوداء محترقة قالوا : ليست هذه جنتنا ، إنا أخطأنا الطريق إليها ، فلما علموا أنها جنتهم قالوا : هي جنتنا ولكنا مُحرمون خيرها بعزمنا السيئ على منع المساكين منها ، قال خيرُهم وأعدلُهم : ألم اقل لكم لولا تستثنون ( استثنوا بقول إن شاء الله ) ؟ قالوا : تنـزّه الله  عن إتلاف جنتنا ظلماً ، إنا كنا ظالمين أنفسنا بعملنا السّوء ، فما أصابنا فهو بسبب ذنبنا . فاقبل بعضهم يلوم بعضاً على سوء عملهم في عزمهم حرمان المساكين ، قالوا : يا هلاكنا ، إنا كنا متجاوزين الحد في معصية الله بمنع المساكين والسعي في طردهم حتى لا يحصلوا على شيء من جنتنا ، عسى ربنا أن يعطينا بدلاً عن جنتنا خيراً منها ، إنا إلى ربنا راغبون في بدلها وفي الثواب عند الله في الدار الآخرة .
كذلك عذاب الله ونقمته لكل من خالف أمره وعصاه يحصل ، كمثل أهل البستان في هذه القصة حين خالفوا أو بخلوا فعاقبهم الله ، ولَعذاب الآخرة أشد وأشق من عذاب الدنيا ، لو كانوا يعلمون ذلك لأقبلوا على ربهم بطاعته وترك معصيته .
بعض الدروس من الآيات :
1- رسالة إلى أصحاب البساتين والمزارع والثمار وغيرها :
أيها المسلمون أصحاب البساتين والمزارع ، تذكروا هذه القصة عندما تريدون قطع ثمار مزارعكم وبساتينكم ، واجعلوا للفقراء والمساكين حظاً وافراً من هذه الثمار التي لديكم ، وأعطوهم منها بطيبة نفسٍ وسخاوة وكلمة جميلة ، وفرح بما عند الله من الثواب العظيم ، تصدّقوا على المحتاجين من تموركم ، من حبوبكم ( ذرة أو شعير أو غيرها ) من فواكه مزارعكم ( موز أو برتقال أو تين أو مشمش أو تفاح أو غيرها ) من زرعكم الذي للبهائم ، وأنتم يا من يتسلم راتبه في 25 من الشهر أو يتسلم تقاعده في 15 من الشهر أو يتسلّم غير ذلك في أي وقت ، وأنت يا صاحب الدكان والبقالة وبائع اللحم والأقمشة وصاحب المطعم والبوفية وغيرهم ، اجعلوا للمساكين شيئاً من دخلكم ، فإن ما تصدقت به هو الباقي لك عند الله ، وهو الذي لك ، كما قال  : ( وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ) رواه مسلم . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : ( أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْهَا قَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا قَالَ بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا ) رواه الترمذي (صحيح) . تصــدق أخــــي ولا تخــش الفـــــقر.
1-أخي المسلم ، استثنِ في كلامك ، لا تقل سأفعل كذا غداً ، لكن قل : سأفعل كذا غداً إن شاء الله ، وقد قال تعالى : وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أنْ يشَاءَ اللَّهُ ... الآية  [الكهف :23-24] .
واستثن في يمينك حتى لا تحنث ، ويجوز ترك الاستثناء في اليمين في فعل نفسه ،
كما قال  : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ ...الحديث)رواه الشيخان . وله الاستثناء كما قال  في حديث أبي موسى  : ( إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) رواه الشيخان .
وأما الخبر عن الأمور القطعية فلا يُستثنى في اليمين فيها ، كما قال  في حديث أبي هريرة  : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلَّا الْبَلَاءُ ) رواه مسلم .
2- أخي المسلم : إن الذنوب شؤم على العبد في الدنيا والآخرة ؛ ولذلك حذر منها القرآن وذكر قصص السابقين الذين عصوا الله  وما حل بهم من عذاب الله ونقمته ، وما جاء في هذه القصة ( أصحاب الجنة ) وما أصابهم في بستانهم ، وقد حذّر النبي  من المعاصي كبيرها وصغيرها ، فقال في حديث سهل بن سعد  : ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ ) رواه أحمد .
وحذّر  من كثير من الكبائر فقال ( إياكم وكذا ) ( إياي وكذا ) كما قال  في حديث أبي هريرة  : ( إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ ) رواه الترمذي (صحيح) . وقال  في حديث عقبة بن عامر  : ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ ... الحديث ) رواه الشيخان . وقال  في حديث معاوية  : ( إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ ) رواه ابن ماجة (صحيح) .
وقد رتّب الشارع على المعاصي عذاب الله في الآخرة ، ورتّب على بعضها ضرراً في الدنيا يلحق العبد ، كما قال  : ( إِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى جَوَادِّ الطَّرِيقِ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مَأْوَى الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعِ وَقَضَاءَ الْحَاجَةِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مِنْ الْمَلَاعِنِ ) رواه ابن ماجة عن جابر  ( حسن ) . أخي ، احذر من الذنوب فإنّ أثرها سيء على صاحبها في الدنيا والآخرة ! " بما كسبت أيديكم " احذر ! احذر ! احذر ! .
3-إذا كنت أخي المسلم مع بعض الزملاء والرفقاء فَدُلّهم على الخير ، وكن خيرهم وأفضلهم في خُلُقك وكلامك ونصيحتك ؛ لتكون خياراً عدلاً نافعاً لهم ، وقد قال  في حديث جابر  : (خيرُ النَّاسِ أنفعُهُم لِلنَّاس) حسنه الألباني رحمه الله . وقد قال  في حديث عبد الله بن عمرو  : ( إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا ) رواه الشيخان . والله الموفِّق .

الآيـــات
 إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) 
التفسير :
إن للذين اتقوا ربهم بفعل أوامره واجتناب نواهيه عند ربهم جنات فيها النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ، أ فنساوي بين المستسلمين المنقادين لله والمجرمين المعرضين عن الله الكافرين به ، في الجزاء ؟ كلا ! فهذا غير كائن ، مالكم ، كيف تحكمون هذا الحكم الجائر بالمساواة بينهم في الأجر وهم غير متساوين في العمل ؟ أم عندكم كتابٌ منزَّلٌ من الله تدرسونه متضمنٌ حكماً مؤكِّداً ما تدعونه بالمساواة بين المسلم والمجرم ؟ فوجدتم في هذا الكتاب الذي عندكم أنّ لكم فيه ما تختارون على حسَب أهوائكم ، أم معكم عهودٌ منّا ومواثيق مؤكدة أنه سيحصل لكم ما ترغبون وتشتهون ؟ .
اسألهم – أيها الرسول – من هو الضّامن المتكفِّل منهم بحصول ذلك كما يشتهون ؟! أم لهم شركاء من الأصنام والأنداد تكفل لهم ما ادّعوه من حصولهم على ما يريدون ؟ فليأتوا بشركائهم الكفلاء إن كانوا صادقين فيما ادّعوه .
يوم القيامة يعظُم الهول والكرب ، ويكشف ربُّنا  عن ساقه ، ويُؤمر الناس بالسجود ، فيسجد المؤمنون أمّا الكفار والمنافقون فيذهب ظهر أحدهم طبَقاً واحداً فلا يستطيعون السجود ، خاشعةٌ أبصار الكفار فلا تطرف من شدة الخوف ، تغشاهم ذِلةٌ عظيمة ، وقد كانوا في الدنيا يُدعوْن للسجود لله  وهم مُعافون مستطيعون ، فيرفضون تكبُّراً وكفراً بالله وعناداً له .
فدَعني – أيها الرسول – ومن يُكذّب بهذا القرآن ، أنا أعلم كيف استدرِجه وأمدُّه في غيِّه ، وأنظِره ، ثمّ آخذه أخذ عزيزٍ مقتدر وهو لا يشعر باستدراجي له ، بل يظن أن ذلك كرامةً له من الله ، وهو في نفس الأمر إهانة له وزيادةٌ في عذابه .
وأُؤخرهم وأمهلهم في الحياة الدنيا ليزدادوا إثماً ، وأُمدُّهم ، وذلك من كيدي ومكري بهم ، إنّ كيدي شديد قوي لمن كفر بي وكذّب رسلي .
بل أتسال – أيها الرسول – الكفار أجرةً على تبليغ الدعوة ؟ فهم يشعرون بثقل الأجرة التي كُلِّفوا بدفعها إليك وغرامتها لك ، إنك – أيها الرسول - تدعوهم إلى الله  بلا أجرٍ تأخذه منهم ، بل ترجو ثواب الله .
هل علموا الغيب فهم يكتبون مما علموه بأن لهم ما يشتهون ويحصل لهم ما يريدون ؟! كلا ، فلا علم لهم بشيء وإنما يقولونه تخرصٌ وظنون .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : إنّ من اتّقى الله  فإنّ له عند الله جنات النعيم ، فلنكن من المتقين لله بفعل أوامره وترك نواهيه ، ولنقُم على أنفسنا بالعمل والمسارعة إلى الجنة ، والصبر على المكاره ؛ لأنّ الجنة حُفّت بالمكاره ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  : ( لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لِجِبْرِيلَ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ ثُمَّ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ ... الحديث ) رواه الترمذي وأبو داود ( صحيح) .
2- أيها المسلم : إنّ المسلم التقي لا يُساوى بالكافر ولا يُساوى بالفاسق ، ومن المؤسف أن بعض الناس يساوي بين المؤمنين الأتقياء والفسقة ، فليعلم كلُّ واحد منّا أنّ هذا المنهج ليس صحيحاً ، فإنّ المؤمن التقي يجب محبته أكثر من المسلم الفاسق ؛ لأنّ الولاء والبراء يجتمعان في حق المسلم العاصي ( الولاء بقدر ما عنده من إيمان وصلاح ، والبراء بقدر ما عنده من معصية لله ) ولذلك يجب البراءة من المخالفة ، وقد قال  : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ) رواه البخاري .
3- إثبات صفة الساق لله  على ما يليق بجلاله ، مع نفي التمثيل كما قال تعالى:
 لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ الشورى:11 ] .
ومما يدل على إثبات صفة الساق قوله  في حديث أبي سعيد الخدري  : ( يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ) رواه البخاري .
4- أخي المسلم ، ما أشد أهوال يوم القيامة ! ولذلك علينا أن نحسب لذلك اليوم كل حساب من الآن بالاستعداد له بكل عمل صالح والبعد عن المحرمات والمسارعة في الطاعات ، وكثرة التوبة والاستغفار وذكر الله  ويشرع الدعاء والاستعاذة بالله من ضيق المقام يوم القيامة ؛ فإنه  كان : ( يَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه النسائي (صحيح) .
الآيـــات
 فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52) 
التفسير :
فاصبر – أيها الرسول – لما حكم به ربك من حمل الرسالة وتبليغها والاضطلاع بأعبائها ، وما لحقك من أذى قومك وتكذيبهم لك , واستمرّ في دعوتك ولا تعجل على قومك ، فإنّ الله سيحكم لك عليهم وسيجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة ، ولاتكن كيونس بن متّى  في تضجره وعدم صبره على قومه وذهابه مغاضباً عليهم ؛ فالتقمه الحوت فنادى ربه داعياً وهو مملوء غمّاً وكرباً : لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 87] ، لولا أن أدركته رحمة الله فألهمه الله التوبة ووفّقه لها ، لُطرح من بطن الحوت بالمكان العاري عن وسائل السلامة ، والموحش الخطِر المُهلك ، وهو ملامٌ على ما عمله من غضبه على قومه وتركه لهم ، فاصطفاه ربه بإرساله إلى قومه وإعادته إليهم بعد انقطاعه عنهم ، فجعله من الصالحين المصلحين والرسل الدعاة المهتدين .
ويوشك الكفار أن يصرعوك بأبصارهم حسداً وبغضاً لك لمّا سمعوا القرآن ، ويقولون إنك لمجنون ليصُدُّوا الناس عن الاستجابة لدعوتك .
وما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين ، فيذكّر الله به الجنَّ والإنس أن يعبدوه وحده لا شريك له ، فمن تذكّر به فاز وأفلح ، ومن أعرض عنه خاب وخسر وهلك .
بعض الدروس من الآيات :
1- أيها الدعاة إلى الله  : اصبروا على الدعوة إلى الله  مهما حصل لكم من الأذى ، ولا تتبرموا وتتركوا الدعوة إلى الله  بسبب ما يحصل لكم من الأذى بسبب الرد عليكم وعدم الاستجابة لدعوتكم ؛ لأن الدعوة إلى الله عبادة عظيمة وتكليف شريف ومنهج نبوي ولا بدّ أن يتعرض الداعية للأذى ، فلا يكاد يسلم داعية من أذى ( يُؤذى الداعية من الكفار والمنافقين وبعض الفساق ) يخاف الداعية ويُهدّد وُيتوعد من الكفار والمنافقين وبعض الفسقة ، يُضيّق على الداعية من الناحية المالية - حتى في طعامه وتنقله- من الكفار والمنافقين وأعوانهم ، ولقد حصل هذا كله لرسول الله  كما في حديث أنس ، فقد قال  : ( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ ) رواه الترمذي وابن ماجة ( صحيح) .
2- أيها المسلم ، لا يكن أحدنا مثل الذين كانوا يقومون ببعض الطاعات ثم تركوها ، ويُشرع لنا أن نوجِّه إلى فعل السنن وننهى أن يكون أحد مثل الذين يتركون السنن من العبادات بعد فعلها ، وقد قال  لعبد الله بن عمرو : ( يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ ) رواه الشيخان .
3- أخي المسلم ، ما جاء في العين :
( أ ) العين حق ، لقوله  في حديث ابن عباس  : ( الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ ) رواه مسلم . وفي حديث أبي هريرة  : ( الْعَيْنُ حَقٌّ ) رواه الشيخان .
(ب) إذا رأى أحدٌ ما يعجبه من أخيه فليدعُ له بالبركة ، ولمّا مرّ عامر بن ربيعة بسهل بن حُنيف وقال : لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة ، فصُرع سهل ، فلما أُخبر النبي  قال : ( عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ... الحديث ) رواه ابن ماجة والنسائي (صحيح) .
( ج ) يُشرع الاستعاذة بالله من العين ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنه  قال : ( اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ ) رواه ابن ماجة (صحيح) .
( د ) ويُشرع الاسترقاء من العين ؛ لأنه  أمر عائشة رضي الله عنها Sadأَنْ تَسْتَرْقِيَ مِنْ الْعَيْنِ ) رواه الشيخان .
( هـ) العين من الإنس والجانّ ، وفي حديث ابي سعيد  قال : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ ثُمَّ أَعْيُنِ الْإِنْسِ فَلَمَّا نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَهُمَا وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ ) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة (صحيح) .
( و ) من رُقية العين وغيرها ما جاء في حديث أبي سعيد  : ( أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ  فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ ) رواه مسلم . وفي لفظ عند أحمد Sad بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ كُلِّ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ اللَّهُ يَشْفِيك ) صحيح.
( ز ) كان  يُعوِّذ الحسن والحسين يقول : ( أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ ) رواه البخاري من حديث ابن عباس  .
( ح ) من علاج العين ما جاء في حديث عامر بن ربيعة لمّا اتهموه بسهل بن حنيف أن النبي  : ( أَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلْ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ ، قال الزهري : وأمره أن يكفأ الإناء من خلفه ) رواه ابن ماجة (صحيح) وعند أحمد : ( فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ )
( ط ) من اتهُِّم بأنه عان شخصاً فأُمر بالاغتسال ( بالوضوء) فإنه يتوضأ ولا يجوز له الامتناع ؛ لقوله  : ( وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا ) رواه مسلم .
( ي ) في حديث جابر قوله  : ( أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس يعني العين ) حسنه الألباني رحمه الله .
4-ليس لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متّى ؛ لقوله  في حديث أبي هريرة  : ( لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ) رواه الشيخان . ولا يُفضَّل أحدٌ بعينه من الأنبياء على أحد بعينه ، ولا يُفضَّل أحدٌ من الأنبياء على بقية الأنبياء ؛ لقوله  في حديث أبي هريرة  : ( لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ ... الحديث ) رواه الشيخان .

















الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:30 am

تفسير سورة القيامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
{ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (Cool وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)}
التفسير :
أُقسم بيوم القيامة ، يوم البعث والحساب والجزاء ، وأُقسم بالنفس التي فيها صلاح وإيمان ، فتلوم صاحبها على فعل الذنب وعلى التقصير في فعل الخير والطاعات وعلى عدم الزيادة منها ؛ فتندم على ما فات . أيعتقد الكافر أنا لا نقدر على جمع عظامه وإعادتها بعد تفرقها إنكاراً منه للبعث ؟ بلى ! سنجمعها قادرين على إعادتها كما بدأناها ، ولو شئنا لجعلنا بنانه ( وهي أطراف أصابعه متساويه ) مستوية ، فإنا قادرون على ذلك .
بل يُريد الإنسان أن يمضي قُدُماً في فجوره مُستقبله من عمره ، راكباً رأسه فلا يعود إلى ربه ولا يعتذر منه .
يسأل الكافر مُنكراً مُستبعداً : متى يكون يوم القيامة ؟
فإذا انبهر وتحيّر البصر ، وذلّ وتخشّع من شدة الهول يوم القيامة ، وذهب ضوء القمر فأظلم ، وجُمع الشمس والقمر فذهب ضوءهما لأنهما خسفا ، عندئذٍ يقول الإنسان عندما يرى هذه الأهوال : أين المهرب والملجأ من هذا الهول والجزاء ؟ كلا ! فلا فرار ولا نجاة ولا مكان تعتصمون فيه من الحساب والوقوف بين يدي الله  ، إلى الله وحده يوم القيامة المرجع والمصير والعودة ؛ فيجازي كل عاملٍ بعمله ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر .
يُخبر الإنسان يوم القيامة بجميع أعماله في الدنيا ، قديمها وحديثها ، أولها وآخرها ، ما قدّمه أمامه من خيرٍ أو شر ، وما أخّر بعد موته من مال أو ولد أو سنة حسنة سنّها ، أو سنّة سنّها وغير ذلك .
بل الإنسان شهيدٌ على نفسه بشهادة جوارحه عليه ، كسمعه وبصره ويديه ورجليه وجلده ، حتى ولو اعتذر وجادل عن نفسه ، فهو بصيرٌ عليها ، فلن تنفعه أعذاره .
بعض الدروس من الايات :
1- أيها المسلم ، إنّ المؤمن العاقل هو الذي إذا حصل منه الذنب ندم وأقلع ولام نفسه على ذلك وتاب إلى ربه ، وقد قال  في حديث ابن مسعود  : ( النَّدَمُ تَوْبَةٌ ) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم (صحيح) . وقال  في حديث أبي سعيد الأنصاري  : (النَّدَمُ تَوْبَةٌ، وَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ ) رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني رحمه الله .
أخي المسلم ، كيف أنا وأنت ؟ هل نتوب ونعود إلى الله إذا أذنب أحدنا ؟ نسأل الله أن تكون كذلك !.
2- أخي المسلم ، ما أكثر الناس الذين ركبوا رؤوسهم في الذنوب والآثام ، مؤخّرين التوبة مؤمّلين طول العمر ، حتى يأتيهم الموت وهم على هذا الحال !
وقد قال  : ( هَذَا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ) رواه البخاري .


وهكذا رسمه بعض أهل العلم :
- النقطة : الإنسان .
- المربع المحيط: أجله .
- السهم الخارج منه : أمله .
- الخطوط حول المربع : الأعراض .
تأمل أنّ الأجل قطع الأمل !
فلنسارع إلى التوبة قبل مجيء الأجل !.
3- أخي المسلم ، سوف نُخبر بما قدمنا وما أخّرنا ، ألا فليكن ما قدمنا خيراً وطاعة وحسنة ، وما أخرنا كذلك ، فيا أخي :
- أخي ، اهتم ، اهتم ، اهتم بكل ما تقدمه من عمل ؛ ليكون طاعةً لله ، ولْيحذر أحدنا أن يقدم المعصية ، ولْيجعل أحدنا هذه الآية نصب عينيه  يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ .
- أخي ، اهتم ، اهتم ، اهتم بكل ما تؤخّره بعدك من سُنّةٍ وغيرها ، فإن كنت سَننت سنةً ، فهل هي سنة حسنة ؟ فامضِ فيها واجتهد في عملها ، وإن كانت سنة سيئة ، فاحذر منها وأقلع عنها وتب إلى الله منها ، وقد قال  : (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ... الحديث ) رواه مسلم .
واجعل لك صدقة جارية ؛ حتى لا ينقطع عملك ، وقد قال  : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ...الحديث ) رواه مسلم .
واجعل لك علماً يُنتفع به ، وفي الحديث : (أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ...الحديث ) رواه مسلم .
- إذا كان أحدنا قد قدّم ذنباً ، فبإمكانه أن يستدركه لتحويله إلى حسنة ، وذلك بالتوبة إلى الله منه ؛ حتى يجده وقد بدّله الله حسنة  فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا  [ الفرقان : 70 ] ، وكما أخبر  أنّ التائب يرى بعض ذنوبه وقد تحوّلت حسنات فيقول يا رب لي غيرها (صحيح) .
4- أخي المسلم ، إن الاعتذار إلى الله ينقسم إلى قسمين :
( أ ) الاعتذار الذي يقبله الله ويحبه ، وهو التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب في الدنيا قبل الغرغرة ، وقد قال  في حديث ابن مسعود  : (وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ ... الحديث) رواه الشيخان .
(ب) الاعتذار الذي لا يقبل ، وهو التوبة عند الغرغرة ، وبعد طلوع الشمس من مغربها ، ويوم القيامة ، ونحو ذلك مما جاء عنه  .
فلنعُد إلى الله  في زمان الفرصة .
5_ يشرع عند الخسوف (كسوف الشمس أو القمر):
أ‌- صلاة الكسوف لأنه  قال: "إذا رأيتم ذلك فصلوا" رواه البخاري ولأنه  صلى صلاة الكسوف لما كسفت الشمس (وصلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان بحيث يقرأ الفاتحة ثم يقرأ بعدها شيئاً من القرآن ثم يركع ثم يرفع فيقرأ الفاتحة وبعدها شيئاً من القرآن ثم يرفع ثم يسجد سجدتين ثم يرفع فيقرأ في الركعة الثانية كما فعل في الأولى إلا أن الركعة الأولى تكون أطول من الثانية في القراءة والركوع والسجود لفعله  .
ب‌- يشرع الدعاء عند الكسوف لقوله  " فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم "رواه البخاري
ت‌- يشرع عند الكسوف الصدقة والتكبير لقوله  " فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا" رواه البخاري.
ث‌- ويشرع العتاق لقول أسماء " لقد أمر النبي  بالعتاق في كسوف الشمس" رواه البخاري .
ج‌- يشرع أن يُخطب ويبين للناس أن كسوف الشمس والقمر من آيات الله يخوف الله به عباده لأنه  " خطب في الكسوف وقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته...الحديث" رواه البخاري وغيره .
ح‌- تصلى صلاة الكسوف حتى في وقت النهي لأنها من ذوات الأسباب .





الآيـــات
 لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) 
التفسير :
لا تحرك – أيها الرسول – بالقرآن لسانك لتستعجل حفظه خوفاً أن يتفلّت منك ، إنّ علينا جمع القرآن في صدرك فلا تنساه ، وأن تقرأه بلسانك على أكمل الوجوه ، فإذا تلاه عليك جبريل  فاستمع لقراءته ثم اقرأه كما أقرأك ، ثمّ إنّ علينا أن نوضّحه لك ، وأن نلهمك ونفهّمك معانيه وأحكامه .
كلا ! فليس الأمر كما تزعمون ، ولكنّ الذي حملكم على التكذيب بالقيامة والبعث ومخالفة أمر الله ؛ أنكم تحبون الدنيا العاجلة وزينتها ، وتؤثرونها وهي سريعة الانقطاع والاضمحلال ، وتَدَعون الآخرة فلا تعملون لها ، بل أنتم لاهون ومتشاغلون عنها .
وجوه المؤمنين يوم القيامة حسنة بهيّة مشرقة مضيئة مسرورة ، إلى ربها تنظر بأبصارها ، فتراه عياناً كما يرون القمر ليس دونه سحاب ، فلا أكمل ولا أعظم من نظر المؤمنين إلى ربهم يوم القيامة .
وجوه الكفار يوم القيامة كالحة مسودّة عابسة ، تستيقن أن يقع بها داهية من الدواهي العظام وشر وأنها هالكة مُعذّبة لما قدمته من الكفر والاعراض عن الله ورسُله .
بعض الدروس من الآيات :
1-أخي المسلم ، يُشرع قراءة القرآن بالتدبر والفهم وعدم العجلة ، ولذلك : لو أنّ أحدنا يقرأ القرآن :
( أ ) قراءة تلاوة : وفيها شيء من الفهم والتدبر ، وفيها شيء من الحدر بحيث يقرأ آيات كثيرة في زمن متوسط ، ولا يكون هذّاً ، فأمّا الهذّ فقد أنكره ابن مسعود  على من قرأ المفصل في ركعة ، وقال : ( هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ ) رواه الشيخان .
( ب) قراءة تلاوة : وفيها وقوف عند الآيات وتفهّم لمعانيها وفقه لأحكامها ، ودراسة النفس أمام ذلك ، ومُساءلتها عن العمل بكل آية يقرأها المسلم ، حتى وإن طالت المدة في السورة الواحدة ، فيكون هذا منهجاً للشخص إن تيسّر له ذلك .
اقرأ الآيات واقرأ تفسيرها وما يتعلق بها من أحكام في كتب التفسير ونحوها حتى تأتي على القرآن كله ، وفقك الله ! .
2-أخي المسلم ، لتحذر من تقديم الدنيا على الآخرة ، وإيثار الفانية على الباقية ، والالتهاء بالدنيا ، وزينتها وقصورها عن الآخرة ونعيمها ، وقد قال  في حديث أبي سعيد  : ( مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى ) رواه أحمد وابن حبان والحاكم (صحيح) وقال  في حديث ابن عباس  : ( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ) رواه أحمد (صحيح) .
3-إثبات أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة  إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ  [القيامة:23] وفي حديث أبي هريرة : ( أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ  يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ...الحديث) رواه الشيخان . وقال  في حديث صهيب  : (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ  ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) رواه مسلم . وفي صحيح مسلم من حديث جابر : ( إنَّ اللهَ يَتَجَلّى لِلمُؤمِنينَ يَضْحَك ) .
أخي المسلم ، سارع إلى الجنة ! وإلى ما فيها من النعيم المقيم ، وأعظم ذلك : النظر إلى الرب الرحيم .
أخي المسلم ، لنحافظ على صلاتي الفجر والعصر محافظةً شديدة ، فقد نظر  إلى القمر ليلة البدر فقال : ( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ) رواه الشيخان من حديث جرير  .
4-رؤية المؤمنين ربهم ، وفيه مسائل :
( أ ) إنه لن يرى أحدٌ ربه في الدنيا،فالله لانراه في هذه الدنيا،كما قال الله  لموسى:لَنْ تَرَانِي  [الأعراف:143] وفي الحديث : ( تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ ) رواه مسلم .
(ب) إن الرسول  لم يرَ ربه بعينه ليلة المعراج ، وقد قال  : ( نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ ) رواه مسلم من حديث أبي ذر  ، وفي رواية : ( رَأَيْتُ نُورًا ) .
(ج) إنّ رسول الله  رأى ربه في المنام ، كما قال  في حديث ابن عباس  : (أَتَانِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ اللَّيْلَةَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ أَحْسِبُهُ يَعْنِي فِي النَّوْمِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى ...الحديث) رواه أحمد (صحيح) .
( د ) إنّ المعنى في قوله تعالى :  لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ  [الأنعام: 103] فالنفي هو الإحاطة ، وليس ذلك نفياً للرؤية لثبوتها في الآية  وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ  [القيامة: 22، 23] ولثبوتها في الأحاديث المتواترة فالمؤمنون يرون ربهم يوم القيامة ولكن لا يحيطون به.
(هـ) المؤمنون يرون ربهم في الجنة ، كما في الأحاديث .
( و ) المؤمنون يرون ربهم في عرصات القيامة ؛ لقوله  من حديث جابر : ( إنَّ اللهَ يَتَجَلّى لِلمُؤمِنينَ يَضْحَك ) رواه مسلم ، قال بعض العلماء : في عرصات القيامة .
( ز ) الكفار لا يرون ربهم ؛لقوله تعالى: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ  [المطففين: 15]0












الآيـــات
 كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) 
التفسير :
حقاً ، إذا وصلت الروح عظام الحلق ( التراقي ) وهي حالة الغرغرة والسكرات ، وقال من حوله : هل من راقٍ يرقيه ، وطبيبٍ يشفيه ؟ والجواب : لا راقي ولا طبيب ينفعه.
ويتيقّن الذي وصلت روحه الحلقوم أنّه الفراق للدنيا والخروج منها ، واجتمعت عليه شدة الدنيا وشدة الآخرة والبلاء بالبلاء ، والتفت إحدى ساقيه بالأخرى حين الموت .
إلى ربك المرجع والعودة ، فتُساق الروح إلى ربها لحسابها وجزائها ، فلا صدّق الكافر بكتاب الله ورسوله واليوم الآخر والحساب والجزاء ، ولا صلّى الصلاة التي أوجبها الله عليه ، ولكن كذّب بدين الله ، والقرآن والبعث والحساب ، وأعرض عن الإيمان والقرآن ، ثم ذهب إلى أهله يختال متبختراً متكبراً في مشيته ، مُعجباً بنفسه .
لك الوعيد والهلاك والخزي على إثر الوعيد والهلاك والخزي ، ثم لك الوعيد والخزي والهلاك والذِّلة والمهانة على إثر الوعيد والذِّلة والمهانة والخزي .
أيعتقد الإنسان أن يُترك مُهملاً لا يؤمر ولا يُنهى ، ولا يُحاسب ولا يُجزى بعمله ؟
إنّه لا بدّ من التكليف والحساب والجزاء . أما كان الإنسان نطفة ضعيفة من ماءٍ يُراق من الأصلاب في الأرحام ؟ فلمَ يتنكر لأصله الضعيف ، ويكفر بربه ولا يتعظ ؟
لقد كان عليه أن يتأمل ذلك ، فيؤمن بربه ويخافه ويتقيه ويشكره ، ثمّ صار علقة من دم جامد ثم مُضغة مُخلّقة وغير مُخلّقة بقدرة الله ، ثمّ شكّل ونفخ فيه الروح فصار خلقاً سويّاً سليم الأعضاء ، وكل ذلك بإذن الله وتقديره ، فجعل منه النوعين ، الذكر والأنثى ؛ ليبقى الجنس البشري بالتناسل .
أليس هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة ، بقادرٍ على أن يُحيي الموتى ويعيدهم كما بدأهم ؟ بلى ! إنّه القادر على ذلك ، وهو أهون عليه .
بعض الدروس من الآيات :
1-تُشرع الرقية إذا كانت من القرآن أو الأدعية الشرعية ، ويؤمر بالرقية لمن به العين ، وقد قال  في حديث أم سلمة رضي الله عنها : ( اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ ) رواه الشيخان . وليست الرقية خاصة بمرض مُعيّن ، ولكنها أنجع ما تكون بإذن الله من العين ولدغ ذوات السم ؛ لقوله  في عمران  : ( لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ دَمٍ ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي (صحيح) .وقال  Sad لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ ) رواه مسلم عن بريدة بن الحصيب .
ومن أراد أن يكون مع السبعين الفاً الذين يدخلون الجنة من غير حسابٍ ولا عذاب ، فلا يسترق ، ولْيَقُم بما جاء في قوله  فيهم : ( هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) رواه البخاري .
2-أخي المسلم ، لنستعدّ للموت وسكراته ، وليعلم أحدُنا أنه عندما يصل إلى تلك المرحلة (السكرات) فلا طبيب ولا راقي ولا أحد ينفعه بشيء ، فليجعل لذلك الموقف أهبته بكل عملٍ صالح يقرِّبه إلى الله  ، وليسأل الله عند ذلك أن يُعينه على سكرات الموت ، فإنّه  لما كان في مرضه كان يقول : ( اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْت ) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة .
3-أخي المسلم ، لنعتنِ بالعمل الصالح من الآن ، ولنجعل هذا الموضوع هو كل اهتمامنا ؛ لأن أحدنا إذا مات لم يبق معه إلا عمله كما قال  في حديث أنس  : ( يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ ) رواه الشيخان .
4-أخي المسلم ، يجب أن نحذر من الكبر ومن مشية التكبُّر (التنفّخ) إما لغنى أو جاه أو مال أو سكن فاخر أو سيارة فاخرة أو لباس أو غير ذلك ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة (صحيح) .
فمن تكبّر فهو ينازع الله كبرياءه ، وقال  في حديث أبي هريرة : ( وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ) رواه مسلم .
لنتواضع لله ، ولنترك الكبر !
5-أخي المسلم ، إذا قرأ أحدنا  أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى  فليقل : سبحانك فبلى ! لحديث موسى بن أبي عائشة قال : (كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ وَكَانَ إِذَا قَرَأَ
{ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } قَالَ سُبْحَانَكَ فبلى فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  ) رواه أبو داود (صحيح) .








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:30 am

تفسير سورة المدثر
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (Cool فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ 
التفسير :
يا أيها المتلفِّف بثيابه - أي : النبي  لمّا رجع من غار حراء بعدما جاءه الملك وغطّه ، فعاد إلى خديجة وقال : دثّروني – قم مشمّراً عن ساق العزم ، وخوّف الكفار عذاب الله إن لم يؤمنوا بالله ويوحّدوه ، وعظّم ربك وقدّسه ، ونزّهه عن الشرك وعن النقائص والعيوب والأنداد ، واثنِ عليه بما هو أهله ، وثيابك فطهّرها من النجاسات ، ونفسك نقّها من الذنوب والمعاصي ، واهجر الأصنام والأوثان وكل ما يعبد من دون الله وتبّرأ منه ، ولا تُعطِ العطية لِتُعطى أكثر منها ، واصبر على أداء الطاعات وترك الذنوب وعلى المصائب ، واجعل صبرك لوجه الله رغبةً فيما عنده من الثواب .
فإذا نفخ في القرن نفخة القيام لرب العالمين للبعث والحساب ، فذلك اليوم ( يوم البعث ) يومٌ شديد ؛ لما فيه من الأهوال ، على الكافرين غير سهل ولا متيسّر ، بل هو عسِر ؛ لما يرونه من الأهوال ويصلونه من العذاب .
أتركني ومن خلقته وحيداً ( الوليد بن المغيرة ) لا مال له ولا ولد ولا جاه ولا منصب ، فكذّبك ، فأنا سوف أكفيك إياه ، ورزقته مالاً واسعاً كثيراً ، ووهبت له أولاداً حضوراً معه لا يغيبون عنه بالتجارات أو غيرها لما أغنيتهم به عن الأسفار في طلب المعاش ، ويسّرت له أسباب الرزق تيسيراً حتى بلغ ما بلغ من المال والجاه في قومه ، ثم يتمنى ويرغب مع ما أعطيناه أن أزيد في المال والولد لكثرة طمعه وعدم قناعته وشدة حرصه ، ليس الأمر كما يحسب هذا الكافر ! فلن أزيده بعد اليوم ؛ لأنه كان لهذا القرآن معانداً ، ولرسولنا مكذباً ، وللحق جاحداً.
سأكلفه يوم القيامة مشقةً من العذاب الذي لا راحة فيه .
إنه فكّر ما ذا يختلق من المقال في القرآن ، وتروّى ذلك في نفسه مُصمماً عليه غير حائد عنه ولا متراجع .فلُعن وأُخزي ، وذُلّ وغُلب ، كيف قدّر في نفسه وعيّن في ضميره هذا الطعن في القرآن ؟ ثم لُعن لعنةً أخرى وهلك ، كيف قدّر وحدّد في نفسه هذا الطعن ، وأضمر هذا الشرّ ، وعيّن هذا القول في قلبه ؟ ثم نظر فيما قدّر مترويّاً مفكراً فيما جال في نفسه مما أعده ليطعن به في القرآن ، ثم قبض بين عينيه وقطّب وكلح وجهه فاسودّ كراهةً لكتاب الله وغيظاً إن لم يجد ما يعيب به القرآن . ثم أعرض عن الحق ورجع القهقرى مستكبراً عن الانقياد للقرآن ، فقال عن القرآن نتيجة ً لتفكيره وتقديره ونظره : ما هذا إلا سحر ، يتعلم من المتقدمين ويحكي عنهم ، ما هذا القرآن إلا كلام البشر وليس كلام الله .
بعض الدروس من الآيات :
1- أيها المسلم ، هُبّ من نومتك ! وانتبه من غفلتك ! وقم في دعوة الناس إلى دين الله لنشره في العالم كما كان رسول الله  وأصحابه الكرام ، واجتهد في ذلك حسب استطاعتك ، فقد قال  : ( فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ) رواه البخاري .
وابذل في الدعوة إلى الله شيئاً من وقتك ومالك ، وسخّر لسانك وقلمك لهذا العمل ، واجعل الدعوة إلى الله همّك وشغلك ، كما كان  ، ادع إلى الله في البيت ، ادع في الشارع ، ادع في المسجد ، ادع في العمل ، ادع إلى الله في السفينة والباخرة والطائرة والسيارة ، ادع إلى الله في السوق وفي المدرسة وفي كل مكان وزمان حتى يأتيك الموت .
2- أخي المسلم ، كبِّر الله  ، بالقيام بطاعته وتعظيمه وذكره ، وقد قال  في حديث سمرة بن جندب : (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ .الحديث) رواه مسلم .فأكثر أخي من هذه الكلمات لما لهنَّ من الفضل
3- أخي المسلم ، علينا أن نسعى في تطهير أنفسنا ، ومن ذلك تطهير القلوب والنفوس من الذنوب ، ومن تطهير القلب :
( أ ) التدبر والتفكر في الآيات الكونية (المخلوقات) . (ب) التدبر عند قراءة القرآن .
(ج) محبة الله ورسوله  ، ومحبة كل الطاعات ، وكراهة الكفر والمعاصي .
( د ) دعاء الله  أن يصلح القلب ، ومن دعاء النبي  : (اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا...الحديث) رواه الشيخان من حديث ابن عباس وذلك عند الخروج إلى الصلاة .
(هـ) الاستعاذة من قلبٍ لا يخشع ، كما قال النبي  في حديث زيد بن أرقم  : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ...الحديث ) رواه مسلم
لنحرص على القيام بهذه الأمور وغيرها مما يصلح القلب .
4- أخي المسلم ، جديرٌ بي وبك أن نكون متعففين عما في أيدي الناس ، بل نعطيهم ولا نأخذ منهم ، ومن ذلك فلا يُعطي أحدنا هبة وهو يلتمس أكثر منها ، بل إنما يعطي أحدنا لأخيه العطية لوجه الله ، وقد قال  في حديث ابي هريرة  : (تهادوا تحابوا ) رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في الشعب (حسن) . ويُشرع لمن أُعطي شيئاً أن يجزي به ؛ لقوله  في حديث جابر  : ( مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ ) رواه أبوداود والترمذي (حسن) .
الآيـــات
 سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ 
التفسير :
سأغمر ذلك الكافر الذي قال عن القرآن ما قال في نار جهنم من جميع جهاته ، فتحرقه وتشويه ، وما أعلمك ما سقر ؟ إنها نار جهنم الملتهبة التي فيها الهول والنكال والخزي والعذاب الذي لا يطاق ، لا تُبقي لحماً ولا تترك عصباً ولا جلداً ولا عروقاً ، وهم فيها لا يموتون ولا يحيون ، مُحرقةٌ للجلد مُسوِّدة له ، شوّاية للحم ، عليها خَزَنة وهم ملائكة عددهم تسعة عشر من الزبانية ، عظيمٌ خلقهم ، شديدٌ بأسهم ، وما جعلنا خزنة النار إلا ملائكة غلاظاً شداداً لا يُقاومون ، وما جعلنا عددهم تسعة عشر إلا اختباراً للكفار ، فيكذبون بهم أو يستخفُّون بهم ، ولِيحصل اليقين لأهل التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى أن ما جاء في القرآن مطابقٌ لما في كتبهم السماوية ، ويزداد المؤمنون إيماناً مع إيمانهم بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد  ، ولا يشك أهل الكتاب والمؤمنون في صحة ذلك ، ولِيقول المنافقون والكفار : أي شيء أراد الله بهذا العدد ؟ فما الحكمة فيه ؟
كما أن الله يُضل مُنكر هذا العدد ويهدي من صدّقه وآمن به فإنّه سبحانه يُضل من يشاء ويهدي من يشاء ، وما يعلم جنود ربك من الملائكة في عددهم وكثرتهم إلا هو .
وما نارجهنم التي وُصفت إلا تذكرة للناس وعبرة لِأولي الألباب لِيخافواعقاب الله وعذابه0
ليس الأمر كما زعموا وأُقسم بالقمر – وهو آية عظيمة (نور في السماوات ) – وأُقسم بالليل إذا ولّى بظلامه وأُقسم بالصبح إذا أضاء وأشرق ، أن النار لإحدى العظائم الكبار والدّواهي العِظام ، وهي نار جهنم ، تحذيرٌ وتخويفٌ للناس لِيتذكروا يوم القيامة ، ويستعدّوا له بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه ، لمن أراد أن يقبل النذارة فيتقرب إلى الله بعمل الطاعات وسلوك سبيل الهدى والحق أو يتأخر بعمل المعاصي لله ورسوله  وترك طريق الهدى مُعرضاً عنها .
بعض الدروس من الآيات :
1- أيها المسلم ، إن الله أنذرنا نار جهنم ، وكذلك أنذرنا رسول الله  تلك النار ، وذكر عنها القرآن ما ذكر من الصفات "سقر" ، " لا تبقي ولا تذر " ، " لوّاحة للبشر " ، وغير ذلك . قال النبي  في حديث ابن مسعود  : ( يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ) رواه مسلم .
فيا أخي ، إنما ذُكر لنا ذلك لِنتعظ ونهرب من النار ، فهل هربنا من جهنم إلى الله ؟ ومن ذلك :
( أ ) القيام بطاعة الله  التي أوجبها علينا ، وترك ما حرم الله علينا مع الخضوع لله في ذلك كله وابتغاء مرضاته .
( ب ) يُشرع الاستعاذة بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر ، بل قد يجب في الصلاة ، كما قال  : ( فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ) [ رواه مسلم ] وهذا يكون بعد التشهد والصلاة على النبي  في التشهد الأخير .
(ج ) يُشرع الإكثار من هذا الدعاء ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) فقد كان  أكثر دعوة يدعو بها هذا الدعاء ، رواه الشيخان عن أنس  .
( د ) يُشرع الاستعاذة بالله من حر جهنم ومن عذاب النار ، فقد قال  في حديث أبي هريرة  : ( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ) [رواه مسلم] وفي حديث أبي هريرة  قال : ( سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ) رواه النسائي .
(هـ) يشرع الاستعاذة من عذاب الله ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  : (عُوذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ...الحديث) رواه النسائي وغيره .
2- أخي المسلم ، إن جنود الله من الملائكة لا يعلمهم إلا هو ، فمنهم :
-ما قال  في صفة البيت المعمور الذي في السماء : ( وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ ... الحديث ) رواه الشيخان واللفظ لمسلم .
-ما جاء في حديث أبي ذر  أنه  قال : (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ ) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة (صحيح) .
-ما جاء في حديث رجل من أصحاب النبي  : ( إن لله تعالى ملائكة تُرعَد فرائصهم من خيفته، ما منهم ملك تقطر منه دمعة من عينه إلا وقعت على ملك يصلي، وإن منهم ملائكة سجودًا منذ خلق الله السماوات والأرض لم يرفعوا رءوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة، وإن منهم ملائكة ركوعًا لم يرفعوا رءوسهم منذ خلق الله السماوات والأرض ولا يرفعونها إلى يوم القيامة، فإذا رفعوا رءوسهم نظروا إلى وجه الله عز وجل، قالوا: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك ) رواه محمد بن نصر المروزي ، وقال ابن كثير : هذا إسناد لا بأس به.
أخي ، أين نحن في العبادة والخضوع والركوع والسجود والطاعة لله ؟
لنعرف أنفسنا ، ولنعد إلى ربنا ، ولنتب إليه ولنقبل عليه ! .
الآيـــات
 كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) 
التفسير :
كل نفس متعلقة بعملها ، مرهونة به يوم القيامة ، إلا المؤمنين المخلصين منهم ، الذين اعتقوا أنفسهم بالقيام بما أمرهم به الله  والانتهاء عما نهاهم عنه ، فإنهم في جنات النعيم ، يسأل بعضهم بعضاً عن المجرمين الكافرين بالله الذين أُدخلوا نار جهنم ، ويسألون الكفار : ما الذي أدخلكم في النار ؟ فأجاب الكفار : دخلنا النار لأنا لم نكن نصلي في الدنيا ، ولم نكن نخرج الزكاة ولا نتصدق على الفقراء والمساكين ، وكنا نتكلم فيم لا نعلم ، ونتحدث في الباطل ، في كل شر وإثم وزور وبهتان ، وكنا نكذب بيوم القيامة والبعث والحساب والجزاء حتى جاءنا الموت ونحن في غيِّنا وضلالنا ، فما تنفع الكفار شفاعة الشافعين من الرسل وغيرهم ، ولا تردّ عنهم عذاب الله ؛ لأن الله لم يرض عنهم ولم يأذن لأحد أن يشفع لهم .
فما لهؤلاء الكفرة معرضين عن الاتعاظ بما تدعوهم إليه وتذكرهم به ؟
كأنهم في نفورهم عن الحق وهروبهم منه حُمُر وحشية فرّت هاربة من أسدٍ يريد صيدها ، بل يريد كل واحدٍ من الكفار أن ينزل عليه قرآن منشور يخاطبه كما أُنزل على النبي  ، ليس الأمر كما زعموا ! وإنما أفسدهم أنهم لا يخافون عذاب الآخرة ولا يؤمنون بالقيامة والحساب والجزاء ، بل هم مكذبون بذلك .
حتماً إن القرآن تذكرة عظيمة ، وعِظة بليغة ، وعِبرة مؤثرة لأصحاب القلوب الحية ، فمن شاء التذكرة والاتعاظ بهذا القرآن اتعظ واستفاد وفاز في الدنيا والآخرة ، ومن تركه هلك وخسر الدنيا والآخرة .
وما يتعظون ويعتبرون بهذا القرآن إلا بمشيئة الله ، فإنه لا يقع شيء إلا بمشيئته سبحانه ، فالله وحده أهلٌ أن يُخاف منه ، وأن يُعبد وحده لا شريك له ، وهو أهلٌ ان يغفر ذنب من تاب إليه وأناب ، فلا إله إلا هو ولا ربّ سواه .
بعض الدروس من الآيات :
1-أخي المسلم ، لنتذكر هذه الآية : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) فكل واحدٍ منا مرهون بعمله ، فمن قام بما أوجب الله عليه وترك ما حرم الله عليه نجا يوم القيامة وفكّ رِهانه وأعتق رقبته ، ومن أعرض عن ربه لم يُفلح يوم القيامة وأُخذ بعمله فهلك " النجاء ، النجاء " ولْيسعَ كل واحدٍ منا في فكاك رقبته ونجاة نفسه من اليوم ( في هذه الدنيا )كلُ الناس يغدو ، فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها .
2-أهمية الصلاة ( ركن من أركان الإسلام ) فمن تركها فقد كفر بالله الكفر الأكبر ، وقد قال  في حديث جابر  : (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ ) رواه مسلم ، وعند الترمذي : (بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ ) (صحيح) . فمن ترك الصلاة فهو من أهل سقر (جهنم) ، فيا أخي المسلم ، اعتن بصلاتك عناية تامة في كل ما يتعلق بها ، وقد قال  في حديث تميم الداري  : (أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ فَإِنْ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ نَافِلَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَلَائِكَتِهِ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَأَكْمِلُوا بِهَا مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَتِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة (صحيح) .
أتمّ صلاتك ، أكثر التطوع بالصلاة كصلاة الليل والضحى وغيرها من النوافل .
3-إنّ الكفار لا شفاعة لهم في الخروج من النار ولا في تخفيفها عنهم إلا أبا طالب فإن النبي  يشفع في تخفيف العذاب عنه ، كما قال  في حديث العباس  : (هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ ) يعني أبا طالب .رواه الشيخان .
4-أخي المسلم ، هناك بعض أصحاب المعاصي إذا قيل له : اتق الله في هذه المعصية فاتركها ! قال : اعطني دليلاً عليها من القرآن أو من السنة (كمعصية شرب الدخان ونحوها ) ، فإذا قيل له : إن الدخان خبيث أو المخدرات خبيثة أو القات خبيث ، وقد قال تعالى :  وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ  ، قال – راداً عليك- : أريد آية أن الدخان حرام أو القات حرام ، فهذا النوع من العصاة يريد قرآناً نزل له يخصّه في معصيته  بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً  فعلى هؤلاء العصاة أن يتقوا الله وأن يعودوا إليه وأن يأخذوا كلام أهل العلم المحققين . والله الموفق .
5-أخي المسلم ، إذا رأى أحدنا الذين يخوضون في الكلام الباطل أو الأعمال المحرمة أو في ما لا يعنيه ، فلينتبه ! وليحذر من الوقوع معهم ، بل يتجنب هؤلاء بعد أن يدعوهم إلى الله وينكر عليهم ما هم فيه من الباطل والمحرم ، وقد قال  في حديث أبي هريرة : (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ) رواه الترمذي وابن ماجة (صحيح) .








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:31 am

تفسير سورة المرسلات
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (Cool وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) 
التفسير :
أقسم بالريح إذا هبّت شيئاً فشيئاً متتابعة كعُرف الفرس في تتابعه ، وأُقسم بالريح شديدة الهبوب التي تعصف وتدمّر ما قبلها ، وأُقسم بالرياح التي تنشر المطر وتوزِّعه في السماء وفي الأقاليم ؛ لتحيا به الأرض بعد موتها ، وأُقسم بالملائكة التي تنزل بالوحي على الرسل ، تُفرّق به بين الحق والباطل والهدى والضلال والحلال والحرام ، وأُقسم بالملائكة التي تُلقي الوحي إلى الرسل للتذكير بما فيه ، وهذا التذكير فيه إعذارٌ من الله إلى خلقه ، فأرسل الرسل وأنزل الكتب ، وفيه إنذارٌ لخلقه من عذاب أليم إن أعرضوا عنه وردّوه ولم يؤمنوا به ، إنّما توعدون به من قيام القيامة والبعث والجزاء والحساب لكائنٌ لا محالة ، وحاصلٌ لا مانع منه .
فإذا النجوم طُمس ضوءها ، وإذا السماء تشققت وتفطّرت فلم تعد متماسكة كما كانت ، وإذا الجبال ذُهب بها فلا يبقى أثرٌ ولا عين  يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا  وإذا الرسل جُعل لهم وقت معلوم يجتمعون فيه لشهادتهم على أممهم والحكم بينهم وبين أممهم ، فيُؤتى بهم في ذلك الوقت  وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ  .
لأي يومٍ ( عظيم مهم ) أُخِّرت الرسل ؟
إنها أُخِّرت ليوم يفصل الله فيه بين الرسل وأممهم ، وبين عباده فيما كانوا فيه يختلفون ؛ فيجازي كلاً بعمله ‘ إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر .
وما أخبرك ما يوم الفصل وعِظَمه وهوله وما يكون فيه ؟
هلاكٌ شديد وعذاب ٌ عظيم للمكذبين بهذا اليوم ، المنكرين مجيئه الجاحدين وقوعه .
ألم نهلك السابقين لهم من الأمم ، الذين كذّبوا الرسل ، كقوم نوح وعاد وثمود ، فانتقمنا منهم وأخذناهم بالعذاب ، ثم نتبعهم الآخرين – بإهلاكهم - ممن كذب الرسل . ومثل ذلك الهلاك نفعل بكل من أجرم وكذّب رسل الله ، فنهلكهم وندمرهم كما دمّرنا من قبلهم ، فهذه سنة الله  وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا  هلاك وعذاب أليم يوم القيامة للمكذبين بالله ورسوله والقيامة والبعث والجزاء .
بعض الدروس من الآيات :
1-يُشرع القراءة بالمرسلات عُرفاً في صلاة المغرب بعض الأحيان ؛ لأن أم الفضل سمعت ابن عباس يقرأ ( والمرسلات عرفاً ) فقالت : (يَا بُنَيَّ وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ ) رواه الشيخان .
2-أخي المسلم ، لقد أعذر الله إلى خلقه ، وهذا يتناول :
( أ ) إن الله  قد أعذر إلى خلقه كلهم ، فأنزل الكتب وأنزل الكتب لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وقد قال  في حديث ابن مسعود : (لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ ) رواه مسلم .
أيها المسلم ، لا عذر لي ولك فقد قرأنا القرآن وبلّغنا رسول الله  ، فلنجتهد في طاعة الله وترك معصيته .
(ب) إن الله  قد أعذر إلى من أخّر أجله حتى بلغ ستين سنة ،كما قال  في حديث أبي هريرة  : (أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً ) رواه البخاري .
• رسالة إلى من بلغ ستين سنة :
يا من بلغ الستين من السنين ، لم يبق عندك موضع للاعتذار فقد أمهلك الله طول هذه المدة ، فتب إلى الله  وسارع في طاعته وأكثر من ذكره ومن النوافل ، وتجنب معصية الله ، وعلّق قلبك بالمسجد ، واحذر من الحرص الذي يقع فيه كبار السن ، كما قال  في حديث أنس  : (يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ ) رواه مسلم .
فيا أخي ، أنفق من مالك ، واستغلّه ليكون لك بعد موتك ، واستغلّ بقية عمرك في طاعة ربك . والله الموفق .
3-أيها المسلم ، إنّ يوم القيامة يوم عظيم ، وفيه من الأهوال ما الله به عليم ، فلنجعل ذلك اليوم على البال ولا ننساه !
ولْنَدعُ الله  كما في حديث ابن عباس  قوله  : ( اللهم إني أسألك العفو والعافية في دنياي وديني وأهلي ومالي ، اللهم استر عورتي وآمن روعتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بك أن أغتال من تحتي) رواه البزار (صحيح) . ولنتعوّذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة ، ففي حديث عائشة  أنه  كان (َيَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه النسائي (صحيح) .






الآيـــات
 أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) 
التفسير :
أما خلقناكم من ماءٍ ضعيف حقير ( وهو المني ) ؟ فجمعنا هذا الماء في مكانٍ حريز حافظ لما أُودع فيه من الماء ( وهو رحم المراة ) ، إلى أجل معلوم ( مدة الحمل إلى الولادة ) ، فقدرنا على الخلق من تلك النطفة والحفظ لها إلى أجلها المعلوم حتى الولادة ، فنعم القادرون نحن على الخلق والتقدير .
أما جعلنا الأرض تضمّ الأحياء فوق ظهرها والأموات في بطنها ؟ وذلك بقدرتنا فلا يُعجزنا شيء .
أحياءً على ظهر الأرض يسكنون ويأكلون ويشربون ، ويذهبون ويجيئون ، وأمواتاً في بطن الأرض قد وسعتهم فلم تضق بالأحياء ولا بالأموات ، بل وسعتهم جميعاً .
وجعلنا في الأرض جبالاً عاليات أرسى بها الأرض لئلا تميل وتضطرب ، وأسقيناكم ماءً عذباً طهوراً .
وهلاك وذلة ودمار يوم القيامة للمكذبين بقدرة الله وبالله ورسله ، والقيامة والبعث والحساب .
انطلقوا أيها الكفار إلى نار جهنم التي كنتم تكذبون بها في الدنيا فهي مأواكم ومقركم .
انطلقوا إلى ظل دخان جهنم المتصاعد مع اللهب ، حيث أن من شدة هذا الدخان وقوته أنّ له ثلاث شعب ، لا يُكِنّ من الحر ولا يُظل منه،ولا يقيهم حرجهنم ( فهم في دخانٍ وحرولهب ) .
إن نار جهنم ترمي بشرر يتطاير منها ، الشرارة الواحدة مثل القصر العظيم المرتفع ، كأنّ الشرر الذي ترمي به النار إبل سود عظيمة تميل إلى الصفرة .
هلاك ودمار وخزي يوم القيامة للمكذبين بعذاب الله ( النار) ، وبالله ورسله والقيامة والجزاء والحساب .
هذا يوم القيامة الذي لا يتكلم الكفار فيه بكلام يفيدهم ؛ لأنه لا حجة لهم ، فقد قامت عليهم الحجة بإرسال الرسل وإنزال الكتب . ولا يؤذن للكفار في الاعتذار ليعتذروا ؛ لأنه لا عذر لهم ، بل قد قامت عليهم الحجة .
هلاك ودمار وخزي يوم القيامة للمكذبين بهذا اليوم وما يكون فيه ، وللمكذبين بالله ورسله ، والقيامة والجزاء والحساب .
بعض الدروس من الآيات :
1-أيها العبد ، لنتفكر في أصل خلقتنا ( من المني ) ! وهذا دالٌ على قدرة الله العظيمة ، فنعم القادر هو ، فكيف يعصي أحدنا ربه ويخالف أمره ويتبع هواه ؟ ألا يستحي أحدنا من الله ؟ ألا يخاف منه ؟ كيف يتكبر ويتجبر ويجمع من الدنيا ويمنع ما فرض الله عليه ؟ وقد قال بُسر بن جحّاش  : (بَصَقَ النبي  يَوْمًا فِي كَفِّهِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ اللَّهُ ابْنَ آدَمَ أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ قُلْتَ أَتَصَدَّقُ وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ ) رواه أحمد والحاكم وبعضه عند ابن ماجه (صحيح) .
2-ألا فليعرف أحدنا أنه الضعيف ! فعليه أن يعود إلى ربه وأن يطيعه ويأتمر بأمره وينتهي عن نهيه ويتواضع لعظمته كما أمره ربه . والله المستعان .
3-أخي المسلم ، أنظر إلى :
( أ ) هذه الأرض وأنت تسير عليها ، وهي مُذللة مُسخرة وقد وسِعت هذا العالم ، ولكن ، لمَ جيء بي وبك لنعيش عليها ؟ تنبّه ! إنّما خُلقنا لنعبد الله  . فلنقُم بذلك الذي خُلقنا من أجله ( العبادة ) ، وانظر إلى هذه القبور ، وإني وإياك سوف ندخلها ، وإنها روضةٌ من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، فاستعدّ لقبرك وموتك ووضعك في بطن هذه الأرض .
4-(ب) وانظر إلى الجبال الشامخة الدّالة على عظمة الله ، وأنه ثبت بها الأرض لنعيش عليها ، وإلاّ فتأمل كيف لو كانت الأرض مضطربة ، هل نستطيع العيش عليها ؟ بل إن الزلزال الذي يستمر عشر ثوانٍ على درجة سبعة من مقياس رختر ، يُدمّر بهذا الزلزال مدن وقرى وعالم . فإذا عرفت هذا فازدد إيماناً بالله وخضوعاً وحُباً له وخوفاً منه وشكراً على نعمه وفضله . والله الموفق .
(ج) أنظر إلى الماء الذي سقانا الله وما فيه من الفوائد للجسم والحياة  وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ  [الأنبياء: 30] فلا تبذّر في هذا الماء ولا تسرف فيه ، واحمد الله على الشربة منه ، وقد قال  : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) رواه مسلم من حديث أنس  .
5- أيها المسلم ، القرآن يُحدثنا عن نار جهنم وما فيها من الشرر الذي هو كالقصور ، وما فيها من اللهب ، وغير ذلك ، فهل نهرب من هذه النار بطاعة ربنا وترك معاصيه ؟ فإن المعاصي طُرق إلى نار جهنم ، والنفس تشتهي كثيراً من الذنوب حُفّت بها النار ، كما قال  : ( وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ) رواه مسلم . فلنترك شهواتنا التي هي معاصي لله  ولنقبل على طلب الجنة التي حُفّت بالمكاره ، كما قال  : (حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ) رواه مسلم . والله الموفق .
6-عرصات القيامة حالات : حالة يتكلمون فيها ، وحالة لا يؤذن فيها بالكلام ، وهكذا ، والقرآن يُخبر عن هذا تارة وعن هذا تارة . والله أعلم .

الآيـــات
 هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) 
التفسير :
هذا يوم الفصل الذي يفصل الله فيه بين الخلائق ، جمعناكم مع السابقين في صعيدٍ واحد ليجازى كل عامل بعمله ، فإن كان لكم حيلة على أن تتخلصوا من قبضتي وتنجو من عذابي فاحتالوا ، فإنكم لا تقدرون على ذلك .
هلاك ودمار يوم القيامة للمكذبين ؛ بما يقع يوم القيامة من جمع الله الأولين والآخرين ، وغير ذلك . إن المتقين لله بفعل ما أوجب الله عليهم وترك ما نهاهم عنه في ظلال الأشجار الوارفة ، وعيون من الماء واللبن والخمر ، جميلةٌ جارية لذيذة .
وللمتقين في الجنة فواكه كثيرة مما يشتهون ، لا مقطوعة ولا ممنوعة ، فمهما طلبوا وجدوا منها ، يُقال لهم : كلوا مما في الجنة من الطعام الطيب ، واشربوا من الشراب اللذيذ ، مُتهنئين مسرورين بسبب ما كنتم تعملونه من الأعمال الصالحة في الدنيا .
إنّا بمثل هذا الجزاء من النعيم المقيم نجزي المحسنين في أعمالهم ( أخلصوا لربهم وتابعوا رسولهم  ) .
هلاك وخزي يوم القيامة للمكذبين بما أعدّ الله من النعيم المقيم للمتقين ، وغير ذلك مما يكون يوم القيامة . يُقال لهؤلاء المُكذبين : كلوا مما في هذه الدنيا من الطعام ، وتمتعوا بلذائذها وزينتها مدة قليلة قصيرة – إنكم مجرمون – ثم تُساقون إلى نار جهنم .
هلاك يوم القيامة للمكذبين بدين الله وما جاء به رسوله وبالقيامة والبعث وغيرها مما أخبر به الله . وإذا قيل للكفار : صلّوا لله  فإنهم يرفضون ولا يُصلون .
هلاكٌ يوم القيامة للمكذبين بدين الله وبالقيامة وغير ذلك مما جاء عن الله وعن رسوله  .
فبأي كلامٍ يؤمنون إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن الواضح الدّال على الهدى وعلى الصراط المستقيم . إنهم إن لم يؤمنوا بهذا القرآن فلن يؤمنوا بغيره .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم ، لنتذكر يوم الجمع ( يوم القيامة ) وهذا الجمع :
( أ ) يكون جمعاً للناس كلهم ، كما قال  في حديث أبي هريرة  : ( يَجْمَعُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمْ الْجَنَّةُ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ ...الحديث) رواه مسلم . وعند الترمذي من حديث أبي هريرة  قوله : ( يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ أَلَا يَتْبَعُ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ...الحديث) صحيح .
(ب) هناك جمع للمؤمنين يوم القيامة ، كما قال  في حديث أنس  : ( يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَأْتُونَ آدَمَ ...الحديث ) رواه البخاري .
أخي ، استعدّ لذلك اليوم من الآن بكل عملٍ صالح ، واجعل يوم القيامة على البال !
(ج) هناك جمع الوحوش : وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ  [التكوير: 5] . والله أعلم .
2- أيها المسلم ، إن الله وعد المؤمنين المتقين بالظِّلال والعيون والفواكه مما يشتهون في جنات النعيم ، فلنعمل بتقوى الله في هذه الدنيا حتى نخرج منها إلى الآخرة ؛ لنحصل على ما وعد الله به المؤمنين المتقين ، والله لا يخلف الميعاد ، فمن أراد الظل في الآخرة فهو على نوعين :
*الظل لكل أهل الجنة  فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ  وقد قال  في حديث سهل بن سعد  : (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا ) رواه الشيخان واللفظ لمسلم أسرع أخي إلى الدار الآخرة بطاعة الله وترك معاصيه لتحصل على هذا الظلفِي ظِلَالٍ .
*الظِّل في ظلِّ الله : وهذا للسبعة ، وذلك – والله أعلم – حينما تكون الشمس على رؤوس الخلائق ، وقد قال  في حديث أبي هريرة  : (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) رواه الشيخان . وجاء في بعض الأحاديث : ( فِي ظِلِّ عَرْشِهِ ) رواه أحمد والترمذي (صحيح) .
أخي المسلم ، أطلب هذا الظل ، فكن أحد هؤلاء السبعة الأصناف أو أكثر من ذلك بحيث تحقق صفات كثيرة مما في الحديث .
*ظل الصدقة حتى يُقضى بين الناس ، وقد قال  في حديث عقبة بن عامر  : (كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ ) رواه أحمد والحاكم (صحيح) .
أخي ، تصدّق لتبقى في ظل صدقتك يوم القيامة ؛ لأن الشمس على رؤوس الخلائق.
3-أخي المسلم ، سارع إلى الجنة بكل عملٍ صالح ، فإنّ فيها الأنهار والعيون ، وقد قال  في حديث معاوية بن حيدة  : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ وَبَحْرَ الْعَسَلِ وَبَحْرَ اللَّبَنِ وَبَحْرَ الْخَمْرِ ثُمَّ تُشَقَّقُ الْأَنْهَارُ بَعْدُ ) رواه أحمد والترمذي (صحيح) .
4-أيها المسلم ، احرص كل الحرص على إقامة الصلوات على الوجه المشروع ، مع العناية التامة بها في ( أركانها ، شروطها ، واجباتها ، مسنوناتها ) ومما يجب العناية به في الصلاة ، الركوع والسجود ، وقد قال  في حديث أبي مسعود الأنصاري  : ( لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ) رواه أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجة والترمذي (صحيح) .
أخي ، تابع نفسك في الركوع والسجود ، والخشوع في الصلاة ، فما أكثر المصلين وما أقل الخاشعين ! والله الموفق .
أخي المسلم ، احرص على أداء الصلاة جماعة ( على الرجل ) ، واحرص على الصف الأول ، وعلى تكبيرة الإحرام ، وقد قال  في حديث أنس  : ( مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ ) رواه الترمذي (حسن ) . والله الموفق .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
ابن الفرات
Admin
Admin
ابن الفرات


الساعة :
دعاء
ذكر
عدد المساهمات : 2577
نقاط : 6061
التقيم : 19
تاريخ الميلاد : 06/04/1984
تاريخ التسجيل : 03/04/2012
العمر : 40

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم    تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يوليو 12, 2012 3:31 am

تفسير سورة المزمل
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
 يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (Cool رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) 
التفسير :
يا أيها المتغطي بثيابه – أي النبي  لما جاء الوحي لأول مرة في غار حراء ، وغطّه الملك ، فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق ، فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : زمّلوني زملوني ، فزمّلوه حتى ذهب عن الروع – قم صلِّ الليل إلا وقتاً قليلاً منه ، قم – أيها الرسول – نصف الليل أو انقص من نصف الليل قليلاً إلى ثلث الليل ، أو زد – أيها الرسول – في قيام الليل على نصف الليل إلى ثلُثي الليل ، فأنت مُخيّرٌ في ذلك .
واقرأ القرآن على تمهّل ؛ يكون عوناً لك على فهم القرآن وتدبره .
إنا سنُنزّل عليك – أيها الرسول – قرآناً ثقيلاً نزوله من عظمته ، وعظيماً لما تضمّنه من التكاليف بالأوامر والنواهي ، وثقيلاً يوم القيامة في الموازين .
إنّ الصلاة التي تنشأ بالليل أو بعد نوم من الليل هي أشد مواطأةً بين القلب واللسان ، وأجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهّمها من قيام النهار ؛ لأن النهار وقت انتشار الناس ولغط الأصوات ، وأوقات المعاش ، وأما الليل فهو أهدأ وأسكن وأفرغ للقلب من النهار .
إنّ لك – أيها الرسول – في النهار فراغاً طويلاً يكفيك لقضاء حوائجك وطلب معاشك وغيرها من أعمالك التي تقضيها بنهارك ، ففرّغ نفسك بالليل لربك بالصلاة ونحوها ، وأكثر من ذكر ربك وانقطع إليه وتفرّغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك .
والله هو خالق المشرق والمغرب والمالك المتصرف فيهما ، لا إله يستحق العبادة سواه ، ففوِّض أمرك إليه واعتمد بقلبك عليه ، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل عليه دون غيره ، واصبر – أيها الرسول – على ما يقول الكفار لك من التكذيب والاستهزاء ، وقولهم ساحر أو شاعر أو كاهن وغير ذلك ، واتركهم تركاً جميلاً لا عتاب معه ولا انتقام ولا تأنيب ، ودعني – أيها الرسول – والمكذبين برسالتك من أصحاب الأموال والترف ، وانتظرهم قليلاً من الزمن حتى يأتيهم العذاب ويحلُّ بهم . إنّ لدينا للكفار في نار جهنّم قيوداً ثقيلة ، وناراً مضطرمة متوقدة ، وطعاماً ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج ، وعذاباً موجعاً شديداً .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم ، لتحرص على قيام الليل !
وقد قال  في حديث أبي هريرة  : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ... الحديث ) رواه مسلم .والأفضل أن تكون الصلاة في الليل في الثلث بعد النصف ؛ لقوله  : (وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ ) رواه الشيخان . والأفضل في قيام الليل الإطالة ؛ لقوله  في حديث جابر  : (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ ) رواه مسلم .
2- برنامج ليلي :
أخي ، هيئ طهورك وسواكك قبل النوم ، أو ليهيئه اهلك ثم نم ، فإذا استيقظت تسوّك ثم توضأ ثم صلّّ إحدى عشرة ركعة ، على ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها وفيه قالت عن رسول الله  : (كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إِلَّا عِنْدَ الثَّامِنَةِ يَجْلِسُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَدْعُو ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ مَا سَلَّمَ فَتِلْكَ تِسْعُ رَكَعَاتٍ يَا بُنَيَّ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يَدُومَ عَلَيْهَا وَكَانَ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ نَوْمٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ وَجَعٌ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ) رواه أحمد والنسائي ولمسلمٍ نحوه .
فيا أخي ، صلّ من الليل على ما في هذه الحديث ، أو صلّ ركعتين ركعتين فإذا خفت الصبح أوتر بركعة ؛ لقوله  في حديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم : (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَالْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ) رواه أحمد . وقال  في حديث ابن عمر : ( صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى ) رواه الشيخان .
والأفضل أن تنوّع في صلاة الليل على ما جاء في الأحاديث .
3- أخي المسلم ، رتّل القرآن في صلاتك وقراءتك متمهلاً متفهّماً متدبّراً ، وقد قال  في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة (صحيح) .
ويا أخي ، زِّين القرآن بصوتك ؛ لقوله  في حديث البراء  : (زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة (صحيح) . وقال  في حديث البراء  : ( زينوا القرآن بأصواتكم ، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ) رواه الحاكم (صحيح) .
4- أخي ، لا تقرأ القرآن (كهذِّ الشعر) ، فقد ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ فَقَالَ هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ) رواه البخاري .
[ المفصّل : من (ق والقرآن المجيد) إلى آخر المصحف( الناس ) ] .
5- أيها الدعاة ، اصبروا على ما يأتيكم من الخلق من الأذى ، وعاملوهم ببرنامج (( الصبر الجميل )) وإذا هجرتم فليكن ((الهجر الجميل )) وإذا قلتم (( القول السديد )) وهكذا .. وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ... الآية [البقرة:83] ، واسعوا إلى استعمال أساليب القرآن والسنة في الدعوة إلى الله  وكل أسلوب ترون أنه مجدٍ ونافع في العمل الدعوي ، إلا أن يكون مُحرّماً من الشارع أو يؤدي إلى محرم ، فهذا ليس أسلوباً دعوياً صحيحاً .
• ومن أساليب القرآن : أسلوب العرض ، أسلوب الحوار ، أسلوب القصة ، أسلوب النصيحة ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أسلوب التأديب ، أسلوب الاستفهام ، أسلوب الحض ، أسلوب الجدل ، وغيرها .
وهذه الأساليب ترافقها أساليب مساعدة ، كأسلوب النداء بالكنية التي يحبها الشخص ، أو بالقرابة : كالأب أو غير ذلك مما هو في القرآن والسنة .
6- أخي المسلم ، إذا أكلت الطعام فتذكّر طعام أهل النار الذي ينشب في الحلق ، وإذا شربت الماء فتذكّر الحميم الذي يُسقاه أهل النار فيقطع الأمعاء ، فاهرب من النار !! بترك الذنوب وعمل الصالحات . والله الموفق .






الآيـــات
 يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) 
التفسير :
يوم تزلزل الأرض والجبال زلزالاً شديداً ، وصارت الجبال رملاً متناثراً بعدما كانت حجارة صمّاء ، وهذا يوم تقوم القيامة .
ثم قال تعالى – مخاطباً كفار قريش وغيرهم – إنّا أرسلنا إليكم رسولاً ( محمد  ) شاهداً على أعمالكم في الدنيا من طاعةٍ لله أو معصيةٍ له ؛ لِتُجزوا بها يوم القيامة ، كما أرسلنا موسى بن عمران  إلى فرعون يدعوه إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ويشهد عليه بما عمل ؛ ليجزى به . فعصى فرعونُ موسى  وكذّبه وردّ دعوته ، فأهلكنا فرعون هلاكاً شديداً بإغراقه في البحر ، ولآل فرعون عذاب شديد يوم القيامة . فكيف تخافون -أيها الناس- عذاب يومٍ يجعل الولدان شيباً إن كفرتم بالله ولم تؤمنوا برسوله ( وهو يوم القيامة لما فيه من الهول ) ؟
السماء منشقةٌ متصدعةٌ من هول ذلك اليوم ، كان وعد الله بإتيان هذا اليوم كائناً واقعاً لا محالة ولا محيد عنه .
إنّ هذه الآيات المشتملة على ذكر القيامة وأهوالها ، وما فيها من العذاب للمعرضين عن الله لعبرةٌ وعظةٌ ، فمن شاء اعتبر واتخذ الإيمان والعمل الصالح طريقاً إلى مرضاة ربه ونجاة نفسه وفكاك رقبته .
إنّ ربك – أيها الرسول- يعلم أنك تتهجد أقل من ثلُثي الليل ، وتصلي نصف الليل تارةً ، وتقوم ثلثه تارةً أخرى ، ويتهجد معك طائفة من أصحابك كذلك ، والله يُقدّر الليل والنهار ، باعتدالهما تارةً ، والأخذ من النهار في الليل والأخذ من الليل في النهار ، ويعلم ما يمضي من ساعات كلٍ منهما وما يبقي .
علم الله أنكم لا تقدرون على قيام كل الليل ؛ لأنه يشق عليكم فخفف عليكم بأن تقوموا ما تيسّر منه،فاقرءوا ما تيسر من القرآن فيما تقومون به في صلاتكم على قدر استطاعتكم0
علم الله أنه سيكون منكم من له عذر المرض عن قيام الليل ، ومن هم مسافرون في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجرة ، ومن هم مشغولون بما هو الأهم في حقهم من الغزو لإعلاء كلمة الله ، فقوموا بما تيسر عليكم من الصلاة وقراءة القرآن ، وأقيموا الصلاة المفروضة ، وأدّوا الزكاة الواجبة ، وتصدّقوا في وجوه البر والإحسان .
وما تعملوا من الخير لأنفسكم من العبادات لوجه الله فإنّكم تحصلون عليه يوم القيامة عند الله وافراً ، ويجازيكم عليه أحسن الجزاء ، وهو خيرٌ مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا وأنفقتم فيها ، وأعظم ثواباً عند الله .
واسألوا الله أن يغفر لكم ، فإنه يغفر الذنوب ويرحم من أقبل عليه وتاب إليه وأناب .
بعض الدروس من الآيات :
1- أيها المسلم ، لنتذكر هذه الآيات :  إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ ... الآية  وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [ البقرة: 143 ] فإنه  شاهد علينا بما عملناه من الطاعة أو المعصية ، فلا نكن أنا وأنت ممن نأتي يوم القيامة بالذنوب فيشهد علينا رسولنا  بها ، أين الحياء من الله أن نأتي بالمعاصي يوم القيامة والشاهد رسولنا  ؟
إذن أخي ، لنحرص على الطاعات ليأتي رسولنا  شاهداً لنا بها .
اجعل هذا الموضوع في ذهنك وعلى بالك ومحطّ اهتمامك ! والله الموفق .
2- أخي المسلم ، لنتذكر يوم القيامة ، يومٌ يشيب الصغير من هوله ! فلنستعدّ له من الآن ، وقد قال  : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ  وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ  وفيه ( فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا ... الحديث ) رواه البخاري وغيره .
3- أخي المسلم ، لندرس هذه العظة في سورة المزمل ثم نتخذ لنا طريقاً إلى الله تعالى لنجاة أنفسنا وفكاك رقابنا والسعي في ما ينفعنا والمبادرة إلى كل خير ينفعنا في الدار الآخرة .
اخي ، لنبادر ، أخي ، لنجتهد ، أخي ، لنحذر من الانغماس في النعيم في الدنيا ونسيان الآخرة ، وقد قال  في حديث أبي سعيد  : (كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَاسْتَمَعَ الْإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) رواه الترمذي وأحمد وابن حبان (صحيح) .
4- إن رسول الله  كان يقوم من الليل يتهجّد ، وكذلك أصحابه ؛ لأنهم كانوا يسارعون إلى الخيرات ويتسابقون إلى الجنات ، فما هو حظي وحظك من قيام الليل ؟ ولو قياماً يسيراً بحيث يداوم أحدنا عليه ، وسواء كان من أول الليل أو وسطه أو آخره ؛ فإنه  من كل الليل قد أوتر من أوله ووسطه وآخره ، وأما القيام ، فقد كان 
( يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ ) رواه الشيخان من حديث المغيرة  ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنه  : (كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِ آخِرَهُ ) رواه مسلم .
وأفضل قيام الليل قيام داود  ، كما قال  : ( كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ ) رواه الشيخان .
أخي ، لنجتهد في قيام الليل ! فإنه دأب الصالحين وطريقة المتقين الأخيار :  كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ  [ الذاريات : 17] ويُشرع لأحدنا أن يُوقظ أهله لقيام الليل ، ويُشرع للزوجة أن توقظ زوجها لقيام الليل ، فإن أبى أحد الزوجين نضح الآخر في وجهه الماء ، كما جاء عن النبي  .
5- يُشرع التطوع بسائر العبادات المشروعة ( الصلاة، والغزو لإعلاء كلمة الله ، قراءة القرآن ، الصدقات ، وكل الخيرات ، وما تفعلوا من خير تجدوه عند الله ) وليكن التطوع على حسب الاستطاعة بما تيسر ، ومهما أقبل العبد على الله ، فإن الله يُقبل عليه ، وقد قال  في حديث عائشة رضي الله عنها : ( اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ ) رواه أبو داود والنسائي وللشيخين نحوه .
6- أيها المسلم ، إن الله جل وعلا يطلب منا أن نقرضه قرضاً حسناً ! فلنتصدق من أموالنا لوجه الله في كل وجوه الخير ، فإنّما ذلك عائدٌ لنا ، والله غنيٌ عنّا وعن أموالنا ، وليعلم أحدنا أن ماله هو ما قدّم ومال وارثه ما أخّر ، فليجعل له من ماله ، فيقدّمه أمامه ، وقد قال  : ( فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ ) رواه البخاري . وإن المتصدق ليستفيد من صدقته - مع الثواب الجزيل عند الله – أنّه يوم القيامة والشمس على رؤوس الخلائق فهو في ظل صدقته ، كما قال  في حديث عقبة بن عامر  : (كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ) رواه أحمد والحاكم (صحيح) .
أخي ، تذكر هذه الآية  وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا  فأقرض واجتهد في الإقراض ، واستكثر منه ، وأبشر بالخلف من الله في الدنيا والثواب عند الله في الآخرة .
7- الاستغفار على نوعين :
( أ ) الاستغفار الواجب : وهذا يكون عند الذنب ، وقد قال  في حديث عبد الله عمرو  : ( لو أن العباد لم يذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون ثم يستغفرون ثم يغفر لهم وهو الغفور الرحيم ) رواه الحاكم (صحيح) .
(ب) الاستغفار المسنون : وهذا في سائر الأوقات .
فلنكن مستغفرين دائماً ! كما كان رسول الله  . والله الموفق .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2et2.yoo7.com
 
تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 3انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
»  من دلائل النبوة شفاء المرضى 06/05/2012 أجرى الله ـ تبارك وت
» هناك تفسير جميل جدا ومقنع يرجع أصله لأحد أقدم الحضارات في الصين 1. الاصبع الاول الإبهام: يمثل والد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى دير الزور :: المنتدى الديني derezzor :: منتدى الشيخ محمد شامي شيبة :: منتدى كتب الشيخ محمد شامي شيبة-
انتقل الى:  

 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Button1-bm

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر المنتدى ~

مواضيع مماثلة
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى دير الزور على موقع حفض الصفحات
اخر مواضيع المنتدى
<div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_ticker/news_widget" title="News Widget">News Widget</a></div>
أفضل 10 فاتحي مواضيع
ابن الفرات
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_rcap1 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Voting_bar تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_lcap 
حمدان
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_rcap1 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Voting_bar تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_lcap 
مهند الاحمد
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_rcap1 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Voting_bar تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_lcap 
ديري نشمي
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_rcap1 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Voting_bar تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_lcap 
الاسمر
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_rcap1 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Voting_bar تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_lcap 
ريم الساهر
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_rcap1 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Voting_bar تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_lcap 
نبض الأمل
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_rcap1 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Voting_bar تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_lcap 
الدير نت
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_rcap1 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Voting_bar تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_lcap 
ديرية حرة
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_rcap1 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Voting_bar تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_lcap 
العاشق لاحباب
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_rcap1 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Voting_bar تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Vote_lcap 
المواضيع الأخيرة
» دورة مهارات تقييم الاداء الوظيفي للمديرين والمشرفين
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالإثنين فبراير 03, 2020 12:32 pm من طرف Manal

» دورة التحليل الفنى لتداولات الأسهم
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالأربعاء يناير 22, 2020 11:48 am من طرف Manal

» التحليل. الاحصائى .للبوصات
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالثلاثاء يناير 21, 2020 11:53 am من طرف Manal

» دورة اساسيات الرقابة الصحية على الاغذية
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالإثنين يناير 20, 2020 9:28 am من طرف Manal

» تطبيق نظام haccp في إعداد وتصنيع وتداول الغذاء
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالأحد يناير 19, 2020 9:24 am من طرف Manal

» دورة ادارة مخاطر التأمين الصحي
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالخميس يناير 16, 2020 10:22 am من طرف Manal

» #دورة_ إدارة_الجودة_الشاملة_في_مجال_المشتريات_والمخازن
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالأربعاء يناير 15, 2020 8:39 am من طرف Manal

» التحليل .المالِى. spss
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالثلاثاء يناير 14, 2020 9:42 am من طرف Manal

» دورة. التحليل .المالِى
 تفسير جزء الذاريات - جزء المجادلة - جزء تبارك - جزء عم Icon_minitimeالأحد يناير 12, 2020 9:11 am من طرف Manal