ابن الفرات Admin
الساعة : عدد المساهمات : 2577 نقاط : 6061 التقيم : 19 تاريخ الميلاد : 06/04/1984 تاريخ التسجيل : 03/04/2012 العمر : 40
| | الطريق الى دولة العصابة 2: الصعود ٳلى النكسة | |
الطريق الى دولة العصابة 2: الصعود ٳلى النكسةon 12 ديسمبر, 2011 11:47 م in الطريق الى دولة العصابة, توثيق تاريخي, مقالات / لا يوجد أي تعليق بدأت حياة اﻷسد السياسية بانتسابه ٳلى حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يستقطب أبناء اﻷقليات مما أدى لاعتباره “حزباً علوياً ” على حد وصف باتريك سيل كاتب السيرة الرسمية للأسد. من المستبعد أن يكون انتماء اﻷسد الحزبي هذا قد تم دون موافقة ضمنية من والده، فاﻷسد لم يكن يفعل شيئاً دون استشارة هذا اﻷخير. اﻷسد المراهق، مثل صدام حسين في نفس العمر، كان ذراعاً ضاربة للبعثيين لدرجة أثارت نقمة اﻷخوان المسلمين عليه. في عام 1948 تلقى اﻷسد طعنة في الظهر من قبل أحد المنتسبين للأخوان المسلمين بقصد قتله. يبدو أن للأسد من حينها ثأراً قديماً مع هذه الجماعة و حذراً مرضياً منها. اﻷسد، ذو العشرين عاماً، كان ينوي دراسة الطب في الجامعة اليسوعية ببيروت لكن ضيق ذات يد والده، وربما تفضيل هذا اﻷخير لطفله اﻷصغر “رفعت” منعا حافظ من التوجه لبيروت بغرض تقديم طلب انتسابه لهذه الجامعة. لماذا الجامعة اليسوعية وليس جامعة دمشق اﻷقرب وطنياً ؟ هذا ما لا يجيب عليه باتريك سيل. على كل حال، هذه الحادثة ستخلف لدى اﻷسد حقداً على مهنة الطب سوف يتجلى بعد سنوات حين قام اﻷسد بتفكيك هياكل النقابات الطبية و فتح باب كلية الطب واسعاً أمام أعداد كبيرة من طلبة الريف للالتحاق بها، بل و ٳرسال بعثات دراسية لكليات الطب في أوربا الشرقية ! مما نجم عنه زيادة هائلة في عدد اﻷطباء وتدهور الظروف المعيشية لهؤلاء بسبب أعدادهم الكبيرة، مما دفع الكثيرين منهم للهجرة. حين قبل اﻷسد على مضض التوجه للكلية الحربية حيث “سيتلقى راتباً و يتخرج بدخل محترم” كان يفعل كالعشرات من أبناء الريف المحرومين الذين وجدوا في الجيش مجالاً للترقي و العيش الكريم. منذ الاحتلال الفرنسي، شجع المستعمر أبناء اﻷقليات والمحرومين على الالتحاق بالجيش حيث أبلى هؤلاء بلاء حسناً و اندمجوا في هياكل الجيش المحتل لدرجة أن حوالي ثلاثة آلاف من هؤلاء العسكريين اختاروا ترك بلدهم والرحيل مع الفرنسيين للاستمرار في خدمتهم في جبهات أخرى، في الجزائر و فييتنام. حتى قيام الوحدة مع مصر، كان “الخط البياني للأسد و مستقبله في صعود ” بحسب باتريك سيل. لكن، حين قام عبد الناصر بحل اﻷحزاب في سوريا و بمنع الضباط من الاشتغال بالسياسة، بدأت أحلام اﻷسد الوردية بالتبخر. عبد الناصر أراد وحدة عربية على مقاسه و بشرط أن يكون في موقع القيادة. اﻷسد الذي عايش انهيار آمال الوحدة و شاهد بأم عينه كيف انتهى الحلم الوحدوي ٳلى كابوس القمع والفشل، أدرك أن كل ما كان يتداوله مثقفو البعث عن الوحدة و العروبة ما هو ٳلا أضغاث أحلام لن تصمد أمام امتحان الواقع. عقد حافظ العزم حينها على أن يتعلم من أخطاء عبد الناصر. أدرك صاحبنا أن “التشدق بالوحدة خير و أبقى من تحقيقها فعلاً” وأن بعض اﻷحلام من الأفضل لها أن تبقى أملاً صعب المنال من أن تتحقق على أرض الواقع. من حينها بدأ تعلق اﻷسد بالخطاب المزدوج و ٳتقانه ” للعُهر اللغوي ” على مبدأ “ليس مهما ما تفعله حقاً ، بل ما يظن الناس أنك تقوم بفعله ” وهو من أهم مبادئ التحكم بالعقول و التلاعب بأذهان الناس. حافظ تعلم شيئاً آخر من أخطاء عبد الناصر الذي ألغى الحياة السياسية في مصر و خاصة في الجيش. هذا الٳلغاء لكل عمل سياسي علني، أفسح المجال أمام حافظ و شركائه للعمل في السر من أجل تشكيل “اللجنة العسكرية” وهي خلية تآمرية مكونة من خمسة شركاء، كلهم من أبناء اﻷقليات، ثلاثة منهم علويون واسماعيليان. العجيب أن اﻷسد العروبي القومي و العلماني، لم يجد سوى أبناء أقليات دينية لكي يشاركوه في أحلامه القومية و العروبية ثم في الوصول ٳلى السلطة والتشبث بها. تجربة اﻷسد المؤلمة في مصر الناصرية دفعته لدراسة كيفية تسييس الجيش السوري المقبل ٳلى درجة يتحول معها من مؤسسة هدفها الدفاع عن الوطن ٳلى هيئة ايديولوجية غايتها حماية النظام السياسي وٳدامة نمط معين من الحكم. عبد الناصر سار على نهج “محمد علي” و أراد تحقيق فصل تام بين الجيش المدافع عن الوطن و السياسة، فكانت النتيجة انهيار الوحدة و تآمر الضباط الانفصاليين عليه. اﻷسد تبنى مقاربة مختلفة وأراد بناء الجيش العقائدي على نمط مغاير تماماً للجيش الوطني، وهو ما نرى نتائجه اليوم، حين تتماهى ممارسات الجيش السوري العقائدي، جيش اﻷسد، مع ممارسات جيوش الاحتلال في أشكالها اﻷكثر دموية. لم يأت اﻷسد فعلياً بجديد، فهو اكتفى بتقليد “ماو تسي تونغ” في السياسة التي اعتمدها للوصول ٳلى السلطة وللمحافظة عليها في الصين الشعبية، هذه السياسة التي انتهت ٳلى كارثة الثورة الثقافية في الستينات في الصين وٳلى مذابح بول بوت في كمبوديا في أواخر السبعينات. هذه السياسة الكارثية ذاتها لا تزال متبعة في كوريا الشمالية و في كوبا. فصل آخر من سياسة “ماو تسي تونغ ” يبدو أنه أعجب اﻷسد المولع بقراءته ، وهي سياسة “النخر من الداخل” Entrisme : في هذه السياسة يقوم الثائر (أو المندس) بالالتحاق بخصومه السياسيين، متظاهراً بالوفاء لهم وبالٳخلاص لعقيدتهم بل وبالتفاني في خدمة هذه العقيدة، مع محاولة تخريبها من الداخل. حين تدق ساعة العمل، يكشف الثائر (أو الخائن، سمّه ما شئت) عن وجهه الحقيقي و يوجه الضربة القاضية لعدوه. حافظ اﻷسد كان قارئا نهماً ومحباً للعمل، جدياً و ملتزماً بنظام صارم في حياته المهنية و الشخصية، هذه الصفات التي أوصلته للنجاح حيث فشل آخرون، هي نفسها ما سوف يفتقده خليفته المقبل وهذا ما سيجعل “بشار اﻷسد” يستسهل السلطة والقيادة التي ورثها وهو ما سوف يكون سبب وقوعه في الخطأ تلو الآخر. قدرات اﻷسد التنظيمية ، دقته ومهنيته ، ثقافته السياسية و ” زهده ” الظاهري في السلطة ، هذه كلها دفعت صلاح جديد لارتكاب خطأ قاتل ، حين كلف صلاح جديد زميله و بيت سره اﻷسد بٳعداد الجيش السوري عقائدياً، بعدما أوكل ٳليه قيادة سلاح الجو السوري ووزارة الدفاع. أصبح الطريق ممهداً أمام اﻷسد للقفز قريباً على السلطة. لكن اﻷسد الحذر فضل انتظار الظروف المناسبة لكي لا يكون مجرد ضابط جديد يستولي على السلطة في غفلة من زملائه، قبل أن يقوم آخرون من أمثاله بطرده منها. في تلك الفترة، زار اﻷسد بريطانيا “بحجة المعالجة “. بٳمكاننا أن نفترض أن وزير الدولة البريطاني الذي قابله أراد أن يعرف أي صنف من الرجال هو اﻷسد، هذا النجم الصاعد في سماء السياسة السورية المتقلبة. لا بد أن المقابلة قد أثلجت صدر الوزير البريطاني ، بدليل أن الغرب سوف يبارك صعود اﻷسد المقبل ٳلى سدة الحكم في دمشق وسيبقى متعلقاً به حتى بعد مماته. مع ربيع العام 1967، اﻷسد قائد سلاح الجو السوري ووزير دفاع البعث، المنوط به حماية البلاد من العدو الصهيوني، كان مشغولاً بتحويل الجيش السوري ٳلى جيش عقائدي لحراسة نظام البعث اﻷقلوي في دمشق، ضد كل اﻷخطار سوى تلك القادمة من الجنوب، من كيان العدوان الصهيوني الذي بني الجيش السوري لمواجهته. هل كان لدى اﻷسد المشغول بأعدائه الداخليين و منافسيه ما يكفي من الوقت ليدرك أن الكيان الصهيوني قد تجاوز مرحلة بناء الدولة ووصل ٳلى درجة من القوة تسمح له بفرض ٳرادته على محيطه ؟ رئيس وزراء ٳسرائيل حينها، ليفي اشكول، وجد نفسه محاطاً بجنرالات من الصقور على رأس جيش قوي و منظم. ٳسرائيل كانت قد أصبحت قوة ٳقليمية عظمى قادرة على الصمود أمام ضغوطات الدول الكبرى، مع مشروع نووي شبه مكتمل. إسرائيل العالمة ببواطن اﻷمور في دمشق كانت تعرف كيف تستدرج هذا النظام المتهور و فاقد الكفاءة ٳلى حيث تريد و تشتهي، فأدخلته في مناوشات عسكرية خاسرة حين أصبح الوضع مؤاتياً لها. نظام البعث اليساري المتطرف في دمشق أطلق فوراً صرخات الاستغاثة باتجاه حليفه الناصري بعدما أذاع الروس أن ٳسرائيل تنوي مهاجمة سوريا. هكذا قام النظام الغوغائي في دمشق بما كان متوقعاً منه وهو توريط عبد الناصر في حرب لم يكن يريدها و سيخسرها. اﻷسد الحصيف والحذر، العالم بميزان القوى وبأهمية سلاح الجو في أي معرك صرّح أنه : لم يكن يتوقع أن ٳسرائيل، التي ما فتئ جنوده يتحرشون بها في مناوشات عديمة اﻷهمية الإستراتيجية، قد تهاجم العرب ! هل كان اﻷسد عديم الكفاءة ، جاهلاً ، أم أنه كان يتجاهل ؟ في اعتقادنا أن اﻷسد كان متيقناً من أن ٳسرائيل سيكون لها قصب السبق في أي صراع مقبل مع العرب، لكنه ككل “زعيم عصابة مقبل” يحترم نفسه أراد أن يحجز لنفسه مكاناً في الانتصار اﻹسرائيلي المقبل عبر تسهيل هذا الانتصار ثم الانتظار و قطف المكاسب. هكذا، أكّد الرفيق “حافظ اﻷسد ” للقيادة البعثية أن الجيش السوري “جاهز لكل الاحتمالات و مستعد للذود عن الوطن ” رغم علمه المسبق بضعف امكانات جيشه و بعدم جاهزيته ﻷي مهمة. شارك اﻷسد هكذا بشكل عملي في توريط عبد الناصر وأصدقائه البعثيين في حرب خاسرة سلفاً و دون أي هدف. في نفس الوقت ، كان ينسج شبكات الولاء التي سوف تتولى قطف ثمار الانتصار اﻹسرائيلي المقبل. كيف سيحول اﻷسد الهزيمة النكراء التي يتوقعها ٳلى مجرد “نكسة ” سوف تسهم في تعبيد طريقه ٳلى قمة السلطة في دمشق ؟ هذا ما سنحاول رؤيته في المقالات المقبلة.د.أحمد الشامي | |
|