تفسير سورة المجادلة
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{: الآيـــات
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
التفسير:
قد سمع الله قول المرأة (خولة بنت ثعلبة) التي تراجعك في شأن زوجها (أوس بن الصامت) لمّا قال لها : أنت علي كظهر أمي ، وتشتكي إلى الله ما نزل بها وبصبيتها الصغار، والله يسمع تراجعكما والمحاورة التي بينك وبينها، إن الله سميع لأقوالكما من فوق سبع سماوات بصيرٌ بأحوالكما ، ولا يخفى عليه منها شيء.
الذين يظاهرون منكم - أيها المسلمون - من نسائهم فيقول الرجل لزوجته : أنت عليَّ كظهر أمي ، أو كما تحرم علي أمي ، والحقيقة أن نسائهم لسن أمهاتهم، ما أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم، وإن المظاهرين ليقولون قولا منكرا قبيحا وكذباً عظيماً، وإن الله لعفو عن عباده غفور لمن تاب منهم وعاد إلى الله .
والذي يظاهرون من نسائهم ثم يعودون عن قولهم ويعزمون على جماع زوجاتهم، فعلى من ظاهر عتق رقبة مؤمنة من قبل أن يجامع زوجته، وهذا الحكم يعظكم الله به إلزاما لمن ظاهَرَ من زوجته وأراد العود، والله بما تعملون خبير فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
فمن لم يجد الرقبة المؤمنة أو لم يجد ثمنها ، فيجب عليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يجامع زوجته، فإن لم يستطع الصيام لعذر من الشارع كمرض أو كبر وجب عليه إطعام ستين مسكيناً .
وهذه الأحكام التي شرعت في الظهار لتؤمنوا بالله ورسوله ، في امتثال ما أمر الله ورسوله ، والانتهاء عما نهى عنه الله ورسوله ، وتلك أحكام الله وشرعه قد حدّها الله فيحرم تجاوزها، وللكافرين بها عذاب مؤلم شديد.
إن الذين يشاقون الله ورسوله ويعاندون شرعه ، أُهينوا وأخزوا وذلُّوا كما ذَلّ وأخزي من قبلهم ممن شاق الله ورسله، وقد أنزلنا آياتٍ واضحات محكمات دالة على الحق وداعية إليه، وللكافرين الجاحدين بها عذاب مُذل مُخزٍ في نار جهنم.
واذكروا يوم القيامة وفيه يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيخبرهم بما عملوا من خير أو شر، ضبطه الله عليهم وحفظه وهم قد نسوا ما كانوا عملوا والله على كل شيء شهيد فلا يخفى عليه شيء.
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم: إن الظِّهار محرم (كبيرة من كبائر الذنوب) ؛لأنه منكر من القول وزور ، فليحذر كل مسلم - ومنهم أنا وأنت - من الوقوع في ذلك بل ونبِّه على إخوانك المسلمين حتى لا يقعوا في هذا المنكر .
ومن المؤسف أن هناك بعض المسلمين لا يزال يحرم زوجته ولا يتعظ فلنتق الله.
2- كفارة الظهار هي على الترتيب عتق رقبة مؤمنة (ذكراً أو أنثى) إن أراد العود ، فإن لم يجد الرقبة أو لم يجد المال لشرائها ، صام شهرين متتابعين قبل الجماع للمظاهر منها ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا حتى يشبعوا أو يعطي كل مسكين نصف صاع من طعام ، وقد دل على الكفارة الآية ولأن النبي أمر المظاهر بالكفارة.
3- ولا يقرب الزوجة المظاهر منها (لا يجامعها حتى يُكَفِّر) سواء كفَّر بالعتق أو بالصيام أو بالإطعام ؛ لحديث ابن عباس أن النبي قال للمظاهر: ( فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ ) رواه أهل السنن (صحيح) .
4- إذا شبَّه زوجته بقرابة كأخته وابنته ونحوهما في الحرمة ، فهو مظاهر .
5- وإذا جامع المظاهر زوجته قبل أن يكفر فهو آثم وعليه كفارة واحدة فقط ، ويحرم عليه جماع زوجته حتى يُكفِّر ؛ لأن في حديث ابن عباس أن الرجل الذي ظاهر من زوجته قال للنبي إني قد ظاهرت من زوجتي فوقعت عليها قبل أن أكفر! فقال : ( وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ قَالَ فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ) رواه أهل السنن (صحيح) .
6- إثبات صفة السمع لله : نعقلُ المعنى ، وأما كمال المعنى والكيف فلا يعلمه إلا الله ، وهذا الإثبات بلا تمثيل كما قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [ الشورى:11 ] .
أخي المسلم ، إذا علمت أن الله يسمع أصوات عباده كلهم ، فلا يخفى عليه ، فهل أنا وأنت نحاسب أنفسنا على ما نقول ، فلا نتكلم إلا بما يرضي ربنا؟ لنحاسب أنفسنا على أقوالنا وأفعالنا، وقد وسع سمع الله الأصوات فلا يخفى عليه منها شيء مهما كثرت وتعددت وتنوعت ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ لقد جائت المجادلة إلى النبي وأنا في ناحية البيت وما أسمع ما تقول فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ) رواه النسائي وأحمد وابن ماجة والبخاري تعليقاً (صحيح) .
7- أخي المسلم ، إن الله سيجمع الأولين والآخرين في صعيدٍ واحد يوم القيامة ، كما قال في حديث أبي هريرة : ( إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ ...الحديث ) رواه مسلم .
كيف بي وبك إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ؟
أخي لنأخذ لذلك اليوم عدته من الآن بالاجتهاد في الأعمال الصالحة والتوبة والاستغفار والله الموفق.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
التفسير:
ألم تعلم أن الله يعلم كل ما في السماوات والأرض فلا يخفى عليه شيء من ذلك، ما يكون من ثلاثة يتناجون بينهم بسر إلاَّ والله مطّلع عليهم عالم بهم يسمع كلامهم ويراهم حيث كانوا وأين كانوا فكان رابعهم، أو خمسة يتناجون بسرٍّ إلا كان سادسهم بعلمه، ولا أقل من ثلاثة ولا أكثر من خمسة إلا هو معهم بعلمه وإطلاعه عليهم أينما كانوا، ثم يخبرهم الله يوم القيامة بما عملوا من الأعمال من قليل أو كثير، إن الله بكل شيء عليم فلا يخفى عليه شيء.
ألم تر - أيها الرسول - إلى اليهود الذين نهوا عن المُسارَّة بالكلام المشبوه بإرادة الشر بالمسلمين ، ثم يعودون لما نُهوا عنه من المسارَّة بينهم ، ويُسارُّ بعضهم بعضاً بالإثم الذي يختص بهم وعداوة رسول الله والمؤمنين ، ويتناجون بينهم فيوصي بعضهم بعضاً بمعصية الرسول وعداوته، وإذا جاءك هؤلاء اليهود حيّوْك بغير ما حياك به الله فقالوا : السّام عليكم ، ويقولون سراً في أنفسهم : لماذا لا يعذبنا الله بما نقول لمحمد؟ فلو كان رسولا من الله لعاقَبَنا الله بهذا القول له .
إن الله أخر عذابهم لنار جهنم فهي كافيتهم في الدار الآخرة، وبئس المصير مصيرهم ومأواهم ، وهي النار الحامية لهم.
يا أيها الذين آمنوا ، إذا سار بعضكم بعضاً فلا يكون ذلك بما حرُم في خاصته أو فيه تعدٍ بظلم على الناس أو معصية للرسول ، وليسارّ بعضكم بعضاً بطاعة الله وترك الذنوب، واتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه الذي إليه ترجعون فيجازيكم بأعمالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
إنما كلامكم سراً بينكم بالإثم والعدوان من تسويل الشيطان وتغريره ليصيب المؤمنين بالسوء والحزن، ولكنّ ذلك لا يضر المؤمنين إلا إذا شاء الله وحده، وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون وليفوضوا أمورهم إلى ربهم فكفى به معيناً وحافظاً لمن توكل عليه والتجأ إليه0
بعض الدروس من الآيات :
1- إثبات معية الله لعباده وانه معهم وهي على قسمين :
أ- معية عامة : بالعلم والإحاطة والإطلاع ، فهو سبحانه يعلم عباده ولا يخفى عليه منهم شيء ، فهو يراهم ويسمعهم كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ...الآية وهذه عامة مع الخلق كلهم.
ب- معية خاصة : بالحفظ والرعاية والنصر والتأييد والتوفيق وهي خاصة بالمؤمنين كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل: 128] ، وكما قال في حديث أنس : ( قال الله : عبدي أنا عند ظنك بي وأنا معك إذا ذكرتني ) رواه الحاكم (صحيح) .
2- نهى النبي عن تناجي اثنين دون الثالث ، فلنحذر - أخي المسلم - من ذلك ؛ لقوله في حديث ابن مسعود: ( إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ ) رواه الشيخان، فإذا أذن الثالث جاز تناجي الاثنين ؛ لقوله في حديث ابن عمر : ( إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ ) رواه أحمد .
3- أخي المسلم ، لنحذر من المسارّة بيننا بالكلام المحرم أو بأذية المسلم أو غيره ممن يحرم أذيته ، وليكن الكلام السري بيننا بالمعروف ، بصدقة أو بإصلاح بين الناس ، لأن أكثر الناس إنما مسارّتهم لا خير فيها إلا ما قد ذكره الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ...الآية [النساء:114] فإذا ساررت أحداً فكلمه سراً ، كما لو قلت له : فلان رجل محتاج حبذا لو تصدقنا عليه، أو إذا كان عندك يا فلان له شيء فعجل عليه لحاجته الماسة، ويا أخي هناك منكر نريد أن نذهب لإنكاره ، ويا أخي إن فلاناً وفلاناً بينهم مشكلة نريد أن نصالحهم ... وهكذا .
4- أخي المسلم: لنتذكر النجوى يوم القيامة ! لنستعد لذلك من الآن ، فإن الله سيناجي عبده يوم القيامة " فلنقبل على الله بالطاعات ونترك الذنوب والمعاصي" .
وقد قال صفوان بن محرز : بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ رواه الشيخان .
5- إذا سلم علينا أهل الكتاب فلنقل : وعليكم ؛ لقوله في حديث أنس : ( إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ ) رواه الشيخان . وفي حديث ابن عمر قوله : ( إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ وَعَلَيْكَ ) رواه البخاري .
واعلم أن أهل الكتاب لا يستجاب لهم فينا ولكن يستجاب لنا فيهم ، وقد قال : ( إنّهُ يُسْتَجَابُ لَنَا فِي الْيَهُودِ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا ) رواه البخاري معلقاً (صحيح) .
6- أخي المسلم: إن الشيطان حريص على أن يدخل الحزن على المؤمنين ، فلنكن أنا وأنت ممن يسعى للتفريج عن المؤمن ، ولا يقوم أحدنا بما يُحزن أخاه المسلم ، وليحاسب أحدنا نفسه على فعله وقوله وتصرفاته حتى لا يكون فيها إحزانٌ لأخيه المسلم وقد قال : ( بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا) رواه مسلم ، وليحرص أحدنا على انه لا يروع أخاه المسلم وقد قال في حديث السائب بن يزيد: ( لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ صَاحِبِهِ جَادًّا وَلَا لَاعِبًا وَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ عَصَا صَاحِبِهِ فَلْيَرْدُدْهَا عَلَيْهِ ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي (حسن) .
لا تأخذ شيئا من أخيك المسلم مزحاً لأنه يصاب بالروع كمن أخذت محفظته مزحا أو أخذت فلوسه أو غير ذلك ، فلنحذر ! والله الموفق .
الآيـــات
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17)
التفسير:
يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم توسعوا في المجالس ، فليوسع المؤمن لأخيه في المجلس يوسع الله عليكم في الخير والرزق والأجر والدنيا والآخرة، وإذا قيل لكم انهضوا من المجلس لغرض مباح فقوموا ، فمن أفسح لأخيه وإذا أُمر بالخروج والقيام خرج ، فذلك رفعة في حقه فإن الله يرفع الذين آمنوا منكم الممتثلين لأمره حسب إيمانهم وطاعتهم، ويرفع أهل العلم درجات كثيرة لأنهم ورثة الأنبياء، والله بما تعلمون خبير فلا يخفى عليه منكم شيء.
يا أيها المؤمنون إذا تكلمتم مع الرسول سراً فتصدقوا بصدقة قبل ذلك ثم ناجوه، فإن تقديم الصدقة خير لكم بكثرة الثواب وأطهر بتكفير الذنوب، فإن لم تجدوا ما تتصدقون به فإن الله واسع المغفرة والرحمة لمن استغفر وتاب إليه وأناب.
أخِفتم من الفقر باستمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول ؟ فإن لم تتصدقوا وتاب الله عليكم بالعفو عنكم في ترك الصدقة، فأقيموا الصلاة كما شرعها الله لكم على أكمل وجه، وأعطوا الزكاة التي فرض الله عليكم طيبة بها نفوسكم وأطيعوا الله فيما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه وأطيعوا رسوله بمتابعته، والله خبير بأعمالكم مطلع عليها لا يخفى عليه منها شيء وسيجازيكم عليها.
ألم تنظر إلى المنافقين متعجباً من عملهم الخبيث ، فقد اتخذوا اليهود الذين غضب الله عليهم أولياء من دون الله ورسوله والمؤمنين، فالمنافقون ليسوا منكم – أيها المؤمنون- ولا من اليهود ، ويحلف المنافقون كاذبين أنهم منكم وهم يعلمون أنهم كاذبون في أيمانهم.
هيّأَ الله للمنافقين عذاباً مؤلماً موجعاً في نار جهنم، أنهم ساء عملهم فبعداً لهم وهلاكاً يوم القيامة.
اتخذ المنافقون أيمانهم التي يقسمونها وقاية وستراً يقون بها أنفسهم من القتل وأموالهم أن تؤخذ بتحكيم شرع الله فيهم فيظهرون الإسلام لذلك، وفي الحقيقة أنهم كفار صادون أنفسهم وغيرهم عن دين الله (الإسلام) فلهم عذاب مخزٍ مذل في نار جهنم.
لن تمنع المنافقين أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئاً، أولئك المنافقون هم أهل نار جهنم ماكثون فيها أبداً وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [ البقرة : 167 ] .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم من آداب المجالس التي ينبغي أن نتأدب بها لأنها مما شرعها الله لنا في كتابه وعلى لسان رسوله ما يلي:
( أ ) إذا دخل أحدٌ المجلس ، فلنوسع له ويتقارب بعضنا من بعض حتى يجد فسحة ليجلس فيها، ولو قال أحد: تفسحوا لأخيكم فكذلك.
(ب) لا يقيم الشخص أخاه المسلم من مجلسه فيجلس فيه ، وإنما يتوسع بعضنا لبعض وقد قال : في حديث ابن عمر : ( لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا ) رواه الشيخان.
(ج) إذا قيل لأهل المجلس قوموا عن المجلس (إلى مجلس آخر أو لغرض مباح أو مشروع) فليقوموا ولا يتأخروا وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ...الآية .
( د ) لا تفرق بين اثنين جالسين إلا بإذنهما لقوله في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : ( لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي (صحيح).
(هـ) أخي المسلم جالس الصالحين فالجليس الصالح كمثل حامل المسك، ودع جلساء السوء فإن جليس السوء كصاحب الكير.( نافخ الكير)
( و) في حديث أبي سعيد قوله : ( خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا ) رواه أبو داوود وغيره (صحيح).
( ز) مما يشرع ما قاله في حديث أبي هريرة : ( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الشَّمْسِ فَقَلَصَ عَنْهُ الظِّلُّ وَصَارَ بَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ فَلْيَقُمْ ) رواه أبو داوود (صحيح).
(ح) اجلس أخي المسلم حيث ينتهي بك المجلس كما قال جابر بن سمرة : (كُنَّا إِذَا أتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي ) رواه أبو داوود والترمذي (صحيح) .
(ط) المسلم أحق بمجلسه إذا قام ثم رجع لقوله في حديث أبي هريرة: ( إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ) رواه مسلم .
(ي) في حديث أبي سعيد الخدري : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ احْتَبَى بِيَدِهِ ) رواه أبو داوود (صحيح) ، ورواه البخاري بنحوه من حديث ابن عمر .
(ك) ينهى المسلم عن القعدة التي في حديث الشريد بن سويد قال: ( مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي فَقَالَ أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) رواه أبو داوود (صحيح) .
(ل) يشرع ذكر الله في المجلس وقد قال في حديث أبي هريرة : (مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً)رواه أبو داوود (صحيح) .
(م) كفارة المجلس:
(سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ) لثبوت ذلك عنه في حديث عبدالله بن عمرو وأبي برزة الأسلمي . رواه أبو داوود (صحيح) . وقال : (إنّ ذَلِك كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ ).
2- أخي المسلم : لنحرص على طلب العلم الشرعي من الصغر حتى نموت "ونستمر في ذلك حتى ولو كنا كباراً في السن حتى نلقى الله (الموت)" وقد قال : ( وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ...الحديث) رواه أهل السنن و أحمد من حديث أبي الدرداء (صحيح) .
3- أيها المسلم : إن المنافقين يوالون اليهود ويحبونهم ويسعون في توثيق العلائق معهم فاعرف هذا رحمك الله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ... الآية [الحشر: 11] ، المنافقون وأهل الكتاب أخوة .
الآيـــات
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
التفسير:
هذه الآية مرتبطة بما قبلها يوم يُخرج الله المنافقين أحياء من قبورهم جميعاً فلا يغادر منهم أحداً، فيحلفون لله أنهم مؤمنون كما كانوا يحلفون لكم أنهم منكم، ويحسبون أن يمينهم ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس، ألا إنهم هم الكاذبون في ما ادعوه وحلفوا عليه.
استولى وغلب الشيطان على المنافقين حتى تركوا ذكر الله والإيمان به وإتباع رسوله ، أولئك أتباع الشيطان وجنده السائرون على منهجه، ألا إن أتباع الشيطان هم الخاسرون في الدنيا والآخرة .
إن الذين يشاقون الله ورسوله ويحاربون دين الله ويصدون الناس عنه ويعاندون الرسول بمخالفته وكراهة ما جاء به أولئك في المقهورين الأذلة المغلوبين الأشقياء في الدنيا وفي الآخرة بدخولهم نار جهنم قد خسئوا وأهينوا فيها.
حكَمَ الله وكَتبَ وقدّر في كتابه الأول (اللوح المحفوظ) : لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي فالنصرة لي ولكتابي ولرسولي وعبادي المؤمنين في الدنيا والآخرة ، فمن حاربني ورسلي فهو مهزومٌ مخذول، إن الله قوي لا يغالب ولا يمتنع عليه شيء، عزيز قد قهر كل شيء وذلّ له كل شيء.
لا تجد قوماً يؤمنون بالله الإيمان الصادق ويصدقون بيوم القيامة والجزاء والحساب ويرجون ما عند الله يجعلون محبتهم ومودتهم لمن حارب الله وشاقه وعادى رسوله، ولو كان هؤلاء المشاقون المحاربون آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أو أقرب قريب، أولئك الذين جعلوا ولائهم لله وعدائهم في الله ولا يُقدمون قريباً على ذلك كتب الله في قلوبهم الإيمان وثبته فيها وأيدهم الله بنصر منه وقواهم بحفظه وتوفيقه، ويدخلهم في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار فيها النعيم المقيم خالدين فيها أبداً، قد أحل الله عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً ورضوا عن الله بما وجدوا من الكرامة في تلك الدار.
أولئك أولياء الله الأتقياء الأبرياء فهم حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون بنيل كل مطلوب مما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين والنجاة من كل ما يخاف منه.
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم: إن المال والولد لا يغني عن العبد شيئا يوم القيامة إلا ما كان لله ومن ذلكـ :
* ما أخرجه المسلم من ماله صدقة لوجه الله فإن ذلك له ، ولا تُنقص الصدقة المال، كما في حديث أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله يقول: ( ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ) الحديث وفيه: (إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ) وفيه (وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ) الحديث رواه الترمذي وابن ماجة (صحيح) .
أخي المسلم ، استغل مالك وأنفق منه لوجه الله وكن بأفضل المنازل .رحمك الله ! *أيها المسلم: اعتن بتربية ولدك لتستفيد منه بعد موتك بالدعاء لك كما قال : (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ ) وذكر منها ( وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ ) رواه أحمد والترمذي والنسائي (صحيح) .
* أخي ، اجعل لك وقفاً من مالك صدقة جارية ، حتى لو كان وقفاً صغيراً على أعمال البر ، على تحفيظ القرآن الكريم مثلاً أو على اليتامى والمحتاجين أو على الأرامل الفقيرات أو على الدعوة إلى الله ، أو على عموم أعمال البر ؛ لقوله : (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ...الحديث)
فاحرص أخي الكريم على ذلك من الآن.
2- أيها المسلم ، لنحذر من الشيطان ، فما أكثر الذين استحوذ عليهم الشيطان ! كما نرى في أكثر العالم من صدهم عن دين الله من الكفار والمنافقين ، نحن المسلمين يسعى الشيطان لإغوائنا وإدخالنا في الذنوب والمعاصي، فلنحذر أيها العقلاء ! ومن الأمور التي يسعى إليها الشيطان وأريد أن نكون يقظين لذلك : أنه يسعى لننسى ذكر الله ، ( فيا أخي لا تنس ذكر الله ) فإن من نسي ذكر الله خُشي عليه من الشيطان الخناس ، ولنجعل ذكر الله على ألسنتنا وفي قلوبنا وجوارحنا عاملين بطاعة الله ومن ذلك :
أولاً : الذكر ، ومنه :
• أذكار الصباح والمساء.
• الأذكار التي بعد الصلوات.
• أذكار النوم.
• أذكار المجلس.
• ذكر الخروج من البيت ودخول البيت.
• ذكر الطعام والشراب والنوم مع الأهل.
بل ذكر الله في الطريق (الشارع) ،ذكر ركوب السيارة ، وذكر النزول، أذكار السفر ، أذكار اللباس ، وغير ذلك .
حافظ على أذكار الصباح والمساء ليحفظك الله من الشيطان.
ثانياً : الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، كما قال تعالى : وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف: 200] .
3- أخي المسلم :
س1: هل تريد أن تكون ممن كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات .. ؟
ج1: نعم أريد ذلك.
س2: فما هو المؤهل لذلك؟
ج2: المؤهل لذلك : أن تقدم محبة الله ورسوله وطاعة الله ورسوله على كل أحد ولا تُوالي أحداً ممن أعرض عن الله ورسوله ولو كان أقرب قريب إليك حتى لو كان أباً أو أخاً أو ابناً أو زوجةً أو قبيلةً أو صديقاً أو مسئولاً أو حاكماً أو غيرهم ، وقد قال : (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) رواه الشيخان .
س3: هل تحب أن يحبك الله ، وتكون من حزب الله المفلحين؟.
ج3: نعم أحب ذلك.
س4: ما هي بعض صفات حزب الله؟.
ج2: من صفاتهم أنهم أتقياء أخفياء ، وقد قال : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ ) رواه مسلم .