تفسير سورة الملك
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)
التفسير :
تعالى الله وتنزّه عن الشريك والولد والصاحبة ، وكثُر خيره ، وعمّت بركته جميع الخلائق .
هو الذي بيده ملك الدنيا والآخرة ، المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء ، لا معقب لحكمه ولا رادّ لقضائه ، ولا يُسأل عما يفعل ؛ لقهره وحكمته وعدله ، وهو على كل شيء قدير . فإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون .
الذي خلق الموت والحياة ، فأمات من شاء وكتب الموت على كل أحد ، وأحيا من العدم ؛ ليختبركم أيّكم أخلص عملاً وأصوبه .
وهو العزيز الذي لا يُغالب ، عزّ كلّ شيءٍ فقهره . واسع المغفرة لمن تاب إليه واستغفره .
الذي خلق سبع سموات ، طبقة فوق طبقة لا تماسّ بينهما ، وقد جمّلها للناظرين ما ترى فيها من اختلاف ولا تباين ولا نقص ولا عيب ولا خلل ، فأَعِدْ البصرَ وتأمل هل ترى في السماء من شقوق أو تصدع أو خروق ؟ إنك لن تجد ذلك ، وإنما تجد سقفاً محفوظاً جميلاً محُكماً . ثم أعِدْ النظر إلى السماء مرتين ( يعني أو أكثر ) يرجع إليك البصرُ ذليلاً صاغراً عن أن يرى عيباً أو خللاً ، فهو كليل مُتعب .
ولقد جمّلنا السماء القريبة بكواكب مضيئة منيرة ، وجعلناها شُهباً يُرمى بها الشياطين مُسترِقو السمع ، فتحرقهم في الدنيا ، وهيئنا للشياطين في الآخرة عذاب نار جهنم ، وساء المرجِع والعودة لهم إلى جهنم .
إذا أُلقي الكفار في نار جهنم سمعوا لها صوتاً مزعجاً ، وهي تغلي بهم غلياناً قد بلغ نهايته وشدة حرارته ، تكاد نار جهنم تتقطع من شدة غيظها وغضبها على الكفار ، كلما أُلقي فيها طائفة من الكفار ، سألهم الملائكة الموكَّلون بالنار وعذابها سؤال توبيخ : ألم يجئكم في الدنيا رسولٌ يُحذركم ويُخوّفكم عذاب الله ويأمركم بعبادة الله وحده لا شريك له وينهاكم عن الكفر بالله ؟ قال الكفار لخزنة جهنم : بلى قد جاءنا رسولٌ من الله فأنذَرَنا وخوَّفَنا عذاب جهنم وأمرنا بعبادة الله وحده دون سواه ، ونهانا عن الكفر بالله ، فكذّبنا الرسولَ الذي جاءنا وقلنا ما نزّل الله وحياً على أحد ، وقلنا للرسل : ما أنتم إلا في ضلال عن الطريق المستقيم وعن المنهج الصواب .
وقال الكفار مُقرِّين موبّخين أنفسهم : لو كنا نسمع سماع استجابة وقبول أو كانت لنا عقول نفكر بها ونفقه فقهاً سليماً فيما ينفع وما يضر ، ما كنا على ما كنا عليه من الكفر الذي استوجبنا به أن نكون من أهل نار جهنم الموقدة .
فاعترف الكفار بكفرهم الذي استحقوا به عذاب نار جهنم ، فبُعداً وهلاكاً لأصحاب نار جهنم الموقدة .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : إنما خلقنا الله وأعطانا هذه الحياة ثم يُميتنا بعدها للابتلاء والاختبار ، فمن الذي ينجح ومن الذي لا ينجح في هذا الاختبار ؟
وإنما النجاح بتحقيق بعض أمور :
( أ ) أن يكون عمل العبد خالصاً لوجه الله ولا شرك فيه ، كما قال في حديث أبي أمامة
إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ ) رواه النسائي .
وكما قال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) [البينة:5] .
( ب) وأن يكون صواباً على طريقة النبي ( المتابعة ) ، كما قال : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ ) رواه الشيخان .
إذا وقع خلل في الإخلاص وقع العبد في الشرك ، وإذا وقع خلل في المتابعة وقع في البدعة .
2- أخي المسلم : لنحرص على قراءة هذه السورة (( الملك )) فقد جاء في الحديث :
( أ ) أنها شفعت لرجل حتى غُفر له ، كما قال في حديث أبي هريرة : ( إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) رواه احمد والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة ( صحيح) .
(ب) وأنها أخرجت رجلاً من النار وأدخلته الجنة ، كما قال في حديث أبي هريرة : ( إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل فأخرجته من النار وأدخلته الجنة ) رواه الحاكم (حسن) .
(ج) إنها المانعة ، لقوله عن سورة تبارك : ( هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ) رواه الترمذي من حديث ابن عباس .
( د ) اقرأها قبل النوم ؛ لأنه في حديث جابر أن النبي : ( َكانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) رواه أحمد والترمذي والنسائي (صحيح) .
3- أخي المسلم : اخرج وانظر إلى السماء في الليل ؛ لترى الجمال والبهاء ، تنظر إلى السماء وما فيها من المصابيح التي قد أنارت ذلك السقف المرفوع المحفوظ بلا أعمدة ولا شقوق فيه ولا تصدع ، بل بناء محكم متماسك . سبحان من رفع هذا السقف وزيّنه وجمّله وكمّله ! وجعله آيةً على قدرته العظيمة .
وهكذا أخي تعودُ بنفسٍ قد امتلأت إيماناً وازدادت هدى ، بل وإن تيسر لك أن تنظر إلى السماء بالليل ثم تقوم فتصلي كما فعل النبي .
أخي افعل ولو مرةً واحدة ، بأن تنظر إلى السماء وتصلي من الليل . والله الموفق .
4- أيها العبد : أنا وأنت نقرأ في هذه السورة ما للكفار يوم القيامة من العذاب (نار جهنم) وهي تشهق وتفور وتكاد تتقطّع من الغضب . إذن قد فهمنا أن جهنم تُبغض من يعصي الله . وإن كانت المعاصي تتفاوت ، فالكفر هو أعظم الذنوب ؛ ولذلك فالكفار هم أشد عذاباً ، أما غيرهم من أصحاب الكبائر الذين ماتوا عليها ولم يتوبوا ومعهم أصل الإيمان ولم يشركوا بالله شيئا ، فإنّ منهم من تأكله النار إلا مواضع السجود ، وقد حرّم الله على النار أن تأكل مواضع السجود ، وقد دلّ على هذا سنة النبي .
لكن إذا وعينا هذا فعلينا أن نهرب من نار جهنم ! وأن نتجنّب المعاصي ؛ لأن أصحابها مُعرّضون للوعيد ، وأن نكثر من التوبة والاستغفار ، وسؤال الله الجنة والنجاة من النار ، وقد كان أكثر دعوة يدعو بها : ( اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) رواه الشيخان من حديث أنس .
5- أيها المسلم : لنستفد من أسماعنا وعقولنا ، فنفكر في نجاتنا من عذاب الله ، ولنستمع إلى كلام الله وكلام رسوله سماع فهم وقبول وعمل وتطبيق ، وليسأل أحدنا نفسه عندما يسمع موعظةً أو نصيحة : هل يُطبّق أم لا ؟
فما أكثر الذين أضاعوا أسماعهم وعقولهم ! .
واستمع الكفار يوم القيامة وهم يقولون : لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ وقد قال في حديث رجلٍ من الصحابة : ( لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ حَتَّى يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) رواه أبو داود وأحمد ( صحيح) .
الآيـــات
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)
التفسير :
إن الذين يخافون الله فيما بينهم وبينه إذا كانوا غائبين عن الناس ، فينكفُّون عن المعاصي ويطيعون الله ، حيث لا يراهم أحد إلا الله ، لهم مغفرة بأن يكفر الله ذنوبهم ، ولهم أجرٌ كبير بالثواب الجزيل الذي لا يقدر قدره إلا الله . وأسروا قولكم في ضمائركم أو اجهروا بقولكم علناً ، فذلك يستوي عند الله في أنه يعلمه ؛ لأنه يعلم ما تُكِنُّه الصدور
يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى .
ألا يعلم الله الخالق أقوال خلقه وأفعالهم ، وكل ما يتعلق بهم من جليل أو حقير في السموات والأرض ؟ بلى ! إنه يعلمهم فلا يخفى عليه شيء من خلقه ، وهو العالم بما دقَّ وخفيَ وغاب ، الخبير بعباده فلا يخفى عليه منهم شيء .
والله الذي جعل لكم الأرض مذلّلة مُسخّرة ، فِراشاً ممهّدةً ، ساكنةً لا تميد ولا تضطرب ، وهيّأ فيها من المنافع والزروع والمياه وغير ذلك ، فسافروا في أقطارها وتردّدوا في نواحيها وأقاليمها في أنواع المكاسب والتجارات ، وكلوا من رزق الله الذي أباحه لكم ، ولا تغترّوا بالدنيا فإنما هي بُلغة إلى الآخرة ، والمرجع إلى الله يوم القيامة وسيجازيكم على أعمالكم .
هل أمنتم _أيها العباد من الإنس والجن _ اللهَ الذي في العُلوّ ، أن يعذبكم بذنوبكم من تحتكم بأن يخسف بكم الأرض ؛ فإذا هي تتزلزل وتضطرب ، فيهلككم بذلك ؟ ولكن الله يحلم ويصفح ويُمهل ولا يُهمل .
أم هل أمنتم اللهَ الذي فوق السموات ، العالي على خلقه ، أن يعذبكم بمعاصيكم ، فيُرسل عليكم ريحاً عاصفةً ترميكم بالحصباء فتُهلككم ؟
فسوف تعرفون كيف إنذاري ، وعاقبة من تخلّف عنه وكذّب به ، أنَّهُ إلى هلاك .
ولقد كذّب الذين من قبل كفار مكة من الأمم السالفة والقرون الماضية ، كذبوا رسلهم ، فكيف كان إنكاري عليهم ؟ لقد أهلكتهم وأخذتهم أخذ عزيز مقتدر .
أولم يشاهدوا الطير وهي فوق رؤوسهم ؟ تطير في الهواء تبسط أجنحتها وتقبضها ، ما يُمسكهن في الجو من السقوط إلا الله الذي رحمها ورحم خلقه ، إنه بصير بما يُصلح كل شيء من خلقه بتقديره وهداه .
بل من هذا الذي هو جندٌ لكم يمنعكم من الله إذا أراد الله بكم سوءً ، فيدفعه عنكم ؟ إنه لا أحد يستطيع ذلك غير الله . وما الكافرون إلا في غرور أوقعهم الشيطان فيه ، وزيّن لهم ذلك .
بل من هذا الذي يرزقكم بالمطر والنبات وغير ذلك ، إن أمسك الله رزقه عنكم ؟ إنه لا أحد يرزقكم إلا الله . بل تمادى الكفار في معاندةٍ واستكبارٍ ونُفرةٍ عن قبول الحق ، فلا يسمعون له ولا يتبعونه .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : هل نخشى الله إذا كنا في الخلوة لا يرانا الناس ؟ إنّ من حصل على هذه المرتبة ، فخاف الله في خلوته ، وتجنّب معاصيه ، وأقبل على طاعته ، فله المغفرة والأجر الكبير .
ولذا يا أخي :
( أ ) إذا كان أحدنا وحده فليتفكّر أن الله مُطّلعٌ عليه ، عالمٌ بِسرِّه وعلانيته ، فليخضع بقلبه لِربه ، ولْيَبْكِ من خشية الله ؛ ليكون من السبعة الذين قال فيهم النبي : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ... الحديث وفيه : ( وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) رواه الشيخان .
(ب) إذا عَرَضت لأحدنا معصية وهو في الخلوة لا يراه أحدٌ من الناس ، فليقل : إني أخاف الله ، ولا يقع فيها . وفي حديث السبعة : ( وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) رواه الشيخان .
(ج) ليسأل أحدُنا ربَّه خشيته في الغيب والشهادة . وفي الحديث : ( وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ... الحديث ) رواه أحمد والنسائي (صحيح) .
(د) إذا قام أحدنا من الليل وحده ، صلى ما كتب الله له مما تيسر ، وذكر الله ، ومن ذلك ما ذكره في حديث أبي ذر قال : ( ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ وَثَلَاثَةٌ يَشْنَؤُهُمْ اللَّهُ ...الحديث ، وذكر منهم : ( وَالْقَوْمُ يُسَافِرُونَ فَيَطُولُ سُرَاهُمْ حَتَّى يُحِبُّوا أَنْ يَمَسُّوا الْأَرْضَ فَيَنْزِلُونَ فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَيُصَلِّي حَتَّى يُوقِظَهُمْ لِرَحِيلِهِمْ ) رواه أحمد والترمذي (صحيح) .
2- أخي المسلم : إن الله جعل الأرض مذلّلة ، وأمرنا ببذل الأسباب في طلب الرزق بالمشي في مناكبها بحثاً وراء الرزق الحلال من زراعة أو صناعة أو تجارة أو عمل ، فلا يليق بأحدنا أن يتكفف الناس بدون عذرٍ له في ذلك ، وإذا رأينا من يتكفّفون الناس ويسألونهم بدون عذر قلنا لهم : يقول الله : هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) ولا تحل المسألة إلا لثلاثة ، كما أخبر النبي : ( رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا ) رواه مسلم عن قبيصة بن المخارق .
فعلى الشباب وغيرهم أن يتحركوا في أرض الله لطلب الرزق من أي مصدرٍ حلال ، ويتوكلوا على الله ، ويفوِّضوا أمرهم إليه ، وقد قال في حديث عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما : (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) رواه الترمذي وأحمد والنسائي وابن ماجة ( صحيح) .
3- في قوله تعالى : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ دليل على صفة العلو لله ( علوّ الذات ) ، فنُثبت ذلك لله بلا تمثيل ، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] .
و ( في ) في الآية إما أن تكون على بابها ، فيكون المراد بالسماء في الآية ( العلوّ ) . وإن كانت بمعنى (على) فيكون المراد بالسماء ( السماوات ) ، كما قال تعالى عن فرعون : وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71] بمعنى : على جذوع النخل .
وقد دلّت السنة على أن الله في السماء ( في العلوّ) ، ففي حديث الجارية التي سألها النبي : ( أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ) رواه مسلم .
" فالله عالٍ على خلقه ، مستوٍ على عرشه ، على ما يليق به سبحانه " .
4- أيها الناس : لينظر أحدنا إلى الطير وهي تطير في الجو ، تبسط أجنحتها وتقبضها ، إن في ذلك لدلالة على قدرة الله العظيمة ، الذي حفظها من الوقوع و السقوط ، وجعلها مذللة في جوِّ السماء ، إن هذا الطير يسبِّح لله ، ويعبد الله سبحانه وتعالى ، خاضعاً متوكلاً على الله في طلب رزقه ، يهاجر إلى مناطق بعيدة ، في هذا العالم يغدو ويروح ، هل نأخذ درساً في توكلنا على الله في طلب الرزق من الله كما يرزق هذا الطير ؟ وهل عبدنا الله أنا وأنت ، متوكلين عليه ، مقبلين عليه ، مسبحين الله ، مكثرين من ذكره ؟ أسأل الله أن يوفقنا وإياك لذلك ! .
الآيـــات
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
التفسير :
مثلٌ ضربه الله للمؤمن والكافر في الضلال والهدى ، أفمن يمشي منحنياً مُكبّاً على وجهه لا يدري أين يسلك ، ولا كيف يذهب ، بل هو تائه حائر ضال ، هل هذا أهدى وأبصر أم من يمشي منتصب القامة على طريق واضح بيِّن ، وفي نفسه مستقيم ؟
قل – أيها الرسول – للكفار : الله وحده الذي ابتدأ خلقكم من العدم ، وخلق لكم السمع لتسمعوا به الأصوات ، والبصر لتروا به المرئيّات ، والقلوب للتدبّر والتفهّم والتفقّه ، فما أقل شكركم على هذه النعم وغيرها ! وقلّما تستعملون هذه القوى في طاعة الله وامتثال أوامره ، وترك نواهيه .
قل – أيها الرسول – للناس : الله الذي بثّكم ونشركم في أقطار الأرض ونواحيها ، وإليه ترجعون يوم القيامة ؛ ليُجازى كل عامل بعمله ، إنْ خيراً فخير وإن شراَ فشر .
ويقول الكفار مستبعدين للبعث منكرين له : متى يحصل هذا البعث الذي تعدونا أيها المسلمون إن كنتم صادقين فيما تقولونه لنا أنّه آتٍ وكائن ؟ قل -أيها الرسول- لهم : إنما علم وقت قيام الساعة عند الله ، لا يعلمه إلا هو ، ولا يعلمه غيره ، وإنما أنا محذّر ومُخوِّف ، بيّن النذارة لكم منه ، بين يديْ عذابٍ شديدٍ يوم القيامة .
فلما قامت القيامة ورآها الكفار ، ورأوا العذاب قريباً منهم ، تغيرت وجوه الكفار وعلاها السواد والكآبة ، والحزن والذلة ، والهوان والخزي ، وقيل لهم – تقريعاً وتوبيخاً – هذا الذي كنتم به تستعجلون من العذاب وقع بكم هذا اليوم .
قل - أيها الرسول – للكفار : أخبروني إن أماتني الله وأمات من معي من المؤمنين أو رحمنا فلم يهلكنا بعذابه ، فمن يُنقذ الكافرين ويمنعهم من عذابٍ أليم موجع ؟ إنه لا أحد يمنعهم من عذاب الله ، فهو واقعٌ بهم لا محالة .
قل – أيها الرسول – للكفار : إن الله هو الذي رحم عباده ، يدعوكم للإيمان به والدخول في رحمته التي للمؤمنين ، قد آمنّا به واتّبعنا رسوله ، وعلى الله توكلنا واعتمدنا دون سواه ، فستعلمون – أيها الكفار – من هو في ضلال واضح بيّن أنحن أم أنتم ؟
قل : أيها الكفار ، أخبروني إن أصبح ماؤكم غائراً في الأرض ولم تستطيعوا أن تنالوه ، فمن يأتيكم بماءٍ عذبٍ جارٍ على وجه الأرض ، فتشربون منه وتسقون وتزرعون ؟ إنه لا أحد غير الله يأتيكم به .
بعض الدروس من الآيات :
1- أخي المسلم : إنّ العبد كلما كان بعيداً عن الله ، منغمساً في معصية ربه ، كان عنده شيء من الانتكاس في حياته ، ولذا يا أخي ، لِنحذر من هذا السلوك ! وعلينا أن نصحّح وضعنا ؛ لسلوك طريق طاعة الله والتوبة إليه والّلجأ إليه ، وأما الكفار فعندهم الانتكاسة التامة ، وهم يوم القيامة منكوسون في مشيهم ، ولمّا سُئل رسول الله : كيف يُحشر الناس على وجوههم ؟ قال : ( إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ ) رواه أحمد والترمذي (صحيح) .
2- أيها المسلم : إن السمع والبصر التي آتانا الله هي نعم عظيمة ومنّة من الله ، ولسوف نُسأل عن تلك النعم ، فهل وضّفنا أسماعنا وأبصارنا فيما ينفعنا ، فاستعملناها في طلب العلم والهدى ، وفيما يُباح ، ولم نجعلها فيما حرم الله النظر إليه وحرّم استماعه ؟ وقد قال في حديث أبي هريرة : ( يُؤْتَى بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَمَالًا وَوَلَدًا وَسَخَّرْتُ لَكَ الْأَنْعَامَ وَالْحَرْثَ وَتَرَكْتُكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ مُلَاقِي يَوْمَكَ هَذَا قَالَ فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ لَهُ الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ) رواه الترمذي ( صحيح) .
استغل سمعك وبصرك من الآن فيما ينفعك عند الله في الدنيا والآخرة ، اقرأ القرآن ، اقرأ كتب العلم ، انظر في آيات الله واعتبر ، استفد من إذاعة القرآن الكريم ، ومن الشريط الإسلامي باستماع ذلك والاستفادة منه ، واستعذ أخي بالله من شر سمعك وبصرك ، ففي حديث شَكَل بن حميد قال : ( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي ... الحديث ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي (صحيح) .
3- أيها المسلم : هل استفدنا من قلوبنا بالعبرة والتذكر والاتعاظ ، والهمّ بالحسنات ، والفقه في العلم ( القرآن والسنة ) ؟ فما أكثر الذين سعوا في خراب قلوبهم بالشبهات والشهوات ! فيا أخي :
( أ ) علينا أن نعتني بقلوبنا بحضور مجالس العلم والفقه والوعظ ، وأن نتفهّم كلام الله وكلام رسوله ، وأن نعيه بتلك القلوب ، وأن نقف عند آيات الوعد والوعيد ، ونفكر في سيرنا إلى الله ، وما أعد الله لعباده المؤمنين وما أعد للعصاة ، فنسير في الطريق الصحيح المؤدي إلى ما يُرضي ربنا ، وعلينا البعد عن الشبهات وعن الشهوات فإنها تُمرض القلوب وتؤدي بها إلى العطب والهلاك .
(ب) لندْعُ الله أن يُثبّت قلوبنا على دينه ، وقد كان ( يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ) رواه أحمد والترمذي عن أنس .
( ج ) لنستعذ بالله من قلبٍ لا يخشع ، فإن النَّبِيَّ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ أَرْبَعٍ : ( مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ ) رواه مسلم وأصحاب السنن .
( د ) لنستعذ بالله من شر قلوبنا ، ففي حديث شَكَل بن حميد قال : ( أَتَيْتُ النَّبِيَّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ قَالَ فَأَخَذَ بِكَتِفِي فَقَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي ) رواه النسائي والترمذي (صحيح) .
( هـ) لنستعذ بالله من فتنة الصدر ، ففي حديث عمر : ( أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَفِتْنَةِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ ) رواه النسائي ( صحيح) .
( و ) لنسأل الله أن ينقي قلوبنا ، كما قال في حديث عائشة رضي الله عنها : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ . .. الحديث ) وفيه : ( وَنَقِّ قَلْبِي مِنْ الْخَطَايَا
كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ ) رواه الشيخان .
4- أخي المسلم : إن الماء الذي تشربه وتنتفع به ، إنما هو نعمة من الله الكريم ، فإن ذهب به ، فمن يأتينا به ؟ لا أحد غير الله .
أخي : فلنجعل هذه النعمة في ما يرضي ربنا ، ولا نعصي الله فيها ، ولننتبه إلى ما يلي :
( أ ) ترك الإسراف في الماء ، فإن الإسراف محرم ، كما قال تعالى : وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف : 31] .
ومن ذلك يا أخي : لا تسرف في ماء الوضوء ، فإن الكثير من الناس يفتح الصنبور فتحاً شديداً ، فيستهلك ماءً كثيراً جدا ً ، وهذا مخالف لهدي النبي في الوضوء ، فقد كان يتوضأ بالمُد ويغتسل بالصاع ، كيف وضوئي ووضوءك وغسلي وغسلك بكمية الماء ؟
وفي حديث ابن عباس : ( بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنَّةٍ وُضُوءًا يُقَلِّلُهُ فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ ) روه ابن ماجة وأصله في الصحيح .
( ب ) لنعلم أنّ من زاد في وضوءه على ما جاء عن رسول الله فهو مذموم ، وفي حديث عبد الله بن عمرو قال : ( جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ أَوْ تَعَدَّى أَوْ ظَلَمَ ) رواه أبو داود وابن ماجة ( صحيح) .
( ج ) في كل استعمالات الماء وغيره ، لنحذر من الإسراف , والله الموفق .