محمد ابن الفرات ديري مشارك
الساعة : عدد المساهمات : 30 نقاط : 90 التقيم : 0 تاريخ الميلاد : 17/10/1991 تاريخ التسجيل : 25/04/2012 العمر : 33
| موضوع: خرافات وأقاويل فراتية ما من أمة من أمم الأرض الجمعة أبريل 27, 2012 3:22 pm | |
| خرافات وأقاويل فراتية
ما من أمة من أمم الأرض ، ولا شعب من شعوبه إلا ولهم من التقاليد والخرافات ما يمتازون بها عن غيرهم . وإن أرقى شعوب الأرض اليوم لا تزال على ذلك ، يتوارثونه كابراً عن كابر رغم تقدمهم العلم الباهر ، ورغم وصول إنسانهم إلى عالم الفضاء والأفلاك . فالهند بلد الأساطير والخرافات ، لا تزال تعتقد بإلوهية البقرة وقدسية نهر الغانج . والصين واليابان لا تقلان عن الهند بذلك ، أما أوربا فقد كانت تغرق في العصور الوسطى بالعقائد الباطلة ، والتقاليد البالية ، ومقاومة العلم ، والفكر النير ، والتقدم الحضاري الذي أدخله عليهم العرب عن طريق الأندلس . وفي فرنسا – باريس بالذات – كان المشرف على دفن الموتى يعض خنصر الميت اليسرى قبيل دفنه رجاء وجود حياة فيه فينهض وخشية أن يكون قلبه قد توقف لسبب ، وهو ما نسميه في عصرنا بالسكتة القلبية . والعرب كغيرهم من الشعوب لهم حظهم من تلك الخرافات والتقاليد ورغم أن الإسلام نهى عنها إلى أن بعض الجاهلين لا يزالون يعملون بها . كانوا يزجون الطير فإذا طارت متيامنة تفاءلوا وإن تياسرت تشاءموا ، ويضربون بالحصى ليعرفوا طالعهم أسعيد أم شقي ، وهو ما يزال لدى الغجر والقرباط ويعرف ( بالودع والخظرم ) أو يستقسمون بالأزلام ( القداح ) . مما جعل الشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة رغم كونه في مجتمع جاهلي متوارث للتقاليد البالية يسخر من ذلك ، ويوجه لتلك الخرافات النقد اللاذع ، والتشهير على ملأ من الناس :
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى
ولا زاجرات الطير ماالله صانع
وكان العرب يعتقدون أن لكل شاعر شيطاناً يوجهه ويسلطه على من يشاء ، حتى راح بعضهم يضمن شعره أسم شيطانه ، ورأينا ذلك حتى عند بعض شعرائنا المحدثين رغم تحررهم الفكري والعقلي ، أقصد بذلك الشاعر محمد الفراتي رحمه الله ، الذي ذكر شيطانه ( ملحوب ) في إحدى قصائده ورمز له في أكثر من قصيدة . ورغم ورود ( ملحوب ) في شعر الفراتي إلا أنني أعتقد إن الفراتي رحمه الله ذكره من باب الاستئناس بمن سبقه من شعراء . ومن باب الاقتداء بهوية الشاعر الجاهلي وعطائه ، وخاصة أن الفراتي قد كتب ( الساحر ) تلك القصة الرمزية الجملية التي صور فيها الطمع الإنساني أجمل تصوير . لقد تضافرت رواسب الحضارات القديمة التي عاشت على ضفاف الفرات أو مرت بها على الإنسان الفراتي ، فكانت خرافات تعشش في فكره ، وتسيطر بابلية ، حثية ، فينيقية ، يونانية ، تدمرية – إلى جانب العقائد العربية الجاهلية تركت بصمات واضحة في وادي الفرات . حتى أن عبادة النار لدى المجوس سرت إلى أبناء الفرات ، وتقديم الطعام للموتى لدى الفراعنة في قبورهم ليأكلوه عند قيامهم وذلك لاعتقادهم البعث ، سرى عند الفراتيين بإيقاد الشموع في المقابر وعلى جانب القبر ، أو وضع الأطعمة والنقود على القبر مباشرة ، أو في كوة خاصة في جانب القبر ، وإن كان بعضهم نزعم أن ذلك لنيل الأجر والثواب .
وهناك مجموعة كبيرة من الخرافات الشائعة بين الفراتيين ، والديريين منهم خاصة ، تعدادها كلها وتناولها بالشرح يطول جداً ، لذا نذكر بعضها وما نراه هاماً منها :
الحنافيش : الحنافيش جمع حنفيش وهي الأفعى الكبيرة والعامة تسمي ذكرها الحنش ، لكن الفراتيين – الديريين – لا يقصدون بها الأفعى ، بل يقصدون بها نماذج خاصة من الجن تقوم بأدوار عديدة كالوقوف في زوايا الطرق ليلا ً، أو السكن في البيوت الخربة ، أو التصدي لعابري السبيل في البراري أو حتى في المدينة بأشكال مخيفة ، وأحجام مختلفة ، وهذه دخيلة على المنطقة جاءت أصولها من الهند وترعرعت في المنطقة لانتشار الجهل والتخلف الفكري ، وقد ذكر الأستاذ توفيق قنبر أنها من الأساطير التي ترجع إلى الأصول الهندية المأخوذة من ( الفيدات ) والمجزأة في أسفار متعددة كتبت بعد التدوين ،منها ( البنيا كاتا نتر ) أي ( الكتب الخمسة ) و ( البريهات – كاتا ) أي القصة العظيمة المنسوبة لمؤلف أسطوري يدعى ( كونادي ) وكذلك ما جاء في مؤلفات ( سوما ديفا ) المسماة أوقيانوس نهر الحكايات وحكايات الخفاش الخمس والعشرون إلى غير ذلك من الحكايات التي غزت الفرات الأوسط بل العالم القديم بأسره في كل العصور ، بالإضافة إلى الملحمة الهندية الكبرى – المها بهارتا - . السعلوية : يقولون إنها من شرار الجن وأن جسمها متغير فتارتاً يصفونها أشبه بوصف الشمبانزي لكن حجمه أكبر من الجمل ولها طويل وعيون كبيرة وأنياب طويلة مدببة ، وأنها تظهر ليلاً في الأزقة أو تقف على الطرق في القرى أو تظهر للفلاحين في مزارعهم أو في بيوتهم البالية ، ويقولون إن هذا البيت مسكون يريدون به الجن الذي يظهر ليلاً فيخيف الصغار والكبار ، كما يطلقون عليها لفظ ( البعبع ) وهو لفظ فرعوني قديم يشير إلى نفس المعنى ، بحيث لو أن شخصاً قال للآخر على حين غارة ( بع ) فقد أخافه وأفقده صوابه كما تفقده السعلوية أو البعبع ذلك . والسعلوية – السعلاة – كان العرب يخافونها ويذكرونها في أشعارهم وأسمارهم . الرحمانيات : طائفة من الجن تمتاز بالهدوء والإنس بالإنسان مفردها ( رحمانية ) لا تؤذي من تظهر له،بل تعينه وتغيثه وقد نسج الديريون حولها حكايات طويلة وطرائف كثيرة لتواترها يكاد العقل يصدقها، وطبعا لاينكر عاقل عالم الملائكة والجن، لكن هذه النوعية من التصرفات والحوادث مما يبهر العقل ويأخذ بالألباب . فيقولون: ظهرت الرحمانية لفلانة وساعدتها بفتل الشعيرية أو بتنسيف البرغل أو جرش الشعير بالرحى ، أو ظهرت لفلانة وقامت بدور القابلة حيث قطعت سر الطفل وغسلته وقمطته وما تركته حتى نام ثم غادر المنزل حين حضور الناس ، أو ندفت الرحمانية القطن مع فلانة . وجلبت لفلانة السمن والذهب والطعام ، أو ساعدت ربة البيت في غسيل الثياب ونشرها على الحبل وكنس الدار وإلقاء القمامة بالشارع والدليل على ذلك أنهم وجدوا رتاج الباب في الصباح مفتوحاً بعد خروج الرحمانية !!! وهناك حكاية خرافية متوارطة ولكنها طريفة كان الناس يتداولونها في مسامراتهم ودواوينهم ومجالسهم .تقول خرافة :إن امرأة ملك الجن قد حملت من زوجها وأنها اعتادت على ولادة البنات فجاء وفد من الرحمانيات إلى القابلة ( السرارة ) ( حدوة ) في ديار العتيق ليلاً وطرقوا الباب فلما خرجت طلبوا منها أن تذهب معهن إلى
امرأة في المخاض ، فلبست حدوة ثيابها وسارت معهن حتى خرجت من دير العتيق والبيوت إلى البرية فلما سألتهن عن المكان قلن لها أنه هناك بالقرب من ( منطقة القبر ) مقابل المنطقة الصناعية الآن . فلما وصلن إلى المكان رفعت إحداهن قطعة من حجر تسمى ( طباقة ) وإذا بدرج ينزل إلى داخل الأرض ، فنزلت حدوة ونزلت الرحمانيات بعد أن أخبرتها عن أنفسهن وعن زوجة ملك الجن . فلما وصلت إلى غرفة المرأة قلن لها : إذا أولدت أمرأة الملك ولداً فسوف ( نغنيكي كما غنى موسى ربه ) ونعطيك مالاً وذهباً كما تريدين ، وإذا أولدتها أنثى فسوف نقطعك قطعاً لا تكونين أكثر من علكة في فم كل واحدة منا . وطمأنتهن حدوة أنها ستلد ولداً ذكراً ، وطلبت منهن الخروج خارج غرفة الولادة لتقوم بالعمل لوحدها ، فلما ولدت كانت أنثى فقامت حدوة بقطع خنصرها ثم وضعت هذا الخنصر على رحم الطفلة وأرته لزوجة ملك الجن التي كانت في حالة تعب وألم وعدم اكتراث وقالت لها : أبشرك أنه ولد ذكر انظري إليه ، ثم قامت بلف الطفلة بالقماش وربطها في القماط ثم قالت للمبشرات أخبرن الملك بالغلام ، فانطلقن ليخبرنه فبدأ الفرح والغناء ، وعقدت حلقات الرقص والدبك والغناء ، وكانت حدوة تسمع كل ذلك وتراه ابتهاجا ًبالمولود الجديد لملك الجن . ثم قالت لهن :أوصلنني إلى بيتي في دير العتيق وسأحضر بعد ثلاثة أيام لغسله ، فقلن لها : سنعطيك ما تشاءين عند انقطاع سرته . وأوصلنها إلى بيتها في آخر الليل . عند ذلك كشفت حدوى كل ما شاهدته لجارتها في اليوم الثاني وقررت أن لا تذهب إلى أمرأة لتوليدها ليلاً ، حتى لا تتكرر لها مأساتها مع الجن الرحمانيات . وبعد ثلاثة أيام لم تحضر حدوة إلى الطفل لتغسله وتنظيفه ، ولم ينقطع بكاءه ، فاضطرت الرحمانيات إلى تحليله وفك قماطه فشاهدن أصبعه المقطوع وأتضح لهن أن الوليد أنثى وليس ذكراً ، فجئن إليها يطرقن بابها يشتمنها بأقذع الشتائم والسباب ويعملن ( معادة ) أمام بيتها ويذكرنها بالقصائد والبكاء استفزازاً لشعورها ورجاء خروجها إليهن لكن حدوة لم تخرج إليهن . وبقين أياما ًيأتين ليلاً إليها يطرقن الباب قائلات : يا حدوة اذهبي معنا لتوليد فلان بنت فلان ويذكرن لها أسماء جيرانها وأقاربها ، لكن حدوة لم تفتح الباب ليلاً لأحد حتى ماتت .
تلك الخرافة كان الناس يتناقلونها ، والسواد الأعظم من الناس كان يصدقها .
الشاعر الفراتي خالد عبد الجبار الفرج | |
|