ابن الفرات Admin
الساعة : عدد المساهمات : 2577 نقاط : 6061 التقيم : 19 تاريخ الميلاد : 06/04/1984 تاريخ التسجيل : 03/04/2012 العمر : 40
| | الطريق الى دولة العصابة 5: شريعة القتل | |
الطريق الى دولة العصابة 5: شريعة القتلon 9 يناير, 2012 11:19 م in الطريق الى دولة العصابة, توثيق تاريخي, مقالات / لا يوجد أي تعليق كيف تفعل عصابات المافيا حين تريد وضع يدها على منطقة ما ؟ علم الجريمة يعلّمنا أن زعيم العصابة يبدأ بتأسيس رأس جسر ثم بتجنيد اﻷتباع ممن يثق بهم، خاصة من أفراد عائلته و جماعته. بعدها يبدأ في زرع أعوانه في المراكز الحساسة و في جمع المعلومات عن كل من يمكن له أن يكون منافساً أو أن يعترض طريقه و يعرقل أعماله. هذه هي المرحلة اﻷكثر دقة في تطور المافيات، حيث تقل فرص النجاح أو تنعدم حين يصطدم المجرم بمنافسين أقوياء أو حين تعترض طريقه أجهزة أمن نزيهة. المنافسون يتم حل المشكلة معهم ٳما بدمجهم في البنية المافيوية الجديدة، أو يتم التخلص منهم ولو بتصفيتهم جسدياً ٳن هم عاندوا. أجهزة اﻷمن يتم شراء رؤسائها بالمال أو بتوريطهم في قضايا أخلاقية و تشويه سمعتهم لكي “يتعاونوا”. ٳن بقي هؤلاء مصرين على “ركوب رأسهم” يقوم المجرم بتصفيتهم هم أيضاً بطريقة لا تثير الشبهات حوله واﻷفضل هو “انتحارهم”. علم الجريمة يعلمنا أيضاً أن الجريمة الكاملة هي جريمة “تبدو” و “كأن” فاعلها معروف و دوافعها مفهومة. ستالين و هتلر ومثلهم كثر وجدوا في “انتحار” خصومهم حلاً لمشاكلهم. ستالين كان يقول : “فلان مشكلة ، لا مشكلة…”. هذا اﻷسلوب كان غريباً عن الممارسات السياسية التي عرفتها المنطقة قبل حافظ الأسد الذي أقام مافيا بحجم دولة، مافيا مبنية على تبادل المصالح اللامشروعة، تشريع القتل و تقنين النهب. بعدما تمكن حافظ اﻷسد من عزل اللواء “عزت جديد ” قائد اللواء 70 و التخلص منه “بالذوق” لم يبق قادراً على اعتراض، أو تعقيد، وصوله ٳلى السلطة سوى رئيس مكتب اﻷمن القومي والمسؤول عن أجهزة أمن ومخابرات البعث اليساري، العقيد “عبد الكريم الجندي “. الطريقة التي سيتخلص بها اﻷسد من هذا المنافس المشاغب ستتكرر على مدى أربعين عاماً مع بعض التنويع في التفاصيل. طريقة التنفيذ تحمل بصمات اﻷسد تماماً كالمجرم السيكوباتي (pervers) الذي يعتمد نفس الطريقة في ارتكاب جرائمه كل مرة. أسلوب اﻷسد في التخلص من خصومه يطابق ممارسات المافيات العريقة. من الممكن أن يكون العقيد الجندي قد تمكن، متأخراً، من فهم استراتيجية اﻷسد ومعرفة طموحات هذا اﻷخير وخطورتها على نظام “صلاح جديد” بل وعلى البلد، مما يجعل فرضية أن “عبد الكريم الجندي” أراد التخطيط لاغتيال “حافظ اﻷسد” منطقية. على كل حال، فالعقيد “الجندي” فشل في محاولته الحصول على الدعم من قبل جماعة “جديد” و”انتهى به اﻷمر ٳلى الانتحار بعدما رفض صلاح جديد فتح جبهة ضد حافظ اﻷسد” على حد زعم “باتريك سيل”. يتابع “سيل”: حين ذهب “الجندي” ٳلى “صلاح جديد” ومعه اﻷدلة على “تورط الرفيق حافظ في ممارسات غير ثورية” رفض هذا اﻷخير اﻹصغاء ٳليه و وضع حد لسلوك اﻷسد “المغاير ﻷهداف الثورة”. لماذا تعامى “صلاح جديد” عن الوقائع و احتفظ بوزير دفاع النكسة الخائب؟ التفسير اﻷول لتخاذل “جديد” هو أن الرجل ساذج و مغفل لم يفهم أن اﻷسد يعد العدة لكي “يتغدى به”. هذا الاحتمال ضعيف ﻷن “صلاح جديد” مثله مثل حافظ، متآمر من الطراز اﻷول و سبق له وأن خان زملاءه فليس معقولاً أن لا ينتبه لدلالات سلوك اﻷسد. اﻹحتمال الثاني هو أن “صلاح جديد” كان موافقاً ضمناً على كل ما كان يفعله اﻷسد من تركيز للسلطة في يده و من بناء الجيش على أساس طائفي و على ولاءات فئوية تحت اسم الجيش العقائدي المنوط به الدفاع عن النظام. هذا يعني أن “صلاح جديد” فسر سلوك العقيد “الجندي” على أنه احتجاج طائفي “اسماعيلي” على تمركز السلطة في أيد علوية بحتة. لنتذكر أن والد “صلاح جديد” كان من بين الموقعين على ذات الرسالة المطالبة بٳنشاء دولة علوية، خوفاً من “تسلط السنة المتعصبين، أعداء اﻷقليات بما فيها اليهود” مثله مثل رأس عائلة “الوحش” حينها، جد زميله ووزير دفاعه “حافظ اﻷسد”. في اعتقادنا أن “صلاح جديد” كان موافقاً عموماً على التوجه الطائفي للأسد، لكنه لم يتوقع أن يكون اﻷسد ملتزماً بمستقبله الشخصي أكثر من التزامه تجاه طائفته وتجاه نظام البعث. رواية العماد مصطفى طلاس عن كيفية “تحييد” العقيد الجندي تستأهل الدراسة لكونها تتوافق مع طروحاتنا حول اﻷسلوب اﻹجرامي المحض الذي اتبعه اﻷسد قبل وبعد وصوله ٳلى السلطة. يقول طلاس: بعد أن فشل العقيد “الجندي” في مسعاه للحصول على الدعم من قبل القيادة، تحصن في مكتبه بحي الروضة. حينها قام “رفعت اﻷسد” باصطياد سائقي سياراته واحداً تلو الآخر، حين يجيئون لتعبئة سياراتهم بالبنزين في كازية هيئة اﻷركان. تماماً كما تفعل العصابات حين تصطاد المنافسين ثم تجندهم أو تتخلص منهم. بعدها حاصر “رفعت اﻷسد” مكتب اﻷمن القومي في الروضة. لنلاحظ أن شقيق وزير دفاع الدولة، قائد “ميليشيا” مسلحة، يحاصر مكتب رئيس المخابرات ! أي دولة قانون هذه ؟ في النهاية، يطلب “باتريك سيل” من القارئ أن يصدق أن “عبد الكريم الجندي” الرجل النزق و المتهور انتحر لمجرد أن زعران رفعت اﻷسد حاصروا مكتبه ! بل أنه وجد الوقت والقدرة على كتابة رسالة انتحار مفصلة ! علماً أنه من النادر أن يترك المنتحرون وراءهم رسائل. على كل حال فقد “صادف” أن الطبيب اﻹيطالي الذي عاين الجثة عاد ٳلى بلده في الساعات التي تلت ٳعلان وفاة العقيد “الجندي”…. قبل وبعد انتحار العقيد، سرت بحقه كل الشائعات الممكنة، من اتهامه بالعجز الجنسي، ٳلى تأكيد أنه فاسد وعقيم، حتى زوجته “انتحرت” هي اﻷخرى فيما بعد “لكن حزناً على زوجها “. ربما وفق المبدأ اﻷساسي لكل قاتل “لا تترك وراءك أي شهود”. هل “انتحر” العقيد أم أن حافظ اﻷسد “انتحره” كما سينتحر من بعده الزعبي ثم غازي كنعان ؟ هذا ما لا نستطيع تأكيده لكن لنلاحظ أن أياً من الساسة العرب لم ينتحر باستثناء عبد الحكيم عامر بعد هزيمة حزيران. وحدهم خصوم اﻷسد السياسيون ينتحرون في أنسب الظروف للأسد ! اﻷسد لن يتوانى يوما عن اغتيال أي خصم سياسي محتمل حتى في المنفى، “محمد عمران” و “صلاح البيطار” وغيرهم كثر من الضحايا هم من سيعبدون طريق اﻷسد ٳلى السلطة. غياب “عبد الكريم الجندي ” عن الساحة ترك الباب مفتوحاً أمام اﻷسد للوصول ٳلى السلطة بسلاسة. يروي زائرو “نور الدين اﻷتاسي” رئيس الدولة حينها أنه كان يرسل ضيوفه الرسميين لمقابلة “حافظ اﻷسد” في وزارة الدفاع “ﻷنه من بيده اﻷمر”. و نقل عنه أنه قال حين وصله خبر وفاة “عبد الكريم الجندي” : “اليوم تيتمنا”. وصول اﻷسد ٳلى الرئاسة كان قد أصبح محسوماً، لم يفتح أحد أي تحقيق في موت رجل اﻷمن القوي حينها. دولة حافظ اﻷسد كانت قد ولدت و لا أحد كان يجرؤ حتى على السؤال. وصول اﻷسد ٳلى السلطة يختلف عن كل ما عرفته سوريا من انقلابات عسكرية قبله ولا يشبهه سوى صعود “صدام حسين” بعد ذلك ٳلى سدة الحكم في العراق بعد ٳبعاد نسيبه و عرابه “محمد حسن البكر”. قبل اﻷسد، ستالين ثم هتلر كانوا قد اتبعوا نفس الطرق القائمة على القتل و تصفية المزعجين. نظام اﻷسد له ٳذاً جذور مشتركة مع أشنع اﻷنظمة القمعية التي عرفتها اﻹنسانية. أي من هذه اﻷنظمة لم يزل دون التسبب بملايين الضحايا، حرب باردة و حروب ساخنة لا تعد كانت ضرورية للخلاص من الستالينية. التخلص من “هتلر” كلف البشرية أربعين مليون ضحية وآلاماً لا تنتهي. هذا برسم من يعتقد أن نظام اﻷسد قابل للٳصلاح وأن التفاوض معه قد يؤدي ٳلى نتيجة. مهارة اﻷسد و حذقه يكمنان في مزاوجته لعدة استراتيجيات في الوصول ٳلى السلطة والاحتفاظ بها فيما بعد و هو ماسيطبع نظامه ٳلى اليوم. اﻷسد تمكن من الموافقة بين استراتيجيات سياسية – مافيوية و حتى عسكرية في انسجام ملفت. سياسياً، عانق اﻷسد الخطاب الشعبوي و العقائدي لأخوته في الحزب، متبنياً خطابهم المتخشب ومعتمداً على الحزب و منظماته الشعبية في السيطرة على البلاد، بعد تفريغ الحزب من كل محتوى فكري. في نفس الوقت، تصرف كزعيم عصابة لا يرحم، مراكماً اﻷتباع الذين اشترى ولاءهم بالمناصب وبالمحسوبيات، تخلص من خصومه جسدياً بعدما شوه سمعتهم وقام بنفي آخرين، بعدما جردهم من كل سلطة و هيبة. استراتيجية اﻷسد العسكرية في الوصول ٳلى السلطة تستحق الدراسة. الرجل اعتمد طرائق أقرب ٳلى الغزو منها ٳلى القفز على السلطة. عادة كان العسكريون يقومون بتحريك قطعاتهم ٳلى العاصمة ليحاصروها، ثم يحتلون مبنى اﻹذاعة والتلفزيون ﻹصدار “البلاغ رقم واحد” قبل لملمة أزلام النظام البائد و سجنهم. اﻷسد من جهته بدأ بالسيطرة على رأس جسر في السلطة، هو وزارة الدفاع التي جعل منها دولته الخاصة، دولة داخل الدولة، لها جيشها وجهاز استخباراتها و ميزانيتها الخاصة. من هنا تأتي أهمية “النكسة” عام 1967 و الخوف من الغزو اﻹسرائيلي اللذان كانت نتيجتهما زيادة ميزانية وزارة الدفاع بشكل سرطاني. اﻷسد وظف هذه الموارد كلها في خدمة مشروع وصوله للسلطة وليس في خدمة الدفاع عن الوطن. بعد تثبيت مواقعه في وزارة الدفاع، انتقل الأسد ٳلى توسيع رأس الجسر هذا و الامتداد أفقياً و عمودياً على مساحة القطر السوري، والاتصال بكل فئات وطبقات الشعب السوري، خاصة منها المتضررة من تهور وسياسات أخوته من يساريي البعث بهدف ضمان ولاء الجميع له. أسلوب اﻷسد مشابه لما اتبعته الوكالة اليهودية في سطوها على فلسطين، حيث بدأت بزرع رؤوس جسر من المستوطنين، ثم قامت بتشكيل جيشها الخاص “الهاجانا” و أجهزة مخابراتها في ظل صمت و تواطؤ البريطانيين. تدريجيا قام الصهاينة بالتخلص من خصومهم و بزرع الفتنة بين أعدائهم و حين أتت الفرصة كان كل شيء جاهزاً لاغتصاب اﻷرض العربية في غفلة عن أصحاب الحقوق. في رأينا أن اﻷسد كان قادراً على الوصول للسلطة منذ عام 1966، لكنه انتظر نضوج الوضع لكي لا يفقد السلطة بنفس السرعة التي اغتصبها بها. اﻷسد لم يرد أن يكتفي باغتصاب السلطة في سوريا، اﻷسد كان يريد اغتصاب القطر السوري كله.د.أحمد الشامي | |
|