ابن الفرات Admin
الساعة : عدد المساهمات : 2577 نقاط : 6061 التقيم : 19 تاريخ الميلاد : 06/04/1984 تاريخ التسجيل : 03/04/2012 العمر : 40
| | الطريق الى دولة العصابة 15: العدو الحميم | |
الطريق الى دولة العصابة 15: العدو الحميمon 21 مارس, 2012 8:20 ص in الطريق الى دولة العصابة, توثيق تاريخي, مقالات / لا يوجد أي تعليق كل ما في نظام اﻷسد يدفعه للتشبه بٳسرائيل و التقرب منها. اﻷسد لم يخف في مرحلة نقاشاته غير المباشرة مع رئيس وزراء ٳسرائيل الراحل “ٳسحق رابين” ٳعجابه بالرجل وبدولته. كان هذا قبل اغتيال اﻷخير ودفن “كابوس السلام” الذي كان يهدد اﻷسد. نظام الأسد استوحى العديد من آليات عمله ومن بناه من الممارسة الصهيونية. على سبيل المثال لا الحصر نذكر تطييف الجيش و منع طائفة الأغلبية من احتلال مراكز حساسة في الجيش و الأمن، بناء مدن متكاملة و عشوائيات متجانسة طائفياً في قلب المراكز المدينية المهمة للنظام إضافة إلى ممارسة الخطاب المزدوج : الأسد يقاوم ويمانع كلاميا و ينبطح عملياً أمام العدو، كذلك إسرائيل تتشدق بالسلام وتقتل من العرب بدون حساب.بدأت خدمات اﻷسد للعدو الصهيوني كقصة حب من طرف واحد. اﻷسد لم يكن بحاجة للدعم من ٳسرائيل كي يقفز على السلطة، فقد رأينا في مقالة سابقة أن حافظ كان يمسك بزمام الأمور في دمشق منذ 1966 حين كلفه “صلاح جديد” بتأسيس الجيش العقائدي و”بعلونة” القوات المسلحة وتطهيرها من كل الشرفاء. لم يكن ﻹسرائيل اليد الطولى في وصول اﻷسد ٳلى سدة الحكم ولكن ارتقاء اﻷسد وعصابته وطائفته كان أمرا جيداً للغاية بالنسبة لدولة ٳسرائيل التي “تحسب لقدّام”.ٳسرائيل منذ نشأتها وهي تضع ذاكرة المحرقة في موضع القلب من سياساتها. ما يعيشه السوريون الآن من ذبح جماعي ومجازر دموية، وسط لا مبالاة وعدم اكتراث العالم، بما فيه الدول التي تدعي الديمقراطية ، عاشه اليهود في اوربا أثناء الحرب العالمية الثانية. كانت طائرات الحلفاء تمر يومياً فوق اوشفيتز وهي في طريقها لقصف ألمانيا النازية. كان يكفي الحلفاء ٳسقاط قنبلة واحدة على أفران الموت في هذا المعسكر الرهيب ﻹنقاذ حياة عشرات الآلاف من اليهود… هذه القنبلة لم تسقط أبداً رغم كل توسلات ممثلي الطائفة اليهودية و رغم سهولة المهمة. هذا برسم من يعتقد أن للعالم ضميراً وليس مصالح، اليهود تعلموا الدرس جيداً.ٳسرائيل رفضت على الدوام أن توكل أمر حماية وجودها وضمان مصالحها ﻷي كان من “الغوييم” (غير اليهود). هذا يفسر مسارعة ٳسرائيل لمقايضة خبرات علمائها من اليهود اﻷمريكيين في المجال الذري بمفاعل نووي فرنسي في ديمونا. تقاسمت فرنسا وٳسرائيل تقنية القنابل النووية منذ الخمسينات رغم عدم وجود أي تهديد جدي لوجود الدولة العبرية يبرر هذا التسلح.رفض ٳسرائيل في البداية ليد اﻷسد الممدودة ولرغبته في بناء تحالف استراتيجي معها لا تنبع ٳذا من رفض لخدمات اﻷسد ولا من استصغارها ﻷمر هذا اﻷخير ولكن القضية بالنسبة ﻹسرائيل هي أمر مبدئي. اﻷسد لم يفهم البرود اﻹسرائيلي تجاهه بعدما أهدى الجولان ﻹسرائيل فارغاً ودون قتال. اﻷسد انتظر عرفاناً بالجميل من قبل ٳسرائيل ولكن هذا العرفان لم يصل أبداً.قناعة اﻷسد بأن ٳسرائيل تستفيد من خدماته و” تستغله ” لصالحها في نفس الوقت الذي تحتقره ساهم في قناعته بضرورة ٳثبات كفاءته و التعامل مع ٳسرائيل كالند بالند. حرب تشرين التي أدارها اﻷسد بكفاءة معدومة و أبدى فيها من الرداءة العسكرية ما يندى له الجبين، أكدت بالنسبة ﻹسرائيل أن الرجل أفاق وانتهازي يمكن بيعه وشراؤه بأرخص اﻷسعار.احتار اﻹسرائيليون وقتها في فهم دوافع اﻷسد ومغامرته حين استمر في حرب استنزاف منخفضة الوتيرة مع أن السادات أوقف المعارك وترك اﻷسد وحيدا يلملم فشله العسكري في منتصف الطريق. فهم اﻹسرائيليون استراتيجية اﻷسد المراوغة حين هرع كيسنجر للمنطقة بغرض ٳنقاذ رأس اﻷسد الذي كان يواجه تهديداً ٳسرائيلياً جدياً ﻷول مرة منذ وصوله لللسلطة.أدرك اﻹسرائيليون وقتها أن اﻷسد عسكري فاشل و ليس رجل دولة بأي شكل من اﻷشكال، لكنه لاعب حبال فائق المهارة ومحتال لا يشق له غبار. هذا لا يعد “احتراما” من قبل ٳسرائيل للأسد ولكنه خطوة أولى. كيسنجر فرض على ٳسرائيل القبول باﻷسد كرجل المرحلة بل والتعامل معه بتساهل. اﻷسد انتهى ٳلى أن يفرض على ٳسرائيل المنتصرة عسكرياً واﻷقوى منه بمراحل، أن تعيد له جزءاً من الجولان يرفع عليه علمه ويتباهى بالتحرير بعدما كان على وشك أن يخسر رأسه !ٳسرائيل، كما سبق وذكرنا، “فشّت” خلقها بتدمير مدينة القنيطرة…في حزيران 1976 وحين اجتاحت القوات السورية لبنان “ﻹنقاذ” المسيحيين نظرياً ولسحق المقاومة الفلسطينية والقوى اليسارية اللبنانية عملياً، أدرك حكام ٳسرائيل كم كان “كيسنجر” بعيد النظر وثاقب البصيرة. اﻷسد أنقذ ٳسرائيل من ورطة كان مقدراً لها أن تكون مستنقعاً دموياً لها. فلبنان كان مخططاً له سوفييتياً أن يصبح بؤرة تجمع للفلسطينيين اللاجئين للانطلاق ٳلى فلسطين المحتلة على نمط حرب الفيتكونغ في فيتنام. كان المطلوب سوفييتياً كسر شوكة ٳسرائيل وأمريكا في الشرق اﻷوسط و”شرشحتهما” على النمط الذي جرى في جنوب شرق آسيا اعتماداً على “دعم” النظام اﻷسدي المعلن للمقاومة الفلسطينية. اﻷسد قلب كل هذه المعادلة رأساً على عقب.ٳسرائيل بدأت بعدها في الاعتراف بجميل اﻷسد وأطلقت يده في لبنان يفعل به ما يشاء، لكن وصول الليكود اليميني المتطرف ٳلى الحكم في ٳسرائيل عام 1977 غير في هذه المعادلة التي أرساها حزب العمل المؤسس لدولة ٳسرائيل.صقور الليكود، بيغين وشارون وثالثهم شامير كانوا يكنون احتقاراً عميقاً للأسد وعصابته. في عام 1978 انطلق جيش ٳسرائيل ٳلى ما وراء الحدود اللبنانية “لتأديب ” الفلسطينيين. اﻷسد تفادى الركلة اﻹسرائيلية والتزم حدوده وراء الليطاني و”يا دار ما دخلك شر”.من نتائج الدخول اﻹسرائيلي ٳلى لبنان عام 1978 هو أن اﻷسد تعلم أن لا مجال للثقة بٳسرائيل وأن اﻷخيرة لن تبالي لا به ولا بمصير نظامه ٳن تهددت مصالحها ولو بشكل طفيف. بدأ اﻷسد يتعلم أن التعامل مع ٳسرائيل العنصرية ليس كالتعامل مع أمريكا ولا حتى مع روسيا. اللعب مع ٳسرائيل يحتاج ٳلى حذر مضاعف وٳلى ٳبقاء كل الخيارات على الطاولة وعدم وضع كل البيض في سلة واحدة.من هنا أتى “الخيار الاستراتيجي” للأسد بالتقرب من السوفييت ومن العرب وببناء برنامج تسليح استراتيجي بالسلاح الكيماوي والبيولوجي. اندفاع السادات للتحالف مع اﻷمريكيين وللسلام مع ٳسرائيل حرم صاحبنا من أوراق ضغط ووسائل ابتزاز كانت ضرورية لاستمرار مغامرات الأسد.ٳسرائيل الليكود أدركت سريعاً أن اﻷسد ليس غبياً ٳلى الحد الذي يسمح لها بالتلاعب به كما تشاء وأدركت أنه “يلعب بذيله” على قول اﻷخوة المصريين. اﻷسد اكتشف “حسنات” المقاومة خاصة حين تجري عملياتها خارج مناطق نفوذه ويكون ضحاياها من أعداء اﻷسد أو من منافسيه. قوات الردع السورية تعامت عن ٳعادة تسليح المقاومة الفلسطينية ولكن بمقدار يتحكم به الأسد إضافة إلى السماح للقوى اليسارية اللبنانية بحمل السلاح.في نفس الوقت قام الأسد بتنويع وكلائه والمتعاملين معه في لبنان واستفاد من اشتداد عود أصدقائه الجدد في طهران الذين استطاعوا امتصاص اندفاعة الجيش العراقي الغازي قبل رد الهجوم الصدامي والانتقال إلى مرحلة تحرير أرضهم وتهديد الأراضي العراقية.في الفترة الممتدة ما بين 1978 و 1982 واجه الأسد أكبر التحديات لنظامه داخلياً وخارجياً معتمداً على أصدقائه السوفييت والأمريكيين. تغير الحكومة في إسرائيل في 1977 كان شيئاً لم يرتح له الأسد الذي يعشق الجمود والاستمرارية. مع ذلك، حافظ الإسرائيليون على علاقة “تفاهم” محدودة مع الأسد دون تعريض نظامه لخطر جدي، قد ينتهي بتعريض أمن إسرائيل ذاتها للخطر إن سقط نظام الأسد الذي يحمي حدودها الشمالية.إسرائيل كانت ممتعضة من “زعبرات” الأسد و من مماحكاته. الأسد دخل إلى لبنان بمهمة واضحة هي حماية إسرائيل من المخطط السوفييتي الفلسطيني و تحجيم الفلسطينيين ومنعهم من إبادة المسيحيين. لكن الأسد قلب الطاولة لصالحه وأصبح اللاعب الرئيس في لبنان والأهم هو أنه لم يحقق ما طلب منه في الموضوع الفلسطيني. الأسد حافظ على بعض القوة الفلسطينية لكي يستخدمها في ابتزاز اللبنانيين وفي الضغط على إسرائيل التي لم ترق لها هذه اللعبة.إسرائيل كانت قد قررت سحق المقاومة الفلسطينية و تأديب الأسد الذي تجاوز الحدود المسموحة له حين أدخل صواريخه إلى لبنان رغم انزعاج إسرائيل من الخطوة. إسرائيل ستعطي الأسد درساً في كيفية اجتثاث المقاومة الفلسطينية وسوف تحقق في ثلاثة أشهر ما لم يفعله الأسد في ست سنوات وستقضي على القوة الضاربة الفلسطينية في لبنان.ليست إسرائيل وحدها من لقن الأسد درساً، فالسوفييت من جهتهم لديهم حساب قديم مع “صديقهم” البعثي. الأسد كان يعتقد أن قواته في لبنان في مأمن من الطيران الإسرائيلي وتحميها مظلة من صواريخ أرض جو أدخلها الأسد غصباً إلى البقاع. الأسد “الشاطر والذكي” تعلم من دروس الماضي ولكن ليس بما يكفي، فالعالم كان قد تغير والصواريخ وحدها لا تكفي.قبل الغزو الإسرائيلي بقليل قام السوفييت بسحب طائراتهم من طراز توبوليف 126 “موس” والمكلفة بالحرب الالكترونية والتشويش وكانوا قد منعوا السوريين من نشر الرادارات الحديثة في لبنان…الأسد تفاجأ في 9 حزيران 1982 بسقوط طائراته مثل الذباب وبتدمير 19 من مواقع صواريخه بالكامل دون أن تتمكن من إسقاط طائرة إسرائيلية واحدة باستثناء بعض الطائرات دون طيار ! الطيارون السوريون الأبطال ما كان بمقدورهم فعل أي شيء. بدل أبراج المراقبة والرادار، كانت أجهزتهم تذيع أغاني فيروز وكانت صواريخ العدو تضربهم وهم عنها في عمى كامل.الأسد “الشاطر” ظن أن الحل يكمن في إرسال طائرات أكثر وكانت كلها تسقط الواحدة تلو الأخرى وهي تحاول مواجهة الطيران الإسرائيلي المتفوق وصد القوات الإسرائيلية التي كانت في طريقها لقطع طريق بيروت دمشق. صحيح أن أكثر الطيارين هم من الطائفة السنية ولكن الأسد كان في غنى عن هذه “البهدلة”. على الأرض اشتبكت القوات السورية مع القوات الإسرائيلية الغازية وخسرت عشرات المدرعات وهي تدافع عن لبنان، درة تاج العرش الأسدي. في غياب غطاء جوي، تم سحق القوات السورية المدافعة وفر الجنود السوريون مختبئين وسط السكان المدنيين. انجلى غبار المعارك عن تدمير الصواريخ السورية وإسقاط مائة طائرة سورية وتدمير عشرات المدرعات والدبابات. الأسد خرج يجر أذيال الهزيمة بعدما عجز عن حماية “مزرعته ” اللبنانية ومصدر رزق عصابته.السوفييت من جهتهم لقنوا الأسد درساً وهو الذي أشبعهم خيانة وتقلباً. الإسرائيليون وصلوا إلى ضواحي بيروت رغماً عن أنف الأسد وحرموه من مصدر رزقه الأكبر.حين تم الاتفاق على وقف إطلاق النار في 11 و 12 حزيران 1982 كان الأسد قد خسر “هيبته ” العسكرية على ضآلتها وكانت إسرائيل قد أذاقته ما كانت تتوق إليه منذ 1973 حين منعها كيسنجر من تأديب الأسد.نعلم جميعاً أن القصة لم تنته عند هذا الحد. الأسد الجريح والمهان سوف يستعيد المبادرة وسوف تسعى إسرائيل سريعاً لكسب رضاه، هذه المرة على أعلى المستويات. شارون سوف يلتقي في واشنطن مع رفعت الأسد في آب 1982 أكثر من مرة، بمبادرة من إدارة الرئيس ريغان “لإصلاح ذات البين ” بين طفلي أمريكا المدللين.سوف تكون هذه اللقاءات “فاتحة خير” للطرفين وستدشن عهداً من التعاون و التفاهمات المتجددة بين العدوين الحميمين.د.أحمد الشامي | |
|