13 نيسان وفرادة الثورة السورية
الخميس ١٢ أبريل ٢٠١٢
يستدعي إحياء ذكرى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في مثل هذا اليوم قبل 37 سنة في 13 نيسان (إبريل) 1975، الخواطر والمحطات والمقارنات مع هذه الأيام وأولها المآسي التي تخلفها الحروب الأهلية وتغذيها وتظللها وتبررها الشعارات الكبرى التي تدّعي مواجهة الصهيونية وإسرائيل وأميركا والحفاظ على السيادة ومحاربة الغرباء.
تتكرر الذكرى في لبنان ولم يُشفَ اللبنانيون من فظاعات تلك الحرب. وابرز هذه الفظاعات، إضافة الى آثارها على الاقتصاد وما فرضته من خسائر لإعادة الإعمار وعودة المهجرين وتراجع القيم الاجتماعية ومستوى المعيشة، استمرار قضية المفقودين بلا حلول أو معالجات، ما يضع شكوكاً حول مدى قدرة مجتمع متناحر المكونات على أخذ العبر، على رغم أن قطاعات واسعة من الشعب ومن الطوائف والقيادات بلغت مرحلة «التوبة» من تكرار التجربة، وأخذت تعي أن الانزلاق الى نزاع أهلي يتم بسهولة إذا انساق المرء وراء الشعارات الكبرى التي تغلف تناقض الخيارات السياسية وتعطيها أبعاداً كونية وتغذيها ادعاءات واهمة.
لكن للذكرى هذه السنة في لبنان أبعاداً أخرى وثيقة الصلة بتصاعد الأزمة السورية والمواقف الخارجية المحيطة بها. وإذا كانت الخشية هي من أن تتكرر الحرب الأهلية في سورية، التي ينقسم الناس بين اعتبارها واقعة لا محالة وبين القول إنها ثورة على النظام المستبد، فلأن الحروب الأهلية تبدأ تحت الشعارات الكبرى التي تبررها بهدف إنكار الانسياق إليها، لكن الأمر ينتهي بوصفها حرباً أهلية وبالإقرار بأنها كانت كذلك. يختلف لبنان عن سورية بأن من هم في السلطة في دمشق هم الذين يقودونها الى الحرب الأهلية، بينما في لبنان تلاقت إرادات من لهم اليد الطولى في السلطة مع أولئك الذين يطمحون الى دور أكبر فيها.
وليس صدفة أن النظام نفسه في سورية، كان طرفاً في حرب لبنان الأهلية، وكان شريكاً أساسياً فيها (والبعض يرى أنه كان مفتعلها الأوّل مع دول أخرى). أي أنه سبق أن «تمرّن» على افتعال حرب أهلية ويعرف كيف تدار مع إنكار تورطه فيها، الى درجة تصوير نفسه المنقذ منها. إنه يكرر اللعبة نفسها، مع اختلاف الساحة واللاعبين والرقعة الجغرافية ومدى اتساعها. في الحرب الأهلية يستولد الطرف الأقدر على استخدام العنف خصمه عبر المزيد من العنف الأعمى والوحشي ويجبره على المنازلة وفقاً لمقاييسه هو فيجبره على التسلح وممارسة العنف المضاد في حلقة مفرغة لا نهاية لديناميتها.
وفي الحرب الأهلية يموت الناس بنيران يفترض أنها «صديقة»، كما حصل مع الشهيد المصور من محطة «الجديد» قبل أيام علي شعبان الذي قضى برصاص الجيش السوري، تماماً كما كان يحصل بين أبناء الطائفة أو الجهة الواحدة في حرب لبنان، بعدما كان يفيض جنون مواجهة الخصم عن طاقته فيفتك بالأبرياء بلا رحمة.
تستهلك الحروب الأهلية الوساطات والمبادرات والمبعوثين العاملين على وقفها كما حصل مع الوسطاء العرب الكثيرين منذ بداية الأزمة السورية الذين سعوا الى التوسط من أجل الإصلاحات في سورية (القطريون، الأتراك والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي) تماماً كما حصل مع الفرنسيين والفاتيكان واللجان العربية الرباعية والسداسية... وحسن صبري الخولي في الحرب اللبنانية.
وحين تجد الدول الكبرى والقوى الخارجية أن لا بدائل لديها عن مبادرة تموت، تجد طريقة في التمديد لهذه المبادرة واختراع آمال في إمكان إحيائها وإنجاحها تمهيداً لظروف تسمح بتوافق على غيرها لاحقاً، تماماً كما حصل مع كوفي أنان الذي نجحت موسكو في التمديد لمهمته عبر الإصرار على القيادة السورية أن تقبل بمهلة سحب الدبابات من المدن، بعدما كادت تفشل لعدم التزام النظام بتلك المهلة.
أوجه المقارنة والتشابه والاختلاف كثيرة، إلا أن هناك نقطة تمايز رئيسة في ما يحصل في سورية عن بقية الحروب الأهلية والثورات. فوقائع الثورة السورية تقتضي من أي مراقب أن يسجّل أن ما من ثورة في التاريخ، استمر جزء من الشعب ينزل الى الشارع أعزل من دون سلاح، من أجل أن تستمر، وسط غابة من الأسلحة، في شكل يومي وعلى مدى 14 شهراً، من دون خوف أو تراجع، مع أن الموت أمام عينيه.
يخوض الشعب السوري تجربة فريدة سيسجلها التاريخ. فثمة ثورات دامت 25 عاماً مثل جنوب أفريقيا، وأخرى دامت 10 سنوات مثل الثورة الفرنسية، وغيرها استمرت عقوداً لكنها اعتمدت بالكامل على السلاح والعمليات العسكرية فقط. وهناك ثورات دامت سنوات وشهدت تدفقاً بالملايين الى الشارع في شكل متقطع وغير يومي مثل الثورة الإيرانية، إلا أن ما من شعب واصل يومياً احتجاجاته وسط بطش وظلم ومجازر كالتي تحصل ضده في سورية.